السبت، أبريل 03، 2010

ملاحظات حول اللغة والتفسير

د. عدنان الظاهر

أعترف إبتداءً أنَّ هذا الموضوعَ معّقدٌ وشديدُ الحساسية وما ملاحظاتي سوى نوع من المغامرة المتواضعة قصدي منها تحريك الجو الأدبي واللغوي العامين كي يصطفّا سويةً من أجل بذل القليل من الجهد لتيسير فهم وإستخدامات اللغة العربية وخاصةً على المبتدئين من طلبة المدارس والجامعات ولا أستثني من ذلك الجموع الغفيرة من الكتّاب والأدباء والشعراء من كلا الجنسين بالطبع ومن نافلة القول .
أقول هذا الكلام وأنا أحد الذين يُعانون يومياً من هذين الموضوعين كليهما أو أحدهما ، اللغة والتفسير ، وأقاسي أكثر حين أقرأ نصّاً جميلاً شعرياً أو غير شعري ـ كمجموعة قصصية أو رواية ـ فأكتشف ما فيها من أخطاء نحوية وغيرها مما لا يستقيم وما تعلّمنا من قواعد العربية في مدارس العراق من مرحلة الدراسة الإبتدائية حتى الجامعات .
لماذا نخطأ في الكتابة بلغتنا حين لا تخطأ أغلبُ شعوب الأرض ؟ ألأننا نكتب أو نحاول أنْ نكتب بالعربية الفصحى المغايرة للغتنا اليومية الدارجة ؟ هل ستختفي أخطاؤنا اللغوية في الكتابة شعراً أو نثراً إذا ما تكلمنا بلغة واحدة وصيغ لغوية واحدة متطابقة مع قواعد النحو والصرف والإشتقاق التي نحاول إتبّاعها حين نجلس لنكتب رسالةً او نصّاً أو أثراً ؟ هل اللسان الواحد يوحّد العقول عقول الناطقين به مهما تباعدت البلدانُ وتشتت الطُرُق ؟ ما المرشّح الأفضل والأقوى : ألسنة متعددة متفرّقة أم لسان واحد موحّد بإحكام ورسوخ ؟ هل تعددية تفسير قواعد اللغة العربية بحجة البيان تارةً والتنوّع في الأداء اللغوي وثرائه تارات أُخرَ ... هل هذه التعددية أفضل للناطق باللغة العربية والكاتب بها أم التوحيد ، توحيد القواعد والتفسير تفسير الأوجه المتباينة للغة ثم تفسيرات الكثير من آي القرآن الكريم من قبل العديد من كبار مفسري القرآن وعلماء الفقه والدين المختلفة جذرياً أحياناً كما سأبيّنُ في الجزء الثاني من مقالي هذا ؟
لم أجد في كل ما قرأت ، ولم أزل ، من شعر وأدب وصحف يومية ومجلات في ثلاث لغات أعرفها وأتكلمّها أيَّ خطأ لغوي فما تفسير ذلك ولماذا هؤلاء الناس مختلفون عنا ونحن مختلفون عنهم ؟ اللغات الثلاث هي الإنكليزية والألمانية والروسية . يُقالُ إنَّ الشاعر والمسرحي الإنكليزي المعروف وليام شكسبير كان قد إرتكب أخطاءً لغوية قليلة فيما كتب صححها بعده القائمون على تراثه جيلاً بعد جيل ... كما أنَّ الشاعر الإنكليزي الآخر لورد بَيْرنْ ( بايرون ... ) كتب كلمة " طفل " الإنكليزية بشكل خاطئ غير متداول وغيرمعروف هو
Childe
بدلَ الصيغة المعروفة المتداولة
Child
بدون حرف الياء في آخر الكلمة وكان هذا جزءاً من عنوان إحدى قصائده الطويلة الأكثر شهرة المسماة جايلد هارولد ، الطفل أو الصبي هارولد وهذا هو إسم هذا الصبي في القصيدة "
Childe Harold
الطريف في الأمر أنَّ كبار شعراء العربية منذ صدر الإسلام لم يخطأوا في كتابة أشعارهم أبداً إلاّ فيما ندر وكان لذلك تأويلاته ، وربما أخطأ بعضهم في توظيف مفردة واحدة أو إثنتين في كل ما كتب من قصائد فانحرف بها عن معناها المتداول وقامت جرّاءَ ذلك القيامة في وجهه كما كان يحصل مع أبي الطيب المتنبي سواء في حلب أو بغداد وخاصةً مناظرته الشهيرة مع أبي الحسن المُظفّر الحاتمي . لم يخطأوا في قواعد اللغة العربية إعراباً ونحواً وصرفاً لكنهم إجتهدوا في الخروج بمعاني بعض الكلمات ربما لضرورة تفرضها طبيعة الشعر العربي ولا سيّما العروض ومستلزمات الوزن والقافية .
الجزء الأول / حول بعض قواعد اللغة العربية
لأنَّ الموضوع شائك ومتشعّب ، سأختار نماذجَ للتهّدل اللغوي وجوازات تعدد أوجه الإعراب التي لا أراها ضرورية بل وضارّة للناطقين بالعربية والكاتبين بها. بلى ، قد تكون هامة وطريفة بالنسبة للباحثين وكبار المختصين بعلوم وتراث اللغة العربية فلتكن هذه مجالات بحثهم وإختصاصهم أو إحترافهم للغة في مجالات التقصّي والتدريس العالي المستويات .
وجدتُ أغلب الإشكالات فيما قد إخترتُ من نماذج هي تلك المتعلقة بالإستثناء وحكم المستثنى منه ، ثم الخلط بين حالتي التمييز والحال بدرجة أقل حدّةً .
المصدر الذي إعتمدتُ في ركوب [ مغامرتي ] هذه هو كتاب الغلاييني الواسع الشهرة والإنتشار ( جامع الدروس العربية في ثلاثة أجزاء ، الناشر : دار الكتاب العربي ، الطبعة الأولى
2004 . )
مع ملاحظة أنَّ هذا الرجل الجليل ما كان ميّالاً في تفسيراته لمدرسة الكوفة خلا بعض التنويهات الشحيحة في ذكر هذه المدرسة التي تميل بقوة لتيسير اللغة العربية بينما وجدت الغلاييني يميل بقوة نحو مدارس أخرى في تفسير قواعد اللغة العربية التي تجنحُ للتنوّع غير الضروري وتعدد أوجه الإعراب فهي ،على نقيض مدرسة الكوفة ، ليست مع توحيد اللسان العربي .
أدوات الإستثناء : للإستثناء أدوات كثيرة الأمر الذي لا وجودَ له فيما أعرف من لغات قليلة . فلنعددها :
إلاّ ... غير ... سوى ... خلا ... عدا ... حاشا ... ليس ... لا يكونُ [ عديدها ثمان ... ليس في دنيا اللغات الأخرى شبيه بهذا ... ] . حكم المُستثنى أنْ يكونَ منصوباً والإستثناء من معرفة أو نكرة مفيدة . طيبّ ، لكنَّ اللغة تجيز رفعه ونصبه في بعض الحالات وهي ليست بالقليلة .
المستثنى بإلاّ /
سأبدأ بحالة الإستثناء ب [ إلاّ ] دون الخوض في الفاصيل . نقرأ في كتاب الغلاييني ، الصفحة
483
الباب التاسع من الجزء الثالث ما يلي / يجب نصب المُستثنى بإلاّ في حالتين :
أولاً / إنْ يقع في كلام تام موجب ، مثلاً : ينجحُ التلاميذ إلاّ الكسولَ
ثانياً / أنْ يقعَ في كلام تام منفيّ أو شبه منفيّ نحو : ما جاءَ إلاّ سليماً أحدٌ .
وتساءل الغلاييني : متى يجوز في المستثنى بإلاّ الوجهان ؟ أجاب : يجوزُ في المستثنى بإلاّ الوجهان : جعله بدلاً من المستثنى منه ، ونصبه بإلاّ إنْ وقع بعد المستثنى منه في كلام تام منفي أو شبه منفي نحو : ما جاء القومُ إلاّ عليّ [ علي مرفوع لأنه بدل من القوم ] ... وما جاء القومُ إلاّ عليّاَ [ علياً منصوب لأنه مُستثنى بإلاّ ] . سؤالي الدائم هو : وهل ستقوم القيامة إذا إستغنينا عن حالة البدل وجعلنا المستثنى بإلاّ منصوباً على الدوام ؟ أية قيمة جمالية أو بلاغية تضيفها حالة البدل وحالة أو حكم البدل يتغير حسب حالة المُبدَل منه رفعاً ونصباً وجرّاً، الأمر الذي يجعل القارئ أو الكاتب في إلتباس وتشوّش ولا يقين . أقولُ هذا الكلام لأنَّ الأصل في إعراب المستثنى أنْ يكون منصوباً أما الحالات الأخرى فإنها مفروضة علينا من قبل النحويين من باب الجواز خلافاً للحكم الذي تفرضه قواعد وقوانين اللغة فلنتبّع هذه القواعد والقوانين بشكل صارم تجنباً للتبعثر والتعدد وتوخياً لوحدة اللسان وسلامة النطق ففي سلامتهما سلامة وصحة تفكير الإنسان وبناء هندسته العقلية . يضرب الغلاييني مثلاً آخر من القرآن على جواز حالتي البدل والإستثناء فيسوق الآية السادسة والستين من سورة النساء [ ما فعلوهُ إلاّ قليلٌ منهم ] كحالة بدلية ثم يُضيف : وقُرئ [ إلاّ قليلاً ] بالنصب بإلاّ . ويُزيدُ الأمر تعقيداً بضربه مثلاً آخر [ تبدّلت أخلاقُ القوم إلاّ خالداً أو إلاّ خالدٌ ] . وثمّة مثالٌ آخر [ ما جاءني من أحد إلاّ خالداً أو إلاّ خالدٌ ] فالنصب على الإستثناء والرفعُ على البدلية من محل " أحد " لأنَّ محله الرفع على الفاعلية . هل تزيد هذه التعقيدات من ثقافتي اللغوية أو الأدبية وهل تزداد الجملة جمالاً أو بلاغةً إذا جعلنا ( خالدٌ ) مكان ( خالداً ) ؟ أترك الحكم للقارئ الكريم فإني مع اليسير وضد التعسير والقسر والتشعب والتبعثر ورائدي الأول والأخير وحدة النطق باللسان وثبات الفكر على نهج واحد دقيق واضح وسليم ولا تعنيني الفذلكات والتمرّجح بين العديد من الحالات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع .
المستثنى بغير وسوى /
خلاصة ما قال الغلاييني عن غير وسوى : وقد تُحملُ غير على إلاّ فيستثنى بها كما يُستثنى بإلاّ ... والمستثنى بها مجرور أبداً بالإضافة إليها نحو جاء القومُ غيرَ عليّ . وحكم غير وسوى في الإعراب كحكم الإسم الواقع بعد إلاّ فتقولُ : جاءَ القومُ غيرَ خالد ، بالنصب لأنَّ الكلامَ تامٌّ موجب .
نرى هنا أنَّ المستثنى بغير يكون مجروراً دوماً بالإضافة إليها فهي مُضاف إليه.
الإستثناء بخلا وعدا وحاشا /
خلاصة ما قال الغلاييني بشأن هذا الثلاثي ما يلي : خلا وعدا وحاشا أفعالٌ ماضية ضُمّنت معنى " إلاّ " الإستثنائية فاستثني بها كما يُستثنى بإلاّ . وحكمُ المُستثنى بها جوازُ نصبه وجرّه ، فالنصبُ على أنها أفعالٌ ماضية وما بعدها مفعولٌ به . والجرُّ على أنها أحرف جرّ شبيهة بالزائد نحو : جاءَ القومُ خلا علياً أو عليُّ . والنصبُ بخلا وعدا كثير والجرُّ بهما قليل . والجر بحاشا كثيرٌ والنصبُ بها قليل . إنتهى كلام المرحوم الغلاييني .
أتساءلُ : هل أنتم ، قُرّائي الأعزاء ، وأنا بحاجة ماسّة لكل هذا اللغو والإطالة والمد والتنوّع فيما لا يُغني ولا يُثري ولا يُزيد من ثقافتكم أو ثقافتي فاللغة أساساً ليست غاية بذاتها إنما هي أولاً وآخراً وسيلة للتواصل والتفاهم بين البشر مهما كانت لغاتهم والتعبير عن حاجاتهم الخاصة والعامة وعمّا في رؤوسهم من أفكار وما في صدورهم من مشاعر وعواطف وأحاسيس . فلنقرأ شروح الغلاييني معاً ثانية لعلكم تتفقون معي أنْ ما هذه المنعرجات والتشعبات إلا إضاعة للوقت والجهد وتشتيت للرؤى وبلبلة فكرية تعتري الناشئة وطلبة المدارس والجامعات فيحارون كيف يكتبون لغتهم سليمةً كما جاءت في قرآنهم الكريم قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة سنةً . بل الأسوأ من ذلك أننا نرى خلافات حتى في القرآن حول كيفية قراءة هذه اللفظة أو تلك دون أنْ يشيرَ أحدٌ من مفسري القرآن إلى إحتمالية سهو أو خطأ نَقَلة أو حَفظة القرآن ولا سيّما الذين يحملون صفة " كتّاب الوحي " الذين كانوا يحفظون في صدورهم ما يسمعون من آيات قرآنية تتنزّل على نبيهم في لحظات نزولها ومن ثم ينصرفون لتدوينها على ما كان يتيسرُ لهم من عظام أو جلود أو خزف وما إلى ذلك من وسائل بدائية لكتابة النصوص ... ولا أتكلم عن نوعيات حبر الكتابة وما يكتبون به من أقلام .
المستثنى بغير وسوى مجرور دائماً كما رأينا في الكلام عنهما . لكنَّ الحال مختلف مع ثلاثي خلا وعدا وحاشا فالمستثنى بها " مزدوج " الحكم والحال والشخصية ... إذْ يجوز له أنْ يكونَ مجروراً أو منصوباً فعلام هذا الدلال والرفاه اللذان لا يحملان معهما للغتنا إلاّ الميوعة والفلتان والتبعثر والإختلاف الذي لا من ضرورة ماسّة له كما أحسبُ وأرى .
الإستثناء بليس ولا يكونُ
يُدخلنا الغلاييني مع ليس ولا يكونُ في إشكاليات جديدة أكثر تعقيداً مما رأينا من حالات تخص إدوات الإستثناء السابقة . أُجملُ التفصيلات بما يلي :
أولاً / إعتبار ليس ولا يكون أفعالاً ناقصة { أي كان وأخواتها } ترفعُ الإسم وتنصب الخبر كما هو معروف وشائع . مثال : ليس الجرذُ أسداً .
ثانياً / أنْ يكونا بمعنى إلاّ الإستثنائية فيُستثنى بهما كما هو الشأن مع إلاّ ... وطبيعي أنْ يكونَ المُستثنى بعدهما منصوباً وجوباً . مثال : جاء القومُ ليس خالداً او جاء القومُ لا يكونُ خالداً . لاحظ عزيزي القارئ الكريم الإفتعال والإعضال في جعل هذين الفعلين أداتي إستثناء فالمثل الذي إستشهد الغلاييني به ضعيف ركيك يفتقر لأبسط متطلبات السلاسة اللغوية وسليقة الطبع وعادة اللسان وما وراءه من فكر وتفكير . ما هذا السخف والهذر في جملة مثل [ جاء القومُ لا يكون خالداً ] ؟ لا ذوق القارئ يتقبل هذا الإعضال المصطنع ولا طبعه السوي ولا فقه لغته التي تعلم قراءتها والكتابة بها منذ نعومة أظفاره . هل العرب بمسيس الحاجة اليوم لمثل هذه الهلوسات ؟
ثالثاً / او أنْ يُجعلا فعلين لا مرفوعٌ لهما ولا منصوب لتضمنّهما معنى " إلاّ " ... أو يُجعلا حرفين للإستثناء نقلاً لهما من الفعلية إلى الحرفية لتضمّنهما معنى
" إلاّ " .
أتساءل : عرفنا أحكام " إلاّ " ولكنْ كيف يستغني الفعلُ عن المرفوع والمنصوب
وأي فعل { مخصيّ } هذا يجرّده بعض اللغويين من خصائصه المعروفة ؟
آخر كلام للغلاييني هو الصحيح المضبوط ، أقصد { أو يُجعلا حرفين للإستثناء نقلاً لهما من الفعلية إلى الحرفية لتضمنهما معنى إلاّ } .
إعتراضي : ما هي دواعي الهروب إلى أمام واتخاذ الفعلين كان وليس حرفين شبيهين بأداة الإستثناء إلاّ ؟ هل خلي معجم اللغة العربية من أدوات إستثناء كثيرة معروفة عرفنا قبل قليل ستاً منها ؟ ما الذي يجعل البعض أنْ يلجأ إلى تشويه بعض أفعال اللغة العربية وحرفها عن مسارها وأدائها الطبيعيين واتخاذها حروفاً وهي أفعالٌ والحرف حرفٌ كما أنَّ الفعلَ فعلٌ ؟
رابعاً / يدخلنا الغلاييني من خلال الحالة الرابعة في عالم مدرسة الكوفة اللغوية وهي من الحالات النادرة في كتاب هذا الرجل . أرى هنا موقف واجتهاد مدرسة الكوفة أفضل الجميع وأكثرها طبيعية واتساقاً مع المنطق وسليقة اللسان العربي.
قال الغلاييني في هذا الباب : كما جعل الكوفيون " ليس " حرف عطف إذا وقعت موقع لا النافية العاطفة نحو : خذْ الكتابَ ليس القلمَ ...[ القلم منصوب لأنه معطوف على الكتاب ] . ونحو : الأشرمُ المطلوبُ ليس الطالبُ ... برفع الطالب عطفاً بليس على المطلوب .
الجزء الثاني / الإختلاف في تفسير بعض آي الذكر الحكيم
معلومٌ أنَّ الخلاف في تفسير الآيات نابعٌ أساساً من الخلاف في فهم وتفسير بعض مفردات القرآن . وإني أرى أنَّ بعضَ المفسرين والفقهاء وعلماء اللغة والدين قد أساءوا للبعض من نصوص القرآن فلقد شرّقوا وغرّبوا واجتهدوا فقدموا أكثر التفسيرات غرابةً وسأعرض نماذج من تفسيراتهم المتعارضة والمتضاربة والبعيدة عن روح النص ولغة العرب القديمة التي سبقت الإسلام.
ملاحظة قبل الدخول في صُلب موضوعي : قرأتُ فيما سَلَفَ من أيامي تفسيرات الطبري ثم إطلعّتُ على بعض تفسيرات النَسْفي لكني اليوم لا أجدُ بين يديَّ من مصادر إلاّ تفسيرات إبن كثير الدمشقي المتأثر بفكر وتفسيرات أحمد إبن حنبل والسلفي الشهير إبن تيمية لكنه ، مع ذلك ، منفتحٌ على أفكار وتفسيرات العديد من مشاهير مفسرّي القرآن وهذا موقف يُحسبُ له ويُشكرُ عليه . إخترتُ نماذجي للخلافات الكثيرة حول تفسير بعض ألفاظ القرآن الكريم من المجلد الثالث من كتاب ( مُختصر تفسير إبن كثير ، إختصار وتحقيق محمد علي الصابوني ، الناشر دار القرآن الكريم ، بيروت الطبعة السابعة
)1981 .
من سورة المرسلات وآياتها خمسون { والمُرسَلات عُرفاً . فالعاصفات عصفاً . والناشرات نشراً . فالفارقات فَرقاً . فالمُلقيات ذكراً . عُذراً أو نُذْراً } .
أنقل حرفياً ما عرض إبن كثير من تفسيرات للآية القصيرة الأولى : والمُرسَلات عُرفاً لنرى مقدار الإختلاف في تفسير كلمتي هذه الآية بين كبار رجال الصحابة وعلماء الدين واللغة الأمر الذي أُعدّه خروجاً عن روح القرآن بل وإساءة له وتضليلاً لقرّائه وطالبي ودارسي علومه وبالطبع لا أجرؤ على تقديم البدائل فأترك هذه المهمة الصعبة لغيري من الغيارى على الدين والتراث وعلم التفسير من المعاصرين فلقد آن أوانُ إعادة النظر في تفسيرات القرآن وكفى إعتماداً على ما قال الأقدمون وما إجتهدوا وما أوّلوا ففيما قالوا الكثير من الشطحات والخروج حتى عن قواعد اللغة العربية المعروفة والكثير مما لا يقبلُ العقل السوي فهيّا يا رجال شمّروا عن سواعدكم وخوضوا في هذا الميدان الشريف وبيضّوا الوجوه إذْ ليس معقولاً وليس مقبولاً الركون إلى تفاسير ، بعضها مشبوه ، قيلت قبل عشرات القرون من السنين شرط إعتماد العلوم الحديثة ولكن بشكل محدود حَذر ومقيّد . أسوق ما عرض وما قال إبن كثير من تفسيرات للآية الأولى من سورة المُرسَلات على الصفحتين
586 & 587
من المجلد الثالث وهو المصدر الذي إعتمدتُ :
[[ روى إبن أبي حاتم عن أبي هُريرة " والمرسلات عُرفاً " قال : هي الملائكة . ورويَ عن أبي صالح أنه قال : هي الرُسل . وقال الثوري عن أبي العُبيدين قال : سألتُ إبن مسعود عن المُرسَلات عُرفاً قال : الريح ، وكذا قال في " العاصفات عصفاً والناشرات نشراً " إنها الريح ، وكذا قال إبن عباس ومجاهد وقتادة . وتوقف إبن جرير ـ لعله الطبري ؟ أنا صاحب هذا التساؤل ـ في " المرسلات عُرفاً " هل هي الملائكةُ إذا أرسلت بالعرف ، أو كعرف الفرس يتبعُ بعضُهم بعضاً ، أو هل هي الرياح إذا هبّت شيئاً فشيئاً ؟ وقطع بأنَّ " العاصفات عصفاً " الرياح ، وتوقف في " الناشرات نشراً " هل هي الملائكة أو الريح كما تقدّم ، وعن أبي صالح أنَّ " الناشرات نشراً " هي المطر ...
ملاحظاتي :
أولاً / قد إختلف كما رأينا هؤلاء الكبار في تفسير وشرح مفردة " المرسلات " فمن قال إنها الملائكة ... وقال آخرون إنها الريح ... وشتّانَ ما بين التفسيرين ففي أيّ التفسيرين نجد الصواب ، الملائكة أم الريح ؟ ثم زاد فقال آخرون في " المرسلات عُرفاً " هي الملائكة إذا أرسلت بالعرف ، أو كعرف الفرس يتبع بعضهم بعضاً ... فهل ، تُرى ، للملائكة أعراف كأعراف الخيول ؟ أليس في هذا التفسير إساءة للدين نفسه ؟ كيف يُشبّهُ المَلَكُ بالفرس ؟ قبل أنْ أسترسل في التعرض لباقي آيات هذه السورة والإنتقال إلى نماذج أُخَرَ مما قيل في تفسير مفردات قرآن ودستور المسلمين ... قبل ذلك أرفعُ تساؤلي عمّن يكون " أبو صالح " ثم " أبو العبيدين " ؟ .
الآن أتعرض للخلافات الشديدة في تفسير بعض مفردات الآيتين التاليتين من هذه السورة . [[ إنها ترمي بشرر كالقصر . كأنه جمالاتٌ صُفرٌ ]].
[[ إنها ترمي بشرر كالقصر ]] ... أي يتطايرُ الشررُ من لهبها كالقصر ، قال إبن مسعود : كالحصون وقال إبن عباس ومجاهد : يعني أصول الشجر ؟ فهل هذا القصرُ هو حصنٌ أم فروعُ شجرة أفتوني أيها الناس ؟
لنتفحص الآية التالية لها [[ كأنه جمالاتٌ صُفرٌ ]] . أي كالإبل السود . قال مجاهد والحسن واختاره إبن جرير وعن إبن عباس " جمالة صفر / هكذا وردت " يعني حبال السفن ، وعنه " جمالة صفر " : قطع نحاس .
يا أيها الناس الكرام الأخيار أفتوني مأجورين : بأي تفسير تأخذون لجمالات صفر وتقتنعون به / الإبل السود أو حبال السفن أو قطع النحاس وما أوجه الشبه بين هذه التفسيرات الثلاثة ؟ أليس في هذا الشطط والإختلاف إرباك للعقول وتشويش للقدرة على الفهم وتشتيت للإجماع وإساءة لإستقامة اللسان وسلامة اللغة ؟
أنتقل بعد خيبة الأمل الكبيرة في تفسير بعض مفردات آيتين قصيرتين جداً لأتفحّص بعض آيات سورة العاديات وهي مكيّة وآياتها إحدى عشرة :
[ والعاديات ضَبحاً . فالموريات قَدحاً . فالمغيرات صبحاً ] ...
لا أدخل في تفصيل ما قال المفسرون لكني أختصر ما قال إثنان من أقرب الناس رَحماً للرسول الكريم وأفقه العرب ديناً وقرآناً هما إبن عباس وعليّ إبن أبي طالب ..
فمذهب إبن عباس أنها الخيل وقال علي إنها الإبل ... أي الرجلين على صواب وما أسباب إختلافهما في تفسير مفردة واحدة وردت في سورة صغيرة واحدة ؟ تفسير إبن عباس هو الأقرب للصواب بالإعتماد على منطق ومعنى ما جاء بعد الآية الأولى من القول [ فالموريات قدحاً ] حيث قالوا : يعني بحوافرها . لكنهم حتى هنا يختلفون جذرياً في تفسير هذه الآية الثانية فقال أحدهم : أسعرت الحرب بين ركبانهنَّ ، وقيل : هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل ، وقيل : المراد بذلك نيران القبائل ، وقال إبن جرير : والصواب الأول : الخيلُ حيثُ تقدح بحوافرها . أرى أنَّ هذا هو التفسير الصحيح إذا إتفقنا أنَّ " العاديات " إنما هي الخيول أو الأفراس .
نمودج آخر للخلافات في التفسير من سورة " المَسَد " :
[[ تبّت يدا أبي لهب وتبَّ . ما أغنى عنه مالُه وما كسب . سيصلى ناراً ذاتَ لَهَب .وامرتُهُ حمّالةُ الحطب . في جيدها حبلٌ من مَسَد ]] ...
أبو لهب هو أحد أعمام النبي محمد واسمه عبد العزّى بن عبد المطّلب وامرأته (من سادات قريش وهي أم جميل ، أروى بنت حرب بن أميّة وهي أخت أبي سفيان ) . ما يقلقني حقاً في أمر هذه السورة هو الخلافات الشديدة حول تأويل كلمة " المسد " ... في جيدها حبلٌ من مَسَد لأنَّ فهم باقي الآيات مسألة ميسورة كما أحسبُ . ما قال المفسرون في تفسير معنى المَسَد ؟ [[ في جيدها حبلٌ من مَسَد ]] قال مجاهد : من مسد النار ، وعن مجاهد وعكرمة [[ حمّالة الحطب ]] كانت تمشي بالنميمة . وقال إبن عباس والضحّاك : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله ، وقال سعيد بن المُسيّب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقّنها في عداوة محمد فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار والمسد الليف ، وقيل قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً . قال الجوهري : المسدُ الليف ، والمسدُ أيضاً حبلٌ من ليف أو خوص . وقال مجاهد " حبل من مسد " أي طوق من حديد .
هذه هي إجتهادات كبار مفسري آيات القرآن الكريم في تفسير معنى حبل من مسد والخلاف الأكبر يتعلق بكلمة مسد أو المسد فكيف فسروها ؟
أولاً / مجاهد : من مسد النار ... نرى أنه لم يعط تفسيراً لمعنى كلمة مسد ... تهرب وفرَّ .
ثانياً / مجاهد وعكرمة : " حمّالة الحطب " كانت تمشي بالنميمة .
ثالثاً / إبن عباس والضحاك : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله .
رابعاً / سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقّنها في عداوة محمد فأعقبها اللهُ منها حبلاً في جيدها من مسد النار والمسد الليف ، وقيل هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً .
خامساً / الجوهري : المسد الليف والمسد أيضاً حبلٌ من ليف أو خوص .
سادساً / مجاهد : " حبلٌ من مَسَد " أي طوق من حديد .
نرى هنا أنَّ مجاهد خالف نفسه فقدّم تفسيرين مختلفين لمعنى المسد ، ففي المرة الأولى قال إنه ( من مسد النار ) أي أنه فسّر الماءَ بعد الجهد بالماء كما قال بعض الشعراء أو أنه لم يقلْ شيئاً ذا بال . وفي المرة الثانية قال ( حبلٌ من مسد أي طوق من حديد ) أي إنه بدّلَ نوعية مادة الحبل من الليف إلى معدن ، طوق من حديد . أما سعيد بن المسيّب فقد قال في تفسير ( حبل من مسد ) : كانت لها قلادة فاخرة ... ثم أضاف : المسد هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً ... كأنه قاس طول هذه القلادة النارية فوجده سبعين ذراعاً ولم يذكر إسم مصدره بل إكتفى بقوله [ وقيلَ ] ثم إنه هو الآخر رأى أنَّ الحبلَ هو قلادة ومعلوم أنَّ القلادة من معدن ثمين كالذهب أو الفضة مثلاً أو من حجر كريم ولا من شيء يجمع ليف النخيل بالمعادن أو الأحجار الكريمة أو غير الكريمة .
ما أسباب هذه الإختلافات في قراءة وفهم ثم تفسير بعض ما وردَ من ألفاظ في القرآن والقرآن جاء بلغة العرب أي بلسان العرب فعلام ولمَ يختلف فيه كبارُ الصحابة وعلماء التفسير والحديث ؟ من جهتي المتواضعة أرى أنَ أفضل وأسلم طريق للتفسير هو ذاك الذي يفهم ويستوعب أو يستلهم نص روح الآية كاملةً ومجمل أجواء السورة وخاصةً ما يرد من آيات قبل وبعد الآية التي ضمّت اللفظة موضوعة الخلاف في التفسير لا أنْ تؤخذ مجرّدة تُنتزع من سياقها ومحيطها وجوها العام إنتزاعاً تعسفياً فيشرّق المفسرون ويغرّبون كلاً على مزاجه وهواه ومقدار فهمه للغة القرآن وباقي لهجات قبائل العرب يومذاك . أردتُ أنْ أقولَ إنَّ مناسبةَ هذه السورة ـ المسد ـ وأولياتها وأجواءها العامة هي في مجموعها تنديدٌ ووعيدٌ وتهديدٌ بنار جهنم لرجل هو عم النبي وحليلته أم جميل فماذا نتوقع من { في جيدها حبلٌ من مسد } ؟ هل ينسجم هذا الحال مع منطق التهديد بطوق حديد أو قلادة طولها سبعون ذراعاً خاصة وقد وردت صريحةً كلمة الحطب مقرونة بأم جميل { حمّالة الحطب } والحطب عادة هو من وقود النار المعروف منذ أقدم الأزمنة أي منذ إنسان الغابة والغابة أشجار مادتها الخشب وهو الوقود المثالي المعتاد . نارٌ وحطبٌ ولهبٌ وحبلٌ فما عسى أنْ تكونَ مادة هذا الحبل ؟ لا أحسب أنَّ عربَ الجاهلية عرفوا حبال الليف ، بلى كانت حبالهم من وبر الجمال وشعر الماعيز يقيدون بها جمالهم ويقودون ويوجهون بها خيولهم كأعنّة ثم يستخدمونها كحبال يربطون بها الدلاء لإستجلاب الماء من الآبار وكانوا يسمونها " أشطان ". المهم أنَّ أمَّ جميل كانت تؤذي محمداً سويةً مع زوجها أبي لهب ، فأجتمع اللهبُ في كُنية عم الرسول مع لهب نار جهنم [ سيصلى ناراً ذاتَ لَهَب ] ... إجتمع اللهبُ مع النار والحطب [ حمّالة الحطب ] فكيف سيكون وما سيكون الحبل الذي يطوّق عنق هذه المرأة التي أساءت للنبي في بدايات دعوته في مكة وكان يومذاك ضعيف الشوكة قليل القوّة قليل الرجال الملتفين حوله ثم ما كان ليجرؤ على قتل عمّه وحليلة عمّه فالرَحمُ ودمُ القرابة يحولان دون ذلك لا ريبَ . أشكُّ في أنَّ عرب الجاهلية كانوا يعرفون كلمة المَسَد وقد تكون أعجمية الأصل ولا أظن أنَّ لها علاقة بالفعل المعروف مسّدَ يُمسّدُ . الخلاصة : أنَّ الجو العام وروح نص السورة يقضيان أنّ [[ حبل من مسد ]] هو حبل من نار بصرف النظر عن طبيعة مادة هذا الحبل .
هذه رؤيتي الشديدة التواضع والكثيرة الحذر وعلى قدر فهمي لنصوص القرآن الكريم ثم للغة العربية وضعتها أمام مَنْ يعنيهم أمرُ تفسير القرآن وتيسير فهم آياته للناس بسطائهم ومتوسطيهم وطلبة المدارس والجامعات والباحثين أبتغي من ورائها تجنيب الجميع ما أرى من تعقيدات وخلافات وتضاربات حول تفسير الكثير مما ورد في القرآن من ألفاظ كانت موضع خلاف ـ ولم تزلْ ـ بين كبار ومشاهير علماء الدين والتفسير والحديث ثم اللغة . وفي عين الوقت أنتظر وأتمنى أنْ يواصل محاولتي هذه جيل من الشباب الغيورين الحريصين على أمري التيسير والتفسير ، تيسير اللغة العربية وتفسير آي القرآن الكريم .

ختامٌ لا يخلو من مرارة
رأيتُ قبل أنْ أُنهي حديثي عن التيسير والتفسير أنْ لا من بأس في عرض مشكلة أخرى من مشاكل فهم وتفسير آي القرآن الكريم . أمامي تفسيران مختلفان غاية الإختلاف لأربع آيات من سورة " المُدّثر " هي :
[[ ذَرني ومَن خلقتُ وحيدا . وجعلتُ له مالاً ممدودا . وبنينَ شهودا . ومهّدتُ له تمهيدا ]] . فسّرها " النسفي " الذي تكلم عن ثراء الوليد بن المغيرة ، والد خالد ، الملقّب بالوحيد في قومه ... فسّرها كما يلي :
أنَّ بعض آيات سورة المَدّثر نزلت في الوليد بن المغيرة الذي كان له عشرة أبناء أسلم منهم خالد وهشام وعمارة ، وكان له مائة الف دينار وأنَّ له أرضاً بالطائف لا ينقطعُ تمرها . إنتهى تفسير النسفي (مصدر رقم واحد ) . واضح أنَّ هذا المفسّر قد إشتط وخالف روح ونهج القرآن المعروف في كونيته وعموميته المطلقة حتى أننا لا نجدُ فيه ذكراً لإسم أحد ممن عاصر النبي عدا زيد ، ربيب محمد النبي في الآية { ... فلمّا قضى زيدٌ منها وطراً أزوجناكها لكي لا يكونَ على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنَّ وطراً وكان أمرُ الله مفعولا / من الآية السابعة والثلاثين من سورة الأحزاب } . لم تتعرض سور القرآن للخصوصيات ولم يمس ما للناس من أحوال صغيرة أكانت أو جليلة الشأن فكيف يخصص أربع آيات ينصُّ فيها نصوصاً بيّنةً تُشير لثراء شخص واحد شَهُر بإسم ولده بطل الإسلام خالد بن الوليد ، سيف الله المسلول ؟ كيف سوّغ هذا المفسّر لنفسه الخروج عن منهج القرآن وخطه العريض المعروف فيذهبُ للجزئيات تاركاً عظائم الأمور ظهريا ؟ أضلّت هذا الرجل كلمةٌ واحدة وردت في آية { ذرني ومن خلقتُ وحيدا } أعني لفظة " وحيد " فانزلق وتردّى على وجهه حاسباً أنَّ محمداً والقرآن ورّبهما قد اشاروا لوالد خالد لأنَّ قومه لقّبوه بالوحيد . أذكر تفسير إبن كثير لهذه الآيات الأربع وهو تفسير معقول عادل ينسجم مع روح القرآن ونهجه الكوني الذي يذهبُ للكليات دون الجزئيات (المصدر الثاني / ) رغم أنه كذلك يُشير كسابقه إلى الوليد بن المغيرة. قال إبن كثير فيها ما يلي :
[[ يقولُ تعالى متوعداً هذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا فكفرَ بأنعم الله وبّدلها كفراً وقابلها بالجحود بآيات الله والإفتراء عليها ، وقد عدّدَ اللهُ عليه نعمه حيث قال تعالى (( ذرني ومن خلقتُ وحيدا ، أي خرج من بطن أمه وحده لا مالٌ له ولا ولد ثم رزقه اللهُ تعالى مالاً ممدودا أي واسعاً كثيراً ، قيل : ألف دينار وقيل مائة الف وقيل أرضاً يستغلها ، وجعلَ له بنينَ شهودا قال مجاهد : لا يغيبون ، أي حضوراً عنده لا يسافرون وهم قعود عند أبيهم يتمتع بهم ويتملّى
بهم، وكانوا فيما ذكره السدي ثلاثة عشر وقال إبن عباس ومجاهد : كانواعشرة ، وهذا أبلغ في النعمة وهو إقامتهم عنده . ومهدّتُ له تمهيدا أي مكّنته من صنوف المال والأثاث )) . هنا نجد الفارق الجوهري بين فهم الرجلين لكلمة " وحيد " ، فذاك قال إنها تعني رجلاً بعينه وعيانه هو الوليد بن المغيرة الملقب بوحيد زمانه ... بينما وجد مفسرون آخرون لها تفسيراً آخر قد نختلف معهم حوله ولكن يبقى الفرق شاسعاً بين تفسير هؤلاء الأكثر عقلانيةً وواقعيةً وتفسير النسفي الغارق في الخصوصية وضيق الأفق وسوء فهم روح ومنهج القرآن .
المصدر الأول /
النسفي ، تفسير القرآن الكريم ، الجزء الرابع الصفحة
308
، دار الكتاب العربي ، بيروت .
المصدر الثاني /
مختصر تفسير إبن كثير . المجلد الثالث ، الصفحة
569
الطبعة السابعة ، بيروت ،
1981ر

ليست هناك تعليقات: