السبت، فبراير 28، 2009

لم أقلْ شيئاً آخر

شوقي مسلماني


تعلّمَ زهرةً وغرسَ وردة
إلى سركون بولص

لم أصدِّقْ أنّ هذه الصورة هي للشاعر العراقي سركون بولص. إنّه متهدِّم كمَن بلغَ مِنَ العمْرِ عتيّا، وعهدي به، ومِنْ خِلال صوَر له في مواقع ألكترونيّة وصحف، ممتلئاً، عفيّاً. وأمعنتُ النظرَ بالصورة، ولأنّي لم أعرفْ مِنْ مواليد أي سنة هو سركون خمّنتُ أنّه تجاوزَ المئة حولاً، وأنّي بهذه الصورة قد ضبطتُه. ثمّ بعدَ فترة رأيتُ صورة أخرى له، والأصحّ أنْ أقول: شبحه. ثمّ علِمتُ أنّه في حرَج صحِّي. إذاً حقّاً لم يغشّني سركون بولص. ولأنّي على غير دراية بما يلمّ به، ألحقّ أقول، لم أجزمْ أنّ موعِدَ غيبتِه قد أزفّ. وقبلَ يومين مِنْ يومِ المفاجأة أخبرني الصديق الشاعر وديع سعادة أنّه سيتّصِل بسركون في ألمانيا. واتّصلَ، وحضر سركون. كان صوتُه عريض، إنّما منخور بالتعب. وردّاً على سؤال ما كان يجب أن يوجّه له قال: "لا أريد صلة بأي نظام عربي". وقصدَ السلطة في بلده على رأس قائمة القطيعة. والحقّ أقول، ورغم وجومي، لم يخطر ببالي أنِّي بعدَ يومين سأتذكر أنّها كانت المرّة الأولى أسمع فيها صوت صاحب "الوصول إلى مدينة أين" وما مِنْ أمل بسماعِه مرّة ثانية بعدَ أنْ بلغَ أخيراً مدينة "أين" ذاتها. وقلتُ للصديق وديع وقد صمتَ "الخطّ" بين أستراليا وألمانيا: "علينا البدء بالتحضير للقاء على إسم سركون وشِعرِه". لم أقلْ شيئاً آخَر. أوّل مرّة سمعتُ باسم سركون بولص كان مِنَ الشاعِر صاحب "واحِد مِنْ هؤلاء" جاد الحاج.
**
أوراقُكَ مِنْ كتاب
يأتي الأطفالُ إليه
مِنْ كلِّ أطرافِ مدينة "أين".
**
ومِنْ مسافة إلى مسافة
منذ وعيتَ أيُّها المسكوب مِنْ ضوعِ الفجر
وفي كلّ مسافة تتعلّم زهرةً وتَغرس وردة
والطريق صعود بلا نهاية
وتحتَ سماء لا ترحم
حتى توقّفَ الجسم عن اللِّحاق تماماً.
**
الأفق خطّ واحد وهذا هو البحر
وهذه هي الطيور وهذا هو الذي
يجب أنْ يعيش مئة بالمئة.
**
لا حاجة لهذه الجروح
لا لهذه الفوضى الدامية.
**
الخرافة كثيفة
إلى حدود انعدام الرؤية
إلى حدود تمزيق شبكةِ الأمان.
**
أُخِذَ القرار
حتى كلّ هذا الموت الرهيب.
أُخِذَ قبلَ أنْ تعي هذه التي تُحاك.
**
الأنبل هو أللاّ تكون حدود بين البلدان
الأنبل هو الفضاءاتُ الواحدة
الأرواح الواحدة
أمم العالم الواحد.
**
مثل ما لا بدّ أنتَ أيُّها الجمرة تحصي
وتحمل جبلاً على ظهرك.
**
المحلّ رفيع
يستحقّ الوفاء
نحنُ فيه جميعاً.
**
أولى أللاّ يقع الذي يحلّق عالياً
أولى أن يحلِّقَ عالياً دائماً.
**
ممّا لا شكّ فيه أنّ قلباً ينبض
لا شيء يستطيع أنْ يمنعَ صوتاً يُريد.
Shawki1@optusnet.com.au


وسقط الفرح الكبير

محمد محمد على جنيدي

لم تُغره ابتساماتُ المجاملةِ بالجلوسِ معهم
طويلاً ، كذلك لم يستطيعْ الوقوفَ في مكانِه
قليلاً من الوقت ، فكم كان قلقاً وبالرغمِ من
هياجِ مشاعرِه حاول الصمودَ كي يبقى متماسكاً
ولكنَّه لم يكُن يتصورُ أبداً أن تتصدعَ
إرادتُه ويتزلزلُ شموخُه وتهتزُّ ثقتُه
بنفسِه بهذه السرعة - وله كلُّ العُذر-
فالمشهدُ الذي يراه بعينِه هو الأصعبُ
والأسوأ في حياتِه - باختصار- التي تتزوجُ
الآن هي حلمُ طفولتِه وشبابِه وأميرةُ حبِّه
العذري ... ومع هذا .. حاول أن يتقدمَ نحو
العروسين ليتخلصَ من واجبِ التهنئةِ القابعِ
على قلبِه ، فالعريسُ ( وبكلِّ الأسف ) هو
ابنُ عمِه وهى في نَفْسِ الوقتِ جارةُ
الأحلامِ ورفيقةُ ذكرياتِ عمرِه ، المهم وقبل
أن تتثاقلَ عليه أقدامُه وتُغرقُه همومُه ،
كان قد توجَّه للعروسين وهو يتجرعُ مرارةَ
الأحزانِ ، قائلاً لهما : أسعدكُم اللهُ وجمع
بينكُما في خَير .. ثمّ استدار وانطلق
مُسْرِعاً مُبْتَعِداً عن منصةِ اعتقالِ
الجائزةِ ومآتمِ الأضواءِ التي حَوْلَه وهو
يُرثى نفسَه ويشتكى إلى اللهِ حيرتَه وجحودَ
الوصايةِ الجاثمة عليه - نعم - تلك الوصايةُ
التي فرضها عليه عَمُه الظَّالمُ منذ وفاةِ
والده (عمدة القرية وشيخ قبيلته ) .. والأسوأ من
ذلك كان فيما يراه من سفاهاتِ
ابنه الساقطِ واغتصابه لكلِّ خاطِرةٍ
تتنفَّسُ فيها أحلامُه وكان أخرها فرمانَ
حرمانِه من حُبِّه الكبير .. إذن فالرَّجُلان
معاً يُسيطران على ميراثِه من والدِه
ويَضغطان على إرادتِه ويُخَيِّمان باليأسِ
على كلِّ بارقةِ أملٍ في حياتِه - وهما أيضاً -
يُهَيْمِنان على جميعِ مواردِ ومشاريعِ
وأسواقِ قريتِه الضَّاربةِ في أعماقِ
الزَّمنِ البعيدِ وقد كان لهما بذلك اليدُ
الطولى والأمرُ والنَّهْي على أبناءِها
البائسين ، هكذا عاش بطلُ روايَتِنا وهكذا
ينتظرُ أن يعيشَ ما بَقِيَ له من عمرِه الحزين
.على كلِّ حالٍ لم يَطُلْ عليه الوقتُ كثيراً
ولم يبتعدْ به المكانُ عن أهازيجِ الفرحِ
وزغاريدِ الصَّبايا ولكن تبقى المشكلةُ
الأولى في حياتِه هي - عيون عمه الظالم - فتلك
كعادتِها دائماً ما تُحيطُ به وتُطْبِقُ عليه
أينَما وُجِد وقد لاحقته بالفعلِ هذه المرَّة
أيضاً وهو ثاوٍ على صخرةِ أحزانِه وأنيسةِ
طفولتِه وصباه وإذا بيدِه الحديديةِ
تُجْهِزُ على كتفِه وإذا بصوتِه الكريه
يَصِيحُ في أذُنَيْهِ قائلاً : أأَغلقتْ
الدُّنيا أبوابَها عليكَ لتتركَ عُرْسَ
أخيكَ وابنِ عَمِكَ لتقعدَ في مقعدِكَ هذا في
ظلمةِ ليلِكَ هذا يا بغيضَ النفسِ والقلب ..
قال العَمُّ قولتَه هذه وهو لا يُدْرِكُ
بأنَّه قد أزاح بها كلَّ الحدودِ وأسقط
بنيرانِها كلَّ الحواجزِ التي بينهما - حسناً
- فقد جاءتْ في ميقاتِها وكأنَّما كان
الرَّجُلُ قد أطلق بها آخرَ رصاصاتِه عليه -
وهنا - وقف له ابنُ أخيِه صارخاً في وجهِه :
تآمرتَ على حياةِ أبى فقتلتَه وأنا صغيرٌ
وكِدْتَ لأمي كيداً عظيماً فأوقعتَها في
الزواجِ منكَ وبعدما اكتشفت جرائِمَكَ
ودناءةَ نفسِكَ شُلّ لسانُها وسكت حديثُها
للأبد ، ثم تَمادَيْتَ في غَيِّكَ فأطلقتَ
رهانَ وصايَتِكَ الظالمةِ على حريتي وها أنت
مازلتَ تُحِيكُ بمكائدِكَ بي لتستمرَ بها
قابعاً على أنفاسي وأخيراً سوَّلتْ لَكَ
نَفْسُكَ وابْنُكَ فانْقَضَضْتُمْ على
حُلمِي الأخير ، فإلى متى تلعبون ؟! وإلى أين
أنتم بي ذاهبون ؟!.
هنا أدركَ العَمُّ أنَّه يواجه طوفاناً من
غضبِ ابنِ أخيِه ، فحاول أن يَطْلُبَ
النَّجدةَ ويستغيثُ بحراسِه وعيونِه .. وأخذ
يصرخُ بأعلى ما في صوتِه ، فَسَمِعوه بالفعلِ
وأطلقوا بنيرانِهم صوب الضَّجِيجِ وفى كلِّ
اتِّجاهٍ في عتمةِ هذا المكانِ ولكن !! هيهات ..
هيهات وقد أصبحتْ رَقَبَةُ الكبيرِ ( تحت
السيطرة ) نعم أخيراً تحت السيطرةِ ! وقد
ساقَتْه أقدارُه بأقدامِه إلى هذا المشهدِ
المُفاجىء ( وغير المدروس !!) .. فيا لَحكمةِ
الأقدارِ حينما تَسْخَرُ بمَكْرِ الماكرين !!
بل ويا لها من نهايةٍ غير محسوبةٍ أيَّها
الرجلُ الكبير!!
وفى هذه اللحظاتِ الفاصلةِ كانت قد عَرَفَتْ
ألسِنَةُ اللَهَبِ طريقَها إلى صخرةِ
الأحزانِ - بغيرِ فائدة - فماذا ينفعُها وقد
تأخَّر الوقتُ بها كثيراً عن نجْدَةِ العجوزِ
بل وماذا ينفعُها وقد أطاحتْ مشيئةُ القدرِ
بكلِّ شفاعاتِ الحَذَرِ منهم ، فَرَأوا
كبيرَهم وقد تَدَلَّى لسانُه صامِتاً
وأطَلَّتْ عيناه القبيحةُ من نوافذِها
وهنالِكَ عَرَفَتْ صرخةُ الفتى طريقَها إلى
بارئِها ومولاها وطبيبِها الأعظم ، وأدْرَكَ
الحرَّاسُ جميعُهم أن لغةَ الصَّمْتِ هي
سيدةُ الوقتِ والمكان ، فعرفوا أنَّ كُلَّ
شيءٍ قد انتهى بالفعل – وهنا - سَكَنَتْ
نيرانُهم وألقوا بأسلحتِهم وسقطوا في
مُهِمَّتِهم وسقط معهم الفَرْحُ الكبير!

الطيف

عيسى القنصل

اخبرينى ...

هل اتاك الطيف ليـــــــــــــلا

باكيا ً فى كل ِ آهات ٍ وعنـــــــــــــــــــــــــــف ِ

هل سمعت ِ الصوت حقــــا ً

شاكيا ً بعدك ِ فى كل تصوير ٍ ووصــــــــــــف ِ

هل عرفت ِ الطيف صدقا ً

اخبرينى ،،،

كان ذاك الليل بئــــــــــــــرا

يحتوينــــــى

كانت الانوار موتى ..ضؤها كالحزن مطفــــــى

كنت ُ ابكى ؟؟ هجرك الملعون حزنا

صدقينى ...كان هذا الطيف طيفــــــــــــــــــــى

زرتكم ليلا ..وقلبى فى عيونى

باحثا عنكم فى كل انحاء وطــــــــــــــــــــــــــرف ِ

مذ تباعدنا ..غدا نومى محالا

وانتسابى للامانـــى ..كفقير ٍ يبتغى انظار عطــــف ِ

كنت انت الوهج فيّا

واحتساء الحلم فى شعرى وحـــــــــــــــــــــــــــرفى

والمعانى فى سطــــورى

فى قتالى لحياتى ..كنت انت الحد فى رمحى وسيفـى

وافترقنا ...

مثل برق ِ جاء فى اعماق صيــــــــــــــــــــــــــــــــــف ِ

لمحة ً كنّا لبعض ِ

ثم اخرى ...تسحق الاحلام َ فى سخط ٍ وعنـــــــــــــــف ِ

مذ تباعدنا وقلبى

ينتشى الايام امسا ً بين احلام ٍ ولطـــــــــــــــــــــــــــــف ِ

كنت اهواك ِ بصمت

وانفجرنا ...حين جاء البعد ُ مجنونا لحتفـــــــــــــــــــــــى

لم اعد احيا بيومى

بل بامسى حيث ذكراك معى ان هذه الذكرى تكفـــــــــــى

حدثينى ..بعض شىء

ان هذا الشوق فى الاعماق بركان ُ بكفــــــــــــــــــــــــــــى

لم يزل فى القلب شوقى ...

لاهبا كالجمر يكوى ...عمق اعماقى بعنـــــــــــــــــــــــــف ِ

غير انّى احمل الذكرى بيومى

امتطى الاجواء فى شيطان طيفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى

فارى فى الصمت حبــــــــــــى

لا تخافى ان رايت اليوم حلمـــــا

فيه قلبى زائرا ...

فيه عمرى باكيا..

ان هذا الحلم جسر ُ بين عينيك وكتفــــــــــــــــــــــــــــــــــى

فاستريحى لا تخافى ..

ان قلبى قادم ُ فى شكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل طيــــــف ِ

الجمعة، فبراير 27، 2009

هل نعمل بما فيه الكفاية على نشر أدبنا العربي عامة والفلسطيني خاصّة, عالميا؟

د. حبيب بولس

هل نعمل بما فيه الكفاية على نشر أدبنا العربي عامة والفلسطيني خاصّة, عالميا؟
انه سؤال شائك ارتفع حين كنت أشارك في إحدى الدورات الدراسية في جامعة ادنبره في اسكتلندا. الذي فجّر هذا السؤال في ذهني كان أحد الأساتذة الذين يعلّمون هذه الدورة, حيث اخترق هذا الأستاذ العادات المتبعة في التعريف إلى طريقة أخرى, فطلب من كل مشترك- والمشتركون خليط من عدد لا بأس به من البلدان الشرقية والغربية-, أن يعرّف على نفسه من خلال مداخلة قصيرة يلقيها على زملائه يكون موضوعها الرئيس أحد الأعلام المشهورين في تراثه الماضي أو الحاضر, بهدف فتح الأبواب والنوافذ على الثقافات والآداب العالمية المختلفة. استساغ جميعنا الفكرة, ولا أكتمكم سرا أنني احترت كثيرا في انتقاء ذلك الاسم الذي سأتحدث عنه, وذلك لكثرة أعلامنا. أولا احترت في قضية هل أعود إلى الماضي؟ فتراثنا العربي قديما خصب غني يحفل بإعلام كثر كان لهم فضل كبير في تطور الحضارة العالمية, وخاصة الأوروبية؟ أم ألجأ إلى الحاضر حيث فيه نملك أيضا قائمة لا بأس بها من الأعلام الذين لهم بصمات قوية على الأدب والفكر؟ أخيرا قررت اللجوء إلى الحاضر وذلك لأنني أكره أن نظل نتكئ على ماضينا ونجتره وننبش في حناياه وكأننا لا نملك ما نتحدث عنه في الحاضر.
اخترت أديبين في رأيي كبيرين, لا لأنهما أفضل من الغير بل لجملة من الأسباب. اخترت من الأدب العربي المعاصر نجيب محفوظ وذلك لأنه حاز على جائزة نوبل للأدب عام 1988, فلا بدّ أن يكون إنتاجه قد ترجم إلى لغات عالمية كثيرة لهذا السبب. كما اخترت جبرا إبراهيم جبرا من إعلام أدبنا الفلسطيني المعاصر لأنه على ما اعتقد من المفروض أن يكون معروفا عالميا, خاصة في البلدان الناطقة باللغة الانكليزية وذلك لأن جبرا كان قد درس دراساته العليا في أرقى جامعات انجلترا أولا, ولأنه كتب وأبدع باللغتين العربية والانجليزية شعرا ونثرا, ثانيا ولأنه عمل على نقل روائع الأدب العالمي ودراساته من الانجليزية إلى العربية ثالثا, وأخيرا لأنه كاتب فلسطيني يعكس في إنتاجه خاصة القصصي القضية بكل ملابساتها.
قدّمت المداخلة, وكانت مفاجأتي كبيرة حين علمت أن كل المشتركين الزملاء بهتوا أمام هذين العلمين وأمام إنتاجهما, وذلك كان لأمرين: ألأول لأنهم لم يسمعوا بمها إطلاقا, والثاني لأنهم لا يعرفون شيئا عن أدبنا العربي المعاصر عامّة والفلسطيني خاصة. كل ما علق بأذهانهم هو ما عمل الغرب على ترسيخه وهو القليل من قصص ألف ليلة وليلة المترجم والمشوه والمحرّف والذي له علاقة باللصوصية والجنس والبلاهة والسّذاجة وما إلى ذلك. فرحت واستأت في ان معا. فرحت لأنني نجحت في تقديم علمين كبيرين من أعلامنا, واستأت لأن الغرب على ادعاءاته وعلى سعة اطلاعه وأهميته يجهل أدبنا المعاصر. فارتفع سؤال للتو من الملوم في ذلك؟ بمعنى إلى من نوجه إصبع الاتهام؟ إلى الغرب نفسه؟ إلى أدبنا وأدبائنا؟! إلى أنظمتنا وهيئاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية؟! إلى من؟!
أعرف أن أسهل الطرق هي أن نلوم الغرب- وفي هذا كثير من الحقيقة-, بادعاء أن هذا الغرب ولأسباب سياسية عديدة, لا مجال لذكرها هنا, لم يهتم لأدبنا ولم يلتفت إليه بل حاول تقزيمه. ولكن هل هذا يكفي؟! وهل نحن الوحيدون الذين لا يهتم بهم الغرب؟! ماذا مع الشعوب الأخرى الآسيوية والأفريقية واللاتينية التي تغزو آدابها أسواق أوروبا اليوم. لا أنكر وجود أسماء عربية يقرأها الغرب, ولكنها أسماء تكتب باللغات الأوروبية ذاتها, لذلك تعتبرهم أوروبا أبناءها كأمين معلوف ولفيف من المغاربة. ولكن بالرغم من ذلك يظل السؤال الكبير مفتوحا: من الملوم؟!
ويزداد الجرح نزفا وحرقة حين نعرف أن الواحد من المشتركين يعرف الكثير عن أدب الآخر. فالألماني يعرف الكثير عن أدب فرنسا, وبالعكس, وهكذا الانكليزي, والياباني, والايطالي وألخ... فلماذا إذن يجهل هؤلاء أدبنا؟ هل نلوم هذا الدارس؟!- بالمناسبة كل المشتركين من المختصين بالأدب-, طبعا لا, لأنك حين تسأله يجيبك كم أود أن أعرف ولكنني لا أجد هذا الإنتاج. صحيح أن الظروف السياسية لها دورها ونحن لا ننكر هذا الدور. ولكن بالرغم من ذلك اللوم في رأيي يقع كله علينا, أفرادا ومؤسسات وأنظمة, فنحن لا نسعى إلى نشر أدبنا بما فيه الكفاية كما يسعى الآخرون. بل إن مؤسساتنا على اختلاف على أنواعها مشغولة باجترار الماضي أو بأنفسها. من الممكن أن يكون هذا الادعاء عند هذه المؤسسات أننا لا نملك الأدوات ولا الوسائل لنشر هذا الأدب! ولكن هذا الادعاء يجانب الكثير من الصحة, إذ كلنا يعرف أننا اليوم نملك وسائل إعلامية مرئية ومقروءة حتى في أوروبا نفسها. إذن لماذا هذا التقصير؟!
هل يعقل أن نظل على هامش الحضارة والأحداث الأدبية؟ ونحن في القرن الواحد والعشرين ؟! ألا تعرف مؤسساتنا وأنظمتنا أن الشعوب تخلد بأعلامها من الأدباء والمفكرين والفلاسفة والعلماء والفنانين؟! إذ ماذا سيبقى للتاريخ سواهم. وماذا تخلد الأمم سوى أعمالهم وإنتاجهم؟ ماذا نذكر نحن إذا طرحت علينا أسماء الأمم الغربية في الماضي والحاضر؟! طبعا, لا نذكر سوى الأعلام الذين احتلوا ضمائر العالم وذاكرته. صحيح أن بعض أعلامنا في الماضي ارتفعوا إلى مستوى العالمية ولكن ماذا مع الحاضر؟ ماذا سيذكر العالم وخاصة الغرب من أدبنا وفكرنا اليوم؟! خاصة إذا ظللنا مجهولين لديهم؟ هل علينا أن نلوم الأدب نفسه؟ بمعنى هل ما زال هذا الأدب يلهث وراء الأدب الغربي؟ طبعا لا يمكن لنا أن نلوم الأدب والأدباء فالحقيقة الواضحة تقول نحن نملك اليوم حركة أدبية نشطة ذات مستوى جيد تضاهي بمستواها الآداب الغربية وآداب الشعوب الأخرى. حتى الادعاء الذي يقول إن الغرب لا يهتم بأدبنا لأن أدبنا ما زال غارقا في خصوصياته ولم ينجح في اختراق هذه الخصوصية الى الرحابة والشمولية وهو ادعاء كاذب. فالأدب الذي لا يعالج قضايا مجتمعه الخاصة لينطلق الى العام ليس أدبا, وأدبنا من هذا النوع الذي يلحّ على الخاص لكن لا من اجل تكريسه بل من أجل تحسينه وهو بهذا الالحاح يكسر الخاص وينطلق ليعانق الرحابة والشمولية. والدليل على ذلك نستمده من الأدب الغربي والعالمي. خذوا مثلا بول ايلوار ولوركا وناظم حكمت وغيرهم الكثير من الأدباء الذين التزموا مواجع شعبهم, هل ظلوا محصورين بلغاتهم؟!
في الحقيقة نحن لا نستطيع أن نلوم الاخرين ونترك أنفسنا. اذا اللوم كله في رأيي يقع علينا نحن. فنحن لا نحب أدبنا بما فيه الكفاية, ولا نحترمه كما يجب. اذ لو كنا كذلك لسعينا الى نشره واشهاره فهو يستحق ذلك, والوسائل اليوم متاحة. هل أبالغ في ذلك؟ لنفحص أنفسنا أولا. خذوا أي شريحة من مثقفينا واسألوهم عن أدبنا ومفكرينا, ماذا تجد لديهم؟ نجد أنهم يعرفون بعض الأسماء فقط, ولكنهم يجهلون انتاجهم أو أفكارهم. ماذا يعرف هؤلاء عن الفارابي والخوارزمي وابن هيثم في الماضي؟ ماذا يعرفون عن أدبنا اليوم زمفكّري اليوم؟ في الواقع لا شيء سوى القليل. ولو وجّهنا هذا السؤال الى مثقف انكليزي أو ألماني, فماذا نتوقع أن تكون الاجابة؟ هل يمكن لنا أن نتصور انكليزيا لا يعرف شكسبير أو ميلتون أو ديكنز أو أدباء اليوم؟ أو فرنسيا يجهل بلزاك وروسو ودوماس وسارتر وبيكيت وكافكا وكامو والقائمة طويلة. أو ألمانيا لا يعرف جوته أو نيتشه وهكذا قس على الروسي وتشيكوف وتولستوي وبوشكين. وعلى الايطالي دانتي وبراندللو ومورافيا وهكذا.
نحن اذن مقصرون بحق أنفسنا. وعلينا اليوم كي نلحق بركب الاداب الاخرى, وكي نثبت أنفسنا على خارطة هذا الأدب أن نقيم مؤسسة مختصة تترجم اثارنا وتسعى الى نشر هذه الاثار عالميا, والعملية ليست صعبة أو مستحيلة بل هي سهلة ولا تتطلب التأجيل. لوم كبير يقع أيضا على مؤسساتنا الاكاديمية فعليها هي أن تكون المبادرة الى مثل هذا المشروع. فهي الوحيدة التي تملك المادة البشرية والعلمية لتنفيذ مشروع كهذا.
واذا انتقلنا للحديث عن أدبنا الفلسطيني طبعا ستكون المشكلة أصعب وأقسى وحارقة أكثر. اذ نحن لا نكاد نعثر على اوروبي الا بعد جهد يعرف القليل عنا وذلك لقلة الترجمات ولقلة الاعلام عن هذا الأدب. والعملية تأخذ شكل المأساة اذا تحدثنا عن أدبنا المحلي ولكن الفرق شاسع بين الأمرين. فنحن فعلا وبسبب الظروف لا نستطيع أن نقدّم للغرب انتاجنا, وحين أقول الظروف أقصدها جميعا سياسيا وماديا واعلاميا. ولكننا رغم ذلك نستطيع أن ننضم الى مؤسسة عربية تسعى الى نشر الأدب عامة, بما فيه أدبنا كي نصبح مقروئين ومعروفين. انها قضية تستحق وقفة طويلة وتتطلب منا أن نحك أدمغتنا, وتستدعي التفكير الطويل الجاد. كيف الوصول الى ذلك؟ وماذا علينا أن نفعل؟ لن ينقذنا من هذا المستنقع الاسن سوى أنفسنا, علينا أن نخرج من دائرة الظل الى النور, فعندنا الكثير مما نفتخر به وما علينا سوى العمل على ايصاله الى العالم. فهل يقدر لنا انسان او مؤسسة يسعيان الى ذلك قريبا؟! هل يقدًّر لنا دارس كجبرا ابراهيم جبرا يسعى الى نقل أدبنا الرائع الى الغرب كما سعى هو نفسه الى نقل أدب الغرب الى لغتنا؟ لدينا الكثير مما يثري ادب الغرب وفكره فهل من مؤسسة أو نظام يشمّر عن ساعديه؟! مهم جدا أن نقرأ أدبنا لكن الأهم أن يقرأنا الغير, فمتى سنكسر حاجز الصمت ونخترق العالم ونرجّ ساحته؟! ما من شيء يجعل الشعوب ترقى وتسمو في نظر بعضها أكثر من الأدب والفكر. فلنستيقظ سريعا ونباشر كي نثبت للاخرين أننا شعب حي يملك أسباب الحضارة, بل نفوق الكثير من الشعوب, وهكذا فقط سنغير نظرة العالم الينا ونصبح من الشعوب التي تحتل مكان الصدارة.

حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية

drhbolus@yahoo.com


المتنبي والثامن من آذار // يوم المرآة العالمي

عدنان الظاهر

رومانس المتنبي

وضع المتنبي على الطاولة العريضة الواطئة الممتدة أمامي ورقتين فيهما كلام مكتوب بخط كوفي متقن جميل وقال : إقرأ . ماذا أقرأ يا متنبي ؟ كرر فعل الأمر بنبرة صارمة : إقرأ ؟ قرأت :
إليها ...

إليها يا مَن تجسدت فيها كل نساء العالمين ... إليها رمزاً لجميع بنات حواء على سطح الكرة الأرضية . وردة لها وقبلة على يدها اليمنى وأخرى على جبينها . فيها عطر وبهاء وشرف كل الأمهات في العالم ... قديماً وحديثا ً . من عزمها تعلم الرجال الثبات على المواقف والمبادئ والقيم . فيها أريج السماوات وأطيب ما أنبتت الأرض من زهور ورياحين وياسمين وكافور وأطايب أخرى لا عد َّ لها ولا حصر . في صدرها طعام الرجال مقاتلين َوصامدين . ومن علو ِّ هامتها تعلمنا الشموخ في الحياة ومقارعة الظالمين والمسرفين . من جمال روحها ودقة أناملها تعلمنا الأدب وقول الشعر بل وتعلمنا الخط والكتابة مسمارية ثم حرفية .

ثم قرأت ُ :

أيَّ شئ ٍ في العيد أُهدي إليكِ

يا ملاكي ، وكلُّ شئ ٍ لديكِ

أَسوارا ً أم ْ دُملُجا ً من نُضارٍ ؟

لا أحب ُّ القيود َ في معصميكِ

سقطت الورقتان من يدي ! إستغربتُ . قال بحدّة لماذا توقفت َ عن القراءة ؟ لأنك وأنت سيد الشعراء تستشهد بشعر غيرك ممن أتى بعدك ، أجبته . قال لا عليك ، واصل القراءة رجاءً ولا تتوقف . الشعراء يتحّدون يوماً ويتفرقون آخر . اليوم هو العيد الأكبر . اليوم تنشق السماء وينفطر القمر فرحاً وإبتهاجا ً بهذا اليوم ... يوم ميلاد حبّي وحبيبتي . تراجعتُ قليلاً في جلستي مبهوراً مما أسمع . لكن ... قاطعني المتنبي ولم يسمح لي بالإعتراض . قال إقرأ ْ . سمعا ً وطاعةً ، قلت ثم قرأتُ :

أجل ْ ، يا جوهرة حياتي وجنّتي ونعيمي . نعم ، اليوم عيدك فما أسعدني في الدنيا وما أعمق شعوري بأني إنسان ٌ حر ٌّ . هل قال أحد الشعراء ( لا يحب إلاّ الأحرار من الرجال ) ؟ أو قالها بصيغة أخرى : لا يحب رجل ٌ ليس حراً ؟ لا فرق . أشعر أني حر معك وأمامك وفي يوم مولدك وفي كافة أيامك . إذا ً لك فضل حريتي وتحريري من سجوني وأسري . لك فضل صيرورتي إنساناً في وسعه أن يُحب وأن يضحي لمن يحب . علمتيني أهمية الورود وفلسفة مناسبات تقديمها للمرأة التي نحب . مّن الورود ، أحلى الورود بدونك أنت ؟ ما ألوانها وأريجها وشذاها قبل أن تكون َ بين يديك ؟

الحق ؟ أخشى أو أخجل ُ أن أصارحك القول َ بأنك السيدة الأولى وإنك الأميرة وإنك المعبودة وأنك مليكة القلوب وإنك المثل الأعلى بين قريناتك. أخشى أن أجرح مشاعر زميلاتك في العمل والدراسة . أخشى أن يتهمني بعض الأصدقاء بالنرجسية أو المبالغة أو أني مجرد مدع ٍ وأكتب عن أوهام لا وجود َ حقيقيا ً لها . فهل أنتِ وهم ٌ حقيقي أم حقيقة وهمية ؟ لا من فرق لدي َّ . فحين تكونين وهما ً أكون حقيقة ً . وحين تكونين حقيقة أكون أنا الوهم والواهم الكبير معاً . هل قلت ُ إن َّ طعامي اليومي ورجولتي الدائمة من فيض صدرك ثم يديك ؟ هل أخبرتكِ أني أتشهى بين حين وآخر أن أغفو على صدرك كرضيع ٍ لا أم َّ له ؟ هناك يجد الدفء وحنان الأم ثم غذاءه . فقد أمه فوجدها فيك . فعيدك عيدها وعيد كل النساء في العالم . حين أُهنئك في يوم مولدك كأني أُهنئ السيدات قاطبة ً وأدعوهن َّ للإحتفال بهذا اليوم الأغر . يا لعجبي ! يأتينك ِ مهنئات زرافات ٍ زرافات . فردي يا حبي لهن التحية والتهنئة بيوم المرأة العالمي . فيهن أم ٌ لك ومنهن أخت ٌ وصديقات . شاركيهن َّ أفراح هذا اليوم وإحتفلي وغنّي أغاني الربيع . سأرسل لك ولهن َّ بطاقات التهنئة وأكاليل أجمل وأغلى الورود . بكِ وبهنَّ أرفع رأسي وأستعيد قوّتي وبأسي لمنازلة متطلبات الحياة وأحكام الزمن.

قبل أن تكوني الملكة كنتِ أميرتي ومولاتي . فلا تتعسفي ولا تتميزي عن باقي الزميلات . لك بهن َّ أُسوة . ولك فيهن َّ صديقات مخلصات يحفظن أسرارك والعهود .

أكرر التهاني أصدقَها وأكثرَها حرارة ً وحميمية ً وإسلمي ودومي ولتكن جميع أيامك أياما ً لعيد ميلادك ... وليكن الثامن من آذار شهر الشهور وعيد الأعياد الوطنية والأقليمية والعالمية .

التوقيع /

المخلص المتنبي .

سقطت الأوراق من يدي . كان صاحبي بارداً جداً وهادئاً جداً وكنتُ أحترق إذ كنتُ أقرأ ما أجبرني على قراءته . ما هذا يا متنبي ؟ رسالة تهنئة بيوم الثامن من آذار ... عيد المرأة العالمي... أجاب . لمن وجهتها ؟ قال أنت قد قرأت الرسالة وتسألني لمن وجهتها ، أمرك عجيب يا رجل !!

ليس من عجب ٍ في الأمر يا صديقي . لقد إختلطت أموري علي َّ . إمتزج الخاص بالعام والحقيقي بالوهمي والماضي بالحاضر والمفرد بالجمع والجمع بالمفرد ... أدخلتني في حَيص َ بَيص يا رجل . قال أحسنتَ ، أليست الحياة خلائط عاليها سافلها وشرقها غربها وذكرها مؤنثها ومؤنثها ذكرها وصعاليكها ملوكها وملوكها من صعاليكها ؟ قلت لا أفهم هذه الفلسفة يا أبا الطيب . قال إذا ً ذنبك على جنبك . لا تريد أن تفهم ، إنك أنت لا تريد أن تفهم فمن تُرى يجبرك على أن تفهم ؟

لكي أدفع عني تهمة الغباء والعماء قلت فلأغامر وأتكهن وأسأل المتنبي سؤالاً محرجاً فإما يُجيب أو لا يُجيب . فإذا أجاب إيجاباً فبها وإني في كافة الأحوال سوف لا أخسر شيئاً . قلت هل تسمح لي يا صديقي بسؤال واحد بسيط ؟ قال تفضّل . ما إسم هذه السيدة الأميرة ومالكة لبّك وقلبك ومتى وأين تعرّفت َ عليها ؟ أطال النظر في عيني َّ بتعجب وإحتجاج وإستنكار ثم قال بكل هدوء : وما أهمية هذه الأسئلة وما سبب فضولك ؟ ألسنا أصدقاء يا متنبي ؟ قلت له . قال لا ثقة َ بأحد في هذه الأيام . الحب ... الرومانس الشخصي شئ وصداقة الأصدقاء شئ آخر . ما لله لله وما لقيصر لقيصر. قلت ألهذا قلت في بعض قصائدك :

كلّما عادَ مَن بعثت ُ إليها

غارَ منّي وخان َ فيما يقولُ

قال بالضبط . لا ثقة ببني البشر في هذه الأيام . ثم أنا القائل :

وصرتُ أشك ُّ فيمن أصطفيهِ

لعلمي أنه بعض ُ الأنامِ

علام كل هذا الشك يا أبا الطيب وأنا أخوك وصديقك ؟ قال إن َّ الزمن نفسه خؤون . لذا أصبح الناس جميعاً مثله . إنه يخدعهم ، يتلوّن أمامهم كالحرباء كيما يتقبلونه ويرضون بأحكامه وقوانينه الجائرة . كيما يقبلون حكمه عليهم بالموت العادي حيناً أو الإغتيال أو الشنق أو الإعدام أحياناً أُخرَ . هو يرفضهم ... يلفظهم من مملكته بهذه الطريقة أو بتلك . يقول لهم أنا الأول وأنا بلا آخر . بي تبدأ حيواتكم وتكتبون تواريخ ميلادكم وبي تسجلون أعماركم وبي تنتهون وتثبّتون تواريخ رحيلكم على شواهد قبوركم . أنا ربّكم أنا خالقكم وأستنكف أن تعبدوني .

ثم َّ، أردف المتنبي : ما سبب إهتمامك بمعرفة إسم فتاتي التي إبتهلتُ لها وقدمت لها الورود والتهاني وسجدت أمامها وأسميتها أميرتي ومليكتي وحافظة أسراري ؟ تغار مني وتحسدني يا رجل ، أضاف المتنبي !! والذي يغار يخون .

أحرجني صاحبي وفاجأني بصلفه هذا وإتهامي بالغيرة والحسد ناسياً ما بيننا من صداقة وود ومجاملات وخبز وملح . الرجل غير طبيعي . ما تفسير كل هذا الهيام وهذا الرومانس الجارف الذي أفقده صوابه فخلط عيد ميلاد حبيبته بيوم المرأة العالمي ؟ أمر صاحبي يحيرني . إنتبهتُ وقد سرحتُ مع هذه الأفكار والتساؤلات لأرى نفسي وحيداً في حجرة الضيوف . إختفى المتنبي في أدق المواقف .

أهنئ مَن في يوم الثامن من شهر آذار ؟ قام المتنبي بالمهمة نيابة ُ عني خير قيام . متى نلتقي يا شاعري ؟

أتاني صوته عالياً : في يوم الثامن من شهر آذار من العام القادم 2008 !!


الخميس، فبراير 26، 2009

الإحتفاء بحضارة بابل

د. جعفر هادي حسن
اشتهرت بابل عند الناس ببرجها وحدائقها المعلقة وقليل منهم من كان يعرف عن حضارتها وتراثها .وعلى الرغم من أن الكثير من آثارها مازال حبيسا تحت الأرض حيث هناك الآلاف من المواقع الأثرية تنتظر كشف مافيها إلا أن ما استخرجه الآثاريون حتى العصر الحاضرليس قليلاً.حتى قال أحد الباحثين الأوربيين وهو يتحدث عن بلاد مابين النهرين "إنه يمكننا القول ومن دون مبالغة أن ليس هناك بلد في العالم خلف نصوصا قديمة بهذه الكثرة ووصلت إلينا كما كتبت"(1).وهذه النصوص تعطي صورة عن تميز حضارة بابل بتعدد جوانبها وتأثيرها على التطور المعرفي في تاريخ الإنسان.وكان من الأمور المهمة التي لعبت دورا في بقاء هذه الحضارة هو اهتمام البابليين بالكتابة والتدوين واعطائهما أهمية كبيرة حتى أنهم جعلوا للكتابة إلاهة اسموها "نيسابا" "التي تحمل في يدها القلم" والتي كانت مهمتها الإشراف على الكتابة وفنها.وقد قام الكتبة- الذين أيضا كانوا علماء وأصحاب منزلة رفيعة عند الملوك وبين المجتمع- بدور حضاري في منتهى الأهمية خصوصا في المرحلة الأولى من المملكة البابلية القديمة(في بداية الألف الثاني قبل الميلاد) حيث تمكنوا من اتقان اللغة السومرية(التي هي غير سامية) وحفظ العدد الهائل من رموزها بأسمائها وطريقة نطقها واعطاء معانيها باللغة الأكدية(السامية) ثم تأليف القواميس بهاتين اللغتين حيث وصلتنا نماذج منها. فكان هؤلاء مترجمين من الدرجة الأولى (وقد ورث العرب والأوربيون كلمة ترجمانو من البابليين).ولولاهم -كما قيل - لما كانت حضارة بلاد مابين النهرين. وكان الكتبة يتدربون في مدرسة خاصة بهم تسمى "أدوبَا" وتعني حرفيا "بيت الألواح".وما اكتشف من هذه المدرسة يعطينا فكرة واضحة عنها وطبيعة المواضيع التي تدرس فيها.وكان على رأس المدرسة شخص يطلق عليه "أومُيا" وهي كلمة سومرية تعني "الخبير/العارف" ويليه في الرتبة مسؤول الفصول الذي يطلق عليه "أدَا ادوبا" ثم هناك المختصون مثل "طوبشارنشد" خبير/استاذ الرياضيات و"طوبشار أشاكا" خبير/استاذ الهندسة والمساحة. وكان أهم موضوع يدرس في هذه المدرسة هو اللغة السومرية ويطلق على الأستاذ الذي يدرسها "طوبشار كنكيرا" المختص باللغة السومرية واستاذها والذي كان له موقع خاص في هذه المدرسة. وجهود هؤلاء الكتبة- العلماء تثير اليوم الكثير من الإعجاب. ولولا هذه الجهود التي بذلها هؤلاء لما تمكن العلماء المختصون من معرفة اللغة السومرية وفك أسرارها وفهم معانيها.
وتعتبر القواميس اللغوية التي ألفها هؤلاء الكتاب عملا جديدا ومن أولى المحاولات في تاريخ المعرفة الإنسانية. وكان عمل البابليين مستقلا عما كان قد عمل في حضارة إيبلا في سوريا.ولم يؤلف مثل هذه القواميس بعد ذلك لقرون طويلة ،إذ أن الإغريق لم يكونوا يهتمون بلغات الشعوب الأخرى.وأصبحت هذه القواميس مفيدة لبقية الشعوب بعد أن أصبحت الأكدية لغة الدبلوماسية والتجارة في الشرق الأدنى. وبتقدم الزمن اهتم البابليون بتأليف قواميس خاصة كقواميس اسماء الأحجار والنباتات والحيوانات والمعادن بل الفوا قواميس لمعاني الأفعال وقواميس لغوية للأضداد والمترادف، بل وللجذور واشتقاقاتها واستعمالاتها وكذلك قواميس للكلمات النادرة التي تستعمل في الأدب.كما لم تخل هذه القواميس من توضيحات وتعليقات خاصة من فترة الألف الأول قبل الميلاد.(2) ويرى باحثون أن تطور الكتابة عند البابليين لم يستغرق وقتا طويلا على الرغم من من القواعد الدقيقة التي وضعوها لها والأدب المتميزالذي أنتجوه.(3).ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مهنة الكتابة عند البابليين لم تقتصر على الرجال وحدهم وانما كانت هناك أيضا نساء كاتبات منذ وقت مبكر من الحضارة البابلية كما تدل على ذلك المكتشفات من مدينة "سبار" (4) التي تقع شمال بابل وهو شيئ له أكثر من دلالة.كما أن معرفة القراءة والكتابة لم تكن مقتصرة على طبقة معينة من الناس كالكتاب والكهنة. بل إن الكثير من النصوص الأدبية التي عثرعليها جاءت من بيوت الناس العاديين(5) وربما كان بعضهم يملك مكتبات خاصة. وهذا يعطينا فكرة عن أن البابلي كان له اهتمامات أدبية أيضا.
وكان أحد المكتشفات الأولى التي عثر عليه الآثاريون والذي أثار إعجاب الناس هو ماعرف بشريعة حمورابي التي تعتبر من أقدم القوانين في الحضارات القديمة وأكثرها شمولا وتفصيلا. إذ تحتوي على أكثر من مئتين وثمانين فقرة شملت الكثير من مناحي الحياة.كما تميزت شريعة حمورابي خاصة بجمال اللغة ودقتها وصفائها.وقد جاء في بعض ديباجتها التي تعطي بعض أسباب تشريعها "إنه من أجل أن يسود العدل في البلد ويقضى على الشر والظلم وكي لايضطهد القوي الضعيف".وقد وضعت نماذج منها في أماكن عامة كالمعابد كما كان التلاميذ يتعلمونها لمضمونها ولجمال لغتها وأصبحت نصوص هذه القوانين نموذجا لمايسمى اللغة البابلية القديمة.
وكما برزالبابليون في تشريع الشرائع فقد اشتهروا أيضا في مجالات أخرى كالطب وكان للطبيب الذي يسمى "أسو"(وهو آسي في العربية وآسيا/اسا في السريانية) موقع مهم في المجتمع وكان يعد من أبناء الطبقة العليا وكانت مهنته متميزة لاعلاقة لها بالدين أو السحرإذ من كان يمارس علاج الناس بواسطة هذين كان يسمى "أشيفو". بينما كان الطبيب-الذي كان تميز بين الناس بحمل أدواته معه وطريقة حلاقة شعره- يتعلم مهنته بالدراسة أولاً. وبعد الانتهاء من الدراسة كان يقوم بممارستها مع من هم اقدم وأكثر خبرة منه.وقد وصلنا عدد كبير من الألواح التي تضم قوائم بالأعراض والأمراض والوصفات الطبية التي كتبها أطباء. وهي تحتوي على تشخيص لأسباب طبيعية للأمراض.(ويعتقد أن أقدم وصفة طبية هي تلك التي وصلتنا من بلاد الرافدين من سلالة أورالثالثة). ويتبين من بعض هذه الوصفات التي اكتشفت أن العناصر المكونة للدواء مازلت مستعملة اليوم لنفس المرض .ومن النصوص في مجال الطب مؤلَف مهم اعتبره الباحثون تحفة علمية راقية يعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد على الأقل وعنوانه " رسالة في التشخيصات الطبية والتكهنات".ويعتقد بعض الباحثين ان هذا المؤلَف ربما كان يحتوي على خمسة آلاف إلى ستة آلاف فقرة وقد عثر على أربعين لوحا منها تمثل نصفها تقريبا. (6) كما أن هؤلاء الأطباء عرفوا العدوى وشخصوها كماعثر على رسائل مرسلة إلى أطباء فيها الكثير من التفاصيل لحالات مرضية وبعضها احتوى على بعض اسماء الأطباء أيضا.وكان بعض هؤلاء الأطباء قد أرسل من بابل لمعالجة ملوك معاصرين للبابليين مثل الملك الحثي "حتوسيلس الثالث" في القرن الثالث عشر قبل الميلاد(7). وقد استعمل الأطباء في علاج هذه الأمراض ليس الأدوية فحسب وإنما استعملوا الأدوات للعمليات الجراحية.وممايدل على انتشار الطب هو وجود سبع مواد على الأقل في شريعة حمورابي تتعلق بعمليات جراحية. .ويرى بعض الباحثين أن البابليين قد مارسوا العلاج النفسي أيضاً الذي يعتقد أنه من نتاج العصر الحديث.
واهتم البابليون بالرياضيات وقد عثر على آلاف الرقم والألواح التي تضم أعدادا رتبت بطرق مختلفة وعمليات طرح وجمع ومسائل حسابية تتعلق بالعمارة ومساحة الأرض والسقي .كما عثر على ألواح كثيرة تحوي تمارين رياضية بعضها مع حلول لها والبعض الآخر بدون ذلك وبعض هذه التمارين بمستوى متقدم.وإن ماوصلنا منهم من قضايا رياضية يؤكد قدرتهم النظرية التي قل أن وجد مثلها قبل العصر الكلاسيكي(8).وكان تصنيع المعادن شائعا واعطوا لمن يمتهن ذلك اسما عاما يدل على اختصاصه وهو"نفاخو"(بالأرامية نفاخا وبالعربية نفاخ).ثم خصصوا ذلك بإضافة اسم المعدن اليه فسمي الحداد "نفاخ فرزيلو" والذي يعمل بالذهب "نفاخ خورصي".(ومن هذه الكلمة أخذت الكلمة اليونانية خروسس للذهب).ويقول جورج روكس في كتابه العراق القديم.ليس من شك في إن البابليين (والآشوريين) كانوا يعرفون أكثر مما عثر عليه في كتاباتهم فنقل الصخور الهائلة ونصبها مثلا أو انشاء ممرات مائية طويلة يدل على معرفة متقدمة بقوانين الفيزياء.وكذلك معرفتهم ببعض مبادئ الكيمياء التي كانت قد طبقت بشكل ناجح في الأدوية والأصباغ وعمل الزجاج الملون وتزيين الآجر بالمينا"(9)
.واهتموا كذلك بعلم الفلك وكانوا يراقبون القمر والشمس والنجوم بشكل دقيق وكانوا يقومون بهذه المراقبة من على المعابد الدينية وأبراج خاصة في بعض المدن. كما تنبأوا بخسوف القمر وكسوف الشمس وراقبوا الرياح والسحب أيضا. وفي ضوء علم الفلك قسموا السنة إلى اثني عشر شهرا(ومازالت اسماء الأشهر البابلية تستعمل عند اليهود وكذلك النظام الشمسي-القمري). وقسمواالشهر إلى ثلاثين أو تسعة وعشرين يوما وقسموا اليوم إلى أربع وعشرين ساعة والساعة إلى ستين دقيقة .وقد وردت اسماء علماء فلكيين في بعض الرسائل البابلية التي عثر عليها وسجل هؤلاء حالات كسوف وخسوف بشكل دقيق كما يقول بطليموس.وظل الناس يستفيدون من خبرة البابليين في هذا المجال بعد زوال دولتهم خاصة. إذ نقرأ أن نابو- ريماني (القرن الخامس ق.م؟) وكدينو والكاهن بل أشور(القرن الثالث ق.م) كانوا من العلماء الذين استفاد منهم الإغريق في علم الفلك وأطلقوا عليهم أسماء إغريقية.فالأول سمي نابوريانوس والثاني سديناس والثالث بيرسوس.ولذلك اختلط على بعض الباحثين أصلهم وظنوهم من الإغريق فنسبوهم إليهم خطاً ومن الضروري إعادة هويتهم إليهم.وعرف عن الكاهن بل أشور أنه كان له حلقة دراسية يدرس فيه طلاباً في بلاد الإغريق بطلب منهم. وبل أشور هو نفسه الذي كتب تاريخا باللغة اليونانية لموطنه بابل ولملوكها ولم يصل لنا من هذا الكتاب - مع الأسف- إلا أجزاء قليلة.ومما ذكره في هذا الكتاب أن نبوخدنصر بنى الحدائق المعلقة لزوجته أميتس.وقد ذكر مؤرخون أن الإسكندر الأكبر كان معجبا بخبرة البابليين في علم الفلك وحكمتهم(10) ويرى بعض الباحثين أن تعاون علماء الفلك البابليين والإغريق قد ساهم في تطور هذا العلم إلى درجة لايمكن تجاهلها. كما إن بعض علماء الفلك من القرن السادس الميلادي قد اعتمدوا على ملاحظات البابليين في التنبؤ بكسوف الشمس.ومعروف أن رموز الأبراج المستعملة اليوم ترجع في أصلها إلى البابليين (وهناك لوح أثري من بابل في المتحف البريطاني يؤكد ذلك). وقد قيل إن شعب مابين النهرين قدم أعظم إنجازاته في حقل الرياضيات والفلك.
كما ابتكر البابليون الساعة الشمسية وقال المؤرخ هيردوتس(القرن الخامس قبل الميلاد) عن ذلك "إن علم المساحة والساعة الشمسية وتقسيم اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة لم تأت من اليونان أو مصر ولكن من بابل". واهتم البابليون كذلك بالجغرافيا وقد عثر على نصوص تتضمن قوائم لأسماء البلدان والجبال والأنهار والمدن بل وحتى للمسافات بين المدن وهي قضية مفيدة جداً للمؤرخين في العصر الحديث. وقد عثر على بعض المخططات( وليست خرائط بالمعنى الحديث) لبعض المدن وقد اكتشف مخطط لمدينة نيبور كان قد وضعه البابليون لها يتفق مع مااكتشفه الآثاريون لواقع هذه المدينة.بل عثر على خريطة للعالم كذلك تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد.وكتب على أقصى الشمال منها "الأرض التي لاترى فيها الشمس أبدا".كما اكتشفت نصوص تشير إلى اهتمامهم بالجغرافيا التاريخية من عصر مبكر.
واهتموا أيضا بالتاريخ فعدا عن تدوين ما أنجزه الملوك أثناء حكمهم وما كتب على الأبنية من معلومات تاريخية فقد عثر على قوائم تضم اسماء السلالات الملكية وأسماء الملوك وشخصيات معروفة وقوائم بأحداث متزامنة إلى جانب تسجيل
الحملات العسكرية التي أفادت الباحثين كثيرا ليس في تأريخ الحدث حسب ولكن أيضا في معرفة اسماء الملوك والبلدان الأخرى. وكانت قوائم الملوك تذكر أحيانا الأحداث المهمة لكل سنة في فترة حكم هؤلاء الملوك .ومن القوائم المفيدة التي اكتشفت قوائم باسماء الآلهة.ومن الأمور المهمة التي عثر عليها قوائم طويلة بالطوالع(طوالع الخير والشر) يصل عددها إلى الآلاف.وكان لهذه الطوالع مختصون بها يدرسونها ويتدربون على معرفتها لفترة طويلة يسمى الواحد منهم "الرائي أو الناظر".وهي مفيدة جدا لدراسة العادات والتقاليد والمعتقدات للمجتمع البابلي. وقد تأثرت بعض الشعوب"بهذا العلم" (كما أطلق عليه بعض الباحثين) كالحثيين فجمعوا قوائم لها مماثلة أيضا. واهتموا بالوثائق والحفاظ عليها والإعتناء بهافقد كانت بعض الرسائل المهمة والوثائق توضع في ظروف من الطين وتختم حتى لايعبث بها أو تقرأ من قبل أناس غير مخولين.وكانت تكتب بعض الكلمات على الظرف تشير إلى مابداخل الوثيقة أو الرسالة.وقد عثر على عدد كبير من هذه وهي مازالت مغلفة(11).ويبدو أن ختم الرسائل الشخصية بختم خاص من الحجر كان معروفا بين البابليين حتى ان هيرودتس ذكر أن كل بابلي كان له ختمه الخاص.(12) كما ترك لنا البابليون تراثا أدبيا مهما شعراً ونثرا من أدب حكمة وفكاهة وغيرهما ويأتي على رأس هذا الأدب قصة الخلق وعشتار في العالم السفلي وملحمة جلجامش.وهذه الملحمة هي واحدة من أهم الملاحم في العصور القديمة.وقد كان من إعجاب الشعوب الأخرىبها وتأثرهم بروعتها أنهم ترجموها إلى لغاتهم وقد عثر على ترجمتها إلى اللغة الحورية واللغة الحثية.(13) وفي العصر الحديث ترجمت الملحمة إلى أكثر من لغة على رأسها الإنجليزية كما هو معروف.
وقد قيل عن البابليين انهم فاقوا في العلوم معاصريهم من الشعوب الأخرى.
.وقد أعجب الباحثون والآثاريون بدرجة حب البابيليين للبحث الخالص وحبهم للإستكشاف والإستطلاع .أما عن بابل في عصرها المتأخر فقد وصفهاالمؤرخ هيرودتس وصف معجب بها ومنبهر ببنائها وبتخطيطها وببوباتها فقال عنها "لا توجد مدينة تشبهها في روعتهافي العالم الذي نعرفه".وكان أشهر هذه البوابات بوابة عشتارالتي زينت واجهتها باللون الأزرق وزينت بعدد من التنانين(رمز للإله مردوخ) وكذلك بعدد من الثيران( رمز الإله أدد).وقدِ بلغ عدد هذه الرموز 575رمزاً (14) .وكانت البوابة موصولة بشارع سماه الباحثون "طريق المواكب" واطلق عليه البابليون إبور شابو(الطريق الذي لن يجتازه العدو).وتوجد بوابة عشتار اليوم في متحف برلين وهي تبهر الإنسان بشكلها وبنائها وروعة تصميمها. وذكر أن بابل ضمت أكثر من ألف معبد من مختلف المقاسات(15). وذكر بعض المؤرخين أن الإسكندر الأكبر-الذي كان في بلاد مابين النهرين ومات فيها- قد أبدى إعجابه بها وأراد أن يجعلها عاصمته العالمية بل ذكر بعض هؤلاء أنه جعلها فعلا عاصمته واستقبل السفراء فيها(16).
__________________________


(1) Roux, G.1980,Ancient Iraq,pp29-30(England)
(2) von Soden,W., 1994,The Ancient Orient, pp149-50(Michigan)
(3) Roux,G.,المصدر أعلاهp76
(4) von SodenW.,op.cit. p.106المصدر أعلاه
(5)Saggs,H.W.1988,The Greatness that was Babylon p.389(London)
(6) Bottero,J.2001,Everyday Life in Ancient Mesopotamia,p.177(Edinburgh)
(7)Roux,G.,op.cit المصدر أعلاه ص368
(8)Ibid, pp.358-9المصدر نفسه
(9)Ibid,pp.360-1المصدر نفسه
(10) Mackenzie,D.,n.d. Myths of Babylonia and Assyria,p497(London)
(11) von Soden, W.,1994 The Ancient Orient,p 139
(12) Saggs, H.W.op.cit.p.434المصدر أعلاه
(13) Bottero,J., op.cit p.234 المصدر أعلاه
(14) Roux, Georegsالمصدر أعلاه,pp.392-3
(15)المصدر نفسه ص 390
(16)Mackanzie,D,,p المصدر أعلاه ص497

*كتبت هذه الدراسة المختصرة بمناسبة احتفاء المتحف البريطاني بحضارة بابل لعدة أشهر (من تشرين الثاني 2008 إلى مارس 2009)(الكاتب)

حكاية الرجل الذي رهن عقله

خالد ساحلي

ما الذي يريده بالضبط ؟ الفوضى تسكن عقله كما أحاسيسه، نشاط روحي متذبذب عشوائي يشعر به من زمن لا يشبه نشاط الأفراد الذين يراهم ويتعامل معهم أو هكذا بدا له. مالهم مرتاحون لا يبالون لا يأبهون لشيء، لا رباط يشدهم، هم في فوضى إلى درجة تعديهم كل الخطوط الحمراء." أتعبه التفكير وهو لا يقوى على اقتحام المواقف المتكررة معه. كان دائما يردد جملته السحرية كلما عجز عن تخطي أمرا في الحياة" تمسّك بمثالك الأعلى دائما لأنك ستشعر بانحطاط شجاعتك يوما ما"
ركب الحافلة المكتظة بالركاب، الوقوف جميعهم يكادون أو ملتصقون بالكامل كأعواد ثقاب في علبة. تزاحم في الممر بصعوبة حتى ضمن مكانا لقدميه. السيدات واقفات، بعضهن مدرسات تحملن محافظ و بعضهن الطالبات اللواتي تجملن. تفوح من أجسادهن رائحة الماكياج و المراهم. العطر النسائي الصارخ يجلب البلاء كثيرا . الحافلة تمتلأ في الصباح الباكر في ذهاب الجميع للعمل. يجدها كثير من المتطفلين و المتطفلات فرصة وجب اغتنامها. الالتصاق هنا بجسد أنثى في هذا الزحام المهول متعة وغنيمة لا تتكرر. الإناث أفاعي لينة الملمس يترصدن الطريدة في هذا الالتصاق ليجنين من ورائه الكثير من النقود التي تذرها الجيوب السخية فأصحابها في غفلة لحظات النشوة، واقعون تحت تأثير سكرات عسل العيون والأنفاس ، وحشر المؤخرات والأثداء و الابتسامات الكثيرة التي تخفي خراب الجيوب.
ــ عذرا أذيتك بمرفقي، الرجاء لا أكون آلمتك؟
قالها للشاب الذي كان لجانبه وقد أحس يده تجول داخل جيبه، كاد يسرقه هاتفه المحمول. تأكد اللص الفنان أن حظه سيء اليوم مع هذا الرجل الطويل. كان يتصفح وجوه اللصوص الواقفين المدققين الذين كانت وجوههم مألوفة و عيونهم تزداد تعلقا بأمل فيمن لحظوا فيه خوفا وشمّوا فيه أو فيها رائحة النقود أو الحلي.
توقفت الحافلة عند المحطة الشرقية، "الترمينوس" صاح بها السائق البدين كثور. تمكن أخيرا بشق الأنفس من شق هذا الصف البشري. تمكن من الهبوط بعدما علقت رجلاه برجل فتاة في درجة السلم الأخيرة وقعت على أثرها فطارت المحفظة من يدها ولحسن حظها أن جسدها اللطيف تهاوى على بدنه فدفعته بصدرها ثم أمسكته بيديها، أحمّر وجهها : ــ يا له من يوم معوّج. المعذرة أخي.
ــ لم يحدث شيء، بسيطة أمور كهذه تتكرر يوميا بصورة أو بأخرى. طاب يومك سيدتي.
كانت خطواته متئدة، مر على الكشك المعتاد، أخذ ثلاثة عناوين جرائد كعادته وقصد الوزارة البعيدة عشرات الأمتار . أغتنم هذه الأمتار لتصفّح العناوين. فتح الصفحة المقصودة تأسف في أعماقه، شعر بجنون، تأبط الجريدة الأولى، فتح الثانية، وجهته الصفحة الداخلية تأسف مرة أخرى وكما الأولى تأبطها أيضا. الثالثة وكانت دقات قلبه تنبض سريعا. شعر بحرارة تدب في كل جسمه وفتح الصفحة يتحرى شوقه لتصفحها كل أسبوع. لا جديد اليوم أيضا. جمع الجرائد الثلاثة حزمة أوراق في يده. لا زالت رائحة الحبر تفوح من أوراقها الملونة. لواها على شكل عصا قصيرة ومشى ضاربا بها قدمه كلما خطى خطوة. بصق عن شماله ، لم يطفأ البصاق غضبه. هذه المرة بصق بعنف حتى أحدث صوتا سمعه من كان يسير أمامه، ألتفت وطوقه بنظرة استغراب.
ــ لا أقصدك سيدي عذرا.
دخل الوزارة، أكد حضوره على سجل عون الأمن وانصرف إلى مكتبه منهمكا بعد ذلك في عمله المعتاد. كان يقول دائما "ما معنى عملك في وزارة و سومتك سومة كلب.؟"
بعد يوم شاق من العمل و على فكرة هو مطبوع على عمله، يؤديه بإتقان لأجل تحليل دنانيره خوفا و خشية من رب العالمين كما يجيب دائما زملائه في استغبائهم ذكائه و نشاطه بمقابل ما يحصل عليه من أجر زهيد.
كان ينتظر الحافلة لكنها تأخرت اليوم دقائق كما العادة، التأخر سمة في ثقافتنا لا استغناء عنها ومصالح الدولة لا تأبه لمراقبة أصحاب هذه الحافلات الذين جعلوا الركاب كالسمك. لا حيلة إما تركب في الحشر و إما تركب عنادك فتستقل سيارة أجرة تدفع أضعافا مضاعفة. "الميزانية لا تسمح" قالها في نفسه و ضحك ضحكا يشبه الخيبة. أمسك بالدربز ثم بحلقة مشد الركاب. كان الزحام مقززا، كره الالتصاق و لا مفر من قدر صنعه غيره. كانت امرأة تقف أمامه تدير ظهرها ، يدها في الأعلى تمسك بالمقبض الحديدي، يدها الشمال تمسك بمحفظة، حين تحركت الحافلة وأحدث محركها خلخلة التصقت به أكثر و ألتصق بها، استدارت طلبت العذر متأففة من هذا الالتصاق وتفّوهت منزعجة: ــ غبن و نحن فيه
ــ نعم
عرفها، الفتاة نفسها التي كادت توقعه أرضا هذا الصباح
ــ أنت؟ قالاها معا.
ــ كدت أوقعك صباحا.
ــ لم يحدث شيء .
كان الركاب يأكلونهما بنظرات ريبة وخبث و سوء نية أيضا. لحظا ذلك فأوقفا الكلام . ربما هنا عيون تشي بما رأت و تزيد في الإفك وقد تنهش عرضهما.
كانت صدفة ، نزلا معا في نفس المحطة: ــ إذن تقطنين هذا الحي.
ــ نعم، هناك في تلك العمارة، يبدو أنها من زمن الفيل أليس كذلك.؟
ــ أما أنا فأسكن في المقلب الآخر من الحي.
ــ متشرف.
ودّعها ومضى لحاله، كانت واجهات المحلات تلمع بمصابيحها التزينينة وأعمدة الكهرباء أشعلت أضوائها. كان الليل يعلن قدومه ، ما أقصر أيام الشتاء و بخاصة أيام شهر جانفي. وصل لباب غرفته في العمارة المتآكلة المتهرئة، برزت قضبان الحديد من على جوانبها وفي السلالم. دخل الغرفة الشبيهة بعش الطائر وطرد فكرة الزواج بمجرد دخوله؛ طرد معها معنى الصورة التي رآها اليوم في الفتاة التي أخبرته بمكان سكنها و بعض التفاصيل الأخرى عن عملها كمدرسة طور ابتدائي... يا لها من صدفة لكنه يستبعد الارتباط مهما وقعت في قلبه الموقع الحسن. رمى بجسده المنهك على السرير حتى سمع كزيز سريره يشكو مثله السنين. لقد رافقه من زمن طويل و لم يفرّط أحدهما في الآخر. فتح الجريدة الأولى، راح يقرأ كل ما فيها، عثر على مقال يشبه مقاله أو يكاد يكون هو، ممضي باسم مدير التحرير، ليست المرة الأولى التي يجد أفكاره هنا، يغيّرون له الكلمات فقط.
ــ يراسلني مدير التحرير يحثني على الكتابة و إبداء الرأي خدمة القارئ وإظهار موهبتي على حد زعمه وهو يسرقني أفكاري.؟
لم يكن يقوى على مواجهة مدير التحرير أو إثبات سرقته هكذا فكرة مقال له. القراء يعرفون اسم مدير التحرير و الجهات الحكومية أيضا تعرف اسمه، لكن اسمه بالنسبة إليهم نكرة. فتح الجريدة الثانية، لم يجد لقبه فيها وقد وعدوه بنشر إحدى أعماله. مدراء ورؤساء التحرير ليسوا كلهم سيئين وليسوا كلهم كهنة و إن كان بعضهم يخلق الكذب ويتفنن في رسمه. لصوص المعاني . قالها بتهكم وهو ينظر إلى العنوان العريض. بصق على الكاغط و بالضبط على مكان اسم مدير التحرير.
رمى بالجرائد فوق طاولة خشبية فهي كل ما يملك من أثاث كان التلفاز الصغير موضوعا عليها. خرج قاصدا مقهى الانترنت في الحي. بمجرد فتحه الباب نظر فيه صاحب المقهى متضايقا ، هو لم يدفع اجر استعماله النت عشرات الساعات. الاتفاق بينهما كون الدفع بالتقسيط وقد أخلّ بالشروط لم يدفع مدة. انتظر كما الآخرين و حين لحق دوره جلس أمام الحاسوب فتح بريده الالكتروني ، رسالة من مدير التحرير يعرض فيها عليه صفقة بيعه بعضا من مقالاته بمبلغ محترم. فار الدم من رأسه وصاح يكلم نفسه ويبصق على الحاسوب وعادة البصاق قد تقتله يوما" تجرأ هذه المرة الكلب بوقاحة الخسيس." لكن تراجع عن انفعاله ماذا لو يأخذ هو المال ليعين نفسه فالآخر يريد الشهرة عساها توصله لمنصب مرموق كمستشار في وزارة أو وزير خاصة و أنه كما أفضى له أنه عضو وطني في الحزب الحاكم. مدير التحرير هذا تعرف عليه من زمن، حين بعث له بمقال و ترجاه في نشره من ثمة صارت تربطهما علاقة. ينشر له مقالاته وبالمقابل المقالات الجميلة المؤثرة يسرق روح فكرتها ولا تخرج إلا باسمه. " أصحاب الوجوه الوقحة" قالها بحنق. لكن العرض مغري لأجل الظروف القاسية التي يمر بها ، قد يعينه المبلغ على تحسين شيء من حاله، يدخره لأجل أن يصير كباقي خلق الله ويجد زوجة توافقه على كفاف من عيشه. كانت الصفقة مربحة للطرفين، تسير على أحسن حال دون الإخلال بشروطها زمنا " دفع لكل مقال".. إلى أن وافاه مدير التحرير برسالة الكترونية ــ هو لم يقابله و لو مرة واحدة في حياته ــ يبلغه خبر ترقيته لمنصب كبير و لم يعد في حاجة لمقالاته. كانت مقالاته قد أحدثت ضجيجا و أثرا طيبا في الأوساط السياسية والثقافية. ترجمت لعدة لغات ، تداولتها الصحف الأجنبية و المجلات المختصة بالنقد، أثنت على صاحبها . جمعت الأعمال وطبعت؛ نال صاحبها حظوة الجوائز وأرباحا خيالية من ديار النشر الكبيرة، إضافة إلى التكريم. المدير المرقـّى الآن ليس في حاجة إلى كتابات أخرى. الأفكار نفسها قد تتكرر، أو ربما وجد كاتبا آخر أكثر مقدرة منه. كانت الغيرة تأكل قلب الرجل الطويل المملوء حقدا على مدير التحرير و على حظه المنحوس وعلى الفقر. أسقط غضبه على نفسه في هوى سحيقة من العذاب و العتاب.
كيف يرى نجاحه يتجسد في غيره. لكنه تقاضى أجر ما عمل ووافق بمحض إرادته. استسهل الأمر بصفقة لم يكن مرغما عليها أبدا. تجرأ على بيع ما لا يباع.
كان ينتظر الحافلة التي تعج بالركاب، أخذ يتزاحم كما المعتاد ليجد مكانا لقدميه و لعله يحظى بابتسامة من عند الفتاة التي وعدها بالزواج ، لم يعد يراها إنما لا زال يرى وجوه اللصوص المتزاحمين إنهم لا يشبهون اللصوص الخياليين لصوص المعاني و النجاح. لا زال الندم يثقب ضميره ويشغل تفكيره ، خسر الكثير من وزنه و لحقه شيء من الخبل. ذاك اليوم وهو ينزل من الحافلة قاطعا الطريق للشارع المقابل في المقلب الآخر تخطفته سيارة سوداء من القداّم....

الأربعاء، فبراير 25، 2009

تلكؤ

د. حنان فاروق

يتلكأ.. يشعل سيجارة جديدة.. يحاول الاختباء خلف دخانها لكنه يعانده ويبرز صورته أكثر.. يغضب.. يلقي ببقايا السيجارة فى عين الانتظار..تموت ..

يخلع نعليه ويمضي فى محراب اللاعودة..على كل ناصية..يترك قطعة منه لتذكره بخريطته..على مرمى البصر يتوحد اللانهائي في نقطة تتحدى سرمديته..

يتجه إليها بلهفة..تبتلعه..يقف فى حلقها..تسعل تسعل..يقفز من فمها ليعود إلى البدايات ..يبحث عنها فى كل مكان..يتفحص أشلاءه الملقاة على جانبي الطريق...تتنافر أقطابه ...يجتذب بعضها حلم أبتر بينما يهرول المتبقي منها ليلحق بدوامة الواقع..
***
شرب حتى الثمالة..ترنحت الكأس بين أصابعه ثم سقطت مطلقة صرخة انكسار مدوية..ارتجف..فكر أن يلملمها..يعيدها سيرتها الأولى..لكنها تمردت..
***
احترفه الجنون..صنع منه حكيماً..كتب أسفاره ووزعها على الأيام..قرأتها بعناية ثم وضعتها فوق رف الموت...بينما ظل وقع أقدام قلمها يبحث عن سفره الضائع بين الحروف دون جدوى..
***

قصة ساحة الورد





زياد جيوسي

ربيع رام الله تحت الأسر
بعدسة زياد جيوسي

كيف يمكن للذاكرة والفرح أن يتمازجا مع الألم والحلم بالمستقبل؟ كيف يمكن لعمل فني رائع لكاتب أروع أن يصور من خلال الرقصة التعبيرية والأغنية الشعبية والحكاية قصة شعب؟ كيف يمكن لعمل يضم مجموعة من الفتية والفتيات بعمر الورود أن يدفع الدموع إلى المآقي ما بين حزن وفرح وألم وأمل؟ إنها الحكاية والسؤال.

في ساحة الورد كنت أعود إلى يافا كما روت جدتي سارة الحكاية. كنت أعود إلى فلسطين وجهادها ورجالها وجَمَالها كما حدثني جدي عنها. كنت أستعيد روح أمي وهي تحكي لي قصة طفولتها وشبابها ما قبل النكبة. كنت أرى الذين خانونا وتركونا وحدنا وما زالوا، وأرى الحلم بالشباب والسواعد الشابة التي ستروي قصة الحرية. أرى ألمنا في الشتات والمنافي. أرى النور يشق العتمة منبعثاً من أرواح شهدائنا وأسرانا ومعتقلينا.

ساحة الورد هي الرمز للوطن المغتصب بأكمله، شعبنا وتراثنا وتقاليدنا وظروف حياة شعبنا قبل النكبة، هي لوحة من حروف وإبداع كتبها الراحل الكبير د. حسين البرغوثي لتمثل إبداعاً فنياً تقدمه فرقة سرية رام الله. هذا العمل الذي تأخر كثيراً قبل أن يرى النور لأسباب فنية واجهتها الفرقة، ولكن بإصرار الإدارة وأعضاء الفرقة خرجت إلى النور وعُرضت في رام الله في قصر الثقافة والعرض الأخير في القصبة، وفي الحالتين كنت أحضر العرض وأرى روح حسين البرغوثي ترف من حولنا باسمة فرحة، فحلم حسين قد تحقق، وحلمنا عشاق الفن وعشاق رام الله والوطن قد تحقق.

في ساحة الورد تمازج الرقص التعبيري والدبكة الشعبية وأغنية التراث وأحاديث الراوي في لوحة فنية مذهلة؛ لوحة قام بها شباب وشابات سرية رام الله وهم في عمر الورود فأبدعوا. تشارك كل مَن في فرقة السرية بنجاح العمل، فالديكور كان متمازجاً مع روعة الأداء، فسلالم الحبال وجذوع الشجر كانت الأساس، فمنها سلالم كاملة ترمز للصعود نحو المستقبل الذي سيحمل الحرية، ومنها سلالم تقطعت ترمز لمرحلة مرت بعد نكبة فلسطين العام ثمانية وأربعين.

وفي الملابس تمازجت ألوان العمل الفلسطيني، فكانت ألوان الأحمر والأسود والأبيض، وكان اللون الأخضر يأتي من خلال أحاديث الراوي عن بساتين وغابات وبيارات فلسطين، ومن خلال الورد الذي انسكب في النهاية في ساحة الورد حاملاً ألوان العلم الفلسطيني الأربعة، بإشارة رمزية أن فلسطين التي ضاعت واستلبت وأصبحت ساحة الورد خالية من سكانها، لا بد أن تعود ويرفرف علمها خفّاقاً عبقاً كما الورد، ولا بد لأبناء ساحة الورد أن يعودوا ولو بالقوة التي رمزت لها السيوف والخناجر في أيدي الراقصين، ولا بد أن تعود من جديد تعج بالحركة وبالفرح.

كانت رام الله يوم العرض تتعرض لعواصف رعدية وأمطار خير قوية بعد طول انحباس، ومع هذا حين دخلت صالة العرض في القصبة فوجئت أني بالكاد وجدت لي مقعداً، فساحة الورد جمعت في الصالة رغم أن العرض ليس الأول، كل العاشقين للفن الملتزم المعبر عن ألم وطننا وحكاية الآباء والجدود، الفرح الذي أحاله المحتلون إلى ألم وأسى، لكنهم لم يستطيعوا أن يحطموا الأمل والإصرار على الحرية والعودة.

(أيام والله أيام بتنحكى حكاية، لبلاد هاي صارت غير ورقصها غير، والحكي للجميع.. أيامها كاينة باقية طريق وعره وماشية على سفوح الجبال، وتنـزل نزول ع يافا وحيفا والبحر، وفي طلة الصبح كاين بقى يقرفش الإيدين، وجامد على العشب وجناح الطير والشجر، تقول عنه حليب وصاير كزاز، وها الفلاحين يحمْلوا الحمير خوخ ومشمش ويبقوا نازلين ع الخط، اللي راكب حماره واللي بينهر فيه بعود، نازلين عالسوق في حيفا ويافا والبحر، هاظ زمان زمان قبل إل 48).

إنها الحكاية رسمتها فرقة سرية رام الله بعبق من تاريخ القضية، قصة عشق الجدات، شذا ياسمين رام الله، فكان الجمال والإبداع، العزم والإصرار، رسالة من ألم وحلم، أن الحرية قادمة، وأن السواعد التي ناضلت وقاتلت من أجل الحرية لم تمت، فسواعد شابة تولد جيلاً إثر جيل، تعمل للوطن، تحلم بالحرية، بالصباح الأجمل الذي سيشرق من جديد على ساحة الورد، لينثر الورد من جديد على ساحات الوطن.

الثلاثاء، فبراير 24، 2009

هل الأخلاق مشكلة معطلة أم تربية مهذبة؟

زهير الخويلدي

" من السهل النصح بالأخلاق والإرشاد إليها ولكن من الصعب تأسيسها والالتزام بها"

هل يمكن أن نستنتج أحكام القيمة من أحكام الواقع؟

ذلك هو المشكل الكبير الذي أثار حفيظة الفيلسوف الألماني والمنظر الأبرز لعصر التنوير ايمانيال كانط وجعله يتوجه نحو نقد العقل العملي ويبحث في أسس ميتافيزيقا العادات وترك لنا لنا نظرية في الحق ونظرية في الفضيلة ومحاولة من أجل سلم أبدية, ولكن فكرة الواجب التي دفعت كانط الى ربط القيم الأخلاقية بقوانين العقل لم تعجب فيلسوف المطرقة فريدريك نيتشه الذي انتبه الى خطورة الأحكام المسبقة الأخلاقية وبحث في أصلها وفصلها من أجل التحرر منها إعلان ثورة الغرائز على المؤسسات وتحرر الجسد من كل حكم قيمة واستحالة الخضوع إلى الواجب مع توفر إرادة المعرفة والعلم المرح.

في البدء يبدو احتكام الناس إلى جملة من المعايير التي ينظمون بها حياتهم ويؤصلون العلاقات فيما بينهم من الأمور المفضلة والجالبة للفائدة والخير على الجميع ويبدو فقدان ذلك والبقاء على حالة السليقة وحياة الطبيعة والغريزة من الأمور البهيمية الجالبة للفوضى والنزاع المؤذن باندثار النوع، ومن هذا المنظور كانت الأخلاق لزاما علينا من أجل الارتقاء فوق درجة الحيوان والتشبه بالإله على قدر طاقة الإنسان وكانت الحكمة منقسمة إلى جانب علمي يبحث عن الحقيقة وجانب عملي يشرع للقيمة ويحدد سبل تحصيل السعادة وتحقيق الحرية بالنسبة إلى الكائنات الآدمية.

غير أن الأمور ليست بهذه السهولة الموصوفة لأن حينما نفكر في مدلولات القيم والأسس التي تستند عليها الأفعال التوجيهية للفعل والغايات النهائية للسلوك البشري تظهر أمامنا الإشكاليات وتبرز الصعوبات خاصة حينما لا يكون المطلوب على درجة من الكونية والموضوعية والإنسانية ومشدود إلى المحلي والظرفي والخصوصي فهل يقتضي التحلي بالخلق التخلي عن أخلاق المجموعة التي ننتمي إليها أم الالتزام التام بعاداتها وأعرافها؟

من هذا المنطلق وكما يقول ماكس فيبر لا توجد في العالم أخلاق قادرة على فرض واجبات متماثلة، وما يعزز هذه الحيرة أن كل مجتمع له معاييره التي يميز بها الواجب والمحظور ولكل مجتمع خيره وشره ولكل هوية ثقافية معينة منظومة من القيم الخاصة بها والتي تفرضها على منتسبيها وكذلك التداخل في الصلوحية والمشروعية والمجالات بين الأخلاق والدين والتقاليد الموروثة وثقافة الوعظ وهو ما يعطل كل نمو وتجديد داخل الفضاء التنظيري للقيم ويجعله مرتهن الى جملة من القرارات السلطوية وقابع لأساليب الضبط والاكراه والتسلط والتوجيه وبالتالي يكون علامة على الخنوع والنكوص وعلى القصور والوصاية ويتعارض مع أية ثورة أو مشروع تقدمي انساني,

ان الاهتداء بنور الأخلاق أمر لا مفر منه بالنسبة لكل آدمي من أجل تحقيق انسيته وارتقائه الى درجات الوجود الأفضل وان التحلي بالخلق والقيم الأصيلة هو تقويم المسالك وترشيد الناس من المهالك واصلاح ذات البين وتهذيب الأنفس من الأحقاد وتطهير الأعراق من الدرائن,

ان التناقض حول أسس الأخلاق وغايتها والتردد حول الوسائل المتبعة وحول طبيعتها ومصدرها والمراوحة بين الطبيعة والمجتمع وبين الفطرة والعقل هو أمر لا مبرر من طرحه طالما أن الإنسان في نيته الصالحة وإرادته الحسنة وعفويته وانعطائه للعالم هو دليل العلماء إلى النبراس الهادي ومرشدهم الموصل الى السعادة والحرية والفضيلة والمنفعة والاعتدال في الضرورات.

ربما يكون من الأفيد أن نستنتج أحكام الواقع من أحام القيمة طالما أن جوهر الوجود هو الاستزادة من الوجود وحقيقة الواقع هي الامتلاء بالواقع. كما أن الأخلاق في حضارة اقرأ ليست مشكلة معطلة بقدر ماهي تربية مهذبة شرط ألا تكون أخلاق الوعاظ والمبشرين وأن تكون نابعة من العزم والإرادة وتطلب التصافي والتحابب وتتعالى عن المنفعة والطاعة وتتنزه من المصلحة والتباهي والتظاهر والشكلانية الفارغة.

ربما كان ديكارت موفقا عندما اعتمد أخلاقا مؤقتة يسترشد بها في حياته اليومية وفي علاقته بالآخر والدولة أثناء ثورة شكه العارم وتطليقه لبت الامتثال المقدس للحقيقة الموروثة, وربما ينحو هيجل بأخلاقه الموضوعية وماركس بأخلاقه الإنسانية وسارتر بأخلاقه الوجودية وبرجسن بأخلاقه المفتوحة وماكس شيلر بأخلاقه الفنومنولوجية المتعاطفة في نفس السياق.

ولكن السيء هو أن نلقي بالقيم الأخلاقية في المزبلة وندوس عليها بالأقدام ونرمي بها عرض الحياة ونتصرف ونصول ونجول في العالم دون ضوابط ودون معقولية ونبرر ذلك بالتمتع بنعمة الحرية والإقبال على الوجود وحب الحياة. اذا كانت الأخلاق هي ما لا يهم أحد اليوم فانه ليس من المعقول أن يخضع ما يهم الجميع الى ما لا يهم أحد.

لكن الأمر الجلل اليوم يبرز عند الحديث عن جدوى الدفاع عن الأخلاق في ظل تزايد القواعد الخصوصية الصالحة فقط لوضعيات محدودة والمنفلتة من قواعد التقليديات الأخلاق الكونية مثل خلق المهنة والبيئة والحياة، فأي مستقبل للأخلاق في ظل سطوة السياسة السياسوية والاقتصاد الأنانوي؟

أليس أعظم خطر على الأخلاق كما يرى فردريك رويه ليس في الأنانية الفردية الواعية بل في الأنانية الجماعية اللاواعية التي تشرعها الدساتير والمؤسسات الاجتماعية؟

كاتب فلسفي

من سن القلم: كرة القدم وكرة القلم

عادل عطية

" يجرحنى الواقع المدبب ، ينزف المداد ، يتحوّل ألمى إلى ألم مقدس ، يثير ألم الآخر ، ولكن بسن القلم ! "

عندما قرأت عن ملايين الجنيهات ، التى تتدفق على لاعبى كرة القدم من مريديها ومشجعيها ، بينما نحن الكتّاب نعيش عند حدود الفقر ، نعانى الوحدة والتجاهل.. قلت فى نفسى : ربما يكون السر فى أن كرة القدم تشبه " البلية " ومن يلعب بالبلية تلعب معه !
فتخليت عن كتابة مسودات أفكارى بقلم الرصاص ، أو قلم الحبر السائل وأخذت أجرّب الكتابة بالقلم الجاف صحيح بليته صغيرة جدا ، ولكن المثل ، يقول : " يضع سره فى أضعف خلقه "
ولأن بلية القلم الجاف لم تلعب معى بعد – كما كنت أتمنى - ؛ فإننى أناشد أصحاب القلوب الرحيمة من صانعى أقلام الحبر الجاف بأن تكون بلية القلم كبيرة بقدر ما يمكن وما يستطاع ، فربما تلعب بلية القلم المحسنة فى يدى كما تلعب بلية الكرة فى قدم اللاعب !


عود على قضية الكتابة الروائية

د. حيب بولس

في غمار حديثنا عن قضية الكتابة الروائية, تحدّثنا في المرة السابقة عن أمرين عامين خارجين عن إرادة المبدعين, يشكلان في رأينا عائقا أمام تطور كتابتنا الروائية وهما: قضية تقلب المجتمع وتحولاته السريعة, وقضية قلّة المرجعية والموروث الروائي محليا وفلسطينيا. أما في هذا المقال فسنحاول أن نعالج قضية خاصّة لها علاقة مباشرة بالمبدع نفسه, وهي كما ذكرت في المقال السابق: قضية صعوبة الموازنة بين الخطابين: الروائي/الإبداعي/ التخييلي والأيديولوجي/ الواقعي/ التاريخي. وبالرغم من وجود علاقة بين هذه القضية وقضية الواقع الذي نعيشه, إلا أنها تشكّل صعوبة خاصة تتحدى المبدع.
لنحدّد أولا ارتباط هذه القضية بواقعنا المعيش:
إن واقعنا ولكثرة ما فيه من أحداث متصارعة متسارعة في آن, على اختلاف أنواعها, تدعو الروائي دائما إلى الكتابة عنها والمتح منها. والفن مهما يكن نوعه يكون صادقا فقط وفنا فقط حين يستطيع أن يعبر عن الواقع المعيش بطريقة فنية, وكي يعبّر عن هذا الواقع بفنية عليه أن يخوض في هذه الأحداث السريعة/ الساخنة, وأن يوازن بينها وبين المتخيّل, وهذا أمر في غاية الصعوبة, يتطلب معرفة ودراية كبيرة في أصول اللعبة الروائية. وفي مجتمع كمجتمعنا وفي ظروف كظروفنا نجد أن الرواية دائما تخاتل طموح كتابة التاريخ الفني للمخاض السياسي/ الاجتماعي في فلسطين- إبان النكبة, قبلها, في خضمها, بعدها, ومحليا أيضا-, وهذا أمر من الممكن أن يشكّل منزلقا للكتابة الروائية في ظروفها الاجتماعية المعيشة. فعلى الكاتب- أي كاتب- أن يحذر التاريخ, وأن يعرف كيف يقيم توازنا بينه وبين الإبداع, إذا أراد فعلا كتابة رواية فنية. وكم كان محقا ذلك الكاتب المفكر المغربي- عبد الكبير الخطيي- حين قال: "التاريخ هو الوحش المفترس للكاتب", وهو يقصد بذلك أن صوت التاريخ –الواقع- الايدولوجيا, حاضر على الدوام في شغاف قصصنا, يتأدى بطرائق وأساليب مختلفة متنوعة , جهيرا حينا- خافتا حينا آخر.
من هنا يتحتم الحذر للذي يحاول ولوج حقل الرواية, خوفا من الوقوع في براثن هذا الواقع- الأيديولوجي- التاريخي على حساب الروائي الإبداعي المتخيل, مما يجعل العمل الروائي عندها مجرد شعارات, وبيانات وتقارير ووثائق بعيدة كل البعد عن الفنية.
وكي لا نربك القارئ بهذا الحديث توجب علينا الموضوعية أن نبيّن ما معنى هذا الواقع- التاريخ- الايدولوجيا وما القصد بالإبداع- الروائي- المتخيل.
إن الواقع الموضوعي بما يعنيه من مادة ومن اجتماع, هو الواقع المادي والاجتماعي, اما الواقع الروائي فهو ذلك العالم الذي يبنيه الكاتب في نص روائي, انه ذلك المتخيل بفضائه وبشره وعلاقاته. والايدولوجيا كما يصفها عبد الله العروي: "مفهوم مشكّل وغير بريء, وهي هنا ذلك النسق من الأفكار والآراء والمعتقدات التي يبثها النص الروائي كذات, وهي بقدر ما تكون مستقلة فإنها مخلوقة من خالق معين هو مبدع النص. وهذا النسق هو قناع لانتماء طبقي ولمواقف في الصراع الطبقي. إننا نبحث في مجتمعنا وليس في جنان الخلد". ويتضح هذا الأمر عند محمود أمين العالم, حيث يقول: "الخطاب الروائي بشكل عام بنية لغوية دالة أو تشكيل لغوي سردي دالّ يصوغ عالما موحدا خاصا, تتنوع وتتعدد وتختلف في داخله اللغات والأساليب والأحداث والشخوص والعلاقات والأمكنة والأزمنة, دون أن يقضي هذا التنوع والتعدد والاختلاف على خصوصية هذا العالم ووحدته الدالّة بل هو يؤسسها".
الخطاب الروائي إذن هو التجلي الإبداعي الخاص للتاريخ الإنساني العام, ومن هنا نجد واقعين. الواقع الإنساني الخارجي بكل ما يحتدم به من حياة وإنتاج وممارسات. والواقع الروائي وهو إعادة إنتاج لمعطيات الخارج (المرجع), وخبراته الجمة المعيشة بالمنطق الخاص للخطاب الروائي. "الاختلاف والتناقض بين الواقعين المتخيل المبتدع والخارجي المعيش هو عامة رفض للواقع السائد, مهما اختلفت دلالة ومستوى هذا الرفض باختلاف الوقائع الروائية. وهو رفض يتحقق بإبداع عوالم متخيلة أي بإعادة تشكيل معطيات العالم الخارجي تشكيلا قد يكشف جوهر نواقصه أو جوهر صراعاته أو جوهر حركة قواه الاجتماعية المختلفة, وقد لا نتبين هذا الجوهر عند حدود بعض المعطيات الجزئية والهامشية, وهو يعيد تشكيل هذه المعطيات بمنطق الخطاب الروائي لا بمنطق الخطاب الخارجي".
من هنا يختلف الواقعان الروائي والمتخيل والمبدع عن واقع العالم المعيش, دون أن يعني هذا الانقطاع والقطيعة بينهما. إن الخطاب الروائي كل خطاب روائي, بل إن الأدب عامة لا مصدر له غير الواقع الذاتي\ الاجتماعي\ الموضوعي. ولهذا فالخطاب الروائي برغم خصوصيته التشكيلية الإبداعية واقعي المصدر والدلالة.
مما تقدم نرى إلى تداخل وانسجام الواقعين, ولا يكون الواقع الروائي تقليدا للواقع المعيش, كما أنه لا يكون استنساخا آليا وانعكاسا مراويا أو مجرد انعكاس جدلي للواقع وإنما يكون معلولا إبداعيا لهذا الواقع وعلة فاعلة فيه كذلك, من حيث انه اضافة إليه بإبداعية بنيته الخاصة, وبما يصدر عن هذه الإبداعية من دلالة مؤشرة بالضرورة سلبا أم إيجابا في هذا الواقع, وهكذا نصل إلى مقولة تقول: "إن الخطاب الروائي ليس تشكيلا لأيديولوجية بل هو أيديولوجية نابعة من تشكيل". فهل نجح مبدعونا في إقامة مثل هذا التوازن؟! أي هل نستطيع أن نقول أن مبدعينا في كتابتهم الروائية نجحوا في خلق\ إنتاج واقع متخيل يستمد أصوله من آخر موضوعي\ مرجعي؟! أم أن عملهم الروائي كان استنساخا آليا أو انعكاسا مراويا لهذا الواقع الموضوعي\ المرجع.
في الحقيقة إن قراءة متأنية لمعظم إنتاجنا الروائي لغاية الآن تقول: إن مبدعينا على اختلاف مصادرهم وانتماءاتهم وطرائقهم وأساليبهم لم ينجحوا في خلق هذا الواقع المتخيل, بل إن صوت التاريخ\ الواقع\ الايدولوجيا كان عاليا لدرجة الصراخ في أعمالهم الروائية. بحيث يشعر القارئ بارتباك هذه الأعمال الروائية وبتقديم الفنية تضحية على مذبح هذا الواقع, وذلك لأن الكاتب ما زال يعاني من عدم السيطرة على أدواته الإبداعية. فاللعبة ذات أصول, وهي ليست سهلة, بل تحتاج إلى تمرين وقراءة وتجريب, تحتاج إلى وضع التجربة الروائية على نار هادئة كي تستطيع أن تنضج براحة وبطء لا أن نستعجل الكتابة لأن الحقل الروائي كما يشعر بعض المبدعين ما زال بكرا فكتابة رواية, أي رواية, ولا يهم مستواها الفني- من الممكن أن تشهر هذا المبدع أو من الممكن أن تدرج اسمه بين الرواد والأوائل, بحيث يطمح عندئذ لاحتلال مركز في الإعلام المحلي وتعاطف في الإعلام الفلسطيني أو العربي, على ما يعتقد.
وأخيرا, هل نجحت في إلقاء الضوء على العقبات التي تعترض طريق روايتنا؟ ربما. ولكن للحقيقة أقول إن مبدعينا- رغم قلتهم- استطاعوا بما يملكون من صبر وأناة وبما اكتسبوه من ثقافة واطلاع على معظم ما أنتج محليا وفلسطينيا وعربيا وعالميا, وبما خاضوه من تجارب إبداعية وعانوه أن يكسروا هذا الحاجز. وأن ينطلقوا إلى أمام. صحيح أن إنتاجهم هذا لم يكن الإنتاج الوحيد في حقل الإبداع, ولكن رغم ذلك كانت التجربة تستحق مثل هذا العناء. كما انه صحيح أن إبداعهم الروائي فيه بعض النواقص الفنية, ولكن رغم ذلك أيضا يجب أن نعرف أن للتجربة وللريادة ضريبتها. فهل أنا متشائم؟!
طبعا لا. إذ أنني إذا بينت الواقع وكشفت عن المعوقات التي أراها فهذا لا يعني أنني أغض النظر أو أتعامى عن التقدم الذي بدأنا نراه أو نلمسه, ولكنه تقدم بطيء وليس متواصلا كنا نود أن نراه يخطو خطى أوسع وأكبر كي نتمكن من القول إننا اليوم نملك جانرا روائيا لا بأس به, كما نملك جانرا شعريا متقدما وجانرا قصصيا وأعني- القصة القصيرة- جيدا.
وأنا متفائل.
حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية
drhbolus@yahoo.com


الأحد، فبراير 22، 2009

وطارت عصفورة الصباح

عيسى القنصل

لست ُ ادرى ما اعترانـــى بعد ان غاب الخليــــــــــــل ُ

فالقوافى عاصيــــــــــــات ُ والقريض ُ مستحيــــــــــــل ُ

والمعانى فى غيــــــــــا ب ٍ والخيال لا يجــــــــــــــــول ُ

وفوادى عمق صـــــــدرى ميت منه الصهيــــــــــــل ُ

يا الهى ما دهانـــــــــــــــى هل دنى منى الرحيــــــــل ُ

كيف امضى نحو حلمــــــى هزّنى هذا الفضـــــــــول

كانت الانسام عنـــــــــــدى وزمانــــى والفصــــــول ُ

التقيها كل صبــــــــــــــــــح ٍ ومسائى اذ يطــــــــــــول ُ

تسقنى حبا ً ولطفــــــــــــــا حبها قلب ُ اصيـــــــــل ُ

صوتها تغريد ُ طيــــــــــــر ِ ثغرها طفل ُ جميـــــــــــل ُ

شعرها نسمة ُ صبــــــــــح ِ هادى حلو طويــــــــــــــل ُ

تختفى فيه النهـــــــــــــود تستبى فيه العقــــــــــــول ُ

وقوام ُ يتهــــــــــــــــــــادى يشتفى منه العليــــــــــــــل

ثم ثغر ُ فيه سحـــــــــــــــر ُ وطهور ُ ما يقـــــــــــــــــول ُ

وصفها اعجاز شعـــــــــر ليس عندى ما اقــــــــــــول ُ

فبهاء ُ ونقــــــــــــــــــــــاءُ وصفاء ُ وعـــــــــــــــــذول ُ

وارتياح ُ حين تاتـــــــــــى وانهيار ُ اذ افــــــــــــــــــول ُ

انها لطف ُ النســــــــــــــاء وربيع ُ اذ فصــــــــــــــــول ُ

يا الهى اين غابــــــــــــــت ْ؟ دلّنى كيف السبيــــــــــــــــل ؟

انها الهام شعــــــــــــــــرى انها عندى الدليـــــــــــــــــل ُ

كيف غابت فى ثوانـــــــــى وكسى عمرى الاصيـــــــــل ُ

اين غابت عن عيونــــــــى ؟؟ بعدها عب ُ ثقيـــــــــــــــــــل

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

سوف امضى فى طريقـــى ذكرياتى البديــــــــــــــــــــــل ُ

انها نبع ُ النقــــــــــــــــــاء والنقاء لا يــــــــــــــــــــزول ُ

فاذكرينى فى الليا لــــــــى بعدكم ليلى يطـــــــــــــــول ُ

يا لعصفورى الانيــــــــق انت فى قلبى الجميــــــــــــل ُ

كتاب: لبنان يفرح بالكويت لمحترف راشيا ـ لبنان



جمعية محترف راشيا " لبنان وتكريماً للكويت لمناسبة العيد الوطني الثامن والأربعين وعيد التحرير، توزع كتاب "لبنان يفرح بالكويت " على طلاب جامعات في لبنان" .

لمناسبة العيد الوطني الكويتي الثامن والأربعين وعيد التحرير ، ولما لدولة الكويت من أفضال على لبنان في كافة المجالات الإقتصادية والثقافية والتربوية والصحية والإجتماعية ، قام رئيس "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" راشيا الوادي لبنان شوقي دلال والأعضاء بتوزيع كتاب من إصدار الجمعية بعنوان "لبنان يفرح بالكويت" فيه شهادات عن العلاقة اللبنانية الكويتية المميزة عبر عقود من نقيب المحررين ملحم كرم وأمين عام تجمع البيوت الثقافية في لبنان البروفسور جورج طربيه ورؤساء جمعيات وأندية ثقافية ورياضية وإجتماعية لبنانية حيث شمل توزيع الكتاب طلاب من مختلف جامعات لبنان الرسمية والخاصة .
رئيس الجمعية الفنان شوقي دلال ولهذه المناسبة قال " خطوة اليوم تأتي من جمعيتنا لنقول نحن في لبنان أوفياء لدولة الكويت الشقيقة وأميرها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله وقيادة الكويت وشعبها الشقيق على ما قدمته من مكرمات تجاه وطننا لبنان سياسياً وإقتصادياً وثقافياً وإجتماعياً عبر عقود وهذا لن ننساه مطلقاً بحيث نوزع اليوم الكتاب الصادر عن جمعيتنا لطلاب جامعات لبنانية رسمية وخاصة لمناسبة العيد الوطني الكويتي وعيد التحرير مزيناً بكتابات لكبار قامات الإعلام والثقافة في لبنان عن مدى العلاقة التاريخية بين لبنان والكويت بحيث أضحت نموذجاً نعتز به ونفاخر ".
نقيب محرري الصحافة اللبنانية ملحم كرم في كلمته للكتاب بعنوان "واقع محفور في يومياتنا" مما قال "الأخوة اللبنانية الكويتية لا تحتاج إلى دليل ، فهي فعل تعايش يومي موصول ، له إمتداداته في الماضي والحاضر ، وهي ستستمر بالألق نفسه والزخم عينه مستقبلاً، ولست أغالي إن قلت أن لبنان هو الوطن الثاني للكويتي الذي يمتلك فيه عقاراً وبيتاً ، وقبل أي شيء أصدقاء تشدهم إليه رابطة محبة هي النموذج الأكمل للعلاقات بين الشعوب والبلدان ، فنادراً ما تجد لبنانياً لا يعرف كويتياً ، والعكس أيضاً ، ففي قلب كل منهما قطعة ، بل فلذة من الآخر ، تنمو وتتفاعل إيجاباً في الإتجاه الذي يحقق التكامل الحقيقي وغير المصطنع بين هذين البلدين الشقيقين"....
أمين عام تجمع البيوت الثقافية في لبنان البروفسور جورج طربيه قال " لبنان والكويت بلدان متعشقان للثقافة والتطور والحرية ، والدليل على ذلك طليعيتهما الثقافية في العالم العربي ، وتطورهما الحضاري السريع ونهوضهما المدهش كطائر الفينيق من بين الأنقاض وإعلامهما الحر الذي لا يمكنه الرسوف في الأغلال مهما بلغت التضحيات ، وأصالتهما العربية وتشبثهما بالتراث وإنفتاحهما على الحضارات شرقاً وغرباً من دون أي تعصب أو تقوقع خانق هدام ، من هنا تلاقيا روحاً وطبائع وتلاقي في أكثر من مجال وأضحيا وطناً ثانياً لكل منهما بكل ما تحمل الكلمة من معنى "...
يذكر أن الكتاب سيستكمل توزيعه من قبل "جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون" لاحقاً على كافة المكتبات العامة في لبنان .
شوقي دلال – رئيس الجمعية - لبنان

السبت، فبراير 21، 2009

فريد .. موسيقار الأزمان

محمد محمد على جنيدي

فريدٌ نابضٌ فينا

نُنَاجِيه فَيُشْجِينا


هو النَّبْعُ الَّذِي يَسْرِي

بألحانٍِ تُصافِينا


رقيقُ القلبِ نَسْمَعُهُ

هَدِيلاً في أغانِينا


فَمَنْ لِلْعُودِ يا شادٍ

ومَنْ باللَحْنِ يُغْرِينا


إذا الأغْصَانُ قَدْ صَدَحَتْ

بأوتارِ الهَوَى لينا


فريدٌ سَوْفَ نَعْرِفُهُ

كَبَدْرِ الليلِ يَضْوِينا


حنينٌ لَيْسَ يُدْرِكُهُ

سِوَى نَبْضِ المُحِبِّينا


وإبْدَاعٌ بِأنْجُمِهِ

سَرَتْ نَجْوَى أمَانِينا


لَهُ مَالَتْ جَوَانِحُنا

وفاح العِطْرُ يَاسْمِينا


لَهُ رَقَّتْ مَشَاعِرُنا

وبات النَّايُ يُشْجِينا


فيا سَاعٍ لِمَطْلَعِهِ

ويا شَادٍ أغَانِينٍا


بَهِ إنْ شِئْتَ فَاسْمِعْنَا

قُطُوفاً سَوْفَ تُغْنِينا


فَذَا الفَنُّ الَّذِي نَرْجُو

سَيَبْقَى نابِضاً فينا


ولَنْ نَنْسَاه ما عِشْنا

وإنْ ذَابْتْ مآقِينا

الجمعة، فبراير 20، 2009

سين

رحال لحسيني
(إلى جبرا .. في غرفه الأخرى)

1
سَتُطوى الطرقات يوما
سَتنقضي الدقائق والساعات

سَيُفتقد الأثير
سَتصمت الإذاعات.....

سَتسقط غيوم
سَنسخر من كل تخوم
سَنموت.. ستُولد علوم

الغيب ليس لي
ولا شيء على حاله يدوم !

2
قل لي
قل لي . .
أيها المجهول
المستحيل
الممكن

ألا يمكن أن تقول لي ..
ما لا أسمع
وما لا أفهم

حتى أعيش لحظة
هي غموض النَّبَرات... !

3
غنّي آهات الأغنيات الوجينة
غنّي عن أطفال الدروب الحزينة
لاتَقُل كلمات
أسمعني أنينا.

لا ترفع شعارا،
سِر بي إلى " الأَيْنَ " ؟ !

لو بقينا كما كنا
لما كنا بَقَيْنَا

4
إن العذاب
إن الصعاب
إن الشعاب

إن هذا الباب..إلينا
......
أن ندخله
أو انتهينا …!

الخميس، فبراير 19، 2009

لقاء تاريخي مع البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم

مفيد نبزو
أصدقاء المغتربين في محردة
حقاً،والحق يقال: إن اللقاء مع صاحب الغبطة البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس،وابن محردة البار،له خصوصيته من حيث المهابة والوقار ، والرحابة والحبور، فتصور أن رجلا ً على حدود التسعين من العمر يستقبلك بكل لباقة ومحبة وتواضع، ووجه يفيض بالبشر،ويطفح بالضياء،ليعلن صاحب الغبطة غبطته باستقبالنا الذي لم يكن عادياً، فما أعظم أن يسجل التاريخ بأحرف من نور هذا اللقاء التاريخي مع بطريرك الوطنية، وناسك الروحانية، ومرساة الإيمان على شواطئ الحق والرجاء والخلاص. لقد أضاءت حروفه رسالة اللاهوت المقدس من خلال مسيرة طويلة نأت عن كل ماهو دنيوي عابر، وعن كل ما هوقبض الريح.
كم تشعر بنعمة الإصغاء عندماتصغي لحديثه الخافت،والذي تتجلى فيه الحكمة المستمدة من تجارب الحياة المديدة، ومن الطريق الذي أراده ضيقاً، ولكن يؤدي إلى النور والحق والحياة.

كان غبطته قد استمع إلى شرح مفصل من المهندس:سمير كلش عن جمعية أصدقاء المغتربين في محردة،والتي من أهم أهدافها الحب والخير للوطن، وربط المقيم بالمهاجر،والمهاجر بالمقيم، وبعدئذ تحدث غبطته عن فرحته بالضيعة التي ما تزال تعيش فيه حتى اليوم،وحبه الذي لايرخص أي شيءمنه، وعن جذوره المترسخة بمحبة في أعماق هذه الأرض الطيبة، وعن غنى القيم والمثل التي تعلمناها ويحق لنا أن نتباهى ونعتز بها أمام الجميع. وكانت لكلمات الأستاذ كريم خوري أبووسام وقعها الجميل أمام صاحب الغبطة حين عبَّر عن محبته لمحردة،من خلال قوله لصاحب الغبطة: محردة جوازسفر للعالم.

ومع التفاعل السامي بحضور صاحب الغبطة كان لكلماتي أطيب الأثر من خلال ذكر والدته المرحومة: مريم، مع ذكريات العاصي والباشية،
والطاحونة التي كانت تطحن القمح على الماء في العاصي، وعرعيش رحمه الله الذي كان يذهِّب الأعياد وكان مشهوراً بالشابوش في دبكات العيد، وزهوة الأفراح في محردة،وهذه الأبيات التي اخترتها وقلتها:

قومي يا مريم نزور ضيعتنا

ال ع حبها من صغرربتنا

هونيك حد المصطبة والبير

ياماليالي الغزل جمعتنا

ياماغزلنا وبالهوى مغزالنا

من الفل وغصون الحبق آمالنا

ما بتذكري الوقفات بليالي الهنا

قديش غنى الطير ع موالنا

وتذكري العاصي الباشية

الطاحون تطحن قمح ع المية

قومي يا مريم نعيدها ع البال

ونتذكر الماضي بحنية

وتذكري بالعيد شو كنا

وعرعيش بالدبكات شو غنى

لما بصوتو يشوبش الشابوش

تفتِّق نجوم الميجنا عنا

مريم يا مريم هيك طبع بلادنا

ربينا تعلمنا الوفا من جدادنا

قومي نرش زهور ع دروب الزغار

ونعلم دروس المحبة ولادنا.

ثم كانت الصور التذكارية مع صاحب الغبطة لتبقى توثيقاً جميلا ً لزيارة تاريخية جميلة مباركة.
وبعدئذ كان لقاء وفد الجمعية مع الوكيل البطريركي المطران : غطاس هزيم الذي استقبلنا بكل حفاوة وترحيب، وكان للأحاديث نكهتها،
وتنوعها ،وقد تخللها تعريف بالجمعية وأهمية رسالتها للوطن والمهجر، وتجاوب المطران غطاس مع الوفد تجاوباًحميمياً رائعاً ترك انطباعاً
حلواً،وفرحاً عارماً في نفوس الجميع.

اصدار جديد للشاعر المغربي بن يونس ماجن المقيم في لندن



فرامل لعجلات طائشة في الهواء


يواصل الشاعر المغربي بن يونس ماجن مسيرته الشعرية

في اصدار جديد عن دار الزمان للطباعة والتوزيع والنشرفي دمشق- سوريا

بعنوان"فرامل لعجلات طائشة في الهواء"

يقع الكتاب في 83 صفحة من القطع الوسط ويضم بين دفتيه 20 قصيدة

لوحة الغلاف للفنان جبر علوان و تصميم الغلاف جمال الأبطح

ومن قصيدة: "وجوه انتهت مدة صلاحيتها" نقتطف:

وجوه بلا تجاعيد مقنعة

كسيرة النفس

منكمشة الابتسامة



وجوه كأكياس النفايات

يتراكم عليها غبار السنين

يسوقها التيه

الى فراغات مذهولة

ويزج بها

في خراب الغثيان

وجوه مجهولة الهوية

جرداء التفاسيم

نسيها التاريخ

وتنتظر تثاؤب الزمن..ص.51

وللشاعر تحت الطبع مجموعة شعرية جديدة تصدر قريبا عن احدى دور النشر في القاهرة

يوميات كاتب عربي

يحي أبوزكريا

تزامن تخرجه من كلية الصحافة مع إنطلاقة المشروع الديموقراطي في وطنه وبداية التعددية السياسية , ولأنه من جيل الشباب أو جيل النكسة فقد كان شديد الحماس للعمل الصحفي من جهة وللمشروع الديموقراطي من جهة أخرى .

و أنضم فور تخرجه من الجامعة إلى جريدة الحقيقة كي يساهم في نشر الحقائق التي ظلت مخفية عن الناس عقودا تلو العقود لم تسد فيها إلا الحقيقة الوحيدة حقيقة السلطة القائمة.
و أصبح صاحبنا الذي لا يريد أن يذكر إسمه ضمن هيئة تحرير الجريدة و كان مكلفا بالملفات السوداء و رجالات العهود السابقة الذين بينهم وبين رجالات العهد الجديد أوشج العلاقات وأمتنها .

و كان رئيس التحرير على الدوام يشجعه و يدفعه بإتجاه المزيد من العطاء الصحفي و المزيد من الإستكشافات في مجال رجالات العهود السابقة و حتى الراهنة مادامت الديموقراطية سيدة الموقف.

و عندما كان صاحبنا يسأل رئيس التحرير عن سر إهتمامه بما يكتب كان يجيبه بأنه زمن الديموقراطية والشفافية و كشف المستور وإنصاف الأمة المخدوعة دوما برجالات القرار فيها.

أما مدير التحرير فقد أعطى الضوء الأخضر لكي تنشر كل مقالات صاحبنا وفي الصفحة الأولى أحيانا , و كان على الدوام يعتبر مقالات صاحبنا رمز المرحلة الديموقراطية الراهنة, وبدوره فإن سكرتير التحرير كان يعطي الأولوية لموضوعات صاحبنا , حتى عجب صاحبنا من هذا الإهتمام المتزايد .

و دفعه حماس مسؤوليه له إلى الكر و الفرّ في مجال كشف خبايا السلطة وزواريبها وطرقها الملتوية و رجالاتها التجار و كيفية أدائها لمختلف الأدوار حتى تلك المتناقضة منها.

وكتب صاحبنا عن المثقف والسلطة , الدبابة والمسجد , العسكريتاريا و الديموقراطية , الفقهاء والسلاطين ,رجال المخابرات ورجال الصحافة , أئمة السلطة وسلطة الإئمة.

كتب صاحبنا عن رجال المخابرات الذين أطلقوا لحاهم وأرتدوا الجلابيب , وظل

يكتب ويكتب و لم يكن يدري على الإطلاق أن كل ذلك كان بإيعاز وتحت الرصد

و المراقبة .

وأنقضت سنوات وصاحبنا يتميز بنفس الحماس وفجأة قرر رجال القرار تغيير الثوب واللجوء إلى لعبة جديدة , باعتبار أن السلطة عندنا تعتمد على اللعب والمناورة لا على المؤسسات وهي مثل الزانية تنام مع رجل وتلفظه في اليوم التالي لتجلب آخر وهكذا دواليك . و تقرر إسدال الستار على المشروع الديموقراطي و فرض حالة الطوارىء .

و بموجب حالة الطوارىء أستدعي صاحبنا الصحفي في جريدة الحقيقة إلى الدائرة إياها - الإستخبارات بصريح العبارة - وعندما دخل إلى غرفة التحقيق ذهل صاحبنا وألمت به الدهشة عندما شاهد رئيس التحرير و مدير التحرير وسكرتير التحرير .

فسألهم بتعجب هل أستدعتكم دائرة المعلومات في جهاز الإستخبارات أنتم أيضا؟

وهاهنا أطلق الثلاثة ضحكات وقهقهات مدوية لم يجد لها صاحبنا تفسيرا , وبعد أن هدأ الضجيج قال الثلاثة لصاحبنا : نحن ضباط في جهاز الإستخبارات , ونحن هنا لنستمع إلى أخر أقوالك , و هنا قال رئيس التحرير أو ضابط الإستخبارات لا داعي للإنكار , فالمسودات والمخطوطات كلها معنا و في متناول أيدينا من أول مقالة إلى آخرها و ها هي المقالة المتعلقة بالمعتقلات والإغتيالات المضادة.

وهنا أخذ صاحبنا يقهقه ويقول يا لها من حقيقة من جريدة الحقيقة إن ما أراه يكشف عن سر الديموقراطية في بلادنا والعجيب أن السلطة وحسب مقتضيات مصلحتها تجنح إلى نقد نفسها و بأدوات تضعها هي تبريرا للمرحلة وتكريسا للخطة.

إن ما أراه – قال صاحبنا - يكشف عن الكثير , فالوضع برمته ملغوم و الكمائن في كل مكان , لكن قبل أن أحال حيث الصراصير و الذباب دعوني أكتب مقالي الأخير , و هنا قال رئيس التحرير أو ضابط المخابرات وماذا سيكون عنوانه وهنا رد صاحبنا الصحفي بلوعة وحزن وأسى , طبعا سيكون عنوانه ؛حقيقة الديموقراطية في أوطاننا العربية .

دمعة فراق

عيسى القنصل
لا ادرى لماذا شعرت باختناق عميق لسما ع ذلك الخبر ؟؟وكاننى لم اجد حفنة هواء لتنفس منها ؟؟وكان احد قد اخمد فى قلبى كل حماس الحب والشعر والتنامى داخلى ؟؟وكدت احطم جهازى وابكى ؟؟مع اننى كنت على يقين من ان طهارتك وحسنك وقلبك الطاهر سوف يحضى ذات يوم بمعجب وعريس وزوج ؟؟

اريد ان اعتذر عن هذه الاختناقه وهذه الشهقة المولمة فى صدرى ؟؟اريد ان اعتذر لك عن انانيتى وسخافة احساسى وهذا النذل الانسانى الذى احاط بى ؟؟ كيف يحق لى ذلك ؟؟ كيف اسمح لنفسى ان اصبح فى هذه الدرجة من الانانية .. خاصة لك ؟؟ واه كم شعرت بعنف ضعفى وكرهت نفسى لذلك ؟؟

سوف يخسرنى الشعر بعد اليوم ان كتبته وانت ليس فيه ؟؟ وسوف تهجرنى القوافى حين اصوغها لاحد سواك ؟؟واعرف ان حرفى لن ياتى طائعا او راضخا لى بعد اليوم ؟؟

كان وكنت انتظر ذهابك لبيتك ونومك لوحدك لاعود زائر الليل ؟؟ولكننى سوف اقطع اقدامى واغلق ثغرى وارمى هاتفى فى طريق بعيد مجهول ..لاننى ارفض ان ازعجك وان اجعلك تفكرين بغير زوجك او خطيبك ..

قلبى ثقيل جدا وكانما مجنزة واقفه فوقه .. وعيونى لم تعد ترى حتى حاسوبى ..سوف اشعر فى فراغ انسانى عميق ..وسوف تجف من اعماقى هذه النسمة الهوائية الجميلة التى كنت اعرفها فيك ومنك ؟؟

اعرف انه لا يحق لى ذلك ؟؟ وانه من واجبى ان افرح مجنونا من اجلك وان اقدم لك كل عبارات الفرح والامانى ..لكننى مخنوق حين ارى زائرا اخرا سوف ياتى الى ليلك وغرفتك ويشترى لك ما كنت اريد انا ان اشتريه لك ؟؟

اعرف يا صديقتى انك فى سعادة وفرح داخلى لذلك وانك على وشك الانتقال الى احضان من يرى فيك غده ومستقبله ومن عمق حماقتى نسيت ان امد لك يدى مباركا ؟؟ اعذرينى لقد اذهلنى الجمود وارعبنى منظر من سوف يزورك كل يوم وكل ليله ..دون ان اسمح انا لنفسى ان اتصورك هناك

من الاعماق تهنئة الى عينيك ملهمتى

فهذا اليوم يبتســـم ُ لغاليتى وسيدتـــــــى

سامضى بعد خطوبتكم الى اعماق ذاكرتــــــى

اعانقها واحضنها وامضى نحو محرقتــى

فلا انثى اخاطبها ستجمعنى بامنيتـــــــى

جزاك الله اوسمة ً وذكرك ِ صار اوسمتـى

مباركة ُ ثوانيكم وكونى عزوة البيـــــــــــتٍ

وان طفنا بخاطركم بيوم ِ فا دخلى ( النت )

سابقى مثل مذهــول ٍ انادى اين آنستــــــــــــى

فعذرا ان بكى قلبى ويا سحقا لعاطفتــــــــــى

فسيرى نحو دولتك ِ ارينى حبل مشنقتــــــــــــى

انا المذهول فى طرب خطيبك قص اجنحتــــــى

وقد جاءت مفاجأة كعاصفة ٍ بلا وقــــــــــــــت ِ

وكان القلب ُ منتظرا على بوابة الوقـــــــــــــت ٍ


لياتى قرب منزلكــم فبعد اليوم لـــــــــــــن آ ت

وداعا اننى رجـــــل ُ سامضى نحو ذاكر تـــــــى

اداعبها اغازلهــــا لتعطينى انا انــــــــــــــــت ِ


الأربعاء، فبراير 18، 2009

صباحكم أجمل/ قلبي له



زياد جيوسي

يوميات دمشقية الحلقة 4 والأخيرة

وها أنا استعد في الساعات المقبلة لاحتضان رام الله العشق والجمال، أنظر من شرفتي أتأمل عمّان الهوى، أنظر في كل الاتجاهات، أحلم برام الله وأستعيد ذاكرة عمّان التي عشقت، عمان الجمال الصغيرة الجميلة، عمّان الشابة التي كبرنا معها وترعرعنا، فبقيت شابة ترخي جدائلها على الكتفين، وكبرنا نحن وبقي عشق الشابة يجتاح أرواحنا، عمّان وسط المدينة والأحياء التي تتناثر على جنباتها، والتي أجولها في كل مرة أعانق عمّان فيها، محتضنا بروحي روحها، ملتقطاً بعدستي جمال روحها وذاكرة الهوى العمّاني.

كانت فرصة وأنا أتماثل للشفاء أن أستعيد ذاكرة عمّان، فتمتعت بحفل توقيع كتاب القادم من المستقبل للكاتبة نهلة الجمزاوي في رابطة الكتاب الأردنيين، وحفل توقيع رواية للدكتور جمال ناجي في القصر الثقافي الملكي، والتعرف بعدد كبير من الكتاب والمبدعين في الأردن، وخاصة حين التقيت ببعض أعضاء من زملائي في اتحاد كتاب الانترنت العرب فرع الأردن، فكان اللقاء الجميل مع صديقي د. محمد سناجلة والغالي يحي القيسي، وفرصة للتعرف بزملاء من الاتحاد لم التقيهم سابقا كالرائع مفلح العدوان والكاتبة والفنانة والمخرجة هناء الرملي التي عرفتها من خلال إبداعها ولم التقيها سابقا والعديد من الزملاء والزميلات، وفرحت بزيارة لصحيفتي الرأي والدستور ولقاء العديد من المبدعين، منهم من عرفته سابقا والبعض التقيه مواجهة لأول مرة، كما تمتعت بقراءة الكتاب الذي أهداني إياه الكاتب الصديق بسام عليان ويحمل اسم "قضايا معاصرة"، والتمتع بمعرض الفنانة بتول الفكيكي في مركز رؤى، ومعرض الفنان المرحوم حسن حوراني في دارة الفنون ، الذي فارقنا شاباً ولكن روحه بقيت تجول حولنا من خلال إبداعه، ومن جمال اللقاءات لقائي مع الشاعر عمر أبو الهيجاء والتمتع بشعره في ديوانين أهداني إياهما يستحقان تفرداً بالكتابة.

وفي هذه اللحظات تجول روحي وأنا أنظر شمالا للمعشوقة الأخرى دمشق ورحلتي إليها بعد غياب اثنان وثلاثون عاماً، فوجدتها كما تركتها في رحلة الغياب، تنتظر في محطة القطار والوفاء عاشق غائب عاد إليها بعشقه وحبه ولم ينساها لحظة، فأستذكر أواخر أيامي الدمشقية وتجوالي في كل أحيائها في أواخر الشهر الحادي عشر وبداية الشهر الثاني عشر من العام الفائت، فأستعيد في الذاكرة حواريها ودروبها وأزقتها، وأستعيد في الذاكرة حين شددنا الرحيل إلى بلدة صغيرة من بلدات ريف الشام، بلدة قَطَنا لتلبية دعوة للكاتبة الرائعة إيمان ونوس، صديقة القلم والحرف وتوأم الروح وصديقتها، التي بادرت من لحظات وصولنا الأولى لدمشق لزيارتنا، ولم أعرف إلا في رحلتنا أنا وزوجتي حجم المسافة التي قطَعتها للوصول إلينا من قَطَنا إلى دمشق، فما أن أطللنا على مشارف هذه البلدة الجميلة الصغيرة، حتى كنا نلمح في الأفق جبل الشيخ وثلوجه وعمامته البيضاء وجمال الأفق الممتد حتى التلال البعيدة الجميلة، فتمنيت لو كان بيدنا أن نكون هناك، حيث الجمال والتاريخ والمجد.

كم كان يوما جميلا قضيناه في قَطَنا برفقة إيمان ونوس وأفراد أسرتها وأبناؤها وبناتها الذين شعرت بهم أبنائي، فحسن الضيافة والكرم العربي الأصيل الذي غمرنا لا ينسى، ولم تتركنا الرائعة إيمان إلا بعد أن أخذت وعداً منا أن نبدأ رحلة أخرى لربوع سوريا من قَطَنا، فغادرناها ونحن نشعر أننا نترك في قَطَنا وفي بيت إيمان بعض من أرواحنا، حتى أن الدموع كادت تطفر من عيون زوجتي حين ودعنا إيمان عائدين لدمشق، إلى مكان سكننا في البيت الجميل الصغير الذي وفره لنا بروح معطاءة صديقنا أبو دركل.

قضينا وقتنا حين عدنا في زيارة الأصدقاء في مخيم اليرموك استعدادا لوداع دمشق، ففي اليوم التالي كان الأحد الثلاثين من كانون الأول آخر يوم لنا في دمشق، ومنذ صباح الأحد كنا نجول في حي جرمانا نزور بيت مصطفى ابن شقيقي الأكبر وسيم والذي كان مسافراً فقضينا وقتنا في زيارة أسرته وزهراته الجميلات سابين وكندا والذين حَرمَنا منهم البعد والشتات، ونجول في حي جرمانا الجميل ثم زيارة جميلة للروائية والكاتبة والشاعرة مادلين اسبر في بيتها الجميل الذي يحمل جمال روحها وإبداعها الأدبي، فتمتعنا بحسن الضيافة وروعة الكرم وجمال الحوار، لنغادر ونحن نحمل فرح هذا اللقاء لنجوب قلب دمشق من جديد، في محاولة لإرواء أرواحنا العطشى لجمال دمشق وسحرها، فتجولنا حتى الليل برفقة الكاتبة الرائعة أماني ناصر، في أحياء الشام القديمة وسحر التاريخ وعبق المجد، فودعنا مقهى النوفرة الجميل بجلسة وتجولنا كثيرا في الأحياء القديمة وزرنا التكية السليمانية وحوانيتها الفنية الرائعة، تمتعنا بتأمل هذا البناء التاريخي الجميل وروعة ما أفاضت به أرواح الفنانين، لنختم الجولة في وقت متأخر بعشاء في مطعم المصري، الذي كنت من رواده في مرحلة الشباب وقبل عقود من الزمن حين نبتت زهرة العشق في روحي لدمشق.

ودعنا أماني وأبو دركل الرائع وأسرته الجميلة، وفي الصباح كنا باتجاه درعا لنختم الزيارة لأراضي الشام بزيارة الكاتبة الرائعة مجدولين الرفاعي وأسرتها، والتي اصطحبتنا بزيارة لا تنسى إلى مدينة بصرى الأثرية، فتجولنا بها بالكامل لساعات طويلة سيراً على الأقدام حيناً وفي عربة يجرها حصان أيضاً، فشاهدنا من خلال الآثار حقب زمنية مختلفة، فمن مسجد فاطمة الزهراء إلى مسجد مبرك الناقة، ومن صومعة بحيرا الراهب إلى التابوت الروماني المبني لابنة قيصر روماني فوق الأعمدة التاريخية، ومن المدرج الحجري الضخم إلى الطرق المبلطة والمباني القديمة والأثرية، والتي تروي جميعها عبق التاريخ ومراحله، لنعود إلى درعا وتصر ماجدولين على دعوتنا لعشاء فاخر في مكان جميل، وقرب منتصف الليل ودعناها وأسرتها عائدين إلى عمّان، وأرواحنا ونفوسنا تحمل كل جميل من كل من عرفناهم وتعرفنا عليهم وكل من التقينا، فغادرنا ونحن نترنم بأغنية فيروز: قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب، شآم من أنت ؟ أنت المجد لم يغب..

صباح عمّاني آخر وأنا أستعد لعبور النهر المقدس، عائدا لمعشوقتي رام الله وأهلها وناسها ودروبها وعبق ياسمينها وفيء صنوبرياتها، مودعاً عمّان الهوى والطفولة والحب المبكر الذي لا يمكن أن يفارقني، أحتسي قهوتي وأشعر بروح طيفي ترف من حولي، حروفي الخمسة تتراقص في شرفتي العمّانية، تستعد معي للعبور إلى الضفة الأخرى وصومعة رام الله والياسمينة وحوض النعناع وحمائم الصباح، نستمع معا لفيروز تشدو:

"شَعرُ أغنية قلبي له، وجبين كالسنا عالٍ رحيب، أنا إن سُألت أيُن موطني قالت القامة حبك عجيب، مثلما السهل حبيبي يندري مثلما القمة يعلو ويغيب، وبه من بردى تخفاقه ومن الحرمون إشراق وطيب".

صباحكم أجمل.

الطيب صالح في "مركز الحوار العربي": الأمة العربية أمة قفزات.. لا أمة حسابات



لمناسبة وفاة الروائي السوداني الكبير الطيب صالح، يوم الثلاثاء 17/2/2009، نعيد نشر هذا التقرير الإعلامي عن حديث الطيب صالح في مركز الحوار العربي- يوم 22/10/1995- أي بعد أشهر قليلة على تأسيس المركز في منطقة العاصمة الأميركية واشنطن.

==========

لبّى الكاتب السوداني المعروف الطيب صالح، دعوة "مركز الحوار العربي" لأمسية حوار مفتوح معه. وقد رحّب ناشر مجلة "الحوار"، صبحي غندور، بالأستاذ الطيب صالح، قائلا: شكراً للأستاذ الطيب صالح على تلبية دعوة "مركز الحوار العربي" لهذه الأمسية الخاصة، التي هي في الحقيقة تكريم لمركز الحوار العربي وللمشتركين فيه وللمترددين عليه. شكراً للأستاذ الطيب على تعديل برنامج سفره، لأنه كان من المقرر أن يغادر اليوم لولاية نيويورك للحديث بإحدى الجامعات، لكنه تجاوب مع الدعوة لهذه الأمسية.. هذه الدعوة التي عمرها أكثر من سنة، أي قبل تأسيس مركز الحوار العربي. ففي زيارته الأخيرة لأميركا منذ أكثر من سنة، حيث ألقى محاضرة في إحدى جامعات بوسطن، زار الطيب صالح واشنطن لأيام قليلة، وقد أخبرته آنذاك عن اللقاءات والحوارات الفكرية التي كانت تدعو لها مجلة "الحوار" شهرياً وعن سعي مجلة الحوار لتأسيس منتدى ثقافي فكري عربي في واشنطن، وعن قناعتي بأهمية وجود منبر حواري عربي يستفيد من ظرفين: ظرف تواجد الكفاءات العربية المتنوعة في واشنطن، وظرف المناخ الحر الذي يسمح بأفكار وآراء عربية حرة تستفيد من بعضها البعض، وتغني بعضها البعض. وتمنيت عليه آنذاك أن يزور واشنطن مرة ثانية وأن يتحدث بهذا المنتدى الفكري الثقافي في حال تأسيسه، فوعد بذلك. وها هو معنا اليوم في مركز الحوار العربي، يحافظ على وعده، ويؤجل سفره، ويعدل برنامج نشاطه في أميركا. فشكراً للأستاذ الطيب صالح، وأهلاً به في مكان لا يبغي إلا تبادل المعرفة بين العرب، وصولا إلى الأفضل من الأفكار والآراء، بفعل أسلوب الحوار الحر والجاد بين أصحابها.

واليوم يتشرف مركز الحوار العربي أن يكون ضيفه هو الأستاذ الطيب صالح، الذي لا يحتاج إلى تعريف أو تقديم، لكني من موقع الاعتزاز بحضوره وبمعرفته، أقول عنه القليل: هو من مواليد السودان، وقد سافر إلى لندن في العام 1952 حيث عمل هناك في هيئة الإذاعة البريطانية في القسم العربي، أي بدأ حياته إعلاميا وهو الآن من أشهر الروائيين العرب فكانت سيرة حياته وتجاربه ومعايشته لتجارب الآخرين، هي مصادر إلهامه الرئيسي في كتابة رواياته. ثم كان تنقله بين عدة مواقع مهنية، مصدرا لاتساع خبرته بواقع العرب وبآلامهم وأمالهم، فهو في تنقل دائم بين المحيط والخليج، بين المشرق والمغرب، بين الشرق والغرب، ولم يجعله كل ذلك الشرق، وكل ذلك الغرب، أن ينسى أنه ابن جنوب الأرض الذي هاجر إلى شمالها بحثا عن الحياة الأفضل، فكان ربما سبب ذلك، شهرة روايته الرائعة “موسم الهجرة إلى الشمال". وقد عمل الأستاذ الطيب صالح مديرا إقليميا في منظمة اليونسكو في باريس، كما عمل أيضا ممثلا لليونسكو لمنطقة الخليج العربي، وأيضا مديرا عاما لوزارة الأعلام والثقافة في دولة قطر، وهو كتب لسنوات الصفحة الأخيرة من مجلة “المجلة" الصادرة في لندن، وإنتاجه الأدبي غزير ومعروف في الوسط العربي عموما إضافة إلى اتساع شهرته في الوسطين الأوروبي والأميركي، وقد ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الإنكليزية. ورغم أن معظم رواياته تعالج حالات سودانية وأشخاص سودانيين، فان قراء الطيب صالح هم من المحيط إلى الخليج، وأنا أنظر إلى الطيب صالح كنموذج يجمع في شخصيته بين الوطنية السودانية وبين العروبة الثقافية وبين الإسلام الحضاري وبين عالمية الإنسان الحر، فهو المثقف العربي الذي لم تحجب عنه هموم السودان، هموم أمته العربية التي منها جاءت ثقافته ولغته، ولم يبهره تقدم الشمال الأوروبي فيسنى انه ابن جنوب هذه الأرض، وما في الجنوب من فقر وتخلف وآلام. ولم ير في مجتمع الغرب العصا السحرية لمشاكل العرب، بل ساحة ومنبرا لإبداع الفكر العربي المستنير. انه الطيب صالح الذي يجمع، في شخصيته وكتابته، بين الكلمة الطيبة والعمل الصالح. فأهلا بالأستاذ الطيب في مركز الحوار العربي.

ثم تحدث الطيب صالح، وتحاور معه الحضور لأكثر من أربع ساعات. وفي ما يلي، مقتطفات من الشريط المسجّل للحديث والحوار:

الطيب الصالح:

السلام عليكم ورحمة الله، وأود أن اعتذر أشد الاعتذار على هذا التأخير لأني حبستكم مدة ساعة، ولكني وضعت نفسي في أيدي هؤلاء السودانيين الضائعين فضيعوني (يقصد مازحاً صديقه الفاتح إبراهيم الذي رافقه لندوة المركز). نحن ككل العرب، يكون الهدف قريبا، لكن نتوه عنه ونأخذ الكثير من الوقت لنصل إليه. فانا آسف جدا. كما أشكر الأخ صبحي على كلماته الجميلة ولعل هذا أجمل تقديم حظيت به. طبعاً الجهد الذي يقوم به الأخ صبحي من عدة جهود عربية في بلاد المهجر للم شمل العرب وللتفكير بقضايا الأمة العربية ومحاولة إيجاد مخارج من ما يسمى بالأزمة، ونحن ما في شك نواجه أزمة. وأنا حضرت على مدى هذه الأيام الماضية عدة مناقشات في وجوه كثيرة من قضايا الأمة العربية. أنا صحيح كثير السفر بحكم عملي في منظمة اليونسكو، ولكن الآن رغم تقاعدي من اليونسكو ما زلت أتجول كثيرا في البلاد العربية. وما يدهشني دائما ويحيرني هو كثرة الإمكانات وكثرة المواهب في هذه الأمة. يعنى انتم الآن ممكن تقيموا بلد، أنا متأكد من أن الجمهور المتواجد هنا فيه اختصاصات ومعارف وناس درسوا وفكروا، ومثلكم في كل مكان، في المغرب في تونس في ليبيا في السودان في لبنان في سوريا في مصر في بلاد الخليج في المملكة العربية السعودية، ناس كثيرين عندهم طاقات وعندهم خيال وعندهم رغبة وإحساس بأن هذه الأمة تستحق الوصول إلى شيء أحسن. فلماذا نحن أقل مما نحن مؤهلون له؟

لذلك أي جهد في إقامة حوار وفي طرح القضايا- كالذي يقوم به مركز الحوار العربي هنا- يستحق التأييد ويستحق التشجيع. ويجب أن أعترف أني حقيقة عاشق للأمة العربية، ولعلي لست بدعة، فنحن في السودان "عرب وزيادة"، كما كان يقول أحد شعرائنا الكبار "رحمه الله" صلاح أحمد إبراهيم، يقول "نحن عرب وزيادة، فينا شيء آخر". ولذلك، عندنا هذا الحنين إلى مراكز التأثير العربي، بيروت كانت منطلقا مبكرا بالنسبة لنا، ففي بدايات العهد الإنكليزي كانوا في السودان يرسلون بعثات إلى بيروت، كانوا يستصعبوا الإرسال إلى بريطانيا في تلك الأيام.. بعدين غيروا سياستهم، ولم يرسلوهم إلى مصر، لأنهم لا يريدون منهم أن يتأثروا بأفكار الوحدة مع مصر. فهؤلاء الناس، يعني صادف بأنهم جميعا أصبحوا من كبار رجالات الدولة في السودان، ومنهم المرحوم إسماعيل الأزهري أول رئيس للدولة في السودان، وناس كثيرين من المربيين الفضلاء الذين تعلمنا على أيديهم. ولذلك، نشأ بيننا وبين لبنان على بعد الشقة، نوع من الألفة. ثم أنا شخصيا خلال عملي في هيئة الإذاعة البريطانية كنت أقضي أوقات طويلة في بيروت في مكتب الهيئة في بيروت. وهناك، في أواخر الخمسينات والستينات، تعرفت على المناخ الثقافي في لبنان، وتعرفت على عدد كبير من الشعراء والكتّاب، ليس فقط من اللبنانيين.. بل أيضا من الفلسطينيين والسوريين والعراقيين. فبيروت كانت ملتقى لكل هذه التيارات، وتوجد معنا الآن هنا الأخت ناهدة فضلي الدجاني التي تشرفت بمعرفتها ومعرفة زوجها في تلك الأيام في بيروت. ثم بيروت كانت أول من نشر لي، فأنا أدين بالفضل للبنان، لأني أول ما نشرت، نشرت في لبنان. واللبنانيون عندهم هذه الحفاوة بالثقافة، ومن العجيب أني فهمت القضية الفلسطينية ربما أكثر خلال زياراتي للبنان.

السودان كان دائما سندا للأمة العربية، نحن في شمال السودان، والشمال بمعناه الواسع، بمعناه الشمال والغرب والشرق والوسط، دائما عندنا هذا الإحساس العميق بانتمائنا للأمة العربية دماً وفكراً وديناً، كنا نظن أننا العرب الوحيدين في العالم، لأننا ما شفنا كثيرين، حتى الأربعينات، من إخواننا العرب من الشمال فكان عندنا هذا الإحساس بالعصبية العربية الشديدة، هذه العصبية طبعاً الآن أصبحت عرضة للجدل لأنه إخواننا الجنوبيين، ومعهم الحق، يريدون هوية تشملهم، وهم ليسوا عرباً، لكننا نحن عندنا هذا الإحساس العميق بأننا جزء من هذه الأمة ودائما تظهر عواطفنا، لأن السودانيين لا يعبرون عن عواطفهم باندفاع وسهولة، عندهم شيء من الحياء إذا قورنا بإخواننا المصريين الذين هم أقدر منا على التعبير عن عواطفهم، ولكن في أزمات الأمة العربية، دائما كان السودانيون واضحين في انتمائهم لهذه الأمة، ولست بحاجة أن أذكركم بما حدث عام 1967 اثر الهزيمة المرة التي منيت بها الأمة العربية، حيث كانت الخرطوم هي العاصمة العربية التي احتفت بزعيم الأمة المهزوم (جمال عبد الناصر) كأنه زعيم منتصر إلى درجة أدهش الناس في الغرب، ما هذه الأمة، عندهم في الغرب الزعيم إذا قاد الأمة إلى هزيمة خلاص انتهت القضية، فما هذه الأمة التي تحتفي بزعيم مهزوم كأنه منتصر. ثم دائما قواتنا حاربت في فلسطين في كل الحروب، وحاربنا مع إخواننا المصريين، وقواتنا شاركت في لبنان وفي الكويت. دائما وأبدا كنا سندا للأمة العربية ولا نفعل ذلك منةً ولا مجاملة ولكنه الشيء الذي يجيش في قلوبنا وصدورنا لأننا ننتمي حضاريا وفكريا ووجدانيا لهذه الأمة العربية.

هذه بعض الأسباب التي جعلتني أرحب بدعوة الأخ صبحي، وأحضر هذا اللقاء، وبصراحة أنا جئت وما عندي أي شيء محضّر، واعتمد عليكم بأن تطرحوا الأسئلة وسأحاول أن أجيب عليها ثم تشاركون انتم في الحوار. يعني القضية أني لا أملك أي حكمة انتم لا تملكونها وتريدون أن أعطيكم إياها، ولكن لنتبادل الآراء في أي شيء تحبون طرحه.. والله الموفق.. وشكراً.

وردا على سؤال: كيف يفهم الطيب صالح العلاقة بين الإسلام والعروبة والوطنية والديمقراطية، قال:

هذه قضية طويلة وكبيرة.. هذه عايزة Symposium ، مش لقاء. حقيقة نحن السودانيين بنأخذ الأمور كما هي، يعني إلى حد قريب ما كنا نسأل عن موضوع قضية الهوية.. هذه التي جاءتنا من بلاد الشام، ما كان عندنا أزمة الهوية: من نحن.. وإيه تركيبتا.. إلى أي حد نحن عرب والى أي حد نحن أفارقة، نحن عرب مسلمين هذا هو الذي نفهمه، في السودان. يقال في السودان: دا ولد عرب، والعروبة عندنا قضية مفروغ منها، مفهوم قائم بحد ذاته، لما يقال دا فلان ولد عرب، دي قيمة. بعدين يدخل في نطاق هذه العروبة كل من يتكلم اللغة العربية، عندنا في الشمال قبائل نوبية وهي أعرق قبائل في وادي النيل هؤلاء أمة ورثت الحضارة الفرعونية القديمة، وهم الآن عرب. بعدين نحن مسلمون.. الحقيقة المهمة في السودان، هو أن الإسلام دخله سلماً ولم يدخله حربا، وأنا متأكد أنه العديد منكم يعرف تاريخ السودان، لكن فقط أذكركم أن دخول العرب للسودان بدأ في بداية الفتح العربي لمصر لأن بعدما دخل عمر بن العاص مصر في خلافة سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) دخل جيش عربي بقيادة عبد الله ابن أبي الصرح، ووجد ممالك مسيحية مستقرة ومتطورة ومتحضرة جداً فصالحهم العرب، صالحوهم ولم يحاربوهم، ثم ظلت القبائل العربية تهاجر جنوباً وتدريجيا بدأ التزاوج بين العرب وبين القبائل النوبية إلى أن آل الأمر إلى العرب والى المسلمين وتكونت عندنا دولة عربية إسلامية هي دولة سنّار، وسنّار هذه دولة كثير من المؤرخين اعتبروها تعويضا عن ضياع الأندلس حين قامت في السودان هذه الدولة المسلمة العربية. فنشأ عندنا إسلام يتميز بروح تسامح لا حد لها. ما عندنا أبدا التشنج بأمور العقيدة، وعندنا في أم درمان، التي هي العاصمة الوطنية للسودان، حي كامل يسمونه المسالمة، لأنه لهؤلاء أصول قبطية وبعضهم دخل الإسلام وبعضهم ظل على مسيحيته، ومرات في العائلة الواحدة تجد جزءا مسلما وجزءا نصرانيا، ثم نحن في إسلامنا أخذنا كثير من التراكمات الحضارية الموجودة في وادي النيل، فالإسلام بالنسبة لي هو هذا، ولذلك ما يحدث الآن في السودان، أنا أعتبره ضد طبيعة الأرض وطبيعة الحضارة التي أنشأناها على مدى القرون، هذه الحدة في الفصل بين الأمور، انه هذا مسلم وهذا غير مسلم، وهذا كافر.. لم يكن عندنا هذا الكلام، وأظن أن المنطقة العربية كلها تميزت بهذه السماحة في المعاملة منذ صدر الإسلام، منذ عهد الرسول، وفي التاريخ طبعا تعرفوا بأنه في معركة القادسية حين أصيب المثنى بن حارث الشيباني التفت خلفه فوجد عربيا نصرانيا، فقال له: أنت لست من ملتنا ولكنك أخونا فاحمل الراية. عربي نصراني حمل راية المسلمين في معركة القادسية. هذه القضية مهمة جدا لأنه الآن في الغرب يتهموننا بأننا ناس متزمتين ومتعصبين، بينما حضارتنا كلها قائمة على فكرة التسامح وفكرة خلط الأخذ من كل شيء مفيد وجمعها في سياق واحد. في بلاد الشام فعلوا ذلك، في وادي النيل فعلنا ذلك مع إخواننا المصريين، في بلاد المغرب العربي عملنا ذلك، في أرض الرافدين.. هذا هو تراثنا. وأرجو أن تتغلب روح التسامح في نهاية الأمر على التزمت ومحاولة فرض الأشياء، وأكتفي بهذا الجزء من سؤالك ولنتحاور على شيء آخر.

سؤال: من المعروف أن في تراثنا العربي الإسلامي ظهرت مجموعة من المدارس، وبرزت مدرستان، مدرسة المشرق ومدرسة المغرب. وفي الظروف الحالية الآن، هنالك سعي لإحياء التراث، هل لديك تعقيب على ذلك؟ على مشاكل إحياء التراث.. وماذا نستطيع أن نأخذ من التراث بحيث يتفق مع الظروف في الحاضر، ثم هل التراث شيء محدود يجب أن نأخذه كما هو أم لدينا القدرة على تعديله؟

الطيب صالح: أنا الأسبوع الماضي بالصدفة كنت في مؤتمر في برشلونة، نظمته منظمة اليونسكو للحوار في قضايا جنوب السودان، وفي الكلمة الافتتاحية التي ألقاها مدير عام اليونسكو، وهو أسباني، قال جملة لفتت نظري، يقول: "الماضي هو مثل المرآة الخلفية للسيارة تنظر إليها علشان تتأكد من طريقك إلى الأمام"، التراث هو في واقع الأمر، يعني تصوري له، انه شيء عايش فينا، في ناس بتصوره وكأنه في مخزن ونفتح المخزن ونأخذ منه التراث، نحن نحمل التراث في أنفسنا.. نحن نسير والتراث يسير معنا، طبعا يكون من الجميل لو عرفنا كيف نأخذ من التراث ما نصلح فيه أمرنا في الحاضر. يعني التراث فيه أشياء طبعا لا حاجة لنا بها.. في حروب وخصومات، لكن قمم التراث، القمم المضيئة في التراث العربي الإسلامي ما تزال إلى يومنا هذا تعتبر جديرة، وأنت قلت بين المشرق والمغرب، هو في واقع الأمر ما فيش خلاف حقيقي، يعني حصل بطبيعة الحال بحكم الجغرافيا والمناخ في كل منطقة، الناس يؤكدوا أشياء ويقللوا من أشياء، والغريب أننا في وادي النيل، مصر والسودان، نحن مسلمون سنة في وادي النيل، كلنا، ولكننا في ولائنا لآل البيت، كأننا شيعة، خلطنا بين هذا وذاك، وما حصل عندنا أي تـناقض.. السوداني والمصري في ولائه لآل البيت، كأنه شيعي، ولكنه سني. ونحن في السودان كلنا سنة مالكية، فالتراث يجب أن يستعمل لتأكيد القيم الايجابية في الأمة وليس لتفرقة الأمة. لسوء الحظ هناك بعض الناس، بيستعملوا التراث لتفرقة الناس، أنا عندي محك بسيط جدا: لما اسمع كلام أي زعيم أو قائد، أسأل هل هذا الكلام يفرق الناس أو يجمعهم، إذا كان يفرقهم، فمهما بلغ من الفصاحة والبيان، أنا عندي هذا الكلام لا قيمة له، إذا كان يجمعهم ويؤكد نوازع الخير والايجابية فيهم، فهذا عندي حسن. هذه قضية طويلة طبعا، قضية التراث، لأنه ما أدري من أين عملنا هذا التمييز، الإنكليز مثلا عندهم كلمة لقضية التراث Heritage ما عندهم شيء انه شكسبير مثلا يقول التراث، نحن عندنا بعض الناس يقول لك هذا هو التراث، يا أخي الجاهلية عايشة بيننا اليوم، المتنبي عايش بيننا اليوم، نحن عندنا شعراء في السودان، بوادي السودان كأنهم يعيشون في زمان الجاهلية من ناحية الفصاحة، فهذا الشيء عائش بيننا.. ليس هناك هذا التفريق الذي يقولك الأصالة والمعاصرة، السفور والحجاب، هذه الثنائية في الفكر العربي الحديث لا أدري من أين جاءتنا، وكان واضح جدا في أيام تأجج ماضينا أن المفكر أو العالم يحسن كل شيء.. ابن سينا كان يحسن في الطب والفلسفة والشعر والموسيقى.. وكل شيء، لم يكن عنده هذه التفرقة بين هذا وذاك.

سؤال: أود أن اسأل عن رأيك بالنسبة للسودان وكيفية التعامل مع مشكلة الهوية التي تتحدث عنها.. وكيف يمكنها أن تحتوي الاختلافات القائمة داخل السودان ومع جنوبه؟

الطيب صالح: أنا قلت لك عن بعض الناس الذين يحددوا وجهة نظرهم بالنسبة للمستقبل، ويقولون لك: هذا هو الحل ولا تتناقش معي! أظن أول ثورة عسكرية في العالم العربي كانت انقلاب حسني الزعيم في سوريا.. يجي واحد يقولك خلاص هذا هو الحل. فالقضايا، عشان نصل إلى حلول، يجب أن تطرح بحرية وبدون خوف، فلا بد من الحوار الحر الصريح، وهذا منتدى حوار الذي نحن فيه، إذن لا بد من نظام ديمقراطي. ونحن طبيعتنا في السودان أصلها طبيعة ديمقراطية. لا تصدق الذين يقولون إن الشعب غير مؤهل للديمقراطية.. مافيش شعب عربي.. مافيش شعب إطلاقا، ليس مؤهلا للديمقراطية. يا أخي تجد الرجل الأمي في العالم العربي يقوم بمسؤوليات جسام في تربية أولاده وفي إصلاح حاله واتخاذ قرارات معيشية مهمة جدا، فكيف هذا الإنسان غير قادر أن يقول أن هذا يصلح وهذا لا يصلح كنائب للبرلمان؟.. كلام فارغ.. لأنهم يريدون أن يستأثروا بالسلطة ويوهمون الناس بأحلام لا أساس لها من الواقع، ويحجروا الرأي.. وبعدين لا تصل إلى حل. لو أن الديمقراطية استمرت في السودان بعد الاستقلال إلى يومنا هذا لكنا أولا في تقديري المتواضع عملنا مثل ونموذج في منطقتنا للحكم الديمقراطي.. لأن هذا الشعب عنده استعداد ديمقراطي. ثانيا، كنا حللنا مشكلة الجنوب، كنا حللناها إمّا بوحدة حقيقية أو بفصل الجنوب بالتراضي. لكن في كل مرة كان يجينا عهد حكم عسكري ويقولك نحنا سنحل مشكلة الجنوب ويدخلوا جيش نظامي في غابات وأحراش ويفشلون في كل مرة. وهذا الحكم الآن أيضا فاشل. فلا بد من حرية الفكر ولا بد أن كل إنسان يقول بأمانة كيف يرى الأشياء...عندها نصل إلى حل. وأظن أن الأمة العربية ككل في حالة كهذه يمكن أن تنطلق انطلاقة كبيرة جدا.

ورداَ على تعليق تضمن تشاؤما بشأن مستقبل الأمة العربية، قال الطيب صالح:

فكرة أن الأمة ماتت، أنا أعتقد أن هذا تشاؤم لا مبرر له، ما في أمة تموت، هذه الأمة لو كان لها أن تموت لماتت من زمان لأنها تعرضت إلى بلاوي. هذا الغرب بالمناسبة الواحد حين يقرأ تاريخ أوروبا كل الذي نراه هذا عمره أقل من قرن، كل الذي نراه كما تعلم سيدي بأوروبا عمره أقل من قرن ما في معجزة بالمناسبة نحن مرات لأنه بنشوف هذا الغرب عنده هذا الجبروت الصناعي والحربي والطيارات، بنفتكر أن الإنسان الأوروبي أو الإنسان الأميركي نزل من السماء. هؤلاء ناس ..بشر.. بالمناسبة عاديين زينا، بل لعلنا من ناحية الذكاء الفردي والقدرة على الإبداع أكثر منهم إبداعا، الموضوع كله إننا طبعا تعرضنا إلى تجارب مريرة.. يعني يدوب تنفسنا الصعداء بعد الحكم العثماني.. جاءنا الاستعمار الغربي .. يا دوب تحررنا من الاستعمار الغربي وما عرفنا نلقط نفسنا.. جابوا لنا إسرائيل. فنحن ووجهنا بقضايا ضخمة كونية، وما كنا مستعدين لها.. والأمة في حالة من البلبلة، لكن هذا لا يعني بأنها أمة ميتة إطلاقا، هذه أمة حيّة. أنا أظن- وهذا إحساسي من مشاهداتي- حين تجد المفتاح، ممكن يحصل انطلاقة وقفزة كبيرة جدا. هذه أمة قفزات.. لأن عندك مثلا الإنكليز أو الفرنساويين بيمشوا واحد اثنين ثلاثة أربعة حتى يصلوا للنتيجة، وكل واحد في مصنع بيعطوه ال Manual وماشي عليه.. نحن مش ناس بتاع Manual.. جايز نوصل للنتيجة. كنا فعلا في المدارس، ودرّسونا إنكليز عن مشاكل حسابية، وكنا نوصل للحل ونكتب الحل، هو يقول لك لا، إيه الخطوات التي وصلتك إلى هذا الحل. فهذه الأمة ليست أمة خطوات، هذه أمة قفزات. ويا سيدي أنت تشاؤمك في غير مكانه، وأظن تشاؤمك مصدره الإفراط في الحب للأمة.. مرات المحب يصدم.

مركز الحوار العربي- الأحد 22/10/1995