الأربعاء، فبراير 25، 2009

قصة ساحة الورد





زياد جيوسي

ربيع رام الله تحت الأسر
بعدسة زياد جيوسي

كيف يمكن للذاكرة والفرح أن يتمازجا مع الألم والحلم بالمستقبل؟ كيف يمكن لعمل فني رائع لكاتب أروع أن يصور من خلال الرقصة التعبيرية والأغنية الشعبية والحكاية قصة شعب؟ كيف يمكن لعمل يضم مجموعة من الفتية والفتيات بعمر الورود أن يدفع الدموع إلى المآقي ما بين حزن وفرح وألم وأمل؟ إنها الحكاية والسؤال.

في ساحة الورد كنت أعود إلى يافا كما روت جدتي سارة الحكاية. كنت أعود إلى فلسطين وجهادها ورجالها وجَمَالها كما حدثني جدي عنها. كنت أستعيد روح أمي وهي تحكي لي قصة طفولتها وشبابها ما قبل النكبة. كنت أرى الذين خانونا وتركونا وحدنا وما زالوا، وأرى الحلم بالشباب والسواعد الشابة التي ستروي قصة الحرية. أرى ألمنا في الشتات والمنافي. أرى النور يشق العتمة منبعثاً من أرواح شهدائنا وأسرانا ومعتقلينا.

ساحة الورد هي الرمز للوطن المغتصب بأكمله، شعبنا وتراثنا وتقاليدنا وظروف حياة شعبنا قبل النكبة، هي لوحة من حروف وإبداع كتبها الراحل الكبير د. حسين البرغوثي لتمثل إبداعاً فنياً تقدمه فرقة سرية رام الله. هذا العمل الذي تأخر كثيراً قبل أن يرى النور لأسباب فنية واجهتها الفرقة، ولكن بإصرار الإدارة وأعضاء الفرقة خرجت إلى النور وعُرضت في رام الله في قصر الثقافة والعرض الأخير في القصبة، وفي الحالتين كنت أحضر العرض وأرى روح حسين البرغوثي ترف من حولنا باسمة فرحة، فحلم حسين قد تحقق، وحلمنا عشاق الفن وعشاق رام الله والوطن قد تحقق.

في ساحة الورد تمازج الرقص التعبيري والدبكة الشعبية وأغنية التراث وأحاديث الراوي في لوحة فنية مذهلة؛ لوحة قام بها شباب وشابات سرية رام الله وهم في عمر الورود فأبدعوا. تشارك كل مَن في فرقة السرية بنجاح العمل، فالديكور كان متمازجاً مع روعة الأداء، فسلالم الحبال وجذوع الشجر كانت الأساس، فمنها سلالم كاملة ترمز للصعود نحو المستقبل الذي سيحمل الحرية، ومنها سلالم تقطعت ترمز لمرحلة مرت بعد نكبة فلسطين العام ثمانية وأربعين.

وفي الملابس تمازجت ألوان العمل الفلسطيني، فكانت ألوان الأحمر والأسود والأبيض، وكان اللون الأخضر يأتي من خلال أحاديث الراوي عن بساتين وغابات وبيارات فلسطين، ومن خلال الورد الذي انسكب في النهاية في ساحة الورد حاملاً ألوان العلم الفلسطيني الأربعة، بإشارة رمزية أن فلسطين التي ضاعت واستلبت وأصبحت ساحة الورد خالية من سكانها، لا بد أن تعود ويرفرف علمها خفّاقاً عبقاً كما الورد، ولا بد لأبناء ساحة الورد أن يعودوا ولو بالقوة التي رمزت لها السيوف والخناجر في أيدي الراقصين، ولا بد أن تعود من جديد تعج بالحركة وبالفرح.

كانت رام الله يوم العرض تتعرض لعواصف رعدية وأمطار خير قوية بعد طول انحباس، ومع هذا حين دخلت صالة العرض في القصبة فوجئت أني بالكاد وجدت لي مقعداً، فساحة الورد جمعت في الصالة رغم أن العرض ليس الأول، كل العاشقين للفن الملتزم المعبر عن ألم وطننا وحكاية الآباء والجدود، الفرح الذي أحاله المحتلون إلى ألم وأسى، لكنهم لم يستطيعوا أن يحطموا الأمل والإصرار على الحرية والعودة.

(أيام والله أيام بتنحكى حكاية، لبلاد هاي صارت غير ورقصها غير، والحكي للجميع.. أيامها كاينة باقية طريق وعره وماشية على سفوح الجبال، وتنـزل نزول ع يافا وحيفا والبحر، وفي طلة الصبح كاين بقى يقرفش الإيدين، وجامد على العشب وجناح الطير والشجر، تقول عنه حليب وصاير كزاز، وها الفلاحين يحمْلوا الحمير خوخ ومشمش ويبقوا نازلين ع الخط، اللي راكب حماره واللي بينهر فيه بعود، نازلين عالسوق في حيفا ويافا والبحر، هاظ زمان زمان قبل إل 48).

إنها الحكاية رسمتها فرقة سرية رام الله بعبق من تاريخ القضية، قصة عشق الجدات، شذا ياسمين رام الله، فكان الجمال والإبداع، العزم والإصرار، رسالة من ألم وحلم، أن الحرية قادمة، وأن السواعد التي ناضلت وقاتلت من أجل الحرية لم تمت، فسواعد شابة تولد جيلاً إثر جيل، تعمل للوطن، تحلم بالحرية، بالصباح الأجمل الذي سيشرق من جديد على ساحة الورد، لينثر الورد من جديد على ساحات الوطن.

ليست هناك تعليقات: