ليلى البلوشي
من يتكئ مثلي مساء كل جمعة وحدقتيه مصوبتان كفوّهة مسدس على قناة mbc1 وعقرب ساعته يزنّر رقاص مؤشره على إيقاع الحادي عشر .. سيعرف أن حديثي يشمل مسلسل درامي خليجي يحبطنا في نهاية كل أسبوع بحلقة أكثر إحباطا من أختها المعنون بـ" الساكنات في قلوبنا " ..
مسلسل محبط جدا ، تدلّت حلقاته بقيود خانقة على كل من عنق المرأة والرجل .. والمرأة كالعادة كائن حبيس كعصفور مسكين في قفص المظالم والتضحيات والقلب النقي التي تتنفس على أحلامها الموبوءة وأمانيها المقهورة ..
أما الرجل هو الوحش الهمجي والسفاح والظالم الذي عيناه لا تنامان ، السيد الذي تموء له المرأة بخضوع أمرك مطاع ..!
هذا السجل العتيق في تاريخ الجينات البشرية في تكرر مستمر كدورة الحياة فكل جزء منها يتمطى في نظام دقيق ومحكم وحريص ..
طوال تلك الأعوام والمجتمع يعيد ويكرر وينبش ما دفن وترسب ولكن مع كل جيل تجدد بحذاقة في سرد أسلوب النقاش والعرض بحيل مفبركة .. ولا تفعل غير ذلك حقا !
فعلى من سنلقي اللوم .. ؟!
هل سنشهر أصابعنا بحنق على الرجل بأنه الوحش الذي لابد له من ترويضه .. أم أننا سنضّخ حناجرنا بمستوى أعلى من الصراخ الذي استنفذ منه ما استنفذ في المطالبة في فك قيود المرأة ..؟!
أم سنقف محايدين حتى تتساوى كفّة الميزان بين الطرفين ، فنعلل بأن الرجل يتصرف على ذاك النحو حرصا منه على أنثاه .. أو نعلن إن المرأة من حقها أن ترسخ وجودها في المجتمع بقواعد معينة ؟
فعبر أحقاب تاريخية ماضية كان الوضع الفطري يصنف المرأة بأنها الجارية التي تقيد بالأصفاد وتجر من عنقها شهية البياض والنعومة بأيد جلادين بلا ذنب ؛ سوى أنها إغراء يهدد سلامة المجتمع الشرقي المحافظ .. وهو ليس بالشيء المدهش وتاريخ مكرر يتكرر بأشكال وتحت مسميات مختلفة تتخفى في زي تنكري تستدعيه الحياة المتطورة ... لكن تبين في وسط دهشتنا أن " الرجل " أيضا يجرجر بالأصفاد ذاتها و للأسف هنالك جوقة من الرجال مقيدين حقا ..!
الرجل كائن بشري وجد نفسه في مجتمع مضمخ حتى أعلاه بالقيم الاجتماعية المتسلسلة ببعضها في دوران لا نهائي .. في دوران محكم الأقفال .. وثمة صوت أعلى منه يأمره بالرجولة المنفوخة بالعنف والقسوة والسيطرة ، فإن عصا غدا فأرا وإن ترققت مشاعره أحتقر إلى قائمة بلا شخصية ..!
إذن الرجل مكبل مثله مثل المرأة تماما .. فلماذا نحاكمه بالمقصلة وحده في هذا الواقع المطوق بالمتاريس ؟!
والرجل ليس ملام حين يتصرف على ذاك النحو ؛ لأن تلك التصورات الخاطئة حفرت فيه منذ خشونة أظفاره فانتشر فيه السوس .. فما نتيجة سعي المرأة إلى الخروج من أقفاص والمطالبة بالحرية إن كان العقل الذكوري مبرمج على تفكير آلي كهاتف محمول درج على تقنية ثابتة ..؟!
مازلنا نبرر قولنا في كل مرة بأن الوعي هو هدف تلك الدراما المعروضة .. وهل بعد ذاك الكم الهائل من العرض عبر تلك القرون أفلحنا في إعدام سوء الظن على مستوى الأجيال ؟!
المجتمع ككل متآمر على ترسيخ تلك الغمزات اللاذوقية في الحدود الفاصلة بين الرجل والمرأة والتي لوثتها إكراهات الموروث وأصفاد التناقضات التي تتصافح بأيد مرفهة بقفازات الرياء .. حتى في مجال الإعلانات التجارية دائما تسعى إلى تشييء المرأة كدمية والتي تثير شبق الرجال .. فلماذا هذا السعي الملّح على حفر مثل هذه الصور المتكررة وتحطيم مُثل الثقة المتبادلة بين الرجل والمرأة ..؟!
ثمة عقد اجتماعية متوارثة لا غرض منها سوى أن تكون البنت كأمها وجدتها ويكون الرجل كوالده وجده كساعة مهما طرأ تغيير على شكلها الخارجي تبقى عقاربها لاهثة بالطريقة المكررة نفسها ..!
فالمجتمع العربي وكما عبر المستعرب الشرقي الياباني " نوبوأكي نوتوهارا " في كتابه " العرب من وجهة نظر يابانية : " مشغول بفكرة النمط الواحد على غرار الحاكم الواحد ، والقيمة الواحدة والدين الواحد وهكذا ، ولذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم ، وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين ، أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد ، في هذه المجتمعات يحاول الفرد أن يميز نفسه بالنسب كالكنية أو العشيرة أو بالثروة أو بالمنصب أو بالشهادة العالية في مجتمع تغيب عنه العدالة ويسود القمع وتذوب استقلالية الفرد وقيمته كانسان يغيب أيضا الوعي بالمسؤولية " ..
كثير من النساء تشامخن إلى أعلى مراتب الوظائفية مثلها مثل الرجل ، لكن هل كفّ الرجل عن ممارسة تسلطه عليها ؟
ماتزال أعداد مهولة من النساء يعانين على أيدي الرجال على كافة الأصعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .. فهل مراكزهم الوظيفية فعلت شيئا ؟
وإن فعلوا كان فعلهم بإتباع سياسة الإكراه .. وليس على أساس من الود الإنساني والتفاهم .. أي أن الرجل لم يفعلها عن طيب خاطر وتفهم منه .. بل ربما خضوعه كان يقنِّع وراءه دوافعا شخصية ..!
المطلوب أن يعامل كلاهما آخره بإنسانية مطلقة على دعائم التكامل لا كمنافس لابد من قهره ، فلكل منهما أحلامه التي يسعى لتحقيقها ولكل منهما أحاسيسه وطموحه وأهدافه في الحياة .. والكف عن الضغط الوعظي الذي يتقاذفه كل طرف على الآخر بطريقة همجية ..
هنالك صراع مخيف بينهما في تصاعد بركاني تتسارع خطواته ولا تبطئ .. تتسع ولا تضيق .. ثمة فوضى أخلاقية تتبهرج في عرض مفاتنها .. فغرت فوهة التأرجح المضني الذي سبرنا فيه دون أن نحدد مسارنا بين أحكامنا الأخلاقية الصميمة والأحكام الاجتماعية المتوارثة حتى وقعنا في فخ التناقض .. !
المجتمع ليس بحاجة إلى تحرير لا المرأة ولا الرجل .. قبل تحرير ذينك الجنسين يجب تحرير الأفكار المتعفنة المتكئة على ترسبات ديناصورية التي تجتر تعاليمها كشيء مقدس لا يمكن الحياة من دونها ..
السر في القلب هذا العضو العضلي الممتلئ بالحجارة ، هذا العضو الذي يحلم بالشمس ونفض الغبار وخيوط العنكبوت التي تشابكت حوله كغابة مهجورة تغصنت فيه الأحاسيس كفروع متخدرة مشلولة لا روح فيها .. فعندما نضخ الحياة في القلب سيطلق أحاسيسه بعفوية دون رهبة سرعان ما يضخ طاقة هائلة في الأدمغة التي كانت معطلة عن التفكير الإنساني كجبل هامد .. إن مجتمعاتنا بلا عافية ؛ لأننا لا نعرف كيف نحب كما عبر الشاعر نزار قباني .. ينقصها الرحمة والرأفة ، بل ليس لديها ما يكفي من الدين ليجعلهم على وفاق مع بعضهم البعض ..
المطالبة بالكف عن ترميم القيم الاجتماعية المحنّطة .. إن التلميع يعلو كل شيء سوى المشاعر الإنسانية يتفشى فيها الصدأ يوما بعد آخر ..
المطلوب ترقيع منطاد الثقة التي انفقأت فتخبطت في فوضى السقوط .. نحن نعيش في مجتمع مطارد بالشك بامتياز .. أشرك بغرسه في تربة عقولها كلا الجنسين بلا تبرئة أي منهما ..
فالأم على سبيل المثال في بريطانيا تقول لابنتها التي تسير في الشارع : ( انتبهي وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين من هو الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون ذلك الرجل هو فارس الأحلام ) .. والأم في خليجها إلى محيطها تقول لابنتها التي تسير في الشارع : ( احذري وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون دنيئا وقد يخطفك ويغتصبك ) ..!
وكل جيل يترعرع على الاستفهامات نفسها : لماذا الرجل مطارد بسوء الظن دائما ؟ هل حقا هو كائن متوحش ؟ ولكن ماذا عن آبائنا واخوتنا وكل رجل قريب لنا أو تعاطينا معه ؟ وهل حقا المرأة مصلوبة أبدا على سجية السقوط في مستنقع الرذيلة بسهولة ..؟ هذا ما يدعى بسياسية التعميم المرضي التي ماتزال مترئسة بجدارة في برمجة عقول الشرقيين .. فيتفاقم من جيل إلى جيل بالتوارث دون أن نحرك ساكنين .. !
ثمة خوف .. فالرجل الذي يكون كالخاتم في يد المرأة ، لا يكون كذلك إلا بدافع خوف .. والمرأة التي تكون جارية في يد الرجل لا تكون إلا بغريزة الخوف الذكوري المتسلط عليها كذلك .. !
ثمة جهل .. ومعظم الذين تتصف أدمغتهم بالجهل هم طبقة المتعلمين للأسف ، الأميّ أكثر مرونة في التقبل من المتعلم حامل درجة دكتوراه .. فالأول ينطلق من بساطته والأخير من دكتاتورية الأنا ..
إنها أنفاس حق لدعم المجتمع الأسري على قواعد الثقة وأسس الحب والتأثيث النقي .. بعد نبذ التورية الاجتماعية وردم الأفكار الجاهزة التي يرتوي عليها الأجيال بالتناوب فالكل يلج من الدهليز نفسه ويتوه فيه دون الجرأة بإسدال القناع عن حقيقة قذارتها ؛ من أجل بناء جيل جديد له رؤاه وحريته و التحرر هنا لا يعني تحررنا من أخلاقنا وثيابنا وعاداتنا والمثل الاجتماعية الأصيلة ، بل التحرر هنا مصلوب على الآلية في ممارسة قوانين اجتماعية متوارثة تخلو من أي معنى انساني .. تحرر العقول المحشوة بالأفكار السلبية التي ليس منها غرض سوى أنها تعلن تعبدها للأزلام الجاهلية التي عفى عليها الدهر والتي ما تزال تؤدي فروض طاعتها بصورة ساذجة تتكشف عن هشاشة أصحابها وتناقضاتهم .. لنعبّد ذاك الدهليز وليكن الطريق أمامنا فيسحا باستقامة كالصراط المستقيم ..
Lailal222@hotmail.com
من يتكئ مثلي مساء كل جمعة وحدقتيه مصوبتان كفوّهة مسدس على قناة mbc1 وعقرب ساعته يزنّر رقاص مؤشره على إيقاع الحادي عشر .. سيعرف أن حديثي يشمل مسلسل درامي خليجي يحبطنا في نهاية كل أسبوع بحلقة أكثر إحباطا من أختها المعنون بـ" الساكنات في قلوبنا " ..
مسلسل محبط جدا ، تدلّت حلقاته بقيود خانقة على كل من عنق المرأة والرجل .. والمرأة كالعادة كائن حبيس كعصفور مسكين في قفص المظالم والتضحيات والقلب النقي التي تتنفس على أحلامها الموبوءة وأمانيها المقهورة ..
أما الرجل هو الوحش الهمجي والسفاح والظالم الذي عيناه لا تنامان ، السيد الذي تموء له المرأة بخضوع أمرك مطاع ..!
هذا السجل العتيق في تاريخ الجينات البشرية في تكرر مستمر كدورة الحياة فكل جزء منها يتمطى في نظام دقيق ومحكم وحريص ..
طوال تلك الأعوام والمجتمع يعيد ويكرر وينبش ما دفن وترسب ولكن مع كل جيل تجدد بحذاقة في سرد أسلوب النقاش والعرض بحيل مفبركة .. ولا تفعل غير ذلك حقا !
فعلى من سنلقي اللوم .. ؟!
هل سنشهر أصابعنا بحنق على الرجل بأنه الوحش الذي لابد له من ترويضه .. أم أننا سنضّخ حناجرنا بمستوى أعلى من الصراخ الذي استنفذ منه ما استنفذ في المطالبة في فك قيود المرأة ..؟!
أم سنقف محايدين حتى تتساوى كفّة الميزان بين الطرفين ، فنعلل بأن الرجل يتصرف على ذاك النحو حرصا منه على أنثاه .. أو نعلن إن المرأة من حقها أن ترسخ وجودها في المجتمع بقواعد معينة ؟
فعبر أحقاب تاريخية ماضية كان الوضع الفطري يصنف المرأة بأنها الجارية التي تقيد بالأصفاد وتجر من عنقها شهية البياض والنعومة بأيد جلادين بلا ذنب ؛ سوى أنها إغراء يهدد سلامة المجتمع الشرقي المحافظ .. وهو ليس بالشيء المدهش وتاريخ مكرر يتكرر بأشكال وتحت مسميات مختلفة تتخفى في زي تنكري تستدعيه الحياة المتطورة ... لكن تبين في وسط دهشتنا أن " الرجل " أيضا يجرجر بالأصفاد ذاتها و للأسف هنالك جوقة من الرجال مقيدين حقا ..!
الرجل كائن بشري وجد نفسه في مجتمع مضمخ حتى أعلاه بالقيم الاجتماعية المتسلسلة ببعضها في دوران لا نهائي .. في دوران محكم الأقفال .. وثمة صوت أعلى منه يأمره بالرجولة المنفوخة بالعنف والقسوة والسيطرة ، فإن عصا غدا فأرا وإن ترققت مشاعره أحتقر إلى قائمة بلا شخصية ..!
إذن الرجل مكبل مثله مثل المرأة تماما .. فلماذا نحاكمه بالمقصلة وحده في هذا الواقع المطوق بالمتاريس ؟!
والرجل ليس ملام حين يتصرف على ذاك النحو ؛ لأن تلك التصورات الخاطئة حفرت فيه منذ خشونة أظفاره فانتشر فيه السوس .. فما نتيجة سعي المرأة إلى الخروج من أقفاص والمطالبة بالحرية إن كان العقل الذكوري مبرمج على تفكير آلي كهاتف محمول درج على تقنية ثابتة ..؟!
مازلنا نبرر قولنا في كل مرة بأن الوعي هو هدف تلك الدراما المعروضة .. وهل بعد ذاك الكم الهائل من العرض عبر تلك القرون أفلحنا في إعدام سوء الظن على مستوى الأجيال ؟!
المجتمع ككل متآمر على ترسيخ تلك الغمزات اللاذوقية في الحدود الفاصلة بين الرجل والمرأة والتي لوثتها إكراهات الموروث وأصفاد التناقضات التي تتصافح بأيد مرفهة بقفازات الرياء .. حتى في مجال الإعلانات التجارية دائما تسعى إلى تشييء المرأة كدمية والتي تثير شبق الرجال .. فلماذا هذا السعي الملّح على حفر مثل هذه الصور المتكررة وتحطيم مُثل الثقة المتبادلة بين الرجل والمرأة ..؟!
ثمة عقد اجتماعية متوارثة لا غرض منها سوى أن تكون البنت كأمها وجدتها ويكون الرجل كوالده وجده كساعة مهما طرأ تغيير على شكلها الخارجي تبقى عقاربها لاهثة بالطريقة المكررة نفسها ..!
فالمجتمع العربي وكما عبر المستعرب الشرقي الياباني " نوبوأكي نوتوهارا " في كتابه " العرب من وجهة نظر يابانية : " مشغول بفكرة النمط الواحد على غرار الحاكم الواحد ، والقيمة الواحدة والدين الواحد وهكذا ، ولذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم ، وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين ، أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد ، في هذه المجتمعات يحاول الفرد أن يميز نفسه بالنسب كالكنية أو العشيرة أو بالثروة أو بالمنصب أو بالشهادة العالية في مجتمع تغيب عنه العدالة ويسود القمع وتذوب استقلالية الفرد وقيمته كانسان يغيب أيضا الوعي بالمسؤولية " ..
كثير من النساء تشامخن إلى أعلى مراتب الوظائفية مثلها مثل الرجل ، لكن هل كفّ الرجل عن ممارسة تسلطه عليها ؟
ماتزال أعداد مهولة من النساء يعانين على أيدي الرجال على كافة الأصعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .. فهل مراكزهم الوظيفية فعلت شيئا ؟
وإن فعلوا كان فعلهم بإتباع سياسة الإكراه .. وليس على أساس من الود الإنساني والتفاهم .. أي أن الرجل لم يفعلها عن طيب خاطر وتفهم منه .. بل ربما خضوعه كان يقنِّع وراءه دوافعا شخصية ..!
المطلوب أن يعامل كلاهما آخره بإنسانية مطلقة على دعائم التكامل لا كمنافس لابد من قهره ، فلكل منهما أحلامه التي يسعى لتحقيقها ولكل منهما أحاسيسه وطموحه وأهدافه في الحياة .. والكف عن الضغط الوعظي الذي يتقاذفه كل طرف على الآخر بطريقة همجية ..
هنالك صراع مخيف بينهما في تصاعد بركاني تتسارع خطواته ولا تبطئ .. تتسع ولا تضيق .. ثمة فوضى أخلاقية تتبهرج في عرض مفاتنها .. فغرت فوهة التأرجح المضني الذي سبرنا فيه دون أن نحدد مسارنا بين أحكامنا الأخلاقية الصميمة والأحكام الاجتماعية المتوارثة حتى وقعنا في فخ التناقض .. !
المجتمع ليس بحاجة إلى تحرير لا المرأة ولا الرجل .. قبل تحرير ذينك الجنسين يجب تحرير الأفكار المتعفنة المتكئة على ترسبات ديناصورية التي تجتر تعاليمها كشيء مقدس لا يمكن الحياة من دونها ..
السر في القلب هذا العضو العضلي الممتلئ بالحجارة ، هذا العضو الذي يحلم بالشمس ونفض الغبار وخيوط العنكبوت التي تشابكت حوله كغابة مهجورة تغصنت فيه الأحاسيس كفروع متخدرة مشلولة لا روح فيها .. فعندما نضخ الحياة في القلب سيطلق أحاسيسه بعفوية دون رهبة سرعان ما يضخ طاقة هائلة في الأدمغة التي كانت معطلة عن التفكير الإنساني كجبل هامد .. إن مجتمعاتنا بلا عافية ؛ لأننا لا نعرف كيف نحب كما عبر الشاعر نزار قباني .. ينقصها الرحمة والرأفة ، بل ليس لديها ما يكفي من الدين ليجعلهم على وفاق مع بعضهم البعض ..
المطالبة بالكف عن ترميم القيم الاجتماعية المحنّطة .. إن التلميع يعلو كل شيء سوى المشاعر الإنسانية يتفشى فيها الصدأ يوما بعد آخر ..
المطلوب ترقيع منطاد الثقة التي انفقأت فتخبطت في فوضى السقوط .. نحن نعيش في مجتمع مطارد بالشك بامتياز .. أشرك بغرسه في تربة عقولها كلا الجنسين بلا تبرئة أي منهما ..
فالأم على سبيل المثال في بريطانيا تقول لابنتها التي تسير في الشارع : ( انتبهي وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين من هو الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون ذلك الرجل هو فارس الأحلام ) .. والأم في خليجها إلى محيطها تقول لابنتها التي تسير في الشارع : ( احذري وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون دنيئا وقد يخطفك ويغتصبك ) ..!
وكل جيل يترعرع على الاستفهامات نفسها : لماذا الرجل مطارد بسوء الظن دائما ؟ هل حقا هو كائن متوحش ؟ ولكن ماذا عن آبائنا واخوتنا وكل رجل قريب لنا أو تعاطينا معه ؟ وهل حقا المرأة مصلوبة أبدا على سجية السقوط في مستنقع الرذيلة بسهولة ..؟ هذا ما يدعى بسياسية التعميم المرضي التي ماتزال مترئسة بجدارة في برمجة عقول الشرقيين .. فيتفاقم من جيل إلى جيل بالتوارث دون أن نحرك ساكنين .. !
ثمة خوف .. فالرجل الذي يكون كالخاتم في يد المرأة ، لا يكون كذلك إلا بدافع خوف .. والمرأة التي تكون جارية في يد الرجل لا تكون إلا بغريزة الخوف الذكوري المتسلط عليها كذلك .. !
ثمة جهل .. ومعظم الذين تتصف أدمغتهم بالجهل هم طبقة المتعلمين للأسف ، الأميّ أكثر مرونة في التقبل من المتعلم حامل درجة دكتوراه .. فالأول ينطلق من بساطته والأخير من دكتاتورية الأنا ..
إنها أنفاس حق لدعم المجتمع الأسري على قواعد الثقة وأسس الحب والتأثيث النقي .. بعد نبذ التورية الاجتماعية وردم الأفكار الجاهزة التي يرتوي عليها الأجيال بالتناوب فالكل يلج من الدهليز نفسه ويتوه فيه دون الجرأة بإسدال القناع عن حقيقة قذارتها ؛ من أجل بناء جيل جديد له رؤاه وحريته و التحرر هنا لا يعني تحررنا من أخلاقنا وثيابنا وعاداتنا والمثل الاجتماعية الأصيلة ، بل التحرر هنا مصلوب على الآلية في ممارسة قوانين اجتماعية متوارثة تخلو من أي معنى انساني .. تحرر العقول المحشوة بالأفكار السلبية التي ليس منها غرض سوى أنها تعلن تعبدها للأزلام الجاهلية التي عفى عليها الدهر والتي ما تزال تؤدي فروض طاعتها بصورة ساذجة تتكشف عن هشاشة أصحابها وتناقضاتهم .. لنعبّد ذاك الدهليز وليكن الطريق أمامنا فيسحا باستقامة كالصراط المستقيم ..
Lailal222@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق