‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد الصفار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد الصفار. إظهار كافة الرسائل

السبت، فبراير 03، 2007

الوعي سلاحنا ضد الفتن


الشيخ محمد الصفار

يلزمنا فعل الكثير كي نصبح أكثر عدلا مع بعضنا، وأكثر حكمة في اتخاذ مواقفنا، فظروفنا الراهنة عصيبة وخادعة، وأحداثها تذهب الألباب، ونتائجها تولد القلق والاضطراب، لأن بوصلتها تتجه صوب الخطر.ليس الحذر والخطر هنا بسبب المخططات الخارجية فحسب، وإن كان أثرها غير متجاهل، بل بسبب بعض الرواسب التي تشكل في نفوسنا سلطات لم نتمكن الى الآن من الإفلات منها ، نعم ربما حاولنا الاختباء عنها أحيانا، والتقليل من سيطرتها في أحيان أخرى، لكنها سرعان ما تعود فاعلة ومؤثرة مع أقرب حدث، لتهز القناعات، وتحطم لغة التواصل، وتؤكد الكيانات المتناحرة والمتربصة ببعضها.لا بد لنا ونحن نبحث عن طوق النجاة والسلامة من نوائب البلايا ومضلات الفتن ، أن نتأمل في مسلماتنا، وفي بعض ما مكناه للتأثير علينا.

فهنالك مجموعة من المسلمات أصبحت حقائق أعملناها في داخلنا فشكلت حكومات تسيطر على تفكيرنا وقراراتنا، وأهم هذه الحكومات:1/ حكومة العدد، فقد شُحنت أجواؤنا وضجت أسماعنا بمصطلحات الأكثرية والأقلية، وأخذنا نهرول وراء الأعداد لنبدأ حروبنا اعتمادا عليها، فاتجهت الأكثريات للسيطرة والاستحواذ، ومالت الأقليات لتسجيل المواقف والارباكات، وبين هذين الأمرين توقف الحديث عن المواطنة وعن الوطن باعتباره مقياسا للصلاح والبناء والسلم الأهلي، وتباعدنا كثيرا عن أهم قيم الدين ومبادئه وهو العدل.

إن التخلص من هواجس العدد، والابتعاد عن تأزيماته النفسية التي تسببها مصطلحات الضعف والهوان والتهييج والاحتقان (الأكثرية والأقلية) هو من أهم العلاجات التي ينبغي التعجيل بها في زمن الفتنة والتمزق، لأن متابعة إيحاءاتها تفقدنا نسبة عالية من الدقة الضرورية لمعرفة حقائق الأمور، وحينها تضيع علينا سبل العلاج، ويتلقفنا الضياع لنصبح فرائس لدروبه الملتوية.لا أحد يكشف سرا إذا قال أن جزءا من صراعاتنا الحاضرة في راهننا تتغذى من هذين المصطلحين الخطيرين المسيطرين على تفكيرنا وقراراتنا ومبادراتنا.2/ حكومة المسبقات التراثية، من نصوص وأقوال للفقهاء والعلماء ، لقد تنادت بحياء أصوات محدودة في عالمنا العربي والاسلامي للبحث والغربلة في هذا التراث الضخم من ناحيتين، الأولى التمسك بصحيحه والدفاع عنه مهما كان الثمن، والناحية أخرى هي التجاوز عن الزيادات والمبالغات التي لحقت بذلك التراث.بيد أن هذه الاصوات لم تسرع الحركة، ولم تبادر بثقلها المعهود من أجل انتزاع زمام المبادرة قبل ظروف الاحتقان والتوتر، بل باغتنا هذا التوتر والاحتقان ليستفيد من التراث بكامله، ويجعله مصدر إمداد ودعم لتوجهاته من دون تفريق بين غثه وسمينه.

إننا الآن في ظرف قل نظيره من حيث الاستدعاء الجاف والمحتقن للآراء الشاذة، والمقولات غير الثابتة، ثم الاحتماء بها، أو استخدامها كأدوات تحريضية ضد هذا وذاك، مما يزيد الحاجة إلى ضرورة الوعي والادراك لتلك المسبقات ومن ثم الاسراع بالغربلة والتنقية كواحدة من وسائل تهدئة النفوس وتصافيها.3/ حكومة الشائعات التي يحركها الاعلام، لتسيطر على عقولنا وتتحول إلى حقائق لا تقبل الجدل والنقاش، ولعل الاجواء الملبدة والنفوس المشحونة هي خير معين للشائعات في الانتشار والتسلل إلى العقول، فهي سلاح مدمر يلجأ إليه المتحاربون لتحطيم معنويات بعضهم بعضا.أعتقد أننا اليوم أمام استفادة حقيقية لاسلوب الشائعات يقوم بها أعداء الاسلام والمسلمين بغرض تحطيم معنويات الأمة بكاملها، وجعلها متخبطة لا تستطيع تشخيص واجبها الحقيقي، ولا تلمس طريقها بوضوح.إن الكثير من التحاليل التي نسمعها الآن في ظروف الفتنة، لا نعلم شيئا عن مقدماتها وأسبابها، وعن القائمين بها، فكل هذه المعلومات محتكرة في مكان ما، لا يقبل مالكوها توفيرها، وإذا أخرج للعلن شيئا منها فإنهم يفعلون ذلك بعناية فائقة وانتقاء متقن كي تتحرك الأمور لمصلحتهم.

إن طاحونة الإعلام المشوهة رفعت من نسبة الشائعات وزادت من حدة مواقف الناس تجاه بعضهم، ورفعت نسبة الأوهام والقلق بينهم .نحتاج إلى قدر كبير من التأني والتأمل فيما يصلنا من أخبار ومعلومات وتحاليل، كما يلزمنا أن نعي وجهتها وتوجيهها لأن هذه الأخبار والمعلومات لا تكتب ولا تذاع إلا بقصد وهدف محدد.إن ما يهمنا ويدفعنا إلى هذا القدر الكبير من التأمل والوعي هو ألا نؤخذ على حين غرة.



السبت، يناير 27، 2007

من الظلمات إلى النور


ـ محمد الصفّار

ظلام وعتمة وضياع، حروب واصطفافات ودماء، شتات وتمزق وضعف، وضع أشبه ما يكون بالجاهلية الأولى، والوصف هنا على قساوته لا يرقى لتوصيف الواقع المرير والظروف الصعبة التي تحاول أمتنا العربية والإسلامية تخطيها وتجاوزها رغم الدماء والجراح والآلام.
أمة عربية وإسلامية كبيرة، وجسم ممتد على مساحات شاسعة من اليابسة، غير أن هذا الجسد أو الجسم ينهش وينال منه، وتصاب أعضاؤه بالأمراض والبلايا، ليتدحرج من ضعف إلى وهن، ولنصبح أمة مشلولة وغافلة عن العالم ومشغولة ببعضها.نحن بأمس الحاجة في ظرفنا الراهن إلى الفكرة المنقذة والخطاب المتأمل، والنص الحكيم، لأننا أصبحنا في واقع زادُنا فيه هو الأفكار الهوجاء التي تسود الساحات، والخطابات المتشنجة الصاعدة جماهيريا وشعبيا، وتعززت فيه الكتابات المتهورة لتصبح سيدة الموقف.إننا اليوم في زمن الفتنة، وقد استكملت عدتها وعتادها، وتحركت تزرع الحقد، وتدفع أرواح الأبرياء ثمنا لأهدافها، نحن اليوم في ظروف استحوذ الشيطان فيها علينا جميعا، فأصبح هو السمع الذي نسمع به والبصر الذي نشخص الأشياء به، والدافع الذي يبعثنا مختارين إلى الوحل والظلمة والمستنقعات الآثمة.هنا لا يسعني الا الكتابة عن وقفات محبة مع كتابنا الكرام وخطبائنا الأعزاء، ومثقفينا الأفاضل.
الأولى: إن مسؤوليتنا الدينية والأخلاقية تتطلب منا إطفاء نيران الفتنة التي تشتعل من حولنا، وطلب العون من الله سبحانه أن يوفقنا لوأدها، وأن يعطينا من الجهد والقوة ما يمكننا من الإعانة على رتق الصدع، لتعود النفوس كما كانت متحابة ومتسالمة، فإن لم نستطع ذلك (بأن نطفئ نار الفتنة) فأقل ما يجب علينا فعله هو إضعافها، فإن لم نتمكن من ذلك أيضا فالمتيسر أمامنا هو تطويقها وحصرها، ولا يصح منا أن نعمد إلى نشرها بأي أسلوب كان.
هذا ما يصنعه الإطفائيون لمعالجة الحرائق الكبيرة، حين تلتهم الأخضر واليابس، إنهم يعزلون منطقة الحريق، أو يرشون ما حولها بالماء منعا لحدوث حرائق جديدة في المناطق المجاورة.ليس ثمة انتصار يمكن أن يحققه الكاتب (أي كاتب كان) بعباراته التعبوية، وعباراته التهيجية، فهذه لغة بعيدة عن رسالة الكتّاب، بل هي عكسها تماما إذ تهيئ المناطق الأخرى التي تبث فيها لانتقال الفتن والمصائب إليها، وامتدادها إلى مساحات جديدة.
الثانية: وراء كل حدث وحادثة تسود ردود أفعال ليست ناضجة أحيانا، لأنها مأخوذة بصدمة الحدث وسكرته، وتبدو ردود الأفعال هذه إنفجارية ومتوترة، يحركها أصحابها في ظروف التوتر والاحتقان غير عابئين بما يتولد عنها بعد حين.إن من المهم والمفيد أن نتأمل الأحداث، وأن نتأملها، حتى تنجلي السكرة وتأتي الفكرة، وحينها نكتب ما يرضي ربنا وينفع مجتمعنا، إن التغلب على ساعات السكرة عملية مهمة وضرورية كي نحولها (السكرة) إلى فكرة نرعاها ونؤكدها في نفوسنا ونبثها للناس من حولنا ليتعظوا بتجارب غيرهم، ويستفيدوا منها دروسا ليس ثمنها الا الإنسان وأمنه وسعادته.الثالثة: نحمد الله سبحانه وتعالى على الأمن والأمان في بلادنا، وعلى صلاح البال الذي ننعم به، فالكثير من الفتن تتحرك قريبا منا أحيانا لكن تبقى ونبقى على مسافة (بعيدة إن شاء الله) عنها.
هذا الوضع يتيح لنا أن نكون في موقع المراقب للأحداث عن كثب، وهو موقع ثمين ومهم، يتيح قدرا كبيرا من التروي والتفكر واستخلاص الدروس والعبر، والاستفادة من تجارب الآخرين، وتقلبات الزمان التي تمر بهم.كتابنا وخطباؤنا ومثقفونا مطالبون بعدم الاستعجال في الانتقال من موقع المراقب والمتأمل إلى موقع الفاعل والمشارك، فالفتن تأخذ من الجهال والبسطاء والمساكين ما يكفيها ويزيد، أما أنتم فالحاجة إليكم هي في استنقاذنا من الجهل والبساطة والاستغفال، كما أن دوركم الموجّه هو ضرورة ملحة نحتاجها لتعزيز المحبة وتوطيد الاحترام المتبادل.
أنتم أيها الكتاب زين البلاد وحيادكم هو ما يمكننا من قراءة الفتنة من جهاتها المتعددة، ويتيح لنا حرية أكبر في اختيار الموقف الذي يرضي الله ورسوله ويرضي عنا ضمائرنا وانسانيتنا.ولنتذكر أن هذا الوطن المعطاء يستحق منا أن نحميه بكلامنا الطيب، وكتاباتنا المعتدلة، وأن نشدد الرقابة على أنفسنا حتى لا نستورد صراعات الآخرين من الخارج إلى سور الوطن، إن رسالتكم أيها الكتاب هي هذا الوطن بما فيه من دين وأهل، والشهم هو من يخدمه بوحدته وتراصه وتوافقه، ويخرج أهله من ظلمات الاعلام والتشويه والشائعات إلى النور وصفاء الإنسانية.