الأربعاء، مارس 25، 2009

ماهر الخير يتخطى الحداثة ويقدِّم أشعاره بلوحاتٍ راقصة تذكّر بجبران وماتيس والحركة السريالية





تحدّوا العاصفة التي ضربت سيدني مساء 14 آذار 2009، وجاؤوا من كل حدبٍ وصوب، البعض من كانبيرا والبعض من أديلايد، وثمةَ من مارلبورن وآخرون من سيدني، ومن جنسياتٍ لبنانية وعربية مختلفة.
البعض وصل مبتلاً الى مسرح الريفير سايد باراماتا، موعد الأمسية المنتظرة لتوقيع ديوان: "رقصة أخيرة فوق بحيرة كانبيرا" للشاعر ماهر الخير (قنصل لبنان في كانبيرا).
لا أحد يريد أن يفوته هذا الموعد، لا سيَّما أنَّ الشاعر من المعروف عنه بتقديم أمسياته بطريقةٍ جديدةٍ مبتكرة، مستخدماً الصوت والصورة والضؤ والإيقاع الحركي والموسيقى التصويرية وغيرها من التقنيات الفنيّة الحديثة المعاصرة، هذا وكان الشاعر قد قدَّم ،الشهر الفائت، تظاهرةً شعريةً ضخمة، بالتعاون مع مجلس السفراء العرب ومهرجانات التعددية الثقافية الوطني في العاصمة الاسترالية، تظاهرة لأشهر شعراء العالم العربي وذلك ضمن إخراج فنيّ مبدع صفَّق له المسرح الكبير في كانبيرا.
لذا فإنّ الغيابَ عن إحتفالية ماهر الخير سيحدث غصَّةً لدى الغائب، فتهافتَ الجمهور الى قاعة المسرح من شعراء وأدباء وإعلاميين ودبلوماسيين ودكاترة من الجامعات الاسترالية، وراحوا يدخلون على إيقاعات موسيقية شرقية وضؤ أرجواني خافت، في حين صورة الشاعر بالأسود والأبيض تغطي خلفية المسرح كاملةً، ممّا أضفى جوَّاً حميمياً هادئاً وكأنه يبشّر بأن العاصفة الشعرية ستهبّ قريباً على الحضور... ثم فجأةً غرق المسرح في الظلام ليُضاء من جديد على نغمات: "مرايا" نغماتٌ مهمهمةٌ ترافق مقدمة الإحتفال المذيعة المتألقة: "مابال خواجه" التي حيَّت الجمهور قائلة: "الليلة تدخل كانبيرا بوابة الشعر العربي، أميرةً شرقيةً للتتمدد على أريكة القوافي والايقاعات الشعرية المتراقصة..." وبإسم سعادة قنصل لبنان في كانبيرا الأستاذ ماهر الخير قدَّمت تحية شكرٍ الى كل من ساهم في تقديم هذا العمل، سواء من أمام الكواليس أو من ورائها، وخصّت بالذكر سعادة سفير لبنان لدى أستراليا الدكتور جان دانيال ورئيس بلدية باراماتا الأستاذ طوني عيسى، الدكتور أحمد شبول، الدكتورة نجمة حجار، الدكتور رغيد نحاس لنقل بعض قصائد ماهر الخير الى الانكليزية،الأستاذ خالد الأسمر والشاعرة الاسترالية آن فيربيرن.
ثم كانت كلمة البداية للسفير جان دانيال وقرأها دكتور اللغة العربية في جامعة غرب سيدني الدكتور عصمت الأيوبي ، وجاء فيها:

كلمة السفير جان دانيال

دبلوماسيٌّ جمعَ في شخصِهِ مواصفاتِ رجلِ الوفاءِ والثقة والتقدير.
إختزنت نفسُهُ نبلَ التعاطفِ والإبداع الأدبيّ والشِعري.
عرفته زميلاً نشيطاً في السفارة، يعمل بإخلاصٍ لخدمة المواطن والوطن، إنه الشاعر ماهر الخير.
شعر ماهر يتسمُ بنهجٍ خاص به، أسلوبُه الإنسيابي يجعل القارئ يعيش معه صفاءَ الكلمة الحلوة والنسمة الرقيقة والدمعة الشفافة.
إنه إنسانٌ حالم مليءٌ بالرجاء والمحبة والإرتقاء الى مثاليات لا يعرفها سوى الشعراء والفلاسفة.
لقد عرف كيف يلج الى قلوب القراء محاولاً إرشادهم الى ماهية الجمال والعشق والشوق الى الحبيب.
إنطلق من مدار المحبة الى مدى الدنيا، لا يرى فيها سوى الخير المطلق.
فكلماته الوجدانية يتلذذُ بها الناس، كما يتلذذون برقصة العاشق الوحيد إكراماً لحب هوى وتهاوى معه هيكلُ الحِرمان.
إستنطق ماهر الخير الحرفَ شِعراً فجعله "يهزُّ النجم المعلّق على خدِّ الإله، يحاولُ أن يستثيرَ الملائكة المختبئة خلف أحجار وأشجار وأقمار" ما أحلى تلك القصيدة وهي ترقص رقصتها الأخيرة فوق بحيرة كانبيرا.
يغوص فيها فيجمع دُرَرَها حرفاً حرفاً، فيحوِّلها قصيدة نادرة تخلِّده في عالمِ الشعر والوجدان.
وإن جاءت الكلمة المجنَّحة المبدعة تخاطب شاعرنا ماهر فإني أنشدُ معها نشيد القلب.
لك كلُّ تقديري ومحبَّتي."
كلمة اللورد مايور طوني عيسى
ثم كانت كلمة لرئيس بلدية باراماتا الأستاذ طوني عيسى رحَّبَ فيها بالحضور وحيا الشاع الخير معتبراً إياه رمزاً للتجديد والابداع في الشعر العربي لتقديمه القصيدة بطريقة مسرحية إستعراضية جديدة في نوعها ولونها وايقاعها. وقال: ماهر الخير شاعر مسح وجع الكلمات بمنديل قصيدته، ورقص بين حروفها آخر رقصة...ماهر أضأ عتمة الليل بقنديل شعره وكسر حواجز القوافي، وصار من حق الكلمة أن ترقص فوق البحيرة. ماهر أعطى الشعر هوية جديدة، بمفهوم جديد، بعرض موسيقي استعراضي جديد.. ثم تلا:
أرقص على الأهداب أنت يا قمرُ/ ماهر انت وبالشعر أنت ماهرُ
لملم غبارَ الحُبِ عن وجه السما / فآخر رقصة فوق البحيرة / في عيونك تسهرُ...
كلمة الدكتورة نجمة حجَّار
أما الدكتورة نجمة حجّار (دكتورة اللغة والآداب العربية في جامعة سيدني) فقد قدّمت وبأسلوب مثير دراسة تحليلية حول ديوان ماهر الخير، فتحدّثت عن اللون الأزرق الحاضر بقوة في ديوانه، وعن الحُبّ الجارف والحارق في قصائده، وعن تأرجحه بين الخيبة والرجاء، وبين النور والظلام، ثم انتصار الحب والامل على الألم في الختام...متمنيةً أن تكون دراستها التحليلية قد أيقظت الرغبة لدى المستمع بأن يكتشف عالم ماهر الخير الشعري الجميل.
كلمة البروفسور أحمد شبول
أما البروفسور أحمد شبول( دكتور الدراسات الاسلامية في جامعة سيدني) فسلطَ الضوء على الشعر وماهيته من منظور كبار الشعراء والأدباء. وقال إنه يوجد حبلٌ سريّ غامض يربط الشعر بالذاكرة والطفولة، وإنّ أفضلَ الشعر هو الشعر الذي يجعل القارىءَ يستعيد ذكرياته، وما يمّيز الشاعر ماهر الخير عن غيره من الشعراء، فهو أن من يقرأ شعر ماهر الخير أو يسمعه أو يشاهده في قصيدة مصورة أو في لوحة راقصة فإنه يستعيد معه عالم الطفولة والذكريات...

ثم تمّ عرض فيلم قصير عن الشاعر بعنوان: ماهر الخير قنصل الشعراء، يمارس الدبلوماسية، ويتربع على عرش القصائد، وتحدث الفيلم عن رحلة ماهر الخير مع الوردة والسحابة منذ نشأته في مدينة العابقة بأريج الياسمين والبرتقال:" طرابلس"، ومنها لمدائن العالم: تولوز، بوردو، نيس، باريس ،القاهرة، سيدني وكانبيرا... كما تناول موضوع تجديد الشاعر في تقديم القصيدة المصورة أو القصيدة-كليب، وعن الجوائز الذي نالها عن بعض أعماله، لا سيّما جائزة أوسكار الفيديو كليب الدولي، كما تحدث الفيلم عن علاقة ماهر الخير الشاعر بماهر الخير الدبلوماسي، فهي علاقة تقيم التوازنات بين العقل والقلب، بين الهواء والتراب وهي لغة حوار تقصر المسافات، فهي بذلك تحاكي الدبلوماسية... وتجدر الإشارة الى أن هذا الفيلم من تقديم شركة جبالي ميوزيك- القاهرة- بيروت، ووضعت الترجمة له في سيدني أستراليا.
تحية ماهر الخير
تلا الفيلم مباشرة ظهور الشاعر ماهر الخير من بين دخان أبيض وببدلة بيضاء تزين عروتها وردةٌ حمراء، فحيّاه الجمهور بتصفيقٍ حارٍ، وردَّ الشاعر بكلمةٍ عاطفية عن الغربة والحنين الى الوطن قائلاً:
أيُّ رعشة ٍ تتملكني وأنا معكم الليلة، فما كنت يوماً أظن أنَّ رياحَ الحياة ستحملني يوماً اليكم...
وأنا الذي أمتهنت التنقل والتِّرحال، فكادت أجنحتي تتكسَّر في فضاءات المسافات.
مدائن راقصتني، ومدائن اصطادتني كالعصفور ، واتقنت نزيف العِشق والشوق...فنزفت في نهر باريس، ونزفت في نهر النيل، وفي نوافير الأزهر،
إنما في الأخير أيقنت أنَّ كلَّ أنهار العالم دائماً وحتماً لا تصبُّ إلا في بحر بيروت الأزرق.
تحية الى بيروت...

ثم كانت رقصة تعبيرية على قصيدة: "مساء الخير يا وطني" واصطحبت بموسيقى تصويرية للفنان المصري الشهير محمد حسن، قدَّم الرقصة فرقة أرمينيا سيفان دانس أنسمبل، وكانت لوحة رائعة، فكانت الفرفة ترقص بإنسيابية مطلقة، ترقص وكأنها ترقص فوق الماء، فتارة تتفرَّق كسرب حمام، وتارةً تتجمّع في حلقة دائرية وتدور لتدوِّخ المشاهد بحركاتها، وبالمناظر الطبيعية اللبنانية (بعلبك، الأرز، بيروت...) وهي تتدافق على الشاشة الكبيرة تتغير وتتلون على وقع الموسيقى ووقع خطوات الراقصين.
ثم كانت رقصة: " القاهرة، منقوشة على جلدي" التوزيع الموسيقي للفنانين الأستراليين: نيك لج، وورويك لينتش، قدمتها فرقة هلال دانس أستراليا، راقصتان بزيّ أبيض لمعَ كالسحاب فوق رمال الصحراء، وحلقتا كملاكين في سماء القاهرة الدامعة عند الغروب، وكشبحين أبيضين يخرجان من المقابر المذهَّبة ومن وادي الملوك.
والخاتمة كانت بقراءة الشاعر ماهر الخير عن نخلة البيت الاول المشعّة وعن روزيللا وعن الشوق للمدائن التي رحل عنها وعن كانبيرا حيث الأقمار تتساقط لتنطفئ فوق بحيرتها النائمة، وقدم هذه القصيدة الراقصة
وهي بعنوان: " أحد عشر قمراً "، فرقة هلال دانس أستراليا، بزيّ أزرق سماوي لميّع في لوحة ليلية قمرية حالمة، ولسنا نبالغ إن قلنا فيها أنها كانت آخاذة للعين ومدهشة.
ثم شكر الشاعر ماهر الخير الحضور متمنياً أن تجمعه رياحُ الحياة بهم ثانيةً في مكان ما أو مدينةٍ ما من العالم. وخرج بين التصفيق والمصافحات والقبل والتهاني، ليوقع ديوانه الرابع:
"رقصة أخيرة فوق بحيرة كانبيرا" ويهدي محبِّيه ألبومه الجديد:
" أحدَ عشرَ قمراً "، مبتسماً ومتربعاً على عرش القصائد.

ليست هناك تعليقات: