د. عدنان الظاهر
(( كما لو أنك تتابع معي شغفي بظواهر الكون الكبرى ، سأقول إن الأمنية التي كنت أتمنى أن أكونها هي عالمة فلك ، رائدة فضاء ، غواصة في قعر المحيطات حتى أني أفضل دائما إقاماتي في المباني العالية التي تحجب عني الكل إلا السماء و ما تألق فيها )) .
هذه هي الشاعرة السيدة صباح دبي . تألقها الشعري والشخصي يُحاكي تألق السماءِ وما فيها من كواكب ونجوم وشموس وأقمار . ثم إنها تحبُّ الفلك ومظاهر الكون الكبرى وكانت تودُّ أنْ تدرسَ علومَ الفضاءِ والفَلَك لكنها وجدت ولعها بالشعر يغلقُ هذا الطريقَ ويقفُ حائلاً كسدٍّ منيع . فهل ندمتِ يا صباحُ أنك غدوتِ شاعرةً لا عالمة فلك ونجوم وتنجيم ؟ لا أظنُّ ! العلماء يتابعون ويدرسون الكون الأعلى وهم وأجهزتهم العملاقة على سطح الأرض أو على رؤوس بعض الجبال ولا أكثر من ذلك . أما أنتِ أيتها الشاعرة المغربية المُتغرِّبةُ ـ المنفيّةُ داخل نفسك فمكانك الطبيعي دوماً في الأعالي : وسط الكواكب والأقمار والنجوم والمجرّات والسُدُم ، تنوّرين وتضيئين الثقوبَ السودَ حتى حار العلماءُ في تفسير أسباب إختفاء أو { إنطفاءِ } هذه الثقوب . كيف تحديتِ وخالفت قوانين الفيزياء والطبيعة والكون ؟ فعلتِ ذلك كله من باب أخذ الثأرِ منها أنها لم تستطعْ أنْ تُغريكِ بالإنضمام إليها وعزفتِ عن أنْ تكوني فيها واحدةً منها تدرسينها وتقلبين فيها الوجوه عالمةً باحثة . لذا إختارك عالمُ الشعرِ لتُضاهيها وتُباهيها وتقفي إزاءها موقف الندِّ للندِّ فارتقيتِ به بُراقاً أسرى وعرّجَ بروحك ، وشعرُكِ مع روحك فإنهما كلٌّ متوحّدٌ غيرُ قابلٍ للتجزئة أو الإنفصال . روحُكِ في شعركِ وشعرُك من وفي روحك . هذا تفسيري لأسباب تأثيرِ شعرك في نفوس قارئيه . إنها قوة تأثير طغيان روحك المتأصّلة فيك جاءت الدنيا معك ورافقتك لحظةً فلحظة . روحُك في شعركِ وشعرُك ماردٌ مارجٌ من جان يتقلّبُ في النيران ولا قرارَ له إلا إذا أشعل أرواح وأجساد قارئيه . رماهم دليلُ إستسلامهم وخضوعهم لسطوته وسلطانه فظلي هناك محلّقةً بين المجرّات والسُدُم وأنيري بأَلَقكِ عتمات سودِ الثقوب ودعي العلماءَ يتخبطون في عماهم ولا يدركون سرَّغياب الظاهرة التي حيرتهم زمناً ولم تزل .
تفضلين السَكَنَ في الأعالي لتواجهي ألقَ النجوم والأقمار ليلاً فماذا عن نهاراتك ،
كيف تُرى تفضلين أنْ تقضيها حيثُ لا من وجود إلا للشمس قويةً وللقمر باهتاً شاحباً ضعيفاً مغلوباً على أمره ؟ أجابت : أُقضّي نهاراتي بين تلاميذي أدرّسهم اللغة العربية وآدابها وأعلمهم الشعر وأساليبه وكيف يكونون شعراءَ ومتى . ثمَّ ؟ سألتها فلم تُجبْ .لاذت بصمت غامض كأنها هي نفسها لا تُدركُ كُنهه .ما الذي يشغلك يا صباح وفيمَ هذا الصمت ، هل تعانين من صداعٍ في الرأس ؟ قالت كلاّ ، الصداع عني وعن رأسي بعيدٌ ، إنما غرّقتُ نفسي في قصيدة ( موسم القطاف ) التي أعجبتكَ فكتبتَ فيها كلاماً جميلاً . هل ستقرأينها علينا بصوتك العذب المغرّد بين وفوق النجوم التي تعشقين وتودين الحياة معها وبينها ؟ قالت أجلْ ، سأقرأ ولكن شرطَ أنْ تقرأ لي أنت أولاً ما كنتَ قد كتبتَ عن هذه القصيدة بصوتك . بعد ذلك اقرأها لك كما تحب . سألتها لماذا تودُّ سماع ما كتبتُ عن هذه القصيدة بصوتي وقد قرأتها مكتوبةً بخط واضح وعربية سليمة ؟ قالت للقراءات المختلفة بأصوات مختلفة طعوم مختلفة فما سأسمع منك قد يروقُ لي أكثر مما تروقُ لي قراءته بصوتي لنفسي . قلتُ حَسَناً ، إتفقنا ، سأقرأُ ما كتبتُ من كلام وستقرأين بعدي ما نشرتِ من قصيد :
قصيدة " موسم القطاف "
أُطلِقُ بحقٍّ على هذه القصيِدة إسم لوحة أو خارطة فيزياء الكون . حشدت الشاعرةُ فيها أكثر ما عرفتْ من ظواهر كونية مألوفة للبشر : الضوء . الصبح . الغيوم . الظلمة . السديم . الليل . النور . المقمر ( القمر ) . النار . الشمس . الليل مرةً أخرى . العصف ( العاصفة ) . الوقت . الصبح مرةً أخرى . السراب . الملكوت . عَدَن ، الجَنّة طبعاً. فما تفسير ولع الشاعرة بظواهر الكون والطبيعة وهي لم تتخصص بأحد الفروع العلمية وخاصةً الفيزياء أو علم الفلك ؟ إنه في نظري الإلتحامُ ، الإتحادُ ، الحلول الصوفي الذي نعرف لكنَّ حلولَ الشاعرةَ صباح حلول من نوع مغاير وطبيعة مختلفة . ينحلُّ كما يزعمُ متصوّفة المسلمين في ذات خالقهم ، يتحدون معها ويذوبون فيها . أما حلول ذات الشاعرة ففي الطبيعة الكبرى التي لا حدَّ لها حلولاً منوّعاً متعدداً متفاوتَ الدرجات ما دامت الشمسُ غير القمر والليلُ ليس كمثلِ النهار والضوء ضديدُ الظلمة والنار لا علاقة لها بالشمس رغم أنَّ بعض الحرائق تتسبب عن الشمس في المواسم شديدة الحرارة كما يحدثُ في غابات ولاية كالفورنيا الأمريكية مثلاً . ربُّ المتصوفة الآخرين ربٌّ واحدٌ أحدٌ صمدٌ لا يلدُ ولم يولدُ بينما للشاعرة صباح أربابٌ مختلفون تختار من بينهم ما تشاءُ وما تشاءُ قريحتها الشعرية وظروف كتابة القصيدة وأحوالها النفسية حلولاً فيها أو إتحاداً معها أو إنفصالاً عنها فحلولها إرادي وقتي الطابع مادي الطبيعة بينما حلول المتصوفة الآخرين حلول ميتافيزيكي غيبي وغياب واهم في فراغ لا وجودَ له أصلاً . للطبيعة الكونية مظاهر وأشكال شتى متعددة لبعضها تأثيرٌ عظيمٌ على حياة الإنسانِ كالشمس مثلاً نوراً وحرارةً ، وفي الغيوم مطرٌ ومع المطر قد تأتي العواصف والزوابع الرعدية المدمّرة . وفي النار حرارةٌ ودفءٌ وإعدادُ طعامٍ . الطريف بهذا الصدد أنَّ الشاعرة لم تذكر { الله } في ديوانها موضوع قراءتي أو أني لم أجده حتى اللحظة الراهنة . غير أنَّ هذا لا يعني أنها بعيدةٌ عنه أو أنها لا تعترفُ أو لا تؤمن به . على أية حال ، ستقرأ صباح هذه القصيدة كما إتفقنا ثمَّ نرى أو لعلنا نهتدي إلى كشف الأسرار الكونية في قصيدة موسم القطاف :
[[ هل يدعوني وردُ الجمرِ إلى رقص الضوءِ ...
أمْ أنَّ الصبحَ سليلُ غيومٍ تائهة ؟
كم كان لديَّ من الأشواقِ أصففها
لأرافقَ هودجكِ المكنونِ وأرفعَ رايتَهُ
والظلمة تاجُ حنين ...
هل أنتِ على مرِّ الأزمانِ تلوكينَ العسلَ المهجورَ
لتُزهرَ فيكِ مدائنُ تشربُ غربتها
وتُهيّءُ للشطآن سديمَ الشهدِ وأزهارالصباّرِ وروضِ يبابْ ...
في مُنعطفٍ لنحيبِ القلبِ تبدّى جُرحكِ يعتصرُ الجسدَ المتلألئَ
يزرعهُ في جوفِ الليلِ وفي عَدَنِ المحراب ]] .
الله الله ! صرخ ناظم الغزالي وقال إنه لم يسمع منذ زمن بشعر كهذا الشعر . لذا ، أضاف الغزالي ، سيغني للشاعرة من باب الإعجاب ورد الجميل بعض أغانيه ، فلتأمر بما تشاءُ وسأنفّذُ . قالت لكني لا أعرف أغانيك يا سيد ناظم ولم أعاصرك . لا من مشكلة ، قال الغزالي . سأغني لك أغنيتين الأولى هي [ يا حاديَ العيس هل مرّت بكَ الإبلُ ] وأغني بعد إستراحة قصيرة أغنية لي يحبها هذا الرجل ... أشارَ نحوي . سألته أيّةَ أغنية قصدتَ يا غزالي ؟ [ على جسر المسيّب سيبوني ] ، أجاب . أحسنتَ أحسنتَ يا ناظم . أحبُّ هذه الأغنية فعلاً لأنها مرتبطة بذكريات بعضها جدَّ عزيز وبعضها الآخر حزين لصيق بالقلب وفورات أوائل الشباب . لم تصدّق صباح ما ترى وتسمع . أحقاً حضر المرحومُ الغزالي بيننا وأُعجبَ بشعري وغنى لي وأطربني كما لم أطربْ من قبلُ ؟ هل أنا في حُلُم ؟ نعم أنتِ في حلم يا صباح ، قلتُ لها ، الشواعر والشعراء حالمون أبداً محلّقون في سماواتهم الخاصة بين كواكبهم الخاصة يسيحون في أجواء لا يعرفها باقي الناس . ثم إنهم يفعلون ما لا يقولون ويقولون ما لا يفعلون . وجّهتْ صباحُ في ختام لقائنا دعوة خاصة للمرحوم ناظم الغزالي لزيارتها والمكوث ضيفاً لديها في مدينة " تازة " شهراً كاملاً لكنَّ الرجلَ إعتذر قائلاً إنه مرتبطٌ بعقود مُجزية لإحياء حفلات غنائية في الكويت . قال ، مع ذلك سأفكر بالأمر وأرى ما إذا كنتُ قادراً على تلبية دعوة أخرى مماثلة يناسبني وقتها . أتركي معي عنوانك الألكتروني ورقم تلفونك ، قال الغزالي ثم إختفى أسرعَ من لمح البصر .
هذه هي الشاعرة السيدة صباح دبي . تألقها الشعري والشخصي يُحاكي تألق السماءِ وما فيها من كواكب ونجوم وشموس وأقمار . ثم إنها تحبُّ الفلك ومظاهر الكون الكبرى وكانت تودُّ أنْ تدرسَ علومَ الفضاءِ والفَلَك لكنها وجدت ولعها بالشعر يغلقُ هذا الطريقَ ويقفُ حائلاً كسدٍّ منيع . فهل ندمتِ يا صباحُ أنك غدوتِ شاعرةً لا عالمة فلك ونجوم وتنجيم ؟ لا أظنُّ ! العلماء يتابعون ويدرسون الكون الأعلى وهم وأجهزتهم العملاقة على سطح الأرض أو على رؤوس بعض الجبال ولا أكثر من ذلك . أما أنتِ أيتها الشاعرة المغربية المُتغرِّبةُ ـ المنفيّةُ داخل نفسك فمكانك الطبيعي دوماً في الأعالي : وسط الكواكب والأقمار والنجوم والمجرّات والسُدُم ، تنوّرين وتضيئين الثقوبَ السودَ حتى حار العلماءُ في تفسير أسباب إختفاء أو { إنطفاءِ } هذه الثقوب . كيف تحديتِ وخالفت قوانين الفيزياء والطبيعة والكون ؟ فعلتِ ذلك كله من باب أخذ الثأرِ منها أنها لم تستطعْ أنْ تُغريكِ بالإنضمام إليها وعزفتِ عن أنْ تكوني فيها واحدةً منها تدرسينها وتقلبين فيها الوجوه عالمةً باحثة . لذا إختارك عالمُ الشعرِ لتُضاهيها وتُباهيها وتقفي إزاءها موقف الندِّ للندِّ فارتقيتِ به بُراقاً أسرى وعرّجَ بروحك ، وشعرُكِ مع روحك فإنهما كلٌّ متوحّدٌ غيرُ قابلٍ للتجزئة أو الإنفصال . روحُكِ في شعركِ وشعرُك من وفي روحك . هذا تفسيري لأسباب تأثيرِ شعرك في نفوس قارئيه . إنها قوة تأثير طغيان روحك المتأصّلة فيك جاءت الدنيا معك ورافقتك لحظةً فلحظة . روحُك في شعركِ وشعرُك ماردٌ مارجٌ من جان يتقلّبُ في النيران ولا قرارَ له إلا إذا أشعل أرواح وأجساد قارئيه . رماهم دليلُ إستسلامهم وخضوعهم لسطوته وسلطانه فظلي هناك محلّقةً بين المجرّات والسُدُم وأنيري بأَلَقكِ عتمات سودِ الثقوب ودعي العلماءَ يتخبطون في عماهم ولا يدركون سرَّغياب الظاهرة التي حيرتهم زمناً ولم تزل .
تفضلين السَكَنَ في الأعالي لتواجهي ألقَ النجوم والأقمار ليلاً فماذا عن نهاراتك ،
كيف تُرى تفضلين أنْ تقضيها حيثُ لا من وجود إلا للشمس قويةً وللقمر باهتاً شاحباً ضعيفاً مغلوباً على أمره ؟ أجابت : أُقضّي نهاراتي بين تلاميذي أدرّسهم اللغة العربية وآدابها وأعلمهم الشعر وأساليبه وكيف يكونون شعراءَ ومتى . ثمَّ ؟ سألتها فلم تُجبْ .لاذت بصمت غامض كأنها هي نفسها لا تُدركُ كُنهه .ما الذي يشغلك يا صباح وفيمَ هذا الصمت ، هل تعانين من صداعٍ في الرأس ؟ قالت كلاّ ، الصداع عني وعن رأسي بعيدٌ ، إنما غرّقتُ نفسي في قصيدة ( موسم القطاف ) التي أعجبتكَ فكتبتَ فيها كلاماً جميلاً . هل ستقرأينها علينا بصوتك العذب المغرّد بين وفوق النجوم التي تعشقين وتودين الحياة معها وبينها ؟ قالت أجلْ ، سأقرأ ولكن شرطَ أنْ تقرأ لي أنت أولاً ما كنتَ قد كتبتَ عن هذه القصيدة بصوتك . بعد ذلك اقرأها لك كما تحب . سألتها لماذا تودُّ سماع ما كتبتُ عن هذه القصيدة بصوتي وقد قرأتها مكتوبةً بخط واضح وعربية سليمة ؟ قالت للقراءات المختلفة بأصوات مختلفة طعوم مختلفة فما سأسمع منك قد يروقُ لي أكثر مما تروقُ لي قراءته بصوتي لنفسي . قلتُ حَسَناً ، إتفقنا ، سأقرأُ ما كتبتُ من كلام وستقرأين بعدي ما نشرتِ من قصيد :
قصيدة " موسم القطاف "
أُطلِقُ بحقٍّ على هذه القصيِدة إسم لوحة أو خارطة فيزياء الكون . حشدت الشاعرةُ فيها أكثر ما عرفتْ من ظواهر كونية مألوفة للبشر : الضوء . الصبح . الغيوم . الظلمة . السديم . الليل . النور . المقمر ( القمر ) . النار . الشمس . الليل مرةً أخرى . العصف ( العاصفة ) . الوقت . الصبح مرةً أخرى . السراب . الملكوت . عَدَن ، الجَنّة طبعاً. فما تفسير ولع الشاعرة بظواهر الكون والطبيعة وهي لم تتخصص بأحد الفروع العلمية وخاصةً الفيزياء أو علم الفلك ؟ إنه في نظري الإلتحامُ ، الإتحادُ ، الحلول الصوفي الذي نعرف لكنَّ حلولَ الشاعرةَ صباح حلول من نوع مغاير وطبيعة مختلفة . ينحلُّ كما يزعمُ متصوّفة المسلمين في ذات خالقهم ، يتحدون معها ويذوبون فيها . أما حلول ذات الشاعرة ففي الطبيعة الكبرى التي لا حدَّ لها حلولاً منوّعاً متعدداً متفاوتَ الدرجات ما دامت الشمسُ غير القمر والليلُ ليس كمثلِ النهار والضوء ضديدُ الظلمة والنار لا علاقة لها بالشمس رغم أنَّ بعض الحرائق تتسبب عن الشمس في المواسم شديدة الحرارة كما يحدثُ في غابات ولاية كالفورنيا الأمريكية مثلاً . ربُّ المتصوفة الآخرين ربٌّ واحدٌ أحدٌ صمدٌ لا يلدُ ولم يولدُ بينما للشاعرة صباح أربابٌ مختلفون تختار من بينهم ما تشاءُ وما تشاءُ قريحتها الشعرية وظروف كتابة القصيدة وأحوالها النفسية حلولاً فيها أو إتحاداً معها أو إنفصالاً عنها فحلولها إرادي وقتي الطابع مادي الطبيعة بينما حلول المتصوفة الآخرين حلول ميتافيزيكي غيبي وغياب واهم في فراغ لا وجودَ له أصلاً . للطبيعة الكونية مظاهر وأشكال شتى متعددة لبعضها تأثيرٌ عظيمٌ على حياة الإنسانِ كالشمس مثلاً نوراً وحرارةً ، وفي الغيوم مطرٌ ومع المطر قد تأتي العواصف والزوابع الرعدية المدمّرة . وفي النار حرارةٌ ودفءٌ وإعدادُ طعامٍ . الطريف بهذا الصدد أنَّ الشاعرة لم تذكر { الله } في ديوانها موضوع قراءتي أو أني لم أجده حتى اللحظة الراهنة . غير أنَّ هذا لا يعني أنها بعيدةٌ عنه أو أنها لا تعترفُ أو لا تؤمن به . على أية حال ، ستقرأ صباح هذه القصيدة كما إتفقنا ثمَّ نرى أو لعلنا نهتدي إلى كشف الأسرار الكونية في قصيدة موسم القطاف :
[[ هل يدعوني وردُ الجمرِ إلى رقص الضوءِ ...
أمْ أنَّ الصبحَ سليلُ غيومٍ تائهة ؟
كم كان لديَّ من الأشواقِ أصففها
لأرافقَ هودجكِ المكنونِ وأرفعَ رايتَهُ
والظلمة تاجُ حنين ...
هل أنتِ على مرِّ الأزمانِ تلوكينَ العسلَ المهجورَ
لتُزهرَ فيكِ مدائنُ تشربُ غربتها
وتُهيّءُ للشطآن سديمَ الشهدِ وأزهارالصباّرِ وروضِ يبابْ ...
في مُنعطفٍ لنحيبِ القلبِ تبدّى جُرحكِ يعتصرُ الجسدَ المتلألئَ
يزرعهُ في جوفِ الليلِ وفي عَدَنِ المحراب ]] .
الله الله ! صرخ ناظم الغزالي وقال إنه لم يسمع منذ زمن بشعر كهذا الشعر . لذا ، أضاف الغزالي ، سيغني للشاعرة من باب الإعجاب ورد الجميل بعض أغانيه ، فلتأمر بما تشاءُ وسأنفّذُ . قالت لكني لا أعرف أغانيك يا سيد ناظم ولم أعاصرك . لا من مشكلة ، قال الغزالي . سأغني لك أغنيتين الأولى هي [ يا حاديَ العيس هل مرّت بكَ الإبلُ ] وأغني بعد إستراحة قصيرة أغنية لي يحبها هذا الرجل ... أشارَ نحوي . سألته أيّةَ أغنية قصدتَ يا غزالي ؟ [ على جسر المسيّب سيبوني ] ، أجاب . أحسنتَ أحسنتَ يا ناظم . أحبُّ هذه الأغنية فعلاً لأنها مرتبطة بذكريات بعضها جدَّ عزيز وبعضها الآخر حزين لصيق بالقلب وفورات أوائل الشباب . لم تصدّق صباح ما ترى وتسمع . أحقاً حضر المرحومُ الغزالي بيننا وأُعجبَ بشعري وغنى لي وأطربني كما لم أطربْ من قبلُ ؟ هل أنا في حُلُم ؟ نعم أنتِ في حلم يا صباح ، قلتُ لها ، الشواعر والشعراء حالمون أبداً محلّقون في سماواتهم الخاصة بين كواكبهم الخاصة يسيحون في أجواء لا يعرفها باقي الناس . ثم إنهم يفعلون ما لا يقولون ويقولون ما لا يفعلون . وجّهتْ صباحُ في ختام لقائنا دعوة خاصة للمرحوم ناظم الغزالي لزيارتها والمكوث ضيفاً لديها في مدينة " تازة " شهراً كاملاً لكنَّ الرجلَ إعتذر قائلاً إنه مرتبطٌ بعقود مُجزية لإحياء حفلات غنائية في الكويت . قال ، مع ذلك سأفكر بالأمر وأرى ما إذا كنتُ قادراً على تلبية دعوة أخرى مماثلة يناسبني وقتها . أتركي معي عنوانك الألكتروني ورقم تلفونك ، قال الغزالي ثم إختفى أسرعَ من لمح البصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق