الثلاثاء، يناير 31، 2006

نداء للاخوان المسلمين : بناء الكنائس والدفاع عنها حق مقرر فى الاسلام

د. أحمد صبحي منصور
نقلاً عن عرب تايمز


أولا : كان من أنباء الاسبوع الماضى ما يلى: ( ذكرت مصادر أمنية مصرية أن 14 شخصا قد اصيبوا بجراح بعد اشتباكات مع مجموعة من الشبان حاولوا اعاقة بناء كنيسة جديدة فى صعيد مصر. واضافت المصادر ان قوات الشرطة اشتبكت مع مجموعة من الشبان مساء الاربعاء فى قرية العديسات المجاورة لمدينة الاقصر بجنوب القاهرة بعد احراقهم مواد البناء التى كانت ستستخدم فى بناء كنيسة مكان احد البيوت من دون الحصول على ترخيص. وتابعت ان قوات الشرطة اعتقلت عشرة من الشبان المسلمين والقت القبض على اصحاب البيوت).المستفاد من الخبر السابق أن الشرطة المصرية تصدت لمجموعة من المتطرفين السلفيين فى قرية العديسات لأنهم حاولوا اعاقة بناء كنيسة كان بعض الأقباط يقوم ببنائها مكان منزله، ثم اعتقلت الشرطة بعض المعتدين المتطرفين. الى هنا والخبر مفهوم ومعقول. أما غير المعقول فهو اعتقال المجنى عليهم أيضا وهم أصحاب البيوت الأقباط. وهذا الاسبوع ورد خبر عاجل أن " ( النيابة أصدرت أمراً بالقبض على كل من :1عاطف روماني (موظف بالسكك الحديد) 2. عاطف نجيب (مجلس قروي) 3. حفظي صالح (مجلس قروي) 4. لطيف أنور (تاجر ) من أقباط العديسات كعقاب لهم على دفاعهم عن الكنيسة وأهلهم وممتلكاتهم وجيرانهم ضد الهجوم البربري الذي قام به بعض المتأسلمين بقيادة مدير الأمن ومباركة رئيس مجلس مدينة الأقصر واستخدامهم كوسيلة لتبرئة المجرمين من جرائمهم كما حدث في الكشح من قبل.)هنا يتحول غير المعقول الى قرار تصدره النيابة نفسها بالقبض على المجنى عليهم ، وهذه عقوبة فى حد ذاتها، والتهمة لن تكون بالطبع حقهم فى الدفاع الشرعى عن أنفسهم وممتلكاتهم ، ولكن ستكون بناء كنيسة بدون ترخيص. وهذا هو أصل المشكلة.ثانيا :تبدأ المشكلة بالغزو العربى لمصر الذى حمل اسم الاسلام زورا وبهتانا . اعتاد بعض الحكام العرب والمسلمين فى مصر اتخاذ موقف عدائي من حق الأقباط الشرعى فى اقامة كنائس لهم يعبدون فيها الله تعالى حسب معتقداتهم ودينهم. سبب المشكلة ليس الاسلام ، فالغزو العربى لمصر ولغيرها كان خرقا لشريعة الاسلام واعتداءا على شعوب مسالمة لم تعتد على العرب المسلمين ، وهو احتلال لأرضهم وظلم لهم، والله تعالى لا يحب الظالمين فهو جل وعلا الذى ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى فى نفس الوقت الذى يأمر فيه بالعدل والاحسان.اذا كان الغزو العربى نفسه خروجا عن الاسلام فمن المنطقى أن تتكاثر نتائجه السيئة الظالمة المخالفة لشريعة الاسلام ومنها حرمان المسيحيين من بناء كنائسهم وهدم القائم منها وفرض الجزية عليهم اثما وعدوانا واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية بينما هم أصحاب الأرض الأصليون .فقهاء السلطة فيما بعد كتبوا فى تبرير هذا الظلم فتاوى سامة وأحاديث مفتراة وتفسيرات ضالة وتغييرات لمصطلحات القرآن الكريم ومفاهيمة جعلت من يقرؤه بمصطلحات التراث يقع فى التناقض فى فهم الآيات. كل هذا الجهد الثقافى لتأكيد الظلم العربى الذى جاء به الغزو العربى باسم الاسلام زورا وبهتانا. ثالثا: بهذا الغزو العربى الظالم وتبريره دينيا بالتزوير تأكد التناقض بين الاسلام وأولئك المسلمين ، خصوصا حين نراجع سريعا بعض حقائق الاسلام فيما يخص موضوعنا.*القرآن الكريم يجعل حصانة لكل بيوت العبادة التى يذكر فيها الناس اسم الله تعالى من صوامع وبيع وصلوات ومساجد لليهود والنصارى والمسلمين وغيرهم ، ويجعل الجهاد مشروعا للدفاع عنها ( الحج 40 ).*القرآن الكريم يؤكد على الاختلافات التشريعية بين القرآن والانجيل والتوراة ، ويطلب من أهل الانجيل أن يحتكموا الى ما أنزل الله تعالى لهم فى الانجيل ، ويتعجب من الاسرائيليين كيف يحتكمون للنبى محمد عليه السلام وعندهم التوراة فيها حكم الله ، ويؤكد أنه تعالى أنزل التوراة فيها هدى ونور ، وأنه أنزل الانجيل هدى ونورا ، ويطالب اهل الكتاب باقامة التوراة والانجيل وما انزله الله تعالى اليهم وهو نفس المطلوب من المسلمين، ويطلب من المؤمنين من أهل الكتاب والمسلمين أن يتنافسوا فى الخيرات.( المائدة 43 ، 44 ، 46 : 48 ، 66 ، 68)*القرآن الكريم يؤكد على أنه لا اكراه فى الدين ويقرر حرية الايمان والكفر وليس مجرد حرية التدين بين المؤمنين من أهل الأديان والمذاهب. وهناك أكثر من الف ( 1000 ) آية قرآنية فى هذا السياق.* ان قوله تعالى : "﴿يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ﴾ المائدة51 ) وسائر آيات الموالاة فى القرآن قد تم توظيفها ضد الأبرياء من المصريين الأقباط، وصرخ بها خطباء المساجد فى التحريض ضد الأقباط ، وهم فى ذلك الاستشهاد الخاطئ يتناسون سياق الآيات وهى تتحدث عن عصر النبى محمد عليه السلام حين طرأت ظروف حربية خاصة فرضت تحالفات سرية بين المنافقين ـ وهم بعض الصحابة ممن كان يعيش داخل المدينة ـ وبعض القبائل اليهودية. اذن هو تعليق على أحداث تاريخية ارتبطت بزمانها ومكانها وحكى القرآن الكريم بعض أحداثها وما دار فيها من أقوال جاء ذكرها فى الآية التالية " : فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين . " المائدة 52 " . لا بد من تنفيذ هذا التشريع اذا تكررت ظروفه بحذافيرها ، كأن يهجم علينا عدو معتديا فيتحالف معه فريق من المسلمين ضد بقية المسلمين ، أى يواليه فى عدوانه علي الوطن والشعب ، هنا يستحق اللوم طبقا لهذا التشريع القرآنى ، بل وطبقا لأى تشريع بشرى فى أى زمان ومكان.الا ان المتطرفين الذين يعتدون على الأبرياء ويقتلون المدنيين لهم عقيدة أخرى فى الموالاة يسمونها البراء والولاء، أساسها تقسيم العالم الى قسمين او معسكرين ، دار الاسلام ودار الحرب. وهم يعتقدون أن واجبهم هو الجهاد ضد معسكر الحرب او دار الكفر لارغامهم على دخول الاسلام طبقا للحديث الكاذب الذى رواه البخارى والقائل " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله .. ".وقد جاء اختراع هذا الحديث ليبرر ويسوغ الغزو العربى الذى حمل اسم الاسلام زورا وبهتانا ، واستولى بها الصحابة بعد موت النبى محمد على معظم العالم المعروف وقتها ، ودارت الحرب بينهم وبين الروم ، وانقسم العالم الى معسكرين : عربى يحمل اسم الاسلام ، ورومى غربى يحمل اسم المسيحية. وجرى تقسيم العالم الى دار للحرب ودار للاسلام فىالتراث الفقهى . كل هذا تحريف وتخريف وظلم للاسلام قبل ان يكون ظلما لغير المسلمين.الاسلام ليس هو السبب فى اضطهاد الأقباط، بل انه هو المظلوم الأول فى هذه القضية ، لأن أولئك الظالمين استخدموا اسمه أولا فى الغزو الظالم لبلاد الآخرين ثم استخدموا اسمه فى اذلال وقهر الشعوب الأخرى. والنتيجة هى انه المتهم الأول فى العالم الآن والمسئول عن التطرف والارهاب . وليس هناك ظلم أبشع من أن ينزل الله تعالىالاسلام دينا للعدل والاحسان ويؤكد على أن رسول هذا الدين جاء رحمة للعالمين ثم يقوم أتباع هذا الدين بجعله ارهابا للعالمين. هذا ما فعلناه بديننا.واضح أن المتهم الأول هم أولئك المسلمون الغزاة الظالمون ومن عاونهم فى تزييف تعاليم الاسلام بالفقه والحديث والسيرة والتفسير وما يسمى بعلوم القرآن. واذا كان الظالمون السابقون قد هلكوا وماتوا فان هناك تيارا سياسيا يتكلم باسمهم ويعمل لارجاع " مجدهم " ويتحدث عن " فتح مصر للمرة الثانية. أولئك هم "الاخوان المسلمون ". رابعا :ثقافة الأخوان المسلمين تم نشرها باستمرار وباضطراد عبر الاعلام الحكومى والمساجد والأزهر طيلة أربعين عاما ، فأنشأت جيلا متعصبا نحتاج الى أربعين عاما أخرى حتى نطهر عقله. أزعم أن الاخوان المسلمين سعداء بهذا المناخ وينتظرون أن تأتى ثماره السامة فى المستقبل القريب فى الحاق المزيد من الاضطهاد للأقباط والشيعة والقرآنيين وكافة المسلمين المعتدلين والعلمانيين ، لكى تمهد لدولتهم القادمة. وأزعم أن الاخوان يؤمنون بالتقية ، فيعلنون شجبهم لما يحدث ، ويتحدثون عن فتح صفحة جديدة مع الأقباط لمجرد الخداع وكسب الوقت.أتمنى أن أكون مخطئا فيما أزعم. اتمنى مخلصا أن يهب الاخوان لاصلاح ما حدث على المستويات التالية :1 ـ سياسيا: باعلان التبرؤ من كل اضطهاد وقع فى الماضى أو يقع فى الحاضرعلى الأقباط والشيعة والقرآنيين، وفتح صفحة جديدة من الاخاء والتسامح الدينى يستعيد ما كان سائدا من تسامح مصرى. ويقترن هذا الاعلان بخطوات عملية مثل زيارة لقرية العديسات والوقوف بصرامة مع المظلومين من أهلها والدفاع عنهم، والعمل على اطلاق سراحهم ومعاقبة الجناة الحقيقيين. وفعل نفس الشىء فى قرى أخرى شهد فيها الأقباط المصريون ظلما وبغيا من الخانكة الى الفكرية والكشح وغيرها. 2 ـ ثقافيا: باجراء ندوات وورش عمل تتناول كيفية اصلاح الوعى الشعبى الذى فسد ، وكيفية احلال ثقافة التسامح محل التعصب . واجراء ندوات أخرى تؤكد على حقوق الانسان وحقوق المواطنة والحق المطلق فى التدين والعقيدة واقامة الشعائر لكل من يريد دون تدخل من الدولة أو المجتمع ، وعدم المساس بعقائد أصحاب الأديان الأخرى، أى لا يجوزلمسلم الطعن فى عقائد أهل الكتاب ولا يجوز لأحد من أهل الكتاب الطعن فى الاسلام، مع تقرير حرية البحث العلمى لأصحاب كل دين فى داخل اطار دينهم فقط للتأكيد على حرية البحث العلمى والاصلاح الدينى داخل أتباع كل دين. 3 ـ دينيا: مراجعة علمية للتراث وفتاويه وأحاديثه ومصطلحاته والاحتكام فيها للقرآن ومصطلحاته ومفاهيمه وتشريعاته، ليكون ذلك أساسا لنشر ثقافة التسامح الاسلامى فى المساجد وسائر اجهزة الاعلام.4 ـ تشريعيا: هناك حديث يدور حول اقتراح جديد يقدم لمجلس الشعب يقضى بتعديل تشريعى لتوحيد اجراءات بناء وتجديد المساجد والكنائس دون تفرقة. لا بد لأعضاء الاخوان فى المجلس تبنى هذا الاقتراح كبداية ، يعقبها تطهير التشريعات المصرية من كل ما يخاف العدل والمساواة وحقوق المواطنة وحقوق الانسان ، وحرية العقيدة والفكر وحرية العبادة.ما سبق كله فى اطار الممكن اذا خلصت النوايا وكان الاخوان صادقين فعلا فيما يرفعونه من شعارات. الاخوان الآن قوة معترف بها سياسيا ودوليا كحقائق فى الواقع السياسى مهما اختلفنا معهم. الفرصة متاحة لهم الآن لكى نغير فكرتنا عنهم . فكرتنا عنهم لم تأت من فراغ وانما من دراسة ومعايشة لتاريخهم السياسى والتراث الذى يؤمنون به ويدافعون عنه. دعوناهم كثيرا لتبنى الاصلاح فلم يلتفتوا . لم نيأس ولا زلنا نصر على دعوتهم ليكونوا جبهة تنصف الاسلام من الظلم الذى ألحقه به المسلمون الغزاة والبغاة. الاسلام أعظم من كل الأشخاص فى أى زمان وأى مكان. وليس فى الاسلام تقديس لبشر ، فكيف نتجاهل انصاف الاسلام بسبب شرور ارتكبها بعض الصحابةفى تاريخ المسلمين وبعض الأئمة فى تراث المسلمين ؟ انصاف المظلومين من أقباط وشيعة وقرآنيين هو دفاع حقيقى عن القيم الاسلامية العليا من عدل واحسان وتسامح وانصاف. حين تحمل شعار الاسلام وتتصدى لتطبيق شريعته متجاهلا هذه القيم الاسلامية العليا فأنت بما تفعله أشد الناس عداوة للاسلام.الفرصة الآن متاحة للاخوان لبدء صفحة جديدة فى قرية العديسات والفكرية وابوقرقاص والكشح وكل قرية مصرية عانى فيها الأقباط من ظلم فعله بهم أشقياء ينتمون للاسلام ظلما وعدوانا.

رئيس الوزراء السوري يعاقب ناشري كتاب "فلينزع الحجاب"

"جسور"

أصدر ناجي عطري، رئيس الوزراء السوري، تعميما إلى كافة الجهات الرسمية في الدولة يمنع بموجبه التعامل مع داري النشر ايتانا وبترا، وذلك على خلفية الضجة المثارة حول كتاب "فلينزع الحجاب". جاء في نص التعميم ( السري ) ذي الرقم 218 /15 ، والذي أرسل إلى جميع الوزارات والمحافظات وإدارات المؤسسات العامة ما يلي :(( يطلب إلى الجهات العامة عدم التعامل مع داري النشر "ايتانا" وبترا وأصحابهما آملين التقيد بمضمونه.التوقيع رئيس مجلس الوزراء / ناجي عطري))وكان كتاب فلينزع الحجاب قد وزع على المشاركين في مؤتمر المرأة والتقاليد الذي عقد في دمشق، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، برعاية وزارة التعليم العالي السورية أثار الكتاب، الذي صدر الصيف الماضي عن دار بترا للنشر والتوزيع، موجة احتجاج لدى بعض ممثلي التيار الديني في سورية الذين احتجوا على نشره لدى وزير الإعلام السوري.وتوافقت هذه الموجة من الاحتجاجات مع ضغوط أمنية مورست على الناشر لؤي حسين.إثر ذلك منعت السلطات السورية توزيع هذا الكتاب، وقامت بمصادرة النسخ التي وزعتها دار النشر على المكتبات.ويبدو أن رئيس الوزراء السوري لك يكتف بهذا، فقرر معاقبة داري النشر، وأصحابهما، بمنع تعامل الجهات الرسمية معهم كمؤسسات وكأشخاص.يذكر أن هذا الكتاب، وهو من تأليف الكاتبة الإيرانية شهداروت جافان وترجمة المغربية فاطمة بلحسن، والذي لا يتجاوز الخمسين صفحة، يروي تجربة شخصية للكاتبة مع الحجاب.وتذكّر هذه الحادثة بقرار اتخذ في عهد رئيس مجلس الوزراء السابق، المنتحر، محمود الزعبي حين شكل لجنة لتلف أكثر من ثلاثمائة وخمسين نسخة من رواية ممدوح عزام (قصر المطر) اثر احتجاج بعض المشايخ عليه.يذكر أيضا أن نظام الحكم في سوريا يقوده حزب البعث العلماني، وذلك حسب المادة 8 من الدستور السوري والتي تنص على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة.

التفسيرات الحرفية للقرآن


عبد الوهاب المسيري
كي نتناول قضية التفسيرات الحرفية للقرآن علينا بادئ ذي بدء أن نتوجه لقضية المجاز في اللغة. إذ أذهب إلى أن النصوص المقدسة نصوص مجازية توليدية، لا يمكن فهمها إلا بإدراك طبيعتها المجازية. فهي نصوص تشير إلى عالم الطبيعة المركب وعالم الإنسان الأكثر تركيبًا، وإلى الدنيا والآخرة، وإلى عالم الشهادة وعالم الغيب، وإلى عالم الحواس وما وراء الحواس، فهي نصوص تتسم بالثنائية.
ويقف هذا على طرف النقيض من النصوص العلمانية فهي نصوص تتسم بالدقة وعدم الإبهام، إذ ترتبط فيها المفاهيم والكلمات بأشياء حسية أو مادية، فهي تشير إلى عالم الحواس والمادة، أو إلى أشياء وظواهر تتحرك داخل السطح المادي وحسب.
"الفرق بين النص المقدس والنص العلماني هو مثل الفرق بين الشِّعر (الذي يتعامل مع ظاهرة الإنسان) والمعادلة الجبرية (التي تتعامل مع عالم الأرقام الذي لا يعرف الضحك أو البكاء), المعادلة الجبرية قد تتسم بالدقة، ولكنها الدقة التي تستبعد الإنسان"
فالفرق بين النص المقدس والنص العلماني هو مثل الفرق بين الشِّعر (الذي يتعامل مع ظاهرة الإنسان) والمعادلة الجبرية (التي تتعامل مع عالم الأرقام الذي لا يعرف الضحك أو البكاء). فالمعادلة الجبرية قد تتسم بالدقة، ولكنها الدقة التي تستبعد الإنسان.
ولا يمكن إنكار أن ثمة طرق بسيطة ومباشرة للتعبير كاللغة الرياضية وإشارات مورس واللغة التلغرافية والتعبيرات النثرية المباشرة، قادرة على التعبير بكفاءة ودقة عن مطالب بسيطة مثل: "أرسل مائتي جنيها". أو "1 + 1 = 2"، أو عن حالات شعورية مثل "الجو حار اليوم"، أو عن النية والقصد مثل "أنوي الذهاب إلى دمنهور غدًا".
ولكن للتعبير عن العلاقات والمشاعر الإنسانية المركبة يحتاج المرء إلى لغة أكثر تركيبًا، إذ لكي يعبر الإنسان عن مكنون قلبه أو لكي يصف موقفا إنسانيا مركبا فإن مثل هذه اللغات والتعبيرات لا يمكنها أن تفي بالغرض.
ومن ثم لا بد من اللجوء للمجاز لأنه يساعدنا على تضييق المسافة بين لغة الإفصاح والواقع المركب، ويحول المسافة بينهما مجالاً للتفاعل. إن المجاز يولد قدرة على التعبير عن المركب واللامحدود، ويربط غير المعروف وغير المحسوس بالمعروف والمحسوس، والمعنوي بالمادي، دون أن يمزجهما عضويا فيصيرا شيئا واحدا.
بدون مجاز لا يمكن إدراك الله الذي هو رب المحدود واللامحدود، وهو متجاوز (مفارق) للمخلوقات وليس كمثله شيء. وبالتالي فالسؤال: "هل الله موجود"؟ إن طُرح في إطار علماني مادي - سؤال سخيف لا معنى له.
فالله موجود ولكن وجوده ليس وجودا ككل الوجود، لأن الله لا يتجسد في أي إنسان أو شيء، ومن هنا تعجز اللغة الرياضية عن التعبير عن وجوده، ولا بد من لغة مجازية للإجابة على السؤال، ولذا فإن الحضارة الإسلامية العربية تزخر بالمجاز، ولا تلجأ إلا نادرا للرموز (إلا في كتابات الحلوليين وغلاة الشيعة).
فالمجاز يؤكد علاقة الاتصال والانفصال، فحين نقول "هو كالأسد"، فنحن نقول إنه يشبه الأسد، ولكننا نقول في ذات الوقت أنه ليس أسدا. فطرفا المجاز منفصلان متصلان، فالمجاز يؤكد الثنائية، وهذا ما تؤكده علامة التشبيه، فهي تربط بين العنصرين وتفصل بينهما.
وعلاقة الاتصال والانفصال هي علاقة الخالق بمخلوقاته في الإطار التوحيدي. فالإله متجاوز للتاريخ والطبيعة لا يتجسد فيهما، ولا يمكن تصويره، ولا يمكننا إدراكه في كليته، فهو مفارق لنا، مختلف عنا، ولكنه لا يهجرنا بل يهدينا سواء السبيل، ولكنه لا يمتزج بنا ولا يحل فينا ولا يكمن في أي من مخلوقاته.
والرمز هو أيضًا جزء من لغة المجاز ولكنه يعني ذوبان طرفي المجاز الواحد في الآخر. ولتبسيط الأمور سأضرب مثلا بسيطا: يدخل رجل شجاع الغرفة فتقول "جاء الأسد" فالأسد هنا هو الرجل والرجل هو الأسد، والعلاقة بينهما ليست علاقة اتصال وانفصال إذ أن الحدود بينهما قد ذابت وزالت وأصبح الأسد هو تجسيد الرجل.
في رواية العجوز والبحر لإرنست هيمنجواي، الرواية كلها عن صياد عجوز أمسك سمكة كبيرة بطرف صنارته ولكنه لا يقوى على أن يحملها إلى قاربه. وتبدأ أسماك القرش في الهجوم على السمكة والتهام لحمها قطعة قطعة. ورغم علمه أنه لن ينجح في حمل السمكة إلى قاربه وأن أسماك القرش ستلتهمها إلا أنه يصر على الصمود والاستمرار في معاناته.
"يقوم المجاز بتحرير النص القرآني من فضائه الزماني والمكاني فتصبح الآية ذات دلالة إنسانية عالمية تتجاوز المناسبة المباشرة، ومن ثم تتضح مقدرة النص القرآني التوليدية وأنه صالح لكل زمان ومكان"
السمكة الكبيرة هنا رمز لشيء ما، ولذا نجد النقاد الأدبيين كل واحد فيهم يأتي بتفسير مختلف لدلالتها. فهناك من يقول إنها رمز عداء الإنسان للطبيعة وانتصاره عليها، وهناك من يقول العكس، إنها رمز انتصار الطبيعة على الإنسان، وهناك من يقول إنها رمز أن حياة الإنسان في هذا الكون أمر مأساوي، ولكن الإنسان من خلال صموده يمكنه تجاوز وضعه المأساوي هذا، ويسبغ معنى على العالم.
وهناك من يقول عكس ذلك وهو أن الصمود والاستمرار في المعاناة هو دليل على عبثية الكون الذي نعيش فيه، فهو كون بلا معنى، وبالتالي لا يوجد أي بعد مأساوي.
ولذا نجد أن الرموز والأيقونات والتماثيل والصور تحل محل الصور المجازية في المنظومات الحلولية، إذ إن الإله في إطار هذه المنظومات قد امتزج مع مخلوقاته وتوحد بها، ولم يعد له وجود خارجها، وعلاقتنا به علاقة التحام وذوبان (وليس اتصال وانفصال)، مما يعني إلغاء المسافة والثنائية.
ولذا فإدراك الإله المتجسد في كليته يصبح أمرا ممكنا، فالتجسد يجعله كائنا ماديا داخل إطار الطبيعة / المادة. ولذا نجد أن الحضارة الغربية الحديثة الغارقة في التجسد والحلول تزخر بالرموز والأيقونات والصور.
إلى جانب هذا يقوم المجاز بتحرير النص القرآني من فضائه الزماني والمكاني فتصبح الآية ذات دلالة إنسانية عالمية تتجاوز المناسبة المباشرة، ومن ثم تتضح مقدرة النص القرآني التوليدية وأنه صالح لكل زمان ومكان. ومن هنا قولي إن المجاز يؤدي إلى التجاوز أما الحرفية فهي تطابق بين النص القرآني ووقائع محددة داخل الزمان والمكان وتربطه بهما.
ما يحدث للنص القرآني في الإطار الحلولي هو أن تلغى المسافة بين النص القرآني والواقع، فيتطابق مع الواقع، بالتالي لا مجال للتجاوز أو للمجاز وتظهر التفسيرات الحرفية. ولذا فإني أرى أن الهجوم على لغة المجاز هو هجوم على فكرة الإله المفارق للعالم.
إن المفسرين الحرفيين ينسون أن القرآن لا يتطابق مع التاريخ أو مع القوانين العلمية، فهو الذي يُحكم به على التاريخ والواقع وليس العكس، إذ لا يجوز المطابقة بين المطلق الإلهي والنسبي البشري.
التاريخ الذي جاء في القرآن هو تاريخ مقدس، وليس تاريخا زمنيا، تاريخ يضع المقاييس والمعايير التي يمكن من خلالها محاكمة التاريخ الزمني، فتاريخ المسلمين ليس تاريخا إسلاميا، إنه تاريخ المسلمين في استقامتهم وحيدتهم عن جادة الصواب، والقرآن يحاكم هذا التاريخ. وهذا هو جوهر الرؤية الدينية.
إنه يطرح مجموعة من القيم الثابتة المتجاوزة لسلوك الإنسان يمكن الإهابة بها ومحاكمة الإنسان من منظورها. ولذا لا يمكن -كما يفعل البعض- أن نحاول تفسير التاريخ المقدس بالتاريخ الزمني.
"التاريخ الذي جاء في القرآن هو تاريخ مقدس، وليس تاريخا زمنيا، تاريخ يضع المقاييس والمعايير التي يمكن من خلالها محاكمة التاريخ الزمني، وهذا هو جوهر الرؤية الدينية"
فإذا وجد أحدهم مثلا نقشاً باسم إبراهيم يقولون: ها قد ثبت كذا وكذا. قصة سيدنا إبراهيم كما وردت في القرآن فيها عظات وعبر وإطار مرجعي نحاكم من خلالها من يعيش الآن في أي مكان في العالم.
وقد يجد أحدهم حجرًا يشير إلى الكاهن "يويا" فيصيح فرحًا هذا هو سيدنا يوسف. لكن قصة سيدنا يوسف لها شأن آخر. ولذلك نجد القصص القرآني لا يأتي بالتاريخ الكامل إنما بمشاهد معينة، لأهداف معينة وحكم، على عكس الحال مع التوراة التي إن جاءت على ذكر ملك ذكرت تاريخ ميلاده وتاريخ تولية العرش وكل تفاصيل سيرته.
هذا تاريخ زمني ضُمِّن في تاريخ مقدس، وقد تسبب هذا في عدة مشاكل من بينها أن ثمة اكتشافات أثرية تُبين أن ما جرى في قصص التوراة لم يقع في فلسطين وإنما في أماكن أخرى، وأتى بأدلة على هذا. كما أن ربط التاريخ المقدس بالتاريخ الزمني أضفى قداسة على التاريخ وعلى اليهود الفاعلين الأساسيين في هذا التاريخ.
إن ربط القرآن بالعلم أو التاريخ هو نوع من أنواع المادية في التفسير وخروج بالقرآن من مجال المطلق إلى مجال النسبي. إن المقدرة التوليدية للقرآن لا تأتي من كونه متطابقا مع التاريخ الزمني أو مع العلم، وإنما تأتي من أنه تضمن إطارا عاما لما يجب أن يكون عليه الإنسان والمجتمعات الإنسانية.
القرآن يتحدث عما ينبغي أن يكون وليس عما حدث أو عما هو قائم. وإن حدث تطابق بين النص القرآني والعلم والتاريخ، فهذا يجب ألا يزيد ولا ينقص من الإيمان. بل إن بعض المفسرين الحرفيين يتوصلون إلى سيناريو عام ومجرد يستخدمونه لتفسير كل صغيرة وكبيرة من أحداث التاريخ (وليس الأنماط العامة المتكررة أو السنن)، وهم يزعمون أن هذا السيناريو آخذ في التحقق أمام عيوننا الآن وهنا.
فإن حدث حادث أو وقعت واقعة فإنهم يهرعون إلى النص القرآني ويقولون لقد تنبأ القرآن بهذا، فقد جاء في الآية كذا أن كذا وكذا سيحدث. وهذا سقوط فيما أسميه "التفسير بأثر رجعي". إنهم يعيشون في ظلال العلم الطبيعي المادي ويحاولون إعادة صياغة الرؤية الإسلامية منطلقين من هذا العلم وليس من منطلقات إسلامية، فهم يتصورون أن العلوم الطبيعية توصلنا للحقيقة الكاملة الواضحة البسيطة.
وأعلق ساخرا على هذا بالقول: "إن تفسيرات الإعجاز العلمي للقرآن تبدو وكأنها تريد أن تثبت أن الله عالم طبيعة لا بأس به وأنه مؤرخ لا يشق له غبار". ومن المفارقات أن سطوة العلم الطبيعي وعلم التاريخ قد تم تقويضها في الغرب، في حين أن مفسرينا الحرفيين لا يزالون يعيشون في عصر الانبهار بالعلم الطبيعي وبعلم التاريخ، ويتصورون أن هذا هو المدخل الوحيد لدراسة الإنسان، مع أنه من المستحيل تفسير سلوك الإنسان من هذا المنطلق.
كما أنه يغيب على المفسرين الحرفيين أن العقل الإنساني قاصر عن الإحاطة بكل معاني النص القرآني ومراميه، فالعقل الإنساني قاصر ونسبي، في حين أن القرآن كامل ومطلق، ولا يمكن الإحاطة به تماما وبشكل نهائي.
"القرآن يتحدث عما ينبغي أن يكون وليس عما حدث أو عما هو قائم, وإن حدث تطابق بين النص القرآني والعلم والتاريخ، فهذا يجب ألا يزيد ولا ينقص من الإيمان"أليس هو كلام الله؟ وهل بمقدور البشر إدراك الإله في كليته وهو ليس كمثله شيء؟. وبالتالي نجد أن الإطلاق ينتقل من النص القرآني إلى المفسر الحرفي الذي يتصور أنه أحاط بالمعنى الكلي للنص، وبالتالي يتخلى عن التواضع الذي هو جوهر التقوى وعما أسميه النسبية الإسلامية.
إن النسبية الإسلامية غير النسبية العلمانية التي أسميها "النسبية المطلقة"، أما النسبية الإسلامية فهي "نسبية نسبية". فبينما تذهب النسبية العلمانية إلى أنه لا توجد مطلقات من أي نوع، ولذا تصبح هي ذاتها مطلقًا، فإن النسبية الإسلامية تذهب إلى أن عقل الإنسان محدود، وأن النص القرآني يتجاوزه، وأننا وإن كنا لن نصل إلى الحقيقة المطلقة واليقين المطلق، فإن لنا مرجعية نهائية مطلقة هي المنظومة المعرفية والأخلاقية المتضمنة في القرآن والسنة.
ولذا فنحن نؤمن بالآية: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، "وفوق كل ذي علم عليم". ولكننا نؤمن أيضًا وفي الوقت ذاته بأن النص القرآني يحثنا على أن ننظر من حولنا لنرى كيف بدأ الخلق، ولنعرف سنن الكون.
رغم أنها معرفة غير كاملة إلا أنها تكفي لندير شؤون حياتنا. مثل هذا الموقف الأصولي التوحيدي يتسم بالتواضع والتقوى والخشوع، فالمفسر يقدم تفسيره باعتباره تفسيرا واجتهادا وحسب، وليس الحقيقة النهائية.
أما المفسر الحرفي فهو يقدم تفسيره باعتباره الحقيقة البسيطة الواضحة النهائية واليقين المطلق، وكأنه قانون علمي مادي توصل له صاحب التفسير، فرغم أن القرآن هو كلام الله إلا إن هذا المفسر أدرك معناه تماما وفسره للناس، ثم يقدم تفسيره على أنه كلام الله البسيط الواضح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو في واقع الأمر كلامه هو، وبما أن النص يحوي التاريخ والعلم والواقع وحيث أنه لا اجتهاد مع النص، يصبح النص والواقع والإله والمفسر شيئا واحدا. هذا هو النموذج الكامن وراء التفسيرات الحرفية. والله أعلم
.
ــــــــــــــ مفكر مصري
المصدر:
الجزيرة

الاثنين، يناير 30، 2006

مقدمة (أولاد حارتنا) لأحمد كمال أبو المجد


الحياة» تنشر المقدمة التي وضعها الكاتب احمد كمال ابو المجد ... «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ تنال براءتها الاسلامية
أحمد كمال أبو المجد الحياة - 30/01/06//
تصدر خلال ايام الطبعة «الشرعية» لرواية «اولاد حارتنا» لنجيب محفوظ عن دار الشروق في القاهرة، مع مقدمة للكاتب الاسلامي احمد كمال ابو المجد. وكانت الرواية منعت عام 1959 بعد نشر فصول منها متسلسلة في جريدة «الاهرام».
«الحياة» تنشر المقدمة التي طالب بها محفوظ، بالتنسيق مع مجلة «وجهات نظر» الصادرة عن «دار الشروق».
الشهادة التي توشك – ايها القارئ – ان تتابع سطورها القليلة، سبق نشرها «مقالة» في «الأهرام» في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1994، أي منذ اكثر من عشر سنوات، طرأت فيها على حياتنا الثقافية والسياسية امور جسام, ازدادت فيها تجاربنا الفردية والجماعية ثراء وتنوعاً، وأحاطت بنا على مر شهورها وأيامها، احداث وتطورات كبرى، داخل مصر، وعلى امتداد عالمنا العربي وامتداد الدنيا كلها، تغيرت بسببها نظرتنا الى كثير من امورنا الخاصة وأوضاعنا العامة، ووقف بسببها كثير منا من نفسه وأمته موقف المراجعة والتأمل، والمجاهرة بالنقد لما يستحق النقد من اوضاعنا، كما ارتفعت نبرة المطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي، وانقدحت – بسبب ذلك كله – شرارة حوار بدأ ثم تصاعد، ولا يزال دائراً بين جماعات الكتاب والمفكرين والباحثين ممن يطلق الناس عليهم «النخبة المثقفة» التي تفكر للمجتمع كله، وتطرح بين يديه قضاياه وهمومه، وتشتغل معه بطموحاته وتطلعاته وآماله في الغد القريب والمستقبل البعيد. لذلك، حين عرضت على دار الشروق ان تجعل «هذه الشهادة» مقدمة لرواية «اولاد حارتنا» لكاتبنا الفذ الكبير نجيب محفوظ لم أتردد في قبول هذا الاقتراح ولكنني رأيت من الضروري ان اعيد قراءة هذه الشهادة، وأن اعيد قراءة «اولاد حارتنا» مرة اخرى، حتى استوثق من ان ما سطره القلم عام 1994 لا يزال – عند صاحبه على الأقل – صالحاً عام 2006، وأن ما شهدت به في شأن هذه الرواية التي احدثت في حياتنا الثقافية دوياً ظلت اصداؤه تتردد سنوات طويلة لا يزال موضع ايماني واقتناعي. فلما فعلت ذلك، بدا لي ان ليس عندي ما اضيفه او أغيره من سطور هذه الشهادة، اذ الأمر – في نهايته – يدور حول قضيتين لم يتحول فكري ولم يتغير في شأنهما:
اولاهما: ان من اصول النقد الأدبي التمييز الواجب بين الكتاب الذي يعرض فيه الكاتب فكرته ويحدد مواقفه، ملتزماً – في ذلك – بالحقائق التاريخية، والوقائع الثابتة، دون افتئات عليها، ودون مداراة لما يراه في شأنها... وبين الرواية التي قد يلجأ صاحبها الى الرمز والإشارة، وقد يدخل فيها الخيال الى جانب الحقيقة العلمية، ولا بأس عليه في شيء من ذلك، فقد كانت الرواية – قديماً وحديثاً – صيغة من صيغ التعبير الأدبي، تختلف عن «الكتاب» والالتزام الصارم الذي يفرضه على مؤلفه. وفي اطار «اولاد حارتنا» فإنني فهمت شخصية «عرفة» بأنها رمز للعلم المجرد، وليست رمزاً لعالم بعينه، كما فهمت شخصية «الجبلاوي» على انها تعبير رمزي عن «الدين» وليست بحال من الأحوال تشخيصاً رمزياً للخالق سبحانه وهو امر يتنزه عنه الأستاذ نجيب محفوظ ولا يقتضيه أي اعتبار ادبي فضلاً عن ان يستسيغه او يقبله.
القضية الثانية: حرية التعبير والموقف منها، ذلك انه مع التسليم بأن الحريات جميعها انما تمارس في جماعة منظمة، ولذلك لا يتأبى منها على التنظيم والتعبير إلا حرية واحدة هي حرية «الفكر والاعتقاد» بحسبانهما امراً داخلياً يسأل عنه صاحبه امام خالقه، دون تدخل من أحد، حاكماً كان ذلك الأحد او محكوماً، اما حين يتحول الفكر الى تعبير يذيعه صاحبه وينشره في الجماعة، فإن المجتمع يسترد حقه في تنظيم ذلك التعبير دون ان يصل ذلك التنظيم الى حد اهدار اصل الحق ومصادرة جوهر الحرية، ذلك ان الهدف من إجازة هذا التنظيم انما هو حماية حقوق وحريات اخرى فردية او جماعية قد يمسها ويعتدي عليها اطلاق حرية الفرد في التعبير، وتمنعها على التنظيم والتقييد، ويبقى مع ذلك صحيحاً ان الأصل هو الحرية، وأن التقييد استثناء تمليه الضرورة، والضرورة إنما تقدر بقدرها، ومن شأن الاستثناء ألا يقاس عليه او يتوسع فيه.
وأهم من هذا كله، ان الشهادة التي قدمتها ليست رأياً لي، وإنما هي تفسير كاتب «اولاد حارتنا» لما كتبه، وبيان واضح لا يحتمل التأويل لموقفه من القضايا الكبرى التي اثارتها تلك الرواية، وهي – على كل حال – آخر ما صدر عن نجيب محفوظ، امد الله في عمره، حول القراءة الصحيحة لـ «اولاد حارتنا» باعتبارها «رواية» للخيال والرمز فيها دور كبير، وليست «كتاباً» يقرأ قراءة حرفية للتعرف على موقف مؤلفه من القضايا التي يطرحها بعيداً من الرمز والخيال.
وأدعو الله تعالى ان تتسع عقولنا وقلوبنا لمزيد من حرية الكتاب والأدباء وسائر المفكرين في التعبير عن آرائهم، وإطلاق مواهبهم، بالصيغ الأدبية التي يختارونها، دون حجر او وصاية او مسارعة الى الاتهام وإساءة الظن، حتى لا «تكتم الشهادة» بيننا وتموت، وحتى لا تتجمد الأفكار على اطراف الألسنة والأقلام، فتحرم الجماعة من زاد ثقافي وعلمي تحتاج إليه، وهي تشق طريقها للانبعاث والنهضة وسط زحام حضاري وثقافي لا سابقة له في التاريخ.
«أولاد حارتنا» في طبعتين عن «دار الآداب» (بيروت)
نص الشهادة
حين وقع الاعتداء الغادر على اديب مصر وكاتبها الكبير نجيب محفوظ، كنت خارج مصر وحين عدت إليها طلبت من الصديق الأستاذ محمد سلماوي، وهو من تلامذته المقربين، ان يصحبني إليه لنؤدي واجب الاطمئنان عليه... ولكنه – وسط شواغله الثقافية – تأخر في ترتيب تلك الزيارة حتى عاد الأستاذ نجيب محفوظ الى بيته قبل ايام من عيد ميلاده الذي شاركه في الاحتفال به كثيرون من محبيه ومقدريه. وإذا بالأستاذ سلماوي يتصل بي ليخبرني انه رتب للزيارة موعداً في الخامسة من مساء اليوم التالي، وأننا سنذهب في صحبته ومعنا المهندس ابراهيم المعلم، الذي تربطه ووالده بالأستاذ نجيب محفوظ علاقات ود قديمة وموصولة، ومعنا كذلك الإذاعي والإعلامي المخضرم احمد فراج.
وعلى باب نجيب محفوظ استقبلتنا بالحفاوة المصرية المعهودة السيدة الفاضلة زوجته، ثم جاء الأستاذ نجيب محفوظ في خطوات ثابتة طمأنتنا على قرب اكتمال شفائه، وأخذ يرحب بنا في ود شديد، ثم جلس بيننا. وسادت فترة من صمت قصير، لأن احداً منا لم يعد لهذا اللقاء اكثر من كلمات السؤال عن الصحة والتهنئة بعيد الميلاد, ثم بدا لي – على غير ترتيب ولا إعداد، ان اقطع هذا الصمت، فوجدتني اقول: يا أستاذ نجيب، الجالسون معك الليلة كلهم من قرائك، جيلنا كان يجد في كتاباتك ورواياتك شيئاً بين فن الأدب وفن التصوير، وذلك بما نسجته في وصف القاهرة وحياة اهلها، ونماذجهم المختلفة من وشى دقيق عامر بالألوان مليء بالتفاصيل، حتى ليكاد القارئ يسمع فيه اصوات الناس ويرى وجوههم، ويتابع حركتهم في شوارع القاهرة وأزقتها ومساجدها ومقاهيها، ويكاد – دون ان يشعر – يدخل طرفاً في علاقات بعضهم ببعض... وكم من مرة تعرف بعضنا على احياء القاهرة وشوارعها بما كان قرأه عنك في وصفها وتصوير حياة اهلها... وأضفت: ثم انك يا استاذ نجيب تظل – في خواطرنا – قبل كل شيء وبعد كل شيء كاتباً وأديباً مصرياً خالصاً، لم تدجن كتاباته وآراؤه بتأثيرات غريبة تنال من نكهتها المصرية ومذاقها العربي الأصيل.
وبدا من قسمات وجه الأستاذ نجيب محفوظ وحركة يديه انه يقبل هذا الوصف له ولكتاباته وأنه يرتاح إليه... فشجعني ذلك على ان اتقدم في الحوار خطوة اخرى، فقلت: ويبقى ان نسألك عن رأي عبرت عنه منذ اسابيع قليلة حين بعثت برسالة وجيزة الى الندوة التي نظمتها الأهرام تحت عنوان «نحو مشروع حضاري عربي»، فقد قلت للمشاركين في الندوة: ان أي مشروع حضاري عربي لا بد ان يقوم على الإسلام، وعلى العلم، ولقد وصلت رسالتك، على قصرها، واضحة وصريحة ومستقيمة لا تحتمل التأويل، ولكن يبقى – ونحن معك نسمع لك وننقل عنك – ان نزيد هذا الأمر تفصيلاً، نحتاج جميعاً إليه وسط المبارزات الكلامية التي يجري فيها – ما يستحق الحزن والأسف – من ألوان تحريف الكلام وتزييف الآراء والافتئات على اصحابها.
وفي حماسة شديدة، وصوت جهير ونبرة قاطعة، انطلق نجيب محفوظ يقول: وهل في تلك الرسالة جديد؟ ان اهل مصر الذين ادركناهم وعشنا معهم، والذين تحدثت عنهم في كتاباتي كانوا يعيشون بالإسلام، ويمارسون قيمه العليا، دون ضجيج ولا كلام كثير. وكانت اصالتهم تعني هذا كله، ولقد كانت السماحة وصدق الكلمة وشجاعة الرأي وأمانة الموقف ودفء العلاقات بين الناس، هي تعبير اهل مصر الواضح عن إسلامهم... ولكنني في كلمتي الى الندوة اضفت ضرورة الأخذ بالعلم، لأن أي شعب لا يأخذ بالعلم ولا يدير اموره كلها على اساسه لا يمكن ان يكون له مستقبل بين الشعوب. ان كتاباتي كلها، القديم منها والجديد، تتمسك بهذين المحورين: الإسلام الذي هو منبع قيم الخير في امتنا، والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا.
وأحب ان اقول: انه حتى رواية «اولاد حارتنا» التي اساء البعض فهمها لم تخرج عن هذه الرؤية. ولقد كان المغزى الكبير الذي توجت به احداثها، ان الناس حين تخلوا عن الدين ممثلاً في «الجبلاوي»، وتصوروا انهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلاً في «عرفة» ان يديروا حياتهم على ارضهم (التي هي حارتنا)، اكتشفوا ان العلم بغير الدين تحول الى اداة شر، وأنه قد أسلمهم الى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم، فعادوا من جديد يبحثون عن «الجبلاوي». وأضاف: ان مشكلة «اولاد حارتنا» منذ البداية انني كتبتها «رواية»، وقرأها بعض الناس «كتاباً»، والرواية تركيب ادبي فيه الحقيقة وفيه الرمز، وفيه الواقع وفيه الخيال... ولا بأس بهذا ابداً... ولا يجوز ان تحاكم «الرواية» الى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها، لأن كاتبها باختيار هذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بهذا اصلاً وهو يعبر عن رأيه في رواية. وفي ثقافتنا امثلة كثيرة لهذا اللون من الكتابة، ويكفي ان نذكر منها كتاب «كليلة ودمنة»، فهو مثلاً يتحدث عن الحاكم، ويطلق عليه وصف «الأسد» ولكنه بعد ذلك يدير كتابته كلها داخل اطار مملكة الغابة وأشخاصها المستمدة من دنيا الحيوان، منتهياً بالقارئ في آخر المطاف الى العبرة او الحكمة التي يجريها على ألسنة الطير والحيوان، وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يتوجه إليه كل كاتب صاحب رأي... اياً كانت الصيغة التي يمارس بها كتاباته.
قلت: الواقع انني قرأت «اولاد حارتنا» منذ سنوات عدة، وأذكر انني تعاملت معها حينذاك على انها رواية وليست كتاباً، ولذلك تفهمت ما امتلأت به من رموز تداخل في صياغتها الخيال، ولم أتصور ابداً ان كاتبها كان بهذا التداخل يحاول رسم صور تعبر عن موقفه من الحقائق التي يتناولها ذلك الخيال او تشير إليها تلك الرموز. ولكن الذي استقر في خاطري على أي حال وبقي في ذاكرتي منها الى يومنا هذا، والذي رأيته – معبراً عن موقف كاتبها الذي يريد ايصاله الى قرائه – هو تتويح حلقات روايته الرمزية بإعلان واضح عن حاجة «الحارة»، التي ترمز للمجتمع الإنساني، الى الدين وقيمه التي عبر عنها الرمز المجرد (الجبلاوي) حتى وإن تصور اهل الحارة غير ذلك وهم معجبون ومفتونون بـ «عرفة» الذي يرمز الى سلطان العلم المجرد والمنفصل عن القيم الهادية والموجهة لأهل الحارة.
وتابع الأستاذ نجيب حديثه الأول قائلاً:
انني حريص دائماً على ان تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدى الناس، حتى وإن اختلف بعضهم معي في الرأي، ولذلك لما تبينت ان الخلط بين «الرواية» و «الكتاب» قد وقع فعلاً عند بعض الناس، وأنه احدث ما أحدث من سوء فهم، اشترطت ألا يعاد نشرها إلا بعد ان يوافق الأزهر على هذا النشر، (ولا يزال هذا موقفي الى الآن).
قلت: انني أتمنى – يا أستاذ نجيب – ان يسمع الناس منك هذا الكلام الواضح الذي لا يحتمل التأويل، ليعرفوك منك بدلاً من ان يعرفوك من خلال شروح الآخرين، وائذن لي ان اقول انني كنت واحداً من الذي يجدون هذه المعاني التي حدثتنا بها الآن حاضرة في ثنايا كثير من كتاباتك القديمة والجديدة، وكانت تعبيراً دقيقاً عن منهج جيلنا وجيل آبائنا في فهم الإسلام، فقد كانوا – وكنا معهم – نتنفس الإسلام ونحيا به في هدوء واطمئنان، دون ان نملأ مجالسنا ومجالس الآخرين بالكلام الكثير عنه.
وحين اوشكت الزيارة ان تتحول بهذا الحوار العفوي الى ندوة، تدخل الأستاذ احمد فراج قائلاً في حماسة: كم كنت اتمنى ان يسمع الناس – كل الناس – هذا الحوار الهادئ حول هذه القضايا الساخنة. وأرجو ان يأذن لي الأستاذ نجيب محفوظ بتسجيل هذا الكلام كله مرة اخرى في ندوة تلفزيونية قصيرة لا تتجاوز الدقائق العشر، توضع بها النقاط على الحروف، ويعرف الناس، الموافق منهم والمخالف، حقيقة رأي الأستاذ نجيب محفوظ الذي عبر عنه الآن، كما عبرت عنه رسالته الوجيزة الى ندوة الأهرام.
قال الأستاذ نجيب محفوظ: اني شاكر ومقدر هذا الاهتمام، ولكنني اشفق على نفسي من فتح باب الأحاديث التلفزيونية، وأنا لا ازال في نقاهة لا تحتمل مثل هذا المجهود، ولكنني – بدلاً من هذا – أقترح ان يكتب الدكتور كمال ابو المجد هذا الحوار الذي دار كما دار – وسأكون راضياً عن ذلك كل الرضا.
وفي اطار هذه الرغبة الموثقة بإذن صريح من الأستاذ نجيب محفوظ وبشهادة ثلاثة من ضيوفه الكرام، ولدت فكرة هذا المقال الذي هو عندي شهادة ارجو ان أدرأ بها عن كتابات نجيب محفوظ سوء فهم الذين يتعجلون الأحكام ويتسرعون في الاتهام، وينسون ان الإسلام نفسه أدرج كثيراً من الظنون السيئة فيما دعا الى اجتنابه من آثام، كما أدرأ عن تلك الكتابات الصنيع القبيح الذي يصر به بعض الكتّاب على ان يقرأوا في ادب نجيب محفوظ ما يدور في رؤوسهم هم من افكار، وما يتمنون ان يجدوه في تلك الكتابات، مانحين انفسهم قوامة لا يملكها احد على احد، فضلاً عن ان يملكها احد منهم على كاتب له في دنيا الكتابة والأدب ما لنجيب محفوظ من القدم الثابتة، والتجربة الغنية، والموهبة الفذة النادرة التي انعم بها عليه الله.
أدعو الله ان يتم على اديبنا الكبير نعمة العافية حتى يمسك القلم من جديد مواصلاً عطاءه الأدبي الذي يغني العقل والوجدان، وواهباً ما بقي من عمره المديد – بإذن الله - لتجلية الأمرين العظيمين اللذين اشار إليهما في رسالته الى ندوة الأهرام: الدين، الذي به هداية الناس وراحة النفوس، والذي يفيء ألواناً من المحبة والسماحة ودفء العلاقات والتسابق الى الخير، على حارتنا الكبيرة مصر، والعلم، الذي تحيا به العقول، والذي هو مفتاح امتنا، وكل امة، الى ابواب المستقبل الذي تتزاحم اليوم امامها شعوب الدنيا كلها لتكون لها مكانة في ساحته التي تتشكل معالمها الجديدة يوماً بعد يوم.

الأحد، يناير 29، 2006

كاتب عربي يضع معجماً عربياً ـ فارسياً


بقلم محمد شعاع فاخر
شهدت الساحة الثقافية الايرانية في العقدين الاخيرين نشاطات واسعة على صعيد ترجمة وتأليف المعاجم العربية ـ الفارسية ويتجسد ذلك في اصدار المعاجم وازدياد عددها في الآونة الاخيرة، واذا ما قارنا عدد المعاجم الصادرة في السنوات الأخيرة مع اخواتها من المعاجم في العقود الماضية نجدها في ازدياد ملحوظ وتطور واضح المعالم. من المعاجم الصادرة في هذه الفترة في طهران «المعجم العربي ـ الفارسي المعاصر» أي (فرهنگ معاصر عربي ـ فارسي) للكاتب العربي الايراني عبد النبي قيم، في 1275 صفحة، وفي مجلد واحد ويحتوي على ما يقارب 60000 مفردة عربية واكثر من 300000 معنى ومعادل فارسي.
والمؤلف عبد النبي قيم ينحدر من ابوين عربيين من مدينة عبادان، وهو يجيد اللغة الفارسية من خلال دراسته في المدارس الفارسية وتخرجه من الاكاديمية الايرانية، وهذان الأمران قد ساعداه على فهم واستيعاب معنى ومفهوم المفردة العربية وما يعادلها من اللغة الفارسية. وحرص المؤلف على تطوير وتحديث القاموس مستنداً على التطورات العلمية الحديثة في فن كتابة القواميس عند الاوروبيين. واستغرقت عملية إعداد القاموس اكثر من خمس سنوات، حاول المؤلف فيها تلافي الثغرات والهفوات الموجودة في كتابة وصياغة المعاجم العربية ـ الفارسية. ولقد ظهر للمؤلف أن كافة المعاجم العربية ـ الفارسية لا تحتوي على مفردات حديثة ومعاصرة، ويرجع ذلك لاختيار المؤلفين معجما عربياً واحداً كمصدر رئيسي ووحيد لتأليف المعجم، لذلك لم تتضمن تلك المعاجم مفردات عربية حديثة.
وانتهج عبد النبي قيم خطة تختلف عما درج عليه مؤلفو المعاجم من قبل موفراً بذلك طريقاً سهلاً وميسوراً وقصيراً لمن يريد معرفة اللغه العربية وصفاً واصطلاحاً واشتقاقاً و مرادفها الفارسي. وبما انه تجاوز خطة الاشتقاق، فقد صار الوصول الى الالفاظ المنحوتة، وهي التي لا جذور لها في اللغة العربية ممكناً، على سبيل المثال ولا الحصر «تأمرك»، «تفرنس» تجدها في حرف التاء أو«بلشفة» تجدها في حرف الباء.
اعتمد المؤلف الترتيب الالفبايي النطقي، اسوةً بالمعاجم العالمية وخاصةً المعاجم الفارسية، فبدلاً عن الزام القارئ بالرجوع الى جذر كل كلمة عربية اصبح في مقدوره الاهتداء الى الكلمة المطلوبة بسرعة وبسهولة، اضافة الى ذلك ان الترتيب الالفبايي النطقي يتلاءم وطبع القاري الفارسي حيث تعود البحث على المفردة من خلال الترتيب الالفبايي.
اختار المؤلف خمسة معاجم كمصادر رئيسية في تأليف الكتاب
وهنّ قاموس المنجد الابجدي، قاموس المورد للدكتور روحي البعلبكي، المعجم العربي الحديث للدكتور خليل جر، قاموس الياس العصري واخيراً قاموس هانز وير العربي ـ الانجليزي. ولم يكتف المؤلف بهذا الحد فبالرغم من اختيار خمسة معاجم كمصادر رئيسية لتأليف الكتاب، ضمّن المعجم مفردات ومصطلحات حديثة جداً التي لم تورد في تلك المعاجم. واسقط المعد «ال» التعريف من المفردة وهي طريقة سبق اليها بل لم اجد معجمياً عوّل على ابقائها، واستثنى المؤلف الاسماء المنقوصة وجاء بها بـ «ال» التعريف مثل القاضي، الواعي، المحامي والخ.
والطريقة الموفقة جداً هي التخفيف عن الباحث بقدر المستطاع وذلك بعدم اثقال كاهل الكتاب بالمصادر، ويكفي في بيان ذلك ذكر معنى الفعل، ومن خلاله باستطاعة الباحث التسلسل مع الفعل الى كل معانيه، خلا أن المصدر الذي يدور على الالسن مستقلاً عن فعله مثل ذهاب، ومكالمة، واكتتاب وما شابه ذلك فإنه يبحث عنه في الاسماء من دون حاجة للرجوع الى فعله.
ومن محسنات هذا المعجم حذف الجملة المكررة ووضع المعادل الفارسي مكانها وهذا، كما يقول المؤلف، يؤدي الى تقليل حجم الكتاب وهو غرض مطلوب.
ومما زاد في حسن الكتاب القاعدة الدستورية التي وضعها المؤلف اقتفاءً لما كان يفعله المؤلفون الانجليز وغيرهم من النص على الازمنة وعلى المتعدي منها واللازم ولم ينس الفعل المبني للمجهول، وحظي الاسم والحرف بحصتها الاساسية من البيان.
وهنا يحق لنا أن ننوه بالمسلك الذي سلكه المؤلف في تحديد الاصطلاحات العلمية الجديدة، وهو عمل يفتقر اليه جل المعاجم اليوم، لانه ليس عملاً سهلاً بل هو دقيق جداً ويحتاج الى المام واع بالمصطلح العلمي. ومن المصطلحات ما اختلف حدودها من عالم الى آخر، ومن ثم عجز الكثير عن تفهم معناها فأهملوها، ولكن المؤلف استطاع تفهم المعنى وضبطه بدقة وايجاد مرادف له باللغة الفارسية، وربما طابقه مطابقة تؤدي الى الفهم الصحيح للمصطلح، لذلك ضمّن الكتاب مفردات ومصطلحات خاصة بشتى العلوم والمعارف من الفيزياء والكيمياء وعلم الاحياء والهندسة والكهرباء والرياضيات والسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والفلسفة والطب والقانون وغيرها.
وفي العربية كلمات غير مأنوسة وشوارد لا يلذها السمع، لذلك نأى عن ذكرها المؤلف في قاموسه، وهي حسنة وخدمة تريحان الباحث من الكلمات المحنطة في القواميس، وأحاله الى الكتب الموسعة التي لم تترك شاردة ولا واردة لم تذكرها. فبناءً على ذلك اسقط الكتاب المفردة التي اصبحت بحكم تقلب الحضارات وتطور اللغة مفردة مهجورة أو بائدة.
ونتيجة اعتماد الكتاب على الترتيب الالفبائي النطقي لصياغة القاموس، ضمن المؤلف جذر المفردة في القاموس حيث جاء ذلك بعد كتابة المفردة، لكي يتبين للقارئ جذر واصل الكلمة، على سبيل المثال ولا الحصر: تعريض (عرض)، مرتكز (ركز)، استيضاح (وضح).
لا بد من الاشارة الى أن معجم القيّم امتاز بدقة المعاني الفارسية للمفردة العربية، حيث اختار المؤلف العبارة أو الكلمة الفارسية الصحيحة كمعنى ومقابل للمفردة العربية، وما تحقق ذلك الا بفضل فهم واستيعاب المؤلف لروح ومغزى الكلمات العربية واتقانه لللغة الفارسية، كما تبنى المؤلف منهج اختيار المفردة الفارسية كمعنى ومقابل للمفردة العربية وعدم اختيار منهج ترجمة التعريف من العربية الى الفارسية الذي كان ولا يزال سائداً في المعاجم العربية ـ الفارسية.
الشرق الأوسط

السبت، يناير 28، 2006

دنيا


بقلم حسن عبد الرزاق
نقلاً عن دروب
وجدها.. بعد إن اصبح لايحتاج إلى مشطه الا عند الفود ومؤخرة الراس. وجدها على احد الارصفة .. مسرعة الخطوات .. تروغ في الزحام برشاقة .. ماضية نحو هدف ما .. موجود في راسها فقط .جسدها من الهامة حتى الساقين شجرة ميلاد تتالف فيها الاوان الحدائقية .. ومن شعرها تفوح خلاصة الزهور.. أما عيناها فيالروعة الليل الذي تكثف فيهما. لم تكن امراة كبقية النساء اللواتي طاردهن منذ اقصى المراهقة .. ولم تكن نظرتها التي حطت على قلبه ومضة ضوء خاطف من نجمة مرقت على عجل .. وانما كانت سهم كيوبيد الذي نام حالا في السويداء.غيّر اتجاه سيره المعاكس لسيرها .. وتجاهل عيون الرصيف .. وصم سمعه عن تعليقات الافواه ذوات المذاقات المختلفة .. وبسرعة مجارية لسرعتها اندفع ماشيا وراءها .. صيادا يتبع طريدة بحث عنها لمدة شباب ورجولة كاملتين.هي من جانبها لم تعلم بخفقان قلبه .. والالتفاتة التي اخذ يرسل من اجلها نداءاته المتكررة لم تبدر منها .. وكما كانت خطواتها .. ظلت كما هي .. سريعة .. راسخة .. تاكل المسافة بثقة غريبة متجاوزة كل السائرين من ذوي الخطوات البطيئة والسريعة على حد السواء.مشى خلفها اكثر من اربعة أرصفة ولم يستطع اللحاق بها .. ومشى نصف الرصيف الخامس ولم تضيق الهوة .. وحين وجدها تقطع الشارع عابرة نحو الرصيف المقابل اضطر للهرولة ثم الركض حتى لاتبتلعها الازقة الفرعية وتتركه يروح وياتي ..يروح وياتي .. إلى الابد في تلك الطرقات الضيقة التي تمتلك قدرة خارقة على دفن اسرارها عن العيون .في الخطوة الخامسة أو السادسة من ركضه طار في الهواء .. ومنذ لحظة طيرانه تلك غابت صورتها عن عينيه نهائيا وتلاشى وقع خطواتها من سمعه .. ولم يرها بعد ذلك رغم انه واظب على الرواح والمجيء قرب ابواب الازقة التي ابتلعتها منه حتى تصحر راسه بالكامل.أما هي .. فقد جلست في البيت .. وبدات تقص بيديها قصة الرجل الاصلع الذي صدمته سيارة وهو يعبر الشارع .. وكان ابوها يتابع بانتعاش حديث ابنته الخرساء ( دنيا) المدمنة على رمي الرجال بنظرة واحدة لاتكررها ابدا.

الجمعة، يناير 27، 2006

رسائل الكبار إلى الكبير كمال العيادي


عندما تألقت فكرة (دروب) بعقول مبدعيها، أرادوها حاضنة للأدباء وموفقة بينهم، وهذا ما لمسناه وسنلمسه بعد قراءة هذه الرسائل التي وجهها أدباء كبار إلى أديب كبير مثلهم اسمه كمال العيادي
**
الكاتب العالمي كمال العيادي
نص غاية في الابداعية العميقة ، وشخصية من الشخصيات التخييلية المبدعة بشكل رفيع جدا. شخصية تكاد أن تنطق من روعتها، وانغماسها الهائل في ثنايا الحياة التخييلية ، مهما كانت واقعيتها . شخصية متفردة كما هي الشخصيات العميقة في الأدب العالمي..هنيئا..تحياتي
نورالدين محقق

**

الصديق الرائع بكل المقاييس والاحجام كمال العيادي
تكفيك وحدها اسطورة شخصية ميتشكو كي تتسنم اعلى قمم السرد العربي
اللبس والغموض والعدمية المخيطة برجل من هذا الطراز المنفلت تجعل منه شخصية غير قابلة للنسيان ولايمكن تفاديها عند استدعاء ببليوغرافية العيادي في المحكي القصير. اليوم اتصل بي منتسب وقال لي بانه قرا نصوصك وبموجب التواطؤ الغائر الذي يوجد بيننا سالني العيادي كاتب كبير وبارع اليس كذلك يا انيس؟ فماذا كان ردي قلت له طبعا والكبار يعرفون بعضهم البعض عن ظهر قلب وسرد الكبار مغناطيس حقيقي يجذب اليه دائما المعادن الثمينة اما الفلزات فيطرحها لتموت بشيء من الضجر
بلا مجاملة نحن في المغرب- خاصة ضمن التيار التجريبي الذي لا يعجبه العجب.- نعتبرك كاتبا من طراز رفيع واحد من سنعول عليهم في الالفية الجديدة للبحث عن قارة سردية جديدة لم تسطرها خرائط النقد بعد. ثق اننا نحبك ونحترمك ليس لانك محرر دروب… طز… نحن كذلك لانك كاتب لايشق له غبار
باختصاركاتب بالمواصفات العالمية التي ننتمي اليها
كاتب فورميلا 1
كاتب اكس اكس ال
كاتب اكس فايل
وليس كاتب ماشافس حاجة
محبتي ايها الخل الجميل
انيس الرافعي

**

جميل دافئ ..هكذا عودتنا عليك يا كمال في الأدب وفي الحياة …تجربتك كأديب وكمسئول في رئاسة جوقة المجانين من كل الثقافات في دروب تشهد لك بذلك ,,
صديق الطيبين والبسطاء من الناس والجميل المتميز من النصوص والأصفى والأحلى من السماوات ,,
أنت …لا أحب المثقف المنافق ، ذا القلبين : قلب رائع للإبداع وقلب خائن للإنسانية في واقعها المعيش ..ما أوفى المثقف حين يظل هو هو في كل تجلياته الإنسانية ..ما أوفاك يا سيدي ..لك إجلالي ومودتي دون مجاملة ..
شكرا على الإهداء ، نسيت أن أفعل بادئ ذي بدء ، هو وسام آخر لن أنساه لك أبدا كما لن أنسى أن أشهد دروب و تونس الحبيبة وجبالنا الأطلسية الغالية على أن هذا القيرواني الوديع الذي هو أنت لم ينظر إلى عرقي أو إلى ثقافتي بل نظر إلى قلبي منعكسا في ارتعاشات وصلوات نصوصي حين احتضنتني دروب أول مرة ..أجدد لك يا سيدي امتناني بما يكفي ..
مليكة مزان

**

المبدع العزيز كمال العيادي،
لا زلت لم أتخلص بعد من شخصية “آنيتا” التي قرأت قصتها هذا المساء لأعلق على دراسة الأخت فاطمة ناعوت، حتى وجدت نفسي أمام شخصية حميد ميتشكو الفريدة!
ليس من عادتي مجاملة أحد مهما كانت مكانته، و لا استعمال نعوت و أوصاف لا أومن بها. لذا، صدقني بأن لشخصياتك تأثير السحر. و بأن لديك قدرة رهيبة على الوصف و التقاط الحركات و السكنات التي تجعل من الشخصية المهمشة شخصية رائعة و عميقة.
تنضاف شخصية ميتشكو إلى شخصية السردوك التي لا تنسى.
لقد جعلتني قصصك و شخصياتك أغير رأيي بخصوص القصة القصيرة و آفاقها المستقبلية. ذلك أني، في تعليقي على “البيان القصصي” للأخ العزيز نور الدين محقق، قلت بأن القصة القصيرة ستتطور إلى جانب الرواية و ليس أمامها. و تبريري - الذي لم أصرح به - في ذلك هو كون القصة غير قادرة على خلق شخصيات متميزة تترك أثرها الدائم في نفوس القراء مثل شخصيات روائية: مدام بوفاري- تيريز ديسكيرو- آنا كرينينا- أحمد عبد الجواد - حميدة إلخ…أنحني أمام قدرتك التصويرية الهائلة و أمام اختيار الشخصيات الهامشية العميقة في أبعادها الدلالية و الإنسانية.دام لك الألق سيدي.
—————————————————
تعليق زهرة رميج على دراسة المبدعة فاطمة ناعوت،
المبدعة العزيزة فاطمة ناعوت،القراءات العاشقة دائما لها طعم فاكهة الجنة. ما كان لي قبل قراءة قصة : “آنيتا”، أن أقرأ هذه الدراسة الشيقة التي لامست أهم ما يميز كتابات المبدع كمال العيادي و يجهل القارئ يتجه نحوه كما نقول في المغرب” مغمض العينين” لأنه يعلم مسبقا أنه لن يعود خالي الوفاض.بساطة اللغة و عدم الإفراط في اساليب البيان و اللعب على التفاصيل الدقيقة و استغلال المخزون الثقافي من علم النفس و علم التنجيم و الملاحظة الدقيقة للواقع المعاش و المفارقات بين ثقافة الأنا و ثقافة الآخر، كلها ساهمت في خلق نص متميز شكلا و مضمونا. لكن العنصر الأساسي الذي زاد من توهج هذا النص هو السخرية السوداء و روح الدعابة العالية التي تمنح القارئ اكثر مما ينتظره من المتعة. فأنا شخصيا من أولئك الدين من الصعب إضحاكهم من الأعماق.و مع ذلك، استطاع نص آنيتا أن يجعلني أضحك حد الدموع و أنا أجلس وحيدة أمام الحاسوب، تماما مثلما يفعل الأطفال أمام الرسوم المتحركة! وصف مثير حقا لآنيتا و صديقتها.و لحالة السارد المسكين الذي رمى به قدره في اتون هذا الحب غير المتكافئ و حكم عليه حكما سيزيفيا،أن يظل يعذب نفسه للحفاظ على التوازن!دام لك و للعزيز كمال العيادي كل البهاء.
زهرة رميج
**

الأخ الجميل المبدع كمال العياد
ي
أنا سوف أزعل منك قليلا وسوف أقول لفاطمة (بلكي) ما تبعث الرواية لك- ذلك لأنك ستخصص لها الرف السادس فقط
وليس طاولة مكتب القراءة عندك
أي أنك لن تقرأها!
مو مشكلة
فاطمة لن تسمع كلامي وسوف ترسلها لك على كل حال، لأنها تؤمن أنك قارئ نهم.
سأدافع قليلا عني وعن فاطمة التي أهديتها البحر وكل اللون البني
فلم يصلك شيء منا ذلك لسبب بسيط وهو أن حبك الغامرضيع ميزان الجهة
وخلبط الجهات
هل أنت في ألمانيا أم في القلب؟!
اخوك حسين سليمان
**

أخي كمال العيادي
لن أرهق نفسي في البحث لنص” حميد ميتشكو” عن “ أفعل تفضيل” جديدة….لأقول لك: ياه ما أبهاه! مادام السؤال الذي يحيرني هو كيف تتدبر وقتك لتكتب بوتيرة فظيعة وأناقة أفظع؟!
شيء كهذا لن يقوم به سوى عبقري أو مجنون أو …
كمال العيادي! في كتابه”رحلة السلمون” وجد أمبرطو إيكو أنه - بعد خصم ساعات الأكل والنوم والعمل والكتابة والدروس ووو- من المستحيل عليه أن يقوم بما يقوم به أصلا … لكنه يقوم بالمستحيل….هكذا تفعل أنت… من غير كلل… بل وبفرح طفولي لا تخطئه القلوب… بودي لو أشاركك الاحتفال في لقائي سلا والرباط….لن أختار “ميتشكو” ….بل “باريسا ألسكندروفنا…”….ستزعجني حواشي الأصدقاء وتعقيباتهم على النص…..سأكون على سفر طوال هذا الأسبوع…وأملي ألا أخلف الوعد…..لأنه من المستحيل علي إنجاز دراسة عن هذه القصة الجميلة بعد طرح كل الالتزامات غير القابلة للتأجيل….محبتي
د. الحبيب الدائم ربي

**

أخي الحبيب الأديب الأديب كمال العيّادي….هنيئًا لك ولنا - يا صاحبي المصوّر الخلاّق - هذا الكائن العيّادي الوليد ” حميد ميتشكو ” يضاف إلى حديقتك العيادية المدهشة التي تضمّ إليها ما رسمت يراعتك، وشكّلت راحتاك من ذلك الصلصال المقدود من حمأ الحياة المسنون، فإذا هو آياتٌ خالداتٌ من روائع الفتون…
وكشأنك دائما تتجاوز بنا - في إنسانية سردك الحميم - الإطار الخارجي المخاتل للشخصية بها مشيتها، ورثاثتها، وبوهيميتها، ودمامتها أحيانا، وعاديّتها هذه التي لا يُؤبه لها، أو يُتوقف عندها، أو يُكترث بها عند الكثيرين….فإذا أنت تطّرح عنها قشورها، كاشفًا عنها غطاءَها، فإذا بَصَرُها، وبَصَرُكَ، وبَصَرُنَا بِهَا حديدٌ جديدٌ، وإذا أنت تتجاوز ذلك كله نافذا إلى أعمق الأعماق تسبُرُها، وتستبطنها، وتستنطقها، مُشكّلا لها فضاءات رحيبة بعيدة، تمنحها وجودها وأبعادها، وتنفخ فيها من روحك، فإذا هي حية تسعى ناطقة مبينةً، بيضاء من غير سوءٍ، وكأنها كانت مكتوبة بمدادٍ سرّيّ، فلمّا مسحتها براحتك الحانية إذا هي تسيلُ ألفةً، وتتدفق بياناً، وإذا العاديُّ إذ أصبح عياديًّا، صار مدهشًا، مثيرًا لجدل الرؤى والتصوّرات، ورحيب التأويلات، كأنه منبهم الأساطير، وملغز الأحاجي والطلّسْمات….وإذا ذلك الذي كانت تقتحمه العيون غير عابئة بشأنه، فينا منه، وفيه منّا، مع اختلاف في الأزياء والشارات وأشكال المعاطف والقبعات والرسوم والهموم، وأسماء الشوارع وأرقام الطوابق وأسماء الجارات والبارات والحارات….إيهٍ أخي الحبيب أجريت الدفء في عروقي وشرياناتي، وأنا الآن غارق في برد بيشة، أمامي ركام أوراق طلابي أصححه في الأدب والنقد والعروض، أصغي لجنونهم وهذياناتهم، وتشوهاتهم العقلية التي هي صورة من تشوهاتنا العقلية الكبيرة….رددتني أيها الجميل إلى الحياة الجميلة إلى حين….وحتى أفرغ مما بين يديّ من النقد والعروض لي مع صاحبنا حميد ميتشكو، بوجهيه المراوغين : ” حميد ” و” ميتشكو ” حديث يطول…..
محبتي وأصفى وداديللكبير العيادي
د. محمد جاهين بدوي
أبو شادي
**

الصديق العزيز كما العيادي
أشكر لك مشاعرك النبيلة تجاهي وتجاه رواية شات…
في الحقيقة يا صديقي فإنني اؤمن تماما بأن المستقبل هو لأدب الواقعية الرقمية عموما ، نحن نعيش فعلا في حضارة الصورة والمشهد واللقطة ن، وإذا تأملت في شبابنا اليوم فإنك ستجد أن علاقتهم الأساسية مع النص هي علاقة مشهدية، وتتنحى جانبا الطرق الأخرى للتواصل ، وهذا أمر خطير، وتغير هائل فرضه العصر الرقمي ، واذا لم يتنبه الأدباء والكتاب لهذه الحقيقة فإننا وما نكتب سنصبح خارج التاريخ.يقول بيل جيتس غن كل تراث لا تتم رقمنته سيصبح تراثا منسيا…أحتاج لجهودك معنا في الاتحاد لنؤسس لحركة ثقافية عربية جديدة تتسق مع روح العصرمحبتي دائماالمخلص
محمد سناجلة

**

الصديق العزيز كمال العيادي..
ككل الكائنات الليلية المدهشة في اختبار وجه الحياة الدفين العميق ..
المهيأ لفك طلاسم الحروف لن اتلو تعاويذ الانبعاث و لن اتحدث بكآبة وانا من تحمل شعارا: صباحات ومساءات جميلة رغم انف كل شيء
لكنني للحظة ما داهمني مساء اعمى . وقادني من يدي الى حافة الاحباط ..
نعم اقولها بصراحة .. فقد حاولت مد ذراعيّ لمبدعتين ولم اجد في حضني سوى الريح وبعض رقائق السحاب .. وهنا اراك تروح لانفاق تحت الارض الانساني .. لا بد من ذكر حقيقة اتساع صدرك وامتلاكك العمق الداخلي والديناميكي والهاديء في كبح جماح الاعاصير .. رغم صعوبة التقائها لكنك تتقن من المروج التقاط تكور الندى هذه من اعظم الخصال براي وابرز سمات ادب الادب ..
خطوة خطوتان في الهواء ام في الماء افي الخط ما بين الكلام والصمت ؟؟ لست وحيدا هاهو الليل يقولها وكل الصحاب ..احييك كمال انسانا ومبدعا وصاحب انفاس حرف وايضا وساكتفي باهدائك هذا النص : كنت قد نشرته قبل زمن ما في حال يشبه حالة رغبة استعادة الاحلام المفقودة ..http://www.arabiancreativity.com/parek.htm
ولك ولكن ولحميد ولمن اهديتهم وللقراء كل المحبة
بريهان
**

من السردوك الى حميد تركتني اعيش مع حميد والدغباجي
تحياتي لك
عبدالسلام زيان

**
المتألق دوما كمال العياد
يتبهرنا،تمتعنا،تأسرنا،تفتننا،تديبنا،تصهرنا،تهزنا،كتاباتك تطيح بنا في متاهات المتعة والجمالية
ما أروعك…..
مليكة نجيب

**

عزيزي كما
ل
منتهى الروعة و الدقة المتناهية في جميع التفاصيل
لم تترك شيء كأننا نعيش لحظة بلحظةكل مجريات الأحداث
دمت متألقا و مبدعا دائما و ابدا
تحياتي اليك
منى بنحدو

**

الكارثي القيرواني كمال العيادي؛ خيال جامح و تركيز طبيب جراح ورشاقة هدهد في حديقة السلطان…مثل هده النصوص تفعم القلب وتزيدني ايمانا بشهرزاد التي لا تموت فينا. دمت على هدا الايهاب ولك مني جنسية مواطن كوني
وحيد نورالدين

**

المستفحل فينا كما ل : عيني على حقائبي و ها صفير القطار… ما رأيك أيها الفاره في نص قصصي مشترك؟ فنا ن تشكيلي يعرض أعماله في قاعة أحدى العواصم العربية .امرأة بحجم جوعي العظيم تمضغ العلك و تجادل في ثمن لوحة. ملاحظات أنيس حول الجدران تنبعث حية صاخبة..وا اللا..وا اللا… وا لا تبيعونيش لبحال هاد الجنس القصيف….يهرب الفنان ولا يبيع .يهرب ومن شواهق البنايات ينبعث صوت المطرب الشعبي جدا جدا :وا قالت الناقة …وا لا تذبحوني أ العرب وا يا الجهالة ..وا يا قلوب النصرانية.
وحيد نورالدين

**

انت سارد كبيرونصوصك اتابعها في مجلة الحياة الثقافية وفي مواقع الشبكة العنكبوتية
تحية لك من مدينة اجدابيا وادعوك لزيارة موقع مجلة اجدابيا نت .
فتحي القابسي
**

المبدع الكبير كمال العيادي
- كنت ألبس معطفاً بقبعة مشدودة عند حواف الرقبة.- وهو يتلمض انكسار شفتيه.- طلب كأساً وهو يسوي وضع الكرسي المرتفع .- ومعطفه الأزرق الداكن .- ثم ينفض عن فخده غباراً لا يراه الآخرون.- وكل ذالك الإحتواء والإعتراء .- وصدق الصور والأشياء المنثورة في غرفة الغسيل ….- إنك تحظى يا عزيزي بحاسة سابعة إن شاء التعبير ، وحميد ميتشكو لم يعمق ظنونك ، بل هي في الأصل عميقة أوصلتك إلى معظم حقائق الأشياء .أنت مبدع كبير بالتجربة ، وناقد متميز، ومخرج سينمائي شهير بالقلم ، تراقب كل كبيرة وصغيرة في كتاباتك الإبداعية ، لا تترك فرصة لناقد أن يفتح محبرة مداده ، ولا لمخرج أن ينصّب - بقدرته الإستشعارية- آلته لإضافة صورة تعبيرية ، أو مشهد آخر للمشاهد..إن شروط الإبداع في نظري لا تتوفر بالصدفة ، وإنما بتراكمات التجربة الحياتية والحسّية ، والغربة في غالب الأحيان أفضل مدرسة للمبدع والإبداع..مودتي
عبد اللطيف التجكاني- تطوان-

**

المبدع كمال العيادي
يا أخي أنظر الى صورتك فتبدو شابا لي , أقرأ لك فأظن أنك ولدت قبل الحبيب بورقيبة .أين تجد هذه الشخصيات وكيف لك أن تشرحها نفسيا واجتماعيا وعقليا وتحرق جثثها وتنثر رمادها تارة في عيون الغربة فتنهض ذكرياتنا مع ليلك وتارة فوق غانجي الموت والولادة فنشعر معك بطعم الحياة الأخرى في فم الأزل ..
أنت مجرم ..بحب
إياد قحوش
**

كمال في صفائه الملائكي ..في كل مناسبة تعطيني يا أخي دروسا في النضج الروحي وفي ضرورة احتضان كل الرياح بنفس الصمود ونفس الحب ..لك مكاني في الجنة إن كنت ُ( أنا )من أهلها بعد حساب .. ولك كل الفصول وكل الورود ..وكامل العشق والمحبة بالرغم من أنفي ..…مليكة توأمك في التسارع إلى الغفران ..
مليكة مزان

**

الشاهق في المحبة كمال، لكأنك حسمت الحرب في رقعة ميتشكو.. جعلتني أتأهب.. أتيتني بدمي وهو يتسلق الجبل مثل تيس..قرأت لهم بعين شبه مغمضتين، وقرأت لك بعين فقدت توازنها..لقد أسعدني أخي أنيس حين راح يقيم لك في خيالي صروحا وأعلاما.. وأسعدتني لأنك وضعت للصرح ألوانا وأنفاسا وأحلاما وخيالات.... فيحق لي الآن أن أندفع خارج الساعات المائعة..يحق لي أن أحمل رأسي المنكفئ وأضعه على الطاولة لأرمم ما تبقى من وقته..يحق لي أن أسألك: هل هذا ال”ميتشكو” شمس تسعى، أم خيال يسمع نباحا مغسولا في نومه؟هل يلبس قبعة ويخبئ في صفائه أرقاما رابحة وعناوين تائهة ويأسا مغربيا وأعراسا وسماوات، أم يلبس خيالا ممتدا؟بربك.. من هو هذا ال”ميتشكو”؟إنني دائما أراه في “البيت، في الشارع، في الحافلة”..إنني أراه يحضن رأسه، في الليالي، بين ركبتيه..إنني أراه أكثر هدوءا وصفاء في الحدائق..وأكثرحيادا في الكوميساريات والمقاطعات..إنني أراه طفلا كما رأيته شيخا طيب الأعراق..إنني على الرمل يبحث للماء عن لون.. وللدمع عن معنى..إنني أراه، ولم أسمعه يوما يقول: “الفرح ليس مهنتي”..
سعيد منتسب

**

الرائع دوما كمال العيادي
من تكون أيها ال ” كمال ” ؟ يا من أدمن قراءة بوشكين و كل الرائعين من أرض لينين و ماركس ، من تكون أيها ” القيرواني البهي ؟ يا من هاجر بدءا إلى المسرح و غاص في عشقه حتى الألم و الألق أيضابرفقة أب الفنون لا أظنك كنت تفرح إلا بنصوص بيكيت و بريخت و سارتر و أرتو … لا أظنك إلا قادما من مسرح العبث و المسرح الفقير و المسرح الملحميقلبك النازف حبا و عمقا إنسانيا لن يكون مفتتنا قبلا إلا بالأسئلة الكبرى التي أثارها نيتشه و كل الألمان الرائعين ، أراك دوما تمقن الضفادع التي لا تجيد سوى النقيق كما كان يقول نيتشة و بالمقابل تهفو إلى إعادة الدفء إلى السوبرمان الميت فينا ، لن تكزن إلا نتشويا أتعبه الإنسان فبات يحلم بإنسان آخر و بعالم آخر يشع نقاء و بهاءلهذا تحلم و تحلم إلى أن يتحقق الحلم ، تفرح كثيرا بكل رقم قياسي تحطمه هذه الدروب ، بكل شمعة توقدها في عتمة الليل العربيمن تكون أيها القادم من القيروان ، يا من جرب كل فنون الشعر و النثر ، يا قادما إلينا من الركح الجميل ؟؟؟
في كل التعليقات التي تكتبها احتفاء و فرحا بكل الزميلات و الزملاء في دروبنا البهية أكتشف فيك شخصا آخر ، أنت المائة و ربما الألف في واحد ، رجاء لا تخف ، إنني لا أتهمك بالفصام ، بل أتهمك بالتعدد الباذخعندما تحل ضيفا كريما علينا بالمغرب سنرد لك صاع الحب و الوفاء أكثر من صاعين ، و سأفاجئك ببورتريه عنك ، يمكنك أن تعتبر مقدمة هذا التعليق جزءا منه ،لقد أخبرني الرائع أنيس بموعد قدومك ، و سنكون بإذن الله مستقبلين لك بغير قليل من الود و التقدير الذي أنت أهل له .أخي كمال العيادي ستظل رائعا في أعماقناو شكرا لك على هذا الحب الذي تغمرنا بهو شكرا لأنيس الرافعي لروعة و عجائبية إبداعاتهلك محبتي و احترامي
عبد الرحيم العطري
**

الصديق العزيز كمال العياديحميد ميتشكو نص بالع الابداع في مجال نحث البورتريه قرأته هنا لثاني مرة بعد مجلة المهاجر وجدته هنا محملا بدفء حياة وإن هي إلا شضايا من روح كمال العيادي حيث لامست المتعة التي يستسيغها البطل في طعم الحكي وهي متعة تتفوق على الانشغالات العادية لتتحول بين يدي الكاتب إلى الاحساس بالقضايا الانسانية الكبرى
كنت كما أنت دائما جميلا ،رائعا ومبدعا
عبد النور إدريس
**

الغالي عبد النورما المانع من ان تاتي للامسية بسلا يوم11؟مرحبا بك يا رجل في اهم حدثين تاريخيين11سبتمبر و11 العياديالعيادي ليس اقطاعية خاصةالعيادي ملك لكل احبته واصدقائه وعشاقه وعشيقاته
اتصل بي لنبرمجك ايها الصديق الغالي
ومرحبا مرة اخرى069573199
انيس الرافعي
**

الرائع كمال العيادي
أحببت هذا النص، وأعدت قراءته، ليس بسبب أسلوبك المتميز أو لغتك الأنيقة، ولكن لعمق إحساسك الإنساني بالآخر..النص فيه فلتات كثيرة من ذاتك، من نبلك وشياطينك..لكن أهم ما فيه ذلك الفتى التونسي القيرواني الذي تتقاذفه الحياة هنا وهناك وخلال هذا التدافع نحتك بذوات وحيوات أخرى تعيش نفس التدافع لنجد أنفسنا وجها لوجه أمام شخصية حميد ميتشكو..هذه الشخصية التي ستظل محفورة بالذاكرة طويلا لصدق معاناتها وتمزقاتها وغربتها..
سعيد بتوجيه هذه الركلة الحانية لنصك البادخ.
أحمد الكبيري

**

العزيز كمال العيادي
ثمة اكثر من ميتشكو في هذه الخزانة من الافكار والشخصيات متعتنا بحميدك هذا وذكرتني بالشاعر الصعلوك جان دمو العراقي. ثمة روح واحدة تحصد من هؤلاء التائهين والعارفين بنهايات الدروب أيضا أحببت هذه الشخصية كثيرا واحضرت فينا ذكريات صعلكة بغداد حبي لميتشكو لكنه عاش بالطول والعرض فقط..
د. رياض الأسدي - 1 -

**

العزيز كمال العيادي
أمتعتني بحميدك هذا إنه يشبه شاعر صعلوك عراقي مهم أسمه جان مو. مات جان دمو وكانت سيرته أهمّ من شعره غالبا. هم ارواح تحصدها ماكنة واحدة . من هذه النصوص يمكن ان تتسرب فداحة العالم وخواءه. من الصعب نسيان ميتشويك هذا مثلما كان من الصعب تناسي جان دمو الذي نضدت عنه رواية .. تحياتي لكلّ ما تبدعه
د. رياض الأسدي - 2 -

**
العزيز كمال العيادي امتعتنا بحميدك هذا .. يذكرني بشاعر عراقي صعلوك أسمه جان دمو.. جميعا من هذا الطراز تحصدهم ماكنة واحدة لنكتشف بعد لأي فداحة العالم.. احببت حميد ميتشكو لأنني تعافيت من الصعلكة في وقت متاخر نسبيا حبي لما تبدع
د. رياض الأسدي - 3 -

**

نص يقدم لنا شخصية من شخصيات الغربة بكافة معاناتها ويقول لنا ان الهجرة من الفقر الى الفقر او من الحرية الى الحرية او من 1 الى 1 هي مراوحة في المكان لاجديد فيها .. هذا النص بعيد عن الصورة النمطية التي قدمتها لنا عدة كتابات حول علاقة الشرق بالغرب او الجنوب بالشمال .. فالهجرة الحقيقية من وجهة نظري هي التي تنقلك من حالة إلى آخرى بغض النظر عن سلبية أو ايجابية هذه الحالة .. فالهجرة بالنسبة لى هى الانتقال والتغيير من الراهن إلى شيء جديد .. وهذا النص طرق بعض هذه الأشياء ونجح في تقديم شخصية حميد ميتشكو هذا الوطن المقاوم المدمن على مقاومة الأمراض . مزيدا من الابداع ويوجد رابط به رسالة منك
http://www.ajdabya.com
محمد الأصفر
**

المبدع كمال العيادي:سأفعل وأبعث لك نصا جديدا، ولكن قبلا نحن ننتظرك كثيرا رغبة منا في معرفة هذا المشاكس الذي يتجول في كل الدروب، وسنتحدث كثيرا، فأنا أدخلر لك صناديق من الكلام، مرحبا بك في المغرب.قرأت تعليقك بشأن نص الكبيري، ولم أفهم في الحقيقة فيم نختلف أنا وأنت؟ لأنني لم أفهم مسألة التقطع والتقطيع التي ذكرت؟أحتاج بعض التوضيح، وسأعود فيما بعد لقراءة نصك أيضا لأنني ما زلت لم أقرأه ويبدو أن عالما من التعاليق الجميلة سبقتني إلى ذلك.العزيز كمال العيادي، سنراك عما قريب وستتدفأ بوجودك معنا، هذا أكيد، مع مودتي.
لطيفة لبصير.

**

العزيز كمال العيادي
هذه المرة لن أرد عليك، فقط أقول لك بأني سأشاهد مبارة تونس ضد جنوب إفريقيا، وسأشجع الخضراء بكل الحب الذي أكنه لبلدي. مستحضرا روح شقيقي القيرواني.. صدقني سوف ننتصر.
دمت أهل العزة والفخر.
أحمد الكبيري
**

المبدع كمال العيادي،
كم هو مؤلم هذا النص!
شخصية غاية في الألم والعذاب والهم وغاية في الاصرار على مواصلة الحياة مع الأمل والبحث عن أدنى شئ يجلب قليلا من السعادة.
شخصياتك غنية بالمحتوى الانساني محشودة بالملاحظة الشاعرية الدقيقة.
كم مرة ظننا حميدا مات ولكنه كان الموت أقل خطرا مما هو فيه.
هل للكاتب الحق في صنع شخصية في مثل هذا العذاب؟ حرام يا كمال!
فاضل التركي
**

الصديق الحبيب كمال العيادي
انتظر عقابي العسير في المغرب عندما سافكك قصصك الطاعنة في الوجوه والاقنعة. اما عن سورة العيادي التي اهديتني اياها فمحبتي لك ستدفعني بالتاكيد لان ابتكر لك قرانا كاملا حتى اكون جديرا بقامتك المتلفعة بالثلج والنساء والبجع والكلاب الكافكاوية.اليك عنوان قراءتي العاشقة(الوجه والقناع في قصص كمال العيادي)ارجوك كلما سكرت اتصل بياتصل بي لانني لا انام و لانك تكون رائعا رائعا مثل ملاك خرج لتوه من مصحة للامراض العقلية.
انيس الرافعي
**

الخميس، يناير 26، 2006

حنان علي كابو تحاور الكاتب الليبي محمد الأصفر


نقلاً عن أجدابيا ـ نت
ـــ(اللهث وراء الاختلاف يلقي الكاتب في هوة التصنع ! )
ـــ يقول الشاعر مظفر النواب: قليل من الناس من يترك في كل شيء مذاقا ، والكاتب الليبي محمد الأصفر ينساق وراء الكلمات بأسلوبه البسيط ، المفعم بتلقائية فطرته ، يلتقط ببراعة اللحظات الصغيرة الفالتة من الحياة ، يكتب كما يعيش ، لامبالٍ بالتداعيات الناتجة عن نشر النص .. يميل في كتاباته إلي الواقعية النقدية ، يلج الأبعاد الاجتماعية ذات اللمسات الساخرة التي تزيد من حدة الانتقادات.
ومحمد الأصفر القادم من مواليد الخمس بدأ الكتابة في اواخر التسعينات وكانت الانطلاقة من مدينة درنة. صدر له : حجر الرشيد المداسة ، تقودني نجمة ، نواح الريق ، شرمولة و سرة الكون .
هنا حوار معه :
نهاية الاحتمالات
ـــــــــــــــــــــــ تقول الكاتبة أحلام مستغانمي ( إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير وننتهي من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئا علي حياتنا ) بينما تقول أنت ( أنا لا أقول شيئا من خلال نصوصي ). فلماذا يكتب محمد الأصفر اذن ؟
مقولة الكاتبة أحلام مستغانمي القائلة بقتل الأبطال والانتهاء من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئا علي حياتنا ناجمة عن عقدة مع الرجل خاصة الموهوب .. أنا عكسها دائما .. في رواياتي أتسلّي بقتل البطلات .. ليس لأنهن عبء عليّ !! فكلهن دمهن خفيف لكن لأن وجودهن في النص أكثر يسبب الملل .!! بالنسبة للشطر الثاني من السؤال تقول أنا لا أقول شيئا من خلال نصوصي فلماذا يكتب الأصفر إذن ؟ لا أدري لماذا اكتب ؟ لكن لا اكتب لأقتل الأبطال .. أبطالي أجدهم هامشيين فابرز حياتهم الجديرة بالاحترام . الأبطال في نصوصي لا اقتلهم لكن البطلات دائما مصيرهن الموت الجسدي أو المعنوي أو الموت المفتوح أي اترك نهايتها قابلة لكل الاحتمالات وأي احتمال يولد في ذهن القارئ هو وجود منقاد إلي مرفأ أي إلي النهاية . لا أدري لماذا اكتب ولم أفكر في هذه اللماذا ؟ في كتابتي لا أجيب عن أسئلة لذلك اكتب دون التعرض لمسائل واجب علي حلها .. اركل الكرة في أي اتجاه .. الجغرافيا ملعب شاسع لامتناه كلما اشعر برغبة في الكتابة اكتب حتي الشبع .. حتي النعاس والنوم .. أحلامي كتابة تستيقظ صباحا علي ورق جديد وبالطبع لا أقول شيئا من خلال نصوصي فالنصوص القائلة هي نصوص تقريرية نصوص تنظير ومنابر لا علاقة لها بالأدب وجوهره الشفاف الهفهاف كلما زادت مساحة السكون والصمت في النص تسامت قيمته وجلت بؤرة المعني فيه .. الحقيقة أني اكتب ولا أقول فالقول تركته للنقاد وللكتاب الساعين للمجد والتميّـز. النص اكتبه بسيطا سطحيا واضحا يلمسه الأعمي ويراه البصير.. القارئ لا أقول له شيئا لا أمارس علي ذائقته أي دكتاتورية بلاغية أو إبداعية لا ألف حول خطمه أي لجام أجرجره به أشركه في النص بإثارة عدة أسئلة لا إجابة جاهزة لها . الإجابة موت محقق ابعد عنه القارئ ما قدرت كل الإجابات في هذا العالم أثبتت فشلها. الفن والأدب والإبداع بصفة عامة شيء نسبي لا ثبات له ولا رسوخ .. الإبداع هو الثورة هو الهيجان المستمر والفوران الذي لا يتبخر ولا ينتج إلا ملح المجاز.
شرارة البدء
ـــــــــــــــــــــــــــ كتبت النص الشعري وضمنته في رواياتك لماذا لم نر محمد الأصفر كشاعر؟
اعتقد أنني شاعر ولو لم أكن شاعرا ما كتبت ست روايات في زمن قصير حوالي ثلاث سنوات . الشعر لديّ لا تحتويه الكلمات لو تتبعت أحداث أي رواية من رواياتي لرأيت قصيدة حيّة تلبس كساء الكلمات وتتجول في النص عبر عدّة هيئات .. في الرواية تجدين نصا نثريا قصة قصيرة مسرحية أمثالا وحكما وملحا استطلاعا أغاني رياضة برنامجا وثائقيا كل هذه الأشياء المبثوثة في رواياتي هي قصيدة شعرية مفككة تجمع كلماتها مغناطيسات الذائقة المتسامحة المرحبة بالجديد. بدأت الكتابة كشاعر ومعظم قصائد النثر الموجودة الآن في رواياتي كتبتها عام 1999م و2000م وتم استهجانها آنذاك لأنني غير معروف ونشرتها منفصلة ولم أضعها في سياقها الحقيقي داخل متن الرواية .. القصيدة وعاء متسع يحلق فيه المبدع في فضاءات واسعة والقصيدة بالنسبة لي ليست هي الشعر.. التفعيلة أو العمودي أو النثر.. القصيدة لدي هي حالة كتابة أسكبها علي الورق ولتتشكل في أي صورة شاءت .. ديدني الانسياق وراء الكلمات لأجد نفسي في السرد وليس معني ذلك أنني أهملت الشعر فكل نص اكتبه أبدأه بقصيدة ومن القصيدة انطلق في متاهات الإبداع .. عندما انتهي من النص أحرّك مكان القصيدة بأن اجعلها في منتصف النص أو في نهايته .الشعر في أغلب الأحيان شرارة البدء وأعظم قصيدة قيلت حتي الآن هي كلمة كن .
نسيج الرواية
ـــــــــــــــــــــ قلت في حوار سابق تظل القصة هي الأقوي بما فيها من تفاصيل صغيرة قصيرة ولحظات وامضة لماذا اتجهت إلي الرواية إذن ؟
مازلت اكتب القصة اكتبها وازرعها داخل نسيج الرواية .. الرواية الحديثة مجموعة لوحات أو مجموعة قصص ظاهريا منفصلة عن بعضها وداخليا متشابكة جدا .. الرواية معناها أن تحكي وأنا أحكي حسب مزاجي وليس حسب تنظيرات النقاد .. عندما انتهي من الكتابة اكتب تحته محمد الأصفر فقط ولا أجنس العمل .. دور النشر هي من تفعل ذلك وأنا لا أعترض ما يهمني هو مادة العمل وليس اسمه .. المادة جوهر خالد .. أصل .. الاسم شيء مستحدث قابل للتغيّر والتلون والإلغاء. رواية شرمولة مثلا تتكون من عدة لوحات تجدين فيها القصة مثل قصة المطرب الشعبي عبد الجليل عبد القادر، تجدين فيها المقالة الحوار الصحافي أدب الرحلات الخواطر الانسانية والوجدانية .. من يكتب القصة يمكنه أن يتحول إلي كتابة الرواية والمستحيل العكس . وتظل القصة بالنسبة للرواية مثل الشعر بالنسبة للنثر.. القصة القصيرة تلتقط بواسطتها اللحظات الصغيرة الفالتة من الحياة والتي يمكن للرواية أن تضطلع بها دون التورط في فخ الإطناب ومهما كتبت من روايات فسأظل كاتب قصة.
. قصة تـُروَي تداعيات النص
ــــــــــــــــــــــــــــ أنت متهم في نصك بأنك تكتب طبق الأصل سيرتك اليومية في الشوارع والبيت والعمل ماذا تقول ؟
اعترف بذلك فأنا تلقائي وصادق إلي ابعد حد اكتب ما يحدث لي في البيت في الشارع في الأحلام في الخيال ، أسجل كل شاردة وواردة ، اكتب تقارير عن نفسي . من يخالطني أش ِ به إلي نفسي قد تدفنه نفسي في سجن الكراهية أو تزرعه في نبض الحب . ليس لديّ جرس إنذار ما أفكر فيه اكتبه. لا أسعي أن تكون كتاباتي جيدة وموافقة للنظريات النقدية والأدبية التي أحترمها.. مقياسي الوحيد هو القارئ العادي غير المتخصص إن أعجبه النص شعرت بالارتياح للحظة أبدية .. الانصياع للنظريات النقدية معناه الوصول إلي النجاح والتجويد والرقي ومشكلتي أنني لا أحب هذه الأشياء .. أعشق الهبوط .. الهبوط إلي أسفل سافلين ...الخ وفلسفتي هي عشق الفشل .. الفشل حكمة كبيرة ولحظة صدق نعيشها دائما ولا نعترف بها .. الفشل دائما يهمني .. فلا أكتب أي شيء كامل النجاح .. النجاح والجوائز لا تهمني أيضا .. الأصدقاء لا يهمونني بل لدي كثير من الأصدقاء أود لو أتخلص منهم .. هذا الاتهام لا أنكره اكتب كما أعيش وهذا شيء صعب جدا أن تخلق من حياتك وحياة من حولك أدبا .. هو ضرب من العذاب .. هذا الأمر غير متاح لكل كاتب .. يحتاج إلي موهبة مشتعلة وجرعة صدق كمحيط وقراءة مستمرة ومعاناة وتضحيات بكل شيء ونسيان وتحرر من كافة الظروف الاجتماعية ولامبالاة بالتداعيات الناتجة عن نشر النص .. الكتابة بهذه الطريقة ليست متاحة للجميع .. أغلب الكتاب يتحدثون عن الآخر وما أصعب أن نتحدث عن أنفسنا ولو بالكذب .
ضوء غير مرغوب فيه
ـــــــــــــــــــــــ هل كانت القصة القصيرة بالنسبة لك مجرد تدريب علي الرواية ؟
أنا لا أحب التدريب .. اكتب دون مسودات .. دون شطب أو تنقيح .. كتبت القصة .. ومن القصة وجدت نفسي اكتب رواية .. الكاتبة ليلي النيهوم قالت لي : لديك إمكانيات كتابة الرواية .. كتبت فصولا من رواية المداسة ومن المداسة بدأت أدوس ما أمامي والذي أتي به القدر خلفي أرفسه بشدة .التنوع والغزارة في الكتابة في أكثر من حقل ابداعي هي من الأمور اللافتة في تجربتك .. كيف تجد الوقت لمقاربة كل هذه الأمور؟؟ الوقت هو الذي يجدني .. تعيش في داخلي حالة الكتابة .. أنا كاتب مخلص لهذا الهم .. لا يهمني شيء في هذا العالم سوي القراءة والكتابة .. اكتب في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي ظروف .. كل العالم اشعر أنه مخلوق من اجل كتابتي .. أسافر إلي مدينة صحبة زوجتي من اجل كتابة بضعة سطور.. قد امكث شهرا أو أكثر لا أفكر في المال أو الأكل أو السكن .. كل مدينة لي بها أصدقاء وان لم أجد أصدقاء اصنع أصدقاء جددا .. لا أتقيّد بالشكل في الكتابة أو الموضوع. اكتب ما اشعر به .. أي نص يستهويني أضعه في الرواية .. قد يكون له علاقة بالموضوع وان لم يكن له علاقة علقته عنوة .. النصوص الجميلة دائما تحب العنوة .. اصنع له علاقة متينة أو هشة لا يهم .. الكتابة لدي حالة عشق أو فلنقل حالة مرض لا أريد لها الشفاء .. كل من يقدم لي ترياقا أراه سما فلا أتذوقه .. أنا كيميائي نفسي وحكيمها الأوحد.
مطية الرحيل
ــــــــــــــــــــــــــ نصك يتأرجح بين المغرب وتايلاند وليبيا والصين وتركيا فأي مدينة تسكنك ؟؟
الصين لا أحبها لأن أناسها تبصق علي الأرض وأنا أحب الناس التي تبصق علي الوجوه .. المدينة التي ارتاح لها هي مطيّة الرحيل .. حالة السفر الدائم .. ليس هناك مدينة بالمفهوم العمراني تسكنني .. ما يسكنني هو نفضة أحاسيس واتساعة مدي وخليط من الابتسامات والإشراقات المبهرة بملح بنغازي وطين مراكش ورذاذ بانكوك الملوث. المدينة التي تسكنني لا أتناول منها أجرة اتركها تسكنني مجانا مثل الزهور الدائمة في قلبي.. أغذيها بالأمان والحرية والجنون .. مدينتي هي الحرية الجمال الصمت ووطني هو حبر الحقيقة . هذه الأشياء أجد نتفا منها في بنغازي رباية الذايح وفي مراكش الحمراء وفي بانكوك مدينة الشمس المشرقة والابتسامة الدائمة أجد نتفا ضئيلة يستحيل جمعها في مدينة واحدة فالإسفنجة المثل ما زالت تتملص من أخاديد أصابعي وتندلق قريبا مني رواية مجنونة كغرور الخيال .
الاختلاف والتميز
ـــــــــــــــــــــــــ نقديا أنت مهتم بالمضمون أكثر من الشكل ماذا تقول؟
اجل اهتم بالجوهر إن وجد .. لكن الجوهر أتناوله من خلال السطح .. تري كتابتي سطحية بسيطة ساذجة . انسان يحكي أو يتكلم .. يعيد ما قاله في المرة السابقة .. يكرر الشيء مرات ومرات .. مفردات متوالية .. البعض يري السطح والبعض يري العمق من خلال هذا السطح .. السطح باب العمق وكل الأعماق المعروفة حتي الآن لها أبواب .. الجوهر والمضمون موجود في كتاباتي جميعها .. أري قلوب الناس ولا أري ملابسهم اسمع نبضاتهم ولا اسمع جعجعاتهم أنا اكتب كلمات عادية تتحدث عني أو عن أي شيء مثلا :ولد يستيقظ صباحا يتلفع بمنشفته رائدا دورة المياهأمه تستوقفه قائلة : الماء متوقف منذ الليل ولم اتوضأ إلا بقطرات الماء التي ينقطها ايركونديشن جارنا .في الكتابة لا أسعي إلي شكل جديد يميّزني اكتب ببساطة وتلقائية مفرطة.. أترك الخراب ينهال حيث أراد .. الشكل الذي يولد معي لا أجهضه .. اتركه يعيش .. الكتابة شيء بسيط .. لا تعقيد فيه .. اللهث وراء الاختلاف يرمي بك في جب الاصطناع أكثر.. المتشاعرون والمتقعرون والمتحدّبون أيضا هم كتاب ينشدون الاختلاف .. الاختلاف والتميّز يأتيان هكذا تلقائيا .. ابتسموا كما الأطفال ولا تمسحوا لعابكم .. اتركوا عرقكم يلعب علي الخدود ويسقيها ألقا .. الكتابة تحتاج إلي موهبة ومن لا يملك الموهبة فلا يتعب نفسه .. عليه أن يبحث عن موهبته في مجال آخر وما أكثرها في هذه الحياة . بالنسبة لي بحثت عن موهبتي في عدة مجالات، التدريس التجارة الرياضة الفن .. كل تلك المجالات فشلت فيها والآن سأفشل في الكتابة أيضا لأقفل دائرة الحظ بأوتار اللعنة .
ـ القدس العربي ـ بنغازي شتاء 2005 م

ذيل العصفورة


بقلم محمد الأصفر
نقلاً عن دروب
محمد الأصفر يجبرك ، متى قرأت له للمرأة الأولى، أن تدمن قراءته، وأن تفتّش عن أعماله بلهفة عاشق، واشتياق أم، وها نحن ننشر له ما أبدع قلمه من كلمات تتعملق في زمن يعاني من أقزام الحرف.
لا استطيع أن أرى أمي .. صهري قبض عليه منذ أيام .. وجاء البوليس لـتـفـتـيش بيتها والذي أقيم في شقة فوقه .. اقتحموها .. سألوا عني .. أجابهم الغبار : إنه لا يقيم هنا .. منذ شهور ترك الشقة ليقيم في غرفة ضيقة ببيت شباب شحات.التقيت بقريب لي .. أخبرني أنهم يبحثون عني .. ومكعب البيت مرصود من جميع الجهات .. قلت له : لكن أريد رؤية أمي .. منذ شهور لم أرها .. أشتاقها بشدة .. في شحات أحلم بها دائما .. قال لي : ارجوك أن تختفي هذه المدة .
وكيف لي أن أختفي وأنا الآن في بنغازي ؟! .. أذرع شوارعها .. اتسكع في ميدان سوق الحشيش والفندق البلدي وسيدي حسين .. زرت مبنى البريد ومقهى تيكا .. شاهدت مباراة البرتغال واسبانيا في مقهى لبدة المقابل للحرس البلدي .. دخلت أمانة الإعلام والثقافة .. مررت من أمام الإذاعة ومحكمة الشعب والمثابة .. لم يقبض عليّ .. مررت أيضا من أمام مبنى البحث الجنائي ولم يحدث شيء .. لم أرَ أي عنصر بوليس ركّز بصره في وجهي .. اعتقد أنّ حبيبتي بنغازي تـُـلْبِسُني قبعة الإخفاء .. وترشرشني بملح كركورة المبارك وتغني لي :
يا محنـّـي ذيل العصفورة …. عليك ملايح كركورة
عندما أخبرني قريبي – وهو في الحقيقة ابني الصغير أيوب ! – لم ارتجف .. ولم تـتصاعد دقات قلبي .. ولم أهرع إلى أقرب بيت خلاء .. بل لم أشعر بذرة ضيق أو قلق .. عندما أخبرني بكلمات واجفة طمأنته بابتسامة وربتُّ على كتفه وأتممت معه شغلي .. ركبنا حافلة من حي المحيشي حيث أقيم ويبحثون عني إلى الفندق البلدي .. كان ابني يحكي لي في الحافلة قصة تفتيش بيت جدّته وشقتي .. كنت أنبهه بنظرة تحذير وعضّة شفاه سفلية أنْ يخفض صوته وينتبه .. ونزلنا قبل المحطة الأخيرة تضليلا لآذان بصاصي الحافلة .. ذهبنا جنوبا إلى سوق الحديقة .. اشتريت له التلفاز الصغير الذي وعدته به منذ شهور ومعه مجموعة أقــراص C D عليها مغامرات سندباد ورسوم متحركة ثم اكتريت له سيارة أجرة وشيعته بنظرة ود .
قال لي : اخـتـفِ يا أبي .. عُـدْ إلى غرفتك في شحات ولا تأتِ إلى البيت في بنغازي .. لا تنشغل علينا .. سنتدبر أمورنا .. معنا الله .. اختفِ يا أبي .. لقد أتوا إلينا بعد التفتيش عدة مرات .. وكل صباح وأنا أحضر الخبز من الفرن أجد سيارتهم رابضة في بداية شارعنا .. أعرف أنك برىء .. جدتي قالت لنا : أبوكم مش داير شيء .. كذلك قالوا الجيران .. لكن أرجوك .. ابتعد .. ابتعد من هنا .. وغادرتْ به سيارة الأجرة وأنا واقف مكاني ألوّح لالتفاتة الصغير الوديعة إلى الوراء ..
وماذا أفعل الآن ؟ .. صدقوني لم أشعر بالخوف .. يحدث معي هذا دائما .. منذ عقدين وهذه حالتي .. قلق أبدي .. رحيل دائم .. بيت ملعون لم أنعم فيه بالهناء يوما .. حتى ليالي عرسي امتلأت بالكوابيس .. حقا لم أشعر الآن بالخوف .. ولم ينتابني الارتجاف .. ولم أهرع إلى أي مرحاض .. فقط ضرطت بقوة .. وواصلت مسيري شمالا إلى سوق الفندق البلدي .. خضت في الزحام .. أتمتع بألوان الخضر والفاكهة والتمور والبقول والمحمصات .. أتشمم رائحة البهار والنعناع والكسبر والبطيخ .. استمع لصياح الباعة : معدنوس .. جرجير .. طماطم .. فلفل .. فجل .. بصل .. ثوم .. لفت .. كرنب .. خيار .. بطاطس .. جزر .. كوسة .. باميا .. دلاع .. بطيخ .. خوخ .. باذنجان اسود وأبيض .. فـقوص غليظ .. الخ ..
وعند باب الخروج لا أتمالك نفسي واتقرفص أمام عجوز تبيع الوشق والجاوي والفاسوخ والحلتيت .. كانت أمي دائما تشتري منها مستلزماتها العطرية .. أسألها عن أمي وتغلبني الدموع فتناولني منديلا أخرجته دافئا من ردنها .. رائحته مسك وعمبر وقرنفل وريحان ومحلب .. كفكفت به وخرجت من السوق .. اتجهت غربا وتجاوزت حديقة ضريح عمر المختار المهدوم .. وفي منتصف شارع عمرو بن العاص توقفت عند حلواني بوعشرين .. اشتريت منه طربوش جيلاتي بالمكسرات أبرّد به صهد عمري وواصلت صعودي في الشارع العتيق .. الدكاكين يميني .. قنصلية الطليان يساري .. بلاط الرصيف متخلخل تحتي .. والسماء صافية فوقي .. و لساني يلحس حلاوة الجيلاتي ويغني .. ورأسي تفكر كيف تـتسلل إلى حضن أمي .. وعند نهاية ابن العاص نضب الجيلاتي من طربوش البسكويت فرميته فورا جنب شجرة الميدان المجـتـثة وانعطفت بشدة يسارا حيث شارع الزعيم الخالد جمال عبدالناصر المتجه صوب الجنوب فقط
.

الأربعاء، يناير 25، 2006

حميد ميتشكو

بقلم كمال العيادي

نقلاً عن دروب
إلى آسية السخيري … إلى مليكة مزان…وإلى حميد في عيد ميد ميلاده …
اعتدت أن أشدّ جرس الباب بتلك العمارة الحمراء بشارع, آمالين بشفابينغ، ولم يكن ذلك فقط لمجرّد الرغبة في إكمال عقب السيجارة التي أشعلها حال خروجي من الباب الشرقيّ للمترو البرتقالي، قبل دخولي معرض الرسوم التكويريّة الشاذة، ذلك الذي يتوسّط عمارات الممرّ، ولكن أيضا لشعور ثقيل يركبني، بأنّ حميد ميتشكو الذي يسكن غرفة الغسيل بآخر طابق فيها، قد مات منذ يومين.
وبالرّغم من أنّ حميد لا يجيب ولا يفتح الباب إطلاقا لحدس يخونه دائما، بأنّ الطّارق مبعوث رسميّ من صاحب المبنى لإخراجه قسرا، فإنني كنت أعلم تماما، بأنّه هناك، وبأنّ أنفاسه المثقّلة بأوجاع الظهر وديون ليلة أمس تطنّ عند الزّاوية العليا للنّافذة الوحيدة والمغلقة دائما، محاولة الاختلاط بالهواء النّقيّ هناك، حيث لا يفصلها عن السماء الأولى غير بلّور يوغسلافي مصقول.
وحميد ميتشكو لا يموت. ذلك أنّه لا يستسلم لكلّ تلك الأمراض الغريبة التي تستوطنه، والتي اكتفت بالإعلان عن شراستها وجدّيتها، بتهدّل خطير في كتفيه، وعوج في تقاسيم وجهه وقدمه اليسرى. كنوع من المصالحة, لحفظ ماء الوجه، استغله هوّ بدوره للحصول على بطاقة عجز معتبرة، تمكّنه من ركوب وسائل النّقل العموميّ مجانا، ويبيعها كلّ ليلة في أحلامه الغريبة، لأصحاب السيّارات الفارهة، أولئك الذين يتذمّرون من خلوّ شارع شيلينغ وكلّ أرصفة منطقة شفابينغ من مأوى السيّارات. ولأوّل مرّة اعتراني شعور غامض، بأن شيئا ما حدث لحميد. ذلك أنّني رأيت علامات مبهمة، البارحة مثلا، رأيت يوشكا، كلب جارتنا العجوز مدام – زولا – وهو يقفز في الهواء محاولا نهش كائنات لم توجد في يوم من الأيّام. هناك أيضا خارقة أخرى حدثت ولم تثر انتباه أحد، تتمثّل في اختفاء مفاجئ لكلّ أشجار النواقيس من شارع – باخ-. اختفت هكذا بدون مقدّمات, بدون سبب مقنع, ودون أن تترك آثارا تؤكد تعرّضها للقلع أو دونه.
ثمّ تفاصيل صغيرة أخرى، أقلّها كلّ تلك الخرائط الرسميّة الضخمة، التي تتكدّس منذ أشهر عند أسوار المعاهد الثّانويّة، رغبة في التخلّص منها، بعد قرارات وزاريّة ثابتة، تؤكّد بما لا يدعو للشكّ أو المراجعة، بأن حدود العالم تغيّرت بشكل جذري، بحيث لا يمكن الاستمرار في خداع التلاميذ بتعديل حدود روسيا الجديدة فقط عن طريق إضافة تقاطعات ملتوية بقلم العناوين الأسود، حتى تبدو كآثار حلا زين غمست في الحبر، ولكن برسوم وقتيّة جديدة تأخذ في الاعتبار كلّ البلدان النابتة حديثا بالكتلة الشرقيّة سابقا. ثمّ بدرجة أقلّ منطقة الخليج التي يمكن تعديلها لاحقا بسهولة، بعد الإعلان الرسمي للنوايا الأمريكية الطيّبة والمصالح الآسيوأوروبيّة العادلة.
وحميد ميتشكو نفسه عمّق ظنونيّ, حين أعلن لأحد الأصدقاء منذ مدّة بأنّه يرغب في الزواج ثانيّة. وكأنّه تزوج قبل ذلك مرّة أولى، رغم الصور الكثيرة التي يصرّ على إخراجها من الغلاف البلاستيكي بجيب معطفه الدّاخلي الدّاكن والتي تشير بشكل حاسم ومؤثر بأنّه تزوّج فعلا خلال الخمس سنوات الأخيرة, وأنجب بنتا لم يشكّ أحد يوما أنّه يحبّها بطريقة بدأت مضحكة في البداية وانتهت منذ مدّة إلى حنين هادئ ومرّ. يشيح عنه متعمّدا وهو يغمس إبهامه في الكأس المنتصفة و يتعمّد هيئة مضحكة من العزم والجدّ في طرح مواضيع شخصيّة جدّا عبر حكايات الطلاق وطلب النفقة عن زواج دام ليلة وصباحين.
بحثت عنه كالمحموم, رغم أنّه يحدث فعلا أنني كنت لا ألتقية لسنوات طويلة، مكتفيا بتتبّع أخباره من بعيد، وشادا الجرس بين الحين والحين. ذهبت إلى مقهى- الأنسويفايتا- حيث اعتاد أن يطبخ أحيانا، متّفقا مع صاحب المقهى على مبلغ بسيط يضمن ليلة بدون ديون ثقيلة لا يسددها في كلّ الأحوال، مطالبا مسبقا بثمن الخضار واللّحم، وهو يضمر التحايل في تقدير تكاليف المشتريات الضروريّة. إنّهم يكسبون كثيرا, كان يردد بمرارة.
عرفت حميد ميتشكو منذ الأسبوع الأول ّلحلولي بهذا البلد. كنت ألبس معطفا بقبّعة مشدودة عند حواف الرّقبة, وأحفظ الكثير من القصائد الروسيّة والعربيّة. وكنت أكتشف طعم البيرة البيضاء بمتعة حقيقيّة, رغم أنّ جيبي كان دائما شبه فارغ إلاّ من وثائق وأرقام هاتف لأشخاص لم يتّسع الوقت لكتابة أسماء أصحابها, فكنت أحتفظ بالأرقام خوفا من أن يكون بينها رقما مهمّا, قد أحتاجه يوما ما. كنت يومها على موعد مع كاتب من مدينتي. وكان ذلك عند البار الخشبيّ الأسود بمقهى – التيركن هوف -. كنت أحدّث جليسي بحماسة, كعادتي حين دخل حميد ميتشكو. متدلّق بكتفه إلى الأمام, وهو يتلمّظ انكسار شفتيه, ناشرا في كلّ تضاريس وجهه مرارة مزمنة لا أمل في التخلّص منها في أيّ وقت من الأوقات. مرارة لازمة أبديّة, وشعرت يومها بأنني سأحبّ هذا المفلس أبدا. وذلك ما حدث. حيّاه جليسي ببرود وقدّمه لي وهو يهمّ بالذّهاب إلى المرحاض الخلفيّ.
قال: -” ميتشكو. دكتور ميتشكو. صديق تونسي طيّب, يسكن عند الشارع الخلفيّ. إنّه طبّاخ, درس بأسبانيا.قدمت يدي بحرارة لأحييه فتفرّس بدهشة في وجهي النحيل ثمّ طلب كأسا وهو يسوى وضع الكرسي المرتفع.
قبل أن أغادر المقهى, كنت أعرف عنه كلّ ما يمكن أن يُعرف. وكنت أقهقه كامل طريق العودة وأنا أتذكّر حكاية رسالته إلى الملكة آنا, حين كان طبّاخا بمدريد و كتب لها بأنّه لا ينكر إطلاقا بأنّه مهاجر فقير من تونس ولا يملك مليما ولكنّه إنسان حسّاس. وبأنّه أصيب في صميم قلبه بحبّها و سيكون أسعد مخلوق لو بادلته عواطفه الصادقة نحوها. وأنّها بالتأكيد ليست في حاجة لأموال أكثر, ولكنّها في حاجة إلى رجل فحل حسّاس يحميها ويدافع عنها. ثمّ أنّ ما ورثته من أمّها من أموال ومجوهرات سيكفيهما ما تبقّى من العمر وأكثر. ولم ينس طبعا أن يذكّرها بأنّ دماء العرب والأسبان اختلطتا بعمق أصيل وأبديّ, مستشهدا بقصر الحمراء. ومطلع قصيد قديم. مطلعه الماء والرّوض طيّب عطر…
كنت أحنّ للقائه, ولكنّ إفلاسه المزمن, وحالتي الماديّة المتورّمة و التي لم تتغيّر كثيرا منذ خمسة عشر سنة, جعلني أتجنّب لقاءه. والحقيقة أنّ حميد ميتشكو لا يطلب أموالا إطلاقا. كنت أعرف بأنّه يظلّ لأشهر مفلسا, لا يملك فلسا واحدا. يعيش على الخبز والماء وما يتبرّع به العابرون من سجائر أو بعض الكؤوس. ولكنّه أبدا لا يطلب أموالا من أحد. مكتفيا من العالم بمتابعة قطرات المطر وهي تسيل كالدّموع على بلّور زجاج النّافذة الخارجي المصقول. أو معدّلا للمرّة الألف وضع الكرسيّ المرتفع بطريقة لا تحيّر أوجاع كبده وظهره المعطوب.
آخر مرّة التقيت فيها بحميد ميتشكو كانت منذ شهرين. لم أعرفه في البداية. ليس فقط لأنّه كان أنيقا ويرتدي معطفا جديدا, ولكن لأنّه كان يعتمر قبّعة خوخيّة بشريط أزرق. كدت أتخطّاه يومها, حين ناداني وهو يجاهد لتسوية انحناء كتفه المتدلّق مصرّا على دعوتي لكأس بمقهى – الأنسويفايتا – وحدّثني بأنّه ربح مبلغا لا بأس به من الأموال لأنّه راهن منذ ثلاثة أيّام على نتيجة مباراة في كرة القدم. سألته, ومن أين له بقسطه من مبلغ الرّهان, فأجابني ببساطة بأنّه لم يكن يملك فلسا واحدا حين راهن مع أحد الزّبائن الأغنياء على نتيجة المباراة. قال لي بأنّ جليسه السّكران الغنيّ, تحدّى الجميع على المراهنة على مبلغ خمسمئة أورو, أنّ فريقه المفضّل سيسجّل ثلاثة أهداف. ولمّا سكت الجميع, ذلك أنّ لا أحد يحمل معه ذلك المبلغ, أجابه هوّ بأنّه يقبل التحدّي. كان الجميع يعرف تماما بأنّ ميتشكو لا يملك ثمن الكأس القادمة, لكنّهم احسوا بارتياح, مضمرين شماتة مسبقة لخسارة الزبون الغنيّ الأحمق في كلّ الأحوال, خاصة أنّه لم يطلب من حميد أن يريه مبلغ رهانه. والكلّ يعلم أنّه لن يدفع في كلّ الأحوال. كان يحدّثني وهو يسوّى انحراف قبّعتة التي بدت لي مناسبة له تماما رغم غرابتها. حدّثني كذلك وهو يتطاول زهوا بأنّه أرسل أموالا لابنته ياسمين هناك بتونس. مبرزا لي التواصيل.
كما أرسل لأمّها رسالة في ثلاثة سطور يعلمها بأنّ الفرج قريب وأنّ ألمانيا بلد رائع. والطقس جميل. و أنّه أرسل لها صورتين وهو يعتمر قبّعته الاسكتلندية الجديدة, ومعطفه الأزرق الدّاكن رغم أنّ الحرّ لا يطاق هذا الصيف. وكتب على الظرف عنوانه كاملا لأوّل مرّة بطريقة يمكن قراءتها بيسر مباعدا بين الحروف بشكل متعمّد بليغ الدّلالة. رغم أنّه يعرف بأنّ, مطلّقته بتونس لا تكتب ولن تردّ بأية حال من الأحوال.
كان قلبي يدقّ بشدّة. لذلك لم أقو على مغادرة الحيّ قبل شدّ الجرس مرّة أخرى. فعلت ذلك أكثر من عشر مرّات وقبل أن يصيبني اليأس سمعت صوته المكسور من خلال جهاز فتح الباب يسأل عن الطارق. أحسست بفرحة عارمة فألصقت فمي بالجهاز الأسود وصحت فيه: - إفتح لعنة اللّه عليك أيّها الثعلب العجوز.حين وصلت لاهثا لوكره بالطّابق الثّامن. غرفة الغسيل المفروشة. فتح لي الباب وهو يحاول عبثا إغلاق أزرار سرواله الفضفاض. ظللت واقفا لأننّي لم أجد مكانا يصلح للجلوس. أربعة أشبار هي المسافة التي تفصل الخزانة الوحيدة عن الفراش الواطئ والغائب تحت عشرات الأغراض الغريبة. كرّاسات لدراسة لغات أجنبيّة.عشرات من قطع الصّابون وعلب السردين وأكياس من الملح والبصل وفواتير وماعون طبخ وعلب فارغة من الورق المقوى… حذاء غير مستعمل. كتالوجات لملابس نسائيّة ورجاليّة من أرقى محلاّت الموضة.ووو…
استطعت بعد جهد إبعاد بعض الأغراض لأجد لي مكانا للجلوس. سألته عن سبب اختفائه فأشار لي بمتابعة مراسم زواج سموّ ألأمير الدانمركي الذي كان يعرض على شاشة التلفزيون. سألني إن كنت أعرف بأنّ فستان الزواج تكلّف مئة ألف أورو, وأنّه هديّة شخصيّة من والد العروس. وحين أجبته بأنني قرأت عن ذلك في الصحف, قال لي بأنّ هناك خلاف بين أم العروس وعمّة الأمير حول الكنيسة التي سيعقد بها عقد القران.
ثمّ راح يحدّثني عن تفاصيل من أسرار العروس لا يعرفها حتى الأمير العريس نفسه بالتّأكيد. أحسست أنّه لا يرغب في الحديث عن نفسه, فلم ألحّ في السؤال. وضعت له مبلغا من المال وبقية علبة سجائري, وقبل أن أخرج, سألته عن قبّعته الاسكتلندية ذلك أنّني لم أرها في الغرفة.
- إنّها لا تناسب جبيني , إنّها عريضة أكثر ممّا ينبغي.- ولكنّك كنت معتزّا بها, حتّى أنّك حدّثتني بأنّك تشعر بأنّك عجوز بائس يدونها؟- هل يمكنك أن يساعدني في إبعاد الخزانة قليلا عن الحائط. أريد طلاءه بعد أسبوعين؟ يجب أن أطلي الجدرانلأنني أحس ببؤس قاتل حين أفتح عينيّ كلّ صباح على هذا الّلون المتعفن. لقد اشتريت الطلاء الأبيض.
أجبته بالإيجاب دون المزيد من الإلحاح لمعرفة مصير قبّعته الاسكتلندية. أحسست أنّه لا يرغب في الحديث أكثر. علامة حميد ميتشكو, حين يتضايق من مواصلة حديث, أنّه كان يكوّر شفتيه ويميل برأسه يمينا, ثمّ ينفض عن فخذه غبارا لا يراه الآخرون.بعد أسبوعين, صباح سّبت. استيقظت باكرا وأنا أحس بثقل وكآبة لا تطاق. كدت أنسى معطفي وأنا أسارع بالخروج للذّهاب لوكر حميد ميتشكو. الباص ا لملعون تأخّر عشر دقائق كاملة. والسّماء ملبّدة بغيوم مكثّفة من الرّصاص والرّماد الدّاكن. شعرت بانقباض وقنوط. شيء ما حدث لحميد ؟ كنت أردد في سرّي.
وصلت إلى المبنى وأنا ألهث. شددت الجرس عشرات المرّات بدون جدوى. شددت جرسا آخر. شددت كلّ أجراس سكّان المبنى. ليستيقظ الجميع. أللعنة عليهم جميعا ينامون اللّيل والنّهار. فتح الباب عشرات المرّات, وكانت أصواتهم وهي تلعنني تصعد معي المد ارج الخشبيّة, أحدهم فتح بابه بالطّابق الخامس وظلّ ينتظرني وهو يهرش بطنه الضخمة نصف العاريّة فلمّا تخطيته بصق إلى الأرض وتلفّظ بكلمات نابيّة قبل أن يغلق الباب بعنف. وصلت غرفة ميتشكو بعد آخر درجة. لا أقوى حتّى على اللّهاث. قلبي يدق مثل مراوح الهواء وأنا أرى ظرفا ضخما محشورا عند شقّ الباب مغطيّا ثقب المفتاح. قرأت من بعيد حروف اسمي باللّغة الألمانيّة. ولمدّة دقائق بقيت ممسكا بالظرف وأنا أحسّ بثقل داكن يضغط بقوّة على صدري بقسوة لا تطاق.
لم أجد سوى صفحتين. مقاطع مبتورة وعناوين باللّغة الألمانيّة مثل الألغاز, قرأت…. الطوكوموكو نبتة خضراء لا تكاد تشبع من الأرض والماء, وثمرتها حمراء مستديرة ببزور صفراء….اعدم الدّغباجي, وهو مناضل من الجنوب التّونسي سنة 1922 بساحة القرية التي ولد بها…. صموائيل النّادل بمقهى الأنسويفايتا طيّب القلب وعظيم حقّا, يقرأ كثيرا, كما أنّني أشعر بسعادة كلّما رايته, رغم أنني أعتقد بأنّه لا يؤمن باللّه….لماذا يبتسم اللّيل بمكر فوق سطح الجيران؟…… أمراض أمي التي كانت تؤذيها, كانت في نفس الوقت ينابيع حيويّتها وسرّ تشبّثها بالحياة. كانت أوجاعها مصدر لا ينضب لحكايات الصّباح مع الجارات.عمّتي فاطمة كانت تردد علنا بأنّ أمي ثقيلة الروح ولا تفتح فمها إلا للتثاؤب ولكنّها أصبحت محبوبة بعد فشل جميع الأطباء في علاجها من الأمراض الغريبة التي تنهشها ليلا. والغريب أنّها أصبحت بعد مرضها الأخير تمتلك قدرة عجيبة على تفسير الأحلام. ومعالجة جميع الأمراض بزيت الزّيتون والعسل والثّوم المطحون.ثلاث كلمات أخرى لم أستطع قراءتها. كانت الكلمات مكتوبة بحروف كبيرة, كلّ ثلاث كلمات تملأ سطرا. ماذا يقصد هذا المجنون؟ هل فعلها؟قلّبت الصّفحة الثّانيّة. عنوان بارز يتوسّط أعلى الصّفحة ودوّن بحروف كبيرة جدّا موزّعة على سطرين. يبدو أن الصفحة الثّانية التي بدأت بقراءتها, هيّ في الأصل الصفحة الأولى.
كتب: مخطوطة لرواية عن قصّة حياتي بالتفصيل. وتحت العنوان تصدير كتب باللّون الأحمر يمثّل مقولة لأحد الكتّاب أو الفلاسفة المغمورين ربّما, مدوّنة باللّغة الفرنسيّة وبدون أخطاء, وترجمتها تقريبا: ( دخلت ولم أخرج بعد. فكيف يطالبونني بأن أصف لهم ما شاهدت ؟! ).
التقيت بحميد ميتشكو بعد ذلك بأسبوعين. وجدته هكذا جالسا بهدوء يقلّب صفحات إحدى المجلات المهتمّة بالجغرافيا الحديثة. لم استغرب طبعا أن أجده هناك, في وضعه ذاك. وتعمّدت أن لا أسأله عمّا حدث, كنت أعوّل على رضائه عن صمتي ليبدأ الحديث. ولكنّه ظلّ يشرب قهوته المرّة, يتلمّظها بهدوء ووقار متقاعد.سألته إن كان يريد أن أدعوه لشرب كأس من البيرّة البيضاء. أجابني بأنّه انقطع عن الشّرب منذ ثلاث أسابيع لأنّه كان محجوزا بالمستشفى الحكوميّ وبأنّه لم يخرج منه سوى منذ ثلاثة أيّام. لأنّه أجرى عمليّة جراحيّة لإستاصال الزّائدة الدوديّة. أنا الآن كامل. لا زوائد ولا نواقص قال وهو يتوكّأ على الكرسي استعدادا للنّهوض ومغادرة المقهى. قبل أن يتخطّاني قلت له بمكر بأنّني أحتفظ بمخطوط روايته عندي. أجابني بدون اكتراثقائلا : -” لقد غيّرت أسلوبي. أنا أكتب الآن روايات بوليسيّة عن آل غابون والمافيا فقط “.

أولاد حارتنا لنجيب محفوظ سيقدم لها كاتب إسلامي



"أولاد حارتنا" ستصدر مع مقدمة لكاتب اسلامي
دار "الشروق" تنتظر موافقة الأزهر والمثقفون المصريون منقسمون
...
شفاف الشرق الأوسط

«عاشوا، لم تصحبهم كلمة / ماتوا، لم تصحبهم كلمة / فالفصحى والأوراق المصقولة والاشياء / والحبر الغالي والأوراق الفضية / كانت مسبيّة / يلهو بمفاتنها النبلاء / والناس البسطاء/ عاشوا، لم تصحبهم كلمة / ماتوا لم تصحبهم كلمة/ فاغرف من أعماق البئر / واسق العامل والفرّان وأطفال الحارة / فالناس ظماء / اكتب عن شحذ الهمة / طوبى للحرف الشامخ في الليل منارة / والعار لأبراج العاج المنهارة».

هكذا تحدث الشاعر الفلسطيني سميح القاسم - منذ اكثر من عقد - موجهاً حديثه «الى نجيب محفوظ»، بعدما غرزت في عنقه سكين مهوس ديني قال له آمروه أن نجيب محفوظ كافر، وأن روايته «أولاد حارتنا» ملحدة، فرفع المطواة - من غير أن يقرأ حرفاً لمحفوظ - متوجهاً الى رقبة الكفر والإلحاد!.

«الجبلاوي هو جمال عبد الناصر، وآدم وأدهم وقاسم هم أعضاء مجلس قيادة الثورة، كعبد الحكيم عامر وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي»، هكذا فسرّت الطغمة المحيطة بالسلطة السياسية رموز «أولاد حارتنا» لكي تحرض عبد الناصر على مصادرة الرواية، عام 1959، حينما نشرها محمد حسنين هيكل في «الاهرام» متسلسلة. كانت هذه البطانة الغاشمة متحالفة مع التأويل الضيق الذي قدمه الازهر حينذاك مطالباً بمصادرة الرواية، وذلك عبر تقرير كتبه ثلاثة من كبار مشايخ الازهر، هم: الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ أحمد الشرباصي والشيخ محمد الغزالي.

لقد صارت «أولاد حارتنا» - عبر قرابة نصف قرن – «ميدان معركة» بين تيار الاستنارة وتيار الاستظلام. وبعد سكيني الرقبة عام 1994، بادرنا في صحيفة «الاهالي» - بقيادة عبد العال الباقوري، رئيس التحرير وقتها - بنشر الرواية كاملة في عدد خاص من الصحيفة (34 صفحة) وهو النشر الذي احتجت عليه جهتان: الأولى هي جريدة «الاهرام» التي كانت تعتبر نفسها صاحبة حق نشر الرواية منذ عام 1959 وهدد ابراهيم نافع (رئيس تحرير الاهرام وقتذاك) خالد محيي الدين (رئيس حزب التجمع صاحب «الاهالي») برفع قضية على «التجمع» طالباً تعويضاً قدره مليونا جنيه والجهة الثانية هي: نجيب محفوظ نفسه، الذي صرح بأنه لم يعط موافقة بنشرها في «الاهالي» لأنها مصادرة من الازه!.

قبل شهرين أصدر مجدي الدقاق - رئيس تحرير مجلة «الهلال» الجديد - عدداً خاصاً عن نجيب محفوظ، بمناسبة عيد ميلاده الرابع والتسعين، ساهم فيه اكثر من اربعين كاتباً، ثم أراد أن يتوج احتفاله بنجيب محفوظ، بعمل كبير جريء، هو طبع «أولاد حارتنا» في طبعة شعبية متاحة. ولعله في ذلك كان متكئاً على المعنى الداعم لحرية الفكر وللاستنارة الذي تضمنته رسالة الرئيس مبارك الى محفوظ، والمنشورة في صدر ذلك العدد الخاص من «الهلال» والذي كان عنوانه «عش ألف عام». ولعله كان متكئاً على المناخ الذي اشاعته زيارة عبد المنعم ابو الفتوح - القيادي البارز في جماعة الاخوان المسلمين المحظورة، لكاتبنا بعد النجاح الكبير الذي حققته هذه الجماعة المحظورة) في انتخابات البرلمان الاخيرة! ولعله كان يفتتح مشروعاً شجاعاً واسعاً هو (كما صرح لي) نشر الأعمال الإبداعية والفكرية التي صودرت طوال عقود القرن العشرين، من مثل: «في الشعر الجاهلي» لطه حسين و «المنبوذ» لأنور كامل و «الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق و «لماذا أنا ملحد؟ لماذا أنا مؤمن؟» لإسماعيل أدهم ومحمد فريد وجدي و»مقدمة في فقه اللغة العربية» للويس عوض و «سنوات التكوين في حياة الصادق الأمين» لخليل عبد الكريم، وغير ذلك من اعمال كبيرة مغدورة في تاريخنا الثقافي القريب.

لكن محاولة طبع «أولاد حارتنا» أجهضت، بسبب التهديد القانوني الذي اعلنته «دار الشروق» - الذي صارت صاحبة الحق القانوني في نشر كل روايات محفوظ، وبسبب رفض نجيب محفوظ نفسه لنشرها، الا بشرطين موافقة الازهر وتقديم كاتب اسلامي كبير مثل أحمد كمال أبو المجد للرواية!.

انقسمت الحياة الثقافية - ازاء محاولة طبع الرواية في «الهلال» وموقف محفوظ من ذلك - الى قسمين كبيرين:

القسم الاول: يرى انه لا ينبغي ان يتجاهل احد حق الكاتب في ان يحدد الوقت الذي ينشر فيه عمله، وحق الملكية الفكرية للمؤلف وللناشر، لا سيما ان ابراهيم المعلم - صاحب «دار الشروق» - اعلن ان مشروع طبع كل اعمال محفوظ دخل طور التنفيذ، بما فيه «اولاد حارتنا» التي انجز كمال ابو المجد مقدمتها بالفعل، ولم يتبق سوى موافقة الأزهر!. القسم الثاني يوجز رأيه في ما يأتي:

(أ) - ان احترام نجيب محفوظ - كرمز جليل - أمر لا جدال فيه، بما في ذلك احترام حقه الادبي والقانوني والاخلاقي، لكن «أولاد حارتنا» - بالذات - ليست مجرد رواية عادية ينطبق عليها المنظور القانوني المحض من حقوق نشر ومؤلف وملكية فكرية. فهي صارت - ولا تزال - علامة على المعركة الفكرية بين أهل الحبس وأهل الحرية في الخمسين سنة الاخيرة ولذلك فإن قول مجدي الدقاق «إن الرواية صارت ملكاً للشعب كله»، ليس كلاماً شعارياً فارغاً كما وصفه بعض المثقفين إذ هي «ملك للشعب» بمعنى انها محور موقعة دائرة بين قوى التجمد وقوى التجدد.

(ب) - ان نجيب محفوظ بطلبه موافقة الازهر وبطلبه مقدمة لكاتب اسلامي، إنما يعطي شرعية المنح والمنع لمن ليس له هذه الشرعية. فالازهر الشريف - من ناحية الاصل القانوني - ليس من سلطته مراقبة الفكر والابداع، بالموافقة او الرفض. وان قانون تنظيم الازهر عام 1961 لا ينيط به سوى حماية القرآن الكريم والاحاديث النبوية من كل تحريف أو إساءة. ومحفوظ، بتسليمه هذه «الضبطية» للازهر انما يعود بالحركة الثقافية المكافحة من أجل حرية الفكر والابداع بعيداً من وصاية الازهر، منذ نصف قرن - الى المربع الرقم واحد، بما يهدر تضحيات ونضالات في سبيل حرية الابداع (وفي قلبه ابداع محفوظ نفسه).

(ج) - ان المفكر الاسلامي محمد الغزالي، الذي اقترح محفوظ - سابقاً - ان يكتب مقدمة للرواية باعتباره مفكراً اسلامياً معتدلاً، هو أحد مدبجي تقرير الازهر عام 1959 الذي اعلن ان فيها كفراً وإلحاداً، وهو الذي شهد أثناء محاكمة قتلة فرج فودة، بأن فودة كان يستحق القتل، وان قاتليه لم يخطئوا الا في اضطلاعهم بمهمة القتل للكافر، بينما هي مهمة السلطات التنفيذية!.

(د) - يعرف الجميع ان لدى نجيب محفوظ فصلاً تعسفياً حديدياً بين موقفه في ابداعه الروائي وموقفه في الحياة العامة الجارية، وهو يقول دائماً: «صدقوا رواياتي لا مواقفي العملية» ولقد قال كلمته الكبرى داخل النص في «أولاد حارتنا»، لكنه في الحياة العامة يحرص على المواءمة والتوازنات والتحوط، لكن حرصه على المواءمات لا ينبغي ان يضعه موضع المكرس لهيمنة المؤسسات الدينية على الادب! وهي المواءمات التي دفعت البعض الى السؤال: «اذا كان محفوظ حريصاً الى هذا الحد على المواءمات مع الشعور الديني، فلماذا كتب الرواية أصلاً؟».

(هـ) - ان «أولاد حارتنا» مطروحة على أرصفة باعة الصحف في القاهرة، ونعرف أن تجاراً يعيدون تصوير نسخة بيروت ويبيعونها في السوق، فلماذا لم تظهر مسألة الحقوق والملكية الفكرية والمحامون، إلا حينما عزمت دار «الهلال» على نشرها؟ وهل يُعقل ان تقرأ الرواية في كل الوطن العربي، وأن تكون أحد أسباب فوز محفوظ بجائزة نوبل، بينما تحظر في مصر، وصانع الحظر هو المؤلف نفسه؟!
إن احترام شيخنا الروائي الجليل مصون، وتقدير ارادته وحقوقه واجب أصلي، لكن الدفاع عن حرية الادب بعيداً من قبضة مشايخ مجمع البحوث الاسلامية وعن قبضة السلطة السياسية، هو واجب اصلي كذلك واصيل.

وعلى ذلك، فإن التيار الغالب من المثقفين المصريين يناشد محفوظ ودار «الشروق» أن ينشرا الرواية من دون اذن من احد، ومن دون تزكية من كاتب اسلامي مستنير أو مظلم. هذه رواية غير مصادرة (لأن تقرير الازهر السابق لم يتخذ قراراً بمصادرتها فهو لا يملك ذلك)، وقد أذن الشعب بنشرها لا الأزهر، وقد زكتها الحركة الثقافية المصرية والعربية قبل سنوات، فهي ليست في حاجة الى تزكية كاتب مهما كان شأنه.

«يا كبيرنا محفوظ: لا تُعِدْ - بيديك - الأغلال الى أقدامنا»، هذا هو نداء الكتاب والمبدعين الى الرجل الجليل ذي الضحكة المجلجلة «وطوبى للحرف الشامخ في الليل منارة».
القاهرة - حلمي سالم الحياة

مواضيع ذات صلة:
لماذا طلب نجيب محفوظ موافقة الأزهر لنشر رواية «أولاد حارتنا» الممنوعة؟