الجمعة، أكتوبر 10، 2008

عمار يا مصر وخراب يا حياتنا

رشا أرنست

عبثاً باقول واقرأ في صورة عبث، ماتلمش حد إن ابتسم أو عبث. في ناس تقول الهزل يطلع جدّ، وناس تقول الجدّ يطلع عبث، عجبي. كلمات صلاح جاهين انسب تعليق من وجهة نظري على الدراما التلفزيونية الرمضانية، التي انتهت أخيراً. وكانت اغلبها عبث يعبر للأسف عن الأحوال الحقيقية التي يمر بها المجتمع المصري في هذه الفترة الفوضوية. جاءت بعض النهايات متوقعة مثل في أيد أمينة، قصة الأمس، قلب ميت وبعضها جاء بشيء من الاختلاف أو بشيء غير متوقع قليلاً مثل هيمه وبعد الفراق. عمار يا مصر وخراب يا حياة ولادنا جاءت ضمن كلمات أغنية معبرة عن حال المصريين في هذه الأيام بالحلقة الأخيرة من مسلسل هيمه بطولة احمد رزق، وعنوان المسلسل هو اسم البطل غير أن العنوان الآخر جاء أكثر تعبيراً وهو أيام الضحك والدموع. أيام الضحك التي غابت عن وجوه المصريين وسط زحام الهموم، وأيام الدموع الرافضة أن تمضي ولو قليلا. وكأننا في سباق للدموع.
عمار يا مصر بتاريخك وحضارتك وانتصار أكتوبر الذي توقفنا عنده ولم نفعل أكثر منه غير معمار ينهار يوماً بعد يوم على رؤوسنا، وانفتاح يضعنا تحت أقدام الأقوياء في هذا الزمن. خراب يا حياتنا وإحنا محنيين على لقمة العيش التي أصبحنا نحصل عليها بدمائنا. وبدّل أن كانت دماء الشهداء ثمن ارض ووطن، أصبحت ثمن رغيف العيش أو دفاع عن الشرف. كل شيء تغير بعد النصر، كل شيء زاد سعره وقلت قيمته. إلا الإنسان زاد عدده وقل سعره وقيمته.
بعض المسلسلات جاءت واقعية معبرة عن مرارة أيامنا وأحوالنا التي غاصت في بحر من الفساد. فساد بدايته مجهولة واستمراره معلوم لكنه استطاع أن يسيطر حتى على بعض الشرفاء رغماً عنهم. فحوّل رجل الأعمال القاتل أو المحتكر إلى مظلوم والموظف البسيط إلى مرتشي. حوّل الإعلاميين إلى منافقين، والمجتمع إلى إرهابيين. حوّل الغني إلى قنوع والفقير إلى طامع ومتعصب. الكل أصبح ضمن نظرية المؤامرة ولا تعرف من الجاني ومن المجني عليه في داخلها، لكن النتيجة أن المجتمع كله أصبح فاسد. وتزينت مصر بسور من حديد وكأنها سجن كبير وكأننا كلنا نحتاج إلى تأديب وتهذيب وإصلاح مع فرق أن بعضنا سجانون والبعض الآخر مساجين.

أحقاً علي كلا منا أن يحفر قبره إذا أراد أن يدافع عن حقاً له كما جاء في مسلسل هيمه؟ أم على الموظف البسيط رب الأسرة أن يسرق أو يرتشي إذا أراد أن يعول عائلته بعد أن فقد عمله مجبراً كما حدث في شرف فتح الباب؟ أم النتيجة النهائية لحياة المصريون موت بلا كرامة كما حدث تحت أنقاض المقطم؟ أسئلة تطرح نفسها على ساحة الشرّ الذي تجزر في أرضك يا مصر. طوفان من الفساد في كل اتجاه ولا احد يدري موعد دوره من الغرق. جاهين قالها زمان: نوح راح لحاله والطوفان استمر، مركبنا تايهه لسه مش لاقيه بر. آه من الطوفان وآهين يا بر الآمان، أزاي تبان والدنيا مليانة شرّ. وعجبي. فمتى سنصل إلى برّ الآمان من جديد داخلك يا مصر!!!

ليست هناك تعليقات: