الثلاثاء، مارس 31، 2009

المرأة والتنمية ، كتاب للأب نجيب بعقليني والدكتورة كلوديا أبي نادر



شوقي دلال

"رئيس جمعية محترف راشيا"

ألقيت في ندوة عن الكتاب بدعوة من جمعية قمح في حبوش النبطية .

لا تتعب الحقيقة من نفسها لأنها ابداً في التشّكل والتحّول ، يرسمها العقل في لطافة التأمل وقلق البحث عن معنى الوجود ، تبينُ أحياناً في صفاء القول ، وتغيبُ غالباً في زحمة اليقظة كسّر يبحث عن مغزاه .
والكتابة باب السّر وسفر المعنى في مراكب الحروف والكلمات ، والأفكار أشرعة يُمازجُها عَنَاءٌ سقراطي ترددهُ الريحُ في اليقين أو اللايقين : " كل ما أعرف أني لا أعرف شيئاً ".
فأيّ الحقائق نرتجي على شواطئ كتاب " المرأة والتنمية " للأب نجيب بعقليني والدكتورة كلوديا شمعون أبي نادر ، والأسئلة المطروحة بين دفتي الكتاب يغمرها تشاؤم الذكاء أمام الوقائع فلا ترى سبيلاً إلاًّ اللجوءَ الى تفاؤل الأرادة على حدِّ تعبير أنطونيو غرامشي .
أرادة الأنسان في السعي الى تجويد الحياة بكل ما فيها من حقٍ وخيرٍ وجمال . والكتابُ محاولةٌ لأستدراك هذا الحق ، لهذا الخير ، بهذا الجمال .
أتوقف بدايةً عند عنوانِ الكتاب " المرأة والتنمية " وأتطلعُ ملياً الى هذه " الواو " المرآويةِ متسائلاً : أهي حرفٌ وحسبْ ؟ أهي "واو" العطف في الإعراب ؟ أم أنها "واو" الوجدِ ، الوعدِ ، الولادةِ ، الوفاءِ ، الوجودِ ... أوليستْ المرأةُ وَجْدَ الحياةِ الى الوجود ووفاءَ الوعد بالولادة ؟
أوليست التنميةُ أيضاً وجوداً واعداً بحياة جديدة نفرحُ بالكينونة فيها ؟ .
لكأنما " الواو " هاهنا حرفٌ سحريٌ يُضِيءُ على تلك العلاقة الكامنة بين الأنوجاد وسيرورة الوجود ، بين المرأة ولغة الحياة حينما تكون الحياةُ في المرأة فعل خلق وفي التنمية معنى وجود . لكأنما التكامل بين الأثنين شرط لازم ، وتلك رؤية جديدة .

وفي الكتاب أيضاً تستوقفنا إشكالية فكرية تلقي بظلالها على مجمل فصول ومحاور البحث سيما عندما نُقَارِبُ الوضعية الراهنة للمرأة في مجتمعنا المعاصر وفي عالمنا العربي بالتحديد .
المرأة نصف المجتمع في الكّم ولكنها كلّ الحياة في الكيف . فأين موقع المرأة في حياتنا ونحن نهمل العناية بنصفنا وكلنا كمّاً وكيفاً ؟ . وهل تبرر السيرورة الثقافية لمجتمعاتنا العربية تلك الوضعية التي آل اليها واقع المرأة العربية من عزلة وغياب وتهميش ؟ .
نعم هي الحقيقة حين نقول أن المرأة أسيرة واقع صنعنا جدرانه من موروث بائد ، وحميناه بتقاليد وأعراف تجاوزها الزمن ، فيما يزال بعضنا يصّرُ على أحقيتها وديمومتها ، متناسين ما قاله ولي الدين يكن ، هذا الأديب الكبير والنهضوي الرائد في دفاعه عن المرأة منذ عقود خلت ، حين قال: " عندما أسقطنا دورَ المرأة بغير حق ، أنتقم الحق منا فحرمنا من السعادة الحقيقية " . نعم ، إننا وبغير حق أسقطنا دور المرأة يوم بنينا على الواقع الطبيعي للمرأة حتميةَ ثقافية تُقصيها عن أدوار ممكنة لها ، بحجة ضعفها وعدم رشدها وقلة وعيها . صحيح أن للمرأة واقعها البيولوجي الخاص بحكم تكوينها الطبيعي ، لكننا في المقابل جعلنا من هذا الواقع البيولوجي ذريعة لأستبداد ذكوري يُعلي من شأن القوة الجسدية ويجعلها معياراً للتراتبية الأجتماعية .
فلم نوازن بين حاجة الأنسان فينا الى الأمان بكافة أشكاله ، أمان الطفل بين ذراعي أمه ، وحنان الأخت نحو أخيها ، وعناية الزوجة بزوجها وبأطفالها وحاجتَهم الى الرعاية والعطف والأمان .
وأدخلنا المرأة بيت الطاعة بالقوة وتسيدنا ذكوراً أوصياء عليها ، فمنعنا عنها العلم والعمل والمعرفة بحجة الحرص والخوف ، فأرتدت علينا سهام الجهل والتخلف .

ما يضيء عليه الكتاب هو الأشكالية الثقافية لواقع المرأة التي أنتجتها سيرورة تاريخية تحتاج الى إعادة قرأة وتفكيك لمقولاتها الزائفة وبنيانها النظري المتقادم ومفاهيمها المؤسّسية الجامدة . وهذا ما تناوله بالعرض والتحليل كتاب " المرأة والتنمية " في خلاصة جهد صادق ينطلق من تجربة أنسانية غنية تحملها مؤلفة الكتاب الدكتورة كلوديا أبي نادر ، التي أدّعي أنها تسقط الكثير الكثير من روحها وفكرها وعملها وتجربتها على مضمون الكتاب في نوع من التماهي بين واقع ذاتي خاص وبين واقع آخر ترغب أن يكون واقعاً لكل النساء في مجتمعنا ، ويقيني أنها أنموذجاً يُحتذى في هذا المجال .
وأيضاً فإن الروح الأنسانية المفعمة بالمحبة للأب نجيب بعقليني تضفي على الكتاب بُعداً علائقياً رعوياً ومسؤولية إرشادية هي من صميم تجربته الروحية والتعليمية .
يبقى القول أن ما قرأته في هذا الكتاب وعن هذا الكتاب لا يُغني أبداً عن قرأته وإكتشافه لأن كلّ قرأة هي مجاز وتأويل .
وأختم بسؤال في أفق الكتاب ومضامينه : إذا كان الأيمان يخبرنا بأن الرجل هو رأس المرأة كما المسيح هو رأس الكنيسة ، وأن الرجال قوّامون على النساء ، فمن أين لنا أن نصنع وفاقاً بين ما نؤمن به وما نحن بحاجة اليه من ثقافة جديدة في علاقتنا مع المرأة وحضورها الأنساني ؟
لربما الجواب هو في أن نؤمن بمعنى الأنسان كل الأنسان ، وأن نعمل من أجل الحرية كل الحرية ، وأن نسعى بأسم الحق كل الحق لنكون جديرين بهذا الجمال لخير هذا الوجود .

الاثنين، مارس 30، 2009

القراءة و الكتابة...علاقة ترابط وتفاعل دائم

هـيـثـم البـوسـعـيـدي

القراءة جزء مهم في ثقافة الفرد والمجتمع وعامل مساهم في رفعة الأمم وتقدم الشعوب، كما إنها تلعب دورا كبير في تأسيس قواعد الحضارة وبناء ثقافة الشعوب وتسهيل أوجه الحياة في شتى الميادين والنواحي، لان الفئات التي تبني المجتمعات وتديرها بالاتجاه الصحيح ما هي إلا فئات المتعلمين والتي ترتكز بشكل أساسي على مبدأ القراءة لفهم الحياة والتخطيط لإدارة المجتمعات وصنع النجاح، بل تتخذ القراءة كمصدر لتوفير كمية هائلة من المعلومات ورافد لتزويد أفراد المجتمع بمجموعة من المعارف والعلوم، عندئذ تصبح القراءة في ذهن الفرد عبارة عن سياحة ومتعة وغذاء وانتقال من عوالم ضيقة إلى عوالم أوسع ووسيلة لتحقيق غايات وأهداف سامية.

والقراءة هي المولد الأول للأفكار والتخيلات، مما يدفع الفرد نحو قذف غريزة الكتابة لديه على السطح، وهي عبارة عن أفكار إنسانية يتم تطعيمها بالبحث والأدلة والتنقيب والشواهد لتصاغ بعد ذلك على شكل جمل وكلمات على صفحات الكتب والجرائد.

والكتابة رفيقة القراءة الدائمة لاستحالة الكتابة أو التدوين في أي موضوع بدون وجود قراءات سابقة ومطالعة مستمرة للأفكار المنثورة على الورق، كما إن هاجس الكتابة لا يوجد إلا مع القراءة الجيدة المستمرة بحيث إن إهمال القراءة ينتج عنه الانسحاب تدريجيا من عوالم الإبداع والتحليق، بل تضعف رغبة الكاتب في الكتابة بمجرد تناقص وقت القراءة، ومن ثم بمرور الزمن يفقد مذاق القراءة ولا يقدر الوصول إلى مفاتيح الكتابة التي كان يمتلكها فيما مضى.

كما إن تنوع الكتابة وإثراء الصفحات بمختلف المواضيع والأفكار قادم من حرية القراءة، والقدرة على التنقل بين عدد متباين من المقالات ومطالعة نسبة لا بأس بها من الأبحاث والمؤلفات، وكلما زادت نسبة القراءة واتسعت مكانة الكتابة زاد الاهتمام بقضايا المجتمع وتنامي الوعي بهموم الأمة، وفي هذه الحالة يكون فعل القراءة وحاجة الكتابة أمرين ضروريين في الحياة اليومية للفرد الواعي، بل يدفعانه نحو امتلاك مهارات النقاش والحوار والمواجهة ومراجعة الأفكار والمبادئ، ويجد المرء سلاسة وسهولة في الحديث مع الآخرين وقدرة على تدعيم أفكاره بالأمثلة والبراهين.

وبناء على ما مضى فإن القراءة ذات علاقة مباشرة بفعل الكتابة وهي أشبه بالعلاقة الحميمة والمصيرية في آن واحد، فكثرة القراءة تزيد حماس الفرد وتذكي رغبته بالكتابة وتدعوه من اجل التحرر من القيود وعبور الحدود الموصدة.


وعند المراجعة السريعة لوضعية القراءة والكتابة في عالمنا العربي يتعزز مبدأ العلاقة المترابطة بين الطرفين، حيث إن انخفاض مستوى القراءة في العالم العربي وهذا ما تأكده الإحصائيات يتبعه بشكل مباشر قلة أعداد الكتاب فلو أخذنا - على سبيل المثال - مواقع الانترنت العربية حيث إن مجموع أعداد الكتاب العرب في المواقع الأدبية والفكرية لا يتجاوزون المائتين مع إن العالم العربي غني بالبشر ويضم أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة وعدد 200 أو 300 كاتب لو اعتبرنا ذلك لا يتناسب أبدا مع الموارد البشرية الضخمة بكل ما تحمله من تنوع ثقافي واجتماعي وتعليمي، لذا فإن ازدهار القراءة يليه تطور واضح في كمية ونوعية الكتابات وهذا المبدأ للأسف غائب ومغيب عن واقع القراءة والكتابة في البلدان العربية.

أخيرا القراءة والكتابة ظاهرتان ملازمتان لوعي الإنسان وتفكيره مهما كانت الأسباب والشروط والدوافع المختلفة، ولا يتوقفان عند حدث ولا ينحصران بفترة زمنية محددة بل هما فعلان يأتيهما الفرد بتلقائية وإصرار والتزام وشغف، ويستمران في حياة الإنسان حتى النهاية ولا يستطيع الخلاص منهما، فهما طريقان يفرزان إنتاج بشري يظل حي لفترات أطول ويحمل في طياته معاني الرقي والتفوق وقدرات التميز والإبداع ومهارات التفكير السليم وتمثيل المشاعر الإنسانية في أقسى اللحظات وأجمل المواقف.

السبت، مارس 28، 2009

رسالة الى عصفورة الصباح

عيسى القنصل


كرائحة ٍ لفنجان قهوة فى صباح مدينتى ارى وجهك كل صباح ؟؟ وابتسم وانا ارى تلك العيون محدقة فى سماء الامانى وكانك فى انتظار مباركة السماء لهذا الوجة الانيق قبل مباشرتك لصراع الحياه .

كمنظر سحابة ممطره قادمه فى سماء مدينتى تفرح قلب كا الناس فيها ..فمزارع يعرف ان صيفه سوف يسعد عائلته وطفل يقترب من حضن امه يسال عن الدف وامراة ترى معالم الخير فى امطار السماء .. هكذا انت فى هذا الحضور الانسانى الرائع الذى يخطفنى الى قمة الخيال حين اراك ..

كعصفور برى صغير حط على اغصان داليتى .. ويرى فى فرح بعض حبات العنب فعرف ان طعامه جاهز فابتسم فى صمت وترقب لحظ ة ما ليتناوله ..هكذا انت هادئة المنظر وبريه التكوين وعصفورة هادئة النطق والاجنحة فى لحظات التواجد امامى على كف الحديث .

طبعك مثل وجهك مثل قلبك مثل قدك مثل روحك متسامح وهادى فى انوثة ان تكلمت اغرقتنى فى الهدؤ الانسانى وان ضحكت حملتنى على جناح خيالى الى مجلسها ..وان تكلمت ترى رقصه الورود فى سهول وهضاب مدينة خضراء تنام على ضفة النهر الهادى دون خوف من الفيضان ..

لا ادرى كيف التقينا ومن اعطى لمجرى نهرك الانسانى ان يقترب من جفاف ارضى .. وحين مرت قطراتك فوق ارضى انتعش الحرف والقلب واصبح للخيال ساحات تمتد من هنا الى حدودك عينيك يعطها فى لهفة شوق ونافورة امنيات للتقرب اليك ؟؟

اكاد لا اصدق ان ضبابا ما سوف يحجبك عنى ذات يوم او اننى سوف اهرب من ساحتك ذات يوم ..فحصان العمر الجامح عندى يرتحل اليك كل يوم مئات الرحلات واجلس اليك وانت نائمة وانت فى غرفتك وانت فى عملك وكاد اصغى الى احاديثك مع الصديقات ونسوة الحاره وكاننى اعيش معك وحين تحلمين اجلس فوق رموش عينيك اراقب حلمك ولا اسمح لحلم حزين ان يقترب من خلاياك .

مدينة احرفى وشوراع كلماتى وكل معنى فى قصائدى تتوجه الى وجهك حين تولد افكار الكتابه ؟؟وحين اعجز عن الوصف والغزل اغمض عيونى واتذكر صوتك وهذه النغمة الانوثيه فى صوتك فاعود الى الكتابه والى مواصلة الحياه
عميقة التواجد فى اعماقى انت وفى دنيا خيال وحين اكتب تكونين انت المعنى فى الكلمة والحركة فوق الحرف والخيال حين احاول الوصف ..

هناك هوة انسانية عميقة بينى وبين التواصل الحقيقى معك ولكننى انسج من خيالى خيوطا قويه من خلالها اتواصل معك ..وان تماديت يوما فى الطرق على بابك وانت لا تودين لى بالدخول فلسوف اجلس امام عتبات بيتك حتى تطردنى شرطة المدينه .

الكتابه لك عمر لى والكتابه عنك توالد دائم لعمرى والكتابه فيك هو قمة الشعر الذى احب فحين تصلك احرفى يصلك انا فاطعمينى حنانا واسقنى حلما وارقدينى قربك دائما ,, فانت جميلة فى القلب والوصف والانسانيه

إحْنا ما كُنَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّا ضََحايا

سيمون عيلوطي

بِالصًّّّّّّّّّّّّّّحرا تُهْنا
تْلوَّنَت فينا النَّّوايا
ذُقْنا وَيْلات الماّسي
- قُلْنا : مِشْ إحْنا الضَّّّحايا
إحْنا مع هَالمَقْهورين ..
وْقِفْنا قُدَّّّّّّّّّّّّّّّّام السَّّّّّّّّّّّّّّّّرايا
بِالحِلِمْ...
رَجَّّّّّّّّّّّّعْنا إشبيلْيا وْقضاها
صُرنا للسِّّّّّّّّّّّّّّّّلْم المرايا
بِالوَهِم ...
مِنطَهِّّّّّّّّر ذْنوب القلوب !!! .
وْللنَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّصِر نِنْسِج حَكايا
***
غَمَّضو عْيون الدٌُّّّّّّّّّّّّّروب
ما عادو عِرْفو الشَّّّّّّّّّّّّّرْق
مِنْ وِجْه الجُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّنوب ،
حَسُّّّّّّّّّّّّّّّّّو السَّّّّّّّّّّّحِق عَ الأرْض
شو ضارِب طُنوب ...
صَلُّّّّو - أبانا -
وَحْدو غَفَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّار الذُّّّنوب
صُبْحانو : بِيْجَرِّّّّّّّّّّّب عَبيدو
بِالحُروب
وِنْ كانو هيكي بُصْبُرو
صًبِر أيُّوب
وِنْ كان قِبْلو بِحِكْمِتو ..
وْلوح الوَصايا ،..،..
- صاروا قُدَّامو عَرايا
إلا إحْنا...
إحْنا مِشْ مِتْل الشُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّعوب
إحْنا ما كُنَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّا ضَحايا ..
إحنا مَ عْمِلْنا خَطايا.. !! .
سيمون عيلوطي : شاعر ومحرر موقع "الموقد" الثقافي /الناصرة
www.mauked.com

mauked-webmaster@mauked.com


هل نملك حركة نقدية متواصلة؟

د. حبيب بولس
هل نملك حركة نقدية متواصلة؟! سؤال يلح علي منذ زمن بعيد, لذلك ارتأيت أن اثيره هنا علنا سوية نجد الاجابة عنه.
يستمد هذا السؤال شرعيته من كوننا نرى اليوم غزارة في الانتاج الأدبي محليا وقلة في النقد الذي يتابع هذا الانتاج ويفسره ويقومه بالمعنيين, حتى اختلط الغث بالثمين وصار يتعذر علينا معرفة هل ادبنا في تطور ام في تراجع ام انه يراوح مكانه؟!
بداية اقول: ان المتتبع لحركتنا الادبية يلاحظ وبيسر ان نقدنا يعلو ويهبط بمعنى انه في مد وجزر, اي انه موسمي, يكثر حينا ويقل حينا اخر, حتى تكاد تمر شهور عديدة دون ان نقرا عملا نقديا. وحين اقول عملا نقديا اعني بذلك عملا نقديا جادا لا تلك المقالات السطحية التي تحاول استقراء بعض ما ينشر بغية التقرب من الكاتب او التربيت على كتفه مجاملة. وكون حركتنا النقدية موسمية يجعلنا نقول بطبيعة الحال انها ايضا مزاجية او انتقائية. بمعنى ان الناقد يقرب هذا العمل دون الاخر وفقا لمزاجه, وهذا مشروع اذ ان الانتقائية في النقد شيء ضروري. فالناقد مهما تفرغ للكتابة النقدية لن يكون بامكانه ان يتابع كل ما ينشر من جهة, ومن جهة اخرى للناقد مزاجه الخاص كما للمبدع, حيث يدفعه هذا المزاج للكتابة عن عمل ما, ويرده او يمنعه عن عمل اخر.
السؤال الذي يطرح بعد هذا الحديث, لماذا لا نملك حركة نقدية متواصلة؟ هل القضية تتعلق بعدم وجود نقاد لدينا؟ ام ان لها اسباب اخرى؟ّ! في الواقع نحن نملك عددا من النقاد, صحيح ان هذا العدد قليل لغاية الان, ولكنه يستطيع ان يسد الفراغ, اذا واصل هؤلاء النقاد كتاباتهم. اذن المشكلة لا تكمن في عدم وجود نقاد بل في اسباب اخرى.
السبب الاول في رايي يكمن في طبيعة العمل النقدي ومتطلباته, وذلك لان النقد في ادق معانيه كما يقول "د. محمد مندور" هو فن دراسة الاساليب وتمييزها, والمقصود دراسة منحى الكاتب العام وطريقته في التاليف والتعبير والتفكير والاحساس على حد سواء. وبناء عليه يصبح اساس النقد الادبي التجربة الشخصية, لذلك فكل نقد ادبي لا بد له ان يبدا بالتاثر, وذلك لاننا لا نستغني عن الذوق الشخصي والتجربة المباشرة لادراك حقيقة ما. ولكن الذوق وسيلة الادراك ليس وسيلة للمعرفة وذلك لانه ملك شخصي, بينما المعرفة ملك شائع. والملكة التي يستحيل بها الذوق معرفة هي ملكة التفكير- اذ به ندعم الذوق وننقله من خاص الى عام. وللتفكير عدة مصادر.
مع هذا الكلام تصبح عملية النقد عملية صعبة وذلك لانها تتطلب جهدا كبيرا ومعرفة ودراسة وثقافة واسعة, فحتى يستطيع الناقد ان يقدم عملا نقديا جادا, عليه ان يتسلح قبل ذلك بجملة من الامور, اهمها كما يشير كل من "د. احمد كمال زكي ود. محمد النويهي ود. محمد غنيمي هلال":
1. ان يفهم نظرية الادب من حيث طبيعته الخاصة وعلاقته العامة بالحياة.
2. ان يحيط بالتيارات الفكرية والنواحي الفنية التي اسفرت عن تطبيق النظرية الادبية- سواء منها مايخص الاجناس الادبية او الصياغة او غاية الادب بوصفه نشاطا يسهم في ازجاء الحلول لمشكلة الانسان.
3. ان يفهم ويدرس علم الجمال والادب العالمي والمقارن, وكذلك ان يفهم أصول المذاهب الادبية كي يكون حكمه نافذا وصحيحا.
4. ان يستعين اسباب الثقافة التي تمكنه من تفسير العمل الادبي وتقديمه للقارىء ليفهمه, وهذه الثافة تتوزع بين التاريخ والفلسفة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس.
5. ان يكون موضوعيا. بمعنى اذا مال الى مذهب فكري أو سياسي او طائفي, فلا بد ان يصدر حكمه عن حياد كامل.
هذه هي الاساسيات التي يجب على الناقد الاهتمام بها ودراستها ومعرفتها معرفة حققية دقيقة كي يستطيع أن يكون ناجحا وجادا, وهي كما تشي ليست سهلة المنال, بل أنها أساسيات صعبة تتطلب العمل الجاد والتضحية والتعب واعمال الفكر. لذلك قلة هم النقاد الذين يصمدون أمامها, وذلك يكون الى كونهم عاملين في حقول أخرى وليسوا متفرغين للنقد, وما النقد عندهم سوى هواية, بمعنى أنه ليس احترافا. من هنا نجد أن الانتاج الأدبي يكثر والنقد يقل, لأن عدد النقاد لم يزدد, بينما ازداد عدد المبدعين, ومن هنا ايضا نجد الركود في الحركة النقدية والموسمية فيها, لان الناقد كي يكتب مقالته النقدية يحتاج الى وقت كبير, الى فراغ, كي يستطيع ان يركز ذهنه بغية الالمام بالعمل المنقود من جميع جوانبه وروابطه وعلائقه.
سبب اخر في رايي له علاقة في ركود حركتنا النقدية وموسميتها هو القضية الشخصية, واعني بذلك العلاقة الاجتماعية الشخصية التي تربط النقاد بالادباء, فنحن رغم كل شيء نعيش في مجتمع صغير, حيث الواحد منا يعرف الاخرين معرفة قوية. هذه العلاقات في احايين كثيرة تشكل عائقا امام العمل النقدي الصريح, بحيث انها تقرر كثيرا في النظرة الى العمل الادبي, وهكذا تبتعد الموضوعية عن نقدنا. واذا اضفنا الى ذلك العلاقات الانتمائية الاخرى كالحزبية مثلا, نجد ان المشكلة تتعقد اكثر. وكل ذلك يمس بمستوى النقد والابداع في ان معا. وكي يتجنب الناقد مثل هذه الاشكاليات نراه يبتعد عن النقد او نراه يساير المبدع دون ان يصارح وذلك حرصا على العلاقة بينهما.
والقضية الاخيرة, بل الاهم والتي تؤثر ايضا على حركتنا النقدية, هي قضية المبدعين انفسهم. للموضوعية اقول: يصيب المبدعون في حقيقة قلة النقد, ولكنهم يبتعدون عن الحقيقة حين يتهمون النقاد بتجاهل اعمالهم, او بتفضيل عمل على اخر, على المبدع ان يعرف ان نقادنا ليسوا متفرغين, كما ان لهم حق الانقائية, لكن هذه الانتقائية لا تعني ان يسقط المبدع فشله او عدم جذب القراء الى ادبه على الناقد. فالمبدع الحق هو الذي يطور ابداعه ولا يركن الى ناقد ما كي يشهره. المبدع الحق يعرف ان طريق الابداع شائكة شاقة في ان, وعليه ان يتحلى بالصبر وان يثابر كما عليه ان يعرف ايضا انه مهما كان الناقد كبيرا وذا شهره فلن يجعل من ادبه سائغا طالما ان هذا الادب يفتقر الى المقومات الاساسية. عليه ان يدرك انه لن ينال الشهرة والنجاح اذا حاول اختصار الطريق او الالتفاف عليه او اذا قفز عن جرن التعميد بالتجارب.
وللاسف اقول ان مبدعينا اليوم يحاولون الوصول الى اعلى السلم دفعة واحدة. دون ان يتسلقوه دلرجة درجة. فكما ان متطلبات العمل النقدي صعبة كذلك هو الابداع, فعلى المبدع ان يقرا ويجرّب كي يطور نفسه تدريجيا. ولكن اين هذا الامر من معظم مبدعينا؟! اذا فحصنا الامر بجدية نجد ان الناقد اذا تطرق الى عمل ابداعي معين لاديب معين وبكل جدية لا يجد ما يقوله عن عمله الثاني وذلك لانه يخلو من كل جديد او تجديد فيهمله ويبتعد عنه خشية التكرار. واذا اضفنا الحساسية المفرطة التي يتمتع بها مبدعونا تزداد المشكلة تعقيدا. فمن المعروف للجميع ان ادباءنا في غالبيتهم لا يتقبلون النقد الجريء والصريح, والجاد, بل يؤثرون عليه المديح والاستحسان. نراهم يفضلون المسايرة والمداهنة على نقد يشير الى العيوب ويؤشر على النواقص. هذه الحساسية المفرطة تضربالحركة الادبية وتجعلها تراوح مكانها. اذ كيف لهذا الاديب ان يعرف اخطاءه وان يردمها في المستقبل, طالما انه لا يقبل الاشارة اليها. اضافة الى ما ذكر يشهد الكثير على ان عددا كبيرا من مبدعينا حين يقرا نقدا سلبيا لانتاجه يغتاظ ويلعن ويشتم الناقد ويتهمه بالسخف والضحالة والسطحية وعدم الفهم. في حين اذا تمعنا في هذا النقد نجد انه لا يجانب الحقيقة.
فكم من مرة شكا فيها ناقد من معاملة اديب ما, كان قد انتقد عمله, لدرجة ان هذا الاديب قطع علاقته معه بالمرة. حدثني أحد نقادنا أن صديقا حميما له من الكتاب المعروفين, كان قد اصدر مجموعة قصصية ورجاه الكتابة عنها, وقد حاول هذا الناقد المسكين التنصل بالكثير من الحيل, ولكن دون جدوى حتى اضطر اخيرا للكتابة تجنبا للالحاح وكان قد أشار في مقالته للايجابيات والسلبيات, ولكن هذا الاديب بعد أن قرأ المقالة اتخذ موقفا عدائيا تشهيريا ضد الناقد.
انها حقيقة تشهد على كم نحن بحاجة الى تطوير انفسنا, وتقبل التوجيه والنقد.
كم نحن بحاجة الى الابتعاد عن النرجسية, فكلنا يخطىء ولا يمكن لعمل ادبي مهما كان مبدعه عظيما ان يصل الى الكمال. انها قضية مقلقة تجعل الناقد وحرصا على علاقته بالاخرين وعلى نفسه احيانا الابتعاد عن هذا الهم- النقد وهكذا نخسر الكثبر.
ان صعوبة العمل النقدي والعلاقات الشخصية وعدم تقبل ادبائنا للنقد عوامل في رايي اساسية ادت وما زالت الى ركود حركتنا النقدية كما ادت ولا تزال الى جعلها موسمية, ومن السذاجة القول: كي تصبح لدينا حركة نقدية متواصلة جادة علينا الابتعاد عن كل ذلك.
اخيرا امل ان يكون هذا الركود الذي نشهده اليوم ركودا انيا من قبيل استراحة المحارب, حيث يتيح للنقاد والادباء على حد سواء النظر والتفكير من جديد في مجمل حركتنا الادبية وفي مستواها ومستقبلها, بغية الانطلاق بسرعة وبزخم.
وهمسة اخيلاة في اذن نقادنا: عليكم ان تعرفوا ان ما تقومون به من اهم بكثير من هذه العلاقة او تلك, اذ انكم بعملكم النقدي تؤرخون لمرحلة هامة من مراحل ادبنا. لذلك عليكم ان تتجاوزوا الحساسيات, عليكم ان تقولوا كلمتكم بشجاعة وبصراحة وبجراة, ولكن بموضوعية, فهذا هو الشيء الوحيد الذي يبقى للتاريخ اما الاشياء الاخرى فتذهب هباء

حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية

drhbolus@yahoo.com



الخميس، مارس 26، 2009

إنتصار الحقيقة

عـادل عطيـة

اللغة ، هى أداة التواصل بين الشعوب ..
وبين الإنسان ، والانسان .
البعض ، يتعامل مع اللغة :
بإحترام وتقدير ،
وبحب كبير ...
فيحافظ عليها ، وينميها ، ويسمو بها !
والبعض ، يخترع لغة خارج السياق العقلي ،
والإنساني ..
يصدق فيها ماقيل ، يوماً ، لأبي تمام : " لم لا تقول ما يفهم ؟ " !
والبعض ، يتعامل معها :
بخسة ، ونذالة ، وبلا أمانة..
فيزوّر مدلولات كلماتها التي تدل على معانيها الحقيقية ،
من اصلها إلى ضدها :
كأن يطلق على الجميل : دميم
وعلى الحق : باطل ...
وكأننا لا نزال نقرأ قصة الأب ،
الذي يبغض من كل قلبه : النساء ..
ويخاف على ابنه الوحيد ،
من غوايتهن ..
فاعتزل به عن أهل العالم .
وذات يوم ..
وبعد رجاءات ،
وتوسلات عديدة ...
اصطحب الوالد ابنه إلى المدينة ؛
ليشاهدها ..
كان الابن يشير على الاشياء التى لم يرها من قبل ؛
ليتعرّف إليها لأول مرة ..
إلى أن رأى امرأة جميلة ،
فسأل عنها ،
اجابه الأب ، بلهجة ترهيبية : انها " الشيطان" !
فلما عادا ، آخر النهار، إلى منزلهما ..
سأل الأب ابنه ،
عن أكثر الاشياء التي رآها ،
واعجبته ..
اجاب الابن ، بلا تردد : " الشيطان " !
أليس هذا ما يفعله المسلم تجاه لغة قرآنه ،
والتى يعتبرها : لغة جنته ؟!..
ألا يشير على المؤمنين المسيحيين ،
ويسميهم : كفرة ..
فإذا باحدهم – عندما يكتشف حقيقتهم – ، يعلن :
إذا كان هؤلاء الناس، هم : الكفرة ؛
فانني أرغب أن أكون : كافراً !
وألا يشير على كتابهم المقدس ،
ويصفه بالمحرّف ، والمزيّف ..
فإذا بأحدهم – عندما يكتشف سماويته - ، يقرّ ، ويعترف :
إذا كان هذا الكتاب على تحريفه ، وتزييفه ..
بهذه العظمة والفخامة ،
فانني اعتبره : كتاب الكتب !
وألا يشير على المجتمع الغربي ، قائلاً :
أنهم ، أهل : قبح ، وضلال ..
فإذا بالمستنيرين ،
والمنصفين ،
يصرّحون :
إذا كان هؤلاء الحضاريون ،
والمبدعون ،
والذين يمنحون بفرح ،
وكرم :
تقنياتهم للدول المتخلفة .
ومعوناتهم للشعوب الفقيرة ...
هم : أهل قبح ، وضلال ..
فاننا نتمنى أن نكون ، مثلهم :
على قبحهم ..
وعلى ضلالهم المبين !
وألا يشير على اليهودى ،
ويسميه : الخنزير ..
فإن كان أكثر اعظم العقول البشرية :
.. يهوداً .
فمن منا لا يريد أن يكون هذا الخنزير ؟!...
،...،...،...
قد يغيّر المسلم معاني الكلمات ،
ويبدّل مدلولاتها الازلية ،
ولكن تبقى الحقيقة :
.. هى الأكثر ابهاراً .
.. والأكثر عظمة .
من وراء افتراء أقبح الصفات !
adelatiaeg@yahoo.com


رواية حازم يعود هذا المساء لنبيل عودة تطرح المأساة الفلسطينية بجانبيها الذاتي والعام

نور عابد ـ النيبالي

naqed2000@gmail.com

منذ ما يزيد عن سنتين ، اثناء تواجدي في مدينة القدس لأنهاء بعض قضايا الأملاك .. أهداني محامي من الناصرة يعمل في القدس روايتين لكاتب كثيرا ما قرأت مقالاته النقدية والسياسية وقصصه على مواقع الانترنت هو الروائي والناقد والكاتب السياسي الفلسطيني نبيل عودة الذي يعيش في مدينة الناصرة داخل مناطق فلسطين 48. و قد وضعت الروايتين على مكتبي ، وكنت دائما اؤجل قراءتهما وكدت انساهما ، الأولى هي " حازم يعود هذا المساء " والثانية " المستحيل" . اذ انشغلت بقراءة روايات كتاب عرب وغير عرب من المعروفين.
وغير مرة حاولت فتح صفحات احدى الروايتين ، ولكني عدت وتراجعت متخوفا أن أدخل في قراءة مملة ، حيث ان الرواية العربية داخل مناطق ال 48 ، وبشهادات نقاد محليين ، وشهادة الكاتب نبيل عودة نفسه في مقال نشره قبل وقت قريب ( عن مشاكل الجانر الروائي في ثقافتنا المحلية )، ما تزال تعاني من الضعف وراء الرواية العربية.. ولم يتطور بعد هذا الجنس الروائي في الأدب العربي في ثقافة عرب الداخل ..ووصف معظم ما انتج من أعمال روائية بأنها مجرد تجارب
الدافع الذي أقنعني أن أبدأ بقراءة احدى الروايتين ، مقال نبيل عودة نفسه ،الذي قرأت له الكثير من القصص القصيرة الجميلة والمصاغة باسلوب فني لا يقل عن مستوى القصة القصيرة العربية أو الأجنبية، بل ولقصصه الأخيره نكهة مميزة تماما ،كذلك قرأت له كتابات نقدية وفكرية حول الأدب في فلسطين 48، والسؤال الذي ظل عالقا في ذهني ، هل باستطاعته صياغة نص روائي بنفس مستوى القصة القصيرة؟

في مقالة المذكور عن مشاكل الجانر الأدبي - أو الجنس الأدبي لغة عربية صحيحة ، يصيغ تجربته وفكرته عن تركيبة الرواية وأهمية اللغة الروائية ، وهو ناقد معروف ، وحاد في نصوصه النقدية ، وأحيانا أشعر انه استفزازي لا يتردد في في التعير عن مواقف تغض الآخرين... وتثير مقالاته ردود فعل متنوعة... بل ومعارك على صفحات المنتديات التي اتابعها ، وبعضها تحول الى هجوم شخصي على نبيل عودة نفسه ..

رواية :" حازم يعود هذا المساء "


أعترف ان قراءة الرواية الأولى التي اخترتها( حازم يعود هذا المساء) نقلتني من صفحاتها الأولى الى مفاجأة لم أكن أتوقعها، شعرت كم نحن متعسفين بنظراتنا المسبقة .. اذ وجدت نفسي أمام عمل روائي مبني بمتانة وقوة ، ولغة روائية مدهشة ، تثير الارتباط والتوقعات بحيث يظل القارئ بحالة ترقب واشتياق شديد لمعرفة الألغاز التي ينثرها الكاتب في تفاصيل ما يرويه ، مبقيا كل المفاجأة السردية ، وليس فقط النهاية الروائية ،الى السطر الأخير.
فاجأني بلعبته السردية وتكنيك صياغةالرواية،والقدرة على الدمج بين اللغة والحدث بتطابق كامل ، ناجحا باخفاء النهاية حتى الجملة الأخيرة تماما. بحيث يظل القارئ متوترا متوقعا المزيد .. اذ لا يمكن ان تنتهي هذه العاصفة الروائية بجملة تفيدنا أن الظهور غير العادي لحازم ، بطل الرواية ، للكاتب - الراوي ، صديق البطل من أيام مضت .. كانت مجردأحداث تدور في اطار حلم ... أيقذ في الكاتب واجبة لكتابة قصة صديقه التي داعبت فكره لعقد كامل ، كما جاء في مقدمة الرواية .
حازم يعود هذا المساء هي قصة حب فلسطينية فريدة من نوعها وفكرتها ، لم يكتب لها ان تكتمل ، ولدت عشية الماساة ،وتواصلت في رحم المأساة دون ان تثمر عن ولادة جديدة ،أو اكتمال للتمني . انما مأساة تجر مأساة حتى النهاية الميلودرامية ، كانعكاس للواقع الفلسطيني النكبوي .. الأمر الذي أعادني لقرائة افتتاحية المؤلف وتسجيلها :

"هل يكتمل الحب بلا وطن ؟
وتكتمل الآمال بلا بيت ؟
وتكتمل الأحلام بلا ملاعب الطفولة ؟
ويجد الانسان غايته , بعيداً
عن عرائش صباه ؟!
ويتمتع بالراحة , في مجتمع ..
القيمون عليه لصوص ؟!

*****

هل تسمى حياة , هذه الملعونة ....
أمام خرائب شعبنا ،
بظلال تاريخنا المهدم ...
وحاضرنا المنفي ...
وثقافتنا المصلوبة بين اللصوص ،
وحضارتنا المسروقة ...
ودمنا النازف باستمرار ؟؟!!

*****
اذن ...
ما هو الحب ؟!
وما هي الحياة ؟!

*****
هل يوجد حب
بلا وطن.. ؟!
هل توجد حياة
بلا وطن .. ؟!"


اذن قصة حازم وأمينة رواية أعمق وأطول من فكرة الحب العذري للشابين ابني يافا وبحرها .. يافا الفلسطينيةالمغتصبة ..الكاتب لم يقصر روايته على بطله حازم ومعشوقته أمينة. بل خاض لجةأحداث التاريخ على خط مواز لقصة الحب ..وكأنه يكتب قصتين بنفس الوقت . حازم وأمينة العاشقان ،ويافا كرمز لفلسطين والعاصفة الهوجاء التي اقتلعت الانسان الفلسطيني من حياته وتاريخة وبحره وقهوته وسمكه وحبه وبيته وسهراته وذكرياته ووطنه ..
ربما علينا ان نشير الى ان الصداقة التي ربطت الكاتب بشخصية حازم الحقيقية في الحياة ، كانت وراء هذا الانجاز الروائي المميز عن نكبة الشعب الفلسطيني.
نجد ان الكاتب نجح بالدمج بين الخاص والعام ، بين الفكرة القصصية والنص اللغوي . بحيث يكمل أحدهما الأخر دون ان يتجاوز الحدود المرسومة بدقة واحساس مفرط من الكاتب لأهمية اللغة في بناء الحدث الروائي ، ولأهمية اختيار التكنيك في تركيب الأحداث وصولا الى تصعيد حذر ومتواصل ، يعمق ارتباط القارئ ببطلي القصة ، ليصعقنا ، أجل يصعقنا بنهاية لم تكن متوقعة ، نهاية مأساوية للبطلين . وكما يقول في افتتاحية المؤلف:


" هل يكتمل الحب بلا وطن ؟
وتكتمل الآمال بلا بيت ؟
وتكتمل الأحلام بلا ملاعب الطفولة ؟
ويجد الانسان غايته , بعيداً
عن عرائش صباه ؟!"

للكاتب اسلوب أخاذ ، ومقدرة سردية جميلة ، ولغة تشد القارئ بدراميكيتها.. عبر خلط أدبي يضلل القارئ ويثير دهشته ورغبته لمعرفة ما وراء السرد المبهم ،والمثير في تفاصيل بنفس الوقت، لظهور حازم الغريب .
وهل يعود من غادروا ؟ كما يكتب ، ولكنه لا يوضح فكرة المغادرة .. والى أين غادر حازم ؟ يتركها لتأويلات القارئ، مثيرا عدم اليقين في ما يجري من مشاهد ، مستعملا العودة الى الذاكرة ، لسرد التفاصيل ، التي لا يكشف جانب من جوانبها الا بعد أن يدخل القارئ لجوانب مثيرة أكثر ومجهولة أكثر..وهو يستغل هذا التكنيك ليواصل رسم شخصية حازم الروائية .. وهذه الشخصية تكاد تكون جزء من عناصر الدهشة الروائية التي يقودنا الكاتب عبر مساراتها مثيرا توقعاتنا المخلفة.. ومثيرا أكثر التنبؤ المحتمل .. ترى هل نجحنا في التنبؤ المحتمل لما يقودنا اليه الروائي في نصه ؟
لا يتركنا معلقين .. ويعود الى الذكريات ليستكمل الصورة ورسم الشخصية ، ويملأ الفراغات التي يبقيها قصدا ليبقى القارئ على شوق لكشف ما خفا مثيرا دهشته أكثر ومعمقا ارتاطه بأحداث الرواية ، لاعبا بدوافع القارئ الطبيعية للتنبؤ بالآتي .. وكأني به يدفعه ليتنبأ .. وليتوقع الحدث القادم .. وعبثا نحاول ان نتنبأ ، الا ان الوقائع تجيء عكس توقعنا ، بل وتفاجئنا بصعوبة فهم هذه المأساة التي لا تنتهي ، وبذلك يربط الذاتي ( الخاص ) بالعام ، الذاتي ( الخاص) لحازم وأمينة بالعام لشعب حازم وأمينة الذي تتواصل مأساته.. يقودنا من مجهول الى مجهول..الى صورة تكاد تتضح ، لنكتشف انه أدخلنا كقراء في دوامة جديدة ، حتى الجملة الأخيرة في الرواية..
هذه اللعبة الروائية تذكرني بنظرية لعالم النفس الشهير فرويد ، حيث يقول ان الشخصية تتكون من ثلاثة عناصر : " هي – انا – وما فوق أنا " ويعرف "ما فوق أنا " بأنه الدافع غير الواعي ، وهي قوة مستترة داخل الانسان، لا يدركها ، ولكنها توجهه . وفي حازم يعود هذا المساء أظن ان الروائي نبيل عودة نجح بتوظيف " ما فوق الأنا"بحيث يحرك القارئ دون أن يجعله يدرك الى اين يوجهه ..أهو النص أم الحدث أم المأساة المتجلية ؟ الى جانب العنصرين "هي "، وتمثل الشحنة التي تدفع الانسان وتنشطه وتحركه بطاقة كبيره ، الى جانب ما تمثلة ال "أنا" من عنصر اجتماعي ... لبطل ليس سماوي ، بل ابن الأرض .. ابن الحياة ..ابن المجتمع البشري ، قد يكون أي واحد منا ، والأسم هو رمز ليس الا .. ان دمج التشكيلات الثلاث يشكل محورا في الاسلوب المتميز لهذا النص الروائي... القصير ولكنه الملي بالشحنات المتفجرة والمؤلمة ، التي توصل القارئ قريبا من البكاء العلني او البكاء الصامت.
الكاتب لم يقحم نفسه في مضمون الرواية ، رغم انه كان العامل الحاسم في ايصالها لما وصلت اليه. وبدون ذلك تبقى قصة عادية ..
في الواقع من الممكن ان نضيف ان ما حدث للكاتب الراوي ، ودوره في اكتمال الرواية لما وصلت اليه ، يمكن أن يكون رواية أخرى لها مسارها المختلف الى جانب حازم وأمينة بطلي رواية" حازم ... "
بالطبع هناك فجوات قليلة في النص .. ويبدو ان الكاتب اندفع ليكتب نصه بحماسة غير عادية كما يعترف بمقدمته للرواية.اذ انها رواية عايشها بتفاصيلها .. وساهم بايصالها لما وصلت اليه .. وهذه يلمسه القاريء من تعاطف الكاتب مع بطله .. تعاطف نادرا ما نجده في الأعمال الروائية ، ولكنه تعاطف حذر لم يشكل ثغرة فنية تضر بمبنى الرواية (النوفيلا ) ولغتها وتكنيكها تجعلها رواية لا تنسى بسهولة ، تبقى عالقة في الذاكرة .. لدرجة ان صوت حازم وهو ينادي أمينة يجلجل في أذني كلما استعدت تفاصيل الرواية .. والتفتُ أحيانا لأرى مصدر الصوت ، فلا أجد الا الصمت المدوي.. وكأنه صمت الاحتجاج على استمرار الماساة .

(نيو كاسل - استراليا )

قَـامَـتْ لِـتُـصَــلِّي

محمد محمد على جنيدي


قَامَتْ لِتُصَلِّـي الْفجْـرَ
تَدْعُو وَجْـهَ الرَّحْمَـنِ
في لِيـلٍ طـال بِحَـرٍّ
يَكْتُمُ أنْفـاسَ الْجـانِ
فَتَحْتْ شُُُرُفَاتِ الْبَيْـتِ
وَجَدَتْ أطْنـانَ دُخَـانِ
تَسْرِي بِفَضاءِ الْكَـوْنِ
سَمِعَتْ صَوْتَ الْغِرْبـانِ
ونَهِيقَ حِمَـارٍ يَجْـرِي
لا يَعْـرِفُ أيَّ مَكـانِ
آتَـتْ مِذْيـاعَ الْبَيْـتِ
تَرْجُو شَـدْوَ الْقُـرْآنِ
صَوْتُ التَّرْتِيـلِ بَعِيـداً
يأتِي مع بَعْضِ أغانِ !
يَـا أُمَّ صَـلاحٍ أنْـتِ
راحِلَـةٌ بَعْـد ثَــوانِ
هَلْ هَذا الْخَاطِـرُ حَقّـاً
أمْ تِلْكَ وَساوِِسُ جانِ ؟!
آتَـتْ تِلِفـازَ الْبَيْـتِ
فَبِـهِ كُـلُّ التِّبْـيـانِ
دَارَتْ قَنَـواتُ الـدِّشِ
عَرِفَتْ سِـرَّ الْأحْـزانِ
أوَ تِلْكَ رُعُـودٌ فَوْقِـي
أمْ ذَا صَوْتُ الْبُرْكانِ !
نَظَرَتْ بِعُيُـونٍ تَعْلُـو
طَلَقاتِ فُجُورِ الْجَانِـي
فـإذا فِتْيـانٌ تَجْـرِي
والذُّعْـرُ بِكُـلِّ مَكـانِ
أطْفالٌ تَحْمِـلُ بعضـاً
يَقْتُلُها ابْـنُ الْحَيَـوانِ
وبُيُوتُ الْقَوْمِ الصَّرْعَى
أضْحَتْ كَجِبالِ دُخَانِ !
الْقَـذْفُ الآن عَلَيْـنـا
يَجْرِي فَـوْقَ الْبُنْيـانِ
يـا أمَّ صَـلاحٍ أهْـلاً
هَذِي بُشْرَى الرَّحْمَـنِ
لَحَظاتٌ خَـار السَّقْـفُ
مَالَـتْ كُـلُّ الْجُـدْرانِ
قَالَتْ لِصَغِيـرٍ يَبْكِـي
ما أنْتَ الْيَـوْمَ بِفـانِ
قُمْ مِنْ تحت الْأنْقـاضِ
لا تَسْمَعْ نُصْحَ جَبـانِ
لَوْ أنِّي وُهِبْتُ لِعُمْـرِي
مِنْ رَبِّي بَعْضَ ثَـوانِ
سَتَطِيرُ حِجارِي عَلَيْهِمْ
تَرْشُقُ عَيْنَ الطُّغْيـانِ
انهـار الْبَيْـتُ وَلَكِـن
سَكَنَتْ رُوحَ الْجُثْمـانِ
قُبْلَةُ أحْضـانِ الطِّفْـلِ
تُؤْنِـسُ أُمَّ الشُّجْعـانِ
ابن الرَّاضِيَـةِ مُعافَـى
أنْجَتْه قُـوَى الإيمـانِ
وانْطَلَـق بِـحَـوْلِ اللهِ
يُشْعِلُ قُـدْسَ الْمَيْـدانِ
لن تَسْقُطَ رَايَـةُ حَـقٍّ
مَهْمـا مَـرَّ بِأزْمَـانِ


اختيار من ديواني / عاشق الزمن الجميل

أسرار عطرية

نائلة خطيب – عودة الله
أريدُه للحظة معي
تلتهمنا أضواءُ تمتصُّ مخازنَ الكلمات
وتستسلمُ خطواتنا للشارع الممتدّ مع الطريق
صوته لا يقعُ
لكنَّ أحزاني الكثيرة - تمشي معي
تصلني بانبعاثها الذي يتداخلُ في عيني
فتقلقه .
صوته يأخذُ بيدي
وعطري يسافرُ معه
ويتعثر بي مرة بعد مرة
يضمُّني بشدّة
ويضحكُ ملءَ موته
___________

يتجمّعُ حولي فأفقدُ عطري تماما
أفقدُ وقوفي
ما حاجتي للعطور لو كنتُ غريبة هنا؟
لكنني سأقضي الليلة تحت وسادته
سيسندُ رأسه على كتفي
لذلك سأحتاجُ عطرا مميّزا جدا
أُخبِئُهُ في أسفل الخزانة
هو له فقط
وفي الصباح
أضعُه بحذر في حقيبتي
هو لا يعرفُ أسراري الكثيرة
وقد أمنعُه أنْ يطلَّ من نافذتي أحيانا كثيرة
أقومُ بفرز أشيائي بسرعة
ثم أغلفُ رسائلي بغطاء
وبحركة غير عادية
بفرحة مباغتة
أصير أنثى
أتمادى في إيلامه
لأنني
لا أملكُ شروحا لمراوغتي؟.

الأربعاء، مارس 25، 2009

صباحكم أجمل/ سحر القاهرة





زياد جيوسي


من داخل قلعة محمد علي في القاهرة
بعدسة زياد جيوسي


يوميات من القاهرة 2

هي القاهرة المدينة الحلم، مدينة تمتلك سحراً لا يقاوم، فأشعر كم كانت عمّان ورام الله مصيبتان بخوفهما عليّ من هذا السحر، فشاركتاني قصة عشق جديدة لمدينة كنت أحلم بلقائها، فتحقق الحلم وصرت أخشى أن أكون ما زلت أحلم، فأصحو وأجد نفسي قد عدت من الواقع الى الحلم.

تأسرني القاهرة في زيارتي الأولى فتدخل القلب وتسكن فيه، تشارك معشوقاتي الأربعة سكن القلب، فتأخذ حيزها بجوار رام الله وعمّان، بغداد ودمشق، وكنت قبل أن أحظى بزيارتها ولقاء الحب والحلم، أقول دوماً لأصدقائي وأبنائي: مصر كانت وستبقى قلب الأمة وتاريخها، عبق الحضارة والتاريخ، الفن والأدب، تفرد جناحيها يمنة ويسرى، فيشكل الوطن الممتد أجنحة الحلم والصقر المحلق.

حين كنت أمتطي مركب النيل متأملاً جماله وأنا في عبابه، التقط بعض من صور الجمال، كانت روحي تحلق، كنت أرى فيه وجه طيفي الجميل يفرد شلال شعره على ضفتيه، كانت روحي تستمع لعزف التاريخ الذي مر من هنا، يعزف أنغامه على القيثارة المصرية الفرعونية القديمة، يغني ويقول: يا ضفاف النيل..، حتى أني تمنيت لو استمر المركب الذي يحملني برحلته أبداً لا يتوقف.

التجوال في شوارع القاهرة له نكهة خاصة لمن لا يعرفها ويلتقيها لأول مرة، فأخترت ميدان طلعت حرب ليكون نقطة البدء، في تجوالي في الشوارع والمدينة سيرا على الأقدام، لمعايشة المدينة ومعرفتها، للتحليق بما تحمله المباني من علائم عبق تاريخها وحكاياتها، فأقف اتأمل المباني وخاصة التي تحمل بعض من القدم، أشعر بجدرانها ، نوافذها الجميلة التصميم والابداع، شرفاتها تهمس لي بحكايا وقصص كانت شاهدة عليها، فالجمال في المكان هو أن يروي لي الحكاية، أحادثه وأهمس له ويهمس لي، وأعبر عن همسنا برسمه بالكلمات، لذا حين تجولت في كل الشوارع المنبثقة من ميدان طلعت حرب، ويشكل الميدان نقطة لقائها المركزية، اتجهت الى ميدان التحرير ومن هناك الى باب اللوق واخترت مقهى شعبي بسيط وجلست للراحة واحتساء القهوة والكتابة، التعبير عن المشاعر التي تملكتني في جولتي الأولى المنفردة في شوارع القاهرة.

وحين تجولت سيراً على الأقدام على ضفاف النيل، لم أشعر بالتعب أبداً، كنت أجلس في الأركان والدروب، أخرج عدسة التصوير والتقط بعضاً من الصور، أسجل في دفتري بعض من مشاعر الجمال، فهو النيل وسحر القاهرة، عبق النيل يحمل في أنفاسه التاريخ، الحب، العشق، الجمال. وبقيت أجول حتى العصر حتى أنهكني التعب، فالتقيت بخالد وذهبنا الى مطعم متميز جميل الشكل متميز بالخدمة، مطعم اسمه فلفلة قريب من ميدان طلعت حرب لأتناول فيه أكلة مصرية جميلة وطيبة، مطعم له ذكرى في القاهرة وجمال، متميز بتصميمه الشرقي الداخلي وإسمه، لنغادر ونجول قليلا في الشوارع القريبة، ثم يغادرني الرائع خالد في الميدان ليكون لي لقاء مع انسانة رائعة لم التقيها منذ سنوات طويلة، اتصلت بها وأصرت على دعوتي لتناول القهوة في أحد الأماكن الجميلة، لألتقي بعدها بكاتبة فلسطينية تكمل دراستها في القاهرة، تجمعني بها مشاعر أبوية وصداقة لطيفة، فيكون جلوسي الأول في مقهى جروبي الشهير، لألتقي بعدها عدة أصدقاء من زملائي الكُتاب.

في اليوم التالي وهو اليوم الثامن عشر من آذار كنت على موعد مع إنسان رائع ومتميز، تعارفنا في رام الله وتصادقنا خلال مهمة اعلامية له، كان لقائي المتميز مع الاذاعي ومقدم العديد من البرامج في صوت العرب، الصديق والأستاذ يحي حسن، لقاءٌ حار بعد عام كامل لم نلتقي فيه، وكنت حين ودعته في رام الله والتي لم أكن أستطيع مغادرتها منذ عشرسنوات، قد قلت له: لقائنا القادم سيكون في القاهرة، وأستغرب عندها من قولي وأملي أن أحقق الحلم وأزور القاهرة رغم كل ممارسات الاحتلال وحجب الهوية عني، وحين اتصلت به من القاهرة وقلت له: صديقي يحي صباحك أجمل من القاهرة، شعرت به يطير من الفرح، فكان اللقاء الحبي الأجمل وبرنامج في غاية الروعة رتبه لي، فزرنا مجرى العيون ترافقني عدسة التصوير في كل نقطة نمر عليها، فتأملت هذا البناء الممتد ويحمل عبقا من تاريخ وجمال، والذي كان يحمل المياه ويوزعها للمناطق على جدران حجرية ضخمة، تحمل في أعلاها مجاري العيون وتحتها قناطر جميلة الشكل والتصميم، لنكمل الطريق إلى القلعة التي تحمل شهادات لا تتوقف عن سحر هذه المدينة، شهادات عن تاريخها، فوقفت بدهشة اتأمل نواحي القلعة قبل أن أجول فيها برفقة صديقي يحي حسن، فشعرت بالتاريخ يندفق شلالا أمام عينيّ، وفي هذه اللحظات كان الصديق الغالي جمال شحاتة يتصل من الاسكندرية وتحادثني روحه عبر الكلمات، ويتحدث مع يحي الذي لم يلتقيه ويوصيه عليّ، فزادني من حب مصر حباً وحروفه تندفق من روحه.

بعد أن تجولنا في شوارع القلعة كنا ندخل المتحف الحربي، وفي ساحته كنت أعانق طائرات شاركت في حرب تشرين وبعض من آليات ومدافع، فأعادتني إلى لحظة من لحظات المجد المعاصر القليلة، فعادت بي الذاكرة للبطولة والتضحية التي أثبتت قدرة المقاتل العربي لو أجادت السياسة دورها ولعبتها، وتذكرت دمشق التي كنت في إبان الحرب فيها، وأصدقاء استشهدوا وروت الأرض دمائهم، فترحمت على الشهداء جميعاً، فهم كانوا وسيبقون أكرم منا جميعاً، واتأمل المدافع القديمة فأرى فيها إشراقة تاريخ وذكرى أجداد قاتلوا وناضلوا، وأسمع المدافع في صمتها تصرخ ألماً على صمت المدافع من أحفادها، والأوطان تغتصب والقدس تأن الماً، والمدافع صامتة وشعب يذبح، وإحتفالية ناقصة بقدس عاصمة للثقافة العربية، والقدس محرومة منها، والعشرات إن لم يكن أكثر حرموا من التعبير عن انتمائهم للقدس.

أجول المتحف الحربي الذي تروي كل زاوية فيه قصة وحكاية وتاريخ، فيتمازج الألم مع الفرح، والماضي مع واقع مؤلم، والحلم مع المستقبل، فنغادر المتحف بعد جولة طويلة لنعانق آثار مسجد قلاوون، فأشعر بكل حجر من الحجارة، بكل زخرفة بقيت، بالمآذن والمنابر، تروي الحكاية من جديد، تحلم بالآتي والحلم، ليحضننا مسجد محمد علي الكبير، فأصلي تحية المسجد كما اعتدت في كل مسجد يضمني في رحابه، فأجول بين الباحة والمسجد أستمع لحكايات التاريخ وروايته، لهمس الأجداد وألمهم على ما وصلنا إليه من حال، ومن ساحة خلف المسجد تعانق روحي القاهرة من هذا الارتفاع للقلعة، فلا أترك زاوية بدون صورة، لنخرج باتجاه مقراتحاد كتاب مصر، فأسعد أن يكون للاتحاد مكانا في القلعة وقاعة ندوات وساحة احتفالات، فتتمازج الثقافة والكتابة والشعر مع عبق التاريخ وحكايات من سلف، فتشكل قاعدة لحلم مستقبلي نحلم به، فنغادر القلعة بعد التجوال الطويل لأعانق رحاب أخرى من رحاب القاهرة مع صديقي يحي وصوت العرب من القاهرة، فأهمس لرام الله وعمّان وطيفي: نعم إن سحر القاهرة لا يقاوم.

صباح معبق بسحر القاهرة، تجالسني رام الله وعمّان وتنضم اليهما بغداد ودمشق وطيفي، نتسامر مع القاهرة في صباحها الجميل، نحتسي القهوة العمّانية الجميلة التي قدمتها لنا أحلام نحلمها معاً، نستمع لشدو فيروز:

" فوق هاتيك الربى في صفاء مقمر، ردد الليل ندائي يا حبيبي أنت لي، فوق هاتيك الربى في نعيم مسكر، رجّع الطير غنائي لحنين الجدول، أنت لي أحلى أماني و أحلام شبابي، أنت لي شوق البوادي المنسيات العذاب، أنت لي عمر الندى في الربيع المزهر، أنت لي فيض الهناء و صفاء المنهل".

صباحكم أجمل.

ماهر الخير يتخطى الحداثة ويقدِّم أشعاره بلوحاتٍ راقصة تذكّر بجبران وماتيس والحركة السريالية





تحدّوا العاصفة التي ضربت سيدني مساء 14 آذار 2009، وجاؤوا من كل حدبٍ وصوب، البعض من كانبيرا والبعض من أديلايد، وثمةَ من مارلبورن وآخرون من سيدني، ومن جنسياتٍ لبنانية وعربية مختلفة.
البعض وصل مبتلاً الى مسرح الريفير سايد باراماتا، موعد الأمسية المنتظرة لتوقيع ديوان: "رقصة أخيرة فوق بحيرة كانبيرا" للشاعر ماهر الخير (قنصل لبنان في كانبيرا).
لا أحد يريد أن يفوته هذا الموعد، لا سيَّما أنَّ الشاعر من المعروف عنه بتقديم أمسياته بطريقةٍ جديدةٍ مبتكرة، مستخدماً الصوت والصورة والضؤ والإيقاع الحركي والموسيقى التصويرية وغيرها من التقنيات الفنيّة الحديثة المعاصرة، هذا وكان الشاعر قد قدَّم ،الشهر الفائت، تظاهرةً شعريةً ضخمة، بالتعاون مع مجلس السفراء العرب ومهرجانات التعددية الثقافية الوطني في العاصمة الاسترالية، تظاهرة لأشهر شعراء العالم العربي وذلك ضمن إخراج فنيّ مبدع صفَّق له المسرح الكبير في كانبيرا.
لذا فإنّ الغيابَ عن إحتفالية ماهر الخير سيحدث غصَّةً لدى الغائب، فتهافتَ الجمهور الى قاعة المسرح من شعراء وأدباء وإعلاميين ودبلوماسيين ودكاترة من الجامعات الاسترالية، وراحوا يدخلون على إيقاعات موسيقية شرقية وضؤ أرجواني خافت، في حين صورة الشاعر بالأسود والأبيض تغطي خلفية المسرح كاملةً، ممّا أضفى جوَّاً حميمياً هادئاً وكأنه يبشّر بأن العاصفة الشعرية ستهبّ قريباً على الحضور... ثم فجأةً غرق المسرح في الظلام ليُضاء من جديد على نغمات: "مرايا" نغماتٌ مهمهمةٌ ترافق مقدمة الإحتفال المذيعة المتألقة: "مابال خواجه" التي حيَّت الجمهور قائلة: "الليلة تدخل كانبيرا بوابة الشعر العربي، أميرةً شرقيةً للتتمدد على أريكة القوافي والايقاعات الشعرية المتراقصة..." وبإسم سعادة قنصل لبنان في كانبيرا الأستاذ ماهر الخير قدَّمت تحية شكرٍ الى كل من ساهم في تقديم هذا العمل، سواء من أمام الكواليس أو من ورائها، وخصّت بالذكر سعادة سفير لبنان لدى أستراليا الدكتور جان دانيال ورئيس بلدية باراماتا الأستاذ طوني عيسى، الدكتور أحمد شبول، الدكتورة نجمة حجار، الدكتور رغيد نحاس لنقل بعض قصائد ماهر الخير الى الانكليزية،الأستاذ خالد الأسمر والشاعرة الاسترالية آن فيربيرن.
ثم كانت كلمة البداية للسفير جان دانيال وقرأها دكتور اللغة العربية في جامعة غرب سيدني الدكتور عصمت الأيوبي ، وجاء فيها:

كلمة السفير جان دانيال

دبلوماسيٌّ جمعَ في شخصِهِ مواصفاتِ رجلِ الوفاءِ والثقة والتقدير.
إختزنت نفسُهُ نبلَ التعاطفِ والإبداع الأدبيّ والشِعري.
عرفته زميلاً نشيطاً في السفارة، يعمل بإخلاصٍ لخدمة المواطن والوطن، إنه الشاعر ماهر الخير.
شعر ماهر يتسمُ بنهجٍ خاص به، أسلوبُه الإنسيابي يجعل القارئ يعيش معه صفاءَ الكلمة الحلوة والنسمة الرقيقة والدمعة الشفافة.
إنه إنسانٌ حالم مليءٌ بالرجاء والمحبة والإرتقاء الى مثاليات لا يعرفها سوى الشعراء والفلاسفة.
لقد عرف كيف يلج الى قلوب القراء محاولاً إرشادهم الى ماهية الجمال والعشق والشوق الى الحبيب.
إنطلق من مدار المحبة الى مدى الدنيا، لا يرى فيها سوى الخير المطلق.
فكلماته الوجدانية يتلذذُ بها الناس، كما يتلذذون برقصة العاشق الوحيد إكراماً لحب هوى وتهاوى معه هيكلُ الحِرمان.
إستنطق ماهر الخير الحرفَ شِعراً فجعله "يهزُّ النجم المعلّق على خدِّ الإله، يحاولُ أن يستثيرَ الملائكة المختبئة خلف أحجار وأشجار وأقمار" ما أحلى تلك القصيدة وهي ترقص رقصتها الأخيرة فوق بحيرة كانبيرا.
يغوص فيها فيجمع دُرَرَها حرفاً حرفاً، فيحوِّلها قصيدة نادرة تخلِّده في عالمِ الشعر والوجدان.
وإن جاءت الكلمة المجنَّحة المبدعة تخاطب شاعرنا ماهر فإني أنشدُ معها نشيد القلب.
لك كلُّ تقديري ومحبَّتي."
كلمة اللورد مايور طوني عيسى
ثم كانت كلمة لرئيس بلدية باراماتا الأستاذ طوني عيسى رحَّبَ فيها بالحضور وحيا الشاع الخير معتبراً إياه رمزاً للتجديد والابداع في الشعر العربي لتقديمه القصيدة بطريقة مسرحية إستعراضية جديدة في نوعها ولونها وايقاعها. وقال: ماهر الخير شاعر مسح وجع الكلمات بمنديل قصيدته، ورقص بين حروفها آخر رقصة...ماهر أضأ عتمة الليل بقنديل شعره وكسر حواجز القوافي، وصار من حق الكلمة أن ترقص فوق البحيرة. ماهر أعطى الشعر هوية جديدة، بمفهوم جديد، بعرض موسيقي استعراضي جديد.. ثم تلا:
أرقص على الأهداب أنت يا قمرُ/ ماهر انت وبالشعر أنت ماهرُ
لملم غبارَ الحُبِ عن وجه السما / فآخر رقصة فوق البحيرة / في عيونك تسهرُ...
كلمة الدكتورة نجمة حجَّار
أما الدكتورة نجمة حجّار (دكتورة اللغة والآداب العربية في جامعة سيدني) فقد قدّمت وبأسلوب مثير دراسة تحليلية حول ديوان ماهر الخير، فتحدّثت عن اللون الأزرق الحاضر بقوة في ديوانه، وعن الحُبّ الجارف والحارق في قصائده، وعن تأرجحه بين الخيبة والرجاء، وبين النور والظلام، ثم انتصار الحب والامل على الألم في الختام...متمنيةً أن تكون دراستها التحليلية قد أيقظت الرغبة لدى المستمع بأن يكتشف عالم ماهر الخير الشعري الجميل.
كلمة البروفسور أحمد شبول
أما البروفسور أحمد شبول( دكتور الدراسات الاسلامية في جامعة سيدني) فسلطَ الضوء على الشعر وماهيته من منظور كبار الشعراء والأدباء. وقال إنه يوجد حبلٌ سريّ غامض يربط الشعر بالذاكرة والطفولة، وإنّ أفضلَ الشعر هو الشعر الذي يجعل القارىءَ يستعيد ذكرياته، وما يمّيز الشاعر ماهر الخير عن غيره من الشعراء، فهو أن من يقرأ شعر ماهر الخير أو يسمعه أو يشاهده في قصيدة مصورة أو في لوحة راقصة فإنه يستعيد معه عالم الطفولة والذكريات...

ثم تمّ عرض فيلم قصير عن الشاعر بعنوان: ماهر الخير قنصل الشعراء، يمارس الدبلوماسية، ويتربع على عرش القصائد، وتحدث الفيلم عن رحلة ماهر الخير مع الوردة والسحابة منذ نشأته في مدينة العابقة بأريج الياسمين والبرتقال:" طرابلس"، ومنها لمدائن العالم: تولوز، بوردو، نيس، باريس ،القاهرة، سيدني وكانبيرا... كما تناول موضوع تجديد الشاعر في تقديم القصيدة المصورة أو القصيدة-كليب، وعن الجوائز الذي نالها عن بعض أعماله، لا سيّما جائزة أوسكار الفيديو كليب الدولي، كما تحدث الفيلم عن علاقة ماهر الخير الشاعر بماهر الخير الدبلوماسي، فهي علاقة تقيم التوازنات بين العقل والقلب، بين الهواء والتراب وهي لغة حوار تقصر المسافات، فهي بذلك تحاكي الدبلوماسية... وتجدر الإشارة الى أن هذا الفيلم من تقديم شركة جبالي ميوزيك- القاهرة- بيروت، ووضعت الترجمة له في سيدني أستراليا.
تحية ماهر الخير
تلا الفيلم مباشرة ظهور الشاعر ماهر الخير من بين دخان أبيض وببدلة بيضاء تزين عروتها وردةٌ حمراء، فحيّاه الجمهور بتصفيقٍ حارٍ، وردَّ الشاعر بكلمةٍ عاطفية عن الغربة والحنين الى الوطن قائلاً:
أيُّ رعشة ٍ تتملكني وأنا معكم الليلة، فما كنت يوماً أظن أنَّ رياحَ الحياة ستحملني يوماً اليكم...
وأنا الذي أمتهنت التنقل والتِّرحال، فكادت أجنحتي تتكسَّر في فضاءات المسافات.
مدائن راقصتني، ومدائن اصطادتني كالعصفور ، واتقنت نزيف العِشق والشوق...فنزفت في نهر باريس، ونزفت في نهر النيل، وفي نوافير الأزهر،
إنما في الأخير أيقنت أنَّ كلَّ أنهار العالم دائماً وحتماً لا تصبُّ إلا في بحر بيروت الأزرق.
تحية الى بيروت...

ثم كانت رقصة تعبيرية على قصيدة: "مساء الخير يا وطني" واصطحبت بموسيقى تصويرية للفنان المصري الشهير محمد حسن، قدَّم الرقصة فرقة أرمينيا سيفان دانس أنسمبل، وكانت لوحة رائعة، فكانت الفرفة ترقص بإنسيابية مطلقة، ترقص وكأنها ترقص فوق الماء، فتارة تتفرَّق كسرب حمام، وتارةً تتجمّع في حلقة دائرية وتدور لتدوِّخ المشاهد بحركاتها، وبالمناظر الطبيعية اللبنانية (بعلبك، الأرز، بيروت...) وهي تتدافق على الشاشة الكبيرة تتغير وتتلون على وقع الموسيقى ووقع خطوات الراقصين.
ثم كانت رقصة: " القاهرة، منقوشة على جلدي" التوزيع الموسيقي للفنانين الأستراليين: نيك لج، وورويك لينتش، قدمتها فرقة هلال دانس أستراليا، راقصتان بزيّ أبيض لمعَ كالسحاب فوق رمال الصحراء، وحلقتا كملاكين في سماء القاهرة الدامعة عند الغروب، وكشبحين أبيضين يخرجان من المقابر المذهَّبة ومن وادي الملوك.
والخاتمة كانت بقراءة الشاعر ماهر الخير عن نخلة البيت الاول المشعّة وعن روزيللا وعن الشوق للمدائن التي رحل عنها وعن كانبيرا حيث الأقمار تتساقط لتنطفئ فوق بحيرتها النائمة، وقدم هذه القصيدة الراقصة
وهي بعنوان: " أحد عشر قمراً "، فرقة هلال دانس أستراليا، بزيّ أزرق سماوي لميّع في لوحة ليلية قمرية حالمة، ولسنا نبالغ إن قلنا فيها أنها كانت آخاذة للعين ومدهشة.
ثم شكر الشاعر ماهر الخير الحضور متمنياً أن تجمعه رياحُ الحياة بهم ثانيةً في مكان ما أو مدينةٍ ما من العالم. وخرج بين التصفيق والمصافحات والقبل والتهاني، ليوقع ديوانه الرابع:
"رقصة أخيرة فوق بحيرة كانبيرا" ويهدي محبِّيه ألبومه الجديد:
" أحدَ عشرَ قمراً "، مبتسماً ومتربعاً على عرش القصائد.

الثلاثاء، مارس 24، 2009

مداهمة الستين

عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com

فى ذكرى عيد مولدنا الستين ،
يأتى من حيث لم يكن له مكاناً على لائحة امنياتنا ،
يأتى كتقويم تشاؤمى لقدرات الانسان الكامنة ،
يأتى بلا عاطفة ،
وبلا مشاعر ..
يتخطى فى يوم احتفالنا ،
أصول التهنئة ،
وينتزعنا فى صرامة من كرسى العطاء ،
ومن مركز حبنا ،
وكل امكنتنا التى لها سمة مميّزة ،
ورفعة ..
ليجد الانسان نفسه منفى فى شبه وطن ،
ومستوطن فى شبه منفى ،
فلا وطن يرعاه ،
ولا منفى يضمه !
هكذا يجئ التقاعد ،
وهكذا داهم شاعرنا : أحمد زرزور!
لم اختبر بعد شعور الذين تخطوا سن الستين ،
واستلموا فى يوم فرحهم ،
ورقة خلعهم ،
من التى عشقوها عشقاً حميماً مقدساً ،
عن غير رضاها ،
وبرسم الأوصياء !
ولكنى اختبرت شعوراً يوازيه :
شعور الذى يختفى استاذه العظيم من أمام سبورته اليومية !
لماذا لا نعتبر الفنان فوق العمر ،
كرجل الدين ،
فيظل فى منصبه مادام العطاء مستمراً تحت ثقل السنين ؟!..
فإن كان رجل الدين ،
يعدّ الإنسان إلى اللانهائية السماوية ،
فإن الفنان يعطى الإنسان الوعى ،
والتمسك بهذا الرجاء فى : عقله ، وقلبه ، ومشاعره !
إننى اشارك " قطر الندى " ،
دموعها النبيلة فى اسى الرحيل ،
فإنه يشق علينا أن نقول : وداعاً ..
لشاعرنا ،
الذى غيّبه التقاعد.
واشارك ذلك الذى حمل باقتدار أمانة رئاسة تحريرها ،
شعور من ينتزع من وطنه الحبيب ..
فـ " قطر الندى " ،
ليس مجرد اسم لمجلة للاطفال ،
بل اسم لحلم كبير من احلامه الفخمة التى تتحقق !
والهالة المنيرة التى وضعها :
بحب ، واخلاص ، وتفان ...
حول ايقونتها المعبّرة ،
ستظل ،
كما أراد :
الوجه التاريخى لملايين الأطفال الذين أحبهم ،
فأحبوه ..
فقد جعلهم دائماً يشعرون بأنهم أهم اشخاص فى العالم !
إن مجلة " قطر الندى " ،
لم تخسر شخصاً ،
بل قلباً ..
كقلب الأطفال ،
ينبض ببراءتهم ،
وينبض بحبهم للمستقبل الجميل !

الأحد، مارس 22، 2009

أنا وأحلامي التي لا تنتهي

مريم الراوي

في ذكرى نكبة وطن اسمه العراق..
في عام الجنون السادس لإحتلال العمر..
في اللحظة الأكثر بعداً للماضي، والأشد قرباً والأكثر وضوحاً من المجهول القادم..
يترأى السؤال من جديد، وذات الـ" الى متى" تمزق صلواتنا. ويعلو النحيب مرة أخرى وأخرى.. من المنفى هذه المرة كما سبق، من درب شائك، وحلم مرتد على ذاكرة الحالم، من شراع مسدل، ومن عيون لاتزال تتأمل وجه الله.. كنت، أنا...
حين شرعت أن أكتب، عجزت عن سرد مايحصل في العراق بعد ست سنوات، ولقناعة شخصية وإيمان مطلق، إن الإحتلال لم يكن عبثياً ولا عشوائياً، بل احتلال منظم بدأ منذ أن إستقل العراق بقراراته، ومنذ أن أعلن اولى مبادئ المقاومة والتصدي للغريب المندس بين ثنايا الوطن العربي"الكيان الصهيوني".. بدأت الحكاية من هناك.. ومن هناك إبتدأت انا.. وأدركت كلما كبرت بي الأيام، وكلما تصفحت كتاباً، إن إستهداف الأمة العربية ليس لضعفها، ولا لخضوع حكامها وإستكانة الشعوب، وإنما لروح الثورة، والمقاومة التي لاتخبو أبداً.. لذا، فالحديث عن هذه الأمة بكل إنتصاراتها وخيباتها، والكلام عن العراق بروعه تأريخه وماضيه، وفداحة الخسارة التي نعيشها الآن، لن يتمكن أي قلم أن يقف صامداً أمام سوق الموت والدم المتناثر بلا حساب، بلا أدنى إنسانية...
وشعب العراق، بكل سلبياته، يبقى الضحية الأولى، والنسي المنسي في المشهد، في هذه اللوحة المعتمة، التي رسمها أفشل الرسامين وأقبحهم فناً..
ونحن.....
بقينا نحن، على حافة الواقع، نرتاد الحزن، والحزن يرتدينا بمهارة.. ألقوا بنا الى هاوية الحاضر، نتلمس في وضح النهار خطى العابرين من هنا، علنا نجد خطوة توصلنا الى مدينة السعادة، وعل السماء تشفع لنا رزايانا في الغربة..
هم...
قتلونا، داسوا على أعمارنا ببساطيلهم، ودباباتهم.. وأدوا أحلامنا، زجوا بفرحنا بعيداً بعيداً بعيد، رموه خلف قضبان، خلف الف باب وباب.. أمطروا ماتبقى من أيامنا وكل بسمة غمرتنا أملاً يوماً أمطروها شتائماً وإستهزاء.. وكانت كلابهم سفرائهم، ومرتزقيهم حراسنا... إقتادونا مقيدي اليدين، اوقفونا عنوة ونحن نلحق بأحلامنا كي لاتهرب. أنزلونا من دولاب الحياة وبقينا غرباء، تتملكنا الوحدة. وضعونا صفاً واحداً، والجريمة الكبرى، إننا مواطنون عرب عراقيون بمرتبة الشرف... ثلة منا عصبوا أعينهم، أما الآخرين فكانوا عصاة على العمى..
لكننا بجميع الأحوال، نشترك بجرم واحد "الحلـــم"..
منا من حلم بالتغيير ولم يآبه لغير هذا، ومنا من حلم بالحرية وعنى له الوطن كل شئ.. اما الأولين، لم يوقف حلمهم المتخاذل بالتغيير عن بعد، سوى الموت وقطع اللحم المشوي، والعيون المفقوءة. لم ينتشلهم من اضغاث الحلم سوى أصوات الدريل، وهي تنخر صدور الصبية وعقول الرجال.. لم يوقظ العنقاء فيهم سوى صرخات الثكالى والمفجوعات بأعمارهن وشرفهن المستباح..
وبقينا نحن، نحلم بالغد، نسأل النخيل أن لايخذلنا، نتعمد بدجلة والفرات من خطايا دموعنا وهي تنشطر الف دمعة حارقة على أنفسنا وهي تذوب بفعل الأسلحة المحرمة دولياً والمباحة بقدرة قاتل، ورضا عميل..
ولازلنا نحلم، حتى باتت أيامنا محض أحلام جارفة، وجامحة.. بقينا فوق السحب، وبين الوجوه نراوغ باسمين، لانعلن موت ارواحنا في الغربة خشية تشفي عدو متربص، وخوفاً من زمن ماعرف الرحمة يوماً...
وها نحن اليوم، أورثنا أنفسنا الحلم، حتى تعبنا النوم، والأحلام.. ها نحن اليوم نتمرد على الحلم بحلم آخر، يغير حلمنا وأمانينا السابقات... حلم ثوري ينطلق من ركام اوجاعنا، عله يبني ماتبقى من أطلال عمر شيدها الوجع بإتقان...
أصبحنا اليوم نرفض الصمت، نرفض الواقع الهمجي، نرفض الآلم.. نجابه بأكبر"لا" عرفها التأريخ. إن علينا أن نحيا..
كرهنا السفر، والإنتظار، ومحطات الترانزيت، والحقائب.. فلم يعد ثمة شئ نخسره الآن سوى أنفسنا..
في الغربة أضحينا أوطان منفيه.. مدن منسيه.. وأزقة لايدركها سوى ساكنيها..
أنــا..
أنا الآن ميناء يبحث عن سفينة.. عن شراع يتصدى للريح المجنونة.. أنا الآن إله، يبحث عن عابد.. طفل يبحث عن ظله.. بحر يبحث عن شمس تنتحر بليل شجونه.. انا الآن نــاي، يبحث عن قلب يستمع لحديثه..
هذا انا، أكتب بمرارة حالم، لازال يحلم أن يتخطى الأمنيات، عابراً أسوار الآن والأحلام المنسية، الى الواقع الأجمل، الى الأرض الأكثر صلابة، والى دنيا خلدها الحلم والإنتظار... بلا حقائب أيها العمر، بلا محطات، وبلا تعب الإشتياق..
فإني تعبت..
تعبت كل شئ..
السفر، الإنتظار، الأمل، وكذلك الوطن..
كرهت الحقائب، والمطارات المتزلفة للأحلام الكاذبة،
أن ثمة ضفة أخرى يمكن أن تحتوي الأوجاع والأمنيات..
وأدرك الآن أكثر من أي وقت مضى،
أن الطيور سجينة السماء،
وأن السعادة فرط من هذيان،
تشكل على مر العصور بهيئة أحلام وخيالات وجنة لاوجود لها..
آآآه، يبدو أن مصير الغرباء،
البحث عن أوطان في ألاوطان..
البحث في عيون الآخرين عن دار،
عن نخلة،
عن بسمة،
عن حلم جميل..
ويبدو أنه ديدن الأوطان،
حلم سراب،
أمنيات محرمة،
جنة ممنوعة،
وعشق يبين ولايبين..
وإحدى مشكلاتي، إني فقدت الدهشة،
وهو الأمر الذي يخرجني من دائرة الفلسفة،
لم يعد ثمة شئ يحيرني،
يفاجئني،
يمطرني بموجة صراخ غير متوقعة..
مع الأسف،
إنطفئ الضوء..
ولم يتبق في النفق سوى نجوم ناحلة،
خطوات متكسرة الأفق،
ومدى حزين..
هذا أنــا..
صدى مبحوح، حزن راقد، عالم من غرائب..
مسافات تحز الروح، كصهيل رياح مجروحة..
ودموعي أغصان من وجع..
ينسكب من كفي أريج القلب،
وكفي الأخرى تلوح للحزن..
تعال، وإحمل حقائبي، لدينا جميع السنين المقبلات..
تعال، وأزرع في جبيني عمر من الخيبات..
تعال وأنثر الذكريات رماد..
ونبقى ال"نحن"...
لن نموت، مازال فينا حلم ينبض أمل..
لن ننسى، مازال في الروح جرح إسمه العراق..
نحـن ....
عوالم من حزن تستند على قرني زمن هائج..
وأرواح حد الفناء تتشبث بالغد، بالثورة، بالحب..
لن يمتلك أحد، أن يعدم أحلامنا في أقبية السجون السرية،
لن يمنعوا إبتسامة عيوننا وهي توشوش قلب طفل صغير، إننا عائدون بك..
لن يستبيحوا احلامنا بفتواهم..
سنمضي بأحلامنا الى مدن الشمس،
سنعانق النور بها. فما من نهار يعشق المترددين..
هذا هو درس الغربة الوحيد..
الصمود، والتوق الى الغد..
هذا "نحن"، حين نتعلم أن نتمسك بيد الله...
وهذه هي الحياة،
تمضي وتمضي،
عراقي كل من يحلم ويعشق الغد،
عراقي كل من يكره الحقائب والترحال اللامنتهي،
وعراقي من يصل الى الضفة الأخرى متعباً من الحلم غير يائساً منه..

لماذا تركت النافذة وحيده

نائله خطيب – عودة الله
مضى رحيل الخائفين من النهايات السعيدة
روح تغني على كتف البكاء قصائده الوحيدة
قلب الغناء صدى- يخلو من حقائبه الجديدة
أيتسع المدى للمغادرين؟
صلبت ظلال وأخرى سكنت نجمات بعيده
سقط البعد على الوردات الأمهات فأرداها شهيدة
غاب الطريق بعيدا - ثمة ماء - والسرو يلهث زاحفا خلف السماء
يفتش عن سر شمعة وليده - ستجده الصدفة – وربما تدعوه لشرفة أخرى تعيد اللهفة
وهنا لا تزال الريح تخفق صوته الغريب
تمد يديه بهدوء للدنيا
لتستعيد ظل قمري المسروق من قبل المغيب
ستولد من حزن آذار ألوان شريدة
سيحرس الربيع عمرا كاملا أو نصف عمر يعوي - كالذئاب الوحيدة
كل ما في الأمر أنه مضى- إلى زحف طويل
لم يقل أحلامه - طلت على حلم أنثى تراوغه
أو ربما تدعوه لاحتساء حرارة ابريل الطرية - العارية من نوافذ داليدا
فلا وطن لي مثل الآخرين - لأراوده
ويحزن صوتي كثيرا حين أخبره
انه مضى- حاملا قلبي في حقائبه
ترك الربيع لسيد الشتاء
وشمس آذار التي أحرق منديلها كثر البكاء
حرق أصابع نورها- كما يحرق الحب قلوب العاشقين- من الضياء
كل ما في الأمر انه مضى
فلا أرض تحملني ولا حتى سماء
وآن لي أن أصرخ الآن بصوته
أنا حرة مثلك أيها الهواء
لكني نسيت اسمه في دمي
لا يمسه نهار صحو
ولا تداعبه بقية الأسماء
ولا عود لتبكي أوتاره
صرخة ذئبية تعج بأصداء العواء
علق قلبي من شرايين الرياحين
كما يعلق العدو أعناق الطيور- وأحلام من مثلي الغرباء
لتحرقهم نجومهم الصغيرة وهم بلا أسماءهم يموتون أحياء
يحلمون أن الغد القريب ناظرهم سيمر بالباقين من الشهداء
لتقبلهم مناقير العصافير وتحملهم أجنحة ليس لها سماء

السبت، مارس 21، 2009

حين نقيس الحب بالمسطرة

ليلى البلوشي

الحب .. طاقة من الزهور الخلابة يظل شذاها يضوع في قلب المرأة أبد الحب .. وهو هواء منعش متجدد بالنقاء والتحفز في حياة الرجل ..وكل ٌ في هذا الكون ينطلق من خلال " الحب " .. بدءاً من حب الله تعالى استكمالا إلى حب الذات ، الأشخاص ، العمل ، الأماكن ، الهوايات ...الخ .
فالحب شجرة وارفة تصل ظلالها إلى أبعاد شاسعة شساعة مشاعرنا تجاه المكنونات .. وحين نخص شخصا ما بحد ذاته بأحاسيس خاصة .. ونطوقه بهمس لا يشمل سواه .. جُل أحلامنا ورغباتنا ترقص في حدود مساحته فإن الحب هنا له لغته ومذاقه .. لكن تتفاوت نسب خلود هذا الحب مع الزمن حين تتبدى طوارئ أخرى في حياة الإنسان فقد تقهر بالحب وتسمو بها وقد تقهر هي الحب وتنتشل آخر نبض حميمي فيه ..
فبعضهم يقيسون الحب بمقاييس خاضعة لها أبدا في لغة أهوائهم .. فإذا ما تعدى قياساتهم الدقيقة المرسومة عن رغباتهم فإنه يغدو في نطاقهم شيئا لا يطاق سرعان ما يطفئونه أو يرمونه بلا مبالاة كسيجارة بالية .. الحب الحقيقي هو أن نقبل الآخرين ضمن شروطهم .. فماذا لا نجعل طرفنا الآخر المكمل لنا في الحب يحبنا بطريقته .. بلغته .. بكيانه .. بحريته دون قيود نكبلها به ولا سلاسل نجره من خلالها إلى ما نريد ونتخطى ما يريده .. نتقبل منه ما نرغب ونأبى عن ما يرغب به هو .. الحب عطاء متبادل تتساوى كفتاته بين الطرفين المبذولين .. وحين يبذل طرف والطرف الآخر يأخذ فقط فإن هذا الحب يتضاءل شيئا فشيئا حتى يترهل مع الزمن ويموت ..
الحب كيان انساني موحد .. علينا أن نحترم فيه الآخر .. أن نترك له فرصة ليعبر فيها عن نفسه ، عن أحلامه بطلاقة .. معنى التوحد في الحب لا يعني التوحد في الأحلام .. لكل طرف أحلامه الخاصة يسعى إلى تحقيقها فهي تحقيق لذاته الإنسانية في الحياة .. ومن خلال غاية الحب الواحدة يساند الطرفان بعضهما البعض للسمو من خلال حياة صحية مبنية ضمن خطط صحيحة ومنطقية تناسب كلا الشريكين في الحب .. تتنفس مشاعرهما بعفوية مطلقة من أكسجين الحياة بألف أسلوب تتجدد كل يوم كالشمس وألف لغة تتألق كل مساء كالقمر ..
وحين يجد أحدهما أو كلاهما في دائرة الحب أن لغة الحب بينهما فقدت قدرتها على التواصل .. وفترت الأحاسيس .. تجمدت المشاعر الدافئة بينهما والغاية في بقائهما معا تلاشت أشبه بموعد تتواعد فيه الشمس مع الغيم فلا يلتقيان في أفق واحد .. فإن إقصاء الآخر لا يعني أنه غدا عدوا نتمنى له التعاسة في بقية حياته وربما العدمية عن الكون كله .. فإن هذا الشخص قد منحك يوما قلبه فلا ترميه له مغروسا بسهم بل قدمه له كما أودعه في قلبك في لحظة الحب .. ولا داعي التراشق بالجرح وليبقى الطرفان على وفاق الصداقة انطلاقا للأحاسيس الجميلة التي ضمت سقف قلبيهما يوما ما ولتقتات الذكرى الطيبة التي فرشت أرض غايتهما فيما سلف .. ولا تندم مطلقا على حب عشته .. ففي الحب الإنسان رابح دائما كما تقول " غادة سمان " : ( في حالة الحب فالإنسان رابح دائما .. إنه يربح اكتشاف ذاته ومدى استعداده الحقيقي للعطاء ، ومدى قدرته على أن ينطلق ليحب العالم كله من خلال انطلاقته عبر حبه الفرد والخاسر الوحيد في علاقات الحب هو الذي لم يحب حقا ً ..!)
Lailal222@hotmail.com

ألتفتُ إلى أين؟

نائلة خطيب – عودة الله
ألتفتُ إلى أين؟
الغربة تغزو أوطاني - والبين سعيد
هي الضد بلامعقوليته وكأنني غرابُ البين الطريد:
أعصبوا عينيّ إلى الغد
إلى الغد وما بعده
إلى الأبد البعيد
فإني أراها - تتخفى بين الأطيار- لتقتلني
" غربتي "
صعلوكة - تمتدُّ تحت الأرض سراديب طويلة
لتسكنني " غربتي "
وضعتُ يدي على قلبها - لها قسمٌ عظيمٌ :
ستغلبني " غربتي "
وأنا اللغز المحيّر لم تعد بي جروحٌ كافية بعد
لتجرحني " غربتي "
أكان الموتُ أم الحياة نصيبي أم البعد؟
أطمئن على سلامتي "أصعقني" - وأموتُ من البرد
ذهب الجميعُ إلا أنت !
من سيأخذك إلى المد؟
خرج الجميعُ من المنفى واحدا بعد الآخر- إلا أنت
من سيسعى إلى قتلك بعد؟
زحف الموتُ : مولاتي - هي أنت !
المرأة هي كلُّ شيء !
وإني لك صديقٌ أمين !
ما دمت أنت هنا..........فلا بد من وجودي هنا كذلك !
صيّرني الليل هازئاً وحالكاً:
لن أبلغك مرامك !! !
أجفل النهار المسكين
أغمض عينيه بدوار غريب
وأنا أتبعُ السلالم الطويلة – أتبعها - أقصده بالذات
ساقاي تتخاذلان تحتي
والموت يربكني وقحطي " لهاث " , ظمأ يلهب حلقي بلون الأرجوان
يسيرا... يسيرا... مرضيا ... سحقته قرون و أ ز م ا ن..................
يتجلبب تحت لفح الرياح ووابل من المطر
كبراعم تشتهي نيسان
ألتفتُ إلى أين؟
أنا زائرة كالآخرين
لماذا الليل أخفى فرحة الأغصان عني؟
لماذا غطت بأحلام " الكثير " كلمة مني؟:
قضاء - قدر
ابتسمَ البين
ورقد على الأرض يستقبلُ أوراق الشجر:
لا ينقصني إلا مجنونة مثلك - أيتها القليلة
جئتُ لأكونَ قريبا منك أيتها الجميلة - من بين البشر
هذا الأخير قال:
بيننا قتلى وجرحى واحتمالات كثر
هكذا قال:
غمغم الشيطان الذي أنقذني من جهنم :
لستُ في مزاج ملائم لمثل هذه الشروح
وأعتذر
يعتذرُ ويسخر: " القدر"
أنتم مهزومون !!
تصرخين:
افتح البابَ أيها النور الضئيل الراقد في سلام
فهناك صارخون عتاة وغير هيابين أيضا -
" لن يصدّقك "
وأنا ممن يريدون الموتَ يشدني الحنينُ إلى الموت
" لا أصدقك "
مادام في الدنيا كتابٌ - حي يرزق
سأصدّق أنّ فراغ النافذة المشتعل كأتون سعير- هو جنوني فقط - لا غير
وكأنني واد يضيقُ فتتأثر حوله الخضرة
ليجري فيه جدول " ماء " صغير
لتألفه النسائم العطرة
" ليهجره الزمهرير "
فأطرحني فوق كتفيه كغطاء وأسدلني حتى عينيه " أضمه " وأطير
ففي الغرفة مصباح ونور وفير
" لن يراني "
وأخدود مليء بدمع العصافير
" بترحال المعاني "
يجري فيه الماء في فصل الشتاء
ويجف صيفا في فصل الشتاء
ويموت صحوا في فصل الشتاء
وهو الخليقة لو أزهرت باسمه
وأنا الصوت الصارم تحت المقصلة – أصرخ نائمة
مذ أدليت ساقيّ من فوق مهدي الصغير
قلبي كهل, أطرق رأسه وغاب, يقرأ في السطر الأخير
سكون فظيع جدا
" ليس بقصير"
سمع دقات قلبي وأحصاها
ولم يسمع صوتا آخر
" سواها "
فضحكاتُ الفرح والابتهاج قذفت من
" صدق الأثير "

الجمعة، مارس 20، 2009

سـيــعود

هـيـثـم البـوسـعـيـدي

قـصـة

أخذه التفكير طويلا وهو في حالة استرخاء على السرير الخشبي، لم يحدد قراره النهائي بعد، هل سيترك مسقط ويبتعد عن عمله الشاق؟ هل سيترك ابنة خاله التي تعلق بها قلبه؟.

تذكر أول يوم جاء فيه للعمل في الشركة الكبرى لتصليح السيارات برفقة صديقه " سالم"، أبهرته مسقط بما تحتويه من مناظر وشوارع، أعجبه تناسق المباني والبيوت البيضاء، كانت مسقط تحتفل بالعيد الوطني التاسع والثلاثين ...مسقط عالم جديد في مسارات حياته، لم يستطع الاندماج فيه والتكيف مع مزيج البشر القادمين من عدة ولايات ومناطق، وهو القادم من القرية، يجد نفسه مندهشا أمام كم المتناقضات العجيبة في هذه المدينة، كل شي فيها يلهث وراء المجهول.

لم يشعر بالأيام فقد مرت سريعا، قضى وقته بين العمل صباحا في أحضان السيارات وفي المساء أشغله التردد على بيت خاله، يجالس الخال وابنته وهو الذي لم يحادث أي بنت قط، فاجأته في إحدى الليالي إنها لا تحب القرية والنخيل والبيوت القديمة والناس البسطاء، فلا تتصور يوما العيش في القرية وترك أجواء مسقط والمجمعات التجارية وصالونات التجميل، عندئذ أدرك مساحة الهوة بينه وبينها، وحجم الغربة في وجدانه بسبب هذا المكان، وزادت تصرفات ابن خاله المنحرفة شعوره بالضيق، يراه دوما في حالة رثة وملابس عجيبة وروائح كريهة، يصل البيت متأخرا، يتقزز منه عندما يرى حالة الشجار والصراخ بينه وبين أبيه.

عاد به عقله مرة أخرى إلى أفكار البقاء والرحيل، يرى عشرات الريالات تتوزع في جوانب السرير، في تلك اللحظات دخل الغرفة رفيقه سالم وبادره على عجل بسؤال:
ماذا ستفعل براتبك؟ لم يجيب صديقه بل أشاح بوجهه ناحية النافذة كأنه يخاطب ذاته: أهملت "النخل"(1)، فرطت بقرب أمي، فقدت الإحساس بالأمان، لم أحادث والدتي سوى أربع مرات فقط، كم حجم الشوق الذي يعتريني حتى أقبل رأسها، لم أتناول أكلتي المفضلة " العرسية "(2) منذ شهر، خلى جوفي من فواكه القرية كالهمبه والجوافه والفرصاد والبيذام والنبق(3)، ولم تستنشق أنفاسي هواء النخل النظيف الذي لم تلوثه سيارات وبيوت ومصانع المدينة.

أوقدت تلك الصور الحنين إلى ارث جده الكتب، والخنجر، والعصا، كم كان يوصيه خيرا بأمه والنخل، تذكر صراعه مع الوادي الذي اجتاح القرية في أحدى الأيام واغرق النخل والأشجار بالمياه وأفسد الرطب المجفف الذي نثره على الدعن (4)، كان هو وجده يخوضان الوادي من دون خوف ورهبة، في تلك اللحظة عصف بقلبه شوق، أرجعه إلى لذة صلاة الجماعة في مسجد القرية، ومتعة الهيام في حلقات المالد(5)، تشابكت أصابع يديه، ضعت على يديه بقوة، أحسن الآن بتأنيب الضمير وأدرك غلطته الكبيرة، لقد تنازل عن كل تلك الأشياء الجميلة وماذا كان المقابل؟ حفنة من المال وهروب من أحاسيس الخجل التي يشعر بها بسبب سيرة والده السكير المدمن.

كان سالم ينظر إليه وكله دهشة واستغراب من سرحان صديقه وهو ينادي صاحبه بصوت عالي:
محمد ، محمد.
محمد: بدت عليه علامات الضيق لان سالم قطع حبل أفكاره، قائلا: ماذا تريد؟
سالم: بأي أمر تفكر؟ هل بمفاتحة والدتك في خطبة ابنة خالك؟ لم ينطق ولكن لوح رأسه مشيرا بالجواب لا، لم يسفر حواره الذاتي عن قرار.

بعد سكوته لعدة دقائق، حدق في الساعة الدائرية الموجودة في وسط الغرفة ثم قال بصوت تبدو عليه علامات التعب وكأنه أراد الهروب من كل تلك التساؤلات: يجب أن ننام، غدا أمامنا عمل شاق وطريق طويل إلى البلد.

في الصباح وعلى الجانب الآخر، استيقظت الأم، كانت متعبة لأنها لم تنم تلك الليلة فقد نهش صدرها القلق والخوف طوال الليل، تحس بالساعات والدقائق تمر بطيئة، قصدت النخل خلف البيت المتواضع، حامله في اليد اليمنى " الكمة "(6) هدية محمد وفي إبطها الأيسر "الحصير"، بمجرد دخولها النخل أسرعت إلى السدرة الموجودة بجانب الساقية، فرشت الحصير، أخذت تتأمل المكان، تاهت وسط أنواع الزهور المتباينة التي تحيط بسدرة النبق.

هي امرأة صلبة، تقاسيم الشيب غزت ملامح وجهها منذ سنين عدة، صهرتها سنوات الفقر والمعاناة ولوعة المآسي، فزوجها السكير المدمن هجرها واغرق نفسه في عوالم الإدمان والفجور، ثم فقدت ابنتها الوحيدة بعد أن ذاقت سم المرض، وسكنها الألم حينما خطف الموت أبوها وسندها الوحيد في هذه الحياة، كل ذلك زرع في نفسها عوالم الخوف والقلق المستمر من المستقبل .




وسط كل هذه العوالم المخيفة، وجدت في " محمد" أملها المفقود، ضحت وناضلت من اجله، أطعمته أنبل الأخلاق، كافحت لأجل تربيته، ولم تعتمد فقط على معاش الضمان الاجتماعي الضئيل بل تحدت ذل الفقر وقهرت الظروف، كانت تبيع فواكه النخل في السوق صباحا وتخيط أجمل الكميم على ماكينة الخياطة ليلا، حبات النبق الحمراء الموجودة على أطراف الحصير شاهدة على تلك الليالي المريرة.

أمعنت النظر في السدرة كأنها لأول مرة ترى أوراقها اليابسة، فجأة اختطفتها نسمات الهواء الباردة نحو حوارها الداخلي ونفسها الملتهبة بخليط من الأحاسيس، لازالت لم تتخلص من كم الهواجس والمخاوف التي سكنتها منذ غياب الابن، تكافح تلك الوساوس بقراءة آيات القران وكلمات الاستعاذة، تجذبها الذكريات لا شعوريا نحو الماضي، يلوح بذهنها منظر جلوس الثلاثة الأب والبنت والولد"محمد" على الحصير، جميعهم رحلوا ولما يبقى في هذا المكان إلا هي ..يغمرها الآن إحساس أكثر عنفا ممزوج بالخوف والشوق لرؤية الابن.

أرادت قتل ساعات الانتظار، الوقت بطئ جدا..نظرت في الوادي، رأت ملامح لقادم باتجاه النخل، أيكون هو لا لا مستحيل لازال الوقت باكرا، اقترب القادم، اتضحت ملامحه إنها خديجة جارتها ، انفرجت شفتيها عن ابتسامة مصطنعة، ثم دعتها للجلوس، أباحت لها بقلقها المزعج، لكن خديجة المفعمة بالأخبار والسوالف هدأت من قلقها قائلة: سيعود ..سيعود.. لا داعي لكل هذا الخوف والقلق، ثم أسرعت بالحديث عن علوم القرية وما حدث لفلان وعلان، لكن سيطر على أم محمد قلقها وتفكيرها بابنها على الرغم من وجود خديجة التي أحست بذلك لتستأذن بعد ربع ساعة.

مرت الساعات ، وزادت المخاوف، وتضاعفت الصور المخيفة في مخيلتها لتأخر قدومه، تعوذت من تلك المخاوف لكن بدون فائدة، ذهبت إلى البيت وأحضرت أكلته المفضلة والفواكه، مر وقت الغداء ولم يأتي وها هي الساعة تقترب من الرابعة والنصف، تحس بالعطش ولكن تريد أن تروي أولا عطش قلبها برؤية محمد، اتجهت مرة ثانية إلى رفيقتها الوحيدة السدرة، تأبى ذكريات الماضي الرحيل، تفرض نفسها بقوة، فتخرج دمعة حارة من عيناها الضيقتين، خفضت رأسها فانحنى ظهرها المتعب، أدركت إنها امرأة ممزقة وضائعة، ترى في غياب الابن ضياع الكون بأكمله، دخلت في عالم آخر، افقدها الإحساس بكل الأشجار والنخيل والطيور والجو الذي حولها، أخذت تهذي بصوت حزين ومخنوق: محمد أباه وينك تعال أنا انتظرك، كررت هذه الجملة عدة مرات، ونيران الندم والظن تشتعل تدريجيا في حنايا قلبها، كأنها تنتظر الخلاص من مخاوف البعد وهواجس الموت.

فجأة سمعت صوت يجيب توسلاتها، انتفضت.. رجعت الروح إليها، تركت ذلك العالم وصوبت أحاسيسها ونظراتها إلى مصدر الصوت، وإذا به محمد، يدس رأسه مسرعا في حضنه أمه ويقول والدموع تنهمر من عينيه: أماه لن ارجع لذلك العمل ولن اذهب لمسقط مرة ثانية، سأبقى في القرية للأبد للأبد....تنفست الصعداء، أحست براحة كبيرة، لتنطفئ بعد ذلك نيران الخوف في داخلها وتلفظ هواجس القلق وتخيلات الموت وتشعر بغبطة وسعادة لا متناهية.
توضيح :
1-النخل : البستان ، 2- العرسية:أكلة عمانية تقليدية ، 3-الدعن: ما يوضع عليه الرطب للتجفيف قديما ، 5-المالد: المولد النبوي او البرزنجي ، 6- الكمة: طاقية توضع على الرأس

حفل توقيع ديوان: رقصة أخيرة فوق بحيرة كانبيرا للقنصل الشاعر ماهر الخير

احتفل قنصل لبنان في كانبيرا الشاعر ماهر الخير بصدور ديوانه الجديد : رقصة أخيرة فوق بحيرة كانبيرا" ضمن حشد كبير من الجاليات العربية وذلك على مسرح الريفير سايد باراماتاوقد قدم قصائده في لوحات تعبيرية راقصة تذكر بلوحات جبران وماتيس ، مستخدماً موسيقى تصويرية خاصة( لموزعيين موسيقيين من مصر وأستراليا )و مستخدماً الاضاءة والصورة ، وقد قدم اللوحات فرقة أرمينيا سيلفان دانس انسمبلوفرقة هلال دانس أسترالياوتنقل بلوحاته الشعرية الراقصة بين لبنان والقاهرة وكانبيرا :
للمزيد اضغط على الرابط للاستماع الى تغطية حفل توقيع ديوان: رقصة أخيرة فوق بحيرة كانبيراعلى راديو SBS

قريبا .. يرتديك البجر

حسين القباحي


كان اسمُكِ في أبهى حُلَّـتِه
والناسُ على كفَّيكِ .. دراويشُ
بسرِّكِ ينجذبون
ترتبكُ الأرواحُ لفرطِ صبابَتِها
- إن أومأتِ -
ووحديَ للهذيانِ أَميلُ
ووهجُ الأشياءِ يوحدُ أعضائيَ
يقتادُ الرغباتِ المُرَّةَ للنخلِ الأقصى
- عندَ بدايتنا -
وعندَ كلامِ الوثنيين الموتى .. ينفرطُ العِقدُ
وتبداُ هدنتَها الأسماء
* *
حرفٌ يعتلُّ لموتِ شوارعِنا
ويغادرُ معناه
حرفٌ .. ننساه

* *

هل قلتِ :" صباحُ الخير"
.. اهتزتْ أركانُ الغرفةِ
وانفتحَ البابُ
توقفَ إرسالُ التلفازِ
تسرَّبَ طعمُ النعناعِ بكوبِ الشاي
وانزاحَ الظلُّ عن السنواتِ العشر ..
.. لعلكِ بادرتِ - هناكَ - الجارةَ
حينَ خرجتِ إلى الشارعِ
قلتِ : " صباحُ الخير "


**
يتلاشى روادُ المقهى
وتنكسرُ الأشباحُ الممتدةُ
من شارعِ "يوسف عباس "
إلى الزحفِ الأكبرِ نحو " دبي " بليلِ خميسٍ
غادره الأصحابُ القدماءُ وطعمُ الخروبِ
وتداعتْ لنساءِ العالمِ فيه .. الأشياء

* *

الوطنُ المغلقُ في وجهِ بنيه
وطنٌ من تيه

**

الوجعُ المتصاعدُ من رسمِ الحنَّاءِ على كفَّيكِ الدافئتين
يحملقُ فِيّْ
يتخطى وخزَ مسافتِه
ويزيحُ خماركِ - هذا المفتونَ بما أسلفتِ لديّْ -
ليعيدَ النملَ الوحشيَّ إليَّ

* *

أهلاً بهذا الوهمِ
تسرقُ منتهاكِ الأرضُ
إنْ بادرتِها بحكايةٍ رصدتْ ممالكَنا القديمةَ
زينتْ أستارَ كعبتِنا
بزهو ِالصاعدين إلى السماءِ - دونما مدنٍ تعود -
واحتستْ خمراً لتكتب أنها عثرت على الدجالِ
ألقتْ وردةً للنيلِ
ليطوفَ مبتهجاً بكوكبِه البعيد



* *

كلما أوغلتِ
ترتعدُ الحروب
ويرسمُ الموتى على أكفانِهم
طقسَ البَهَاء
يوسِّدونَ غناءَهم ..
كفَّاكِ باردتانِ .. هل شاركتِ في غزوِ العراق ؟ !

* *

قريباً .. يرتديك البحرُ
اللانهايةُ..لو تواشيحٌ تدلتْ فوقَ ما أسلفتِ من مدنٍ
غمامٌ يبدأُ الركضَ الرحيمَ
بخمرِها تأتي البيوتُ
- بيتٌ واحدٌ يكفي -
ولكن ربَّما جهةٌ مؤجَجَةٌ من عهدِها الوثنيِّ
لمْ تخلعْ ملامحَها
ولمْ تسرعْ إلى تفاحِها المُلْقَى عندَ قارعةِ الذبول

* *

من تجاويفِ الحَكَايا
يبدأُ الفخارُ رحلتَه.. وأنا أُحدقُ في التماثيلِ التي راحتْ
تُبدِّلُ في السُلالاتِ التي مرَّت
ولمْ تسألْ ..
منْ هؤلاءِ العابرون إلى الضفافِ ؟!
الراقدونَ على شفيرِ النارِ والفوضى
من هؤلاءِ الصاعدونَ إلى الهَبَاء
* *
بخرافةٍ نسيتْ دِمانا
يبداُ المشوارُ لوعتَه
تفقدُ الأَشجار ُروعَتَها
وينفتحُ الكتاب

* *

هذي البراري لا تحتاجُ وشوشةًً
ولا صمتاً يناورُ كيْ يخفي كبائِرنا
فأنا الفضيحةُ
والضحكاتُ لا تقوى على الكتمانِ
وهنا مطالعُ للبكاءِ وللرنينِ
ومعَ البقايا تسرجُ الأسماءُ صهوةَ ما تريد
وترتجي بعبورِها الأيامَ
شاردةَ الطريق

* *

كيفَ أحوِّلُ الإحساسَ بالأَشجارِ قنبلةً
أو كيف أنزعُ عنْ مناسِكِ وَحشتي ألقَ الرماد ؟!
* *
لمستْ حوافَّ الفجرِ عيناكِ -
اللتانِ تدلتا سقفاً لأسئلتي..
وموجاً للرحيل -
سرقتْ يداكِ مُدامةَ الدرويشِ
فاتكأ المريدُ لديَّ في قربانِ شَطْحتِه
وانكشفَ الستارُ
لا الماءُ أخبرني عن الآتينَ بعدَكِ
والمُدامةُ لم تَعُدْ تجدي
ولا الطَواسينُ الجديدةُ رتبتْ معيَ الفضاء
..هذا هتافُ البائسين
وصرخةُ المَوتى العِطَاش
.. قولي لرملِكِ أنْ يغيبَ ولا يناورُ مرتين
لأنني مُذْ جئتِ مُلقاةً على وجعِ الفراغ
تجادلتْ فيَّ الرمالُ..
جرَّبتُ راحةَ فتنةِ الهَذَيانِ
.. أسْرجتُ العَمَاء.

صباحكم أجمل/ عبق النيل



زياد جيوسي


الغروب في النيل

بعدسة: زياد جيوسي



يوميات من القاهرة "1"

غادرت رام الله ولم تغادرني، رافقتني الى عمّان وشربت القهوة معي في الصباحات العمّانية الجميلة، وحين ودعتها متوجها للمدينة الحلم.. القاهرة، ابتسمت وهمست لي: سأكون في انتظارك بميناء القاهرة الجوي، فرام الله لا تترك من يعشقها، وابتسمت عمّان وقالت: سأكون معك أيضاً، فنحن نخشى من معشوقة جديدة تسرقك منا، فمن يستطيع أن يقاوم سحر القاهرة وجدائلها المنتشرة في كل أنحاء مصر، وبصوت واحد قالتا معا: وأنت الذي كنت تحلم بلقاء مصر، معانقة النيل والقاهرة، هل ستستطيع الصمود أمام سحرها الطاغي؟ سنرافقك في كل خطوة، فنحن نعشق القاهرة أيضاً.

كان الخميس الثاني عشر من أذار حين كنت أودع عمّان مساءً، أمتطي مركب الريح متمثلاً بالملكية الأردنية، ابتسامة طاقم الطائرة في المدخل، فهمست لنفسي: يا الله كم من الزمن مر دون ركوب طائرات الملكية الأردنية، فآخر رحلة جوية لي كانت من بغداد لعمّان قبل الحصار الذي لم يتوقف على العراق ، وبعدها بسنوات احتضنتني رام الله أحد عشر عاما متواصلة بدون فراق، حصار فرضه الاحتلال الاسرائيلي عليّ، ولم أتمكن من أن أحمل هوية وجواز سفر الا يوم الأرض من العام الفائت، فكان لقاء العاشق مع عمّان التي لم تفارقني كما طيفي سنوات أسري.

لعله من الطريف أن تكون رحلتي الأولى للمدينة الحلم/ القاهرة يوم ذكرى مولدي، فهل كان القدر يرسم لي حياة جديدة من خلال هذه الرحلة؟ سؤال دار في ذهني حين اقتربت الطائرة من أجواء القاهرة، فشعرت بقلبي يكاد يقفز من مكانه، شعرت بجسدي ويداي ترتج، فأغلقت كتاب إمرأة الرسالة للكاتبة الفلسطينية رجاء بكرية الذي كنت أحمله وأقرأ به وهمست: عذراً يا امرأة الرسالة، عذرا يا رجاء بكرية، دعي روحي تحلق مع القاهرة الحلم في هذه الليلة، مع الأضواء الجميلة التي غمرت روحي، مع عبق التاريخ والحضارة الذي حلق ولف الطائرة بالحب والحنان، طيبة أهلي في مصر وهي تغمر روحي قبل أن التقيهم.

حين هبطت الطائرة أرض المطار وودعت طاقم الطائرة الجميل على السلم بابتسامة وكلمة شكراً.. يعطيكم العافية، واتجهت للحافلة التي ستقودني الى بوابة المطار الداخلية، تمنيت أن أركض راقصاً بدلا من ركوب الحافلة، ولولا الخجل كنت سأحتضن الموظف في المدخل وهو يقول: أهلا وسهلا تفضلوا، نورتوا مصر، فأكتفيت بالقول له مساء الخير.. مصر منورة بأهلها.. وخلال دفائق كنت أنهي الدخول وأستلم حقيبتي وأغادر قاعة المطار للقاهرة، وما أن خرجت من القاعة الداخلية حتى كان الرائع خالد ينتظرني، فكان لقاء حاراً تغمره مشاعر المحبة والجمال، وحين ركبنا سيارته لم يتوقف عن الشرح عن الأماكن التي نمر بها، وكنت أنظر بدهشة إلى الشوارع المتسعة والمنارة جيداً، وسمعت همساً في المقعد الخلفي فنظرت، فرأيت رام الله وعمًان وطيفي يرافقوني الرحلة والجمال، فابتسمت وابتسموا، وقبل أن يوصلني الرائع خالد لمكان اقامتي الذي رتبه أصدقائي قبل الوصول، قمنا بجولة مطولة في شوارع القاهرة، وسهرت معه حتى بشائر الفجر، فالقاهرة مدينة لا تنام، كما حبي لها الذي لم يغفو يوماً.

ورغم كل السهر صحوت مبكراً كالعادة، فتحت النافذة وخرجت للشرفة، عانقت القاهرة في هذا الصباح الجميل والرائع، كنت في حي الدقي الهادئ وفي الطابق السادس من بناية هادئة، فأطللت على الشارع الهادئ المكتظ بالأشجار، فجهزت القهوة وشربتها وأنا أتأمل الشارع، فتذكرت أن اليوم جمعة وهو عطلة رسمية مما يساهم بالهدوء والجمال، وبقيت متأملاً الشارع، أحتسي القهوة مع طيفي ورام الله وعمّان، أجريت بعض الاتصالات الهاتفية، خرجت وتمشيت في الشوارع على غير هدى، يشدني الشوق والحنين، وانتظرت خالد وذهبنا سوياً إلى الغداء الطيب، وتجولنا في أحياء كثيرة، ثم التقينا العديد من الأصدقاء في عالم الكتابة والشعر والتحليق، وأنهينا الجولة في منتصف الليل باحتساء الشاي في مكان لطيف وجميل في شارع التحرير.

السبت كنت مبكراً برفقة خالد في ساحة مسجد الحسين، صليت هناك تحية المسجد وتأملت جماله وردهاته الواسعة وعبق الايمان المنتشر وضريح الحسين وخرجنا إلى خان الخليلي الجميل، وفي أزقته الجميلة ودروبه كنت أتنسم التاريخ وعبقه، جلسنا في مقهى الفيشاوي الذي طالما سمعت وقرأت عنه،أفطرنا بمطعم جميل، تسوقت بعض التذكارات من خان الخليلي، وحاصرنا الوقت فمررنا من أمام القلعة ولم أدخلها، وأجلنا زيارتها والمتحف والأزهر إلى موعد آخر، ومن هناك كنت أتجه الى النيل للقاء أخت عزيزة التقيها هنا بعد أن غادرت رام الله قبل عشرة سنوات مع أسرتها، والتي ربطتنا علاقة نضالية قديمة وعلاقة أسرية أروع، وفوجئت بلقاء الشابة الفنانة كنان الربيعي التي كانت طفلة حين رأيتها آخر مرة وأصبحت شابة فنانة وتكمل الدكتوراة في الفن، وتقدم رسالة الماجستير بتفوق في حقل شائك من الفن الا وهو الخط العربي، ورأيت في لوحاتها فنانة واعدة تحمل هم الوطن والحلم بالقادم الأجمل، فكان عبق النيل في الجلسة الجميلة ونسائمه المنعشة، وانضمت للجلسة الصديقة الكاتبة هدى والتي عرفتها من خلال الكتابة وخاصة الصباحات والترانيم، وبقينا حتى المساء ليكون لي جلسة أخرى مع الأصدقاء والأحبة امتدت الى ما بعد منتصف الليل، لأجد نفسي مرهقاً صبيحة الأحد فاكتفيت ببعض الزيارات الشخصية ولقاءات مع العديد من الكتاب والأصدقاء حتى المساء.

في المساء كنت أعانق الفن والجمال في قاعة جاليري الفن في الزمالك مع لوحات معرض اسطنبول للفنان القدير عبد الحفيظ فرغلي في معرضه اسطنبول، الذي حملني في رحلة روحية مازجت بين القاهرة الجميلة وأسطنبول روح الشرق، وسيكون لي قريبا دور في الحديث عن هذا المعرض والفنان المبدع واللطيف، وحقيقة لا بد أن اشير للاستقبال الجميل والدافئ من ادارة الصالة السيدة ناهدة الخوري، ولجمالية الصالة ورقيها بحيث أضافت للروح جمال آخر وأنا أجول في رحاب المعرض مع العزف الموسيقي على قيثارة أعادت للذاكرة تاريخ مصر وحضارتها العظيمة، ومن هناك إلى كلية الفنون ومعرض الفنان الفلسطيني الشاب ميسرة بارود بمعرضه فوسفور ابيض الذي حمل الهم الفلسطيني والمعاناة والأمل في العيون الغزية التي مثلت وطنا بأكمله من خلال عشرات اللوحات، فكتبت له كيف حملني في زيارتي الأولى للقاهرة وأعادني للوطن الذي لا يفارقني، ومن هناك الى ساقية عبد المنعم الصاوي وحضور معرضين، الأول للفنان الصيني يوسف شول، والذي أخذ بشغاف قلبي بلوحاته، ومعرضا للصديق نبيل عناني صديقي في رام الله بفنه المتميز ولوحاته الرائعة، فشعرت بروحه في لوحاته تمسك بيدي وتعيدني لرام الله.

في هذا الصباح أجلس للشرفة القاهرية الجميلة المشرفة، أكتب عن تحليق روحي، أحتسي القهوة ويرافقني طيفي، يهمس في أذني: ما أجمل القاهرة وما أجمل عبق النيل، وأشعر برام الله وعمّان ترقصان طربا وفيروز تشدو لنا:

"لم أدري ما طيب العناق على الهوى حتى ترفق ساعدي فطواك، و تأودت أعطاف بانك في يدي و أحمر من خفريهما خداك، و دخلت في ليلين فرعك و الدجى، و لثمت كالصبح المنور فاك، وتعطلت لغة الكلام و خاطبت عيني في لغة الهوى عيناك، لا أمس من عمر الزمان و لا غد جمع الزمان فكان يوم رضاك".

صباحكم أجمل.

الخميس، مارس 19، 2009

لأمي القدّيسة ولكل أم قدّيسة: حرّاجتك

د. إياد قحوش

نهارك سعيد بعيدك

وبيزيد
شوقي لدفوة غمرتك
بالعيد
وشو غمرتك
مسحة رسول
خيال
بيجلّد كتاب القلب تجليد

*

بالعيد
بشحد من صبح عرزال
صوتك
ندي .. وبزرنقو تغريد
بلملم صدى الماضي
وجع تمثال
من ضربة الإزميل باس الإيد

*

وكل ما بتجي
حرّاجتك ع البال
بتهبّ
ريحة هندبي من بعيد
متل الغيوم النازله ع حْبال
حبّ الشتي
ت تبوّس القرميد

*

وبيصير ع سنين الدهب
سلسال
عمري يشد بقونة التنهيد
متل السما
الفيها الجراس جبال
وبتدقها إيد الرياح رعيد

*
ألله ياأمي
و نهر موّال
عهد الطفوله

طاف عهد جديد
ألله ياأمي
ياأمي قبال
وجهك

الضحكه
بتنقلب قربان
وكاس الدمع
بيصير كاس نبيد

صورة سيدة وخيال شاعر

عيسى القنصل

كراقصة ٍ ؟؟؟

على الاهداب خطوتها ...

كراكضة ِ على ارض من النـــــــــــار

هدؤ النوم ِ ِ يحضنها

بمنطقهـــــــــــــــــــا

وفى الايمان تسبيح ُ باصـــــــــــــرار

فان نظرت ْ

الى عينيك ساهمة ً

تراه السحر َ منتشراً كازهــــــــــــــار

وان عشقت ْ

ترى الانسان منتشيا ..

سعيدا مثل ريح ٍ على اطراف صحراء

اراها فى عيون العشق ..سيدتى

كساها الله خلقا ثم حسنا

فاق وصفا ...فوق انغامى واشعارى

لها وجه ..

كضؤ الفجر ينعشنى ...

ويعطينى بهاء َ السحر كالبـــــــــــــارى

فان ضحكت ْ

تخال الله موجودا ايا سبحانه البارى

وان نطقت ..

خرير الماء يجرى دون امطـــــــــــــار ِ

رموش العين راقصة ُ

على جفن ٍ رهيف ِ الرجف محتـــــــــــار

وتحت الجفن مقلتها ..

ايا نبع ُ دفوق الطعن بالنـــــــــــــــــــــار

لها شفة ُ

على ثغر ٍ كساه الله ..اوصافا ..

والقابا كاكليل ٍ من الغـــــــــــــــــــــــــار

منمقة ُ شفاهها وناعمة ُ

كموج هادى يجرى بليل ٍ دون اعصـــــــار ِ

وفوق الصدر ..راقصة ُ انوثتها

كعصفور ٍ راى بالصدر مسكنه ُ ..

فنام بلا خوف من الصياد ِ والنــــــــــــــــار

بياض الصدر يلهبنى .. اعانقه ُ

فاغفو شاعرا تبكى

على الحلمات اشعــــــــــــــــــــــــــــــــــــارى

؟؟؟+++؟؟؟

تنادينى

بسحر الصمت قائلة ً

متى ياتى غريب الدرب للدار

متى تاتى ؟؟لمنزلنا ..فتحضننى ...

بلا خوف ٍ بلا خجل ٍ بلا عــــــــــــــــــــــــــار ؟؟

انا يا شاعر الاحزان انتظـــــــــر ُ

فهل تاتى ؟؟

انا مطر ُ بعمق السحب سيدتى

قليل الريح تنزلنى ..ورعدا عمق اعصـــــــــارا

سياتى اليوم ملهمتــــى

وتغدو داركم دارى ..

ورسمك لا يعد وهمـــــــــا يكلمنى

ولكّن خفقة تسرى ..مدى عمرى واقـــــــدارى

دقة على بابي

فوزي ناصر


الدنيا الصبح بكير
دقة على بابي
ما كنت مستني حدا
ما كنت موعود بحدا
يمكن هوا
يمكن هوى
يمكن حلم
يمكن علم
يمكن نوى
***
طليت
داعبني الندى
ناديت
جاوبني الصدى

رديت بابي منيح
خوفي ما تيجي الريح
بتزمر وبتصيح
تخبو
تخبو منيح
جايي اله العاصفة
جايي اله الريح

***
ما هديت
والدقة على بابي
يمكن
شي حزمة نور
تتحدى العتم
جايي ومعاها سرور
فل وحبق وزهور
ويمكن
هوى
بدق عا بابي
يمكن
أجو حبابي
جابن حنينن لزمن ماض
وتذكروا بوابي

***
ويمكن
أنا غلطان
يمكن خيالي دق عا بابي
ويمكن
ألف يمكن……
وزاد دق الباب عا قلبي
وزاد دق القلب عا بابي !

*********************
فوزي ناصر- شاعر وكاتب ومرشد سياحي في معالم فلسطين
fauzi_hn@017.net.il



الأربعاء، مارس 18، 2009

المجموعة الشعرية الأولى: السكسفون المُجَنَّح ـ لسامي العامري

الناشر : دار سنابل - القاهرة - 2004
الغلاف للفنان العراقي : باسم الرسام

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

كُتِبتْ القصائد بين عام 1984 و عام 1996
في إيران والمانيا

-----------
( نسخة مُنقَّحة )
2008
كولونيا


**
سامي العامري
--------------
alamiri84@yahoo.de

* ولد في بغداد / نيسان عام 1960 .
* درس في معهد الإدارة والإقتصاد ولم يتمَّ دراستهُ بسبب ظروف الحرب .
* عبر الحدود الى إيران عام 1984
* يقيم في المانيا منذ عام 1986
* له عدة مجموعات شعرية يزمع إصدارها في فرصة مناسبة , منها :
العالَم يحتفل بافتتاح جروحي و : أستميحك ورداً ! و : الإصطلاء بالنجوم ! و : رباعيات من الآخرة ! وكتاب شعري باللغة الألمانية بعنوان : قلادة من جُزُر .
وله كذلك من الكتب التي تنتظر الطبع :
* كتابان أدبيان , الأول يحمل عنوان : حديث مع ربة الشفاء .
والثاني : النهر الأول قبل الميلاد .
• كتاب في النقد الأدبي والسياسي والإجتماعي وعدد من قضايا الفكر يحمل عنوان : الأحلام بوصفها هاوية !
• خلال السنوات الماضية نشر الشعر والقصة والمقال في مجلات وصحف عراقية وعربية وينشر منذ سنوات في شبكة الإنترنيت .
**
القصائد

بوهيميا الحَمام
*** *** ***
- 1 -
نهراً بجنحٍ من أزاهيرٍ
جناحي يستطيلْ ،
غجراً بفوضى اللونِ
ينتشرون ما انتشر
الهديلْ .
- 2 -
قمرٌ ولكن ليتَهُ جيرانُنا ،
جيرانُنا نأيُ الحَمامِ
ولاتَ حين نوافذٍ
غيرُ المُدام !
- 3 -
متحمسونَ
فكانَ في الأمداء مسعى
لكنما البحرُ الذي ركبوُهُ
- لايدرون -
ضَمَّتهُ العواصفُ
طار
طار
كثوب أفعى !
**

الثلاثاء
***
- 1 -

ماذا اذا عَبَروا التخومْ
مِن دائرينَ
وجنَبهُمْ لوحٌ بهِ
أوقاتُ إقلاع الغيوم ؟
- 2 -

النخلُ في الأفق الخَضيلْ
رَبٌّ
أطاحَ
بهِ
الهديلْ !
- 3 -

صيفٌ … رصاصْ
مُدُنٌ … رصاصْ
هذا الرصاصُ
أراه مزروعاً على جسدي
ثقوباً فوقَ نايْ !
**
سباق الخيل والعَبَراتْ
*** *** ***
هل أطلعَ القصبُ الإوَزَّ
على طوّية قاربي حتى يضجَّ ؟
ولو دعتني النفسُ
أوقفتُ القواربَ كي تراني ،
لو دعتني الريح
طوّرتُ الحكايةَ ،
قلتُ : إني سابحٌ ،
بيدي زمامُ الضفَّتينِ
فلا أهاب وشايةً
من طحلبٍ ضَجِرٍ
ولا ترنيمةً من معزفٍ عَطِرٍ
ولا حتى السنابلَ
وهي تترك جَذْرها يقفو دمائي
إنه شَغَبي النخيليُّ المدى
إنْ تلغِهِ يفرشْ سجاجيدَ الشظايا ،
تفتقدْكَ هداهدُ القمر الشرود
مع الصدى
فاليكَ عنك
وسِرْ اليَّ
وليس عنواني سوى ......
إِلاّ ......
عدا ......
كَلَّ النواعير الغريقة ،
كلَّ حرفٍ ضَلَّ ذاكرتي
فطوَّبَهُ فراتُكَ عاقلاً
لا يستعيرُ مسلَّة الصبواتِ ،
دمْلَجَهُ غيابُكَ بالصدأْ
حتى ابتدأْ ......
يرتاب ،
ترجع صبوتي ورقاءَ كالأحزان ،
غصنٌ لا تني
رئتي تفاتِحُهُ برفّات اليمام
وكيف تقتبس الشموعُ ضياءَها
من جمر قلبي
كنتُ حتى قبل ساحاتٍ
أُجيدُ الذكرياتِ
فلا أسير الى ملاكٍ
لا يُرى بالعين والشرفات
حتى فاض نهر القافياتِ
وليتها قيلولةٌ في القاع
ثم تفيض كأسي ......
قلتُ : كنتُ مخضرمَ العَبَراتِ
مقتدياً بخيلكَ
فأنتهيتُ لأرضِ فارسَ
ساكباً دمي والقناديل َ
احتراقي السرمديُّ أضاءَ طهراناً
فاعطيتُ الامانَ لكلّ ساعٍ ،
طُفْتُ ( مَشْهدَ )
في القرون المعتماتِ
وكلُّ عينٍ مثل عيني
ليس يملأها سوى حلمٍ
تكاد الشام لا تنساهُ
ثم ابتاعنا
والغرب حاضرةٌ تكرَّمَ دربُها
فأضاعنا !
وأضاعَ سرباً من منافي
ينبيكَ ما لاقى كفافي
أفكان زالْ ؟
أفذاك فاوستُ المخلَّدُ
حيث لا حجرٌ ولا تمثالْ ؟
وعلقتُ ثانيةً بأهداب السؤالْ
ورأيتُ ثََمَّ اللهْ
وسمعتُ ثَمَّ اللهْ
وشَممِتُ ثم الموتَ زهراً يانعاً
يمشي فيتبعُهُ نداه ْ
لو أيقظ الامواتَ بالباقاتِ
أطفالٌ حيارى في المدينهْ
لَسَمَتْ بلادُ النهر
حيث النهر بحرٌ لم يزل فَي المهدِ
ساعاتٌ ......
وتسبح قامةُ الصبح الحزينهْ
من طارحٍ عنها السُّرى
ومطارح العشاق
عطراً
كي يغازَلَهُ مغازلةً ضَروسْ
أو واحةً لعبتْ على ريحانها
خُضرُ النفوسْ
وتَزَيَّنَتْ للطير ساقيةٌ !
فهل أنا كاتبٌ حقاً دواري الحلوَ
ام حزني المُعرّى ؟
ليس الفراش’ جميع ما يخفي الهواء
وراء غابتهِِ الشفيفة
فالظباءُ تطلُّ عصرا
وكأنَّ منضدي بَرارٍ
وأنتظرتُ ظباءَها
شعراً يمُتُّ الى النساء بغبطةٍ
والى مدائنَ - لم يشاهدْها -
بذكرى
شعراً يمتُّ الى العراقِ بدجلةٍ
والحربُ تلوَ الحربِ تترى
انا قادمٌ حزناً
وهم يتهامسونْ
مازلتُ أسمعهم
وها هو ذا النهار
والحقل يلغط بالخضار ،
سمعتهم يتهامسون ،
عرفتُ ما قد سوّلتْ
لهم الحجارةُ
إنهم ينوون رجم القادمَ التالي
وما فيَ الدرب غيري أنا
وغير بقيةٍ من بعض شيءٍ
لستُ أعرف كُنْهَهُ
أدعوك من قلقٍ إذنْ
أدعوك لقِّنّي الرمالَ وعثرةَ الأجيالِ
لا تتركْ هضابا
إلاّ وسيَّرْها سحابا !
وأنا هنا أدعو السراب وإنما
أدعو لقُاهُ لِما تعشَّقَ فيه
من دُرر المحارْ
أدعو اليك حمامةً بيضاءَ من فرط النهارْ
أدعو اليك مقامتي الاولى
وهل رئةٌ كما ضفةٍ ؟
وهل ضفةٌ كما وترٍ ؟
وهل أدراك ما أدراكَ ؟
أملينا الجراحَ على الطفولةِ ،
تستعيدك حيث تحنو
والزنابقُ حالماتٌ بانقضاض فراشةٍ !
هذي شظايا من أقاصيصٍ
تمنُّ بها الرياحُ على شراع المُبْعَدَينَ
فراحَ يغرقُ ,
تضحك الأسماكُ
وهي تدُلُّ غارقَنا على أفقٍ
نما في القاعِ
حتى لم يعدْ في الوسع إصغاءٌ لناي !
بيني وبينك صيحةً خطروا
تجاه الموت والمجهولِ
ملءَ أناهمُ يهوون ،
مِلءَ أناكَ
مِلءَ أنايْ
هم طالعون من ارتعاشاتِ الغلالْ
أسماؤهم أدواؤهم ْ
وجنانُهم حرمانُهم ْ
ورياضُهم أنقاضهم ْ
إن كان موعدُنا غداً صبحاً
فانّ الضوء سالْ
أفلستَ رُبّاناً ...... ؟
تعالْ !
**
رايةٌ مُغْمَضةٌ
*** *** ***
لا شفاءَ للَهِّم المعتَّقِ ,
واقفاً أسير على
غير هدىً ،
كجناحٍ معتصمٍ في طيّات مرفأٍ
وَعِبْرَ هانوفر ما !
هامبورغ ما !
أسير مصطحباً خطاي لا غير
ساعتي تُشير اليّ وأربعين دقيقةً
خطاي ، خطاي المثابرة على اليأس !
مئات الأفكار خطرتْ ببالي
في المسافة القصيرة ما بين بيتي
وبين السوق ،
ليت نقودي بعدد أفكاري
فأشتري ما أشاء من صناديق النبيذ !
**
ميقات الثمر
*** *** ***
في هذا القلبِ ، تشبُّ النارْ
وتشبُّ النارْ
في هذي الدارِ ,
تركتُ الدارْ
تصّاعَدُ منها ألسنةٌ من أزهارْ !
أزهارِ الحبِّ
وأسرابُ حمائمَ حائمةٍ
أدْهَشَها اللحنُ الهامي
من أنباضِ الينبوعْ
وانداحت مرآةٌ عند ضباب الأفق
فيعدو الناسَ
وتّسابقُ والغزلانَ
فلولُ الغيم
فألمحُ قلبي المشبوبَ يُشعُّ
ووسط النار يضوعْ
أقنعةٌ تسقطُ ،
أسماءٌ تتداعى
لا يمكثُ إلاّ عُشٌّ مبنيٌّ
من رفرفةٍ وصداحْ
لا تمكث إلاّ الذكرى في الساحْ :
كان البلبل فوق التينةِ
يتعجَّل ميقاتَ الثمرِ
وكان صحابي
يعنيهم ما يخفي وأخفي ،
كُنّا كصديقين .
على ضفةٍ سائرةٍ
كَبُرَتْ ذكراها
فلثمتُ صداها
وسعيتُ الى طاولةٍ
مُثْخَنَةٍ بالأقداح !
**
حزن يجهله القاموس
*** *** ***
ما قاد دماءَكَ للشعرِ ؟
أَدبيبُ الخمرِ
أم أعماقٌ تلمَسُها
في آناءِ الليل وأطرافِ الفجرِ ؟
أم خيباتُ الحبِّ !؟
أم لحظاتُ خيار صعبِ ؟
أم خوفٌ مِنْ وعلى وطنٍ مَغتَصَبِ ؟
أم أخطاءْ ؟
أم كِْبرٌ وإباءْ ؟
انا محزونٌ منذ نعومة أشعاري
في قلبي الحالم بالثورةِ
يكمن حزنُ
جميع الأشياءْ
يجهلهُ القاموسْ
حزنٌ يوقف بندولَ الفانوسْ !
**
ذرَّة الشعراء
*** *** ***
المرض والجوع
فعلان مساعدان
ولكن على الغضب حَدَّ الذَرَّةِ
فأين هي ذَرّةُ الشعراء ؟
لو كان بيدي سيفٌ
لشطرتُ القمرَ الى نصفين
والنصفين الى أربعة
والأربعة الى ثمانية
والثمانية الى ستة عشر
والستة عشر الى ملايين الدموع
تضامناً مع أطفال النخيل .
**
أنجم ٌ كالجروح الطرّية
*** *** ***
إنها الحرب تغلي
ولا سامعٌ يسمعُ
ولا نسمةٌ تلمعُ
سوى سنوات المحال الثماني
وأخرى تلتها
وأخرى غداً تتبعُ
فعلى أيِّ لحنٍ
تودّعُ أشياؤنا أرضَها النَيِّرهْ ؟
وكيف تُصلّي
ووجهُكَ ولّيتَهُ صوبَ دجلةَ
هل تصطفي قِبلةً سائرهْ ؟
أنجمٌ كالجروحَ الطرّية تقطر ،
أدمعُها الحمرُ تهطل كالشذراتِ
كدمعي وما أكثرَهْ !
أَعنّي
فاني وأَيمِ الشوارعِ في بوحها والمعابرْ
وأيمِ العذاباتِ
لاقطةً حَبَّها حيث جاع المسافرْ .
تخلّلْتُ جرحَكَ
باباً فَبابْ
فانتهيتُ الى أُفُقٍ قد سما
فاذا بَجَعٌ هالني صاعداً للسحابْ
بجعٌ يتهاوى بمرج الدخانِ
على حين غَرَّهْ
فيلفظ أنفاسَهُ دُرَّةً بعدَ دُرَّهْ !
**
جذورٌ شاهقة
*** *** ***
وراءَ البابِ
يُقعي الليلُ
يَنشد رؤية الأسرارِ ،
يا ليلاً ضبابيّاً ،
ليلبسْ قلبُك المنهوكُ
نظّاراتِ ساحرةٍ
ولو حلمي شراعٌ راجعٌ
بالغَمْر نحو بدايةٍ أُخرى ،
قِفا نَمضِ …………
وكانَ دمي الدليلَ بعتمةِ المسرى
وكنتَ سألتني
عمّا دعا الأشجارَ للإقرار بالظمأَ الكبير
فَرُحتُ الصقُ غيمةً بالصمغ
في أفقٍ يشير الى مغيب الشرقِ ،
أعبرُ قامتي ،
تجتازني الأسوار
كُنتُ سأمتُها
في كل طور كُنْتُهُ :
سكرانَ ام يقظانَ ام ما بينَ بينَ !
ومثلما وترٌ هو الشريانُ
أعزفُ صبوتين عليه
أعزف عالماً بأصابع الغابهْ .
**
مساجلة على باب غرناطة
*** *** ***
قد طابَ للأمير والقُوّاد
أنْ يحلموا ،
أنْ يكتبوا ،
أنْ يخرجوا من أطوارهم ،
من باب عُشِّ الببغاءْ
وللجواري أنْ يرينَ الطفلَ
في همهمةِ الريحِ
كمرعى بسمةٍ بريّةٍ مُسْتَفْسِرَهْ
وكلُّ هذا كانْ
تزاوجَ الخفافيشْ
في الظلمةِ الطاهرهْ !
ها إنهم يرحلونْ
والشاعر الليلةَ يرتجفْ
ويرقب الراحلينْ
آمالهم عريضةٌ كالطبولْ
وحين عاد الشتاءْ
ماذا وعى الشاعرْ ؟
تناثرتْ اشلاؤهُ
كختمةٍ شمعية حمراءْ
تغلق بابَ النملْ
غرناطةٌ ……
غرناطةٌ ……
لو أنهم أدركوا ما الجرح
الذي يبني دم الشاعرْ
لكنما ……
لكنما …..
لن تثقبَ الأحلامُ أقواسَ السحاب !
عاد كذا الاميرُ
مسرورَ الدُمى
وضاحكاً وعارياً
وضاجع القاتلَ والمقتولْ
وحَدَّثَ الناسَ عن الفِراشْ
ووحدةَ الفصولْ
لا تنصح الشاعرَ بالقفزِ من الأسوارْ
لا تنصحِ الاميرَ بالعدولْ ……!
**
صيغة تفضيل
*** *** ***
أنقى من الهواء
دخانُ طاغيةٍ
يحترق .
**
حكاية قلم
*** ***
فَرَّ لوركا
بعدما راموهُ شحّاذاً بعُرْسِهْ
ثمّ في الحانةِ قد ماتَ
مُسيحاً قَلَقَهْ
فتذكّرتُ بأنَ القلمَ
اصطفَّ مع القاتل
فاستأذنتُ لعناتي
لأبدو خارجاً مني
انا مَن كنتُ رَحمَ الورقَهْ !
**
آخر القطاف
*** ***
أعوامٌ بلا مفاجآتٍ
أزفرها تجاه سماء تموز الصافيه .
في ذهني مراكب صيدٍ
وخمرٌ وتبوغ
حيث تتبدّد على مدِّ البَصَر
جزرٌ حمراء كقطرات دمٍ
لطائر بحريٍّ جريحٍ
وغيمةٌ تأتي من بعيدٍ ،
تهبط لتتزوّد بالماء والأسماك
وقد تستريح ليلةً
وفي اليوم التالي
أوْدِعُها بعضَ غربتي لتواصل السفر .
أناَ البحّار الخاسر
خسرتُ المرأة
ومن قبلُ اكتشفتُ زيفَ الصديق
وها انا أوشك أنْ أخسر الوطن !
**
الصباح يتبعني على رؤوس الأصابع
*** *** *** *** ***
نائمون
سوى عاهرات الطريق
يضاجعن أعمدة الكهرباء ،
وما هي إلاّ تناول شايٍ
وردَّدَ ثغرُ الصباحِ
سعالَ العصافير ،
والليل بقّالْ
يُلَمْلِمُ كلَّ النجوم ويوصد أبوابَهُ
ها انا في الدروب ،
تفحَّمَ وجهي بصوت الغُراب المسافر توّاً !
وفي النهر أرمي حَصىً
فتنمو الدوائرُ في النهر كالطاولات
ومن زهرةٍ في الضفاف لأخرى
يطير الندى حشراتٍ صغيرهْ
ولكن انا
مَن يكون شهيداً بوقعٍ كهذا
الى أين
بل فيمَ أصهر وقتي ؟
تطاولتُ ،
أغمرُ كلاًّ
بخُصلات صوتي !
**
إنعتاق
***
قلبي …
لمّا تزَلْ سيّداً للكآبةِ
اني سأرميك في (( سانت باولي ))
مقاطعةِ العاهراتْ
فقد يحسبونك سِّيدَ قومٍ
فتمسي سعيداً
وأمضي انا دون قلبٍ
لعلّي أحسُّ – ولو لحظةً – طعمَ هذي الحياةْ !
-----------------

(*) سانت باولي : إحدى ضواحي مدينة هامبورغ .
**
بكاء
***
- 1 -
قلبي يبكي منذ نعومةِ أَضفارهْ !
كانَ المرجوُّ
هو البحث عن المصباح السحريِّ
ولقد شاركني الرأيَ الصيادونَ
فَهُمُ أيضاً ماعادوا يثنون على البحر !

- 2 -

أَتَذَكّرُ ……
أتذكّرُ ……
لكنَّ قطرات دمعي المتساقطة
حاذقةٌ في العزف
على البيانو !
**
أنامل رعوية
*** ***
لم يكن لسفينة مِلحٍ
أن تلاحق غيوماًَ عذبة .
عطر الأوراد رغم الدماء
كان موغلاً في تفتّحِهِ
والنخلاتُ نافورات ماءٍ أخضر
كمدىً يتوسّدُهُ رحيلُ يمام
وعلى هذه الدوحة بالأمس
أناملُ رعويةٌ
رأيتُ اليها
فقلتُ : يا شوقُ ،
فاكهةً تعال نسمع
وتعالَ نشمُّ نواقيس
كُنْ حُرَّاً كرؤىً في مهجةِ تمثالْ !
**
قبل نحو ثلاث قلاعٍ
*** *** ***
دفعتُ ظلالي أشرعةً
كان صوتي يطوي ممالكها
والمهالك مزدهرهْ
ربما إنني الطفلُ
همتُ بها قبل أن تُنهيَ العدَّ للعاشرهْ !
قال : ها هي تعبر دونكَ ,
ثم انبريتُ لافتحَ بعضَ الرسائل
بحثاً عن الأوجه العابرهْ
ومن ثم المح’ مليون عينٍ مسافرة في الهواء
راح يرتعش الخيزرانْ
وتخفق في الكأس أعماقُ مرجانْ
ويُقتل انسان !
قبل نحو ثلاث قلاعٍ
ترفُّ عليها اللّقالقُ
أشرعةً من غيومٍ تُشعُّ
اعتصمتُ بهاويةٍ ،
كنتُ أَملّتُ
لا أعرف المنتهى
غير أني خلعتُ السكينهْ
مبتدئاً بالبكاء
لأفسدَ أفراحَ هذي المدينهْ !
وقد أستفزُّ القمرْ ,
حفيفَ المياه اذا ما صبا
وخرير الشجَرْ ......
عالمٌ لم يزلْ غامضاً
طالما عادَ بيْ
فاستمعتُ لوقع الأَثَرْ !
**
إمرأةٌ في الثلاثين من عمري
*** *** *** ***
ولكن لن يضيرني
فحتى اذا وَجَدْتُني واقفاً
وظلي سكران يترنّح
فسأَغُذُّ السير
حتى أُهدي لأعشاب الحقول
باقاتٍ من الخرفان !
وفي الليل
حيث النجومُ مساماتُ الله ..
والبحر يتخبّط موشكاً على الغَرَقِ
والهواء عليلٌ مثلي
ستناديني فاتسلَّل اليها عَلَناً
إنها زهرةُ قّداحٍ ،
عبيرُها يتفتّحُ
بصُحبةِ أنفاسي !
**
المآل أمام بحر الشمال
*** *** ***
جالسٌ ،
بيدي السجارةُ
وهي شريانٌ تمرَّسَ باللهيبْ !
وفي أُذُنَيّ ترتيلٌ ترابيٌّ يدورُ ،
وموجةٌ صفراءُ
تغمر نصف ساقي جورباً !
**
عناقيد الرصاص
*** ***
رئةٌ بها
تَتَنَفَّسُ الأكوان
من بعدَ اختناقِ
مدار أنجمها بموسيقى الصديد
ورجعِهَا اَلدَبَقيّ
ها عدتُ انتبهتُ الى صلاةِ الميّتين
فما عجبتُ لأنها أشجى ،
عبرتُ اليهمُ ،
مُترَنّحاتٌ فوق أسماعي
عناقيدُ الرصاصِ ،
هوىً يُدوّر – مثل مروحةِ الطواحينِ –
الحمامَ أذيعُهُ
فأهابُ ألاّ يُستطابَ
لأنَّ آلهةَ الخرابِ
تهافَتَتْ ،
غرستْ مسافتَنا جراحاتٍ تسيلُ
وبعدُ لم تغمدْ مخالبَها
أهالكَ أينما حَدّقتَ ثَمَّ دمي ؟
دمي ما كانَ يرفو اليأسَ
في سجن الإهابْ
لكنه مُذْ كانَ كانَ غدائراً
وصدىً بغابْ !
**
كمانٌ ليس عندي
*** *** ***
بشراهةٍ أصغيتُ ,
إصغائي سدى
وبصبوةٍ حَدَّقْتُ ,
لم يرجعْ صدى
صَعُبَ الضحى دون الهديل
وقد حفظتُ كما الخواتمِ
كلَّ أسرارِ القتيلِ
وَدَدْتُ لوَ أنّ الحَمامَ أذاعني ،
أوحى اليَّ ولو على رَغم اجتهاداتِ النخيل ،
هيَ الأزقةُ كالمرايا
في نثارٍ ، لستُ ادري
هل تخطُّ يداي باللَّهب الشبيهِ
بصبغة الحناء حرفاً في الهواء الطلْق
من شِعري ؟
غيومٌ حّلقت عِبْري
كمانٌ ليس عندي
كي أُطمئنَها بأني جَنَّةُ الأخطاءِ ،
ماشٍ
أستظلّ بها
وفي زُوّادتي حطبُ الشتاءِ
أرى ملاكاً
في المدى الشرقيِّ
يهبط كالشهابِ
مَن شاءَ أن تختَارني ؟
صعبٌ كمرقاكَ
اصطحابي !
**
ينتهي نسبي للحرائق
*** *** ***
أعوامي الماضية
أرخبيلاتُ ضبابٍ
يُحيط بها العساكر الناشبةُ أضفارُهم في الضياء
كانوا عساكرَ
كانوا فضاءاتٍ بلا حزن ولا أسرار .
والآن …
طرقٌ مجهولةٌ تتغذّى على خطاي ،
تنمو ، تتّسع ، تطول
انا الذي اختبر الملهاة مرتين
لي قصة بعيدة
وها قلبي وحيد
يتسلى بالملل !

بلا قّبعة
تقيهِ حَرَّ الشمس
وبردَ القمر !
وكم بعيدٌ هو العراق ،
بل كم مُغبَّرٌ وَمنسيّ !
**
من بعيد
***
هنا وهناك
أقفُ متمدّداً على ظلّي !
أرى الضياء
أزهار عبادِ شمسٍ تلامس النجوم ،
وأطفالاً بعيونٍ مختلفٍ الوانُها
يهرعون للإحتفاء بها
وأضحتْ قلوب السابلة
بعد قلوب الشعراء
فريسةً للشكر والإبتهاج !
هكذا
ذاكرتي لؤلؤةٌ ترمشُ !
أو أكمةٌ يتبعني ضوءُها
أسرابَ نحلٍ
وأمواجاً تسيح راياتٍ
على الضفاف
بينما ينحدر من بعيدٍ
لا أحدٌ !
**
جزيرةٌ من ماء
*** ***
الصيف
والجسد المبلول بالعَرَقِ
كجزيرةِ ماءٍ
وهكذا ،
واقفاً عند ظل كرمةٍ كنتُ ،
أنفاسي تصطكُّ ،
عيناي تتبعان
نبعاً مَهملاً ،
كرمة ليس لها ما لكرمة الأمسِ
من ماءٍ زلالٍ
ونشيجٍ مالح
ومن ثمّ تذكّرتُهُ ...
كان يافعاً يتهجّى حرب الثماني مراراتٍ ،
زجُرَتُه ولم أكنْ داعيةً أو رسولاً .
لحظةً كبيسةً كانتْ
إنه انا …
إنني أنحدر ,
أجلس على صخرة زرقاء
أرتق قميصي الأحمر
كمَن يرتق حريقاً
ناديت عليه
غير أنَّ سفينةً …
ها هو يبحر
ولكنْ مَن يدُلُّ البحرَ
على أشياء أعمق منه
تمشي عليه !؟
**
مقطع مستوحى من إحدى جداريات بيتهوفن
*** *** *** *** *** ***
ياحافلةَ الأطيار
الداهسةَ على ضلع الشعراءِ
كشواظ الوتر الصيفيِّ
ومَن غيرُكِ يقلبُ هذا الماطرَ ،
هذا الماطَر مثل مساماتِ القيثارِ ؟
عفريتٌ
يحكمُ
أمصاري !
**
أنا
***
- 1 -
انا الذي رأى السماءَ والأرض
تتعانقان كامرأتينِ
سُحاقّيتين !

- 2 -

انا مَن تمادى لا يعودْ
إِلاّ ويُخفي زحمةَ الأشواقِ بالأشواقِ
والغدَ بالرعودْ
انا مَن تصفَّحَني كتابُ الشعرِ ،
أغلقَني ونامَ بظِلِّ عودْ
**
السجود على درع السلحفاة !
*** *** *** ***
غنيتُ الربَّ
فأعطاني مسبحتَهْ
أعطاني أبدية ان أُعلي الأشجارَ
وأشركها في حكمي
انا العاري
والمنبوذ
الحافي !
إخلعْ نعليكَ
فإنك في حضرة ( بوهما الإسكافي )*
وسِرْ فوق الماءْ
هاتيكَ سلاحفُ تتبعني
هاتيك السجدةُ أبسطها
ليراني كُلاًّ ولأنسى
أني كنتُ لحينٍ بعضَ سماءٍ
بعضَ سماءْ !
---------------
(*) بوهما الاسكافي : متصوف الماني شهير .
**
سوح الفراغ
*** ***
وأصابعٌ ركضتْ
بدوحة كلِّ أفقٍ
أخفى نسائمها نضارْ
ومسمَّرون
سوى خصال الأعين التعبى
اذا ذرفتْ على العتبات
دَمْعاً مُشرِكاً
وسوى الخيول تدور في سوح الفراغ
بلا قرارْ !
**
فتوحاتٌ مَدَنيّة
*** *** ***
الى حميد العقابي
في تَسَمُّركَ ما يُذكِّر بماجلان !
صاح بي الغيم ساخراً ،
ولكنني أخيراً وصلتُ ،
انا العَدّاءُ ،
مُرَمِّماً الرقم القياسي ،
مُجْهَداً كالضوء المسكوب
من مآقي النجوم .
أفكارٌ ما زلتُ أُشكِّلهُا ،
أدور حول أسوارها
حتى توهّمتُ بأني فتحتُها
الواحدةَ تلو الأخرى
مغرياً الحبرَ المتجمِّدَ في عروق قلمي
بكتابة قصيدةٍ .
حتى اذا نَهَضْتُ
تحاشاني السابلةُ
مُخْلينَ لي السبيل
وناظرين اليَّ من ثقوبٍ
في الحدائق المتراكمة .
إعتصامٌ في فُوّهةٍ
ذاكرة المدينةِ ،
وعشقُهُ للسلام
يُجَرّحُهُ تجريحَ النمور ،
قال الغيمِ .
والمدينة خَتُمها مُريبٌ :
إختفى القرميدُ فتحسَّسْتُ دمائي ،
إختفى الرصيفُ فتحسَّسْتُ خطاي ,
قالوا :
إنْ عُدْتَ فلن تجدهم كما خَبرِْتَ
يستعدّون لِخِتان السنابلِ ،
ينحني الليل فَتَنتَعِل المدائنُ مَوْقِداً
ولستَ نَبيِّاً
فَتُتَّبَع
أو لُصَّاً فَتُشَدُّ الى جذعِ نخلةٍ
أمّا المدينةُ الأخرى
فهيَ الأخرى بلا تَذَمُّرٍ ولا وَباء
حتى بلا سُكْرٍ وتشهيرٍ بالأضواء !
أين أُعلِّق صوتي ؟
أرجعتُ عقربَ الفانوس
ذاكراً كوكباً قَصّياً
كان رأسي قد دلفَ الى مِشْنَقَةٍ
فأبى أن يَعْتَمِرَ الرماد
صُرتُ بحراً
تصالبَ عبْرَهُ موجٌ
وأغنياتٌ
تمدّ شِباكها لتُعيدَ أسئلةَ الغريقْ !
**
أَقول والعهدةُ …
*** ***
يعرّشُ موتٌ على الجبل القرمزيِّ
وللوادي خنزيرُهُ الجائعُ
الأصلعُ المَعِدَهْ
وفانوسُ راعيةٍ في الظلامِ
يسُّرحُ أظَفاره الراجفاتِ
قشوراً على مائدهْ
خنازيرُ جائعةٌ
فوانيسُ ترعى
وقافلةٌ من جنودٍ
تسير بعيراً بألف سنامٍ
أَضاعتْكَ خطوتُها الماردَهْ !
**
رغم الخوف
*** ***
أيتها النساء
إقطفنَ قلائدَ تتشكّل في دمي
دمي فانوس ديوجين
تحمله الخيولُ
مُفَتّشةً عن ميدان !

*** *** ***

برغم الخوف لأوَّل وهلهْ
أدنو من عينيها ,
أذرف فَوقهما قُبلهْ !
**
دعوة الى مالك الحزين
*** *** ***
الحقلُ يأسرني بمالكهِ الحزينْ
يا مالكاً ،
مرآكَ يسعدني وليس تشفِّياً
صنوانِ نحنُ ،
ألا ترى :
متباطيءٌ دربي ، وخطوي لا يبينْ ؟
دعْ حقلكَ الواهي إذنْ
فغداً تُعَبِّدُهُ المدينهْ
وتعال توصلك الدموعُ
لقعر روحيَ ، قعرهِا
فاذا وصلتَ ترى
حقولاً يانعاتٍ بانتظاركْ
وهوىً ربيعياً
ومالكةً حزينهْ !
**
المُنَجِّم نهاراً
*** ***
عسلٌ مضيءٌ عِنْدَ النافذة
زجاجةٌ … زجاجتان من مذكَّرات النحل
ووراء النافذة
عيونٌ تتمرأى بعصفورٍ ,
زهورٌ تتماثل للرحيق ,
وكصوت أحجارٍ صغيرةٍ تُرمى في الماء
كان صوت القبلات
وكانت الريح ترجّ سنابك السفن …
كم يا تُرى هَزَزتُ مهد هذه الأغنية البعيدة ؟
وكم جنحتُ يأساً للمديح !
بحيراتٍ يتسلقُ الضوءُ وصحارى
وهناك الخيلُ صهيلٌ يفضي إلي برارٍ ما
أيتها الأَعالي , أيتها القمم
كذا الأبوابُ لا تستميل أحداً عن ترفٍ
بل عن جنونٍ كالطَلْع الواقف مزاراً للفصول
وكأفواه الأساور ,
وأنا المنجِّمِ نهارا
أعمدةٌ مَن يبعثرها في حضرة فوضاه ؟
لتَثِبَ الشمسُ هناك ,
تمتدُّ وهي ممسكة بحدود العالم
مُحاذِرةً عصراً محدودبَ الروح
أيها الشاعر , هاتِ قلبك أفتحه ,
أدقِّقُ في جداولهِ ,
أحراشه ,
مرثياته …
أيها الجنون مؤَطَّراً بمجد الوحدة !
**
عملة بثلاثة أوجه
*** *** ***
-1-

ثمنُ الحريّةِ
أعلى من أعشاش
اللقالق .

-2-

تُلاحقُني الثواني
أَتَّقيها حامِلاً آثاَر أقدامي
على ظهري .

-3-

ياعالماً مغامراً بالرمل والأمواجْ
عزاؤنا حريةٌ
عزاؤنا حريةٌ ،
ومطلقُ اليدينِ في السجنْ
أفضلُ من مُقَيَّدٍ وَسط خِضَمِّ الحياةْ !
**
قالت : كأنه هو ....
*** ***
أيتها المدينةُ
مدينتي – إِذْ أراكِ – أرى ،
هي عينَها :
سربَ عصافيرها الثرثار ،
غصنَها الذي تقوَّمُهُ العواصف ،
فَتاها الذي يرمي بسنّارتِهِ في الماء
لا ليصطادَ سمكةً
وإنما مَوجةً
ينطلقُ وإيّاها في رحلةٍ بتول !
**
تعاطفٌ ليس إلاّ
*** *** ***
- 1 -

شجرةٌ
مُسنَةٌ
عمَياء
أمسِكُها من يدها
وأعبِّرُها الشارع .

- 2 -

ظلَّ الناس يبتهلون فوق التل
وَلمّا لم يُنزلْ الإلهُ شيئاً
بكيتُ لهم
وفتَّشْتُ في قلبي عن سِيجارهْ !
**
صالات الريح
*** ***
وأخيراً
ها أنا ذا ساديٌّ
أَنتُفُ ريشَ الأطيارِ
وأَجلدُ ماهبَّ ودبَّ من الأشجارِ
أَسكبُ مافي مِحبرتي
في عِبِّ الريحِ الداخلةِ
الى صالاتٍ تَزْحَمُها جُثَثٌ
مُتَجَمِّدةٌ
كالأرصدةِ ،
وَفي كَفّي مِعْوَلْ
أتحَّدثُ بلُغاتِ الإنسانِ الأوَّلْ
تشكرُني غاباتٌ
تحترقُ بصاعقةٍ من بدءِ المَولِدْ
أدري أني لا أَملكُ هذا ………
دَمعي الدانوبُ
يَصُبُّ بشطِّ العربِ
وَرَجعُ زئيري
يَنْقُلُهُ ناقوسُ المَسجِدْ !
**
سِيّان
***
في هذا الخريف العاري الأغصان
إنْ لم تكن هناك حمامة
تَحتضنُ بيضتين
فهناك غيمةٌ داكنةٌ
تحتضنُ الشمس والقمر !
**
مفارقتان لزمن واحد
*** *** **
- 1 -

كالشيخ
لم يَعُدْ يُعيننُي أَيٌّ
من أطراف جسدي
لا الشمس
ولا القمر !

- 2 -

في وقتٍ واحدٍ
قطارٌ منطلقٌ بسرعة الصاروخ
نحو الإتجاهات الاربعة ،
أنا !
**
من جناح الليل الأليَل
*** *** ***
- 1 -

الليل مرآةٌ
نصفَّفُ فيها أحزانَنا
قبلَ للنوم

- 2 -

الغرابُ دقيقةٌ
من الليلْ .

- 3 -

رصيفُ الليل
حافلةٌ من خطوات .

- 4 -

كُلَّما أرى الى النجوم
أخالُها هي التي تحصيني .
**
ميلادي
***
حينما احتفلتُ بعيد ميلادي
أطفأتُ ثلاثين شمعةً
ولكنّ الله كم شمعةً او نجمةً
سيطفيءُ في عيد ميلادِهِ ؟
ربما النجومَ كلهَّا !
آه ٍ ايها الكون
فَلْتَنْطَفيءْ بكامل نجومك
وَدَعْنا نفرحْ بميلاد الله !
**
الموشور
***
مدينتي يقطعها الغناءْ
حَبْواً على الهواءْ
مدينتي يقطعها الهواءْ
حَبْواً على الغناءْ
لو ضَمَّها زُهْريةً لوَحُ
يبني دمي جرحُ
مدينتي تُخَلّدُ الجراحْ
ختماً على الرياحْ
مدينتي الطفولهْ
مدينتي مقامعُ الرجولهْ
وهاهي الشمس التي دارت بنا عُمِرْيَنِ
لاتُحسنُ – إِذْ تَبْرَحُنا – حتى البَراحْ !
**
كوَّةُ الألوان
*** *** ***
الى جمال مصطفى

ناظرٌ من كوّةٍ كالعينِ صفراءَ هنا
غيمةٌ مقلوبةٌ
تعطيكَ ما تسألُها
إلاّ المَطَرْ .
ناظرٌ من كُوَّةٍ كالعين سوداءَ هنا
الشارع تلميذٌ على مقعدهِ يغفو
وذكرى شجراتٍ
حَفَرتْ قلبي
كذكرى حَفَرتْ قلبَ الشَجَرْ .
ناظرٌ مِن كوّةٍ كالعين زرقاءَ هنا
ما التَقَتْ سفينةُ الشعرِ فَناراً
إنّما باتَ على الشاعرِ
أنْ يكتبَ في القاعِ
على هَدْيِ الدُّرَرْ .
ناظرٌ مِن كوّةٍ كالعين خضراء هنا
عطرٌ تدلّى
أَجْمَعَ البستانُ والبَرُّ
أَنِ العاشقُ موعودٌ وإِلاّ ……
سبقَ السيفُ ابنَ آوى
وتخطاكَ الاَثرْ !
**
الى المدعو وطناً
*** ***
إرجعْ
ياحرفاً
شمسيَّاً
تحضُنُهُ
الظُلُمات !
………………

أو أقول :
طوبى
لأهلي
خريفاً
شتاءً
ربيعاً
وصيفاً
لخامسِ فصلِ !
**
الرحيل
***
ذراعان ممدودتان مطاراتِ جيادٍ
وما استساغتا حَمْلي ,
بحرٌ بأشرعةٍ من الأمواج
وما استساغ حَمْلي ,
وقادمُ سمعني أُصيح :
مَن وضَعَ قشور الموزِ
على دروب السفن المُبحْرِةِ
مع الشتاء !؟
**
أرضٌ أضيقُ من فتحةِ منِْخر
*** *** ***
ُمارسُ زائرُنا الإختناقَ
ويمتصُّ أنفاسَهُ خلسةً !
رمى للشوارع قطعةَ نقدٍ
وأخرجَ من جيبهِ
مناديلَه ُ كالنوافذْ ،
يُعلّل نفساً كما لو سيمتلكُ الَمشْرِقَين !
مضى مُتْعَباً ......
زائرٌ
والشوارعُ ضَيِّقةٌ ،
ضيقُها
ربّما كانَ في نفسهَ
فُسحةً من طفولهْ !
**
تماثيل من خمر
*** ***
كَفٌّ تخطو
عِبْرَ ضباب الفودكا
هَا …
عدتُ فهل تسمعُ ضَحْكا ؟
أسمع ضحكاً
يمتدّ بلا لونٍ
ونهاراتٍ شاحبةً ،
عدتُ ومن يدري ؟
قد القى ثانيةً
حَشْداً من مجذومينَ
يسدّون طريق الفَجْرِ !
أَو قد أمشي
ضمآنَ ولكنْ للجَمْرِ
ليسَ يقيناً ،
من لاهاي
الى كولونيا
حاورتُ النَفْسَ
بكوكبةٍ من قيلَ وقالْ !
من نافذتي
أرقبُ عمراً لا محسوباً
يتعثرُ
خلْفَ الريحِ وما زالْ !
**
المغْتَبِط الصاعق
*** ***
أقفُ ,
متشابكةٌ ضلوعي مع بعضها
كقنوات الرَّي
الشمس مُدَوَّرَةَ الروح تعلو …
الشمس تضيع بين الغيوم
ضياعَ قُبَّعةٍ في الزحام .
الغيوم أثوابُ اللهِ
مُعَلًّقةٌ
على حَبْلٍ من البروق
الغيومُ النازفةُ من الماء
ما يحني وادياً من الخيزُران
مَن غيري أغرى المغتَبِطَ الصاعق ؟
هي روحي تخترق زجاجَ الغيوم
سكسفوناً
مُجَنَّحاً !
**
الغرقى حُرّاسُ البحر
*** *** ***
في البِّر بحيراتٌ تقطنها أشرعة منفيّهْ
وأنا أُشعلُ عودَ ثقابٍ
فتلَوُحُ فصولٌ متنافرةٌ
لا تجْمَعُها إلاّ أضدادُ هويّهْ
لكأَني أزدادْ
يأساً من عمري الطافي فوق مدِادْ !
غصنٌ كالشمعةِ
يرقبُهُ الغرقى
يعلو بجناحين يجوبانِ الأَبعادْ
لكنَّ الأبعادْ
كرسيٌّ ذو قائمتين
على الأفقِ المتدفِّقَ
يستندُ الى غيمةِ صَبحٍ
أفْعَىً تتكوّرُ
عند القائمة اليسرى
وشرائطُ دودٍ
عند القائمة اليمنى
حتى أنَّ يدَ الصيادْ
راحت تتلاشى
كالموجةِ أوْهَنَها الَتّيارْ
غرقى
أدمنهُمْ هذا البحرُ بِصَمْتٍ
حتى أيقظَهُم جرسُ الأمطارْ .
**
مَشْهدٌ لا يُبارِح
*** *** ***
لم تكْفِني مِيتَةٌ ……
مُتُّ تسعا
وعدتُ فَمتُّ ………
وما ضقْتُ ذَرْعا !
وعدتُ عبرتُ مع الفَجرِ ،
كان زفيرُ القطارْ
تَبَدَّد فَي بَرِّها طائراً من بُخارْ ،
طائراً لستُ أعرفُ
ماذا حدا الآنَ بيْ
فَتَذكّرُتهُ قَطَرةً بَعْدَ قَطرهْ
رُبى القُبرَّاتِ
وعصَر المماتِ
الجنونَ ،
العذابَ ،
وغيرَهْ
عَبَرْتُ مع الفجر وحديَ
مُسْتَسلماً للقَلَقْ
أُلَقِّنُ ما يتعرّى
على ساحلي من كواكبَ
بعضَ فنونِ الغَرَقْ
ولعاشر مَرَّهْ
جسدي يتشظّى الى ألفِ فكرِهْ
يُحَلِّقُ
بيْ
عالياً !

**