الاثنين، مارس 31، 2008

باقة ورد حمراء

فاطمة المزروعي
إنني أتحدث كثيراً..
هذه صفتي التي تعرفني بها، ويعرفني بها جيراني وأهل حارتي...
اقترب مني هيا، لا تبتعد ولا تصم أذنيك عني، لأن الكلام صفة ملتصقة بي، وأنا لا أرتاح من ضيقتي ولاحزني إلا تحدثت إليك، إقترب ولا تجلس بعيدا عني هكذا، في يوم أخبرتك بأنني سوف أتركك، أطلقت ضحكة، ورأيت في عينيك ثقة لايمكن أن تمحو من ذاكرتي، كنت واثقا بأنني لن أتركك، وها أنا اليوم استقل طائرتي دون علمك، وأحمل في حقيبتي صورة ابنتي أقصد صورتنا معا وجواز سفري، لن أطالبك بأن تدفع الأموال التي أقرضتها لك، ولا أن تجلب لي هدية عيد ميلادي الذي نسيته بسبب انشغالك عني في الآونة الأخيرة ..

هل تطلب مني الصمت ؟
أم السكوت، كلا المفهومان يحملان في عقلك الكبير نفس المعنى، منذ متى تهتم للمعاني أو الكلمات أو حتى المفاهيم، الحياة بالنسبة لك لا تعد سوى صفقة تريد دوما أن تكون فيها الرابح، سوف أغادر بلدي لا لا سوف أغادرك لأنني لم أعد احتمل خيانتك المتكررة، لم أعد أحتمل تلك الرائحة التي تنفذ إلى جسدي وتحرق لحمي وتفتت عظامي، كلما جمعنا السرير، كنت تعشق تأوهاتي، وكنت ُ أتأوه حتى لا أبين لك ضعفك الجنسي، كنت أحتمل جسدك الضخم على صدري وبطني، وعقلي كان هناك بعيدا، حيث المقاعد الصغيرة والسبورة، والمريول الأزرق والأبيض والحقيبة الحمراء، حيث وجهه الباسم ويديه اللتين تلوحان لي كلما اقتربت الحافلة من دراجته الصغيرة، كان يلوح لي بيده، وكتبه خلف ظهره..
أنا الآن لا أستطيع الكلام، شيء ما يغص في حلقي، ويقف هناك حاجز بيني وبينك، ماالذي جعلنا نعيش معا؟ وننجب طفلتنا الوحيدة، رغم إني كنت أعلم ضعفك الجنسي وكنت تعلم هوسي برائحة الرجل، أي رجل يولج في قلبي، كنت أذوب أمام تقاطيع جسده، وتنبهر عيناي بعيناه، يعجبني الرجل في أدوراه على التلفاز، وفي المجلات..

اقرأ شفتي ..
اقرأهما جيدا لأنني بعدها لن أستطيع الكلام، ولا التفوه بحرف واحد، لا تتعب نفسك في البحث عني، سوف أغير حياتي، سوف أرتدي الملابس القصيرة، وأقص شعري، تلك القصة التي تشبه عارضات الأزياء، كنت أعلم ولعك بأجساد عارضات الأزياء، من ذلك الشريط المسجل الذي وجدته ذات مساء في دولابك تحت ملابسك الداخلية، كنت أنظر إلى نفسي، كيف حرمتني الحياة من جسد فاتن، وصدر بارز، كنت أعلم بأنني قبيحة، وملامح وجهي تثير في نفسك الاشمئزاز، وتذكرك دوما بعجزك ..
أنا لا أعرف إلى أين سأذهب حتى الآن؟ وهل المبلغ الذي في جيبي سوف يكفيني؟ ولكنني متأكدة بأنني مع الأيام سوف أنساك، اطمئن لن أخبر أحدا بأنك من المعارضين للسياسة، وإنك تأوي الكثيرين منهم، سوف يبحثون عنك طويلا، هم يعرفون عنك كل شيء، لن يتركونك ترتاح في حياتك، ولن تجد الوقت حتى تعيش في رفاهيتك المعتادة، وحتى السيارة التي تركبها سوف يحرمونك منها، وسوف تجد نفسك قريبا بين أربعة قضبان، ولن يستطيع أحد أن ينقذك من براثنهم، إنني أغادر بلدي بسببك، وأجرد من هويتي، ومن كياني، أنا لا أعرف، كلنا لا نعرف أين نذهب؟ الطائرة تسير بنا إلى مكان بعيد، لا أستطيع أن أحدد بالضبط أين هو في خريطة العالم؟
والسبب في كل ما أعاني منه يعود إلى جبروتك وسلطتك، كل هذا الألم الذي يتفشى في جسدي كالطاعون، أنت السبب فيه، قتلت أجمل الأحاسيس في داخلي..
أنا لا أتكلم على الأطلاق، كل ما أشعر به ، أطرافي الباردة، وعيناي الجامدتين اللتين تطوفان في الطائرة، كلها دقائق، وسوف تنزل الطائرة هنا، في هذا المكان الذي لا أعرف بالضبط ماهو؟ إني جائعة، والمحلات مغلقة، والمدينة تبدو باردة، والأسماء كلها غريبة علي، مكتوبة بلغة لم أعرفها، لا كنت أعرفها، ولكنني لم أؤمن بها يوما، أين سأذهب؟
المال الذي لدي يكفيني مدة بعدها سإعود إلى الاستجداء، لابد أن أبحث عن عمل أي عمل، يجعلني لا أجوع، ليتني لم أسمع كلام أمي حين تزوجتك، ثرثرتها هي السبب في تعرفك علي، كنت تحب الكلام كثيرا، ومن تجربتي معك، تعلمت الصمت، أنا الآن لا أتحدث مع أحد، ولا أرافق أحد أخاف من الوجوه الصامتة، ومن النظرات الجامدة، كم أشتاق إلى ابنتي الغالية؟
أعلم أنك أخذتها إلى البعيد حتى لا أراها، ولكنني حتما سأعود وآخذها منك، وجهي يبدو باهتا في مرآة الحمام الذي في الفندق، أضع الباروكة على رأسي، أخفي الشامه التي في رقبتي حتى لايعرفني أتباعك، أنا متأكدة أنهم في كل مكان في هذه المدينة التي لايرحب سكانها بالغرباء، وأنا غريبة، غريبة من ملامح عيني، من ذلك الوشاح الأزرق الذي أضعه خلف رقبتي، لابد أن صاحبة الفندق الحقيرة الذي نزلت فيه، قد حفظت أوصافي، وأدلت به للرجلين الذين كانا يلاحقاني، هل تتوقع بأنه يمكنك أن تجدني؟ إنني لست فريسة سهلة الاصطياد، سوف يبحثون عني في كل ممرات المدينة، وطرقاتها، وحتى في قماماتها، في المحلات والدكاكين والمراكز، وفي أرغفة الخبز، ولكنهم لن يجدوني، أكون حين ذلك غادرت هذه المدينة القبيحة بسكانها، حاملة معي جواز سفر جديد، وأوراق ثبوتية جديدة، تثبت هويتي، ولكن ثق بأنني سأكون خلفك، لن أبتعد عنك كثيرا، ولن تعرفني، سوف تجد وجهي في بيتك، وعلى جدران غرفتك، وفي جسدك، ورائحة إبطيك، سأكون هناك، فأنا لن استغني عن ابنتي، ولن يمنعني الصمت أن لا أراها، كل ما هنالك أنك لن تستمع إلى صوتي بعد هذا، حتى أعذبك وأقتل كل ما فيك من شرور وقسوة، لن أبتعد عن تلك الأماكن التي ولدت فيها، سوف أعيش بين الناس، سوف أذهب إلى السينما، وإلى الحدائق، وأشتري الملابس الباهظة، والعطورات من الماركات العالمية، وأصبح أما رغما عنك، لن ترى وجهي على الإطلاق، ولن تعرف هذه المدينة التي عشت فيها جزءا كبيرا من حياتي وجهي على الإطلاق، سوى مظهرا مرتدية اللون الأسود، تختفي خلف الاشجار، منتظرة خروجك حتى أنهي حياتك، أنا لم أقترب من منزلك حتى هذه اللحظات، ولكنني لا أزال واقفة، إنني لا أريد الابتعاد عن هذا المكان الذي تربطني فيه معك علاقاتنا السابقة،
لقد فقدت القدرة على النطق، وأصبحت سمتي الصمت، إنني أرى اليوم أشخاصا كثيرون يرتدون السواد، يقفون بباب منزلك، يحملون على ظهورهم شيئا ما، إنه نعش، غريب، إنهم يبكون ويذرفون دموعا،إنني أقترب لا أخشى أحدا، الكثيرون في السابق يعرفونني، أما الآن لم يعد أحد يعرفني، أو إنهم لايريدون ذلك، إنه وجهك، جسدك، بارد كالثلج، مغمض العينين، ينقلونك إلى القبر، والآخرين يذرفون دموعهم قهرا، كانوا يضعون أزهارهم على قبرك، ودت لحظات لو أعرف أين ذهبت بابنتي؟ حتى في هذه اللحظة لا تزال مصرا على إيذائي وتعذيبي وقهري،
اشتريت اليوم باقة ورد حمراء، ولففتها بشريط أبيض اللون، ووضعتها وسط القبرين ..
حيث أنت وأنا ..
والصمت الذي جمعنا يوما..


قاصة إماراتية

ليست هناك تعليقات: