الاثنين، مارس 31، 2008

باقة ورد حمراء

فاطمة المزروعي
إنني أتحدث كثيراً..
هذه صفتي التي تعرفني بها، ويعرفني بها جيراني وأهل حارتي...
اقترب مني هيا، لا تبتعد ولا تصم أذنيك عني، لأن الكلام صفة ملتصقة بي، وأنا لا أرتاح من ضيقتي ولاحزني إلا تحدثت إليك، إقترب ولا تجلس بعيدا عني هكذا، في يوم أخبرتك بأنني سوف أتركك، أطلقت ضحكة، ورأيت في عينيك ثقة لايمكن أن تمحو من ذاكرتي، كنت واثقا بأنني لن أتركك، وها أنا اليوم استقل طائرتي دون علمك، وأحمل في حقيبتي صورة ابنتي أقصد صورتنا معا وجواز سفري، لن أطالبك بأن تدفع الأموال التي أقرضتها لك، ولا أن تجلب لي هدية عيد ميلادي الذي نسيته بسبب انشغالك عني في الآونة الأخيرة ..

هل تطلب مني الصمت ؟
أم السكوت، كلا المفهومان يحملان في عقلك الكبير نفس المعنى، منذ متى تهتم للمعاني أو الكلمات أو حتى المفاهيم، الحياة بالنسبة لك لا تعد سوى صفقة تريد دوما أن تكون فيها الرابح، سوف أغادر بلدي لا لا سوف أغادرك لأنني لم أعد احتمل خيانتك المتكررة، لم أعد أحتمل تلك الرائحة التي تنفذ إلى جسدي وتحرق لحمي وتفتت عظامي، كلما جمعنا السرير، كنت تعشق تأوهاتي، وكنت ُ أتأوه حتى لا أبين لك ضعفك الجنسي، كنت أحتمل جسدك الضخم على صدري وبطني، وعقلي كان هناك بعيدا، حيث المقاعد الصغيرة والسبورة، والمريول الأزرق والأبيض والحقيبة الحمراء، حيث وجهه الباسم ويديه اللتين تلوحان لي كلما اقتربت الحافلة من دراجته الصغيرة، كان يلوح لي بيده، وكتبه خلف ظهره..
أنا الآن لا أستطيع الكلام، شيء ما يغص في حلقي، ويقف هناك حاجز بيني وبينك، ماالذي جعلنا نعيش معا؟ وننجب طفلتنا الوحيدة، رغم إني كنت أعلم ضعفك الجنسي وكنت تعلم هوسي برائحة الرجل، أي رجل يولج في قلبي، كنت أذوب أمام تقاطيع جسده، وتنبهر عيناي بعيناه، يعجبني الرجل في أدوراه على التلفاز، وفي المجلات..

اقرأ شفتي ..
اقرأهما جيدا لأنني بعدها لن أستطيع الكلام، ولا التفوه بحرف واحد، لا تتعب نفسك في البحث عني، سوف أغير حياتي، سوف أرتدي الملابس القصيرة، وأقص شعري، تلك القصة التي تشبه عارضات الأزياء، كنت أعلم ولعك بأجساد عارضات الأزياء، من ذلك الشريط المسجل الذي وجدته ذات مساء في دولابك تحت ملابسك الداخلية، كنت أنظر إلى نفسي، كيف حرمتني الحياة من جسد فاتن، وصدر بارز، كنت أعلم بأنني قبيحة، وملامح وجهي تثير في نفسك الاشمئزاز، وتذكرك دوما بعجزك ..
أنا لا أعرف إلى أين سأذهب حتى الآن؟ وهل المبلغ الذي في جيبي سوف يكفيني؟ ولكنني متأكدة بأنني مع الأيام سوف أنساك، اطمئن لن أخبر أحدا بأنك من المعارضين للسياسة، وإنك تأوي الكثيرين منهم، سوف يبحثون عنك طويلا، هم يعرفون عنك كل شيء، لن يتركونك ترتاح في حياتك، ولن تجد الوقت حتى تعيش في رفاهيتك المعتادة، وحتى السيارة التي تركبها سوف يحرمونك منها، وسوف تجد نفسك قريبا بين أربعة قضبان، ولن يستطيع أحد أن ينقذك من براثنهم، إنني أغادر بلدي بسببك، وأجرد من هويتي، ومن كياني، أنا لا أعرف، كلنا لا نعرف أين نذهب؟ الطائرة تسير بنا إلى مكان بعيد، لا أستطيع أن أحدد بالضبط أين هو في خريطة العالم؟
والسبب في كل ما أعاني منه يعود إلى جبروتك وسلطتك، كل هذا الألم الذي يتفشى في جسدي كالطاعون، أنت السبب فيه، قتلت أجمل الأحاسيس في داخلي..
أنا لا أتكلم على الأطلاق، كل ما أشعر به ، أطرافي الباردة، وعيناي الجامدتين اللتين تطوفان في الطائرة، كلها دقائق، وسوف تنزل الطائرة هنا، في هذا المكان الذي لا أعرف بالضبط ماهو؟ إني جائعة، والمحلات مغلقة، والمدينة تبدو باردة، والأسماء كلها غريبة علي، مكتوبة بلغة لم أعرفها، لا كنت أعرفها، ولكنني لم أؤمن بها يوما، أين سأذهب؟
المال الذي لدي يكفيني مدة بعدها سإعود إلى الاستجداء، لابد أن أبحث عن عمل أي عمل، يجعلني لا أجوع، ليتني لم أسمع كلام أمي حين تزوجتك، ثرثرتها هي السبب في تعرفك علي، كنت تحب الكلام كثيرا، ومن تجربتي معك، تعلمت الصمت، أنا الآن لا أتحدث مع أحد، ولا أرافق أحد أخاف من الوجوه الصامتة، ومن النظرات الجامدة، كم أشتاق إلى ابنتي الغالية؟
أعلم أنك أخذتها إلى البعيد حتى لا أراها، ولكنني حتما سأعود وآخذها منك، وجهي يبدو باهتا في مرآة الحمام الذي في الفندق، أضع الباروكة على رأسي، أخفي الشامه التي في رقبتي حتى لايعرفني أتباعك، أنا متأكدة أنهم في كل مكان في هذه المدينة التي لايرحب سكانها بالغرباء، وأنا غريبة، غريبة من ملامح عيني، من ذلك الوشاح الأزرق الذي أضعه خلف رقبتي، لابد أن صاحبة الفندق الحقيرة الذي نزلت فيه، قد حفظت أوصافي، وأدلت به للرجلين الذين كانا يلاحقاني، هل تتوقع بأنه يمكنك أن تجدني؟ إنني لست فريسة سهلة الاصطياد، سوف يبحثون عني في كل ممرات المدينة، وطرقاتها، وحتى في قماماتها، في المحلات والدكاكين والمراكز، وفي أرغفة الخبز، ولكنهم لن يجدوني، أكون حين ذلك غادرت هذه المدينة القبيحة بسكانها، حاملة معي جواز سفر جديد، وأوراق ثبوتية جديدة، تثبت هويتي، ولكن ثق بأنني سأكون خلفك، لن أبتعد عنك كثيرا، ولن تعرفني، سوف تجد وجهي في بيتك، وعلى جدران غرفتك، وفي جسدك، ورائحة إبطيك، سأكون هناك، فأنا لن استغني عن ابنتي، ولن يمنعني الصمت أن لا أراها، كل ما هنالك أنك لن تستمع إلى صوتي بعد هذا، حتى أعذبك وأقتل كل ما فيك من شرور وقسوة، لن أبتعد عن تلك الأماكن التي ولدت فيها، سوف أعيش بين الناس، سوف أذهب إلى السينما، وإلى الحدائق، وأشتري الملابس الباهظة، والعطورات من الماركات العالمية، وأصبح أما رغما عنك، لن ترى وجهي على الإطلاق، ولن تعرف هذه المدينة التي عشت فيها جزءا كبيرا من حياتي وجهي على الإطلاق، سوى مظهرا مرتدية اللون الأسود، تختفي خلف الاشجار، منتظرة خروجك حتى أنهي حياتك، أنا لم أقترب من منزلك حتى هذه اللحظات، ولكنني لا أزال واقفة، إنني لا أريد الابتعاد عن هذا المكان الذي تربطني فيه معك علاقاتنا السابقة،
لقد فقدت القدرة على النطق، وأصبحت سمتي الصمت، إنني أرى اليوم أشخاصا كثيرون يرتدون السواد، يقفون بباب منزلك، يحملون على ظهورهم شيئا ما، إنه نعش، غريب، إنهم يبكون ويذرفون دموعا،إنني أقترب لا أخشى أحدا، الكثيرون في السابق يعرفونني، أما الآن لم يعد أحد يعرفني، أو إنهم لايريدون ذلك، إنه وجهك، جسدك، بارد كالثلج، مغمض العينين، ينقلونك إلى القبر، والآخرين يذرفون دموعهم قهرا، كانوا يضعون أزهارهم على قبرك، ودت لحظات لو أعرف أين ذهبت بابنتي؟ حتى في هذه اللحظة لا تزال مصرا على إيذائي وتعذيبي وقهري،
اشتريت اليوم باقة ورد حمراء، ولففتها بشريط أبيض اللون، ووضعتها وسط القبرين ..
حيث أنت وأنا ..
والصمت الذي جمعنا يوما..


قاصة إماراتية

لحرائق ِ الحُبِّ وجوهٌ جميلة

عبدالله علي الأقزم

هـذي القراءةُ حينَ تـدخلُ في الهوى

تـنـمـو و تـتـركُ في يـديَّ حــريــقـا

أنتِ القراءةُ و النموُّ و كيفَ لا

و على خطاكِ قدِ اشـتـقـقـتُ طريــقـا

و وجدتُ فهـمَـكِ متعـتي وهـواكِ قـدْ

أمسى و أصبحَ للـفـؤادِ رفـيــقـا

إنـَّي اكـتـشـفـتـُكِ في كـتـابـاتِ الـنـَّدى

نـثـراً و شـعـراً هـامسـاً و رقـيـقـا

و رأيتُ اسـمـكِ عند أجمل ِ جوهر ٍ

قد صار سحراً ساطعاً و رشـيــقـا

حـرَّكـتُ ألـعـابَ الهوى في داخلي

فـنـَّاً و أضـحـى الـفـنُّ فـيـكِ عـريـقـا

كم ذا أدرتُ بكِ المدى و صنعتُ مِنْ

عينيكِ فوقَ المستطيـل ِ فريـقـا

و جعلتُ مرماكِ الجميلَ أضالعي

و جعلـتـُهُ أمَّـاً أبـاً و صـديـقـا

و جـعـلـتـُهُ بيدي السِّراجَ يُضيءُ لي

في الـحُبِّ وصـفـاً رائـعـاً و دقـيـقـا
أستاذةَ الحُسن ِ الجميل ِ.. هنا...انظري

نصفي و نصفـَكِ يصنعان ِ رحـيـقـا

هـيـَّا افحصي قـلبي و لا تـتـردَّدي

و تـفـتـَّحي عـنـدَ العناق ِ شـروقـا

هـيـَّا اقـلـبي فـيَّ المغاربَ كـلَّهـا

وجـهــاً جـديــداً مـشـرقـاً و أنـيــقــا

هـذا نـهـارُ الـحـبِّ مسـكٌ طاهـرٌ

و على معانـيـكِ الحـسـان ِ أُريـقـا

مِنْ نور ِ حـسـنـِكِ كم رأيتُ بـكِ الدجى

قـد صارَ فـيـكِ مُمزقـاً تمزيـقـا
مِنْ حقِِّّ قـيـدٍ حيـنَ يـدخـلُـهُ الهوى

يـفـنى و يـبـقى للجَمَال ِ طلـيـقـا

حررَّتُ نـفـسي في ميـاهِـكِ أحـرفـاً

و مددتُ منـكِ إلى الفؤادِ عروقــا

ما موجة ٌ مرَّتْ و لا بـقـيـتْ على

قدميكِ تقوى أن تـردَّ حـقـوقـا

البحرُ أنتِ و ما أظنُّ بشاطئ ٍ

إلا و أمسى في هـواكِ غـريـقـا

كمْ غـصـتُ فـيـكِ فـلا المُحالُ يُـعيـقـني

حتى أكونَ بمستواكِ عـميـقـا
ما حجمُ فـلسـفةٍ إذا لمعـتْ و لـمْ

تـأخذكِ في هذا الجَمَال ِ بريـقـا

لـنْ تـدركَ الفهمَ العميـقَ قصائدي

حتى تــُواصِـلَ في هـواكِ حـريـقـا

الأحد، مارس 30، 2008

كلّ شيء لونه أبيض


شوقي مسلماني
1 ـ
ميناء لبحّارة
تجفّفهم الشمس.

2 ـ
ربّما المسألة
مثلما تكون الرؤية الأخيرة
هي أفضل من وراء حجاب كاشف
وما قد تحتجّ به هو أيضاً ذاته مؤسّسة
ومثالاً لا حصراً: الأخلاق السائدة
الجماعات السائدة
الأطروحات السائدة
السادة
المسودون
الأسماء المغلقة
الصعود نزولاً
الطعنات المتبادلة
لا يزال كلّ شيء عينه
سوى أنّ ميدان القتال قد طاله التحديث
العينان الإثنتان فقط
العين الثالثة المقتلعة عن سابق إصرار وترصّد
الجُنَح والجنايات
جملةً وتفصيلاً
الذين هُزِموا ونهضوا
والذين نهضوا فهُزِموا
فأن تعيش كريماً
أو تموت عزيزاً
في ذروةٍ بعينها
الورقة التالية الأخرى أبداً
فقبلها ورقة وبعدها مجرّد ورقة
في سِفر صدْفة وخطأ وحظّ
لا وليس ربّما بل بالتأكيد.
هذا الخلل أيضاً مِنْ عيوب هذه المؤسّسة.
3 ـ
القيود!
هي التي كسرتْه
وقلبٌ!
منزوع من الصدر.
4 ـ
عيناه يكسّرهما
ولا أنتَ الضرير ترى.
5 ـ
لأنّه يُرى ابتسم
عوض أن ينكسِر.
6 ـ
شخص في المرآة
يحدِّق إلى عينين غاضبتين
ولا صوت له مهما أصرخُ
بملء فمه.
7 ـ
مطعون أيّها النسر الملقى مِنْ عليائك
على خردة ظلّك في الملح الشاسع.
قلْ ما تشاء غير هذا الإنطفاء فيك
قلْ ما تشاء يا رئيس الطيور
غير هذا الإنكفاء في جناحيك
وهذا التشنّج في يديك.
8 ـ
بالصوت والصورة ينقلون وقائع المذبحة.
جثث في الشوارع، دمار.
ونقرأ في صحيفة:
"لا تصدِّقوا شيئاً من ذلك"!.
صديقٌ للكاتبة وهو ضابط في الجيش
ويراسلها عبر البريد الألكتروني مِنْ قاعدة عسكريّة
يؤكِّد لها ذلك.
لا، لا عيون غاضبة.
وحجّتها الدامغة أنّ الضابط الذي يراسلها
عبر البريد الألكتروني
هو صديقها!.
9 ـ
قلبي الغاضب يهرع بعقلي
نحو الزاوية المعتمة.
10 ـ
كلّ شيء لونه أبيض.
11 ـ
مُحاط بالعويل.
12 ـ
الذين أُبيدوا ليس لديّ ولا صورة لهم
مهما أفعل في الساعة المتأخِّرة
من هذا الليل.
Shawki1@optusnet.com.au

رَحِيلُ رَجَاء

صلاح الدين الغزال

لَقَدِ اسْتَرَحْتِ ..
يَا ابْنَةَ العُرْبِ
المَيَامِينِ الأَشَاوِسْ
مِنْ مُعَانَاةِ السِّنِينْ
نِمْتِ فَنَامَتْ مُهْجَةٌ
بَيْنَ حَنَايَاكِ دَفِينَهْ
لَمْ تَذْرِفِي دَمْعَ الطُّفُولَةِ
فِي أَزِقَّتِنَا الحَزِينَهْ
بَكَتِ الأَرَامِلُ وَالعَذَارَى وَالإِمَاءْ
حُزْنـاً لِمَوْتِكِ يَا رَجَاءْ
نُودِيتِ لَبَّيْتِ النِّدَاءْ
وَدُونَ ذَنْبٍ أَوْ خَطِيئَهْ
لَمْ تَأْثَمِي
لَمْ تَرْتَجِي خُبْزاً ..
مُسَجَّىً بِالدَّمِ
تَتَسَاءَلِينَ لِمَ المَجِيءُ ..
إِلَى الحَيَاةْ
وَهَلْ أَتِيتُ لِكَيْ أَمُوتْ
قُولُوا لأُمِّي كَفْكِفِي
عَنْكِ الدُّمُوعْ
فَقَدِ اسْتَرَحْتُ مِنَ العَنَاءْ
وَلاَ أُرِيدُ مِنَ العُرُوبَةِ
غَيْرَ شِبْرٍ أَوْ ذِرَاعْ
آوِي إِلَى أَحْضَانِهِ
خَوْفَ التَّيَتُّمِ وَالضَّيَاعْ
وَحَفْنَتِينِ مِنَ التُّرَابْ
أَبَتِي الحَبِيبْ
وَأَنْتِ يَا أُمِّي الحَبِيبَهْ
أَخَوَيَّ مَا جَدْوَى البَقَاءْ
وَطَنِي الَّذِي أَحْبَبْتُهُ
سَيُذِيقُنِي كَأْسَ الشَّقَاءْ
فَلَوْ بَقِيتُ فَسَوْفَ أَسْمَعُ
قَبْلَ إِسْدَالِ الزَّوَالْ
صَوْتَ الرَّصَاصِ
وَهْوَ يَحْصُدُ ..
فِي المَيَادِينِ الرِّجَالْ
وَخَرِيرَ أَنْهَارِ الدِّمَاءْ
يَنْثَالُ كَالطُّوفَانِ ..
يَجْرِفُ لِلَّظَى جُلَّ البُيُوتْ
أَطْفَالُ يَعْرُبَ يَسْتَغِيثُونَ
اللِئَامَ بِدُونِ قُوتْ
وَالأُمَّهَاتْ !!!
جَفَّتْ يَنَابِيعُ المَحَبَّةِ
لَمْ يَظَلَّ سِوَى المَغِيرْ
يَصْرُخْنَ مُعْتَصِمـاً
بِلاَ جَدْوَى
فَمَا لَبَّى النِّدَاءْ
قَدْ شَدَّ أَشْنَاسُ
مَعَ الفَجْرِ وَثَاقَهْ
وَلَسَوْفَ يَبْنِي مَا تَحَطَّمَ
أَمْسِ إِبَّانَ غَزَاتِهْ
وَالأُمَّهَاتْ !!!
وَقَدْ نَعَاهُنَّ النَّعِيبْ
شُقَّتْ حَنَاجِرُهُنَّ تَصْرُخُ
وَالخَلِيفَةُ لاَ يُجِيبْ
وَفِي صَحَارِى يَعْرُبٍ
لَمْ تُبْصِرِ الزَّرْقَاءُ
عَنْ قُرْبٍ وَلَمْ تَسْمَعْ
سِوَى الصَّمْتِ المُرِيبْ
نَامَ الرِّجَالُ وَهُنَّ يَسْهَرْنَ ..
انْتِظَاراً لِلرِّجَالْ
صَارَتْ فَلِسْطِينُ القَرِيبَةُ
مِنْ حَنَايَانَا .. بَعِيدَهْ
بُهْتَانُهُمْ مِنْ بَعْدِ غَزَّةَ
فِي الخَلِيلِ تَفَيَّـؤُوهْ
وَرَمَوْا كُؤُوسَ خُمُورِهِمْ
فَوْقَ الجَلِيلْ
(مِنْ كُلِّ حَدْبٍ يَنْسِلُونْ)
أُمَمٌ وَهَيْئَاتٌ (وَفِيتُو)
يَتَسَاءَلُ الأَطْفَالُ
يَا آبَاءَنَا مَاذَا جَنَيْتُمْ
أَوْدَعْتُمُونَا بَذْرَةً
مِنْ دُونِ مَاءْ !!!
أَلاَ انْتَهَيْتُمْ
يَا لَيْتَهُ العُقْمُ الَّذِي
مِنْهُ نَفَرْتُمْ يَلْتَقِيكُمْ
إِنِّي سَأَرْحَلُ ..
عَنْ رُبَى وَطَنِي الحَبِيبْ
فَارْفَعُوا عَنِّي أَكُفَّكَمُ الأَثِيمَهْ
وَلَسَوْفَ أَغْفُو فِي ثَرَاهْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تُجْتَثَّ ..
مِنْ جَسَدِي المَشِيمَهْ
مَاتَتْ رَجَاءْ
وَمَاتَ مَا تَرْجُو الجُمُوعْ
وَدُمُوعُنَا انْهَمَرَتْ لِتَبْكِيهَا
وَمَا جَدْوَى البُكَاءَ
يَا أَنْتِ يَا أَحْلَى صَغِيرَهْ
يَا قَطْرَةً مِنْ دَمِ أُخْتِي
لِمَ ارْتَحَلْتِ بِلاَ وَدَاعٍ
يَا غَرِيرَهْ ؟
لَمْ تَمْكُثِي فَوْقَ ثَرَانَا
غَيْرَ سَاعَاتٍ قَصِيرَهْ
مُتِّ فَمَاتَ رَجَاؤُنَا
إِذْ مُتِّ يَا أَبْهَى رَجَاءْ
يَا دَمْعَةً حَرَّى تَلاَشَى
مِنْ مَآقِينَا الضِّيَاءْ
وَضَمَّكِ القَبْرُ الكَئِيبْ
أَفَلاَ يَضُمُّ الخَانِعِينَ
السَّاجِدِينَ بِلاَ إِلَهْ !!
العَازِفِينَ عَنِ الحَيَاهْ !!
المُسْدِلِينَ عَلَى مَآقِيهِمْ سِتَارا !!
عَنْهُمْ رَحَلْتِ
وَنَحْنُ ضَمَّخَنَا الشَّنَارْ
الكَأْسُ مُتْرَعَةٌ سُقِينَاهَا
فَأَثْمَلَنَا صَدَاهَا
أَنْتِ اسْتَرَحْتِ ..
وَنَحْنُ بَعْدُ
سَنَحْتَسِيهَا لِلثَّمَالَهْ
مَكَثَ الجَمِيعُ سِوَاكِ أَنْتِ
فَأَنْتِ قَرَّرْتِ الرَّحِيلْ
وَحَزَمْتِ بِالحُزْنِ الحَقَائِبْ
دَمْعـاً ذَرَفْنَاهُ سَخِيّـاً
مِنْ مَآقِينَا العِجَافْ
أَوَتَتْرُكِينَا لِلضَّيَاعِ وَتَذْهَبِينْ !!
وَلاَ يَزَالُ هُنَاكَ
فِي سَهْلِ الأَنِينْ
أَتْرَابُكِ ..
رَغْمَ الأَسَى
بِبَقَائِهِمْ مُتَشَبِّثِينْ
شُقَّتْ حَنَاجِرُهُمْ
وَهُمْ يَسْتَصْرِخُونَ الغَابِرِينْ
مُعْتَصِمَاهُ قُمْ أَغِثْنَا
آهِ وَا مُعْتَصِمَـاهْ
قَدْ شَدَّ أَشْنَاسُ
مَعَ الفَجْرِ وَثَاقَهْ
وَرَاحَتَا إِيتَاخِ وَالأَفْشِينِ
أَسْدَلَتَا رِوَاقَهْ
وَبَابُكُ الخَرَمِيُّ دَاسَتْ
خَيْلُهُ كُلَّ الدِّيَارْ
مَنَعُوا جَمِيعُهُمُ الرَّبِيعَ
غَدَاةَ حَلُّوا الازْدِهَارَ
ظَلَّوْا وَظَلَّتْ مُزْدَكِيَّتُهُ
عَلَى مَضَضٍ شِعَارا
وَأَتَى الحَمَامُ حَامِلاً
نَبَأَ الهَزِيمَهْ
فَارْفَعُوا عَنِّي
أَكُفَّكُمُ الأَثِيمَهْ
إِنِّي سَأرْحَلُ عَنْكُمُ
وَبِلاَ وَدَاعٍ أَوْ دُمُوعْ
إِلَى ظَلاَمٍ دَامِسٍ
فِي القَبْرِ مِنْ غَيْرِ شُمُوعْ
وَسَوْفَ أَرْجُو ..
أَنْ أَكُونَ مَعَ السِّنِينْ
مِسْكـاً بِأَرْضِكُمُ يَضُوعُ
بِالمَحَبَّةِ وَالحَنِينْ


بنغازي/ ليبيا
http://www.youtube.com/user/jazalus
jazalus@yahoo.com

45 شاعرا وناقدا في ضيافة القصيدة الحديثة، هويّة ومعنى

حسّان الباهي

الجزائر

- تكريم الشاعر إبراهيم الجرادي

تحت عنوان " القصيدة الحديثة، هويّة ومعنى"، تنطلق الإثنين 7 أفريل 2008 بمدينة الرّقّة السّوريّة فعاليّات "مهرجان الشّعر العربيّ " في دورته الرّابعة بمشاركات سورية وعربية واسعة إلى جانب مشاركات من تركيا وإسبانيا وأوكرانيا، وتنقسم فعاليات المهرجان بين مدينتي الرقة والثورة، وفق برنامج
مفصّل، حيث تشهد مدينة الرقة في اليوم الأول افتتاح معرض تصوير ضوئي عن معالمها التاريخية بالإضافة إلى معرضين يقامان بالمناسبة، معرض الكتاب العربي لدار الفرقد ومعرض الشعر السوري لدار الينابيع.
إثر ذلك، يلقي مدير المهرجان الأستاذ حمود الموسى مدير الثقافة بالرقة كلمة تأطيرية، تسلّط الضّوء على ثقافة المكان وأبعاد التّظاهرة ليفسح المجال للشّاعر يوسف رزوقة ليلقي كلمة المشاركين في حين يلقي السيد أحمد شحادة خليل محافظ الرقة كلمة راعي المهرجان.
أمّا الفقرة المحوريّة الموالية فهي خاصّة بالشاعر إبراهيم الجرادي الذي يستهلّها المحتفى به بقراءات شعريّة مشفوعة بقراءات نقديّة في مدوّنته الزّاخرة بإمضاء النّاقدين د.سعد الدين كليب ود.جمال خضور يليها تكريمه كشاعر له فرادته في المشهد الشعريّ العربيّ فهو في رأي النقّاد" شاعر
يمنح القصيدة صدقية التجديد وتجاوز السائد حتى تظل حية ننضج بصخب الحياة وحركتها، غير قابلة لأن ينمو عليها فطر الكلمة الراكدة والمألوفة المتواطئة مع تدني الذائقة وخمولها.. فالحداثة لدى الجرادي موقف وفعل إبداعي لا يتجه إلى التغيير في القصيدة فحسب بل يمتد إلى الواقع والحياة شكلاً ومضموناً"
أصدر إبراهيم الجرادي:
أجزاء إبراهيم الجرادي المبعثرة - شعر - دمشق 1981
رجل يستحم بامرأة - شعر - دمشق 1983
الدم ليس أحمر - قصص من الرقة - دمشق 1985
شهوة الضد - قصائد - اتحاد الكتاب العرب -1985
موكب من رذاذ المودة والشبهات- ريبورتاجات شعرية - مع إبراهيم الخليل 1986
شعراء وقصائد- مختارت من الشعر السوفياتي المعاصر - قبرص 1986
أوجاع رسول حمزاتوف- ترجمة وتقديم - وزارة الثقافة - دمشق 1988
دراسات في أدب عبد السلام العجيلي- تحرير وتقديم وإشراف- دمشق 1988
الأشكال في الشعرين الروسي والعربي (1960- 1980)- بالروسية - رسالة دكتوراه
1عويل الحواس - ريبورتاجات سمعية بصرية- دمشق 1995
الحداثة المتوازنة- دراسات في أدب عبد العزيز المقالح- تحرير وتقديم وإشراف - دمشق 1995
مسامير في خشب التوابيت - دراسات في إبداع تامر - تحرير وإشراف - بيروت - 1995
الذئاب في بادية النعاس – منشورات اتحاد الكتاب العرب - 2000
ويذكر أن الجرادي من مواليد الرقة سنة 1951 وهو أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن في جامعة صنعاء في اليمن ومؤسس جماعة "ثورة الحرف ".
ويختتم اللقاء الافتتاحيّ بعرض فني لفرقة الرقة للفنون الشعبية لتحتضن الأيام الموالية مشاركات الشعراء الوافدين على دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 من بلدان عربية عديدة ومن أخرى أجنبية.

ضيوف المهرجان

من ضيوف المهرجان، وإلى جانب الحاضرين من شعراء سوريا : إبراهيم الجرادي، عبد السلام حلوم، إبراهيم الزيدي، معاذ الهويدي، رشأ عمران، وفيق خنسة، أحمد الحافظ ، نزار بريك هنيدي، سهام السليمان، توفيق أحمد، ياسر الأطرش،يحضر من الإمارات العربية المتحدة كلّ من أحمد راشد ثاني وميسون صقر القاسمي ومن اليمن أحمد العواضي و أحمد ناجي أحمد ومن العربيّة السعوديّة أحمد الزهراني ومن العراق شوقي عبد الأمير، هاشم شفيق، ريم قيس كبّة ومن الأردن جريس السماوي، يوسف عبد العزيز، مصلح النجار، الطاهر رياض ومن لبنان محمد علي شمس الدين ومن مصر عزت الطيري ، محمد ادم ومن السودان روضة الحاج ومن تونس يوسف رزوقة ومن الجزائرحكيم ميلود وربيعة جلطي ومن المغرب مصطفى بدوي كما يشارك في هذا المهرجان من الشعراء الأجانب كل من
عائشة ترجان و عادل أوقاي من تركيا ومكسيم فاتكوفسكي أوكرانيا ورامون مايرتا من إسبانيا.
أمّا النقاد أصيلو المكان والحاضرون في هذه التظاهرة حول محور" القصيدة الحديثة، هويّة ومعنى"، فهم الدكاترة: رضوان قضماني، هايل الطالب، غسان غنيم، وفيق سليطين، عاطف بطرس، أحلام حلوم، جمال خضور، حسين المرعي، سعد الدين كليب، عبد الجليل العلي.

نبيل عودة: الانسان لا يستحق صفة مثقف اذا اتبع اسلوب التضليل


الكاتب والاعلامي نبيل عودة يتحدث مع موقع " الموقد"عن تجربته :
الانسان لا يستحق صفة مثقف ، وصاحب دور اجتماعي وسياسي ، اذا اتبع اسلوب المواراة والتضليل والتهريج


حاوره : سيمون عيلوطي

كثيرا ما كنت أتردد على بيت صديقي المرحوم حازم الزعبي ( ابن مدينة يافا ، والتي تشرد منها في عام النكبة ) الذي ربطتني به صداقة زاد من متانتها نوع النقاش الثقافي الذي كان يدور بيننا ، وكنت مأسورا بموسوعية اطلاعه على الأدب العالمي والعربي ، وكذلك على الموسيقى العالمية الى حد يمكنة أن يردد شفهيا مقاطع كاملة لبيتهوفن ، وموزارت، وشوبان ، وغيرهم . وقد حول بيته الى شبه منتدى ثقافي جعل الكثير من الكتاب والأدباء والفنانين يترددون عليه ، أذكر منهم على سبيل المثال : الشاعر عصام العباسي ، والأديب طه محمد علي ، والشاعر سعود الأسدي ، والكاتب د. زهير صباغ ، وسهيل كرام ، "صاحب راديو الشمس اليوم" ، والفنان فوزي السعدي ، وغيرهم ، يزورونه بشكل أسبوعي لمناقشة كتاب ، أو قضية أدبية ، و مختلف الشؤون الثقافية والسياسة . وفي إحدى جلساتنا في حدود 1975 قدم شابا وسيما ، طويل القامة ، يبدو عليه – ومن خلال نظراته أنه مرهف الحس .. شديد الذكاء ، - قدمه إلينا صاحبنا حازم ، قائلا : تعرفوا على نبيل عودة ،درس الفلسفة في موسكو ويعمل مديرا للعمل في الحدادة ، وهو قصصي وكاتب. وكان حازم الزعبي نفسه حدادا مهنيا – بدا يعمل بالخراطة في المصنع الذي يدير العمل فيه نبيل نفسه.
هذا التعريف كان غريبا ، ما دخل الثقافة والفكر بالصناعة والمنشئات الحديدية الضخمة ومنشئات تكرير النفط ؟ وأظن انه حتى اليوم ما زال أقرب أصدقاء نبيل يجهلون انه من أبرز المهنيين في مجاله ويلجأ اليه العديد من المقاولين طلبا لمشورته المهنية التي لا يبخل بها على أحد ، ولا يعرفونه الا بالكاتب والناقد والاعلامي ، الذي كانت تملأ كتاباته الاسبوعية صحافتنا المطبوعة ، وخاض معارك سياسية صحفية ، ومعارك أدبية ، كانت من أبرز الأحداث في وقتها وأكثرها قراءة في الصحافة ، وجعلته اسما أدبيا وسياسيا مرموقا في جميع انحاء البلاد واليوم في الشبكة العنكبوتية ، بعد ان أغلقت بوجهه أبواب الصحف المحلية .
كان نبيل عودة في طروحاته ، وخاصة عن القضايا المسكوت عنها- في حينه- مثل قضاية المرأة في مجتمعنا ، رفض الانعزال السياسي عن القوى الدمقراطية اليهودية تحت شعارات قومية ، ورؤيته الواضحة في تلك الفترة المبكرة لضرورة العمل على تحقيق شعار دولتين لشعبين ، وجعل هذا الهدف على رأس أجندة أحزابنا السياسية .. وأن أي تعويق في فهم أهمية هذا الموقف سيسبب المزيد من المآسي للشعب الفلسطيني بالأساس . ورأى منذ تلك الأيام ، ان شعرنا المحلي يعيش مرحلة مأزومة سببها سحر محمود درويش الشعري وشهرته غير العادية ،واننا بدانا نشهد في أدبنا المحلي غزارة في الشعراء وفي الانتاج الشعري ، وفقر في المضامين .. وانه ما عدا الشعراء المعروفين لا يرى بعد ولادة شعرية جديدة .. وان المشكلة تتعلق أيضا بتحولات سياسية واجتماعية ستغير الكثير من المناهج التي كانت تبدو ثابتة في فترة وجود حزب واحد في الشارع العربي ، الحزب الشيوعي في وقته ... وخاصة مع بدء ظهور تفسخات داخل الحزب وحلفائه ، ونشوء تنظيمات البرجوازية الصغيرة والوسطى الناشئة في المجتمع العربي في اسرائيل ، رأى بها أمرا طبيعيا ، ولكنه رفض اسلوب تعامل الحزب الشيوعي معها واتهاماته لها بالعمالة ... وراى ان الدكانة الوحيدة ( الشيوعية ) بدأت تفقد احتكارها ، ويجب ان تغير من اسلوب تعاملها وعقلية بناء تحالفاتها .
هذه الطروحات ، وغيرها ، كانت تثير نقاشا حادا .. ولكنه كان رغم ذلك ، يعرف كيف يحافظ على الود والاحترام المتبادل مع مخالفيه في الرأي . وما يكتبه اليوم من طروحات وأفكار تثير من حوله العواصف تلو العواصف في الأدب والسياسة على حد سواء ، وأقول انه لم يذهب من خلالها بعيدا عن تلك المواقف المثيرة للنقاش التي كان يفجرها في جلساتنا في بيت حازم الزعبي ، والتي لم تترك لي مناصا من ضرورة محاورته " حول الموقد ".

سؤال – تعرفت عليك قبل ثلاثة عقود تقريبا ، في بيت صديقنا حازم الزعبي ، وانت خلدت ذكرى حازم برواية " حازم يعود هذا المساء " حيث كشفت لنا انسانا لم نكن نعرف آلام نفسه رغم اننا نسامره ليليا تقريبا ... حدثنا عن الرواية والأهم كيف أقنعت حازم ان يصارحك بسره الدفين ؟

نبيل – تعرفت على حازم بالصدفة لدى الحلاق .. جرنا حوار عابر .. فأكتشفت أصالة حازم وقدرته على صياغة آرائة السياسية وتبريرها .. ثم سألني اذا كنت شاهدت عروض الباليه والأوبرا في الاتحاد السوفييتي ، وبدا يحدثني باستاذية عن الموسيقيين الكلاسيكيين ، وعن بحيرة البجع والحسناء النائمة وكسارة البندق وسائر عباقرة الموسيقى الكلاسيكيين ، وعن الأدب الروسي الكلاسيكي والفرنسي والانجليزي ، وعن الأدب والتراث العربي .. فاذا انا امام مثقف موسوعي ، وقارئ واسع الاطلاع وحاد الذاكرة ، ووجدت نفسي منطلقا معه على سجيتي .
دعاني لجلساتكم ، ترددت ، ثم لبيت الدعوة ، وما زال جلساء حازم هم أعز أصدقاء لي حتى اليوم . فوجئت من الجلسة الأولى ان حازم يشرب بشكل انتحاري ، ودون توقف .. أو ربما احساس الكاتب .. أو الشيطان الذي في نفسي أقنعني بأن وراء حازم واسلوب حياته ، وعزوبيته رغم تجاوزه الأربعين وقتها ، سرا لا بد لي ان أصل اليه . ووقتها بدا حازم العمل معي .. كنت أقله صباحا بسيارتي ، واعيده مساء ، ونلتقي ليلا ..
كان يتهرب من الخوض في سره الكبير باسلوب الضحك وحكاية النوادر ، مما زاد يقيني وجنوني ككاتب قصصي بأن أصل للحقيقة .. عرفت مسيرة حياته منذ النكبة ، هروبا من يافا الى نابلس ، وصولا الى الناصرة .. وتوقف الحديث في الناصرة ..
زوجتي ، من مدينة الرملة ، سألني حازم ببعض الحياء والتردد ان أستفسر من أهل زوجتي عن فتاة أمها تركية ( مثل أمه ) اسمها أمينة وتسكن الحي العربي ( الجيتو العربي كما يعرف حتى اليوم ) وهنا بدأت أفرد شباكي ، لأكتشف حازم الحقيقي - سيزيف الفلسطيني ..الرواية منشورة على الانترنت في مواقع مختلفة .. أترك للقراء متعة قرائتها .. وهي رواية راودتني لفترة 10 سنين قبل أن أنجح بوضع صيغتها ، وماعدا متطلبات اللعبة الروائية ، لم ألعب بالتفاصيل اطلاقا .. انها مأساة ميلودرامية ، ولكن الواقع الفلسطيني أشد ميلو درامية مما تكشفه الرواية.. ( يمكن قراءة الرواية على هذا الرابط: www.bettna.com/books/nbil.asp) . وهي تكشف مأساوية حياة الفلسطيني الابن المباشر للنكبة . لا شيء يكتمل في حياته ما دام الوطن أسيرا.


سؤال – لماذا يصر الكاتب نبيل عودة على اثارة المواضيع المسكوت عنها ، هذا من ناحية ، وينتقد- من ناحية أخرى- وبحدة تكاد تصل الى حد التهجم أحيانا، أغلب القضايا التي تجمع عليها الأحزاب السياسية العربية في اسرائيل.. ولماذا ؟

نبيل – الاجماع من أحزابنا بحد ذاته هو الذي يثير شكوكي ودوافعي لاعادة التفكير في المواضيع المتفق عليها أو المسكوت عنها باجماع نادر ، او المبعدة من ساحة النقاش والاجتهاد الحزبي . الاتفاق يجري في ظروف نفتقد فيها للحياة الحزبية النشطة . الحوار بين الأحزاب معدوم ، رغم تعدد واختلاف مفاهيمها وأهدافها وخطاباتها. الحياة الفكرية والتنظيمية داخل الأحزاب متجمدة . هناك قطيعة ، بل وعداء ظاهر بين ما هو ثقافي وسياسي . هذا ينعكس سلبيا على واقعنا الاجتماعي ، على تطورنا الفكري ، على نهج سياسات الأحزاب.على الخطاب السياسي العربي في اسرائيل . وبالتالي ينعكس سلبا على حياتنا الثقافية والاجتماعية .
استطيع القول ان الأحزاب هي الغائب الكبير عن الفعل الاجتماعي . نشاهد نشاطهم التلفزيوني . يغرقوننا ببيانات وتصريحات نشاطاتهم البرلمانية ، في الحياة اليومية للجماهير العربية هم غائبون الا ما ندر، ما زلنا نتندر على بعض قادتنا بأنهم " وصلوا البلاد في زيارة عاجلة .. ". القضايا المطلبية للمواطنين العرب في اسرائيل لا تحتل الحيز الضروري وبالشكل اللائق على أجندتهم. ويتميز نشاطهم اذا تحركوا بالارتجالية والدعائية ، وكأن المسألة الاساسية تذكيرنا بوجودهم وبأنهم قباطنة سفيتنا في البحر الهائج ، والذين بدونهم مصيرنا الغرق ..
سياساتهم باتت تشكل عالة على الجماهير العربية في اسرائيل ، وانا أقول ذلك أيضا اعتمادا على استطلاعات عديدة للرأي أظهرت فجوة هائلة بين نضالات الأحزاب وموقف الجمهور ، وأبرز مثال على ذلك موضوع "الحدمة المدنية التطوعية " حيث تبين من استطلاع للراي قام به بروفسور سامي سموحة والدكتور نهاد علي من جامعة حيفا ،ان 75% من المواطنين العرب مع فكرة الخدمة المدنية التطوعية ، ونبين ما هو مؤلم أكثر من أن أكثر من 60% من العرب في اسرائيل لم يسمعوا عن الموضوع ، رغم ان حولة اجماع حزبي وضجة حزبية سياسية . المضحك انهم يصرون ان الخدمة المدنية هي باب للخدمة العسكرية ، وهذا كذب رخيص ويناقض بنود المشروع ، يكفي انها تطرح كخدمة تطوعية ، أي غير مفروضة ، ومن معلوماتي أعرف ان وزارة المالية شطبت بندا يلزم الدولة بتوفير الخدمة المدنية لكل من يطلبها لأن الخدمة تكلف صندوق الدولة مصروفات هائلة ، مثل معاشات اثناء الخدمة ، وهبات بعد الخدمة ، ودعم في التعليم الجامعي ، وهبات جدية في الحصول على تخفيضات لشراء مسكن أو البدء بمشروع اقتصادي، وغير ذلك من التسهيلات المادية والادارية ، اذا كنا نطالب بصدق بالمساواة فهذا جزء من المساواة ، وليس من الواجبات .
المضحك ان أعضاء كنيست ورؤساء سلطات محلية بأحاديث مغلقة بما فيها أحاديث معي شخصيا ، يقرون بأهمية الخدمة المدنية لمجتمعهم ومؤسساته البلدية والتعليمية والصحية والبيئية والأمان على الطرق للطلاب ، ولكنهم في اطار لجنة المتابعة العربية العليا ، موقفهم مع " الاجماع "، غير انهم يقدمون تسهيلات في بلداتهم للمتطوعين في الخدمة المدنية . هذا الجبن السياسي لا يعجبني وأراه أخطر من مواقف الرفض السياسي التقليدي السائد في الخطاب السياسي للأحزاب العربية من الحائط حتى الحائط.

سؤال – هل تعتقد أنك بتفجيرك للمواضيع والقضايا التي تكتب عنها ، ستصحح من مسار حركتنا السياسية والثقافية ؟ .. ثم ألا ترى معي ، ومن خلال ردود الفعل التي نلاحظها ، أن هذا الطرح ، يعطي عكس ذلك ؟

نبيل – ردود الفعل ، وبعضها عنيف ويحمل لهجة التهديد والتشهير ، هي نتيجة طبيعية لقلق الأحزاب من الرأي الآخر المغاير والمنتقد بمعرفة وبلا تردد لخلطتهم السياسية ، وللمستوى السياسي والثقافي المتدني لاسلوب الأحزاب في التعامل مع الحوار السياسي والتعددية الفكرية والثقافية.
حتى في الساحة الثقافية نجدهم منغلقون ... ان عدم وضوح برنامج ثقافي قابل للتنفيذ في برامجهم الحزبية ، يقودنا الى مرحلة من السنوات العجاف ثقافيا ، هذا أيضا مرتبط بتضعضع مجتمعنا المدني نتيجة عودة ظاهرة العائلية بقوة كبيرة ، وتعمق تفسخنا الطائفي البغيض ، والواقع ان أحزابنا والكثير من المثقفين غائبين عن الوقوف لصد هذه الظواهر المدمرة..
بالطبع هناك اسباب ذاتية أيضا منها ضعف الفهم لأهمية الثقافة الذي ميز سياسة الحزب الشيوعي وقيادته الطلائعية بعد النكبة عام 1948 ، والذي كان له الفضل في الحفاظ على الهوية القومية والانتماء الحضاري واللغة العربية للأقلية العربية الباقية في وطنها ، الى جانب اعادة اللبنة التي تجمعها كشعب ، وفتح الآفاق نحو انطلاقة ثقافية وتعليمية أكاديمية ، رغم كل الشروط الصعبة وشبه المستحيلة التي واجهت هذا المشروع النضالي غير العادي .
اذكر فقط ان صحافة الحزب الشيوعي ونوادية تحولت الى جامعة ثقافية وسياسية وفكرية . في تلك الفترة ( 1950) صدرت مجلة "الجديد " التي تعتبر بلا منازع أهم مجلة ثقافية صدرت في العالم العربي كله ، ليس لكونها نجحت باختراق سياسة الحصار الاسرائيلي الارهابي والثقافي والفكري على الأقلية العربية في أحلك فترة من تاريخها. انما بمضمونها أيضا. أين نحن اليوم من ذلك التاريخ النضالي ؟ أين نحن اليوم من ذلك الفهم العبقري لأهمية الثقافة في الفعل السياسي والاجتماعي؟
ليس بالصدفة ان مجلة الجديد أغلقت . هل انجزت مهمتها وجاء يومها السابع لتستريح؟
هل في الابداع والفعل الثقافي والفكري حالة من الاكتمال؟
نفتقد اليوم لمجلات ثقافية ، واذا وجدت تفتقد للعمود الفقري وللرؤية الثقافية ، وتكاد تكون تجميع وتلصيق بدون معايير ومضامين ورؤية عامة . حتى بتنا نفتقد لزوايا ثقافية تستحق صفة ثقافة في صحافتنا التي كثرت وخوت من المضامين .
تفجير هذه المواضيع ، يسلط الانتباه .. ويجب ان أقول اني أجد اذنا صاغية لدى أوساط مثقفة واسعة ، بعضهم يحسدني على ما يسميه جرأتي ، وبعضهم يؤيد علنا مواقفي ..
المسألة ليست جرأة .. انما رؤية شخصية واقتناع بأن الانسان لا يستحق صفة مثقف ، وصاحب دور اجتماعي وسياسي ، اذا اتبع اسلوب المواراة والتضليل والتهريج .. وهو ما يسود للأسف حياتنا السياسية وينعكس بسوء مؤذ على واقعنا الثقافي والاجتماعي .

سؤال - كيف تقيم الحركة الأدبية اليوم في العالم العربي ، وكيف تراها على ساحتنا المحلية؟

نبيل - الانتاج الابداعي في العالم العربي يشهد نهضة مباركة ، خاصة في الرواية ، في النقد توجد اشكاليات مختلفة ، واعتقد ان النقد اليوم في تراجع .. المشكلة تتعلق ليس بوجود نقد أدبي ، انما بغياب فكر فلسفي عربي يرسي فكرا نقديا ثقافيا اجتماعيا وسياسيا . النقد الأدبي حسب رؤيتي هو زاوية صغيرة من الفكر النقدي. هذا يبرز أيضا بغياب حركة ثقافية قادرة على التأثير على المجتمعات العربية ، صوت المثقفين هو آخر الأصوات المسموعة حول الواقع المأساوي للمجتمعات العربية . ايضا لا يمكن تجاهل نسبة الأمية المرتفعة جدا .. ونسبة البطالة والفقر المدقع لنسب كبيرة من السكان ، وعلى رأسها المشاكل بالغة الخطورة على المستقبل العربي ، واقع المرأة المأساوي ، المحرومة من معظم الحقوق الأولية ، يكفي نسبة الأمية الرهيبة بين النساء ، هل سنبني مجتمعات عربية حضارية بعقل علمي ونقدي ، في ظروف أطفال يولدون في أحضان الأمية والجهل والبطالة والاستبداد؟ كذلك واقع التخلف العلمي والتكنلوجي للدول العربية ، وتخلف الأبحاث والتطوير الاقتصادي والزراعي ، وتخلف الخدمات الصحية ، كلها حالات مؤثرة .
بالطبع هناك مثقفون عرب .. للأسف أكثريتهم ، وأبرزهم .. يعيشون وينشطون في المهجر حيث يمارسون حريتهم الفكرية ، وهذا غير متوفر لهم في أوطانهم . ولكن المأساة الأكبر ليس غياب الفكر والمفكرون ، بل غياب القارئ العربي القادر على التفاعل .وهذه هي المشكلة الحضارية التي تواجه المستقبل العربي . من المضحك والمبكي في الواقع العربي ، واقع سيطرة الجهالة والغيبيات ، ان شيخ جاهل يؤثر على عشرات الاف الناس بغيبياته ، بينما مثقف ومفكر وسياسي غير قادر على ترك تأثيره بفكرة العلمي ومنطقه الثقافي على مجموعة صغيرة من السكان .
في الجواب السابق أعطيت رؤيتي للحركة الأدبية على ساحتنا المحلية ، وأضيف ان مجتمعنا يواجه تراجعا وليس تقدما بكل ما يتعلق بواقع المرأة ، هذا جزء من التراجع على الساحة الأدبية والفكرية أيضا ، وهذا ينعكس سلبا على مجمل حياتنا الاجتماعية والثقافية ... بل وعلى نهجنا السياسي الذي تحدثت عنه في الجواب السابق أيضا.

سؤال – الا تعتقد ان توزيع الكاتب لجهده على ساحتين واسعتين ، مثل ساحة الثقافة وساحة السياسة، تشكل واحدة على حساب الأخرى ابداعيا ، أنت بالذات كيف ترى ؟

نبيل – الجواب السريع والتلقائي نعم .. يشكل توسيع الجهد على ساحتين اضرار بالواحدة على حساب الأخرى.
ليس باستطاعتي رصد هذا التأثير ومدى سلبيته .. على المستوى الشخصي على الأقل ، والمسألة لا تجري بهذه السهولة التي تبدو من السؤال.صحيح اني متورط بالسياسة حتى أذني ، ومنذ بداية وعيي الأولي . والسياسة لم تكن خياري .. ولكن مسؤوليتي كمثقف ، لشعب يواجه قضايا مصيرية ، على الصعيد المحلي الداخلي وعلى الساحة الدولية والعربية ، لم تترك لي خيارا آخر ..ان أي خيار يلتزم بالابداع الأدبي فقط ، من وجهة نظري ،هو خيانة للمثقف العضوي المتفاعل مع مجتمعه ، خيانة على جميع المستويات ، الثقافية والسياسية والاجتماعية والفكرية. والمثقف الذي يظن ان ابداعه الأدبي هو مساحة حياته ، هو غبي ومدع للثقافة ، وهذا يبرز في ما يسمونه "ابداعهم ألأدبي" .. على الأغلب غيبيات تحت اسم الشعر ، أو كتابات نثرية غير ناضجة ، أو نقد يفتقد ليس فقط لأبسط المفاهيم النقدية ، انما لأبسط المفاهيم الثقافية واللغوية الأبداعية.
ان تكون مثقفا هذه مسؤولية أيضا ، ولا تكتمل ثقافة المثقف اذا اختار الانعزال عن قضايا مجتمعه . قد يستطيع حقا التعبير عنها ابداعيا .. ولكن في مثل حالتنا السياسية المركبة والمعقدة والمأساوية لا بد من المباشرة أيضا .
انا شخصيا لا أرى ان للمثقف العضوي الحقيقي الحق بالابتعاد عن الخوض بالقضايا السياسية الملحة ، على ان يكون قادرا على التفكير المستقل والبعيد عن الببغاوية والشعاراتية التي تميز جميع دعاة الأحزاب وشريحة واسعة من كتابات بعض الهواة .. الذين يتوهمون ان طرح الشعارات الحماسية دون تفكير متزن ، ودون عقلانية وواقعية قكرية وسياسية ، ترفع من قيمتهم ، وللأسف الاحظ ان مثل هذه الكتابات لها مساحة واسعة على مواقع الانترنت ، بينما الكتابات المسؤولة ، وغير المريحة للعواطف العربية ، لا تجد نفس الترحيب. بالطبع هناك مواقع مسؤولة ، ويشكل النشر بالنسبة لها مسؤولية أولا ، وليس تعبئة فراغات وتهريج سياسي ضرره عظيم . ولكن الظاهرة الجيدة ان مساحة حرية الرأي في مواقع الأنترنت هي مساحة واسعة ...ليتها تحظى بنفس الحرية في الصحافة العربية المطبوعة داخل اسرائيل وفي العالم العربي .

سؤال - هل تريد القول ان الصحافة العربية في اسرائيل تفتقد للتعددية الفكرية ...؟

نبيل – هذا هو الواقع .. للأسف تكاد تكون كلها بوق واحد . انها لا تختلف عن الصحافة الحزبية التي ترى مهمتها مديح الذات ومديح القيادات وتسجيل أقوالهم في الاستنكار والادانة ، والرفض ، عدا الانغلاق الفكري والثقافي .
كنت قد القيت كلمة في مؤتمر هرتسليا الأخير.. فوجئت ان معظم الصحف العربية الحزبية والمستقلة ، نشرت خبرا مشوها وكاذبا عن مضمون كلمتي ، استقوه من مصدر واحد هو موقع الجبهة ( الحزب الشيوعي ) . المنطق الصحفي ان ترسل الصحف مراسليها ، على الأقل ، لتغطية موضوع تناول قضية تتعلق بالعرب في اسرائيل تطرح في أهم مؤتمر يعقد في اسرائيل ويؤثر على مجمل سياسة الدولة. . وان تجري تغطيته بشكل مهني . أو على الأقل أن يتصلوا لأخذ الموقف الحقيقي قبل النشر المشوه والكاذب والتحريضي مع سبق الأصرار .وكان بأمكانهم أن يستمعوا لجميع أبحاث المؤتمر ولكلمات المتحدثين ، بما في ذلك كلمتي ، عبر موقع الأنترنت لمؤتمر هرتسليا.
ولكنهم مخلصون لنهجهم المنغلق والغوغائي والمواقف المسبقة . فهل يتوقع أحد ان تتطور ثقافة في مثل هذه الصحف ؟ هل تتوقع ان يتطور فكر سياسي عقلاني وواقعي في مثل هذه الصحف؟ كثرت الصحافة فعلا ، وقلت مساحة المنطق والتعددية في صحافتنا، رغم اتساع مساحة الحرية التي نتمتع بها في اسرائيل .

سؤال – هل تلجأ الى كتابة الأدب مثل القصة والمسرحية عندما لا تسطيع ان تقول ما تريد من خلال المقالة السياسية ؟

نبيل - مساحة الحرية التي نحظى بها واسعة جدا .. لا أقول هذا مديحا للنظام العنصري في اسرائيل ، انما هي حقيقة .. ولكن الحرية هي مسؤولية أيضا ، وضمن هذا الاطار أقول ما اريد وبالشكل الذي أختاره . وربما مشكلتي ليست مع النظام بقدر ما هي مع أصحاب المفاهيم الغيبية في مجتمعنا .
الأدب والابداع الأدبي يفترض أجواء وشروطا .. صحيح ان الكتابة السياسية والفكرية تحرمني من التفرغ للكتابة الابداعية – الأدبية . الموضوع لا يجري في الواقع بمثل هذا الوضوح والتقسيم ، الكتابة هي طاقة ، عندما أجد نفسي مدفوعا للتعبير عن موقف ما ، طارئ ، أجد ان الكتابة السياسية أو الثقافية العامة ، أكثر يسرا ، الأدب يحتاج الى وقت لتختمر الفكرة ، وماذا أفعل اذا كان وقتنا الفلسطيني والعربي بمثل هذا الالحاح والتسارع؟
لدي أفكار تراودني منذ سنوات لعمل روائي جديد، ولكني لا أجد نفسي جاهزا للتفرغ من أعصابي ومن متابعاتي السياسية ، لا أعرف ، ربما أجد نفسي بلا مقدمات غارقا في الكتابة الابداعية ، أحدى الروايات راودتني لفترة عشر سنوات ( حازم يعود هذا المساء ) ، كتبت ومزقت ، وامتنعت عن بدء كتابتها ، حتى اسيقظت باكرا في صباح أحد الأيام ، وبدون وعي وجدت نفسي غارقا في صياغة النص .. وأنجزتها بجلسة واحدة استغرقتني اليوم كله ، قبل ان أبدا بتطوير النص والاضافة والتغيير ...
لا أستطيع ولا أجلس لأكتب عملا ابداعيا بناء على قرار مسبق اتخذه بوعي كامل . وواضح ان انشغالي بالكتابة السياسية هو تفريغ لطاقة ابداعية في التفكير ، ولا أكتب لأكرر شعارات بلا معنى ، بل لأقول موقفا مدروسا ، وبعد نقاش مع زملاء أحترم آرائهم وخبراتهم ورؤيتهم الفكرية ، بعض ما اريد قوله يدخلني أحيانا بصراع ذاتي بين ان أقول فقط ما يحب ان يسمعه القارئ العربي ، وبين الالتزام بالحقائق مهما كانت مؤلمة للاذن العربية .
مثلا أديب عربي أحترمه ، ضايقه ان أصف النظام في اسرائيل بأنه ليبرالي دمقرطي ، فكتب لي غاصبا " لتتمتع بالنظام الاسرائيلي " ، ومع ذلك هذه هي الحقيقة المؤلمة للعالم العربي ، الدولة المعتدية ، والمغتصبة للوطن الفلسطيني ولأراضي عربية أخرى ، والتي ترتكب جرائم ضد شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية ، جرائم التطهير العرقي والتمييز العنصري ، تتمتع بنظام دمقراطي ليبرالي ، ومؤسسات دولة مستقلة ، ومساحة حرية واسعة للعرب الفلسطينيين مواطنيها ، وتشملهم بنظام تأميناتها الاجتماعية والصحية والتعليمية والقانونية المختلفة رغم مظاهر التمييز المؤلمة المختلفة ، بما في ذلك سكان القدس الشرقية التي منحتهم الهوية الاسرائيلية تحت قرصنة ضم القدس ، والمستهجن ان نعرف ان حملة الهوية الاسرائيلية من سكان القدس العربية المحتلة يرفضون التخلي عن الهوية الاسرائيلية ، وبعضهم يقولون بوضوح انهم ضد العودة للسلطة الفلسطينية . والكثير من قضايا المحاكم في القدس هي لعرب من القدس وضواحيها يطالبون بالهوية الاسرائيلية . والمضحك ان أكبر نسبة دفع لضرائب البلدية ( الأرنونا ) بين العرب هي لسكان القدس المحتلة ، وهما منهم ان الأرنونا هي الضمانة لهويتهم الاسرائيلية.
مواقفي تجر علي غضب أحزابنا المصونة ، وبعض المسيسين العرب ، ولكنها تحظى بترحيب واسع من القراء ، هنا في اسرائيل وفي العالم العربي أيضا من قراء يريدون الحقائق مهما كانت غير متوقعة. وهذا ما يهمني .

سؤال – نلاحظ انك لا تولي اللغة اهتماما كافيا في كتاباتك ، من حيث القواعد والصرف والنحو. مما يعطي الحجة لبعض منتقديك ان يجعلوا من هذه الأخطاء حجر الأساس للهروب من مناقشة طروحاتك ، ما هو ردك؟

نبيل – أنا أعشق اللغة العربية ، وقدراتي التعبيرية والصياغية في اللغة العربية حدودها السماء . رغم ان دراستي للغة العربية واجهت اشكالية ، اذا بدأت الدراسة في فترة " تنظيف " جهاز التعليم العربي من المعلمين الوطنيين والمخلصين وسيادة جو الرعب في جهاز التعليم ، بفترة الحكم العسكري الاضطهادي والذي لا بد من ملاحقة السلطة حول جرائمه .
معلمي للغة العربية في الابتدائية كان لا يعرف قواعد اللغة وغير قادر على شرح الدروس بشكل يسهل علينا كطلاب فهم القواعد . كنت أفضل الطلاب في كتابة الانشاء والقصص مثلا .. وأفضل الطلاب في القراءة السليمة ، ولم احتاج كتاب القراءة المدرسي التافه والمتخلف في نصوصه ، والذي وضع باشراف الحكم العسكري في وقته بهدف التجهيل بلغتنا الأم أيضا ، لأني تعلمت القراءة وانا في الصف الثالث على صفحات جريدة "الاتحاد " الشيوعية ، وانطلقت لقراءة أكثر اتساعا في مجلة "الجديد" الثقافية ، وكنت القارئ المواظب على قراءة الابداع الأدبي العربي لأهم أسماء أدبية في العالم العربي وبمعدل كتابين كل اسبوع . ونشرت قصتي الأولى في مجلة "الجديد" وانا في الصف الثامن ، ثم انتقلت في دراستي الثانوية لمدرسة عبرية بالأساس ، كذلك لدراسة الهندسة في معهد التخنيون بالعبرية ، قبل ان أقرر الالتحاق بالعلوم السياسية الحزبية في الاتحاد السوفييتي .
هذا خلق مشكلة قواعد وليس مشكلة لغة .. لو كان في صحافتنا محررين لغويين لما شكلت هذا الأخطاء البسيطة والقليلة موضوعا كثر منتقديه ، رغم انهم أعجز من مجاراتي بقدراتي على الصياغة الواضحة والدقيقة والابداعية .. والأهم فقرهم الفكري أمام آفاقي الفكرية المتسعة باضطراد . أيضا هذا جانب من مشكلة لغتنا وتطويرها .

سؤال - لم أقرأ في مقالاتك الأدبية النقدية على غزارتها ، مقالا واحدا يعبر عن إعجابك بما يصدر عندنا من كتب أدبية .. هل ترى أن الجيد مفقود ؟

نبيل – للأسف ليس لدينا تجاوز في الابداع أو المحافظة على الأقل ، لما كان في سنوات الستين والسبعين ، والعكس هو الصحيح ، نحن في مرحلة ضمور ابداعي وتصلب في شرايين الابداع ، وفوضى ابداعية في المستوى والنشر .. وزاد الطين بلة ، دخول جيل هرم وعاجز فكريا وابداعا ، يرى بالابداع تسلية وتعويض واستعادة مكانة اجتماعية وثقافية ، بعد فترة الصمت والتخاذل التي أخرستهم وحولتهم الى أشياء بلا دور ثقافي واجتماعي اثناء مزاولتهم التعليم ، لا الومهم على خوفهم ، حقا عانينا من حالة رعب في مراحل ما ، وتواصل خوفهم وصمتهم حتى عندما بدأت رياح الدمقراطية الواسعة تفرض نفسها على مدارسنا أيضا.. لا مشكلة شخصية لو رأيت في نصوصهم ما يستحق ان يسمى أدبا. الأدب ليس وقفا على جيل ما ، وليس حقا لمن واجهوا البطش السياسي في أحلك فترة تاريخية ، ولكن عندما تتلخص كل اضافاتهم باغراق أدبنا بالمزيد من التفاهة والتسلية الفارغة والعروض الشبيهة بمتسابقات الجمال ، حين لم نجد مسحة من الجمال فيما يعرضون ، فأنا كمثقف يحترم نفسه ، ويحترم دورة الاجتماعي والثقافي والسياسي ، لن أصمت امام هذه المهزلة – المذبحة للثقافة العربية في اسرائيل .

سؤال – هل تقليلك من شأن الحركات الثورية مثل حزب الله وحماس يعود الى تعاطفك مع وجهة النظر الاسرائيلية ، حسب ما تتهمك بعض الأوساط السياسية عندنا ، ام انك تريد توجيه المسار اليساري والشيوعي الى وجهة أخرى كما يلاحظ البعض ؟

نبيل – راديكالية حزب الله وحماس ليست من الثورية في شيء . الثورية هي احداث تغيير نحو الرقي الاجتماعي والدمقراطي والعلمي والحضاري بشكل عام ، وبالطبع رفع مكانة المرأة وتحريرها من القيود الظالمة ، ان مساواتها بالحقوق الاجتماعية والمدنية يشكل معيارا اساسيا على المستوى الاجتماعي والسياسي . هذه الأهداف ليست مطروحة . . حزب الله يطرح فكر ملالي قم وأطماع الدولة الفارسية وحلفائها العرب. وفي المفاهيم الاجتماعية رؤيته لا تتجاوز مفهوم الدولة الاسلامية ، ومضاعفة قمع النساء وتغييبهن عن المشاركة في الحياة العامة ، وهو نفس الواقع الرهيب في ايران (والعالم العربي ) . والذي دفع نساء ومفكرين للهرب من ايران ، بدل التعرض للسجن بنظام لا دمقراطي . وليس سرا ان مئات وربما الاف المثقفين الايرانيين والطلاب ومحاضري جامعات ، يملأون السجون الايرانية . والوهم ان القنبلة النووية الايرانية ستكون دعما للقضايا العربية ، هو وهم خطير ، سيكلف العالم العربي المتخلف ، مزيدا من التخلف والخضوع للمشروع التاريخي الفارسي ، مشروع السيطرة على بحر العرب والشرق الأوسط . وحزب الله هو ذراع لبسط الهيمنة الايرانية .
حماس أثبتت ان مفهايمها الدمقراطية لها اتجاه واحد ، الوصول الى السلطة ، بعدها تنتهي ضرورة الدمقراطية ويحل محلها حكم الفقيه ، وما قامتا به من انقلاب ، هو طعن للنضال القومي الفلسطيني وتعريض الشرعية الفلسطينية الضعيفة اساسا للخطر والضياع .
هذا ليس دفاعا عن فساد السلطة الفلسطينية ، ولكن هناك أولويات ممنوع التهاون بها ، وأهمها عدم المزاودة على الشرعية الفلسطينية ، ودعمها في مواجهة سياسات حكومات اسرائيل .
ليس سرا ان اليسار العربي بما فيه الشيوعي يواجه أزمة . ولكنه موضوع يحتاج الى مداخلة طويلة ، وأكتفي بالقول ان فقدان بعض الأحزاب الشيوعية واليسارية لبوصلتها الفكرية ، وتجندها وراء حزب اصولي ( حزب الله مثلا ) هو سقوط سيكلف اليسار العربي ضياع جهد بناء فكري وثقافي وسياسي واخلاقي لن يعوضه نشاط عشرات السنين . وقد يكون خطا كارثي .
ان اغتيال زعيم شيوعي مثل جورج حاوي ، ارسى للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد احتلال اسرائيل الطريق ، قبل ان تغيب وتقمع بقرار الاحتلال السوري ، وجعلها مقاومة اسلامية لحزب الله ، هو الاشارة التي يجب ان تنبه للخطر الذي يواجه ليس لبنان الدولة والنظام الأكثر دمقراطية في العالم العربي ، انما مستقبل العالم العربي مع استمرار المشروع النووي الايراني ، والمشروع الفارسي التاريخي للسيطرة على الخليج والعراق والمنطقة العربية.
كلماتي لا تطرب الكثير من الآذان العربية ، وبعض من يعيشون بوهم "النصر الالهي" ، ويتعامون عن رؤية المأساة الحقيقة لهذا "النصر" عل واقع لبنان وشعب لبنان ومستقبل لبنان .
ويتوهمون ان اسرائيل باتت عاجزة امام حزب الله وملالي قم . التجربة علمتنا ان لا نغرق ، ليس بكأس ماء ، بل ببحر هائج أيضا.
لا شيء يمكن الاعتماد عليه في الواقع العربي . هذا استوعبه الشعب الفلسطيني بثمن مؤلم . وأرجو ان لا تدفع الشعوب العربية ما هو أكثر من الثمن المؤلم الذي دفعه شعبنا الفلسطيني .

سؤال – نبيل عودة يرى نفسه في السياسة أكثر أم في الأدب ؟

نبيل – لا ارى السياسة الا من باب الأدب ، ولا أرى الأدب الا من باب السياسة ، الثقافة بمفهومها العام هي كل ما ينتجه المجتمع من خيرات مادية ، هناك انتاج روحي ونعرفة بالأدب ( شعر او نثر ) وهناك انتاج الخيرات المادية الاجتماعية من بضائع ومنجزات وعلوم وتطويرمرافق الحياة وواضح ان السياسة في جذور الثقافة بوجهيها الروحي والمادي.
في الفكر الغربي يقصدون بالثقافة الابداع الأدبي فقط ، ويرمزون للابداع المادي للخيرات الاجتماعية باصطلاح "الحضارة" .
لذلك التزاما بعروبتي ولغتي أنا مندمج تماما بالثقافة .

سؤال - رغم أهتمامك بالسياسة ومتابعتك لمجرياتها على المستوى الكتابي بشكل خاص .. إلا انك لغاية اليوم لم تصدر كتابا واحدا في هذا المجال .. ما هو السبب ؟

نبيل – لست متحمسا حتى لاصدار كتبي الثقافية ، وضع التسويق والقراءة لا يشجع ، الى جانب ان دور النشر تستغلك وتريد الحصول على ارباحها من جيبتك قبل ان تقرر طباعة كتاب لك . وكانت لي تجربة مريرة جدا مع دار نشر معروفة ، دفعت حصتي من ثمن طباعة ثلاث كتب ثم لم تطبع أي كتاب ولم يرجعوا لي ما دفعته . والأمر الآخر انا غير مستعد لطباعة كتاب وتحمل مسؤولية توزيعه – أي التحول الى ناشر وتاجر.

سؤال - ما هي مشاريك للمستقبل ؟

نبيل – المشاريع كثيرة ، أهمها ألأن العودة للصحافة المطبوعة لأتابع تجربة فريدة بدأتها في صحيفة "الأهالي " حيث عملت نائبا لرئيس التحرير ( المفكر والشاعر سالم جبران) والتي استمرت لثلاث سنوات أحدثنا فيها ثورة صحفية وفكرية غير مسبوقة في الاعلام العربي المحلي ، وما كان لها ان تستمر نتيجة الضغوطات السياسية والاقتصادية التي واجهها صاحب الجريدة .
على المستوى الشخصي أحلم بكتابة عمل روائي جديد ، تراودني فكرته منذ سنوات .. ربما يبدأ ذلك ، كالعادة ، فجأة وبلا تخطيط وبلا سابق انذار .

السبت، مارس 29، 2008

الشركسية

د. عدنان الظاهر

الشركسية أم الشركسيات ؟ كانت في أواسط سبعينيات القرن الماضي شركسية واحدة ولكن ، الزمن يمشي في إتجاهين والعمر يمشي وكل شئ في الكون يمشي . فالشركسية غدت شركسيات ، وإعجابي بالأولى قد إنتقل مع حركة الزمن المزدوجة الإتجاه إلى أكثر من شركسية . الإسم بحد ذاته يعجبني ويثير فيَّ أخيلة شتى متباينة يغلب عليها في معظم الأحيان طابع وطبع السحر والتألق الصوفي الروحاني .
ذكرَهن َّ التأريخ الإسلامي وربطهن َّ بقصور ونزوات السلاطين والملوك والأمراء ومن هم على شاكلتهم [[ شركسيات سبابا ]] .
أكره هذا التأريخ لكني أعشق جبال القوقاز المشرفة على مياه البحر الأسود بشموخ وإباء وكبرياء حيث مواطن الشركس والشيشان والأبخاز وسواهم من شعوب بقية الأقليات النادرة كالجواهر .
كان الطالب الشركسي الشاب [ بوبا ] جاري في القسم الداخلي الذي كان ينام طوال ليله وسواد نهاره إذا لم يوقظه أحد ٌ ... وكنت أنا المكلف بأداء هذه المهمة المضجرة التي كانت تتكرر صباح كل يوم . أما [ مليكة ] الشركسية الجميلة فما كان أحلاها من فتاة جامعية جميلة الوجه والروح والقوام . تزورني وأزورها فأرى فيها ذكاء وسحر شهرزاد . كنت أقول لها ذلك لكنها كانت ترد بكل أدب وجدية : لكني لا أرى فيك شيئاً من شهريار !! كنت أقول في سرّي (( إنك مخطئة يا مليكة ، فيَّ الكثير من سجايا وأخلاق وطبع شهريار ! )).
ولأنها مسلمة متعلقة بالقرآن والإسلام فلم أراودها عن نفسها ولم أسمح لشيطان الغواية أن يتحكم فيَّ أو أن يسوقني في دروبه الملتوية . بقيت علاقتي بها نزيهة صافية مثالية وكانت تعززها بما تقدم لي من مأكولات تأتيها من أهلها في القوقاز وخاصة فاكهة الخريف والصيف . ما كانت تقرب الخمور فإرتفعت مكانتها في نفسي . كنت بحاجة ماسة لمثل هذه العلاقة البريئة التي تشبه علاقة الأخت بأخيها ولا من غرابة ،
كنت بعيداً جداً عن أهلي وشديد الشوق لهم . ثم َّ ، لم أكن محروماً من العلاقات المفتوحة على الآخر مع سواها من بنات حواء من غير المسلمات .
مر َّ الزمن سريعاً ... مرَّ في إتجاه واحد ... أكملت أبحاثي ودراساتي وقفلت راجعاً للوطن لآمارس التدريس في الجامعة .
" الشركسية " ... كانت واحدة من طالباتي بعثتها حكومة الأردن للدراسة في جامعة بغداد . شارفت السنة الدراسية على نهايتها فحان موعد تقديم ومناقشة مشاريع طلبة السنة الرابعة في حقل الكيمياء والصناعات الكيميائية .
حددت لها موعداً دقيقاً لمناقشة مشروعها وتقويمه وإعطائه ما يستحق من درجات . جاءت الطالبة الأردنية الشركسية حسب الموعد ولكن ... جاء معها شاب لم أره قبلاً . قالت إنه خطيبها . شعرتُ بشئ من الحرج !! أدخلتهما مكتبي وطلبت منهما الجلوس . إنه خطيبها ... فلربما يغار خطيبها عليها أو يخاف عليها من أمر مفاجئ أو غير محسوب .
أردت إحراجه قليلاً لعله يدرك أن َّ وجوده معنا لا معنى له بل وثقيل وغير مرغوب فيه أصلاً . سألته هل هو طالب في كليتنا ؟ قال كلا ، إنه طالب في كلية الإقتصاد . هل بلغته رسالتي اللاذعة أم لا ؟ الجواب كلا ، إبتلعها وكأني لم أسال وواصل بقاءه معنا!!
ناقشت طالبتي وإنتهى النقاش فغادرا بعد أن تركت معي مشروعها حسب الأصول . كنت أسعد بوجودها في مكتبي وأحيطها بالكثير من الرعاية لأنها واحدة من ضيوف العراق ، ولأنها كانت كثيرة الأدب جميلة الوجه نحيلة الجسد لكأنَّ سحر أجدادها الشركس والشيشان قد تركز فيها .
قالت لي مرة ً : تفضلْ وزرنا في نادي الطلبة الأردنيين وإشرب معنا فنجان قهوة . شكرتها وقلتُ لها إنَّ ذلك ربما يجلب لي متاعب أنا عنها في غنى . ثم ذكرتها بتدهور العلاقات بين الأردن والعراق إثر إقدام سلطات البعث على إعدام طالب أردني بتهمة التجسس لصالح بلده الأردن .
أكملت البنت الشركسية دراستها في كلية العلوم / جامعة بغداد وغادرت بغداد إلى بلدها وإنقطعت أخبارها عني .
هل أسمح للزمن أن يظل َّ يتلاعب بي جيئة ً وذهابا ً وبمصيري إلى أبد الآبدين ؟ يمشي فأمشي معه ولا يتوقف كي أتوقف للراحة معه فأي جبار هذا وأي عنيد ! سأتخلى عنه وأمضي أو أمشي حسب رغبتي ومشيئتي فأجنح لعالم الخيال وما يشبه أحلام اليقظة . سأدعه يمشي وسأمشي حالما ً مخادعاً الزمن أني أمشي معه وأقطع المسافات حيث مشى .
مشيت مشيتُ حتى بلغت الإمارات العربية المتحدة . لم أمش ِ تلقاء نفسي في الواقع ، لكنْ قدمي قادتني . قدمي قادتني أم نجم شركسي ٌّ قوقازي ٌّ قادني كذاك النجم الذي قاد مجوسَ الشرق ودلهم على مكان ولادة عيسى المسيح في بيت لحم من فلسطين ؟
لا فرق ، النجم هو النجم ، ليس الدال هو المهم إنما المدلول . النجمة الشركسية هناك تعمل وهناك تعرفت عليها شاعرة ً وإعلامية مرموقة . لم أرها إلا في الصور . لكن َّ ما أرى في الصور يكفي لتذكيري بشركسية جامعة موسكو في ستينيات القرن الماضي وشركسية جامعة بغداد في سبعينياته .
أرى في هذه الوجوه عظمة سلاسل جبال القوقاز وجمال الطبيعة فيها وفيما حولها وتحتها وما فوقها . الجمال والأبهة والشموخ . يا شركسيات : إني بكن َّ مولّه ولكنَّ عاشق ومتيم . أحب القوقاز والسباحة في البحر الأسود مقابل هذه الجبال . أحب ثمار القوقاز وما يهبُ الناسَ صيفاً . أجد فيكن َّ كل جمال وبهجة القوقاز وروعة مذاق ثماره وطيب هوائه ودفء مياه البحر المحاذي له .
هل حقاً من هناك أتيتنَّ وفارقتن َّ الجدّات والأجداد والجذور وكل التأريخ ؟ لا ، أنتنَّ هناك رغم الفرقة ، إنها فراق الأجساد لا فرقة الأرواح . سألحق بكن َّ إلى هناك حيث المواطن الأصلية . إلى هناك ... سأمشي على عجل لألتقي بحلم جديد راودني ليلة أمس . جمعني بشركسية أخرى فأكملت مسلسل أحلامي الشركسية .
صرت فجأة أؤمن بعقيدة تناسخ الأرواح . فهذه ( مليكة ُ ) جامعة ِ موسكو جالسة أمامي ، في غرفتي رقم 833 في القسم الداخلي . جاءت تحمل لي صندوق خوخ وكمثرى مع صورة ملونة لها بالزي الشركسي الوطني .
وهذه طالبتي في قسم الكيمياء في كلية العلوم تقف قبالتي باسمة ً وفي خصلات شعرها الأسود الفاحم وردة جوري حمراء يفوح منها عطر الربيع .
جاءت هذه المرة وحدها وليس برفقة خطيبها الذي غدا زوجها بعد التخرج مباشرة ً . شعرتْ أخيراُ بثقل وطأته عليَّ فزارتني بدونه . حملت لي شيئاً من حلويات عمان . قالت متى تزورعاصمتنا لنردَّ لك بعض جميلك ونقوم بواجب الضيافة ؟
ليس لي عليك جميل يا حلوة . كنا نقوم بواجباتنا تجاه طلبتنا لا أكثر .
غادرت مكتبي ولكنْ ... بقيَ منها طيف ٌ رقيق غير واضح تماماً . لا زمني طوال عمري الذي بقي واقفاً فتخلف عن مسيرة الزمن . لا أصدق ما أرى وما أقرأ !! هل أنا حقاً في عمّان وفي أعلى قمة جبل الحسين ؟ مَن هذه الحورية التي فارقت الجنان للتو ؟ ما هذا الجمال الخارق وأي رب جبله وسواه ؟ سحرها يصعق البشر كما صعق كلام ُ الرب عبده موسى فوق جبل حوريب في سيناء .
هل تعرفينني يا ملاك ويا عينة ما في الجنة من حور العين ؟ هل سبق وأن إلتقينا في هذا العالم ؟
قالت نعم ، إلتقينا وتقابلنا مراراً وفي مناسبات وأماكن شتى . كنتُ معك ( مليكة ) في جامعة موسكو وكنا نأكل الكمثرى معاً. وكنت معك في جامعة بغداد ، تناقشني فيما كتبتُ من تقارير ومشاريع للبحث . ورافقتك إذ زرتَ قبل عامين الشاعرة الشركسية في الإمارات العربية المتحدة . ذهبت معكما في سفرة بحرية بهيجة لصيد السمك والسباحة متحدين خطر أسماك القرش الخليجية.
ذهلتُ . تلعثم في حلقي لساني ثم جف َّ . غشاوة على عيني . شحوب في وجهي . أكاد أتهاوى فأسقط على الأرض .
قالت تماسكْ . سأقص عليك حكايتي معك. أنا الشركسية الأخيرة التي كنتَ تحلم بها فلم تجدها .
[[ أردتُ أن أسالها وهل وجدتها أخيراً ؟ لكنَّ لساني لم يخدمني ، خذلني في الوقت الحرج ]].
قالت أُعجبتُ بك منذ لقائنا الأول شهر أيلول من عام 1965 وكنتُ في ضيافتك في القسم الداخلي . كتبت لك في اليوم الثاني رسالة رمزية قصيرة لعلك تفهم مغزاها وبغيتي فيك لكني ترددتُ ولم أرسلها بالبريد لك . مزقتها فندمتُ .
سألتها وقد أفقتُ من حلمي : وهل تتذكرين محتوياتها ؟ قالت أجلْ ، أتذكرها حرفاً حرفاً لكأنها لم تزل في ورقتها وبحبرها كما كتبتها على حالها.
هلا قرأتيها لي ؟ شرعت تقرأ وأنا مسحور مأخوذ غير مصدق ما ترى عيني وما تسمع أُذني :
[[ أنا مخلوقة من الحب وهو حلمي الملّح . لا أستطيع أن أتعامل مع < شئ > إنْ لم أحبه . ولا أستطيع أن أتخلى عن < شئ > أحبه . < قلبي ضعيف > للغاية ... مشاعري جياشة ومتأججة بشكل < دائم > وذلك أمر متعب ومرهق خاصة ً عندما يُصبح من الواجب < ضبط تلك المشاعر >.
فكرت في < العشق > ألف مرة ، وحضرت له الكؤوس والهدايا وأطواق الياسمين وبحثتُ عنه طويلاً وصرحّت ُ دائما ً للأهل والأصدقاء بأنني أبحث عنه ... وإنتظرته وتخيلته < يأتي > من كل الجهات .
وتساءلتُ طويلاً كيف سيكون < مَن > سأحب ؟؟؟ لكنه ما جاء [[ ولربما يأتي يوماً ]] على الرغم من أنني إدخرت < < له >> أشواق العمر وحكايا العشق الشركسي الأصيل النادر المثال ولحظات التمني ... وسأظل أنتظره . آه ٍ كم عناني وأعنتني ذلك السلطان السحري الذي إسمه الحب . فهو كلمة البداية وهو كلمة النهاية وما كنتُ سأكونُ لولا الحب ]] .
لم أفقْ من ساعة إسرائي ومعراجي مع الصوت الشركسي إلا بعد أن فارقتني الشركسية تاركة ً على المنضدة ورقة زرقاء بلون السماء العاشرة فيها كتابة غريبة عليَّ وفي نهايتها توقيع أكثر غرابة ً : شعلة السناء !! أهذا هو إسم زائرتي الأخيرة ؟

اعتذار

عيسى القنصل
اعذرينى ..
كان قلبى نهر حزن ..
وعيونى غارقات بالبكـــــــــاء
واشتعال فى خيالى ..
شد تفكيرى بعيدا ..
نحو صحراء المحــــــال
نحو بحر ٍ دون مــــــــــــــــــــاء
فافترشنا النار ارضا ً
واعتلكنا ..الرمل ينبوع الغـــــذاء
كان دمعى ..انفجارات النداء
كنت اجرى فى خيالى ..
فوق ارض ِ من عنــــــــــــــــــاء
فارغا ً كالصمت قلبى ..
باكيا ً فوق تابوت الرجــــــــــــــاء
فاعذرينى ..
لسؤالى ..انت عندى كالضيـــــــــاء
حين القاك ..ارانى كضياء ِ من سماء
اننى طفل ُ وعينى ..
لا ترى فى بعدكم الا شقـــــــــــــــائى
**
يا حبيبى لا تلمنى ..
حين ابكى ..فوق ساعات التنائـــــــــى
فثوانى البعد قبـــرى
بعدكم نبع ُ شقــــــــــــــــــــــــــــــائى
بعدكمُ حرق ُ ونار ُ
والليالى دون نجم ٍ او ضيـــــــــــــــاء
حبُكم عمر ُ لعمرى
يا لوجه ٍ يحتوى كل البهـــــــــــــــــــاء
بسمة ُ من ثغركم ..تلغى الاسى
من فواد العشق من عمق البـــــــــــــــلاء
يا الهى وجهها صبح ُ جميل ..
كل ُ ما فيها ..صفاء ُ من سمـــــــــــــاء ِ
فاعذرينى حين ابكى ..
لسعة الاشواق تدمى ..
وسوالى جاء فوق اكتاف الرجـــــــــــاء .
كنت مجنونا بشوقى ..
احتسى فى وحدتى ..كأس العنــــــــــــــاء
فاعذرينى لغبائى فسؤالى كان عنوان الغباء
انت عندى ..خفق قلب ..شوق حب ٍ
وخيوط ُ الربط ِ بين انواع العطـــــــــــاء
فاعتذارى .. لفضولى ..
لا تصدى العطف عنى ..
اننى اهواك حقا ..فى جنون الشعراء
**
وجهك المحبوب يسرى فى دمائى
كالخلايا ..تتنامى ..
دون جهد ِ او عنـــــــــــاء
فاتركينى ..فى هواك ِ
مومنا ً فيك كارقى ..بسمة بين النساء

ومين يعيش

محمد محمد علي جنيدي
علشان تعيش لازم أموت
نظريه طازه مْنِ التَّابوت
د انا مهما أبكي
بأعلى صوت
وأحاول اجرى
مُش هَفُوت
وازَّاى افوت
ازَّاي افوت
وانا من سلالة العنكبوت
راضي بحيطه فْ. وسط بيت
والعيشه غاليه بفول وزيت
وانتم ببحر الظُّلم حوت
عايشين فِ. أحضان الياقوت
وفطركوا شهد وبسكويت
وعيونكوا طَلَّه ف.كلّ بيت
وبرغم كُلّ العدل دا
مِتْخَوَّفين !!
مِنْ مين يا ناس مِتْخَوَّفين
مِتْقَلَّقِين !!
د انا أخري بسّ بَقول نويت!
وياريت ما اقول
علشان أسيت
وأسيت داريت!
وبكيت .. ياريت
ياريت ما اقول كلمة ياريت
ما العيشه لَمَّا تكون هباب
والحلم يجري ورا السَّراب
يبقى ماليش غير السّكوت
وانا لَمَّا ادوب وسط السّكوت
تقدر تغني بأعلى صوت
وتعيش ولكن!
مين يعيش ..
لازم هيجي ف. يوم يموت !!

بَدءاً من الريح

سامي العامري

حديث مع رَبّة الشفاء

لِرؤاي أجنحةٌ
وللنجمِ اصطفاقْ
وإذا دعوتُ
فإنَّ في كَفيَّ ياقوتاً بِلونِ دمٍ
ومِن آياتهِ أنْ لا يُراقْ !

----------

أنهيتُ هذه الكلمات ففرحتُ كالطفل وكأني أحمل مفاجأة كبيرة يمكن أن أريها الربة وقد أحسستُ بقدومها من خلال شوقي الكبير وحلَّتْ بالفعل وقد بدا هذا المساء نابضاً ناصعاً كرداءٍ ورديٍّ مُلقىً على كتف الغابة أمامي فهو يشع فأحس بدفءٍ في داخلي رغم لسعة البرد الربيعية التي تهبُّ من النافذة بين حين وآخر فقلتُ لها وانا أحيِّيها :
انا في الغالب أجلس أمام الورقة وذهني لا يحمل فكرة محددة , كل ما أحمله هو تحمُّسٌ ولهفة للتعبير , الصعوبة عندي كانت كثيراً ما تتمثل في البيت الأول لذلك قلتُ يوماً : أعطِني بيتاً شعرياً ناجحاً أعطِكَ قصيدة ناجحة .
أما الآن فقد كتبتُ هذه العبارات القليلة فوجدتني لا أرغب بقول ما هو أكثر .
قالت : عيناك حمراوان .
قلتُ : أدري , لعلَّهما تعكسان جمر قلبي !
في الليلة الماضية نال مني الأرق وقد دخلتُ غرفة الطبيب هذا الصباح فأصغيتُ الى اقتراحات ونصائح منه حول معالجة السهر ثم بيَّنتُ له بأني في بيتي كنتُ أستطيع النوم بهدوء أحياناً اذا استمعتُ الى موسيقى لها علاقة بذاكرتي , أيْ سمعتُها من قبلُ فأحببتُها وهي شرقية في أكثرها فقال مبتسماً :
لا إمكانية هنا لمثل هذه الموسيقى ! إلاّ اذا ردَّدتَ هذه الألحان مع نفسك ولكني أفهم تماماً دور العلاج بالموسيقى ليس لحالات الأرق فقط وإنما لحالات قريبة مختلفة وحتى العديد من الأمراض العصابية . ففكرتُ وانا أخرج منه بتأثير الموسيقى على أنواع من الحيوانات كالأسماك والطيور وبعض الأشجار وغيرها .
قالت الربة بصوتها الحميم الذي لا تشبهه أية موسيقى : الكون معمار موسيقي , وهناك لدينا ما هو أكثر لطافة من الأثير يملأ كوننا العلوي حاملاً أنغاماً سديمية لا تعي كيفيتها مَهما صوَّرتُها لك .
قلتُ : قد أفهمك ولكن ماذا عن عباقرة الموسيقى في التأريخ والحاضر ؟
قالت : إنهم عباقرة وعظماء حقاً ولكنهم لا يستطيعون تمثُّلَ هذه الموسيقى لأنه يجب عليهم أن يتمازجوا معها أولاً , ينصهروا بها بشكل كلي ومثلما أنَّ الجسم الذي يريد أن يبلغ سرعة الضوء عليه هو أن يتحول الى ضوء فكذلك مع موسيقى عالمنا أيْ يجب أن يتحول كيان الموسيقيين او البشر عموماً نفسه الى موسيقى !
وليس في كلامي إيآسٌ ولكنْ لديكم بحار مهولة من جواهر اللحن كافية لتُغرِق عدة كواكب أوسع من الأرض لم تنتبهوا إلاّ الى بعض جواهرها والى ما فاض منها على الساحل .
قلتُ : كنتُ قبل عام ذاهباً الى مكتبة المدينة وفي منتصف الطريق الذي يشبه طريقاً ريفياً ممتداً
سمعتُ فجأةً موسيقى بعيدة كنتُ خائفاً من السؤال عن مصدرها لأنني قبل هذا بسنواتٍ سمعتُ مرتين أيضاً موسيقى بعيدة مشابهة وكانت أيضاً واضحة وسألتُ وقتها بعضَ المارة عن مصدر هذه الموسيقى فأجابوا بأنهم لا يسمعون شيئاً من هذا أبداً !
كانت أنغاماً رهيبة لذلك سددتُ أذنيَّ للتأكد هذه المرة ومع ذلك بقيت أسمعها بنفس الوضوح .
فتذكرتُ أني تناولتُ بعض الخمر في المرة قبل السابقة لكي أبدد الخوف فتناولتُ في المرة الأخيرة خمراً كذلك , كانت موسيقىً لا يمكن وصف روعتها , ولكنها تتلاشى قليلاً قليلاً , أهي تبزغ من روحي حتى تصل الى سمعي ثم تمتصها الروح ثانيةً ؟ وهذه التجربة ... كم يشدني الشوق لعودتها رغم بعض الخوف فربما استطعتُ فهمها أكثر ولكن كلما أحاول أن أمسك او أجسِّد طيفاً منها أراني أكتب حولها ولا أكتبها :

ولي فكرٌ تسامى حازماً
إذْ ليس يعنيه ابتعادي عن خياراتِ الـ ( هنا والآنْ )
بَلى , فهناك الفُ ( هنا ) تُرى في قاع روحي حُرَّةً
وهناك عشتُ تحَرُّرَ الأزمانْ
فماذا سوف يحملُ لي الحنينُ لبعضِ موسيقى ؟
وبعضِ الإلتفاتِ الى غيومِ الأفقِ ترتيباً وتفريقا ؟

----------

قالت الربة مهدئة : كل شيء يعود من حيث أتى , هذه نواميسكم ,
ولكنه اذا كان عنيفاً فإنه قبل عودته يترك آثاراً في فضاء النفس كالآثار الشاخصة في بَرٍّ مفتوحٍ , ولأنها تبدو غير مألوفة لذلك يخافها الفرد , إنه جنون .
قلتُ : نعم في البدء كانت عنيفة تقريباً , أشبه بريح في فُتوَّتها ولكنها تنساب في النهاية متماوجة وتستقطب كل الحواس .
علَّقتْ : البعض يولدون عقلاء ولكن في داخلهم استعداد للجنون , إنه جنون جميل وحكيم , جنونٌ تحتاجه المدارك لينشطها وهو يصدر برضىً ومبارَكةٍ من الروح !
سألتُ : أجنون ام دموع ؟

وهناك حيث بنائيَ الوَرَقيُّ دارْ
يا أجملَ الأحلامِ تنحَتُها يدُ الأحجارْ
أحييتُ قافيتي , بديعي
كيلا أضيعَ ولا تَضيعي
كيما أظلَّ على ارتقابٍ
إنما هُما دمعتانِ وقد سَكَبْتُهُما
فاين هي الدموعُ الباقياتُ الى الربيعِ ؟


------

قالت الربة : هذه الدموع هي الربيع حولك وهو ينحدر من ورقة الى أخرى , من عتبة الى أخرى , أعتاب ورقية , بناء وَرَقيّ , سَمِّهِ ما شئت !


-------
(*) نصٌّ من كتاب يجمع بين القصِّ والنثر الأدبي والشعر يحمل عنوان : حديث مع ربة الشفاء .
----

alamiri84@yahoo.de

الجمعة، مارس 28، 2008

نصائح عابرة لتحسين الذاكرة

على جــــــــــــــــــــــبر
فى بعض الأحيان ينسى احدنا رقم التليفون الخاص بة واحيانا جدول مواعيدة بل احيانا مناسبات مهمة عيد زواجة بل وعيد ميلادة شخصيا فما بالك بعيد ميلاد زوجتة نظرا لضغوط العمل وعصبية الحياة والتوتر النفسى واشياء كثية جدا وألم قد يكون بسيط جدا ويحتاج الى قليل من المجهود الذهنى وخطواتة بسيطة
كل ما عليك هو عمل بعض التمارين التي تفيد في تنشيط عمل المخ، وأخرى تفيد في التقليل من حدة حالات القلق والتوتر أو تقلب الحالة المزاجية عموما، ونوضح هذه التمارين في النقاط التالية:
•التركيز: الاهتمام والاستماع للتفاصيل والتركيز في دقائق الأمور يساعدك في التذكر.
•التكرار: كلما أردت تذكر شيء قوم بتكراره في داخلك، هذا الأمر يجعل ما تريد تذكره ينطبع في ذاكرتك وتصبح عملية تذكره أسهل.
•الكتابة: كلما كتبت أكثر كان تذكرك للمعلومة أسرع وأسهل.
•الألعاب الذهنية: حاول حل الكلمات المتقاطعة وغيرها من الألعاب التي تحفز الدماغ بحيث تصبح حاضرة الذهن دائماً.
•تعلم أشياء جديدة: حاول ممارسة هوايات جديدة فتعلم أي شيء جديد يحفز من قدرة الدماغ ليعطي المزيد، وحاول مثلا تعلم لغة جديدة فهذه الطريقة سترفع من قدرات الدماغ وتنشط الذاكرة.
•السلوك المبرمج: حاولي وضع برنامج لعملك اليومي واكتبه على دفتر بحيث يكون باستطاعتك أن تقرئه في أي وقت مما يجعلك تحفظه وينعكس إيجابيا على الذاكرة.
•تناول الأطعمة المغذية للذاكرة: هناك العديد من المأكولات المنشطة للذاكرة مثل الفواكه والخضراوات بالإضافة إلى الحبوب. فعليك بالإكثار من الطعام الغني بحامض الفوليك حيث أثبتت الأبحاث أنه يساعد على الوقاية من الاكتئاب.
ومن الأغذية التي تحتوي كميات كبيره من هذا الحامض الخضراوات ذات الأوراق الخضراء الداكنة مثل البروكلي والسبانخ إضافة إلا القرنبيط والخس والبازلاء والفاصوليا والبرتقال، والحبوب كالحمص، والكبد سواء كان كبد أغنام أو دجاج.
•مارس التمارين الرياضية: ترفع ممارسة التمارين الرياضية من نسبة الأكسجين في الدم، مما يعني وصول كمية أكبر منه إلى الدماغ. ويولد المشي على وجه التحديد مشاعر إيجابية خلال الفترات الرياضية وبعدها، بينما في حال ممارسة النشاطات الأخرى يقتصر تولد هذه المشاعر على فترة ما بعد الأداء فقط.
إلى جانب أن التعرض لضوء الشمس يحسن الحالة المزاجية.وختاما أخى الكريم فإن أغلب حالات الحزن أو التقلبات المزاجية تكون جراء قلق وخوف من المستقبل أو المجهول، وعليك بداية أن تعمقي بداخلك قيمة التوكل، فلولا غموض المستقبل ما كان للحياة معنى ولا كان لنا هدف نحيا لتحقيقه. فكما تقول الحكمة "من لا يخطئ لا يعمل".
فما من فرد عزيزي إلا ويمر بلحظة يشعر فيها بالتوتر حتى مع إيمانه واعتقاده التام بأن كل شيء بأمر الله، لكن لا بأس بتذكير النفس بذكر الله من آن لآخر كما ورد في القرآن "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"؛ فلا تنسي أن تكثر من "لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم"

يا صوتي أسمِعهم .. !!

ربحان رمضان


أنا المنفي ،
معكم ،
وأنتم يا أهلي في قلبي

أنا المنفي
في وطني ،
في عيني أراقبه
وأحميه

أقدس دم الشهداء
أصلي ..
صلاة الغائب .. الحاضر

أصرخ من منفاي
ليسمعني ، كل الناس
ليسعفني كرم الناس ..
شرف الناس
المهان من جلاد لا تختلج في قلبه
محبة وطن ..

لا تهزمشاعره ..
كرامة شعب
من جلاده
مهان ..


أو تعرفوا الجلاد ؟
أحوّل .

يشارك الفاسد في فساد ،
يقتل المجني عليه
يصرخ :
أنا حامي الأمجاد

*******
المجني عليه
أنا ..
المجني عليه أنت
نحن ..
ضحايا ظلم ..
أكراد ..

و أنتم أيها العرب
أدعوكم أن :
قفوا معنا
من أجل وطن لا عسف فيه ،
اصرخوا بوجه هذا الظلم ..

قفوا مع وطن
افضحوا القمع
واجهوه ياضحاياه ،
اصرخوا معي :

لا عسف ولا استبداد ..

==========

* كاتب وناشط سياسي – معتقل رأي سابق .

الخميس، مارس 27، 2008

رِسالة من مواطن عربي

محمد جنيدي
اسْمَعُوا قَلْباً أنَابَا
اسْمَعُوا قُولُوا جَوابَا
أمْ رَضِينَا الْعَيْشَ دَوْماً
في شِقَاقٍ وَشَقَاءِ
اسْمَعُوا واطْووا الْحِسَابَا
بَيْنَكُمْ إنَّ الذِّئَابَا
لَم ْ تَنَمْ , لَنْ تَنْزَوِي مَا
إنْ بَقِيِنَا في جَفَاءِ
إنَّنِي كَالْأُمِّ تَحْنُو
سَوْفَ تَمْضِي الدَّهْرَ تَرْجُو
فادْرِكُوا حُلْمِي فَإنِّي
عِشْتُ فِيِكُمْ في ثَبَاتٍ وَوَلَاءِ
يَا حُمَاةَ الدِّيِنِ قَلْبِي
كَمْ دَعَاكُمْ هَلْ أجَبْتُمْ ؟
أمْ أبَيْتُمْ وانْصَرَفْتُمْ
فانْطَفَى حُلْمُ الرَّجَاءِ !
مَنْ لِهَمِّي يَحْتَويِنِي
مَنْ سِوَاكُمْ ؟!كُلُّ ذَاكَ الحُزْنِ أنِّي
عَرَبِيٌّ مِنْ ثَرَاكُمْ
يَكْتَوِي تَحْتَ سَمَاكُمْ
فِي ضَنَاهُ لَا يُرَائِي
عَرَبِيٌّ
اعْتَرَاه السُّقْمُ وَهْوَ
مِنْ سَلِيلِ الْأنْبِيَاءِ
عَرَبِيٌّ
يَمْتَطِيه الظُّلْمُ حَتَّى
ذَاقَ أصْنَافَ الْبَلَاءِ
عَرَبِيٌّ
يَرْتَوِي الدَّمْعَ ويَفْنَى
فِي صُرَاخِ الْأبْرِيَاءِ
فامْنَحُوا قَلْبِي السَّكِِينَة
واطْفِِئُوا نَارَ الْمَدِينَة
إنَّهَا الْقُدْسُ الْحَزِينَة
تَشْتَكِي للهِ صَمْتَ الْأوْفِيَاءِ
فالْجُنَاةُ مِلءَ عُمْرِي
اسْتَبَاحُوا طُهْرَ فَجْرِي
أمْطَرُوا الْقُبْحَ سُيُولَاً بِافْتِرَاءِ
هُم ْعُتَاةُ الْأَرْضِ دَوْماً
لَمْ يَتُوبُوا بَعْضَ يَوْمٍ
قَدْ أضَاعُوا الْعُمْرَ ظَمْأَى لِلدِّمَاءِ
فاصْرُخُوا فِيهِمْ وقُولُوا
يَا لِئَامَ الْأَرْضِ كُفُّوا
أَوْ فَكُونُوا لَعْنَةً مِلءَ الْفَضَاءِ
كَمْ سَحَقْتُمْ حُلْمَ زَهْرِي
واعْتَقَلْتُمْ أمْنَ عُمْرِي
وَحَرَمْتُمْ شَدْوَ طَيْرِي
فِي السَّمَاءِ
كَمْ بِهَذَا الظُّلْمِ عُدْتُمْ
فَافْتَدُوهُ ، أيْنَ كُنْتُمْ
إنَّ سَيْفَ الْمَوْْْتِ نَحْرٌ لِلْوَبَاءِ
فَافْسِدُوا فَالشَّرُّ طَبْعٌ
بَيْنَكُمْ أصْلٌ وَشَرْعٌ
لَنْ تَدُومُوا غَيْرَ أعْوَامٍ خَوَاءِ
يا رِفَاقِىذَاكَ عُتْبِى
فالْتَقُوا قَلْباً بِقَلْبِ
لَنْ تَنَالُوا النَّصْرَ إلَّا بِالْفِدَاءِ
فَاخْرُجُوا صَفّاً بِصَفِّ
واعْمَلُوا كَفّاً بِكَفِّ
إنَّكُمْ لِلدَّهْرِ أهْلُ الْكِبْرِيَاءِ
يا رُعَاةَ الْبِرِّ هُبُّوا
مِنْ ثُبَاتٍ تَسْتَرِدُّوا
كُلَّ شِبْرٍ ضَاعَ مِنْ أرْضِ الْوَفَاءِ
إنَّكُمْ دِيِنٌ وَدُمْتُمْ
صَفْوَةُ التَّارِيخِ أنْتُمْ
فَاحْتَوُونِي يَارِفَاقَ الْأنْبِيَاءِ
إنْ تَفِيقُوا وَتُعِدُّوا
قُوَّةَ الرُّوحِ سَتَطْوُوا
صَفْحَةَ الْإذْلَالِ فِى بَطْشِ الْعَدَاءِ
لَيْسَ بَعْدَ الْحُبِّ مَعْنَى
لَيْسَ غَيْرَ الْحُبِّ فَنُّ
فامْنَحُوا الْأوْطَانَ إكْسِيرَ الشِّفَاءِ
عَرَبِيٌّ مِنْ ثَرَاكُمْ
يَشْتَكِى دَمْعَ هَوَاكُمْ
فامْسَحُوا الْأحْزَانَ عَنْ قُدْسِ السَّمَاءِ

محمد سعيد الريحاني: لَوْ لَمْ أَكُنْ كَاتِباً لَكُنْتُ فَناناً تَشْكِيلِياً



أجرى الحوار الباحثان المغربيان: سليمان الحقيوي ومحمد العناز

سؤال: منذ صدور مجموعتكم الأولى، "في انتظار الصباح"، سنة 2003 يبقى اشتغالكم على لعبة الضوء (الأبيض والأسود) انطلاقا من أغلفة صور المجاميع القصصية وانتهاء بمحتويات النصوص، ما هي تفاصيل هذا الوعي الجمالي؟

جواب: لو لم أكن كاتبا، لكنت، بكل تأكيد، فنانا تشكيليا. فقد تربيت على يد أخت فنانة جادت علي بكل ما اكتسبته من حب للجمال ومهارة في نقله بالخط واللون والكلمة. ولأسباب تتعلق بصغر سني (15 عاما آنذاك)، لم تسمح لي عائلتي بالسفر إلى مدينة بعيدة كطنجة لتحويل هوايتي إلى دراسة. لكن، رغم عدم استكمالي لمسار كنت أتمناه وهو الفنون التشكيلية، فإن عشقي للوحة لم يتوقف ما دامت الحياة مستمرة. فلا زال الفن يدب في عروقي لدرجة لا أقبل فيها، الآن بعد دخولي عالم النشر الورقي، بتصميم غيري لأغلفة كتبي...

ولعل اهتمامي بالفن ظاهر في نص "حديث غراب" حيث نقرأ بعض المفاهيم من المعجم الفني التشكيلي كما في هده الفقرة: "سُتنَصَبُ حاملَ اللوحة وتُخرِج أدوات الرسم والتلوين من حقيبتك استعدادا للعمل وتجلس لترتيب الأصباغ على حاملة الألوان.(...)الطــبـيعة أمام عينيك صامتة، مـيتة... إنما المنظر متوازن وجيد التأطير: الأشجار على حافتي اللوحة تقف إطارا لها تسمر في خلفيتها القريبة بغل محمل بالأثقال، أما في خلفيتها البعيدة فــترعى ثيران مغلولة القوائم، يجر أقواها من القرنين عبد من عبيد الضيعة، ويتقدم به نـحو واجهة اللوحة…يتبع الثور العبد دون عصيان ليربطه في جذع شجرة مقطوعة، قبالتك، في منتصف اللوحة،في انتظار الآتي..." (مقتطف من نص "حديث غراب" عن المجموعة القصصية "في انتظار الصباح" الصادرة سنة 2003، الصفحة 30) ربما على هده الخلفية، يمكن قراءة حضور الضوء والظل بدء من "تصميم الأغلفة" ومرورا ب"تشكيل النصوص" وانتهاء بتقسيم المجاميع القصصية المنشورة إلى "مجاميع فاتحة" و"مجاميع داكنة".

الضوء والظل يعادلان في معجم رموز اللاشعور الجمعي الإنساني للمنطوق والمسكوت عنه في النص، للمركزي والهامشي في الموضوع، للواعي واللاواعي في الخطاب... الضوء والظل يحتلان قيمة رمزية في نصوصي كما يمكناني من تنشيط التقابلات التي أشتغل عليها بنجاعة ما بين الوجود والعدم، التطور والثبات، الفعل واللا فعل، الواقع والمثال، الحياة والموت ، القول والفعل، الوضوح والغموض، اليقين والشك، الاستقرار والتيه، الإنفتاح والتطرف، الفرد والمجتمع، الحب والكراهية، الحرب والسلم، المنطوق والمسكوت عنه...

سؤال: تذكرنا قصتك الجميلة "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي" بالسخرية المرة في قصص زكريا تامر، ما هي حدود التقارب والتباعد بينهما؟

جواب: الأحجية كانت أولى العربات التي قادتني إلى عالم الحكي إلى جانب النكتة التي تظل العربة الثانية. فقد كنت، في فترة مراهقتي، أحفظ عن ظهر قلب أغلب النكت المتداولة. بل كنت ماهرا في التصرف فيها نصيا كما كنت أولي شكل العرض الجسدي للنكتة عناية خفية. ولعل من الآثار الظاهرة للنكتة في نصوصي القصصية الراهنة هي"السخرية"، هذه الأداة السردية والأسلوبية الفعالة القادرة على توليد القراءة المناسبة للنص وإيقاظ القارئ ذاته.

إن السخرية أسلوب فني وظيفته "قلب" تذوق الحياة و"قلب" الرؤية للعالم وللوجود. بل إن السخرية لا تكتفي بقلب الرؤى والقناعات والتوقعات. إنها أسلوب في التعبير وشكل من أشكال دعم «تعددية المعنى» في النص الذي يحتمل أكثر من قراءة وأكثر فهم. وبذلك تصبح السخرية منارة لعوالم نغفلها بفعل العادة والكليشيهات والرغبة في الحفاظ على خطاب واحد "جدي"، وتنقلنا إلى ما وراء القراءة الواحدة للواقع وللوجود بتمكيننا من لزوم المسافة من الخطاب المسرود. وهي فرصة ثمينة لاختبار الرؤى وتقييم الأحكام والقناعات.

وللسخرية أدوات عديدة أهمها:

أولا، تقنية السارد المغفل ironic persona=) ( حيث السارد لا يعلم مصيره وباقي الشخوص يعلمون كما في نص "الرجل الأرنب" من مجموعتي القصصية "موسم الهجرة إلى أي مكان" (2006) .

ثانيا، تقنية التضاد بين رؤية الشخصية للوضع وحقيقة الوضع في الواقع (=Situational irony) كما في نص "أرض الغيلان" من مجموعتي القصصية "في انتظار الصباح"(2003) .

ثالثا، تقنية "السارد الدنيوي" ( (dramatic irony= الذي يعرف القراء مصيره بينما يجهله هو بمعية بقية الشخوص كما في نص "حالة تبلد" من مجموعتي القصصية "موت المؤلف".

رابعا، تقنية التنافر بين القول والمقصود، بين الدال والمدلول ((verbal irony= كما في نص "الحياة بالأقدمية" من المجموعة القصصية " موسم الهجرة إلى أي مكان "(2006).

وأود بالمناسبة أن أشير إلى أنني، في سبيل تثبيت قراءة جامعة ومبوبة لأعمالي، سأعمل على طبع مجاميعي القصصية في مجلدات، في "أعمال كاملة"، وستبوب مجلدات الأعمال الكاملة إلى صنفين: "مجاميع قصصية داكنة" و"مجاميع قصصية فاتحة" .

"المجاميع القصصية الداكنة" وهي المجاميع التي بدأت بها مشواري الإبداعي والتي هيمن اللون الأسود على أغلفتها والسخرية على أساليبها والتوق للحرية على مضامينها. وهده المجاميع القصصية هي "في انتظار الصباح" و"موسم الهجرة إلى أي مكان" و"موت المؤلف" و"وراء كل عظيم أقزام" و"حوار جيلين" (المجموعة المشتركة مع القاص المغربي إدريس الصغير).

أما الصنف الثاني من مواد الأعمال الكاملة، فَسَيُجَمََعُ ضمن مواد مجلد آخر بعنوان "مجاميع قصصية فاتحة" وهي المجاميع التي سأختم بها تجربتي في الكتابة القصصية والتي سيستبدل فيها اللون الأسود على الأغلفة بألوان أكثر تعددية ومُغايَرَةً وستفسح الحرية مجالا أرحب للحب والحلم وستنجلي السخرية، موضوع سؤالكم، ليحل محلها "الخلاص". والمجاميع القصصية المندرجة تحت هذا "الصنف الفاتح" من الأعمال القصصية هي "هكذا تكلمت سيدة المقام الأخضر" و"كما ولدتني أمي" و"كيف تكتبين قصة حياتك"...

سؤال: نصكم القصصي الموسوم "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي" يخرج عن الخطاطة السردية التي تتضمن الاستهلال والحدث والوضع والمدخل ثم النهاية، إذ أن حالة اللا توازن هي المهيمنة في النص بأكمله والسارد عبر تقنية التكرار يعتمد خلخلة أفق انتظار المتلقي، كيف تعلل ذلك؟

جواب: نص "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي"، من بين كل النصوص القصصية التي كتبتها، يبقى النص القصصي الوحيد الذي تعدى عند نشره حاجز الأربعين منبرا إبداعيا عربيا، بين رقمي وورقي، وأنا سعيد بذلك. أغلب الكُتََاب يقاومون الحديث عن نصوصهم وأعمالهم ليس من باب التواضع ولا من باب الإيمان بأن النصوص "تنكتب" لوحدها. إن الكُتََاب يقاومون الحديث عن نصوصهم وأعمالهم لسبب بسيط وهو أنه ليس بمقدورهم الحديث عن أعمالهم ب"موضوعية" ما داموا لحظة الكتابة يكونون أسرى الذاتية وأسرى رؤية أعمالهم من الداخل. ولذلك، اعتقد بأنني، بعد مرور سنوات على كتابة هدا النص، أستطيع الحديث عنه ك"قارئ" متجرد من كل "ذاتية".أعتقد أن أربع خواص تميز نص "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي":

أولا "الاحتفال بالرمز" أي الاسم الفردي، وثانيا "الكاليغرافية" أي محاولة تجسيد المضمون بصريا، وثالثا "خاصية القصر" أي قلب البطولية والعظمة التي يمكن أن تحيل عليها عظمة المدينة واسم حاكمها العظيم، ورابعا "التكرارية الوظيفية".

ف"الاحتفال بالرمز"، العنصر الأول من العناصر الأربعة المتحكمة في خيوط نص "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي"، يستمد، مثل سائر نصوصي التي يكون فيها الاسم الفردي هو الشخصية المحورية، مبرر وجوده ومقوماته الفكرية ورمزيته الإبداعية من كتابي الأول "الاسم المغربي وإرادة التفرد" سنة 2001 والذي اعْتُبِرَ في حينه أول دراسة سيميائية للاسم الفردي العربي.

وقد تم توظيف هدا الاسم الفردي بالذات، "الحجاج بن يوسف الثقفي"، نظرا للإجماع التاريخي القوي على ارتباطه بالظلم والتنكيل والبطش والتعصب للرأي الواحد. وبدلك، هيمن "الاسم الواحد"، اسم "الحجاج بن يوسف الثقفي"، "اسم الحاكم المطلق" على كل شبر من الأرض وكل نسمة هواء وكل جملة وكل فكرة وكل صورة... فصادر ملامح الناس لتبقى ملامحه هو، وحول كل الأحياء إلى مجرد عابرين في الحياة ليبقى وحده الخالد السرمدي الأزلي...أما العنصر الثاني، عنصر"الكاليغرافية"، فيبقى أحد تجليات شغفي بمصالحة شكل النصوص بمضمونها.

وعلى ضوء ذلك، فقد افتتح نص "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي" بمحاولة للمصالحة بين شكل العرض ومضمونه بحيث نلمس عند بداية النص "رسما كاليغرافيا" لمثلث مقلوب، رمز تصحيح هرمية غير مناسبة، بحيث تبدو قاعدة المثلث في الأعلى والرأس في الأسفل يصبح معها النص الشذري المكتوب داخل المثلث المقلوب كسهم يشير لجهة الدخول للنص.

أما النص الشذري المكتوب داخل المثلث فلم يكن غير الشعارات المكتوبة على السبورات الحديدية الراسية على جانبي الطريق لاستقبال الزوار من السائقين خلال دخولهم "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي" كما نقرأ هنا: "من أجل مدينة حجاج بدون دور صفيح في أفق 2999"،" من أجل مدينة حجاج بدون رشاوي في أفق 2999"،" من أجل مدينة حجاج بدون بطالة في أفق..."،" من أجل مدينة حجاج بدون سجون في..."،" من أجل مدينة حجاج بدون ..."" من أجل...""..."(مقتطف من نص "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي" عن المجموعة القصصية "موسم الهجرة على أي مكان" الصادرة سنة 2006، الصفحة 25) وتضيع الشعارات عند نهاية المثلث المقلوب مع بداية ضياع السارد في هده المدينة العجائبية، "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي"...

أما بالنسبة للعنصر الثالث من العناصر الأربعة المهيمنة على النص فيبقى عنصر "القصر" سليل ثقافة "المينيمالية" لكن استثماره في النص كان لغاية فنية تتقصد تضمين الموقف في الشكل من خلال قلب مفهوم "العظمة" و"الأسطورية" و"الجلال" التي قد يتوقعها القارئ منذ أول وهلة من خلال قلب الحجم المتوقع ومن خلال قلب أشياء أخرى كثيرة...

أما العنصر الرابع، "التكرارية الوظيفية"، فيبقى أداة أسلوبية أثبتت فعاليتها على مر تاريخ الإنتاج الرمزي عموما. ونجاعة "التكرارية" رهينة بالسياق العام الذي تشتغل فيه: فالتكرارية في المدارس تفيد التلقين وحفر المعارف في ذاكرة المتعلم، وفي السيرك تفيد التكرارية الترويض لتعويد الحيوان المتوحش على صفته الجديدة كخديم للفرجة والتسلية، وفي خطابات الوعظ تتقصد التكرارية التهييج والتحريض والتثوير، أما عند الصوفية فتساعد تكرارية الإيقاع والحركة والتسبيح على تجميد العقل قصد السمو بالروح على خلفية أن السمو بأحد القطبين، العقل والروح، يقتضي تجميد الآخر... ولدلك، أعتقد أن وظيفية تكرار عبارة "الحجاج بن يوسف الثقفي" اثنين وعشرين مرة (22 مرة) في نص "مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي"، أو "مدينة الحاكم المطلق" كما سماها البعض، تنهل رمزيتها من الوظائف المذكورة آنفا.

سؤال: يشكل الوصف أحد المكونات في تجربتكم السردية، غير أنه في كثير من القصص لا يضطلع بوظيفة المحفزات بل بوصفه من الثوابت الأساسية لعوالمكم السردية، هل يتعلق الأمر باشتغال على اللغة؟

جواب: مجموعتي القصصية "موسم الهجرة على أي مكان" الصادرة سنة 2006 تفتتح موادها القصصية بشهادة حول فلسفتي في الكتابة القصصية. فعلى الصفحتين السادسة والسابعة يمكنك قراءة الفقرة التالية:" قارئ أعمال الروائي الأمريكي أرنست هيمنغواي يستطيع بسهولة رصد أسلوبه المتميز بجمل بسيطة قد تطول أحيانا بسبب ميله الظاهري لاستعمال "واو العطف".

والمتتبع لأعمال الأديب والفيلسوف الفرنسي ألبيرت كامو يقرن بين الرجل وأعماله وجمله القصيرة جدا. والمقبل على روايات الكاتب الأمريكي ويليام فولكنر يستعد مسبقا لقراءة جمل طويلة متحررة من قيود القواعد والخوف من ارتكاب الأخطاء مادامت مجرد أفكار في رؤوس الشخوص الروائية...السائد، إذن، هو أن الأسلوب هو الرجل. لكنني أعتقد أن نصوصي ضد النمطية، ضد كل أشكال النمطية.

فالنص هو ما يجب أن يحدد الشكل القصصي، أي أن يكون الشكل الفني منسجما ومضمون النص: ان يكون للنص هوية في ذاته، لا أن يكون الشكل دلالة على هوية خارجية هي هوية كاتبه.التقنيات والطرائق الأسلوبية والسردية يجب أن تنبعث من رحم النص الإبداعي، لا أن تفرض عليه من الخارج.

لكل نص شكله الخاص وأساليبه الخاصة وطرائقه الخاصة." (مقتطف من الشهادة المنشورة في مستهل أضمومة "موسم الهجرة على أي مكان" الصادرة سنة 2006، الصفحة 6-7) أعتقد أن الثابت الوحيد في كتاباتي هو هاجس البحث عن الشكل السردي المناسب لمضمون النص السردي وأحيانا ثانية هاجس إيجاد المضمون الحكائي المناسب لشكل قصصي يريد التحقق. لهذا، فالوصف والحوار والسرد والشخوص والفضاء والزمان والمنظور والأسلوب واللغة ليست ذات قيمة في حد ذاتها.

إنها تستمد قيمتها من وظيفتها داخل البنية العامة للنص. ففي الوقت الذي يهيمن فيه الوصف على نص "كلاب" الذي يُعْرَضُ على القارئ بواسطة "عين الكاميرا التصويرية"، يسيطر الحوار على نص "شيخوخة"، بينما يبقى السرد سيد الموقف في نص "الحياة بالأقدمية"، في الوقت الذي يتحكم في الزمن في رقاب مكونات نص "الأبدية"...

سؤال: يُلاحظ انك تركز على الجمل الخبرية وتبتعد بأكبر قدر ممكن عن أدوات الربط وحروف العطف، هل يتعلق الأمر بثورة على موروث سيبويه؟

جواب: "لا نمطية في كتاباتي"، على الأقل من حيث المبدأ. وربما قدم نص "إخراج تافه لمشهد تافه" الدليل الواضح على هذا المبدأ الذي ألتزم به في كل كتاباتي الإبداعية. فالأسلوب، بالنسبة لي، ليس هو الكاتب ولكن "الأسلوب هو شكل المضمون".

وما دام المضمون يتغير من نص لنص فمن الضروري أن يتغير الأسلوب من نص لآخر.في نص "إخراج تافه لمشهد تافه"، وهو بالمناسبة "باروديا" Parody لواقع العمل الجمعوي في بلداننا العربية، يمكن من خلال المداخلات الأربع التالية رسم صورة المتدخل وطريقة تلفظه وشكل تفكيره. نص "إخراج تافه لمشهد تافه" يبقى أهم نص قصصي قصير كتبته يتميز بالتعددية الأسلوبية ويعي وظيفيته وقدرته على نقل الموقف من خلال الأسلوب. وفي هدا الصدد، يمكننا أن نقرأ: "لائحة المداخلات :*

المداخلة الأولى:

في. البداية. أود. أن. أشد. بحرارة. على. يد. جمعيتنا. العتيدة. على. مجهوداتها. الجبارة. فداء.للمصداقية. و. الإشعاع. و. التنوير. تحت. قيادة.السيد. رئيس. الجمعية. أطال. الله. في. عمره. و. أدام. على. الجمعية. سديد. أفكاره. و. لا. يفوتني. أن. أهنيء.الجمهور. الكريم. على. هذا. العرض.التاريخي. الذي. س. يتذكرونه. ما. داموا. على. قيد. الحياة. وشكرا.*

المداخلة الثانية:

تحية للأستاذ أبجد هوزحطي الذي تفضل مشكورا بهذا العرض الشيق والرصين، في آن، عن حرية التعبير. وأنا لما أقول الشيق والرصين فأنا لا أقصد اللعب على الألفاظ والجمع بين المتضادات بقدر ما أقصد قدرة الأستاذ المحاضر على الإحاطة بكامل جوانب الموضوع. بمعنى آخر ،شمولية الرؤية للموضوع. وأنا لما أقول شمولية الرؤية للموضوع فأنا لا اقصد استعارة معاجم الفاشية والأنظمة الشمولية بقدر ما أقصد الرؤية المتعالية عن كل إيديولوجيا أو تحيز مسبق. بمعنى آخر، الحقيقة. وأنا لما أقول الحقيقة، فأنا لا أقصد ... بقدر ما أقصد ... بمعنى آخر... وانا لما أقول... فأنا لا... بقدر ما... بمعنى آخر...*

المداخلة الثالثة:

قبل كل شيء، أود في البداية، أن أقول، بكل ثقة في النفس، أنه ، حسب رأيي المتواضع، وأنا لا أدعي علما، أنه، فضلا عما سبق التطرق إليه والتفصيل فيه في هذه المحاضرة القيمة والغنية والمفيدة ،يمكن كذلك القول والجزم، مع قليل أو كثير من التحفظ، وليس في ذلك حرج ، أنه كان بالإمكان، وهناك دائما إمكانيات، إضافة أشياء أخرى، وشكرا.* المداخلة الرابعة:

من حيث المبدأ، ليس هناك أبدع مما قيل. خاصة وأنه كان يجب كذلك دونما من حيث هو فضلا عن ذلك ولعل ما أو ربما صار وشكرا." (مقتطف من نص "إخراج تافه لمشهد تافه" عن المجموعة القصصية "موسم الهجرة على أي مكان" الصادرة سنة 2006، الصفحة 32-33) "لا نمطية في كتاباتي" و"لا نمطية في فكري" و"لا نمطية في سلوكي". أنا أكتب رأيي ويهمني كثيرا الشكل التعبيري الذي اختاره لتحقيق هده الآراء جماليا.

لا أدعم أي اتجاه إبداعي ينتصر لشكل ثابت لنقل كل المضامين كما لا أؤيد أي توجه يدافع عن مضمون ثابت صالح لكل الأشكال.

سؤال: كيف يستطيع محمد سعيد الريحاني القاص أن ينفلت من محمد سعيد الريحاني الناقد؟

جواب: لا اعتقد أن علاقتي بذاتي هي علاقة مطاردة الناقد للقاص أو العكس. أعتقد أنني أسعى إلى بلورة مشروع جمالي أشتغل في ضوئه على رسم معالم الحياة كما أريدها. وبدلك يذوب الناقد في القاص كما يذوب القاص في الناقد.

سؤال: حظي عملك الموسوم بالحاءات الثلاث باهتمام المتتبعين بالشأن الثقافي خاصة منه السردي لماذا اخترتم التركيز على تيمة الحرف "حاء"؟ هل يتعلق الأمر بخطوات منهجية أم برؤية خاصة؟

جواب: لقد تم تجريب عدة أشكال من الشعرية: شعرية جنس أدبي بعينه، ثم "شعرية القصر"، ثم "شعرية الناقص"... والآن، يتم تجريب "شعرية الحرف الخلاق" التي تنفست برئة العديد من الإصدارات المتميزة ك "نون النسوة"، "حاءات متمردة"، "الحاءات الثلاث"...

سؤال: الترجمة رهان صعب، لكن وأنتم مقبلون على ترجمة هاته الحاءات، ما هي الإكراهات التي تصادفكم في هذا المشروع؟

جواب: رواد الفلسفة الوجودية الأوائل اعتبروا أن الإنسان "أُلْقِيَ به في هذا العالم بلا حماية ولا رعاية ولا أمن ولا نظام وأنه عليه تدبر أمره لوحده". وربما كان هذا حاليا هو حال الغيورين على الثقافة العربية من محققين وموثقين ومؤلفين ومترجمين الذين يعتمدون على مجهوداتهم "الذاتية" وتمويلهم "الذاتي" في إنجاح مشاريعهم "الذاتية" التي "لا تهم أحدا سواهم".

سؤال: هل يعني ذلك أننا نشهد النهاية التراجيدية لزمن الكتاب الورقي؟ وهل حقا يشكل الكتاب الإلكتروني بديلا جديرا بالاهتمام؟

جواب: كتب رولان بارث مرة "أفق الناقد هو أن يصبح كاتبا". وإذا كان الأمر لا زال كذلك في زمننا الرقمي هدا، فإنني أود أن أضيف أن "أفق الكاتب الرقمي هو أن يصبح كاتبا ورقيا". وبالمثل، يبقى "أفق الكتاب الإلكتروني هو أن يصبح كتابا ورقيا منشورا".

ففي رأيي المتواضع، يبقى الكتاب الإلكتروني حاليا مجرد جسر عبور نحو الورقية لعدة أسباب تهم مراكز الخلل في جسم الكتاب الورقي أهمها: عدم قدرة الناشر العربي الورقي على المغامرة بطبع نسخ تفوق ألف نسخة، ضعف التوزيع، سلطة الرقابة، هيمنة العقلية القبلية والحزبية لدى النقاد الورقيين، تفشي الأمية لدى عموم المواطنين، استفحال ظاهرة "القُرََاء الصََدِئِينَ" الذي تخلوا عن القراءة بمجرد الحصول على الشواهد أو على فرص عمل... في أجواء ضعف الكتاب الورقي العربي هده، طور الكتاب الإلكتروني مسارا مغايرا تفاعل من خلاله مع القراء رغم بعد المسافات وتواصَلَ معهم فوق ظهر الرقيب والسياسي والعراقيل وصناع العراقيل... وبدلك صار الكتاب الإلكتروني يقوم بأربع وظائف:

الوظيفة الأولى، وهي وظيفة تشاركية يهدف من خلالها الكُتََاب الرقميون إلى نشر "مسوداتهم" أو "مشاريعهم الإبداعية" مباشرة على الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) بغية تلقي الملاحظات والتصويبات والتدقيقات في أفق تطوير العمل قبل نشره ورقيا.

الوظيفة الثانية، وظيفة ربحية وتهدف إلى بيع النسخة الرقمية من الكتاب الورقي الذي يصعب إيصاله إلى مناطق بعينها على الكوكب الأرضي. وقد قامت لهدا الغرض مكتبات إلكترونية متخصصة في بيع الكتاب الإلكتروني.

الوظيفة الثالثة، وظيفة إشهارية وتسويقية و تهدف للتعريف بصدور الكتاب ورقيا في أفق إيصاله إلى أبعد القراء بعد الحصول على وصل إيداع وحماية حقوق الملكية.

أما الوظيفة الرابعة والأخيرة، فأصبح معها الكتاب الإلكتروني احتياطيا مهما للكتاب الورقي عند تعرض هدا الأخير المنع كما حدث مع رواية دان براون الدائعة الصيت "شفرة دا فنشي" التي منعت النسخة الورقية عربيا ولكن النسخة الالكترونية عرفت تنزيل مليون نسخة من طرف قراء عرب تعتبرهم الإحصائيات عزوفين عن القراءة!...

سؤال: يحضر محمد سعيد الريحاني عبر مختلف الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية قاصا ومثقفا يساءل إشكالات القراءة وأزماتها ويكشف ملف التلاعب بمصائر رجال التعليم، ما هي تفاصيل هذا الملف؟

جواب: ملف التعليم كان دائما جرحا مفتوحا مند الاستقلال السياسي للمغرب ولا أدل على دلك من عدد الوزراء الدين تناوبوا على هدا القطاع لدرجة يفوق فيها عددهم نصف سنوات عمر استقلال البلاد. لكني تلمست الجرح بشكل مباشر ولأول مرة خلال مقاطعة امتحانات السنة الجامعية 1989 حيث صارت مشاهدة حلقيات هن وهناك في الشوارع العامة يسيرها مسئولون كبار في الإقليم يتحلق حولهم طلبة من الانتهازيين وضعاف الخلق ينصتون لمناشدة المسئولين لهم في الشارع أمام الملأ بإفشال المقاطعة مقابل وعود بالإيواء والإطعام في فنادق مصنفة خلال فترات الامتحان وبالنجاح في الامتحان بشقيه الكتابي والشفوي وبمجانية الاصطياف الصيفي في مخيم شاطئ مارتيل بتطوان شمال المغرب. وبالفعل "فشلت" المقاطعة و"نجح" الانتهازيون الدين خرجوا يسخرون من الراسبين ومن المطرودين.

كما وفى المسئولون بوعدهم اتجاه "المُنَجََحِينَ" من الطلبة بتوفير إقامة صيفية مجانية على مخيم شاطئ مارتيل.كان ذلك مع الطلبة، في البداية. لكن، بعد نجاح التجربة تم تكرار الفعل مع الموظفين ممن يقدمون في الحياة العامة ب"رجال التعليم"، وخاصة بعد ميلاد فلسفة "التناوب" سنة 1998 ليصادف بدلك نفس الفئة من الطلبة "المُنَجََحِينَ" سنة 1989 وقد صاروا "رجال تعليم" ينتظرون "التنجيح" مقابل أي خدمة، تماما كما فعلوا عام 1989.

فبعدما كان قطاع التعليم كبوابة لنفي الخريجين الجامعيين لمجاهل الجغرافيا وترويضهم خلال السنوات العشر المعروفة 1986-1995 (راجع بيان أكتوبر السنوي لعام 2007 )، صار التعليم اليوم مكتبا لتوزيع "لاكريمات" و"الترقيات" على الزبناء من أتباع الزوايا والأحزاب والنقابات "الصديقة" ويُخْشَى أن يكون الأمر في جوهره "إرادة مؤسسة" لتحويل رجال التعليم ومعهم كافة المواطنين إلى مجرد انتهازيين ووصوليين كي تسهل إدارتهم.لقد كانت الزوبعة التي سميت "تكريم رجل التعليم المغربي" تارة و"تقوية الطبقة الوسطى" ثارة أخرى خير مرآة تعكس شكل تسيير القطاع التعليمي بالبلاد.

فقد أزكمت روائح فضائح هده التخريجة عموم البلاد لدرجة لم تعد معها الترقية في المباريات في ظل حكومات "التناوب" غير "تنمية للشعور بالذنب" لدى المستفيدين منها من رجال التعليم الدين سيبقون شهودا على هده المرحلة،مرحلة انهيار القيم المهنية، وشركاء في المخطط. ولا أحد يعتقد بأن التعليم في حاجة إلى ترقية "يخجل منها" المستفيدون منها.لقد بدأ هدا النضال الذي ألخص لكما الآن معالمه وأسبابه وآفاقه قبل خمس سنوات: قبل أن يديل تعليم المغرب من طرف تقرير البنك الدولي للتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في آخر الترتيب الدولي، وقبل شطب تصنيف الجامعات العربية "كلها " من ضمن خمسمائة أفضل جامعة في العالم الذي جاءت جامعتا هارفارد وستانفورد الأمريكيتان على رأس التصنيف بينما جاءت جامعة يورك الكندية في ذيل الجامعات الخمسمائة في الترتيب العالمي، أما الجامعات العربية فخارج التاريخ...بدأ هدا النضال مع "بيانات أكتوبر السنوية" (2004-2007) التي صارت تقليدا نقابيا سنويا في المغرب. وهو التقليد الذي لم يكن وراءه لا إرادة في التسلق ولا دافع وصولي ولا أي شيء.

ما كان يحرك تلك البيانات التي دامت كل هده المدة الزمنية هو فقط إرادة التصحيح ووقف هدا الانهيار الأخلاقي والمهني والثقافي الذي بدأ ينحث مجراه في الجسد التعليمي قبل أن ينتبه له تقرير البنك الدولي للتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسنة 2007 الصادر في فبراير من هده السنة، 2008 فصنف المغرب في المراتب الأخيرة "عالميا"...ومن بين "بيانات أكتوبر السنوية" وآثارها خلال الفترة (2004-2007) كان: تغيير نائب وزير التربية الوطنية بالإقليم الذي تصدر منه بيانات أكتوبر السنوية وتغيير وزير التعليم بعد حكم دام 10 سنوات وإلحاق وزارة التعليم بوزارات السيادة ، ثم التحقيق الفضيحة الذي لم يفسح له مجال النشر إعلاميا لقراءته وتداوله ومناقشته حول حقيقة المناصب "الستمائة" من أصل "الألفي منصب المتبارى عليها" من قبل رجال التعليم مند إقامة المباريات حتى اليوم: فقد كان رجال التعليم مجرد مغفلين يتبارون على "مناصب غير موجودة"، ويحررون إجابات على "أوراق امتحان لن تصحح"، ويحسبون معادلات غير ممكنة...

ومع دلك، تراهم يصدقون النتائج عند إعلانها ويعودون السنة المقبلة لتكرار التجربة في تمثيلية سيزيفية لا يفسرها سوى تصنيف البنك الدولي للتعليم المغربي عالميا...كقاص، حرصت دائما على تدوين مواقفي فنيا. لدلك، راكمت نصوصا قصصية لا يستهان بها تؤرخ لرؤاي ومواقفي. فبالإضافة إلى نصي القصصي القصير المعنون ب"كاتب"، يبقى نص "الحياة بالأقدمية" من أقرب النصوص إلي. فالنص الأول "كاتب" يبقى سيرة ذاتية أدبية مثخمة بالجراح بينما يطل النص الثاني "الحياة بالأقدمية" كنص يوظف السخرية بكافة أسلحتها للانتقام للنص الأول. وفي هدا الإطار نقرأ: "منذ دخلت المدرسة في سن السابعة من العمر وأنا أدرس في كل فصل ثلاث سنوات أعاشر خلالها ثلاثة أجيال.

وقد وسعت بهذه السياسة دائرة معارفي لتشمل كل أحياء المدينة. فقد صار لي أصدقاء في كل مكان كما صار لي أصدقاء من كل الأعمار. ولما وصلت قسم الشهادة الابتدائية بعد رحلة الشتاء والصيف التي دامت خمسة عشر عاما، كان لي أصدقاء في القسم الذي أدرس فيه وآخرون في الثانوية وغيرهم في الجامعة أو في مراكز تكوين المعلمين بعضهم اختار العمل معلما رسميا في مدرستي ويتعامل معي كصديق طفولة يتحسر عليها وأنا لازلت أعيشها..."(مقدمة نص "الحياة بالأقدمية" عن المجموعة القصصية "موسم الهجرة على أي مكان" الصادرة سنة 2006، الصفحة 49) نص "الحياة بالأقدمية" كتب في الأصل "باروديا" Parody للنخب الجديدة في البلاد التي أطلق عليها في النص "جمعية قدماء كسالى الثانوية الوحيدة بالمدينة". وهده "النخب الجديدة" التي استغلت عزوف المواطنين عن الانخراط الحزبي والنقابي فاندست كالسم في الأجهزة الحزبية والنقابية والجمعوية وبدأت تفرض نمط سلوكها البدوي وأساليب تفكيرها العائد لعصور ما قبل التاريخ وأصبحت توزع التزكيات والتهديدات... مع أنها ليست سوى "جمعية لقدماء كسالى الثانوية الوحيدة بالمدينة".وسرعان ما جاء دوري لأتعرض لتهديد حمله لي أحد "الأساتذة الأفاضل" زملاء العمل بتاريخ 13 أكتوبر 2004 وهو التهديد الذي يحمل توقيع "مسؤول نقابي محلي" كان ولا يزال يخلط بين مسؤولياته النقابية ومسؤولياته المافيوية.

ولي قصص كثيرة مع مثل هؤلاء ممن كان الرومان يسمونهم "هَمَجاً" Les Barbares. فمند دخولي تجربة الكتابة سنة 2001 بالشكل "الحر" ، "غير المنبطح" الذي لم يرق للكثيرين ، بدأ الاعتداء علي بعدة أشكال: أولها الإشاعة ؛ ثانيا بالمضايقة في الترقية المهنية مند 2003 حتى اليوم؛ ثالثا بالاعتداء علي لأول مرة في حياتي في الشارع الرئيسي لمدينتي وتحت الأضواء الساطعة من طرف كائنات مقنعة ومسلحة في شتنبر 2004 ؛ ورابعا بإرسال أحد عرابي فرع محلي لإحدى النقابات بمدينتي تهديدا بالاعتداء علينا جسديا؛ وأخيرا بالاعتداء علينا "رمزيا" بكتابة مقالات رديئة في مواضيع رديئة وبأسلوب رديء ومستوى رديء هدفه الحط من حضوري الثقافي لكن توقيع المقالات يكون باسمي الكامل كما يدل على دلك نص الرسالة الموجهة بتاريخ 16 مارس 2008 إلى رئيس تحرير الجريدة التي نشرت سلسلة المقالات الموقعة باسمي على مدى ثلاث سنوات...

سؤال: هل آن أوان الهجرة نحو الرواية؟

جواب: أنا لا أعتبر الكتابة في مجال القصة القصيرة مجرد عتبة لتجريب الكتابة السردية أو مجرد مرحلة تسخينية لدخول تجربة الرواية. بالنسبة لي، الهجرة بمعنى "الحريك" نحو الرواية أمر غير وارد حاليا، فأنا مرتاح جدا في بيت القصة القصيرة. أما المراوحة بين الكتابة القصصية وتجريب المغامرة الروائية، فأتمنى أن تشاركني بمعية قرائكم سعادتي بقرب حسمي في موضوع نشر أولى رواياتي "قيس وجولييت"، إن باللغة العربية أو باللغة الإنجليزية أو هما معا.

الأربعاء، مارس 26، 2008

صباحكم أجمل\يوم تبكي سمانا


زياد جيوسي

مشهد لبيت قديم مهجور في رام الله
"بعدستي الشخصية"

آذار يحمل عصاه ويرحل، أراه يلملم ما تبقى من حوائجه بحقيبة السفر من أجل المغادرة، لم يفرحنا كما اعتدنا منه على هدايا الجمال والفرح، ربما تأثر بالبشر وطباعهم، فخان العهد والوعد، كان الجدود يسمونه آذار أبو الزلازل والأمطار، وكان يقرض كل عام لشهر شباط الذي يسبقه أربعة أيام كانت تسمى "المستقرضات"، فتسيل المياه في الوديان لتغرق العجوز وأغنامها، جزاء لها على شماتتها وفرحها بقرب انتهاء شباط كما يرد في موروثنا الشعبي الجميل، كان آذار رمزا للخير والمطر، كان شهر الربيع والشهر الذي نغني له بطفولتنا: "آذار يا آذار.. يوم شمس ويوم أمطار"، فلم نعد نرى أمطاره ولا شمسه الناعمة المشوبة بالبلبل، ولم يعد الأطفال يخرجون في الشوارع ليغنوا له، فقد أصبح آذار بخيلا بمطره، ولم يعد يقرض شباط كما كان، ولعله تأثر بالمعاملات المصرفية فأراد فوائد على القرض ولم يحصل عليها، ولعله تأثر بموجة الغلاء العالمية التي يفتعلها أساطين المال ودول رأس المال، فأراد أن يخوض في معمعة الربح والكسب، على حساب الغلابا والمسحوقين الذين ينتظرون الغيث، لا من أجل أن يملئوا أحواض السباحة، ولكن كي يشربوا ويسقوا زرعهم ومواشيهم.
منذ بدايات آذار ونحن نعاني من موجات الحرارة الخماسينية المشبعة بالغبار، فكان صيف مبكرا بدلا من ربيع مزهر، وعانت أجواء رام الله من الغبار كما عانيت أيضا، فهذا الجو الخانق يمنع الحركة والتمتع ببدء الربيع، حتى أن الجفاف ضرب الأزهار والورود الربيعية في أطراف المدينة وفي الحدائق العطشى، ولعل درجات الحرارة وموجاتها تناسبت مع الجو السياسي، فالصراع ما زال مستمرا في القطاع المنكوب ووصل إلى اليمن، ولا نذر اتفاق حقيقي يحل الأزمة ويجلب معه بلح اليمن في ظل صراع برنامجين مختلفين، وزيادة الضعف فينا يغري العدو وصديق العدو، فهذه "ميركل" تعتذر لليهود على دور ألمانيا النازية فيما أصطلح على تسميته محرقة اليهود وإبادتهم، وتعلن أن أي مساس بأمن إسرائيل هو مساس بأمن ألمانيا، وتنسى أن الفلسطينيين والعرب لم يكونوا هم شعب وحكومة ألمانيا النازية حتى يدفعوا ثمن جرائم النازية الألمانية، وفي فرنسا تقيل الحكومة موظف وتطرده من عمله لمجرد أنه انتقد سلوك إسرائيل العدواني، وأما كل الإساءات للعرب والمسلمين ولرسولنا الأعظم، فهي حرية رأي وتعبير يكفلها القانون، ففعلا كما قال المثل الشعبي: "القوي عايب"، وضعفنا يغري كل الحثالات ويستقويها علينا، وأمة تنام وتضع رأسها بين الرمال، وتتسابق لحجز السيارات الفارهة وأجنحة الفنادق بمبالغ طائلة، كافية للصرف على مشاريع تقي الكثيرون من الجوع، بدلا من إرسال وفود أكبر من الحاجة لقمة عربية المفترض أن تبحث هموم الأمة لا أن تلعب على جراحها.
صباح الخير يا رام الله، صباحك أجمل رغم الحر والغبار والخماسين، رغم الجفاف والحر وضعف موسم المطر، رغم غضب شباط و"حرد" آذار، تبقين الأجمل والأروع بين المدائن، تبقين الأجمل والأحلى رغم خفافيش الظلام الذين لا يتوقفون عن التخريب والتدمير والترويع، تبقين شامخة في وجه الاحتلال وممارساته كما كل الوطن، والتي من كثرها لم تعد وسائل الإعلام تشير لها، فمنذ يومين فقط اقتحمت قوات الاحتلال سطح مرحبا التي شهدت طفولتي، وقد أرسل لي مواطن من المتابعين لصباحات الوطن يقول: "دخل علينا الليلة الماضية خفافيش الظلام واقتحموا العمارة التي نسكن، يرافقهم بني جنسهم - الكلاب، واخضعوا جميع السكان إلى التفتيش في منتصف الليل، وكانوا يضربون الأبواب بعنف، مما افزع الأطفال والنساء، وهذا اعتدنا عليه ولو أنه غير عادي، إلا أن هناك جارة لنا لا تنجب الأطفال، وقد قامت بالزراعة أكثر من مرة بقصد الحمل، وفي آخر مرة وفقها الله وحملت، وبسبب زيارة هؤلاء الكلاب أجهظت ففتح عزاء في عمارتنا، فأتمنى عليك لما لك من باع طويل وقلم سيال في الكتابة، أن تكتب عن هذا الموضوع لانتشار مقالاتك، ولنكون قد أوفينا رام الله جزء من محبتها، فليس الحب هو في اتجاه واحد بل في كل الاتجاهات".. وها أنا يا أخي أرفق ما قلته كما هو، وماذا يمكنني أن أضيف إلى ما ورد منك عن ممارسات الاحتلال التي لم تعد تجد من يتحدث عنها في وسائل الإعلام، وإن ورد شيء فهو يرد كخبر صغير وكأن الحدث لا يخصنا، فعلى من نلوم يا صديقي؟ فحتى شهدائنا أصبحوا يردون كأرقام وأسرانا كأرقام والجنين الذي تترقبه أمه بكل الحلم والشوق يقتل، وتترك الحسرة أثرها في الجار والأم والأهل، ولا أحد يتحدث أو يتكلم، بينما لو كان هذا الحدث لامرأة من شتات "الفلاشا" بمستوطنة إسرائيلية مغتصبة لأرضنا، لثار العالم المنافق حزنا وألما، واجتمع مجلس الأمن، ولتسارعت القيادات لتقديم الاعتذارات وإدانة المسببين، فيا ابن مدينتي: أبناء الاحتلال لهم بواكي، وأما "حمزة" فلا بواكي له.
وفي جانب آخر كم سررت حين اتصل بي أبنائي الطلبة في جامعة فلسطين التقنية "خضوري" في طولكرم، ليعلموني عن الدعوة لحملة تشجير تطوعية أطلقوها في منتداهم الجميل، ستكون بدايتها في الجامعة كمقدمة لحملة تقوم بها السواعد الشابة والواعدة، من أجل نشر ثقافة العمل التطوعي على مستوى المحافظة، وقد سرني الخبر كثيرا، فقد دار بيني وبينهم حوارات طويلة بعد أن نشرت صباحي بعنوان: رام الله بتحلى أكثر بشجرها الأخضر، وتحدثنا فيه أن التغيير يبدأ بالعمل التطوعي بدون انتظار المؤسسات الحكومية، وهذه خطوة في الطريق السليم، آمل أن تكون مؤشرا لكل السواعد في محافظات الوطن، وأن يبقى شعارنا: كلما اقتلع الاحتلال شجرة فعلينا أن نزرع عشرة.
ما زالت رام الله تحاول أن تخلق الفرح من بين شلالات الألم، فالفعاليات الثقافية والفنية تجود بها أمسيات رام الله، ولعل أجملها أمسية إقامتها مؤسسة الكمنجاتي يوم الخميس الماضي في مقرها بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، وقدمت فرقة أنوار القدس قادمة من رحاب الأقصى الموسيقى الصوفية والمدائح النبوية، وكان الحضور كبيرا من أبناء المدينة بمسلميها ومسيحييها إضافة لعدد كبير من الأجانب، ورغم انقطاع الكهرباء المفاجئ إلا أن الحضور أصروا على إكمال الحفل على نور البدر المنير، فكانت أمسية متميزة بجمالها وصفائها، وشعرت بروحي تحلق في عالم آخر من الجمال والتحليق في نور الذكرى وجمالها، لنكمل الليلة في التجوال أنا وصديقين في شوارع المدينة وحوار تناول السياسة والثقافة، اختتم بأنفاس النارجيلة وأكواب الشاي بالنعناع في مقهى رام الله الجميل، فأعادت هذه الأمسية للذاكرة أيام الطفولة وفرق المتصوفين وهو يرفعون الرايات الملونة الموشاة بآيات الذكر الحكيم، ويدقون الطبول والدفوف وينشدون الأناشيد، وهذه الصورة ارتبطت بذاكرتي في مخيم الوحدات في جنوب عمان الجميلة، حين كانت هذه الفرق تجوب شوارع المخيم وأزقته، وما زلت أذكرها بالطفولة القديمة أو بعد عودتنا لعمان بعد حرب حزيران، حين نزحنا مكرهين من ارض الوطن لنحل نازحين على لاجئين، ولعلنا كنا أكثر حظا من غيرنا الذين سكنوا المدارس والخيام في العراء، فنحن نزلنا ضيوف في بيت جدي لوالدتي رحمه الله في المخيم، لنبدأ رحلة تعب وعذاب في البحث عن بيت يأوينا، فالبيوت المعروضة للإيجار كانت قليلة وأسعارها أصبحت مرتفعة بحكم زيادة الطلب وقلة العرض، وتنقلنا في أكثر من بيت كل منها أشبه بالزرائب من البيوت، ما بين حي اليمانية والنظيف والدبايبة، وكلها أحياء محيطة بمخيم الوحدات تقريبا، وتأخر افتتاح المدارس بحكم الظروف العامة، حتى تمكنت الحكومة من وضع نظام التعليم لفترتين مسائية وصباحية، فالتحقت بإعدادية الأشرفية في صف يجمع الطلبة النازحين من كل مناطق الضفة الغربية، وكل قادم من مدينة أو قرية والكل يعاني نفس المعاناة، الطلبة والمدرسين ورداءة النظام الجديد ذو الفترتين، وتخلصنا لأول مرة من لباس اللون العسكري كطلبة ومن حلق الشعر على درجة الصفر، ولا اعلم هل هي الظروف المادية الصعبة للنازحين التي ألزمت وزارة التربية على الإلغاء أم كانت هناك أسباباً أخرى، وبدأت مساعدات النازحين توزع علينا بالمدارس، فبدأنا بتلقي علب السردين والبسكويت والجبن ونحن طلاب، ولن أنسى أبدا علب اللحمة التي وزعت علينا وتحمل صورة قطة، ليتبين لاحقا أنها كانت علب مخصصة للقطط وليست للبشر، ولكنها استقرت بأمعائنا الجائعة.
صباح الخير يا وطني الممزق والمحتل، وصباحك أجمل يا مدينتي ويا أحلامي البعيدة ويا أملي، صباحك أجمل وأنا احتسي فنجان القهوة في صومعتي المتواضعة، وطيفي الجميل ترف روحه تداعبني وهو في البعيد والى البعيد، صباح آخر وفنجان قهوتنا وشوق يتجدد إلى اللقاء، صباح آخر وعبق النعناع وهديل الحمام وزقزقة عصافير الدوري الكسلى على نافذتي، وغيوم تنتشر في سماء المدينة، فلعل السماء تجود بالغيث بعد انحباس وتبكي سمائنا أمطاراً، وشدو فيروز يصدح:
"لا يدوم اغترابي، لا غناء لنا يدوم، فانهضي في غيابي واتبعيني إلى الكروم، هيئي التلال، كرمنا بعد في ربانا، يوم تبكي سمانا نشبع القلب والشفاه، حبيبتي زنبقة صغيرة، أما أنا فعوسج حزين، طويل انتظرتها طويلا، جلست بين الليل والسنين".
صباحكم أجمل.

رام الله المحتلة 26\3\2008
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/