د. عدنان الظاهر
أولا ً : في الأغاني العراقية
ظاهرة وجود أسماء الأعلام في العديد من الأغاني العراقية ظاهرة قديمة معروفة ربما تعود أوائلها إلى ما قبل أربعينيات القرن الماضي . ففي هذه الأربعينيات شاعت أغاني المطرب الريفي السيد ( حضيري أبو عزيز ) شيوعاً كبيراً لأسباب كثيرة على رأسها عذوبة صوت هذا المغني ثم روحه المرحة ثم ولوجه أبوابَ متعددة وأغراض منوعة فيما كان يقدم من أغنيات . ففيها العاطفي والرومانسي وفيها السياسي الخفيف جداً . ثم إنه كان لصيق أجواء ومناخات وذوق أرياف جنوب العراق ولا من غرابة فالرجل من أهالي الناصرية ( ذي قار ) . أتذكر من أغاني السيد حضيري أبو عزيز التي راجت في أربعينيات القرن المنصرم واحدة ً جدَّ مؤثرة فيها رنة حزن يظهر قوياً حيناً ويخفت أحيانا ما زلتُ متأثرا ً بأجوائها رغم مرور أكثر من ستين عاما ً عليها تلحينا ً وغناءً . تلك هي أغنية
[ بوية سعد يا بوية / الونة طالت يا سعد يا بوية ] . أما أغنيته الأخرى التي سارت بين العراقيين سريان النار في الهشيم كما يقالُ فهي أغنية
[ عمي يابوالتموين دمضي العريضة ... ] فقد غناها في أوج أزمات تموين وإمداد الحصص التموينية مثل الطحين والسكر والأقمشة والشاي وربما الصابون خلال وبعد الحرب العالمية الثانية . كانت تحدث يومذاك مهازل ومآس ٍ بسبب سوء التوزيع والتلاعب بأقوات الناس وغش الأغذية المدعّمة من قبل الحكومات الملكية . ومن طرائف السيد أبو عزيز أنه كان خلال تقديم مقاطع أغنياته في ستوديو إذاعة بغداد مرة ً في الأسبوع ويسمعها الناس خلال أجهزة الراديو فقط تستغرق كل مرة فترةَ نصف ساعة كما جرت العادة في ذلك الزمان مع باقي المطربات والمطربين ... كان يطّعمُ أغنياته بطقات قوية من أصابعه [ يدك إصبع ] مترافقة ً أو متناوبة ً مع طقات أخرى قوية جداً يوقعها بلسانه فكانت هذه وتلك تضيفان جواً آخرَ من الطرب والمرح حدَّ الضحك . ولقد كان لسيد المقام العراقي الأستاذ محمد الكبنجي إسم علمه الخاص يردده في أغنية أو جزء من مقام حزين لعله من نوع قطر أو مخالف ذاك هو ( وحيْد ) حيث يقول كمن يبكي [ يا وحيْد يا بوية ] ... وحيْدْ مصغر وحيد . كانت هذه الأغنية أقدم من أغنية حضيري أبو عزيز . أما المطرب الريفي الفذ الآخر ذو الحنجرة المتفردة والمتسربلة بالشجن وأحزان ريف جنوب العراق فهو داخل حسن الذي بزَّ جميع معاصريه من مطربي الريف لا بصوته حسبُ ، بل وبشخصيته وأناقة ملبسه الريفي المعروف ثم مسبحة الكهرب التي لم تكنْ لتفارقَ كفيه أثناء أدائه وصلاته الغنائية في ستوديو تلفزيون بغداد أيام عبد الكريم قاسم . فلداخل حسن إسم العلم الخاص به كالماركة المسجلة ألا وهو ( حمزة ) في أغنية يقول فيها [ ألوجنْ الوجن يمة يا يا يمة / يلحمزة الوج عليكْ / من خزرة العين يمة يا يمة / جاهل وأخاف عليك ]. لستُ متأكداً من صاحب أو صاحبة أغنية هي الأخرى حزينة شجية تقول كلماتها [ بوية مِحمد يا مِحمدْ / تزعل ليش تتعودْ ] وأظن غناها المطرب المجدد السيد إلهام المدفعي بتوزيع موسيقي خاص حديث . أما الأغنية القديمة المعروفة التي إسم علمها الخاص هو ( غلّوبي ) فقد عُرفت فقط بصوت المطرب ناظم الغزالي حيث يقول [ ماريده ماريده الغلوبي / وعيونه سود سود محبوبي ] وغلوبي هو مصغر الإسم غالب ... غالب غلوبي حسب فلسفة أو فقه العربية الدارجة في العراق . أما المرحوم سعدي الحلي فقد كانت لديَّ له أغنية يتغزل فيه بحبيب لا بنجمة ولا ليلى ولا ميمي ولا هم يحزنون ... يخاطبُ فيها فتىً لفتاتهُ غزالية وعيونهُ فراتية يرمز فيها إلى فرات الحلة والمطرب سعدي من الحلة كما هو معروف .
ثانياً : في الأغاني العربية
قليل هو وجود أسماء الأعلام في الأغاني العربية على كثرتها لكني رصدتُ بعضا ً منها في بعض الأغاني . فالمطربة نجاح سلام غنت أغنية شاعت في زمانها تقول في مطلعها [ برهوم حاكيني / زعلان سليني / من فركتك يابه / مجروح داويني / برهوم يا برهوم ] . أما فريد الأطرش فقد ذكر ولمرتين وربما أكثر أسماء نساء كانت الأولى في أغنية قديمة جداً له يخاطب فتاة إسمها ( ميمي ) يقول في هذه الأغنية [ مين زييّ شاف الهنا / مين زييّ نال المنى / من يوم ما حبك فؤادي ... ثم يقول : ميمي ... ] . أما في الأغنية الأخرى فإنه يخاطب المرأة التي شاركته بطولة الفيلم بإسم
( زنوبة ) وهو كذلك تصغير للإسم ( زينب ) في الأغنية التي يقول فيها
[ زنوبة زنوبة حلوة وخفة ومحبوبة / ... ]
لا أدري إنْ كان خاطب محمد عبد الوهاب في بعض أغانيه أحداً من النساء أو الرجال بإستثناء ملك مصر السابق في أغنية ( الفن ) حيث ذكر إسم فاروق بالنص من باب المجاملة والتعظيم وليس من باب الغزل .
سحتُ في ذكرياتي مع أغاني بقية الأقطار العربية فلم أجد غير أغنية المطرب التونسي محمد حمودة يخاطب فيها شخصا ً إسمه ( حمودة ) يقول في أغنيته هذه [ جاري يا جاري يا جاري / يا قريب الدار / ... حمودّة يا حمودة يا حمودة ... ] و حمودّة مرة ً أخرى هو مصغر محمد أو أحمد .
هل ذكر المطربون اللبنانيون المعروفون أسماء أعلام ٍ في أغانيهم ؟ لم يذكر ذلك على حدِّ علمي أحد ٌ من كبار المطربين والمطربات كفيروز مثلاً خلا أنَّ وديع الصافي ذكر ( ليلى ) كعروسة مرشحة لإبنه يحببها له فهي تشاركهم حياة الريف والقرية البسيطة حيث الحياة مقتصرة على الزيتون والجبنة [ الله يرضى عليك يا إبني / ظهري إنكسر والهم ذوّبني / خوذ ليلى بنت ضيعتنا / بتعيش عزيتون والجبنة ... ] . نرى من هذه الأغنية أنَّ ليلى ليست حبيبة المغني ولا تمتُّ له بصلة قربى كما كان الحال مع المغنين العراقيين فمَن ذكروا في أغانيهم كانوا أولادهم أو أعزة عليهم بهذه الدرجة أو تلك أو حتى كانوا مغرمين بالبعض منهم . في الجزائر خاطب المطرب رابح درياسة حبيبته بالتكنية فأطلق عليها [ نجمة قطبية ] في أغنيته التي شَهُرت بهذا العنوان . لا أعرف شيئاً عن واقع الأغاني السودانية وهل يذكر مغنوهم أسماء أعلام ٍ في أغانيهم أو لا ؟ لعل المثال الكبير على غياب ذكر أسماء الأعلام في أغاني مشاهير المطربات والمطربين نجده في مثال أم كلثوم ... لا أظنُّ أنها ذكرت إسمَ رجلٍ في أغانيها قاطبة ً إنما تغزلت أو توددت لرجل لا إسمَ له في أغنية واحدة من أحد أفلامها بقولها له [ غني لي شوي شوي / غني لي وخذ عينيْ ] . ثم عبرت في واحدة من أقدم أغانيها عن تهاويم عشق ٍ عميق ٍ حقيقيٍّ لإمرأة مثلها معروف بين بعض النساء حيث قالت [ ليهْ تلوعني وإنتِ نور عيني / إيهْ جرى / إيهْ جرى بينك في الهوى وبيني ليه تلوعيني ] . لم أسمعْ إمرأة ً نجحت في التعبير عن عميق وحقيقة أحاسيسها الصادقة في حبها العارم لإمرأة أخرى كما فعلت أم كلثوم في هذه الأغنية . ماذا عن فائزة أحمد ؟ لها أغنية معروفة خاطبت فيها ولكن ... أمها هي أغنية [ ست الحبايب يا حبيبة / يا أغلى من روحي ودمّي ... ] . أخذ مطرب أردني أغنية عراقية بطولها وعرضها أظنها لصاحب شرّاد دون أن يذكر مصدر هذه الأغنية التي لطشها نهارا ً جهارا ً ولم يذكر إسم ملحنها العراقي ومغنيها هي أغنية [ عيني وماي عيني / يا عنيدْ يا يابة ْ / تسوة هلي وكل الكرابة / يا عنيد يا يابة ] وعنيْد هنا هو مصغر عنيد .
ماذا بعدُ ؟ ولِمَ إمتاز المغنون العراقيون بهذه الظاهرة ، ظاهرة ذكر أسماء أعلام ٍ تحمل دلالات عميقة منوَّعة فيها حب وعشق أو عطف وذكريات لأصحاب هذه الأسماء كما رأينا في القسم الأول . ف ( سعد و حمد وعبد ووحيد وغلوبي وحمزة ) كانوا إما أولاد المغنين أو ممن وقعوا في غرامهم أو لمجرد ملأ فراغ ٍ حسي ٍّ أو لحني أو لضرورة خاصة بمؤدي الأغنية .
ليتني أقرأ إضافات لهذه الخاطرة القصيرة يتفضلُّ بها السادة القرّاء تتمة ً للموضوع وإثراءً له من كافة جوانبه فما من شك ٍّ عندي أني لم ألممْ به الإلمام َ المطلوب مهما كانت قوة ذاكرتي . ثم َّ إنَّ تتبعي لعالم الأغاني والطرب على صعيد العالم العربي محدود فهو كونٌ وأنا مجرد ذرة صغيرة فيه .
الثلاثاء، أكتوبر 28، 2008
دلالة أسماء الأعلام في الأغاني
Labels:
عدنان الظاهر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق