‏إظهار الرسائل ذات التسميات ليلى البلوشي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ليلى البلوشي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، يناير 20، 2010

شيخوخة ماركيز

ليلى البلوشي

" سأضع يدايّ على رأسي حتى لا أكبر " هكذا قذفت ابنة أختي الصغيرة والتي لا يتعدى عمرها الميلادي أربع سنوات عبارتها في وجهي ؛ اعتقدت في البدء إنها تداعبني بروحها المرحة كعادتها معي ، ولكن حين أكدت لي بامتعاض حقيقي أنها لا تريد أن تشيخ أبدا كالمرأة المسنة التي صادفتها في المشفى وهي تجر بقدميها الثقيلتين أعوامها الطويلة .. فابتكرت بفطنة طفولية طريقة لذلك هو أن تضع كل يوم يديها على رأسها كي يتوقف نموها عن الكبر .. فأعييت لحظتذ أن حديثها ليس ضربا من المزاح .. !
يبدو أن كثيرا من البشر يرعبهم الزحف الزمني ؛ لأن ذاك الزحف يترتب عليه تغييرات كاشفة كالشمس .. فالبشرة التي كانت وضاءة بالوسامة يخربشها الزمن بريشته كيفما يشاء فيحفر أخاديدا بخطوط مبعثرة .. سرعان ما تتعدى حدودها تلك الخطوط الملتوية لتشمل الجسد كله كلوحة مقلمة .. كما أن بناء الأسنان يتداعى ويسقط السين ثاء .. ويقل مستوى جودة التقاط كاميرا العينين فيختصر رؤيتنا للعالم بحدقتين زجاجيتين .. والخطوات فتتباطأ وقد يضطر أحدهم أن يستعيض عنهما بعكازين يثبتان خطوات أقدامه في الأرض وربما يعجز عن ذلك فيوكل أمره لكرسي بعجلات متحركة .. أما العقل فيتقلص حجم الدماغ وتتلون الذاكرة بلون رمادي سرعان ما يهمِّشه الزهايمر .. ويتضاءل معجمنا اللفظي فكثيرا ما نعيد الحكاية نفسها آلاف المرات دون أن يتربص بنا ضجر ما والذي بالمقابل يقتل مستمعنا ..
ولهذا كثيرين ينبذون نبذا باتا أن يلجوا هذه المرحلة فيتحايلون على الزمن كل بطريقته ، فالمرأة التي تفضحها التجاعيد تقدم وجهها في طبق لمشرط طبيب تجميلي وبعد شد وتنفيخ يهندسها وكأنها ابنة خمسة عشر عاما ، بينما الرجل عندما ترعبه فكرة تقلص وظائفه الرجولية ، فيشمر بأقصى طاقاته كي يجد علاجا ناجعا ليثبت من خلالها للجميع أنه ما يزال متمتعا بكافة قدراته ..
مرحلة الشيخوخة .. يخال للبعض أنها مرحلة الموت البطيء وكأن عزرائيل لا شغل له سوى أن يتربص عاجلا أم آجلا ليقذفه إلى بيته الأخير المطبق ضيقا وظلمة المسمى بالكفن ..
ولعمري أن الموت حين يؤمر لا يعرف الفرق بين طفل في المهد وبين كهل على حافة القبر .. !
فلماذا هذا التصور الشبحي الكارثي الذي يلاحق مرحلة طبيعية جدا يفطر عليها كل الأجيال ..؟! فنحن لم نسمع قط بجيل سرمد مرحلة الشباب بينما امتدادت السنون تعبر طريقها السوي ..
إذن مرحلة الشيخوخة هي مرحلة وزنها كوزن أي مرحلة في الهرم الحياتي .. فنحن نبدأ مشوارنا من رحم موصول بحبل السرة إلى وطأة الحياة الفسيحة صغارا نغدو منبهرين من الزهرة التي تتفتح ومن النخل الذي يشمخ علوا ومن طول عنق الزرافة ومن ضآلة حجم النملة .. هذه المرحلة المدهشة من حيواتنا سرعان ما تنتهي ، لتقلنا القافلة فتنتشلنا محطة أخرى حيث يزداد طولنا ويطرأ تغييرات بيولوجية على وظائفنا الجسدية ليشمل كلا الجنسين الذكر والأنثى ، ويزداد حجم اكتشافاتنا وتجاربنا وفي خضم الصخب الذي يستوطن أجسادنا ، نترعرع في تضخم عجائبي يمتد لنتسلق من خلالها إلى عوالمنا الخاصة شجرة بفروع متأصلة تتشعب معطاءة .. إلى أن يهدأ كل ما حولنا في سكون مرحلة جديدة تابعة ومكملة لنقص ..
مرحلة الشيخوخة هي مرحلة اكتمال .. فالهرم الحياتي لا ينتهي بمرحلتي الطفولة والشباب فقط .. والانسان الذي يشاء عمره بمشيئة من الله تعالى أن يصل إلى حد هذه المرحلة هو انسان حقق تكامله البشري على المستوى البيولوجي ..
وإذا كانت الطفولة هي أرجوحة التي تأرجحنا بمرح مندهشين من حجم العالم وعجائبه التي ينجبها لنا كل يوم ، و الشباب هو منطاد يهيم بنا إلى فضفاض الحياة ومفاجآتها ، فإن الشيخوخة هذه المرحلة الجميلة لابد أن نستعد لها بهمة ألذ ؛ لأنها امتداد حقيقي لمراحلنا الأولى ، ففي الشيخوخة نقف مفاخرين أمام الأجيال التي خلفناهم وراءنا .. وبعين رضا نرنو إلى الأعمال التي سيكملها عنا جيل آخر سرعان ما يسلم بدوره الأمانة إلى آخرين يحملون عن كاهلهم أثقالها ..
تلك المرحلة ليست مرحلة ترهل ؛ بل توهان رائع في الحب والعطاء بعد ذاك الامتداد الصاخب ، ففي هذه المرحلة علينا أن نشاكس الحياة التي طالما أغرتنا بشقاوتها ؛ وآن لذاك الكهل أن يلقنها درسا في الحكمة ولذة التأمل .. فكم التجارب كفيل أن يكسبه الكثير جدا من الروائع في فن الحب والعطاء والتجدد ..
مرحلة علينا أن ندلل فيها أنفسنا .. نتمتع بكل لحظة من لحظاتها بأساليب نتحايل فيها على عقرب الزمن لنمتطي هدوءه الذي طالما سلبت منه ذواتنا في رحلة التكوين ..
والشيخوخة الحقيقية ليست كهولة وجه وانطفاء بعض الوظائف البيولوجية بل هي حين تعجز قلوبنا عن عطاء الحب وحين تتوقف شرنقة أرواحنا عن الهيام في ملكوت الكون كفراشة .. فلطالما القلب رفراف بحب الحياة وأفقها مضرج بحمرة الروح ، فإننا سنختال في مزيج طري من عفوية الطفولة وغنج الشباب مع دلال الكهولة ..
هكذا تحصد ذاكرتي التي ما تزال طرية مفاخرة بشبابها موقفا طريفا يعود إلى ماركيز صاحب رائعة " مئة عام من العزلة " حكى يوما أنه قابل زميل دراسة في قاعة انتظار في أحد مطارات كولومبيا وكان في مثل عمره .. فبدا له أنه أكبر من سنه الحقيقي بمرتين ..
وماركيز بعينيه الثاقبتين تيقن أن سبب شيخوخته المبكرة ليست واقعا بيولوجيا بقدر ما هي مجرد إهمال من صاحبه .. ولم يكبح ماركيز نفسه حين أذعن في وجهه مؤنبا أن سوء حالته يعود لإهماله وليس من الرب وأن من حقه أن يطلق تأنيبه في وجهه ؛ لأن إهماله لا يجعله وحده يشيخ وإنما يجعل جيله كله يشيخ .. !
Lailal222@hotmail.com

الأحد، يناير 10، 2010

اضحك وأنت في العالم

ليلى البلوشي


ريــــح

أكره الريح التي تكسر أحلامنا حبة حبة ،
أعشقها أكثر حين تقتلعهم دفعة واحدة ..!


عواء

أحبها ،
الطرق المستقيمة تلك التي يرابط فيها الذئاب عادة
يتعاظم حبي تدريجيا حين أمّر من طريق تائه ،
حيث ثمة عواء خلف ظهري يراكضني نحو الأمام ..!

نصيحة عابرة

حين تصادق وجها
لا يخدعنك سذاجته
تسلل إلى القلب
هناك يكمن هو ..!


حكمة عقيمة

على أنقاض التاريخ
يحكى أن حكمة
ولدت بين البشر
فقدر لها أن تكون أنثى
وحينما تلبست بالعشق ،
فقدت سحرها بين البشر
وأعلنت عقمها ..!

الثلاثاء، ديسمبر 08، 2009

قصص للناشئة ( أوراق / من جديد ) للقاص حسن أحمد اللواتي

ليلى البلوشي

بين صناعة الإبداع وصقل فلسفة المفاهيم

سعدت أيما سعادة حين استقبل بريدي قصصا موجهة للأطفال ، وتضاعفت سعة فرحتي حين رأيت انتماءها لقاص عماني يخاطب فيها أطفالا صغارا ، أدب الطفل في سلطنة عمان الذي لا نكاد نلمس خطوطا واضحة عنه ، وعدد كاتبيه بالنسبة للمبدعين الذين يكتبون للكبار محبط جدا ويمكن عدّها على الأصابع ، ويستمر هذا الشعور بالإحباط حين لا نجد مجلة خاصة تخاطب الطفل العماني على مدى تلك السنوات ، وكأن الطفل العماني ليس كميثله من الأطفال في أرجاء الخليج والوطن العربي والعالم الأجمع ، فقد كان من المفروض وأنا أتناول هذه المجموعة بالدراسة أن أقارن بينها وما تحتويه مكتبة الطفل العماني من قصص ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك والمفاهيم ما تزال غير واضحة وخطوط مبعثرة .. ولكن هذا لا يمنع من أن نتناولها كنقطة تحفيز لهذا الأدب الناشئ هو الآخر كالطفل الموجه له بالبحث والدراسة ؛ كي يجد ساعدا يقوده نحو إكمال درب الإبداع ..
فقد آن الأوان لرسم خطوط أولية لنهضة أدب خاص بالصغار ، وأنا شخصيا أعد هذا الكتاب وبعض الكتب المعدودة التي سبقته لبنة نحو ذاك التنهيض ، فعسى أن يكون غد الطفل العماني زاخرا بآمال كثيرة ..


* صناعة الإبداع في قصة ( أوراق ) :

من القراءة الأولى لكيلا النصين في مجموعة القاص حسن اللواتي قصص للناشئة ، يمكن أن يلاحظ المتلقي أن كل منها يندرج تحت فئة عمرية مختلفة عن الأخرى ، فالقصة الأولى ( أوراق ) في العمل القصصي تخاطب أطفالا ناشئة تتراوح أعمارهم ما بين ( 13 ـ 18 ) :
في هذه المرحلة يكون الطفل مهيئا لولوج مرحلة النضج على مستويات عدة تشمل النضج الجسدي والفكري والنفسي والعاطفي ، مع تلكم التغييرات تتفتق الطموحات لتواكب أحلاما جديدة نحو منطقات عدة تضع الطفل مكانه الصحيح في خانة المستقبل .. يؤكد هذا قول " فيشر " : ( إذا كان على أطفالنا أن يتوقعوا إشكالية التغيير ، سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي ، وأن يتغلبوا عليها ويتعلموا مواجهتها ، فإنهم بالإضافة إلى حاجاتهم إلى تعلم كيفية التأقلم مع المستقبل ، فإن عليهم أن يتعلموا كيف يشكلون أيضا إذا كان إعداد الأطفال لمواجهة التغيرات السريعة هو أحد تحديات التفكير بإبداع يصبح حاجة ملحة ) .
وأهم ما يميز هذه المرحلة شعور الطفل بمواهبه ، فتظهر الهوايات وترجع أهميتها إلى كونها تعطي الفرد فرصة للتعبير عن فرديته وميوله واهتماماته ، وتعطي له الشعور بشخصيته ووجوده ، فيميل إلى كتابة قصص ذات طابع طفولي ، وإن كانت تعبر عن مكنون المشاعر طريق الكتابة تفجيرها ونشرها ، وهذا عائد إلى التغييرات المصحوبة التي تعايش معها الطفل ، فالنضج العاطفي يكون في أوج قمته ..
في قصة ( أوراق ) نجد أمامنا شابا محبطا يدعى ( طلال ) كل ما حوله يشي بهذا الإحباط ، بدءا من الشعور المؤرق الذي قبض على ليلته ، وأقض مضجعها تلك الأوراق الحبيسة في درج مكتبه مذ أكثر من ست سنوات ، نصوص وقصائد تلمست بعضا منها طريقها إلى النور حين نشرت في صفحات الصحف والمجلات وظلت بعضها حبيس ظلمتها ، ولوهلة نرى أن كل شيء حول طلال منغلق على نفسه ، فالنافذة التي يطل منها المرء على العالم الخارجي كانت مغلقة وحين فتحها تفاجأ بالهواء الساخن القوي الذي بعثر الأوراق في فناء غرفته المغلقة ، العالم الخارجي طاحن في حركة دائمة بينما طلال وأوراقه في عزلة عنها ، من تلك الأوراق التي تدلت مع الريح صفعت ورقة وجه طلال وكاد أن يرميها من النافذة لكن شيئا ما فيها لفت نظره ، كان جوفها يحوي كلمات مكتوبة بخط جميل ورشيق ، وتلبّس على ذاكرة طلال كاتبها وهذا يفغر عن المدة الزمنية للأوراق وهي حبيسة في درج المكتب ، تسري تنهيدة في صدر طلال ثم يجد نفسه يقرأ تلك السطور التي تتمحور حول مسمى المستحيل واليأس والفرق بينهما على مستوى المضمون ، وكما تقول الورقة أنهما يعطيان نتيجة واحدة والفارق بينهما هو أن المستحيل يقترن في البداية بعدم الإمكان لفقدان الوسيلة ولكنه يفاجئ بموانع غير متوقعة ، والمستحيل لا يشكل صدمة لأنه ينبثق عن أمل ، أما اليأس فالصدمة فيه تعني مصرع أمل .. ثم تختم الورقة قولها : ( عرفت في حياتي الكثير من الكتاب ولكن الذين أثبتوا وجودهم واستمروا حتى النهاية هم في العد لا يتجاوزون أصابع اليد ) .. هذه الجدلية هي التي تهيمن بقوة على كيان طلال ، فهو الآن وصل مرحلة متزعزعة ما بين اليأس والمستحيل والأمل جامد بينهما ..
ولعل هذا التضارب وفي حمية اليأس نجده يجمع تلك القصاصات القديمة ويضعها في كيس مهدا لحرقها ورميها وليمة للريح ، فلا جدوى من الاحتفاظ بها كما عبّر عن ذلك ..
وحين كوّمها في الكيس نرى أن دقة الساعة تنبهه إلى وضعه الخارجي حين ينظر في المرآة فتكشف المرآة التي لا تكذب عن جسم ضامر ووجه شاحب ، وفقد مضى عليه أكثر من شهر وهو لم يذهب للمزين .. وهذا شعور متحالف مع الركود الذي لزم طلال وأوراقه تلك ، وأكثر ما يشي بذلك الشعور الجامد ككل في مستوى حياته ..
لكن الجمود يتحرك ببطء السلحفاة يعزوه مشاعر أخرى ، نتعرف فيها على شخصية طلال من جوانب أخرى وهو في مواجهة العالم الخارجي ..
عندما حمل طلال معه الكيس الذي يحوي أوراقه وهو خارج من بيته ، لفحه هواء ساخن متواطئ مع الغبار أي أن الأفق والأرض في انشغال تجددي فرضته ظروف الطبيعة ، وأوراق أشجار النخيل تصدر أصواتا قوية تمتزج مع زقزقة العصافير ، وجوه كثيرة تشرق وتغرب .. كل هذه الدلالات الخارجية توحي بالحياة النابضة في الخارج بينما داخل طلال عالم ساكن يقود دفته اليأس ..
وها نحن نرى طلال وهو تائه في متاهة البيوت القديمة والجديدة والأزقة الملتوية والمتعرجة وهذا يكثف شعور الضياع المسيطر عليه مذ البدء .. ويستمر هذا الشعور حتى يجد نفسه أمام دكان المزين .. يدخل ويلقي التحية على الحضور ، ونرى تصوير القاص لسلوكه : ( جلس على مقعد صغير ، تصفح بعض المجلات ) .. في سلوكه هذا ما يزال طلال راكدا ، يقطع دروب الكلام المباشر مع الآخرين ، والحدث إلى هنا مجرد استرسالات نفسية تتخبط بها الشخصية ولوحدها وهكذا حتى نجد تصادما آخر ، فطلال عندما تفارق عينيه المتصفح تتسلق نظراته إلى المرآة أمامه ، ولوهلة رأى ابتسامة تترصده وباهتمام كبير ، شعر طلال بالاستغراب ؛ لأن صاحب الابتسامة غريب عنه ، وبعد فترة قصيرة وقف الشاب صاحب الابتسامة وألقى عليه التحية ثم صافحه بحرارة كبيرة ، حاول طلال أن يجد في ذاكرته ما يلوح عن معرفة بهذا الغريب ولم يعثر على شيء ، وقال له الشاب : ( اسمي نواف وقد شاهدت صورتك في الجريدة وأعجبني ما كتبته ، لقد مررت بعدة تجارب في الحياة واكتب منذ سنة تقريبا ... ) هذا التصادم قلب كيان طلال خصوصا حين طلب منه نواف أن يقرأ ما كتبه من خواطر ، فذهب نواف مسرعا إلى بيته القريب وأحضر أوراقه ووضعها في يد طلال ، تناولها طلال وسط إرباكه المفاجئ وقرأها ، ولكن لم تثر إعجابه وحاول أن يخفي شعوره ، بينما نواف متحير يريد أن يسمع رأيه مخاطبا طلال : ( قل لي بصراحة هل هذه الخواطر والأشعار صالحة للنشر ؟ إذا لم يعجبك ما كتبته فلن استمر في الكتابة ) ..
فكر طلال قبل أن يدلي بدلوه ثم نظر إلى نواف وقال له : ( سلم الكتابة طويل وقد وضعت رجلك على الدرجة الأولى ) ..
قاطعه نواف بدوره : ( هل سأتمكن من الوصول إلى ما هو أعلى من ذلك ؟ ) ووضح له طلال كيف أن وضع قدم على الدرجة الأولى انجاز جيد بحد ذاته عجز عنه الكثيرون ، ثم بحث عن إجابة أفضل ، فأدخل يده في الكيس واخرج منها قصاصة قديمة ، وأخبر نواف بأن المشرف على صفحة بريد القراء في إحدى المجلات كتب هذا التعليق له قبل ست سنوات : ( بداية جيدة في مجال الكتابة ، عليك بالمحاولات المتكررة والمران المستمر لكي تنضج تجربتك ) وضع القصاصة في يد نواف ثم خرج من دكان المزين وهو يعانق الكيس ، هبت ريح قوية اضطربت معها الأوراق في الكيس غير أن طلال احكم قبضته عليها ؛ كي لا يلتهمها الهواء ، داهمه شعور جديد بأنه لا يحمل قطعا جامدة من الورق وعاد إلى بيته وهو يحمل حياته وذاته معه ..

على مستوى الأعمال الأدبية الطفولية نجد أن معظم القصص في مضمونها تقف على قوائم ثلاث :
( فكرة القصصية / الحدث / الشخصية ) قد يأتي كل منها على حدا ، وقد يستبد عنصر على آخر وهذا عائد لطبيعة النص وماذا يريد منه الكاتب ؟
فقبل الكتابة يجب أن يعي الكاتب هذه المضامين ثم يخطط نصه وفق ما يلائمه ، في قصة أوراق نجد أن القاص حسن اللواتي ركز على بؤرة الشخصية ، فطلال هنا هو الذي تحكم في الأحداث وسيرها حتى نهاية القصة ، والشخصية هنا مرت بعدة مراحل نفسية على وجه الخصوص : ( فنجد طلال المحبط / طلال الضائع / طلال الحائر / طلال مع عزم التجديد ) ،
ولا نكاد نجد حدثا دون طلال ، بل الحدث هنا كان راكدا لركود الشخصية اليائسة ، وقد تعاون المكان في القصة مع الشخصية مع الحدث ، ونرى طلال في تمهيد القصة في غرفته والنافذة مغلقة ، الغرفة هنا رمز لفضاء ضيق ، والنافذة المغلقة رمز الانغلاق عن العالم الخارجي الزاخر بالهواء والأشخاص وأشجار النخيل وزقزقة العصافير فكل هذه الرموز تعبر عن تجدد المستمر في عالم عازل عن طلال .. يمر الحدث المكاني ويتوسط العالم الخارجي حين يخرج طلال من بيته معه كيس أوراقه ، ورغم الطبيعة المتحركة فإن طلال يساوره شعور بالضياع والتيه وسط تلك المكنونات الخارجية ، إلى أن يدخل إلى بيئة مكانية أقل ضيقا من غرفته دكان المزين ولا يحاول أن يحاور أحدا ويفضل تصفح مجلة عن ذلك ، إلى أن يظهر نواف ، ونواف هنا هو الذي كسر جليد الصمت والجمود المحاط بطلال ، جرى بينهما حوار ، حوارا كان يخفي في داخله استفهامات كانت منغلقة في جوف طلال الحائر ، ومن خلالها استطاع فك بعض رموز الغموض التي كانت تهيمن على شعوره بالضياع والإرباك ..
دخول نواف في وسط عالم طلال الشائك كان الحبل الذي سحب طلال نحو التغيير ، فمن خلاله شعر طلال وإن لم تعبر عنها القصة بشكل مباشر أهميته ككاتب يقرأه القارئ الآخر ويتابعه ويعجب بما ينقله له من نصوص ، وهو القارئ عينه الذي يريد أن يعرف سر نجاح كتاباته ونشرها في الصحف ، وهنا يتلمس طلال أولى خطوات نحو التغيير ونحو الخطوة التي كان يجب أن يقوم بها ، فنرى في الختام يقرر الاحتفاظ بقصاصاته ..


ما أبعاد هذه القصة على نفسية الأطفال ؟

عادة الأطفال الذين يرسم البلوغ علاماته عليهم ، يبدأ ذلك بالتخلي عن أشياء ينعتها بالطفولية كما يراها من معجمه الفكري الذي بدأ يعي ويعبر عن نضج ، فالبنت تتخلى عن الدمية ؛ لأن ثمة اهتمام آخر عوض عنها ، والولد يتخلى عن لعبته السيارة ؛ لأن لعبة أخرى حازت على اهتمامه ، و تلك الاهتمامات تندرج تحت مسمى الهوايات والإبداعات ومنها الكتابة والرسم والسباحة ...الخ .
معظم الهوايات كالكتابة والرسم تبدأ ضحلة ثم شيئا فشيئا مع الممارسة تتضح أكثر ، لكنها تأخذ صورتها الكلية وتغدو كاهتمام وشغل شاغل أو هدف في الحياة أو جزءا من الأحلام من خلال مثابرة الشخص ووجود يد تقوده نحو الأمام ..
مهم جدا على مستوى الهوايات أن ينمي الطفل هوايته وذلك لا يتأتى إلا بوجود بيئة وأشخاص ووسائل تساهم في عملية الدفع الإبداعي نحو ما يريده .. فكم من مواهب لم تجد طريقها الصحيح وسط جلبة المجتمع وطغيان اهتمامات أخرى أخذت الطفل تدريجيا نحوها ..
فعلى المجتمع والأسرة وملاحق الصحف التي تستقبل كتابات الناشئة تحديدا أن تعزز مفاهيم الثقة وتبني فيه الشعور بالأمل والاستمرارية الفعل الممارس نحو مستقبل كتابي يتجدد مع كل ممارسة ومثابرة ..
من هنا جاءت أهمية فكرة هذه القصة والحيرة التي تنتاب صاحبها في وسط مرحلة عمرية حساسة ومهمة جدا في حياة الناشئ ..

* صقل فلسفة المفاهيم في قصة ( من جديد ) :

وهي قصة يخاطب فيها القاص أطفالا أقل سنا من المرحلة السابقة لقصة أوراق .. ويمكن تقديرها ما بين عامي ( 5 ـ 10 ) سنوات ..
نجد أمامنا عجوز متكئ على عكازه رغم أن القاص لم يعبر عنه باللفظ تحديدا ، لكن الذي يلقي النظر على الصورة المرسومة يجد أمامه شيخا كبيرا بشعيرات بيضاء ووجه مجعد ..
كان العجوز يسير في الشارع يسترسل في حديث نفسي ويفكر في الريح التي تمحو خطواته فوق الرمل ، ثم فجأة يقفز في ذهنه سؤال : ( هل يمكن أن تعيد المآسي بناء الحياة من جديد ؟ ) لكن صراخ طفلة صغيرة قطعت فكرته تلك فإذا الطفلة تهتف : ( لا تدس على الرسم يا عماه ) ..
توقف العجوز ونظر إلى الأسفل ، فرأى فتاة صغيرة ترسم شمسا بألوان قوس قزح على الرصيف .. جلس بقرب الطفلة وسألها : ( هل الشمس تحرق ؟ ) وهتفت الطفلة بحماس بأنها تحرق ثم وضعت يدها على الشمس المرسومة وسحبتها بسرعة ، فأخذ العجوز يدها في راحته لفت نظره أصابعها البارزة والملونة بأصباغ ثم قال لها : ( آه ، هذا حرق خطير ) .. سحبت الفتاة يدها بسرعة وضحكت بمرح قائلة : ( لقد كذبت عليك يا عم ، وعادت إلى الرسم ) .. مرّ مجموعة من الناس وصرخت فيهم الطفلة لكنهم بلا مبالاة داسوا على الرسم وتابعوا السير ، نظرت الفتاة مبتسمة إلى العجوز وهي تقول : ( لا بأس يا عماه ، سأرسم الشمس من جديد ) ضغط العجوز على عكازه بقوة وغرق في تفكير أعاد التساؤل الذي طرحه في بداية القصة عن بناء الحياة من جديد ، فالشمس كما عبرت الطفلة الصغيرة يمكن رسمها من جديد وكذلك ستنمو نباتات الربيع على الأرض التي دفن فيها موتى وسيبني اليتامى والأطفال والأرامل والعجائز المدينة من جديد ..
القصة هنا رمزية ، ومن الرموز التي استخدامها القاص وتواطأت مع عنوان القصة :
1 ـ الريح : رمز للتجديد كما عبر العجوز فهي تمحو خطاه على الرمل .
2 ـ الشمس : رمز للتجديد كذلك ، فالشمس في كل يوم تنجب لنا يوما جديدا .
تمثلت أهمية الرمزية هنا في أن المفاهيم التي زعزعت نفسية العجوز كانت فوق مستوى الطفل ، فكان لا بد من وضعها على لسان حكيم كشخصية العجوز الذي عايش تجارب وخبرات عديدة في الحياة ، بينما وجود الطفلة الصغيرة مع رمزية رسم الشمس قد هيأ بداية تفسير للفلسفات التي طرحها العجوز وحاول الإجابة عنها أو كشف نقابها في نهاية القصة ..
تلك الجدلية الفلسفية التي شغلت العجوز عن إعادة المآسي بناء حياة جديدة ، هي بحد ذاتها تعبّر عن نفسية العجوز الطافحة بالحيرة مشوبة مع شعور الحزن واليأس ..
وحين يقابل الطفلة الصغيرة يتجدد في العجوز شعورا آخر قابل للتجديد والأمل ، فالشمس التي رسمتها الطفلة الصغيرة ومنعت العجوز من وطئه ثم وطأه آخرون وموقف الطفلة الصغيرة من ذلك لم يواكبها شعور باليأس ، بل على العكس ابتسمت في وجه العجوز عن إمكانية إعادة رسمه من جديد ..
وهنا تتضح صورة التساؤل الذي شغل العجوز في بداية القصة ، عن نمط التجديد في الحياة بعد المآسي التي تواكب عليه جيلا بعد جيل ..
وأهم ما يميز هذه القصة الحوار الحيوي ، الذي جرى على لسان العجوز والطفلة الصغيرة وكان ذكيا في حد ذاته ، عادة في القصص التي تخاطب أطفالا في مثل هذه السن يلعب فيه الحوار دورا حيويا مهّما ، يقضي فيه على رتابة السرد الطويل الذي لا يفضل أن ينفرد في عمل قصصي موجه للأطفال ، بل من الأجمل أن يتناوب كلا أسلوبين في الطرح ..

* على هامش النقد الفني :

في دراسة عن أدب الأطفال عبر الدكتور أحمد هيتي قائلا : " بأن الطفل قارئ غير متحيز ؛ فهو لا يبحث اسم الكاتب عندما يختار كتابا لنفسه ، كما يفعل الكبار بل إن اسم الكتاب وشكله وطريقة عرضه هي الأمور التي تشد الولد إلى كتابه " ..
إذن يمكن القول بأن الشكل الخارجي لكتاب الطفل موطئ مهم للنجاح بالنسبة لكاتبه ..
وجاءت مجموعة قصص للناشئة للقاص حسن اللواتي التي تحوي قصتين في شكل أنيق ، الغلاف متماسك وملائم لطبيعة الطفل ، والأوراق زاخرة بالرسوم التي يستطيع الطفل من خلالها رسم تصور واضح عن مضمون الأحداث ..

ثمة بعض الهنات ليس من شأنها تقليل من أهمية العمل ولكن يمكن أخذها بعين الاعتبار في المرات القادمة للكتابة الطفولية :

1 ـ مراعاة علامات الترقيم ، تكاد القصة الثانية تحت عنوان ( من جديد ) تخلو من أهم علامات الترقيم من فاصلة وعلامات الاستفهام والنقطتان الرأسيتان في حال كل حوار يعقبه استفهام .. مع عدم إغفال تشكيل الكلمات بالحركات ..
2 ـ تحديد الفئة العمرية ، في المجموعة قصتان وكلاهما ينتميان لمرحلة عمرية مختلفة ، من المهم على كاتب الطفل اعتبار أهمية هذا التحديد ، فمن خلالها تسهل على الطفل القارئ اختيار ما يلاءم وعمره ، ومن ناحية أخرى تقضي على حيرة الوالدين أثناء اختيار النمط القصصي المناسب لسن طفلهم الذي يريدان تثقيفه ..
3ـ حبذا لو كتبت العناوين القصتين في كل منهما في صفحة على حدا ، مع مراعاة فصل بين كل قصة وأخرى بصفحة يكتب فيها عنوان القصة الأخرى ؛ لأن الطفل سيخطر بعقله لوهلة أن قصة ( من جديد ) تابعة لقصة ( أوراق ) بينما هي منفصلة حدثيا وقصصيا عنها ..

تلك الهنات ما هي إلا خطوة نحو التجديد ، نحو الإبداع الطفولي ، نحو مزيد من الإنتاج الإبداعي من أجل عيون أطفالنا الصغار ، وقلوبهم النابضة بالحياة ، وعقولهم المتدفقة بالبراءة ..

* قصص للناشئة ( أوراق / من جديد ) حسن أحمد اللواتي ، دار الإرشاد للنشر ، سوريا ..


كاتبة عمانية مقيمة في دولة الإمارات
Lailal222@hotmail.com


الأحد، أغسطس 23، 2009

الساكنات في قلوبنا

ليلى البلوشي

من يتكئ مثلي مساء كل جمعة وحدقتيه مصوبتان كفوّهة مسدس على قناة mbc1 وعقرب ساعته يزنّر رقاص مؤشره على إيقاع الحادي عشر .. سيعرف أن حديثي يشمل مسلسل درامي خليجي يحبطنا في نهاية كل أسبوع بحلقة أكثر إحباطا من أختها المعنون بـ" الساكنات في قلوبنا " ..
مسلسل محبط جدا ، تدلّت حلقاته بقيود خانقة على كل من عنق المرأة والرجل .. والمرأة كالعادة كائن حبيس كعصفور مسكين في قفص المظالم والتضحيات والقلب النقي التي تتنفس على أحلامها الموبوءة وأمانيها المقهورة ..
أما الرجل هو الوحش الهمجي والسفاح والظالم الذي عيناه لا تنامان ، السيد الذي تموء له المرأة بخضوع أمرك مطاع ..!
هذا السجل العتيق في تاريخ الجينات البشرية في تكرر مستمر كدورة الحياة فكل جزء منها يتمطى في نظام دقيق ومحكم وحريص ..
طوال تلك الأعوام والمجتمع يعيد ويكرر وينبش ما دفن وترسب ولكن مع كل جيل تجدد بحذاقة في سرد أسلوب النقاش والعرض بحيل مفبركة .. ولا تفعل غير ذلك حقا !
فعلى من سنلقي اللوم .. ؟!
هل سنشهر أصابعنا بحنق على الرجل بأنه الوحش الذي لابد له من ترويضه .. أم أننا سنضّخ حناجرنا بمستوى أعلى من الصراخ الذي استنفذ منه ما استنفذ في المطالبة في فك قيود المرأة ..؟!
أم سنقف محايدين حتى تتساوى كفّة الميزان بين الطرفين ، فنعلل بأن الرجل يتصرف على ذاك النحو حرصا منه على أنثاه .. أو نعلن إن المرأة من حقها أن ترسخ وجودها في المجتمع بقواعد معينة ؟
فعبر أحقاب تاريخية ماضية كان الوضع الفطري يصنف المرأة بأنها الجارية التي تقيد بالأصفاد وتجر من عنقها شهية البياض والنعومة بأيد جلادين بلا ذنب ؛ سوى أنها إغراء يهدد سلامة المجتمع الشرقي المحافظ .. وهو ليس بالشيء المدهش وتاريخ مكرر يتكرر بأشكال وتحت مسميات مختلفة تتخفى في زي تنكري تستدعيه الحياة المتطورة ... لكن تبين في وسط دهشتنا أن " الرجل " أيضا يجرجر بالأصفاد ذاتها و للأسف هنالك جوقة من الرجال مقيدين حقا ..!
الرجل كائن بشري وجد نفسه في مجتمع مضمخ حتى أعلاه بالقيم الاجتماعية المتسلسلة ببعضها في دوران لا نهائي .. في دوران محكم الأقفال .. وثمة صوت أعلى منه يأمره بالرجولة المنفوخة بالعنف والقسوة والسيطرة ، فإن عصا غدا فأرا وإن ترققت مشاعره أحتقر إلى قائمة بلا شخصية ..!
إذن الرجل مكبل مثله مثل المرأة تماما .. فلماذا نحاكمه بالمقصلة وحده في هذا الواقع المطوق بالمتاريس ؟!
والرجل ليس ملام حين يتصرف على ذاك النحو ؛ لأن تلك التصورات الخاطئة حفرت فيه منذ خشونة أظفاره فانتشر فيه السوس .. فما نتيجة سعي المرأة إلى الخروج من أقفاص والمطالبة بالحرية إن كان العقل الذكوري مبرمج على تفكير آلي كهاتف محمول درج على تقنية ثابتة ..؟!
مازلنا نبرر قولنا في كل مرة بأن الوعي هو هدف تلك الدراما المعروضة .. وهل بعد ذاك الكم الهائل من العرض عبر تلك القرون أفلحنا في إعدام سوء الظن على مستوى الأجيال ؟!
المجتمع ككل متآمر على ترسيخ تلك الغمزات اللاذوقية في الحدود الفاصلة بين الرجل والمرأة والتي لوثتها إكراهات الموروث وأصفاد التناقضات التي تتصافح بأيد مرفهة بقفازات الرياء .. حتى في مجال الإعلانات التجارية دائما تسعى إلى تشييء المرأة كدمية والتي تثير شبق الرجال .. فلماذا هذا السعي الملّح على حفر مثل هذه الصور المتكررة وتحطيم مُثل الثقة المتبادلة بين الرجل والمرأة ..؟!
ثمة عقد اجتماعية متوارثة لا غرض منها سوى أن تكون البنت كأمها وجدتها ويكون الرجل كوالده وجده كساعة مهما طرأ تغيير على شكلها الخارجي تبقى عقاربها لاهثة بالطريقة المكررة نفسها ..!
فالمجتمع العربي وكما عبر المستعرب الشرقي الياباني " نوبوأكي نوتوهارا " في كتابه " العرب من وجهة نظر يابانية : " مشغول بفكرة النمط الواحد على غرار الحاكم الواحد ، والقيمة الواحدة والدين الواحد وهكذا ، ولذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم ، وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين ، أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد ، في هذه المجتمعات يحاول الفرد أن يميز نفسه بالنسب كالكنية أو العشيرة أو بالثروة أو بالمنصب أو بالشهادة العالية في مجتمع تغيب عنه العدالة ويسود القمع وتذوب استقلالية الفرد وقيمته كانسان يغيب أيضا الوعي بالمسؤولية " ..
كثير من النساء تشامخن إلى أعلى مراتب الوظائفية مثلها مثل الرجل ، لكن هل كفّ الرجل عن ممارسة تسلطه عليها ؟
ماتزال أعداد مهولة من النساء يعانين على أيدي الرجال على كافة الأصعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .. فهل مراكزهم الوظيفية فعلت شيئا ؟
وإن فعلوا كان فعلهم بإتباع سياسة الإكراه .. وليس على أساس من الود الإنساني والتفاهم .. أي أن الرجل لم يفعلها عن طيب خاطر وتفهم منه .. بل ربما خضوعه كان يقنِّع وراءه دوافعا شخصية ..!
المطلوب أن يعامل كلاهما آخره بإنسانية مطلقة على دعائم التكامل لا كمنافس لابد من قهره ، فلكل منهما أحلامه التي يسعى لتحقيقها ولكل منهما أحاسيسه وطموحه وأهدافه في الحياة .. والكف عن الضغط الوعظي الذي يتقاذفه كل طرف على الآخر بطريقة همجية ..
هنالك صراع مخيف بينهما في تصاعد بركاني تتسارع خطواته ولا تبطئ .. تتسع ولا تضيق .. ثمة فوضى أخلاقية تتبهرج في عرض مفاتنها .. فغرت فوهة التأرجح المضني الذي سبرنا فيه دون أن نحدد مسارنا بين أحكامنا الأخلاقية الصميمة والأحكام الاجتماعية المتوارثة حتى وقعنا في فخ التناقض .. !
المجتمع ليس بحاجة إلى تحرير لا المرأة ولا الرجل .. قبل تحرير ذينك الجنسين يجب تحرير الأفكار المتعفنة المتكئة على ترسبات ديناصورية التي تجتر تعاليمها كشيء مقدس لا يمكن الحياة من دونها ..
السر في القلب هذا العضو العضلي الممتلئ بالحجارة ، هذا العضو الذي يحلم بالشمس ونفض الغبار وخيوط العنكبوت التي تشابكت حوله كغابة مهجورة تغصنت فيه الأحاسيس كفروع متخدرة مشلولة لا روح فيها .. فعندما نضخ الحياة في القلب سيطلق أحاسيسه بعفوية دون رهبة سرعان ما يضخ طاقة هائلة في الأدمغة التي كانت معطلة عن التفكير الإنساني كجبل هامد .. إن مجتمعاتنا بلا عافية ؛ لأننا لا نعرف كيف نحب كما عبر الشاعر نزار قباني .. ينقصها الرحمة والرأفة ، بل ليس لديها ما يكفي من الدين ليجعلهم على وفاق مع بعضهم البعض ..
المطالبة بالكف عن ترميم القيم الاجتماعية المحنّطة .. إن التلميع يعلو كل شيء سوى المشاعر الإنسانية يتفشى فيها الصدأ يوما بعد آخر ..
المطلوب ترقيع منطاد الثقة التي انفقأت فتخبطت في فوضى السقوط .. نحن نعيش في مجتمع مطارد بالشك بامتياز .. أشرك بغرسه في تربة عقولها كلا الجنسين بلا تبرئة أي منهما ..
فالأم على سبيل المثال في بريطانيا تقول لابنتها التي تسير في الشارع : ( انتبهي وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين من هو الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون ذلك الرجل هو فارس الأحلام ) .. والأم في خليجها إلى محيطها تقول لابنتها التي تسير في الشارع : ( احذري وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون دنيئا وقد يخطفك ويغتصبك ) ..!
وكل جيل يترعرع على الاستفهامات نفسها : لماذا الرجل مطارد بسوء الظن دائما ؟ هل حقا هو كائن متوحش ؟ ولكن ماذا عن آبائنا واخوتنا وكل رجل قريب لنا أو تعاطينا معه ؟ وهل حقا المرأة مصلوبة أبدا على سجية السقوط في مستنقع الرذيلة بسهولة ..؟ هذا ما يدعى بسياسية التعميم المرضي التي ماتزال مترئسة بجدارة في برمجة عقول الشرقيين .. فيتفاقم من جيل إلى جيل بالتوارث دون أن نحرك ساكنين .. !
ثمة خوف .. فالرجل الذي يكون كالخاتم في يد المرأة ، لا يكون كذلك إلا بدافع خوف .. والمرأة التي تكون جارية في يد الرجل لا تكون إلا بغريزة الخوف الذكوري المتسلط عليها كذلك .. !
ثمة جهل .. ومعظم الذين تتصف أدمغتهم بالجهل هم طبقة المتعلمين للأسف ، الأميّ أكثر مرونة في التقبل من المتعلم حامل درجة دكتوراه .. فالأول ينطلق من بساطته والأخير من دكتاتورية الأنا ..
إنها أنفاس حق لدعم المجتمع الأسري على قواعد الثقة وأسس الحب والتأثيث النقي .. بعد نبذ التورية الاجتماعية وردم الأفكار الجاهزة التي يرتوي عليها الأجيال بالتناوب فالكل يلج من الدهليز نفسه ويتوه فيه دون الجرأة بإسدال القناع عن حقيقة قذارتها ؛ من أجل بناء جيل جديد له رؤاه وحريته و التحرر هنا لا يعني تحررنا من أخلاقنا وثيابنا وعاداتنا والمثل الاجتماعية الأصيلة ، بل التحرر هنا مصلوب على الآلية في ممارسة قوانين اجتماعية متوارثة تخلو من أي معنى انساني .. تحرر العقول المحشوة بالأفكار السلبية التي ليس منها غرض سوى أنها تعلن تعبدها للأزلام الجاهلية التي عفى عليها الدهر والتي ما تزال تؤدي فروض طاعتها بصورة ساذجة تتكشف عن هشاشة أصحابها وتناقضاتهم .. لنعبّد ذاك الدهليز وليكن الطريق أمامنا فيسحا باستقامة كالصراط المستقيم ..

Lailal222@hotmail.com

الخميس، مايو 28، 2009

وعد منفي كعاهة

ليلى البلوشي

ثمة وعد منفي
بيني وبينك ،
تُرى ، كم مضى على عمره
وهو هامش بلا ظل ..؟
لعلي سأصْدِقك القول ،
فهذه المرة ليست ككل المرات ؛
ربما لأني لم أعد أجيد الكذب مذ افترقت عنك
ربما لأن لساني تقدّس بفضل من الله ،
كلسان الأنبياء ..
* * *
ببراءة الوعد بيننا سأذعن :
رأيتك كابوسا ،
تتوسع رؤاي كفيلق
من نار إلى نار
وكان سوادك أشد قتامة من أن تحتمله السماء ..!
رأيتك شوكا ،
تتضوع شراهة
افتضحت غواياتك كلها على شراشف مشبوهة ،
ونساء لم أعهد يوما أن يتلطخن بك ..!
رأيتك رصاصة ،
لم يجسر الأولون إطلاقها لفض التاريخ
لم يكونوا أشرارا كما يجب ،
ولأنك أشدهم حقدا ؛
كنت أعظمهم وحشية ..!
رأيتك موتا ،
تسترق الأرواح دون أن تغادر الابتسامة شفتيك ،
وحين تنتهي من دعك يديك جيدا بالماء والصابون
تذعن كرجل مستقيم لمشيئة الله .. !
* * *
الوعد المنفي ،
هل تذكره ..؟!
بيني وبينك ،
قدر علقّنا معا
على عاتق من الريح
يسبرنا سهما من على بعد
قد نلتحم ،
وقد نقتتل حتى الموت ،
كنذر أضاع دربه إلى الوفاء ..!
* * *
الوعد تكور بيني وبينك كعاهة ،
ولأن أبي علّمني أن وعد الحر دين ؛
فها أنا ذا أهّب كراهبة سنواتي الأخرى لك ،
أصلّي اعوجاجك بغفران ..
وأُكفِِّر نشواتك الساحقة كامرأة بلهاء
لم تتقن العبث يوما ،
لم تتقن سوى فن السذاجة ..!

السبت، مارس 21، 2009

حين نقيس الحب بالمسطرة

ليلى البلوشي

الحب .. طاقة من الزهور الخلابة يظل شذاها يضوع في قلب المرأة أبد الحب .. وهو هواء منعش متجدد بالنقاء والتحفز في حياة الرجل ..وكل ٌ في هذا الكون ينطلق من خلال " الحب " .. بدءاً من حب الله تعالى استكمالا إلى حب الذات ، الأشخاص ، العمل ، الأماكن ، الهوايات ...الخ .
فالحب شجرة وارفة تصل ظلالها إلى أبعاد شاسعة شساعة مشاعرنا تجاه المكنونات .. وحين نخص شخصا ما بحد ذاته بأحاسيس خاصة .. ونطوقه بهمس لا يشمل سواه .. جُل أحلامنا ورغباتنا ترقص في حدود مساحته فإن الحب هنا له لغته ومذاقه .. لكن تتفاوت نسب خلود هذا الحب مع الزمن حين تتبدى طوارئ أخرى في حياة الإنسان فقد تقهر بالحب وتسمو بها وقد تقهر هي الحب وتنتشل آخر نبض حميمي فيه ..
فبعضهم يقيسون الحب بمقاييس خاضعة لها أبدا في لغة أهوائهم .. فإذا ما تعدى قياساتهم الدقيقة المرسومة عن رغباتهم فإنه يغدو في نطاقهم شيئا لا يطاق سرعان ما يطفئونه أو يرمونه بلا مبالاة كسيجارة بالية .. الحب الحقيقي هو أن نقبل الآخرين ضمن شروطهم .. فماذا لا نجعل طرفنا الآخر المكمل لنا في الحب يحبنا بطريقته .. بلغته .. بكيانه .. بحريته دون قيود نكبلها به ولا سلاسل نجره من خلالها إلى ما نريد ونتخطى ما يريده .. نتقبل منه ما نرغب ونأبى عن ما يرغب به هو .. الحب عطاء متبادل تتساوى كفتاته بين الطرفين المبذولين .. وحين يبذل طرف والطرف الآخر يأخذ فقط فإن هذا الحب يتضاءل شيئا فشيئا حتى يترهل مع الزمن ويموت ..
الحب كيان انساني موحد .. علينا أن نحترم فيه الآخر .. أن نترك له فرصة ليعبر فيها عن نفسه ، عن أحلامه بطلاقة .. معنى التوحد في الحب لا يعني التوحد في الأحلام .. لكل طرف أحلامه الخاصة يسعى إلى تحقيقها فهي تحقيق لذاته الإنسانية في الحياة .. ومن خلال غاية الحب الواحدة يساند الطرفان بعضهما البعض للسمو من خلال حياة صحية مبنية ضمن خطط صحيحة ومنطقية تناسب كلا الشريكين في الحب .. تتنفس مشاعرهما بعفوية مطلقة من أكسجين الحياة بألف أسلوب تتجدد كل يوم كالشمس وألف لغة تتألق كل مساء كالقمر ..
وحين يجد أحدهما أو كلاهما في دائرة الحب أن لغة الحب بينهما فقدت قدرتها على التواصل .. وفترت الأحاسيس .. تجمدت المشاعر الدافئة بينهما والغاية في بقائهما معا تلاشت أشبه بموعد تتواعد فيه الشمس مع الغيم فلا يلتقيان في أفق واحد .. فإن إقصاء الآخر لا يعني أنه غدا عدوا نتمنى له التعاسة في بقية حياته وربما العدمية عن الكون كله .. فإن هذا الشخص قد منحك يوما قلبه فلا ترميه له مغروسا بسهم بل قدمه له كما أودعه في قلبك في لحظة الحب .. ولا داعي التراشق بالجرح وليبقى الطرفان على وفاق الصداقة انطلاقا للأحاسيس الجميلة التي ضمت سقف قلبيهما يوما ما ولتقتات الذكرى الطيبة التي فرشت أرض غايتهما فيما سلف .. ولا تندم مطلقا على حب عشته .. ففي الحب الإنسان رابح دائما كما تقول " غادة سمان " : ( في حالة الحب فالإنسان رابح دائما .. إنه يربح اكتشاف ذاته ومدى استعداده الحقيقي للعطاء ، ومدى قدرته على أن ينطلق ليحب العالم كله من خلال انطلاقته عبر حبه الفرد والخاسر الوحيد في علاقات الحب هو الذي لم يحب حقا ً ..!)
Lailal222@hotmail.com

السبت، ديسمبر 20، 2008

رجل معبأ

ليلى البلوشي
أنت كما هو
مذ عرفتك
رواية طويلة تتسرب تفاصيلها كوميديا
مرفهة بالصمت والغموض والجنون
أنت كما هو
مذ غرقت في غمازتيك
المعبأتين بالدهشة ،
كطائر السنونو تعشق الرحيل
إلى الأزمنة اللامأهولة بالضجيج
وإلى مدن الصدق والحرية والوفاء
حيث تغدوا شاذا ..
أنت كما هو
مذ قررت أن أحبك
وأن تكون الرجل الأول
والأوسط والأخير فيه..
لكنك رجل المستحيل ،
ترتشف الشاي مع الملح
وتقرأ جريدة الصباح قبل النوم ..
أنت كما هو
مذ بعثرنا الزمن
نبضين ناضجين على طريقتهما في الحياة
كنتَ سلحفاة
وكنتُ أرنب
وسرعان ما تآلف تناقضنا في سقف واحد
أنت كما هو
مذ أعلنت تمردي على مملكتك
وعصياني على دقة مواعيدك
وحنقي على صدقك ووفائك وحريتك
في زمن الرياء ،
وكنت كما أنت دائما وأبدا
معبأً بالصمت والغموض والجنون ..!

Lailal222@hotmail.com


الأربعاء، أكتوبر 01، 2008

منديلا من الوداع سيرثيك هذا العيد

ليلى البلوشي
( 1 )

لم وجهك مختبئ هذا العيد ؟!
فتشت عنه في الأفق
لعل غيمة شقية سرقته مني ،
ذلك ما ظننت ..
فتشت عنه في الأرض ،
لعل غزالة اصطفت به دوني ،
ذلك ما اعتقدت ،
سألت عنه الريح
لعل عاصفة طائشة حلقت به بعيدا عن أجوائي
سألت عنه البحر
لعل حورية سحرته بأهدابها الجميلتين
حاورت الجبال والبراكين والزلزال
والبذرة النقية في جوف الصحراء ،
تهت وتاهت الطبيعة من حولي ..!

( 2 )

ثقيل هذا العيد ،
ووجهك المقدس على صفحة الماء يتوارى حينا
وينفقئ حينا آخر فقاعة ،
ووجهك المقدس يحمل التيه والغياب والمنفى
خلف تلك التلال كان يطالعني كل يوم :
صباحا آخر أشتهي يقظته ..

( 3 )

حين كانت الشمس تحتضر،
يحتضر آخر جرحك
كرجل اخترقت رصاصة عدوه صميم قلبه ،
كنت تضع غيابك
في صميمي ..

( 4 )

هل كلمتني يوما : أن ليلك سيطول .. ؟!
كانت لياليّ تدثر بعضها
وتستر في الظلام شغفها
وكان عواؤها يئن بلا صوت
خشية أعين النهار ..
هل كلمتني يوما : أن الموج سيثور.. ؟!
كان صافيا حين ركبته ،
كانت أما تستودع وليدا ،
وكان حنينك يرتعش في ثنايا معطفك الشتوي
وكان وجهك مألوفا لدي
كما كنت أجسه دائما ..
وجه عصفور ينتفض من البرد ..
أراه اليوم على كل سارية ،
أراه وكأنّي لا أراه .. !

( 5 )

هل ينأى القوس عن وتره ..؟!
وهل يجرح السكين صانعه ..؟!
وهل يدمي القلب نفسه ..؟!
حيثما كنت ،
قوسا ، سكينا ، قلبا
حيثما كنت
ابق ..
وجها ضائعا ..

( 6 )

سأنقش كفي بالحناء هذا العيد ،
وسأرتدي ثوبا جديدا ،
وسأكحّل عيناي ،
وسأتقاسم الفرح مع الصغار ،
و لن أبحث عن وجهك في الزقاق ..!

( 7 )

لن أترقب وجهك في المرايا
حين تخبو كضوء شمعة ،
سأجس في الظلام وجها آخر ،
يحملني إليه
نقاؤه ،
منديلا من الوداع سيرثيك هذا العيد .. !


Lailal222@hotmail.com

الأحد، يوليو 27، 2008

أعاقبك لأني أحبك

ليلى البلوشي
لست مع الذين يعاقبون أعداءهم ، ويتشغفون الفرص للنيل منهم بشراسة آكلي لحوم البشر مع بني جلدتهم .. ولأنه على رأي " نيتشه " : (حذار من مقاتلة عدوك الشرس ؛ لئلا تكون أشرس منه حين تتغلب عليه ) أضيفوا عليه قول شاعرنا العربي :
اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله ** فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
لذا صنعت قناعة في ذاتي أن لا أتعارك مع أعدائي مطلقا .. كيفما كانوا وأينما أضحى عتادهم مني ؛ كي لا أورِّث نفسي وحشيتهم الطاغية محتفظة حتى آخر رمق بالبراءة في داخلي .. غير أنني وبشدة مع معاقبة الذين نحبهم بصدق وعمق ؛ لأن امتدادهم عبر شراييننا الدموية الدافقة بهم كان أغور مما يمكن قياسه أو حتى تصوره بأدق مجاهر هذا القرن دقة وتقنية ..!
طافحين بأمان هناك حيث مساحات وفائنا الروحي لهم .. وعليه وجدت لذة خارقة في معاقبة إحدى صديقاتي .. اللاتي لهن منزلة شامخة في طيات روحي .. فجفاءها قدحا من الزمن ومض وجع الحزن في أيامي المتبقية دونها ، وأهمّ الصداقة الوثيقة التي كانت حبائلها ممتدة بيننا .. ولما كان يوما مشمسا من أيام يوليو أدهشني على حين فجأة رقمها .. وكانت المسافة بيني والهاتف فاصلة بحيث حاجز اهتزازاته عن مسمع أذنيّ ؛ لذا ظل رقمها يضيء بلا مجيب على شاشة هاتفي .. ولما أعياها ردي .. بَعثتْ رسالة ملفوفة كباقة برقة أنثى حديثة العهد بالصداقة شبيهة برسائل المحبين المراهقين .. وكأن بكبرياء البعد المتراخي بيننا مدّ عنادي قليلا فوق مستوى لهفتي بها ومهاتفتها فإذا بي أفسح الوقت متسعا في الرد عليها .. فهاتفت مضمخة بالفرح عوضا عنها صديقة أخرى ولما تناهى بيننا الكلام حتى شارف نهايته .. أخبرتني بأن صديقتنا المغضوب عليها هاتفتها البارحة فأنزلت عليها عتابا حارا شغف جوفها حسرة وتأنيبا عن تقصيرها في وصالنا معا .. وإذ ذاك أدركت بعد أن أخذني الإحباط مأخذه أن إلحاح اتصالها كان نتيجة ما تلقته من صفعة مؤلمة من قبضة صديقتي هذه .. ! فرقص الشيطان الرجيم في فكري .. وتلبسني مسه المجنون .. ولأن النسيان حرفة يتقنها المهملون فقط ؛ هكذا أطل عتابي في رسالة قصيرة منفوخة جمرة حنقي وإن كنت في داخلي أعلم أن نوعا من العبث ما كنت أنا فاعله .. وظل عتبي هذا يفاجئها لمدة أسبوع كامل ببهرجة الرسائل الكوابيسية التي تقض مضجع الجن قبل الإنس وتنذر الكبير قبل الصغير .. بمضامين موجعة جدا عن الفراق والخيانة وتفشي عرى الصداقة بيننا .. وغرني الشيطان الذي زين خطتي بجنهم التعذيب والتأنيب .. محتفية مع كل رسالة متفجرة بعبث أغراني بمزيد من الويل .. لكن العبث الذي تغلب عليه الجد في النهاية حرك شجوني هو أن الذين نحبهم لابد من معاقبتهم كلما تراخت مساحات النأي بيننا مهددة ؛ لأن الذي نحبه ليس من حقه أن يختار قدر النأي عنا بعد أن أغرانا بفضائله وعلقّنا بشموخ نقائه .. فبجفوته يحرم علينا مصافحة نعاته الجميلة التي طالما بهرنا بها فيه .. ولطالما طفنا حولها هائمين كالنحلة وهي تلثم عبق أريجها .. متلذذة وفرحة في آن ..
ولأن الذين نحبهم .. بهم افترشنا الدرب الصعب زهرا فواحا .. وبهم كانت أيامنا حية .. تتخللها لحظات حلوة كمذاق الكرز .. نقية ببياض أحاسيسهم الحميمة .. ولأن الذين نحبهم هم من بذروا فينا شجرة الوفاء الحقيقي .. ولذة عتب اللذيذ في زوبعة الخصام ... وهم من علمنا أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا وحيدا دون أن يشاطره أحد ما همساته ويشاغبه جنونه .. يحتفي مع أفراحه وينغص لأتراحه .. هائمين يدا بيد ونبضا بنبض .. رفيقين يعانق جبينهم شمس الصداقة الحقة وآثارهم معا على رصيف الوصال الأبدي لا يمحوه زهايمر الزمن في سرمدية الآتي..
وإذا بصديقتي يملأها العقاب خلقا جديدا في فضائل الصداقة .. وعبرة أن العهد الذي يكون بين الرفقاء ليس من حق أحد الطرفين المتعاهدين عليه مذ البدء أن يُعري شفافيته ويهتك بكارة وفائه .. وإذ ذاك عاد الود ما بيننا على ما كان بل زاد حبتي مسك ..
و شاعرنا المجهول يطوق كلينا بنظمه الشجي :
( نحن / أنا وأنت / مثل إبرتي ورق صنوبر / تجفّان / تسقطان / لكن لا تفترقان أبدا ً )

لكن ................. ، بالله عليكم .. هل لي بحل ناجع يكفني إزعاجها اليومي لي ..؟!

Lailal222@hotmail.com



الخميس، مايو 29، 2008

وأسقطُتكَ سهوا

ليلى البلوشي
كنت َ الحضور دوما
وكنتٌني الغياب أبدا
رسمت َ شخصك َ بأصابعي فيك
فأعلنت الطبول عرسك
والدفوف كفني ..

/
/
/

أنت الشمول في كل الفصول
وأنا الاختصار بعقدة فصلك
فأزهر عمرك ربيعا
وَيتُم عمري خريفا ..

/
/
/

تعود لترحل في مسكني الأبدي " قلبي "
وأرحل لأعود في مسكنك المؤقت " قلبك "
فتشتعل شبابا في ّ ،
وانطفئ شيبا فيك ..

/
/
/
ترتشفني قدحاً
ولا تكف عن عادة التخمة مذ عرفتك
ولا أكف عن محاولة رشفك
فيرتعش قدحي جوعاً مذ عرفتني..

/
/
/

تتلبسني ذنبا يغتفر
واتلبسك خطيئة تعفر وجهي التراب
فيدفع جسدي ثمن ديتك
وتدفع جسدك عني امرأة أخرى ثمنا ..

/
/
/

لفظت َيوما : أحبك ِ
ويقينكَ : أكرهك ِ
ولفظتُ يوما : أكرهك َ
ويقينيِ : أحبك َ
فكذّب السنين يقينك
وخمّنت السنون صدق يقيني ..

/
/
/

احتضننا موعد مع الكرز
قطفت لي وقطفت لك
هبت ريح فاصلة
كيت وكيت ....... ،
فأسقطتني عمدا وأسقطتك سهوا ً..

Lailal222@hotmail.com

الخميس، مارس 20، 2008

رهان شهوده الطبيعة ..!

ليلى البلوشي
هذا أنتم يا معشر الرجال ،
يجري نهر الخيانة في شرايينكم
يتدفق في أوردتكم
يمضي كالهشيم في سجلاتكم ،
غدا فطريا كتحية صباحية بصحبة سيجارة مغرية
لا تكفون عن محاولة تقبيلها ..!
هذا أنتم ؛ وهكذا هو سجل تأريخكم الفاضح
بنتن الخيانة..

* * *
كان رهاننا يوم أحببنا:
أحببني .. أحبك
ساعدني .. أساعدك
احتويني .. أحتويك
وكان :
اكرهني .. أكرهك
اصفعني .. أصفعك
حطمني .. أحطمك
رهان حبنا هذا ،
كان بحضور شهود عيان
الطبيعة وأبناؤها
الليل والنهار
الشمس و القمر
النجوم والكواكب والجبال
البراكين والعواصف والزوابع
الغيمة والمطر
علقناها بعد تدوينها بماء الذهب
على المسمطات الجاهلية ؛ لتبدو كالمعلقات
فلا تمحوها ذاكرة الدهور ..

* * *

من فطرتي تجاه خصوصيات
عشاقي الأوفياء ؛ الذين يذكرون
اسمي ، تاريخ ميلادي ، تأتأة حروفي
والوشم في ساعدي الأيسر
أن احتفظ بهم في وجدان قلاعي
وأقفل عليهم بأجفان مفاتيحي الأبدية ..
ومن فطرتي تجاه خصوصيات
عشاقي الخونة ؛ الذين يتناسون
اسمي ، تأريخ ميلادي ، تأتأة حروفي
والوشم في ساعدي الأيسر
أن أقذف بهم خارج وجدان قلاعي
وأقفله عنهم دهوراً بالشمع الأحمر ..

الاثنين، يوليو 30، 2007

عاشقة لوجستية .. !

ليلى البلوشي

تستنهضني أدوار قوّاد الحروب
كم أود الآن أن أتشبع بداخلك بشراهة المغول
وهمجية التتار
وكم أود أن تبتلعني أنت بفكيك كزئير أسد مجنون .. !
* * *
أتعرف ما هي ألذ لحظات عذابي ؟!
- حين أتمخضك في روحي عشقا ..
أتعرف ما هي ألذ لحظات فرحي ؟!
- حين أتمخضك في روحي أسى ً ..
* * *
اعتق حريتي ، أرجوك
فأصابعي تريد أن تمارس ارتعاشها
في حضرة جرأتك !
* * *
ليت لي قوة الجبال كي أتسلقك نجمة
ليت لي قوة الرياح كي أمتطيك غيمة
ليت لي قوة الأشجار كي أغرسك ورقة
ليت لي قوة الصحاري كي أجمعك بكفي رمالا جامدة ..!

Lailal222@hotmail.com