الحياة» تنشر المقدمة التي وضعها الكاتب احمد كمال ابو المجد ... «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ تنال براءتها الاسلامية
أحمد كمال أبو المجد الحياة - 30/01/06//
تصدر خلال ايام الطبعة «الشرعية» لرواية «اولاد حارتنا» لنجيب محفوظ عن دار الشروق في القاهرة، مع مقدمة للكاتب الاسلامي احمد كمال ابو المجد. وكانت الرواية منعت عام 1959 بعد نشر فصول منها متسلسلة في جريدة «الاهرام».
«الحياة» تنشر المقدمة التي طالب بها محفوظ، بالتنسيق مع مجلة «وجهات نظر» الصادرة عن «دار الشروق».
الشهادة التي توشك – ايها القارئ – ان تتابع سطورها القليلة، سبق نشرها «مقالة» في «الأهرام» في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1994، أي منذ اكثر من عشر سنوات، طرأت فيها على حياتنا الثقافية والسياسية امور جسام, ازدادت فيها تجاربنا الفردية والجماعية ثراء وتنوعاً، وأحاطت بنا على مر شهورها وأيامها، احداث وتطورات كبرى، داخل مصر، وعلى امتداد عالمنا العربي وامتداد الدنيا كلها، تغيرت بسببها نظرتنا الى كثير من امورنا الخاصة وأوضاعنا العامة، ووقف بسببها كثير منا من نفسه وأمته موقف المراجعة والتأمل، والمجاهرة بالنقد لما يستحق النقد من اوضاعنا، كما ارتفعت نبرة المطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي، وانقدحت – بسبب ذلك كله – شرارة حوار بدأ ثم تصاعد، ولا يزال دائراً بين جماعات الكتاب والمفكرين والباحثين ممن يطلق الناس عليهم «النخبة المثقفة» التي تفكر للمجتمع كله، وتطرح بين يديه قضاياه وهمومه، وتشتغل معه بطموحاته وتطلعاته وآماله في الغد القريب والمستقبل البعيد. لذلك، حين عرضت على دار الشروق ان تجعل «هذه الشهادة» مقدمة لرواية «اولاد حارتنا» لكاتبنا الفذ الكبير نجيب محفوظ لم أتردد في قبول هذا الاقتراح ولكنني رأيت من الضروري ان اعيد قراءة هذه الشهادة، وأن اعيد قراءة «اولاد حارتنا» مرة اخرى، حتى استوثق من ان ما سطره القلم عام 1994 لا يزال – عند صاحبه على الأقل – صالحاً عام 2006، وأن ما شهدت به في شأن هذه الرواية التي احدثت في حياتنا الثقافية دوياً ظلت اصداؤه تتردد سنوات طويلة لا يزال موضع ايماني واقتناعي. فلما فعلت ذلك، بدا لي ان ليس عندي ما اضيفه او أغيره من سطور هذه الشهادة، اذ الأمر – في نهايته – يدور حول قضيتين لم يتحول فكري ولم يتغير في شأنهما:
اولاهما: ان من اصول النقد الأدبي التمييز الواجب بين الكتاب الذي يعرض فيه الكاتب فكرته ويحدد مواقفه، ملتزماً – في ذلك – بالحقائق التاريخية، والوقائع الثابتة، دون افتئات عليها، ودون مداراة لما يراه في شأنها... وبين الرواية التي قد يلجأ صاحبها الى الرمز والإشارة، وقد يدخل فيها الخيال الى جانب الحقيقة العلمية، ولا بأس عليه في شيء من ذلك، فقد كانت الرواية – قديماً وحديثاً – صيغة من صيغ التعبير الأدبي، تختلف عن «الكتاب» والالتزام الصارم الذي يفرضه على مؤلفه. وفي اطار «اولاد حارتنا» فإنني فهمت شخصية «عرفة» بأنها رمز للعلم المجرد، وليست رمزاً لعالم بعينه، كما فهمت شخصية «الجبلاوي» على انها تعبير رمزي عن «الدين» وليست بحال من الأحوال تشخيصاً رمزياً للخالق سبحانه وهو امر يتنزه عنه الأستاذ نجيب محفوظ ولا يقتضيه أي اعتبار ادبي فضلاً عن ان يستسيغه او يقبله.
القضية الثانية: حرية التعبير والموقف منها، ذلك انه مع التسليم بأن الحريات جميعها انما تمارس في جماعة منظمة، ولذلك لا يتأبى منها على التنظيم والتعبير إلا حرية واحدة هي حرية «الفكر والاعتقاد» بحسبانهما امراً داخلياً يسأل عنه صاحبه امام خالقه، دون تدخل من أحد، حاكماً كان ذلك الأحد او محكوماً، اما حين يتحول الفكر الى تعبير يذيعه صاحبه وينشره في الجماعة، فإن المجتمع يسترد حقه في تنظيم ذلك التعبير دون ان يصل ذلك التنظيم الى حد اهدار اصل الحق ومصادرة جوهر الحرية، ذلك ان الهدف من إجازة هذا التنظيم انما هو حماية حقوق وحريات اخرى فردية او جماعية قد يمسها ويعتدي عليها اطلاق حرية الفرد في التعبير، وتمنعها على التنظيم والتقييد، ويبقى مع ذلك صحيحاً ان الأصل هو الحرية، وأن التقييد استثناء تمليه الضرورة، والضرورة إنما تقدر بقدرها، ومن شأن الاستثناء ألا يقاس عليه او يتوسع فيه.
وأهم من هذا كله، ان الشهادة التي قدمتها ليست رأياً لي، وإنما هي تفسير كاتب «اولاد حارتنا» لما كتبه، وبيان واضح لا يحتمل التأويل لموقفه من القضايا الكبرى التي اثارتها تلك الرواية، وهي – على كل حال – آخر ما صدر عن نجيب محفوظ، امد الله في عمره، حول القراءة الصحيحة لـ «اولاد حارتنا» باعتبارها «رواية» للخيال والرمز فيها دور كبير، وليست «كتاباً» يقرأ قراءة حرفية للتعرف على موقف مؤلفه من القضايا التي يطرحها بعيداً من الرمز والخيال.
وأدعو الله تعالى ان تتسع عقولنا وقلوبنا لمزيد من حرية الكتاب والأدباء وسائر المفكرين في التعبير عن آرائهم، وإطلاق مواهبهم، بالصيغ الأدبية التي يختارونها، دون حجر او وصاية او مسارعة الى الاتهام وإساءة الظن، حتى لا «تكتم الشهادة» بيننا وتموت، وحتى لا تتجمد الأفكار على اطراف الألسنة والأقلام، فتحرم الجماعة من زاد ثقافي وعلمي تحتاج إليه، وهي تشق طريقها للانبعاث والنهضة وسط زحام حضاري وثقافي لا سابقة له في التاريخ.
«أولاد حارتنا» في طبعتين عن «دار الآداب» (بيروت)
نص الشهادة
حين وقع الاعتداء الغادر على اديب مصر وكاتبها الكبير نجيب محفوظ، كنت خارج مصر وحين عدت إليها طلبت من الصديق الأستاذ محمد سلماوي، وهو من تلامذته المقربين، ان يصحبني إليه لنؤدي واجب الاطمئنان عليه... ولكنه – وسط شواغله الثقافية – تأخر في ترتيب تلك الزيارة حتى عاد الأستاذ نجيب محفوظ الى بيته قبل ايام من عيد ميلاده الذي شاركه في الاحتفال به كثيرون من محبيه ومقدريه. وإذا بالأستاذ سلماوي يتصل بي ليخبرني انه رتب للزيارة موعداً في الخامسة من مساء اليوم التالي، وأننا سنذهب في صحبته ومعنا المهندس ابراهيم المعلم، الذي تربطه ووالده بالأستاذ نجيب محفوظ علاقات ود قديمة وموصولة، ومعنا كذلك الإذاعي والإعلامي المخضرم احمد فراج.
وعلى باب نجيب محفوظ استقبلتنا بالحفاوة المصرية المعهودة السيدة الفاضلة زوجته، ثم جاء الأستاذ نجيب محفوظ في خطوات ثابتة طمأنتنا على قرب اكتمال شفائه، وأخذ يرحب بنا في ود شديد، ثم جلس بيننا. وسادت فترة من صمت قصير، لأن احداً منا لم يعد لهذا اللقاء اكثر من كلمات السؤال عن الصحة والتهنئة بعيد الميلاد, ثم بدا لي – على غير ترتيب ولا إعداد، ان اقطع هذا الصمت، فوجدتني اقول: يا أستاذ نجيب، الجالسون معك الليلة كلهم من قرائك، جيلنا كان يجد في كتاباتك ورواياتك شيئاً بين فن الأدب وفن التصوير، وذلك بما نسجته في وصف القاهرة وحياة اهلها، ونماذجهم المختلفة من وشى دقيق عامر بالألوان مليء بالتفاصيل، حتى ليكاد القارئ يسمع فيه اصوات الناس ويرى وجوههم، ويتابع حركتهم في شوارع القاهرة وأزقتها ومساجدها ومقاهيها، ويكاد – دون ان يشعر – يدخل طرفاً في علاقات بعضهم ببعض... وكم من مرة تعرف بعضنا على احياء القاهرة وشوارعها بما كان قرأه عنك في وصفها وتصوير حياة اهلها... وأضفت: ثم انك يا استاذ نجيب تظل – في خواطرنا – قبل كل شيء وبعد كل شيء كاتباً وأديباً مصرياً خالصاً، لم تدجن كتاباته وآراؤه بتأثيرات غريبة تنال من نكهتها المصرية ومذاقها العربي الأصيل.
وبدا من قسمات وجه الأستاذ نجيب محفوظ وحركة يديه انه يقبل هذا الوصف له ولكتاباته وأنه يرتاح إليه... فشجعني ذلك على ان اتقدم في الحوار خطوة اخرى، فقلت: ويبقى ان نسألك عن رأي عبرت عنه منذ اسابيع قليلة حين بعثت برسالة وجيزة الى الندوة التي نظمتها الأهرام تحت عنوان «نحو مشروع حضاري عربي»، فقد قلت للمشاركين في الندوة: ان أي مشروع حضاري عربي لا بد ان يقوم على الإسلام، وعلى العلم، ولقد وصلت رسالتك، على قصرها، واضحة وصريحة ومستقيمة لا تحتمل التأويل، ولكن يبقى – ونحن معك نسمع لك وننقل عنك – ان نزيد هذا الأمر تفصيلاً، نحتاج جميعاً إليه وسط المبارزات الكلامية التي يجري فيها – ما يستحق الحزن والأسف – من ألوان تحريف الكلام وتزييف الآراء والافتئات على اصحابها.
وفي حماسة شديدة، وصوت جهير ونبرة قاطعة، انطلق نجيب محفوظ يقول: وهل في تلك الرسالة جديد؟ ان اهل مصر الذين ادركناهم وعشنا معهم، والذين تحدثت عنهم في كتاباتي كانوا يعيشون بالإسلام، ويمارسون قيمه العليا، دون ضجيج ولا كلام كثير. وكانت اصالتهم تعني هذا كله، ولقد كانت السماحة وصدق الكلمة وشجاعة الرأي وأمانة الموقف ودفء العلاقات بين الناس، هي تعبير اهل مصر الواضح عن إسلامهم... ولكنني في كلمتي الى الندوة اضفت ضرورة الأخذ بالعلم، لأن أي شعب لا يأخذ بالعلم ولا يدير اموره كلها على اساسه لا يمكن ان يكون له مستقبل بين الشعوب. ان كتاباتي كلها، القديم منها والجديد، تتمسك بهذين المحورين: الإسلام الذي هو منبع قيم الخير في امتنا، والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا.
وأحب ان اقول: انه حتى رواية «اولاد حارتنا» التي اساء البعض فهمها لم تخرج عن هذه الرؤية. ولقد كان المغزى الكبير الذي توجت به احداثها، ان الناس حين تخلوا عن الدين ممثلاً في «الجبلاوي»، وتصوروا انهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلاً في «عرفة» ان يديروا حياتهم على ارضهم (التي هي حارتنا)، اكتشفوا ان العلم بغير الدين تحول الى اداة شر، وأنه قد أسلمهم الى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم، فعادوا من جديد يبحثون عن «الجبلاوي». وأضاف: ان مشكلة «اولاد حارتنا» منذ البداية انني كتبتها «رواية»، وقرأها بعض الناس «كتاباً»، والرواية تركيب ادبي فيه الحقيقة وفيه الرمز، وفيه الواقع وفيه الخيال... ولا بأس بهذا ابداً... ولا يجوز ان تحاكم «الرواية» الى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها، لأن كاتبها باختيار هذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بهذا اصلاً وهو يعبر عن رأيه في رواية. وفي ثقافتنا امثلة كثيرة لهذا اللون من الكتابة، ويكفي ان نذكر منها كتاب «كليلة ودمنة»، فهو مثلاً يتحدث عن الحاكم، ويطلق عليه وصف «الأسد» ولكنه بعد ذلك يدير كتابته كلها داخل اطار مملكة الغابة وأشخاصها المستمدة من دنيا الحيوان، منتهياً بالقارئ في آخر المطاف الى العبرة او الحكمة التي يجريها على ألسنة الطير والحيوان، وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يتوجه إليه كل كاتب صاحب رأي... اياً كانت الصيغة التي يمارس بها كتاباته.
قلت: الواقع انني قرأت «اولاد حارتنا» منذ سنوات عدة، وأذكر انني تعاملت معها حينذاك على انها رواية وليست كتاباً، ولذلك تفهمت ما امتلأت به من رموز تداخل في صياغتها الخيال، ولم أتصور ابداً ان كاتبها كان بهذا التداخل يحاول رسم صور تعبر عن موقفه من الحقائق التي يتناولها ذلك الخيال او تشير إليها تلك الرموز. ولكن الذي استقر في خاطري على أي حال وبقي في ذاكرتي منها الى يومنا هذا، والذي رأيته – معبراً عن موقف كاتبها الذي يريد ايصاله الى قرائه – هو تتويح حلقات روايته الرمزية بإعلان واضح عن حاجة «الحارة»، التي ترمز للمجتمع الإنساني، الى الدين وقيمه التي عبر عنها الرمز المجرد (الجبلاوي) حتى وإن تصور اهل الحارة غير ذلك وهم معجبون ومفتونون بـ «عرفة» الذي يرمز الى سلطان العلم المجرد والمنفصل عن القيم الهادية والموجهة لأهل الحارة.
وتابع الأستاذ نجيب حديثه الأول قائلاً:
انني حريص دائماً على ان تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدى الناس، حتى وإن اختلف بعضهم معي في الرأي، ولذلك لما تبينت ان الخلط بين «الرواية» و «الكتاب» قد وقع فعلاً عند بعض الناس، وأنه احدث ما أحدث من سوء فهم، اشترطت ألا يعاد نشرها إلا بعد ان يوافق الأزهر على هذا النشر، (ولا يزال هذا موقفي الى الآن).
قلت: انني أتمنى – يا أستاذ نجيب – ان يسمع الناس منك هذا الكلام الواضح الذي لا يحتمل التأويل، ليعرفوك منك بدلاً من ان يعرفوك من خلال شروح الآخرين، وائذن لي ان اقول انني كنت واحداً من الذي يجدون هذه المعاني التي حدثتنا بها الآن حاضرة في ثنايا كثير من كتاباتك القديمة والجديدة، وكانت تعبيراً دقيقاً عن منهج جيلنا وجيل آبائنا في فهم الإسلام، فقد كانوا – وكنا معهم – نتنفس الإسلام ونحيا به في هدوء واطمئنان، دون ان نملأ مجالسنا ومجالس الآخرين بالكلام الكثير عنه.
وحين اوشكت الزيارة ان تتحول بهذا الحوار العفوي الى ندوة، تدخل الأستاذ احمد فراج قائلاً في حماسة: كم كنت اتمنى ان يسمع الناس – كل الناس – هذا الحوار الهادئ حول هذه القضايا الساخنة. وأرجو ان يأذن لي الأستاذ نجيب محفوظ بتسجيل هذا الكلام كله مرة اخرى في ندوة تلفزيونية قصيرة لا تتجاوز الدقائق العشر، توضع بها النقاط على الحروف، ويعرف الناس، الموافق منهم والمخالف، حقيقة رأي الأستاذ نجيب محفوظ الذي عبر عنه الآن، كما عبرت عنه رسالته الوجيزة الى ندوة الأهرام.
قال الأستاذ نجيب محفوظ: اني شاكر ومقدر هذا الاهتمام، ولكنني اشفق على نفسي من فتح باب الأحاديث التلفزيونية، وأنا لا ازال في نقاهة لا تحتمل مثل هذا المجهود، ولكنني – بدلاً من هذا – أقترح ان يكتب الدكتور كمال ابو المجد هذا الحوار الذي دار كما دار – وسأكون راضياً عن ذلك كل الرضا.
وفي اطار هذه الرغبة الموثقة بإذن صريح من الأستاذ نجيب محفوظ وبشهادة ثلاثة من ضيوفه الكرام، ولدت فكرة هذا المقال الذي هو عندي شهادة ارجو ان أدرأ بها عن كتابات نجيب محفوظ سوء فهم الذين يتعجلون الأحكام ويتسرعون في الاتهام، وينسون ان الإسلام نفسه أدرج كثيراً من الظنون السيئة فيما دعا الى اجتنابه من آثام، كما أدرأ عن تلك الكتابات الصنيع القبيح الذي يصر به بعض الكتّاب على ان يقرأوا في ادب نجيب محفوظ ما يدور في رؤوسهم هم من افكار، وما يتمنون ان يجدوه في تلك الكتابات، مانحين انفسهم قوامة لا يملكها احد على احد، فضلاً عن ان يملكها احد منهم على كاتب له في دنيا الكتابة والأدب ما لنجيب محفوظ من القدم الثابتة، والتجربة الغنية، والموهبة الفذة النادرة التي انعم بها عليه الله.
أدعو الله ان يتم على اديبنا الكبير نعمة العافية حتى يمسك القلم من جديد مواصلاً عطاءه الأدبي الذي يغني العقل والوجدان، وواهباً ما بقي من عمره المديد – بإذن الله - لتجلية الأمرين العظيمين اللذين اشار إليهما في رسالته الى ندوة الأهرام: الدين، الذي به هداية الناس وراحة النفوس، والذي يفيء ألواناً من المحبة والسماحة ودفء العلاقات والتسابق الى الخير، على حارتنا الكبيرة مصر، والعلم، الذي تحيا به العقول، والذي هو مفتاح امتنا، وكل امة، الى ابواب المستقبل الذي تتزاحم اليوم امامها شعوب الدنيا كلها لتكون لها مكانة في ساحته التي تتشكل معالمها الجديدة يوماً بعد يوم.
أحمد كمال أبو المجد الحياة - 30/01/06//
تصدر خلال ايام الطبعة «الشرعية» لرواية «اولاد حارتنا» لنجيب محفوظ عن دار الشروق في القاهرة، مع مقدمة للكاتب الاسلامي احمد كمال ابو المجد. وكانت الرواية منعت عام 1959 بعد نشر فصول منها متسلسلة في جريدة «الاهرام».
«الحياة» تنشر المقدمة التي طالب بها محفوظ، بالتنسيق مع مجلة «وجهات نظر» الصادرة عن «دار الشروق».
الشهادة التي توشك – ايها القارئ – ان تتابع سطورها القليلة، سبق نشرها «مقالة» في «الأهرام» في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1994، أي منذ اكثر من عشر سنوات، طرأت فيها على حياتنا الثقافية والسياسية امور جسام, ازدادت فيها تجاربنا الفردية والجماعية ثراء وتنوعاً، وأحاطت بنا على مر شهورها وأيامها، احداث وتطورات كبرى، داخل مصر، وعلى امتداد عالمنا العربي وامتداد الدنيا كلها، تغيرت بسببها نظرتنا الى كثير من امورنا الخاصة وأوضاعنا العامة، ووقف بسببها كثير منا من نفسه وأمته موقف المراجعة والتأمل، والمجاهرة بالنقد لما يستحق النقد من اوضاعنا، كما ارتفعت نبرة المطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي، وانقدحت – بسبب ذلك كله – شرارة حوار بدأ ثم تصاعد، ولا يزال دائراً بين جماعات الكتاب والمفكرين والباحثين ممن يطلق الناس عليهم «النخبة المثقفة» التي تفكر للمجتمع كله، وتطرح بين يديه قضاياه وهمومه، وتشتغل معه بطموحاته وتطلعاته وآماله في الغد القريب والمستقبل البعيد. لذلك، حين عرضت على دار الشروق ان تجعل «هذه الشهادة» مقدمة لرواية «اولاد حارتنا» لكاتبنا الفذ الكبير نجيب محفوظ لم أتردد في قبول هذا الاقتراح ولكنني رأيت من الضروري ان اعيد قراءة هذه الشهادة، وأن اعيد قراءة «اولاد حارتنا» مرة اخرى، حتى استوثق من ان ما سطره القلم عام 1994 لا يزال – عند صاحبه على الأقل – صالحاً عام 2006، وأن ما شهدت به في شأن هذه الرواية التي احدثت في حياتنا الثقافية دوياً ظلت اصداؤه تتردد سنوات طويلة لا يزال موضع ايماني واقتناعي. فلما فعلت ذلك، بدا لي ان ليس عندي ما اضيفه او أغيره من سطور هذه الشهادة، اذ الأمر – في نهايته – يدور حول قضيتين لم يتحول فكري ولم يتغير في شأنهما:
اولاهما: ان من اصول النقد الأدبي التمييز الواجب بين الكتاب الذي يعرض فيه الكاتب فكرته ويحدد مواقفه، ملتزماً – في ذلك – بالحقائق التاريخية، والوقائع الثابتة، دون افتئات عليها، ودون مداراة لما يراه في شأنها... وبين الرواية التي قد يلجأ صاحبها الى الرمز والإشارة، وقد يدخل فيها الخيال الى جانب الحقيقة العلمية، ولا بأس عليه في شيء من ذلك، فقد كانت الرواية – قديماً وحديثاً – صيغة من صيغ التعبير الأدبي، تختلف عن «الكتاب» والالتزام الصارم الذي يفرضه على مؤلفه. وفي اطار «اولاد حارتنا» فإنني فهمت شخصية «عرفة» بأنها رمز للعلم المجرد، وليست رمزاً لعالم بعينه، كما فهمت شخصية «الجبلاوي» على انها تعبير رمزي عن «الدين» وليست بحال من الأحوال تشخيصاً رمزياً للخالق سبحانه وهو امر يتنزه عنه الأستاذ نجيب محفوظ ولا يقتضيه أي اعتبار ادبي فضلاً عن ان يستسيغه او يقبله.
القضية الثانية: حرية التعبير والموقف منها، ذلك انه مع التسليم بأن الحريات جميعها انما تمارس في جماعة منظمة، ولذلك لا يتأبى منها على التنظيم والتعبير إلا حرية واحدة هي حرية «الفكر والاعتقاد» بحسبانهما امراً داخلياً يسأل عنه صاحبه امام خالقه، دون تدخل من أحد، حاكماً كان ذلك الأحد او محكوماً، اما حين يتحول الفكر الى تعبير يذيعه صاحبه وينشره في الجماعة، فإن المجتمع يسترد حقه في تنظيم ذلك التعبير دون ان يصل ذلك التنظيم الى حد اهدار اصل الحق ومصادرة جوهر الحرية، ذلك ان الهدف من إجازة هذا التنظيم انما هو حماية حقوق وحريات اخرى فردية او جماعية قد يمسها ويعتدي عليها اطلاق حرية الفرد في التعبير، وتمنعها على التنظيم والتقييد، ويبقى مع ذلك صحيحاً ان الأصل هو الحرية، وأن التقييد استثناء تمليه الضرورة، والضرورة إنما تقدر بقدرها، ومن شأن الاستثناء ألا يقاس عليه او يتوسع فيه.
وأهم من هذا كله، ان الشهادة التي قدمتها ليست رأياً لي، وإنما هي تفسير كاتب «اولاد حارتنا» لما كتبه، وبيان واضح لا يحتمل التأويل لموقفه من القضايا الكبرى التي اثارتها تلك الرواية، وهي – على كل حال – آخر ما صدر عن نجيب محفوظ، امد الله في عمره، حول القراءة الصحيحة لـ «اولاد حارتنا» باعتبارها «رواية» للخيال والرمز فيها دور كبير، وليست «كتاباً» يقرأ قراءة حرفية للتعرف على موقف مؤلفه من القضايا التي يطرحها بعيداً من الرمز والخيال.
وأدعو الله تعالى ان تتسع عقولنا وقلوبنا لمزيد من حرية الكتاب والأدباء وسائر المفكرين في التعبير عن آرائهم، وإطلاق مواهبهم، بالصيغ الأدبية التي يختارونها، دون حجر او وصاية او مسارعة الى الاتهام وإساءة الظن، حتى لا «تكتم الشهادة» بيننا وتموت، وحتى لا تتجمد الأفكار على اطراف الألسنة والأقلام، فتحرم الجماعة من زاد ثقافي وعلمي تحتاج إليه، وهي تشق طريقها للانبعاث والنهضة وسط زحام حضاري وثقافي لا سابقة له في التاريخ.
«أولاد حارتنا» في طبعتين عن «دار الآداب» (بيروت)
نص الشهادة
حين وقع الاعتداء الغادر على اديب مصر وكاتبها الكبير نجيب محفوظ، كنت خارج مصر وحين عدت إليها طلبت من الصديق الأستاذ محمد سلماوي، وهو من تلامذته المقربين، ان يصحبني إليه لنؤدي واجب الاطمئنان عليه... ولكنه – وسط شواغله الثقافية – تأخر في ترتيب تلك الزيارة حتى عاد الأستاذ نجيب محفوظ الى بيته قبل ايام من عيد ميلاده الذي شاركه في الاحتفال به كثيرون من محبيه ومقدريه. وإذا بالأستاذ سلماوي يتصل بي ليخبرني انه رتب للزيارة موعداً في الخامسة من مساء اليوم التالي، وأننا سنذهب في صحبته ومعنا المهندس ابراهيم المعلم، الذي تربطه ووالده بالأستاذ نجيب محفوظ علاقات ود قديمة وموصولة، ومعنا كذلك الإذاعي والإعلامي المخضرم احمد فراج.
وعلى باب نجيب محفوظ استقبلتنا بالحفاوة المصرية المعهودة السيدة الفاضلة زوجته، ثم جاء الأستاذ نجيب محفوظ في خطوات ثابتة طمأنتنا على قرب اكتمال شفائه، وأخذ يرحب بنا في ود شديد، ثم جلس بيننا. وسادت فترة من صمت قصير، لأن احداً منا لم يعد لهذا اللقاء اكثر من كلمات السؤال عن الصحة والتهنئة بعيد الميلاد, ثم بدا لي – على غير ترتيب ولا إعداد، ان اقطع هذا الصمت، فوجدتني اقول: يا أستاذ نجيب، الجالسون معك الليلة كلهم من قرائك، جيلنا كان يجد في كتاباتك ورواياتك شيئاً بين فن الأدب وفن التصوير، وذلك بما نسجته في وصف القاهرة وحياة اهلها، ونماذجهم المختلفة من وشى دقيق عامر بالألوان مليء بالتفاصيل، حتى ليكاد القارئ يسمع فيه اصوات الناس ويرى وجوههم، ويتابع حركتهم في شوارع القاهرة وأزقتها ومساجدها ومقاهيها، ويكاد – دون ان يشعر – يدخل طرفاً في علاقات بعضهم ببعض... وكم من مرة تعرف بعضنا على احياء القاهرة وشوارعها بما كان قرأه عنك في وصفها وتصوير حياة اهلها... وأضفت: ثم انك يا استاذ نجيب تظل – في خواطرنا – قبل كل شيء وبعد كل شيء كاتباً وأديباً مصرياً خالصاً، لم تدجن كتاباته وآراؤه بتأثيرات غريبة تنال من نكهتها المصرية ومذاقها العربي الأصيل.
وبدا من قسمات وجه الأستاذ نجيب محفوظ وحركة يديه انه يقبل هذا الوصف له ولكتاباته وأنه يرتاح إليه... فشجعني ذلك على ان اتقدم في الحوار خطوة اخرى، فقلت: ويبقى ان نسألك عن رأي عبرت عنه منذ اسابيع قليلة حين بعثت برسالة وجيزة الى الندوة التي نظمتها الأهرام تحت عنوان «نحو مشروع حضاري عربي»، فقد قلت للمشاركين في الندوة: ان أي مشروع حضاري عربي لا بد ان يقوم على الإسلام، وعلى العلم، ولقد وصلت رسالتك، على قصرها، واضحة وصريحة ومستقيمة لا تحتمل التأويل، ولكن يبقى – ونحن معك نسمع لك وننقل عنك – ان نزيد هذا الأمر تفصيلاً، نحتاج جميعاً إليه وسط المبارزات الكلامية التي يجري فيها – ما يستحق الحزن والأسف – من ألوان تحريف الكلام وتزييف الآراء والافتئات على اصحابها.
وفي حماسة شديدة، وصوت جهير ونبرة قاطعة، انطلق نجيب محفوظ يقول: وهل في تلك الرسالة جديد؟ ان اهل مصر الذين ادركناهم وعشنا معهم، والذين تحدثت عنهم في كتاباتي كانوا يعيشون بالإسلام، ويمارسون قيمه العليا، دون ضجيج ولا كلام كثير. وكانت اصالتهم تعني هذا كله، ولقد كانت السماحة وصدق الكلمة وشجاعة الرأي وأمانة الموقف ودفء العلاقات بين الناس، هي تعبير اهل مصر الواضح عن إسلامهم... ولكنني في كلمتي الى الندوة اضفت ضرورة الأخذ بالعلم، لأن أي شعب لا يأخذ بالعلم ولا يدير اموره كلها على اساسه لا يمكن ان يكون له مستقبل بين الشعوب. ان كتاباتي كلها، القديم منها والجديد، تتمسك بهذين المحورين: الإسلام الذي هو منبع قيم الخير في امتنا، والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا.
وأحب ان اقول: انه حتى رواية «اولاد حارتنا» التي اساء البعض فهمها لم تخرج عن هذه الرؤية. ولقد كان المغزى الكبير الذي توجت به احداثها، ان الناس حين تخلوا عن الدين ممثلاً في «الجبلاوي»، وتصوروا انهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلاً في «عرفة» ان يديروا حياتهم على ارضهم (التي هي حارتنا)، اكتشفوا ان العلم بغير الدين تحول الى اداة شر، وأنه قد أسلمهم الى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم، فعادوا من جديد يبحثون عن «الجبلاوي». وأضاف: ان مشكلة «اولاد حارتنا» منذ البداية انني كتبتها «رواية»، وقرأها بعض الناس «كتاباً»، والرواية تركيب ادبي فيه الحقيقة وفيه الرمز، وفيه الواقع وفيه الخيال... ولا بأس بهذا ابداً... ولا يجوز ان تحاكم «الرواية» الى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها، لأن كاتبها باختيار هذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بهذا اصلاً وهو يعبر عن رأيه في رواية. وفي ثقافتنا امثلة كثيرة لهذا اللون من الكتابة، ويكفي ان نذكر منها كتاب «كليلة ودمنة»، فهو مثلاً يتحدث عن الحاكم، ويطلق عليه وصف «الأسد» ولكنه بعد ذلك يدير كتابته كلها داخل اطار مملكة الغابة وأشخاصها المستمدة من دنيا الحيوان، منتهياً بالقارئ في آخر المطاف الى العبرة او الحكمة التي يجريها على ألسنة الطير والحيوان، وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يتوجه إليه كل كاتب صاحب رأي... اياً كانت الصيغة التي يمارس بها كتاباته.
قلت: الواقع انني قرأت «اولاد حارتنا» منذ سنوات عدة، وأذكر انني تعاملت معها حينذاك على انها رواية وليست كتاباً، ولذلك تفهمت ما امتلأت به من رموز تداخل في صياغتها الخيال، ولم أتصور ابداً ان كاتبها كان بهذا التداخل يحاول رسم صور تعبر عن موقفه من الحقائق التي يتناولها ذلك الخيال او تشير إليها تلك الرموز. ولكن الذي استقر في خاطري على أي حال وبقي في ذاكرتي منها الى يومنا هذا، والذي رأيته – معبراً عن موقف كاتبها الذي يريد ايصاله الى قرائه – هو تتويح حلقات روايته الرمزية بإعلان واضح عن حاجة «الحارة»، التي ترمز للمجتمع الإنساني، الى الدين وقيمه التي عبر عنها الرمز المجرد (الجبلاوي) حتى وإن تصور اهل الحارة غير ذلك وهم معجبون ومفتونون بـ «عرفة» الذي يرمز الى سلطان العلم المجرد والمنفصل عن القيم الهادية والموجهة لأهل الحارة.
وتابع الأستاذ نجيب حديثه الأول قائلاً:
انني حريص دائماً على ان تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدى الناس، حتى وإن اختلف بعضهم معي في الرأي، ولذلك لما تبينت ان الخلط بين «الرواية» و «الكتاب» قد وقع فعلاً عند بعض الناس، وأنه احدث ما أحدث من سوء فهم، اشترطت ألا يعاد نشرها إلا بعد ان يوافق الأزهر على هذا النشر، (ولا يزال هذا موقفي الى الآن).
قلت: انني أتمنى – يا أستاذ نجيب – ان يسمع الناس منك هذا الكلام الواضح الذي لا يحتمل التأويل، ليعرفوك منك بدلاً من ان يعرفوك من خلال شروح الآخرين، وائذن لي ان اقول انني كنت واحداً من الذي يجدون هذه المعاني التي حدثتنا بها الآن حاضرة في ثنايا كثير من كتاباتك القديمة والجديدة، وكانت تعبيراً دقيقاً عن منهج جيلنا وجيل آبائنا في فهم الإسلام، فقد كانوا – وكنا معهم – نتنفس الإسلام ونحيا به في هدوء واطمئنان، دون ان نملأ مجالسنا ومجالس الآخرين بالكلام الكثير عنه.
وحين اوشكت الزيارة ان تتحول بهذا الحوار العفوي الى ندوة، تدخل الأستاذ احمد فراج قائلاً في حماسة: كم كنت اتمنى ان يسمع الناس – كل الناس – هذا الحوار الهادئ حول هذه القضايا الساخنة. وأرجو ان يأذن لي الأستاذ نجيب محفوظ بتسجيل هذا الكلام كله مرة اخرى في ندوة تلفزيونية قصيرة لا تتجاوز الدقائق العشر، توضع بها النقاط على الحروف، ويعرف الناس، الموافق منهم والمخالف، حقيقة رأي الأستاذ نجيب محفوظ الذي عبر عنه الآن، كما عبرت عنه رسالته الوجيزة الى ندوة الأهرام.
قال الأستاذ نجيب محفوظ: اني شاكر ومقدر هذا الاهتمام، ولكنني اشفق على نفسي من فتح باب الأحاديث التلفزيونية، وأنا لا ازال في نقاهة لا تحتمل مثل هذا المجهود، ولكنني – بدلاً من هذا – أقترح ان يكتب الدكتور كمال ابو المجد هذا الحوار الذي دار كما دار – وسأكون راضياً عن ذلك كل الرضا.
وفي اطار هذه الرغبة الموثقة بإذن صريح من الأستاذ نجيب محفوظ وبشهادة ثلاثة من ضيوفه الكرام، ولدت فكرة هذا المقال الذي هو عندي شهادة ارجو ان أدرأ بها عن كتابات نجيب محفوظ سوء فهم الذين يتعجلون الأحكام ويتسرعون في الاتهام، وينسون ان الإسلام نفسه أدرج كثيراً من الظنون السيئة فيما دعا الى اجتنابه من آثام، كما أدرأ عن تلك الكتابات الصنيع القبيح الذي يصر به بعض الكتّاب على ان يقرأوا في ادب نجيب محفوظ ما يدور في رؤوسهم هم من افكار، وما يتمنون ان يجدوه في تلك الكتابات، مانحين انفسهم قوامة لا يملكها احد على احد، فضلاً عن ان يملكها احد منهم على كاتب له في دنيا الكتابة والأدب ما لنجيب محفوظ من القدم الثابتة، والتجربة الغنية، والموهبة الفذة النادرة التي انعم بها عليه الله.
أدعو الله ان يتم على اديبنا الكبير نعمة العافية حتى يمسك القلم من جديد مواصلاً عطاءه الأدبي الذي يغني العقل والوجدان، وواهباً ما بقي من عمره المديد – بإذن الله - لتجلية الأمرين العظيمين اللذين اشار إليهما في رسالته الى ندوة الأهرام: الدين، الذي به هداية الناس وراحة النفوس، والذي يفيء ألواناً من المحبة والسماحة ودفء العلاقات والتسابق الى الخير، على حارتنا الكبيرة مصر، والعلم، الذي تحيا به العقول، والذي هو مفتاح امتنا، وكل امة، الى ابواب المستقبل الذي تتزاحم اليوم امامها شعوب الدنيا كلها لتكون لها مكانة في ساحته التي تتشكل معالمها الجديدة يوماً بعد يوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق