‏إظهار الرسائل ذات التسميات سامح عودة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سامح عودة. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، أبريل 05، 2010

غزل للذاكرة بين صفحات "عرش الليمون" للمتوكل طه



سامح عودة


- فلسطين

مفردات ُ التراب الساحر، ورحيق أزهار الربيع، رائحةُ خبز الفلاحات ، وصندوقٌ من ذكريات الطفولة، ومسيرة أجيالٍ ذهبت، تعاقبت وراءها أجيال، سيرة شلال الدم النازف، شهداء كانوا بالأمس القريب هنا.. ورحلوا، أسرى مازال منهم مغيبٌ خلف الأشواك، وجرحى نزفوا فجبلَ الطين بدمهم، منهم من مضى، ومنهم مازال جسده خريطةً تعيد حبالَ الذاكرة إلى مربعها الأول كلما أمعنتَ النظر تحت ثيابهم، وجدائلُ الفتيات، وسيرة الجدات، وأشياء كأنها الخيال، سحرُ يافا، وموالُ العاشقِ الولهان ..

احترتُ بين المفردات، وعدتُ مرات ومرات، سطرٌ فسطر ..

وكلمة فكلمة، وبين الكلمة وأختها، حكايا، لم تحكَ بعد ..!!

هناكَ اختصارات ربما لم تسمح بضعُ صفحات من استيعابها، لان إنسانية الإنسان هنا، تعجزُ كل لغات الأرض عن وصفها، ولو مزجت البحرَ حبراً ما وَثَقَتَ سطراً، مشهدٌ غريبُ، فيه من الغزل الكثير، وفيه من الألم ما لا يعدُ ولا يحصى، وبين الشقين سحرَ مشهدٍ من أطياف عبرت الذهنَ، فأسكرتنا جمالياتها، شريطٌ تتمايلُ على جوانبه ذكريات المكان .. يرسمُ بالحروف خريطةً لا تملُ السير مع خطوطها .

هذا غيضٌ من فيض، وقطراتٌ من مطر، وعطرٌ نفاث، تلمسُ الشغاف وتسري إلى أعماقك، هذه هي الصورة بجمالياتها، عندما تمسكُ بكتاب عرش الليمون ..

" عرش الليمون " من إبداعات الشاعرِ، والأديبِ، والإعلامي الفلسطيني المتوكل طه، - ابن مدينة قلقيلية- كتابٌ أدبي، توثيقي، شعري، جامعٌ فنون اللغة، يحاولُ توثيقَ جزءٍ من ذاكرة المكان " قلقيلية " المدينةُ الفلسطينية، المأسورة، التي تقعُ على سهلٍ يرتفعُ عن الساحلِ قليلاً، كأنها حكمةُ رب الأنام في أن تظلَ عيون قلقيلية مفتوحة نحو الساحلِ تناجي الساحل الأسير، قلقيلية التي ذاقت عذابات الارذلين، وتجلى الجلاد في قتلها، فطوقَ معصميها، بسورٍ لعين ..!! جدار الضم والتوسعِ العنصري يحيطُ بالمدينة من الجهات الأربع، ولم تقف البشاعةُ عندَ هذا الحد..!! فقد استباحوا تلالها " فسرطنَ " جسدها بداءٍ لعين اسمه استيطان، عشرات المستوطنات جاثمةً على صدرها .

" عرش الليمون " يحكي عن عذابات ليمون قلقيلية وبرتقالها، ( قلقيلية نُعاس الوردةِ وبولادها الجسد الشرس الشهيد، طيرها أليف مجنح يعود ولا يقع في غواية الشِباك ومرايا السقوط السراب، وحضنهاٌ صاهلٌ وفي معمور بالأنهار والمواقد .. وقلقيلية اسم للكمال والمحبة والشوق الأكيد ) .

" عرش الليمون " جزء من أدب المتوكل طه، صدر عن دار الماجد للنشر والتوزيع في العام 2004 م، تبلغُ عدد صفحاته مئتي صفحة من القطع المتوسط إذا ما أضيف إليها الغلاف وقائمة المحتويات، وهو متنوع بين الأدب، والشعر، والسياسة، مقسمٌ إلى محطات وسأسمح لنفسي نيابةً عن الكاتب بتقسمها إلى أجزاء وهي :

الجزء الأول : توطئة .. قلقيلية الكتاب .

الجزء الثاني : الاجتياح والحصار .

الجزء الثالث : جدار فصل عنصري .

الجزء الرابع : نجوم البلد ويضم ( دمعة الشهيد، شو يعني مات، أعراس قلقيلية المختلفة، عنقُ النار، لحية أبو اسماعين، كل شيء لهم، سر سعادة مسعودة ) .

الجزء الخامس ملح يافا حلو .

الجزء السادس : في الإيقاع ويضم ( حالات الشاعر، إعراب إجباري، بنت البنات، صورة حمدان، الدم على النصل، ملهاة البلد، حارس المقبرة، المنسوف، الأرض، قلقيلية تلبسُ ثوبها، صور ليلية، تقى، هزار، أبي يا أبي، امرأتان، الجدار، آخر موت لرجل من عامة الناس، إضراب عن الطعام ) .

" عرش الليمون " سيرة توثيقية لذاكرة مكان بأسلوب أدبي، شعري، اقرب إلى الرواية المحكية، فهو يوثق عبر صفحاته المئتين ما قيل، وما لم يقل، ما تناوله العامة، وما يدور في أذهانهم، وللحق فإن انسياب اللغة، وتمكن الكاتب من الكتابة بأكثر من لون أدبي يسرق القارئ من بين السطور إلى عوالم غاية في الجمال، فتراه كالمبحر إلى ميناء بعيد، لأن جمال اللغة ورصانتها يجبرك على أن توجه الشراع نحو النهاية، فلا أعجب أن عاد القارئ للكتاب مرة ومرة، مرة بدافع الفضول، ومرة باتجاه استكشاف المجهول، ومرة منسجماً مع نغم يأسر العقول قبل القلوب، هذا باختصار حول اللغة وهيكلها العام .

أما عن أقسام الكتاب فتجدُ " عرش الليمون " يحاول توثيق أهم المحطات التاريخية التي مرت على المدينة منذ ما قبل النكبة الأولى قبل العام 1948 م وهذا يظهر في جزء " ملح يافا حلو" في هذا الجزء بذات استطاع الكاتب أن يربط الماضي بالحاضر من النكبة الأولى وحتى العام 2004 م انتفاضة الأقصى، وما مر على الشعب الفلسطيني من عذابات ووقع فلسطين كاملة تحت الاحتلال، في هذا الجزء من الكتاب استطاع الكاتب أيضا أن يوظف لغته الأدبية توظيفاً رائعاً حينما استعرض طفولته منذ أن أبصرت عيناه النور في حضن أمه، فروى ذكرياتها منذ شبابها إلى أن توفاها الله فعانت وهي ميتة كما عانت وأنفها يشم الحياة، وهذه النقطة بالذات تحسبُ للكاتب ولا تحسب عليه حينما ربط الخاص بالعام، لأن الخاص أيضا هو جزء أصيل من العام ولا يمكن إغفاله ( في المساء ومن بين المعزين الذين امتلأ بهم الديوان والممرات، أطالَ الرجل الوقوف معزياً مع أشقائي – الذين يكبرونني كلهم – ولما وصل إلي شد على يدي، وقال لي حرفياً: عليكَ أن تكتبَ لكل العالم كيف أهانوا أمك وهي ميتة، وطفقت من عينه دمعة عزيزة، واتخذ مجلسه بين الناس ) .
كما يتناول الكتاب تعريفاً بمدينة قلقيلية المدينة الفلسطينية، مسرح الكتاب، موقعها، تاريخها من عهد الرومان، وما قاله المؤرخون عنها، ويوثق في هذا الجزء المعارك لحظة النكبة، وفي الفترة الممتدة بعد ذلك وصولاً إلى وقعها تحت الاحتلال في العام 1967 م، وهذا الجزء كان ضرورياً لينقل القارئ من عوالم مبهمة إلى عوالم الوضوح، كي يقدم إلى ما سيأتي في الكتاب من أجزاء لاحقاً .

وفي عرش الليمون فنون أدبية وشعرية مختلفة ففي الجزء نجوم البلد " عن الشهداء والأشاوس " ويضم ( دمعة الشهيد، شو يعني مات، أعراس قلقيلية المختلفة، عنق النار، لحية أبو اسماعين، كل شي لهم، سر سعادة مسعودة ) مال الكاتب إلى استخدام أسلوب القصة القصيرة الهادفة، المستوحاة من الواقع، لتوصيل حكمة لمن يمر على الكتاب، وفي كل قصة من هذه القصة فيها رسالة تتناسب وبناء القصة الذي كتبت من أجله، وفي القسم في الإيقاع وهو النصف الأخير من الكتاب طغت اللغة الشعرية على الكتاب، فاستخدم الكاتبُ حنكته الشعرية فكتب في هذا الباب عدة قصائد ( حالات الشاعر، إعراب إجباري، بنت البنات، صورة حمدان، الدم على النصل، ملهاة البلد، المنسوف، الأرض، قلقيلية تلبس ثوبها، صور ليلة، تقى، هزار، أبي يا أبي، امرأتان، الجدار آخر موت لرجل من عامة الناس، إضراب عن الطعام ) ، وفي الباب نفسه فقد استطاع الكاتب أن يبرز مهاراته في البوح " النثر " فكتب ( الفلسطيني ابن البلد، حارس المقبرة ) ، وقد أظهرت براعة الكاتب وتفوقه في استخدام مفردات راقية وظفها مع هدف كل قطعة، والنثر هنا لا يقل شأناً عن الشعر، بل قد يكون أبلغ، وفي الكتاب شيء من الكتابة أشبه بالمقالة كما يظهر في ( شهادة عن دهم البلدة وإعادة احتلالها " الاجتياح والحصار " ، جدار الفصل العنصري )، وقد بدا واضحاً أنه في الجزء الخامس الذي جاء متواصلاً بدون أقسام، استخدم جميع ألوان الكتابة " شعر، نثر، قصة، مقالة " كالعازف على أكثر من وتر .

في " عرش الليمون " مشاهد متعددة، وانحناءات حروف شامخة، ولكي لا نغرقَ بين السطور أكثر فإن هناك أشياء ربما لا يتسعُ المكان لذكرها، ولكن وبرغم جماليات هذه الألوان الأدبية، وبرغم ما حملته من معانٍ سامية، فهناكَ أشياء كان ينبغي على المؤلف الاهتمام بها أو أن يدقق بها أكثر، ففي العنوان عرش الليمون عنوان جميل، لكنني أتساءل كقارئ عادي استوقفته بعض الجماليات في متن الكتاب، يقول المؤلف ( ربما عرفتُ اصرار والدي – رحمهما الله – على زرع بيارة برتقال في أرضنا شرق قلقيلية، بعد النكبة. كأنهما يريدان أن تحمل قلقيلية عن يافا بياراتها وأرضها الممروعة العطرة التي أخذها اليهود ) وبما أن الحديث عن يافا وقلقيلية، وجدت المؤلف قد نوه للبرتقال في أكثر من مكان، فلماذا ؟ لم يسمي الكتاب " عرش البرتقال " مثلاً ؟ وهو تساؤل ليس إلا ..!!

كما أن أجزاء الكتاب مترابطة من حيث التسلسل في الأحداث، وفي المضمون، وللحقيقة فإنها تثير شغف القارئ، واهتمامه، لكنني وجدتُ فيها موضوعاً مختلفاً عن المضامين الأخرى " ملهاة البلد " أقرب إلى نمط الرواية المصرية ، وهنا ينبغي التوضيح أكثر هي جميله من حيث إيقاعها ولغتها، لكنني أراها لا تنسجمُ مع باقي العناوين، فلماذا وضعها في الكتاب ؟ رغم علمي أن مادة الكتاب كتبت خلال فترات، وقد يكون موضوعها مرتبطاً بقلقيلية البلد ..!!

في منتصف الصفحة العاشرة وحتى نهاية الصفحة الحادية عشر ذكر المؤلف معلومات حول قلقيلية، من التسمية، مروراً بقلقيلية حتى خلال العصور، كنت أتمنى لو أن المؤلف في هذه المساحة الصغيرة من الكتاب لو أسندها، ووثقها لواحد أو اثنين من المراجع المعروفة .


الكتاب تناول ذاكرة المكان حتى الانتهاء من طباعته في العام 2004 م، وعرج على تفاصيل الحياة اليومية، وما تعاقبَ على المدينة من أحداث، ولكنه مر على صدور الكتاب خمس سنوات، كانت مليئة بالأحداث فغيرت وجه المدينة الجميل، فلماذا لم يبادر الكاتب برغم معرفتي المسبقة بأنه يستطيع توثيق ما حل بالمدينة من أحداث، إلى إضافة سلسلة أخرى لعرش الليمون ؟ أم أن المؤلف أصدر شيئاً لكنها لم تصل إلى متناول الجميع .

عرش الليمون، محاولة رائع لتوثيق ذاكرة المكان بأسلوب أدبي، وهو بمثابة خطوة أولى في درب طويل، حاول وبكلِ براعة أن يغوص في أعماق بحر لجي القاع باحثاً عن الدرر في القاع، وقد استطاع بأسلوبه الأدبي الشيق، أن يوظف لغته، وشعريته في الكتابة عن جزء من الوطن، لقد أضاف المؤلف إنتاجا أدبيا، ثقافياً، توثيقياً للمكتبة العربية، وهو مرجع لمدينة معذبةٍ لم تلق نصيبها في تسليط الأضواء عليها، إن هذا الوطن المثقل بالجراح، الزاخر بكنوز الجمال يستحقُ الرعاية والاهتمام من قبل كتابنا ومثقفينا، ولذلك عليهم أن يسلطوا، أقلامهم نحو ذواكر الأمكنة، كي لا ننسى ..!!

السبت، نوفمبر 14، 2009

كأن السماء تمطرُ شعراً، وموسيقى




الثلاثي .. جبران، غيومٌ حالمة تنثرُ أشعار محمود درويش في أبعد ِ مدى ..!!
للسماءِ بهجتها، حينما تمطرُ غيثاً، يبعثرُ في الأمكنة ابتسامات كانت مدفونةً تحت التراب، لتنبتَ من أحشاء الأرض، زهوراً، وأعشاباً، ظلت تنتظرُ لحظةَ الهطول، لحظات الهطول، ورائحة المطر، وحبات البرد، تفتحُ نوافذَ الإبداع في ذهنية ِ شاعرٍ رومانسي ظلَ معلقاً بأطياف الشوق ينتظرُ لحظة عناق الأرض لحبات المطر كي يكتبَ قصيدةً بمداد المطر تلامس القلوب ..

هذا المشهد بكل جمالياته، وتداخلاته، وإحياءاته، ما جعلني أعبرُ مع حبات المطرِ التي هطلت قبلَ حين، إلى مدى بعيد، وأنا استمعُ إلى الثلاثي " جبران " على ألحان موسيقى تمطرُ شعراً لمحمود دروش، وكأن روح الشاعر محمود درويش تستيقظُ من سبات الموت، وتعود إلى العالم من جديد، محفوفةً بعطرٍ يعبرُ إلى أعماقنا حتى يتوحدَ مع وهج الروح، ويظلُ الكونُ في صمتِ يأسره السكون، فقط ما يتحركُ فيه، أناملُ تعزفُ على وترٍ أنشودة لشاعرٍ رحلَ قبلَ سنةٍ ونيف، وبضعُ سويعاتٍ، نعدها كلما تحركت عقاربُ الساعات ..

الثلاثي " جبران "، سمير،و وسام، وعدنان، أسماءٌ تربعت فوق عرش الموسيقى الملتزمة، ودخلوا إلى العالميةٍ من أوسعِ أبوابها، لقد رافق الثلاثي جبران الشاعر الراحل محمود درويش ثلاثة عشر عاماً، كانوا ملزمون له كغيمةٍ تنتظرُ قطرةً من شعره، حتى يغرقُ عالمُ في بحرٍ عذب، أسفله، موسيقى، وأعلاه أناملُ تغازلُ الأوتار لتستنطقها، هكذا ظل عازفو العود الثلاثة الشباب رفقاً لدرويش في أمسياته، أينما جال في الأصقاع رافقوه، فكانوا معه جواز السفر لهويتنا، وثقافتنا، ينطقون باسم شعبنا أينما حلوا، وعرفوا الآخر بهمنا، ووجعنا، فكانوا وما زالوا سفراءَ لنا معبرين عن هويتنا الوطنية، وحقنا في الحرية والاستقلال، رحلةُ السفرِ وان طالت لم تثنهم عن الهدف، ولم تنحرف بهم البوصلة بعد وفاة " المايسترو " درويش، ظلت عواصم الأرض تفتح ُ ذراعيها، لارتشاف جرعات من هذا البذخ الموسيقي، الذي يأسرُ القلب بين أوتارهم .

استطاع الثلاثي جبران بكل عنفوان أن يقودوا المركب وسط الأمواج المتلاطمة، ويعودوا الشراع إلى مكانه، ويوجهوه نحو الاتجاه الصحيح، بانتظار موانئ جديدة تنتظرُ لحناً مازال ينتظرُ الصدوح، تألقت نجومهم، فعلا وهجها، سريعاً، وأضاء الكون بنور لم يعهده من قبل، موسيقى تعيد ترتيب الوقت في غفلةٍ، تضجُ بأشعار درويش، وكأن درويش يشاركهم هذا العزفُ وان غابَ جسداً، فروحه تنطقُ كلما لامست أناملُ الثلاثي جبران أطراف الوتر ..!! في هذا العزف الجميلُ أشياء لا يمكنُ للحروف أن تكتبها، فجمالية المقطوعات تدع اليراع متيبسا في اليد، وان حاولت عبثاً ملامسة الصفحات، ستجدُ أن الحبرَ تبخر ..!! لذا فان كل جماليات الكلام باعتقادي لا يمكنُ لها تصوير المشهد في حينما يغرقُ الكونُ في مطر عزف الثلاثي جبران ..
في فسحة ٍ لا بأس بها قدرَ لي أن أتابعُ أخبار الثلاثي جبران، وأستمع إلى بعض من معزوفاتهم، واجهات الصحف، والمجلات، ومنصات وسائل الإعلام الأخرى عجت بأخبارهم، لان هذا العزف الخلاب لا يمكنُ للصفحات أن تحتويه مهما تعددت .

في أربعين محمود درويش وبحضور نخبوي، كبير، أبدعَ الأخوة جبران في تطريز لوحة عزف أضاء وهجها قعر السماء، كانت اللوحةُ ذات ألون متعددة، جميلة في الألحان، معقدة في العزف، هذا العملُ سمي " في ظل الكلام " ، التي تجمع بين موسيقى الثلاثي جبران وأشعار محمود درويش، كأنها حالةُ عشق ابدي يتوحدُ فيها الحرفُ مع الوتر .

جال الثلاثي جبران أماكن عدة كي يقدموه عرفاناً منهم بقدرة " المايسترو " على التأثير في ذهنية العازفين، لاقى هذا العمل إقبالاً منقطع النظر، إذ ما يزالُ على أجندتهم أماكن أخرى تنتظرُ حضورهم للاستماع لهذا العزف، العملُ بكل تفاصيله يعبر عن أصالة في الأداء، وهو الهدية القومية التي يمكن للفلسطينيين تقديمها للعالم، مما تسربَ من الأخبار هنا وهناك عن صدور النسخة الدولية من ( في ظل الكلام ) مزودة بأشعر لمحمود درويش بالفرنسية، عن دار " اكتسود " الفرنسية .

رحلةُ الثلاثي جبران مازالت في بدايتها، ونجاحاتهم تعجزُ عن الإلمام بها، فهي تجاوزت المحيط إلى العالمية، لقد قال لهم محمود درويش يوماً " المستقبلُ أمامكم أما أنا في المستقبلُ ورائي " حقيقةً أصاب درويش، فالمستقبلُ أمامهم، والرحلةُ في أولها، وبالتأكيد في المستقبلِ أعمال سيفاجئنا بها الأخوة جبران بمستوى عمل في ظل الكلام، أو بمستوى أعلى منه، في الأفقِ غيمةِ حبلى بالمطر ...!! ورغمَ هطول الأخوة " جبران " مرات، إلا أن الأرض ستبقى عاشقةً لهذا المطر، ففي اللحظة التي تلامسُ أناملهم الوتر، نرى السماءَ تمطرُ ألحاناً، وموسيقى، وشعراً كأنها المطر الذي يروي الصدور بجمالياته ...

السبت، أبريل 04، 2009

و َ .. الله ُ يفصل .. بينهم

سامح عوده

المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة

حي على الصلاة حي الفلاح .... الله اكبر الله اكبر لا اله إلا الله

هكذا بدأ صباح مدينة بيت لحم المدينة الفلسطينية الوادعة ... مع أول بزوغ شمس يوم جديد ، تعانق الهلال مع الصليب ، في منظر عجيب يصعب على الذاكرة تخيله ، الجو بارد ، وأشعة الشمس بدأت تلقي خيوطها الخجولة في كل مكان ، وكأن المدينة على موعد ... مع المجهول فلا أحد يعلم ما يخبأ تحت ثنايا القدر .. !!

أي موعد ٍ .. هذا ؟ وأي قدر ينتظر الشجر َ والحجر .. !!

انتفاضة الأقصى بدأت سنتها الثالثة ... والمقاومة الفلسطينية يشتد عودها ، فترسم صورة ً لغدٍ مشرق ٍ ، بمحبرة الدم ِ ، وألوان التضحية التي يصعب على المخيلة تصورها .. !!

بسالة ٌ عالية ٌ .. وزنود حملت الأكفان على الأكف ، استبشرت بغد ٍ جديد ٍ ، يحمل خيط الأمل الذي يرتجيه المقهورون .. والمسحوقون على ثرى هذه الأرض .

لذلك نبت في كل شارع وحارة .. أسود .. وأشبال ٌ باعوا النفس ، لأجل حلم جافى مضاجع .. من يقبعون تحت نير الظلم والظلام ..

ومع انقشاع لسعات الصقيع الباردة التي عانقت حجارة المدينة العتيقة ، هللَ.. اسود المقاومة وكبروا في العرين ، أيقنوا بأن النصر صبر ساعة ، وأن سلاسل الحديد التي تطوق الوطن الأسير ستنكسر بهمة الرجال .. وصمود من شربوا ماء الوطن ، سلسبيلا طاهراً ، لذلك توزعوا في شوارع المدينة وأزقتها الحزينة الباكية فعانقوا جدران المساجد ، وحجارة الكنائس ، ... بدأ المقاومون ينتشرون في كل مكان كخلية نحل كل يعرف مراده .. !!

تنقلوا عبر الدروب ، يستنشقون عبير الصباح ، هواء واحد ، في وطن واحد لا يقبل القسمة ، أو التقسيم أو حتى التجزئة ، جمعهم تحت سماء ٍ واحدة دم ٌ ومصير مشترك .

أطل من بعيد تعتليه غيمات النخوة ، حاملاً بندقيته التي طالما صوبها إلى صدور المغتصبين ، أبو مجاهد ، قائد مجموعات المقاومة رجل تجاوز الخمسين من العمر ، خط َ الدهر على دفتر أيامه ، حكايا الوطن ، حمل في صدره حبا ً لوطن طالما رسمه بالجراح ، المتناثرة على جسده ما بين إصابات بالرصاص ، وآثار عذاب في أروقة السجون ، ابتسم ابتسامته المعهودة عندما نقلته قدميه إلى نقاط تمركز المقاومين ، تفقد مقاتليه ، وبدأ يشد ُ من أزرهم

- صباح الخير يا شباب ..

- صباح النور أخ أبو مجاهد

- كيف المعنويات اليوم ؟

- الحمد لله ، نزداد قوة وصلابة يوما بعد يوم .

- الحمد لله دائما .. المهم أن نكون مع الله لأن النصر من عنده ، فالنصر صبر ساعة ..

- أتحتاجون لشيء ؟

- الحمد لله لا ينقصنا شيء ، عليه اتكلنا

ابتسم ابتسامة عانقت سقف السماء ، وصار يغني لهم مواويل الوطن المتجذر فيهم ، يوزع المهام

- يا شباب أنتم هنا .. وخمسة في الجهة المقابلة والباقون يتوزعون في أزقة المدينة كيفما اتفق صار يبعث في نفوسهم الطمأنينة .. ويبشرهم بالنصر القريب ، والكل ينفذ التعليمات حسبما ما اتفق .

توزع المقاومون كما رسم لهم .. مرفوعي الهامة إرادتهم لا تقهر ... وإيمانهم بالنصر يفوق حدود المستحيل ، تعاهدوا جميعا على تقديم أرواحهم فداءً لمدينتهم .. ووطنهم الغالي .. لقد ألغى هذا الإيمان حدود الطائفية الضيقة ، وأسوار الفرقة المقيتة ، توزعوا مسلمين ومسيحيين ، يسارا ويمينا ، عيونهم مفتوحة نحو الهدف .. !! وقلوبهم تنبض حبا مع أجراس الكنائس وتكبيرات المآذن ، لأرضهم المقدسة .

لم تغفل عيونهم لحظة واحدة ، ولم يفكروا إلا فيما هو قادم ، كيف سيكون الغد .. !! .

فجأة وكأن القدر ساق خيوله إلى مدينتهم ، بدأ سكون المكان يتلاشى شيئا فشيئا ، مع هدير الطائرات العمودية والدبابات الإسرائيلية التي أتت من بعيد .. المقاومون يرددون بدؤوا صيحات الله أكبر ، لينتبه الجميع ... ويأخذ مكانه ... ولتبدأ القذائف تنهمر على المدينة من كل الاتجاهات ... والمقاومون يتلقونها بما توافر لهم من إيمان وعزيمة وصبر وتوحد .

ها هي الحرب قد بدأت ... وها هي الدبابات تقترب من قلب المدينة الصغيرة النابض بالحب لتدنس طهارتها، وتفض بكارتها ..... وتدوس التاريخ تحت جنازيرها ... أزقة المدينة الحزينة عجت بالشهداء والجرحى .... ولكن الإرادة بقيت كما هي لم تكسرها سطوة الجلاد .

وعلى مسافة قريبة من كنيسة المهد الشامخة تجمع عشرات ُ المقاومين الذين بدأت الدبابات الإسرائيلية تقترب منهم كما هي الأفعى السامة ... وعلى مقربة منها حاول المقاومان محمد وجريس صدها كي يتمكن باقي إخوانهم من الاختباء في مكان آمن ...

- محمد هل أنت جاهز ؟

- نعم يا أخي جاهز ..وإيماني بالله أسمى الأشياء ..

لكن العتاد الشحيح والذخيرة القليلة حالت دون توقف تلك الدبابات ... وفكرا سريعا في استخدام الأحزمة الناسفة التي تلتف حول أجسادهم الطاهرة

- جريس حضر حزامك الناسف

- حزامي جاهز .. !! لنتوكل على الله

.... وبلمح البصر صاح الاثنان معا :

- بسم الله والله اكبر ... عاشت فلسطين

وبعد دوي انفجار كبير تناثرت الأجساد إلى أشلاء ودمائهم الطاهرة لونت جدران الأزقة ... وما أن أعطبت الدبابة الأولى .. !! حتى تمكن بقية المقاومين من الهرب إلى كنيسة المهد ، ليبدأ فصل جديد من المعركة ... قبة المهد ضمت تحتها عشرات المقاومين يأكلون في صحن واحد ويشربون في كاس واحد ... ويستنشقون هواء واحد ، وعدوهم واحدا ً يقف خلف الأبواب الموصدة بالمرصاد .

ومرت تلك الأيام العصيبة من بطش الاحتلال ، وجبروته لكنها جوبهت بعناد شرس ، تجسد في ملحمة رائعة ، تحكي روعة وحدة شعب يعاني ويلات القهر والاحتلال . وعندما بدأنا في جمع الأشلاء ذهبت يمنى محمد الى جسد جريس ويمين جريس في تابوت محمد " وتركنا لله " أن يفصل بينهما يوم القيامة ؟؟؟

– فلسطين
Sameho120@gmail.com

الخميس، مارس 05، 2009

المرأة الفلسطينية نموذج عطاء، واستمرارية نحو الإبداع

سامح عوده

بمناسبة الثامن من آذار يوم المرأة العالمي ..

قراءة في كتاب إعلاميات فلسطينيات: تجربة وإبداع

شكلت المرأة الفلسطينية عبر تاريخٍ طويل من العطاء، نموذجاً فريداً، راقياً، يستحقُ الثناء، والتقدير، بحكم الظروف الخاصة التي عاشتها والتي كونت لديها وعياً صقل شخصيتها، وأضاف إلى عقليتها بعداً ذهنياً، تمثل في فتح كل الأبواب المحكمة الإقفال التي كانت مغلقةً في وجهها، وبحنكةٍ عاليةٍ وبإصرار على مواكبة كل جديد ارتقت بنفسها، واستطاعت أن تواجه كل مورثٍ خاطئ، كان يشكل عائقاً أمام طموحها، ويحدُ من استمراريتها، إن الحالة " الديناميكية " التي خلقتها المرأة الفلسطينية في المجتمع شكلت أساس النهوض للأجيال القادمة، فمن خلال استعراض لأوراق قرنٍ مضى نلاحظُ بما لا يدعُ مجالاً للشك أنها استطاعت أن تكتبَ بما قدمته من عطاءات، وتضحيات، اسمها على كل ورقة من أوراقه، وفي سائر المجالات، علمية، أدبية، نضالية، سياسية، فهي الأم، والمناضلة، والثائرة، وهي الأكاديمية الجامعية، ووو .... وهي نصف المجتمع الذي لا يمكن الاستغناءُ عنه .. !!

المجتمع الفلسطيني حتى الآن لم يذق طعم الأمان المتوافر في المجتمعات الأخرى بسب الاحتلال الذي مازال َ جاثماً على الأرض، وبالتأكيد عندما نتحدث عن المجتمع الفلسطيني فإننا لا نتحدثُ عن لوحة بيضاء واضحة المعالم، إننا نتحدث عن لوحة، تتداخل فيها الألوان لدرجة أنه لا يمكن الفصل بين اللون والآخر، وتداخل الألوان يجعلك حائراً عند النقطة التي وصلتَ إليها، وحتى لا نغرقُ في التأويل كثيرا فإن المرأة الفلسطينية بحكم تعقيدات الظروف المحيطة بها، ومصاعب الحياة التي أرهقت كاهلها، جعلت من تلك المصاعب سلماً نحو الارتقاء بوضعها، ووضع أسرتها، فكثيراً ما حرمتها الظروف من الزوج، بسبب الاستشهاد، أو الاعتقال، ومع ذلك استطاعت أن تكون أباً وأماً في الوقت نفسه، وأن توفر لقمة العيش للبيت دون أن يمس شرفها وكرامتها، وتتابع مسيرتها التعليمة، فتحصل على أعلى المؤهلات، الأمر الذي انعكس إيجاباً على وضع الأبناء ..

كتاب إعلاميات فلسطينيات، تجربة وإبداع، الذي صدر العام الماضي 2008 م، من الكتب التي سلطت الضوء على جانب مهم في عمل المرأة الفلسطينية في مجال الإعلام، التي وصلت إلى آخر الدنيا بفضل تكنولوجيا الإعلام المرئي، والمسموع، والمكتوب، ونتيجة للظروف القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، فقد استطاعت نجمات الإعلام الفلسطيني أن يكن في موقع الحدث، جنباً إلى جنب مع الرجل، بالرغم من كل ما يحيط بهن من أخطار، يبدو أن إرادة التصميم على إثبات الذات كانت حافزاً نحو اقتحام المرأة الفلسطينية ميدان الإعلام بالرغم من خصوصيته وحساسيته ..

الكتاب هو للكاتبة والإعلامية " نبال ثوابتة " وهي كاتبة وصحافية فلسطينية، وقد صدر الكتاب عن " مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان " ، وهو يأتي ضمن سلسة الكتب التي يصدرها سنوياً، في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتسامح، بالتأكيد المكتبة الفلسطينية فيها الاف الكتب التي صدرت خلال الأعوام الماضية، عن مراكز مشابهة، ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى، ربما كان الدافعُ البحث عن تمويل فقط ..!! إلا أنني ومن خلال متابعتي لمنشورات المركز وجدت فيها ما يفيد الباحث الفلسطيني، بل وحتى العربي، فقد شاهدت نموذجا من الكتب والدوريات، التي اختيرت بعناية، وهذا الكتاب الذي صدر عن المركز، ونحن بصدد تسليط الضوء عليه يمكن أن يكون شهادة للمركز يمكن للقارئ أن يتأكد منها بنفسه من خلال الرجوع إلى الكتب ..

مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان " أسسته مجموعة من الباحثين، والأكاديميين، والمحامين، والناشطين في قضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وهو مركز مستقل، لا ينخرط في أنشطة تؤثر على حياديته، واستقلاله، يسعى المركز إلى نشر ثقافة التسامح والمواطنة المستندة على مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان، رسالة المركز تقوم على أساس دعم حقوق الإنسان ومناصرتها، وسيادة القانون في فلسطين على طريق إرساء دعائم مجتمع مدني فلسطيني قوي ومؤثر، ويعمل المركز بشكل رئيس على تعزيز المفاهيم التالية في الثقافة الفلسطينية : التسامح، التعليم الحر، حرية الرأي والتعبير، والحكم الصالح " يمكن للمهتمين التعرف على المركز أكثر من خلال الشبكة العنكبوتية عبر محركات البحث المختلفة .

يقع الكتاب في مئة وستين صفحة من القطع المتوسط، قُسم إلى خمسة أبواب، اعتمد على منهجية علمية من خلال تقسيم الإعلام الفلسطيني إلى قطاعات مختلفة، واختيار نموذج من كل قطاع ليسلط عليه الضوء ضمن الدراسة، بحيث واكب الكتاب، تنوعات الإعلام وتداخلاته، مرئي، مسموع، مكتوب، الكتروني، ويتنوع بين الرسمي، وشبه الرسمي، والخاص، والعالمي، واختيرت اما امرأة أو أكثر لتمثل كل من قطاعات الإعلام المختلفة ليسلط الضوء على تجربتها، والكتاب يقسمها كما يلي :

· الإعلام الحكومي : " الإذاعة والتلفزيون " : اختيرت مها عواد من صوت، وهبة عكيله التي عملت لسنوات في تلفزيون فلسطين قبل أن تنتقل إلى قناة " الجزيرة " .

· الإعلام العربي : اختيرت شرين أبو عاقلة من قناة الجزيرة، ورهام عبد الكريم من قناة العربية .

· الصحف المحلية : نائلة خليل .

· الوكالات العالمية : وفاء عمرو من رويترز، وماجدة البطش من وكالة الإنباء الفرنسية .

· الإذاعات المحلية : اختيرت ميسون مناصرة من راديو أجيال .

· وكالات ومحطات تلفزة محلية : أختيرت ناهد أبو طعمة .

· محطات الإذاعة المحلية : أختيرت الفت حداد من راديو سوا .

· الإعلاميات المستقلات : أختيرت دنيا الأمل إسماعيل .

يعرض الكتاب منهجية الدراسة التي اعتمدت على المقابلة المباشرة، والمسجلة صوتياً، حيث تم تحريرها ورقياً فيما بعد، بعد أن تمت مراجعتها من قبل الإعلاميات صاحبات العلاقة قبل النشر، وتقع أسئلة المقابلة في تسعة عشر سؤلاً، برأيي كانت شاملة بحيث يعتمد عليها في إعطاء صورة واقعية لعمل المرأة الفلسطينية في مجال الإعلام بكل تناقضاته، من حيث البدايات، والآفاق، وحرية التعبير، وطبيعة المجتمع، والعوائق التي تواجه الإعلامية على أكثر من صعيد .

وبعد أن تم تفريغ معلومات المقابلة خرجت على شكل قصة خاصة بكل إعلامية من الإعلاميات اللواتي تمت مقابلتهن، بالتأكيد سوف تجد بين سطور كل مقابلة في الكتاب، قصصاً وحكايات، فيها التعب، وفيها العجب، وفيها إرادة وتصميم للارتقاء نحو الأفضل، في كل مقابلة من المقابلات يظهر كيف صقلت كل تجربة بالخبرات المطلوبة كي تخرج إلى النور ، ذللت الصعاب، وجعلت من تجربتها العلمية، وتجربتها المهنية، أساساً كي تستحق لقب إعلامية مهنية بجدارة، وبعد تفريغ أسئلة المقابلة التسعة عشر تم إخراجها مكتوبةً بحيث دمجت في اثني عشر محورا وهي : البدايات، استحقاقات الافضل، المجتمع وحرية الرأي، الحياة الاجتماعية، الرجل المسؤول، الشخصيات السياسية والاعتبارية، رئيسات التحرير وكاتبات العامود، الأحزاب السياسية، الرقابة والنشر، التهديدات وحرية الرأي، رجال الدين، دور النقابة والوزارة ، شمولية المحاور وسلاستها أضاف جمالية أخرى للكتاب ليجع القارئ منسجماً أكثر مع المحاور المطروحة .

ويتطرق الكتاب أيضاً في موضوعين منفصلين إلى ذكر الإعلاميات في فلسطين ، من حيث، الاسم، طبيعة العمل، المؤسسة العاملة فيها، سنوات العمل، وهذا الباب في جزئين منفصلين، الجزء الأول يذكر إعلاميات الضفة الغربية، والجزء الثاني يذكر إعلاميات قطاع غزة، وهذان الموضوعان وان كانا عرضا بطريقة مبسطة إلا أنهما يسلطان الضوء على حجم الإعلاميات في فلسطين.

إعلاميات فلسطينيات تجربة وإبداع، من الكتب النادرة في المكتبة الفلسطينية، ربما يكون الوحيد في مجال المرأة والإعلام الذي جاء على هذا النحو، وهو شمعة أولى في درب الإعلامية الفلسطينية، لذا أرى من الضروري أن يتابع المركز مسيرته في هذا المجال كي يضيء شموعاً أخرى في نفس الدرب، كي يكون إطلالة أوسع للمهتمين بقضايا المرأة وواقعها في فلسطين، بل وربما ستساهم هذه الكتب إذا ما خرجت إلى النور في جذب انتباه المهتمين بدراسات المرأة خاصة في الدراسات العليا، " ماجستير " و دكتوراه من خلال توفير مراجع لدراساتهم المختلفة، خاصة وأن برامج دراسات المرأة في الجامعات الفلسطينية تشهد إقبالا كبيرا عليها .

من النقاط التي كنتُ أود أن تكون موجودة على غلاف الكتاب أن يكون هذا العمل بعد كتابته وإخراجه بشكل نهائي أن يكون العمل مشتركا بين كاتب وكاتبة، وهذا لا يعني بالمطلق انتقاصاً من قدرات الكاتبة نبال ثوابته، بالعكس، هي شهادة من الرجل لها ولجلالة العمل الذي قامت به، بدعم من المركز وفريق العمل الذي شاركها في إخراج الكتاب إلى حيز النور، قد تكون هذه الملاحظة ليست ذات أهمية إنما تبقى وجهة نظر .

إعلاميات فلسطينيات تجربة وإبداع، هو اعتراف بقيمة المرأة الفلسطينية، ومدى مواكبتها لتطوير ذاتها، وتعبير عن قيمة الشراكة مع الرجل في اقتحامها لأدق المجالات واعقدها، والإعلام ليس صورة هنا أو خبرا هناك، إنما هو علم معقد كباقي العلوم، والعمل فيه يحتاج إلى اقتحام حقول من الألغام كي تفلح في النجاح، لو خيرت أن اكتب إهداءً على الصفحة الأولى للكتاب سأكتب عليه " إهداء للمرأة الفلسطينية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الفلسطينية"، ثقتي بأن تواكب مراكز البحث موضوع الكتاب وتقدم شيئاً جديداً يضاف لعطاءات المرأة الإعلامية وفعالياتها .

الثلاثاء، ديسمبر 02، 2008

صباح الخير جيوس

سامح عوده

نزف للبلدة التي أحببتها

وأحبتني ..!!

مكتب محافظة قلقيلية

أدركُ تماماً أن صباحات الكاتب الكبير زياد الجيوسي هي من وهبت يراعي الجرأة كي يسكبَ من مداده وفاءً لجيوس البلدة الفلسطينية الشامخة بشموخ أهلها وعنفوان ابنائها، فصباحكِ أجمل يا جيوس، صباحكم أجمل أهالي جيوس أيها الزارعون للارض، أيها المقاومون لكل سياسات الاحتلال وهمجيته، الاحتلال الذي حاول أن يغرس انياب جرافاته في تراب أرضكم الطاهرة كي تقلعوا، وحاول بمستوطناته التي بناها على أرضكم كي تركعوا، وحول بلدتكم الى معازل بعد أن اقام جدار الفصل العنصري ليقطع عنكم وريد الحياة فتنتحروا، فلم يفلح، كنتم وما زلتم سداً منيعاً في وجه العاصفة الغوغاء، تأبى الهامات العاليات أن تنحني الا لله، فجذركم الكنعاني الراسخ في رحم الارض ظل ممتداً منذ أن خلقت ذرات التراب الأولى، ونبتت في رحم الطين أول بذرة.

هي جيوس التي ما هانت يوماً، وهي موطن الرجال .. الرجال الذين يعبرون عن تواصلهم الروحاني مع بلدتهم كل يوم بصورة فيها من الوفاء، والصمود، والخلود الكثير .. الكثير، لذلك توافدت وسائل الاعلام، وجرائد الاخبار، وكل المسموعات والمرئيات، كي تنقل أخبار المنغرسين بأرضهم، المنزرعين بمزارعهم، لكن للاسف كان السواد الاعظم منها أجنبياً، أما وسائل الاعلام العربية حفظها الله..!! فقد كانت قليلة العدد، يبدو أن العزف على جرح الخلاف الفلسطيني الداخلي يحتل الأولوية في برنامجها فتاهت بين الحاء والفاء ..!!

فصباحكك أجمل يا جيوس ..

جيوس البلدة الفلسطينية الوادعه الواقعة على تلةٍ متوسطةِ الارتفاع، إلى الشرق من مدينة قلقيلية، وتبعد عنها ما يقارب عشرة كيلو مترات، تتربع على عرش الجمال، فيها الزيتون الرومي ما زال يشهد بأن هده الارض فلسطينية خالصة، ربما كانت تلك الأسباب هي التي فتحت شهية الاحتلال، ليقم على أرضها مستوطنة " تسوفيم " التي تقعُ الى الغرب من البلدة مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، جالباً لقطاء الارض، وأرذل الخلق كي يقيموا عليها، لقد نهبت تلك المستوطنة الآف الدونمات، ولوثت جوها النقي، المطعم برائحة البرتقال، واللوز، والزيزفون الغافي على سفوحها، بالكسارات التي تطحنُ الصخر، محاولةً تغيير معالمها التاريخية، قاتلةً النرجس، والزعتر، والدحنون، النابت بإرادة لله بين صخورها، تهافت المستوطنون اللقطاء يقيمون كساراتهم، بدعم من الاحتلال، ولم ينتهِ المشهد عند هذا الحد، فمع بداية العام 2002 م أقيم جدار الفصل العنصري على أرضها تحت مرآى ومسمع عالمٍ ( حُرًّ ) مكملاً ذاك الجدار الذي يتلوى كالأفعى على امتداد الأرض الفلسطينية، مدمراً الآف الدونمات في مساره، وعازلاً الآفاً أخرى خلفه، هي عصب الحياة للمواطنين، الذين حفروا في الصـخر فزرعوا كل الطيبات متحدين كل الصعاب، كنتُ قبل أيام برفقة احدى الصحفيات الأمريكيات التي تقيمُ في ألمانيا في جولة للاطلاع على ما أحدثه جدار الفصل العنصري من خراب، فأصرت أن تلتقي أحد المزارعين من البلدة بعد أن عبرت عن ذهولها لما شاهدته من جدار يتلوى قالت عنه انه أفعى تأكلُ الأخضر واليابس ، فالتقت شريف عمر"أبو عزام" وهو مزارع تعلم مند ايام طفولته الأولى أن على هذه " الأرض ما يستحق الحياة " لذلك آثر أن يكون مزارعاًً يأكل هو وأسرته مما تزرع يداه، سألته الصحفية سؤلاً:

- مادا تزرع في أرضك ؟

فاجابها بالانجليزية وبطلاقة أملك الجنة.. فذكر لها أكثر من عشرة اصناف من الفواكه مزروعةً في أرضه التي نهبها الجدار، هؤلاء هم الفلسطينيون بلاغتهم تسبقهم، يذهلون الآخر بانجازاتهم، لذلك أبدع المزارعُ في هده البلدة بالزارعة فأنتج كل ما تشتهيه الانفس، ساعده في ذلك المناخ ووفرة المياه، وسواعده التي غرست فمنها أكل.

صباح الخير ايتها السواعد السمراء ..

صباح الخير لحبات القمح التي بذرها المزارعون قبل أيام، وجمعوا زيتاً وزيتوناً قبل شهر، صباح الخير للسواعد السمراء، التي زرعت، وقاومت.

بحكم عملي، وبحكم القرابة والنسب التي تربطني بالبلدة وأهلها، كنت قد ترددت عليها كثيراً في الايام الاخيرة، وشاهدت تلك السواعد التي جبلت بعرقها تراب الارض، تزرعُ في يد وترمي الحجارة باليد الاخرى، كنتُ قد شاهدتُ شيوخاً، وشباناً، وأطفالاً يخرجون في مسيرة حاشدة ضد الاحتلال وجداره المقيت، فيشتبكون معهم، بصدورهم العارية، يقتلعون بوابات جدار الفصل العنصري من جذورها، ويرمونها في الجحيم، يجنُ الجيش والعسكر فيمطرون البشر، والشجر، بزخاتٍ من الرصاص الحي، والقنابلَ المسيلةَ للدموع، ويخوض الشبان معركةَ الصدور العارية، فقط كل ما يملكونه، إيمان بالله وبعدالةِ قضيتهم، التي قدموا أنفسهم قرباناً لها..

جيوس .. ذاكرة الزمان، وذاكرة المكان، ونزيف الجرح الغائر في الروح، قرر المسؤولون في البلدة أن تستمر فعالياتهم ضد الجدار ، وأن يكون كل يوم جمعة من كل أسبوع، فعالية مناهضة للاحتلال وجداره، وللأسف لم يجد السكان المحليون من يقدم يد العون لهم إلا مجموعات من المتضامنين الأجانب، يبدو أن العروبةَ قد نضبَ عطاؤها، فشكراً للعروبة التي وحدتنا فلم نغث بعضنا بعضاً..!!

المواطنون لم تهن عزائمهم رغمَ الجيوش المجيشة التي تتربص بهم ليلَ نهار، لذلك رأيت الإصرار في عيونهم نسراً محلقاً، والتحدي في ملامح وجوههم خيلاً تدوس بحوافرها رملَ الصحراء، ومع ذلك فان البلدة وأهاليها ينتظرون من يمدُ لهم يدَ العون للعبور إلى بر الأمان، الصمود أكثر والتخلص من الاحتلال، وهدم جدار الفصل العنصري، وإزالة المستوطنات، لذلك بعثوا ببرقياتهم لذوي العلاقة والشأن :

- البرقية الأولى للعالم الحر، والمؤسسات الراعيةُ للإنسان وحقوقه، خاصة الأمم المتحدة كي يوجهوا أنظارهم إلى القضية الفلسطينية بشكل عام، والى البلدة بشكل خاص، خاصة وأن البلدة بعد أيام قلائل سوف يزورها وفد من الأمم المتحدة ليرصد الضرر ويستمع إلى شكاوى المواطنين، وما لحق بهم من أضرار، يأملُ المواطنون أن ترصد اللجنة المكلفة من قبل الأمم المتحدة كلَ الضرر الذي لحق بهم وبأرضهم، وترفعُ تقاريرها بشفافية لذوي الشأن، ويعمل بجدٍ على إنفاذ كل التوصيات التي سوف تصدر عنها، ألم ينص القانون الإنساني على الحق في الحياة ..؟!

- البرقية الثانية: يوجها المواطنون إلى الأمة العربية والإسلامية، كي تقدمَ يدَ العون والمساعدة للفلسطينيين بشكل عام وللبلدة بشكل خاص، مادياً، ومعنوياً، وإعلامياً، من حق أهالي البلدة أن يأملوا بكم الخير، الم نقل يوما أن بلاد العرب أوطاني..؟!

- البرقية الثالثة: يوجهها أهالي البلدة إلى رمز شرعيتهم إلى الرئيس محمود عباس، والأخ الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني، بأن يولوا البلدة نصيباً آخر في المشاريع، أعلم جيداً أنهم لم يقصروا، فقد قدمتم الكثير لمحافظة قلقيلية كونها منكوبة، وقدمتم لجيوس الكثير، الم نتعود على كرمكم وسخائكم الدائمين؟

هذه جيوس صفحات من حكاية وجع، سطورها الاحتلال، وكلماتها الاستيطان، ويبدو أن في الحكايةِ سطوراً لم تروَ، تحتاجُ بحراً من حبرٍ كي يكتبها، لذلك فان الشمسَ قد ألقت خصلات أشعتها على الأرض المشتاقةُ لعناقها، في هذا الجو الخريفي، وقبلَ أن يولي الصباح هارباً أقول :

صباحكِ أجمل يا جيوس ..

صباح الخير .. لجدتي زهرة التي تجاوزت المئة عام زيتونةً على أرض هذه البلدة، صباح الخير صديقي زياد جيوسي الذي أفتقده منذ أيام، وعذراً لهذا الصباح فاليراعُ لم يجد له متنفساً إلا على أنغام حرفك، صباح الخير محمد طاهر "أبا الطاهر " رئيس البلدية الذي غمرنا بكرمه، وعلمنا كيف نعملُ فريقاً واحداً من أجل الوطن، صباح الخير أبا أستاذ غسان أبا زياد أستاذي الذي علمني منذ كنت تلميذاً، وعملتُ بعد سنوات معه فأمدني بالطاقة دائماً، نعم نحن البذرةُ التي زرعتموها فكما زرعتم ستقطفون، صباح الخير عمر سمحه " أبو المعتز " الذي قدم لي الكثير، صباح الخير شريف عمر أبو عزام الذي خضنا معه في معظم بقاع الوطن معاركنا ضد الاستيطان والجدار، صباح الخير أستاذ يوسف نوفل.. صباح الخير إلى العائلات والعمات، والخالات، ولكل فرد في البلدة صبر، وقاوم، وانزرع كزيتون في أرضها..

أما الصباح الأخير فهو لذلك الرجل الذي أيقظ الطاقات فيَّ، ووجهني للكتابة عن كل جرح، صباح الخير لك أبا خالد ربيح الخندقجي محافظ محافظة قلقيلية، أرسله لك وأنت في الديار الحجازية تؤدي مناسك الحج ..

صباح الخير للوطن .. والى اللقاء في صباح تشرق فيه شمس الحرية على وطني والاحتلالُ زائل لا محالة..