الاثنين، سبتمبر 29، 2008

حديث المواسم

سامي العامري
------------
جاءَ الجوابُ : تَفَضَّلوا , فانقادوا
مُتدافعينَ يزينُهم حُسّادُ !
دخلوا الدِّيارَ على غِرار جروحِهم
مُتَبَسِّمينَ وللجروحِ رُقادُ
ما ضَرَّ لو وَفّى بوعدٍ واعدٌ
وأتى على قَدْرِ النَّوى الميعادُ ؟
شَهَقَتْ كرومٌ واحتَمَتْ صَفصافةٌ
مِن شوقِهم وتمارضَتْ أورادُ !
لَهَفاً أعادهمُ الشَّذا لعرينِهِ
وتسابقتْ لفِخاخهِ الأكبادُ
يا لَلرياحينِ الغَداةَ وقد سَعَتْ
بضَحيَّةٍ , إقرارُها مُعتادُ
وانا الضحيَّةُ ما أضاءَتْ أنجُمٌ
واستعجَلَتْ أعيادَها الأعيادُ !
ما لي أراكَ موَزَّعاً يا خافقي
بينَ الأُلى ... أتشُوقُكَ الأصفادُ !؟
فيُجيبُ : إني قد فُتِنْتُ بنجمةٍ
حَلَّتْ هنا وسماؤُها بغدادُ !
طَلَعَ الشروقُ من الغروبِ لأجلِها
والصيفُ حَرْثٌ والشتاءُ حصادُ !
والناسُ سَهْواً ما جَنوا إلاّ دمي
أَكْرِمْ بِهم , قد أحسنوا وأجادوا !
بغدادُ , لي رئةٌ صَبَتْ فتثاقَلَتْ
وعلا على غيماتِها مِنطادُ
كلُّ الذين رفَعْتِهِمْ في خِيفةٍ
نزلوا لمُعتَركِ الهوى ليُبادوا !
ويردُّني عن وصفِ مجدِكِ كُلِّهِ
بحرُ امتنانٍ غامرٌ مَيّادُ
ولزحمةِ الحَسَناتِ فيكِ يُعيقُني
فيما يُعيقُ الأهلُ والميلادُ !
أمواسمي ياباحةً من أدمُعٍ
أرتادُها والمُشتَهى يُرتادُ
إني خَبِرتُ حمامةً تجني الحَيا
حَبَّاً وتغفو , والغيومُ وِسادُ
فَتَأمَّلي وتَخَيَّلي وتَمَثَّلي
وهَلُمَّ خَمراً , والغِناءُ يُزادُ !
******
كولونيا
alamiri84@yahoo.de



الأحد، سبتمبر 28، 2008

ماذا جرى في بابل ؟

د. عدنان الظاهر


نعم ، ماذا جرى هنالك في العاصمة بابل ؟
مرَّ الشهر الذي طلبت عشتارُ مني مهلة ً كي تعيدَ ترتيبَ شؤونها الشخصية وأمورَ قصرها بعد التطورات الجديدة التي أدّت إلى إعفائها من كافة وظائفها ومسؤولياتها الدينية والدنيوية التي كانت تضطلعُ بها قبلَ زيارتها لي في بلدي البعيد عن بابل . كانت المخالفة الكبرى في أنها لم تطلبْ موافقة حمورابي على مقابلة أُناس ٍ غرباء عن عاصمته ولم تحصلْ على الإذن منه لمغادرة مملكته الواسعة الأطراف ، مخالفتان لا واحدة . رُب َّ ضارة نافعة ... أُعفيت من مهامها المزدوجة الشاقة وأحيلت على التقاعد المبكّر ولكنْ لتتمتع براتب تقاعدي خيالي ومخصصات منوَّعة وقصر منيف على شاطئ نهر الفرات محاط بجنات عدن ٍ تجري من تحتها الأنهارُ ... مكافآت لا تخطر على بال أحدٍ من رعايا مملكة بابل . هل هذه عقوبة أم مكافأة ؟ أراها رِشوة ، نعم رِشوة ، لماذا ؟ حمورابي رجلٌ ذكيٌّ بعيد النظر كثير التجربة يعرف كيف يتعامل مع عناصر بلاطه نساءً ورجالاً . كافأ آلهة الجنس المغضوب عليها بإمتيازات لا يجرؤ بشرٌ أو رب ٌّ على التنازل عنها فالإمتيازات قيودٌ والقصور الشاهقة حصونٌ
وسجون . لقد حكمَ ملكُ بابلَ على عشتارهِ بالسجن المؤبَّد دون قيودِ حديد في يديها أو رجليها . ستظلُّ هناك في بابلَ مجردة من صلاحياتها وأبهتها الوظيفية حتى توافيها المنية فالأربابُ كذلك ينفقون . تأكل وتشرب وتنام لكنها فقدت متعة ممارسة الجنس مع كل مَن هبَّ ودب َّ من رعايا المملكة كما كان شأنها في سالف الزمان وهذه هي العقوبة الأكبر والأفدح . أراد تقييد حرية حركة قدميها وحرية حركة لسانها حيث لديها الخطير والكثير من أسرار الدولة . الخوف كل الخوف من فضح أو كشف أسرار الدول العظمى . لِكمْ أنت ذكي ٌّ مولانا حمورابي !! لا ثكلتك أمُك فمثيلك قليل في تأريخ البشر .
طيب ، وعدتني أن تتصلَ بي بعد ثلاثين يوما ً بواسطة الإنترنت وها قد مرَّ الشهرُ وما يزيد ُ فلا خبرٌ منها ولا رسالة . علمتني تجارب الحياة الطويلة أنَّ سكوتَ الطرف الثاني يُخفي وراءَه ما يُخفي وأنَّ أمراً يُدبَّرُ ضدي في الظلام . أرادت الهروب فقالت سأتصل بك بعد شهر . صدّقتُ كشأني ودأبي دوما ً وعدَها وسلمتُ مفاتيح مستقبلي في يديها . هل أنا السبب فيما نالت من عقوبات صارمة لأنني دعوتها لزيارتي فلبت دعوتي ؟ ألهذا السبب سحبت نفسها من علاقتنا الجديدة وقررت القطيعة ؟ كانت مؤدبة جداً إذ كان في مقدورها مصارحتي عن عزمها قطع علاقاتها غير الدبلوماسية معي أثناء زيارتي الأخيرة لها في بلدها بعد الذي وقع لها مباشرة ً . هل أكتب لها مستفسراً وهل ترى ستردُّ ؟ كلا ، لا أكتب ولا أتساءل [[ ماريد المايردوني ولاحب الميحبوني ... كما تقول أغنية عراقية قديمة قدمَ بابل ]] . إنْ كانت تريد الوصل ثانية ً فأجهزتي مفتوحة وبيتي مفتوح ليلاً ونهاراً لا يحتاج الزائرُ أنْ يطرقَ بابي .
علاقتي بعشتار بابل قديمة ـ حديثة . كنا منذ زمن ليس بالقصير نتبادل رسائلَ بعضها خجولٌ متحفظ وبعضها الآخر منفتح ، بعضها شكلي عمومي لا خصوصية فيه بينما البعض الآخر يحمل إشاراتِ ودٍّ وهوى عنيف وغزل رومانسي يقوى ويضعف حسب الفصول والمواقف وعدد ساعات إنقطاع الكهرباء . تنخفضُ الأمواجُ شتاءً وترتفع صيفاً وكذا حرارة الجو والأجساد والتوقعات. تبادلنا الصور قديمها وحديثها . ناقشنا مسألة أنواع وألوان وتصاميم ما نرتدي من ألبسة في الصيف والشتاء . وما نتناول من طعام ِ فطورِ الصباح ِ . كانت ترتاح لقولي : سأجلبُ لكِ معي القهوة والقيمر أما الحليب ففي صدرك والسكر والعسل في رضابك ولسانك يتدفقان من بين شفتيك فما حاجتنا لهما ؟ خاطبتها في رسائلي كما كنتُ أخاطب نظيراتها من ربات العروش قبلها فالآلهة جُبلت ْ من نسيج واحد وطينة واحدة ومعدن واحد وطبيعة واحدة... نسخ ٌ طبق َ ألأصل لا تختلف الواحدة عن الأخرى إلا كما تختلف طوابع البريد . كانت كبعض الباقيات كثيرة التحفظ ولا تجرؤ على الإنفتاح. قالت مرةً إنَّ في عروقها دماءَ الأولين الصالحين وإنها من سلالة أيا وآنو وإنليلَ آلهة سومرَ ثمَّ بابلَ. نزحت أوائلهم إلى بابلَ خوفاً وهرباً من بطش جبابرة مملكة أكد التي نمت وإتسعت على أنقاض سومر. ماذا أقول لها إنْ كانت تعتقد أنها سليلة بعض الالهة القديمة ؟ لستُ مثلها في نسبي وأصلي . أنا بشر عادي سوي ٌّ لا أختلف عن باقي البشر . ولدتني المرحومة أمي بشراً سويا 100 % 100 لحما ً عربيا ً إسلاميا فلا نصفي من الآلهة ولا ربعي ولا حتى نصف ربعي !! لا أمت ٌّ لهذا الصنف من المخلوقات المشوَّهة بأيما صلة ٍ ولا أريد . إدعّت ذات يوم أنَّ جدَها الأعلى كان وزيراً ومستشاراً لكلكامش طاغية سومر . ولولا ـ أضافت ـ غيبة هذا الطويلة بحثاً عن عُشبة الخلود لتبوَّأ منصبَ رئيس الوزراء. الدنيا حظوظ ، قالت . غاب الملكُ فخسرَ جدها وظيفة ً مرموقة ً .
هل أكتب لها مستفسرأ عن سبب صمتها وعدم إحترام إلتزاماتها أم أنتظر شهراً آخرَ لعلها تكتب وتوّضح أسبابَ هذا الصمت ؟ كلا ! لتذهب هي وأصلها وجدها الأعلى وكلكامش وصديقه أنكيدو للجحيم . لستُ بحاجة لمومياوات فرعونية أعاد الطبُ الحديثُ لها الحياة . أفضل لها أن تعود لقبورها فرائحة عفن رميمها ورميم أجدادها ما زالت عالقة في أردانها وأكتافها وأردافها . إنها واحدة في مسلسل أفلام ملونة تجمعها بباقي الممثلات أمور وتفرقها عنهنَّ أمور أخرى . الدم وأديم بشرة الجلود وشعور الرأس كثيرة الأختلاف والتنوّع لكنَّ وجه الشبه فيما بينهن َّ كامنٌ في قلوبهنَّ حيث كثرة وسرعة التقلب فالقلب قلّب ٌ متغيرُ الحركات والسكنات والإتجاهات . إختفت ( حنان ) في مملكة لوط وصمتت صمتَ القبور ولم تلق ِ تحية الوداع . غابت ( سهام ) ولعلها غرقت في أحد بحور جنوب شرق آسيا أو أنَّ أحداً خنقها تحت الماء وتخلص منها متهماً إياها بالخيانة العظمى . وتعثرت ( الحرباء ) الحيزبون بملاحفها وحجاباتها وبطانياتها المزركشة فوقعت متردية ً كالنطيحة على وجهها لا تعرف مَن هي ولا ما فعلت وقالت قبل شهر . صمتت خجلاً من عار كذبها وشعوذاتها ومداراة ً لضعة أصلها وفصلها . حسناً ولكنْ ما خطبُ عشتار بابلَ ؟ هي الأخرى كذبت ومارست القليل من الدهاء أو الخبث المكشوف فمع أية آلهات ٍ مزيفات ٍ كنتُ أتعاملُ وأضيع وقتي وأخسرُ الكثيرَ من فُرص حياتي ؟ مع ذلك لستُ نادماً فالحياة تجارب ٌ وتجاريب ... مهازل ٌ وأعاجيب ... جد ٌّ وألاعيبٌ وإلخ إلخ .../
أين وكيف أمضيتَ ليلتك الفائتة يا أبا نؤاس ؟ أجابني منشداً ولسانه يتعثر ويتكسّر تحت وطأة وكثرة ما عبَّ من القهوة والخمرة والخندريس الشعشعاني :

ولقد نهزتُ مع الغواة ِ بدلوهمْ
وأسَمتُ سَرحَ اللهوِ حيثُ أساموا

وبلغتُ ما بلغَ امرؤٌ بشبابهِ
فإذا عُصارةُ كل ِّ ذاكَ أثامُ

ما أنْ أنهى أبو نؤاس قراءة عجز البيت الأخير حتى سقط على الأرض فاقدَ الوعي ثم أزبدَ وأرغى حتى وصلت سيارة الإسعاف فنقلته إلى مستشفى الطوارئ حيث أسلمَ الروحَ هناك فدفنته البلدية في مقبرة الغرباء ومجهولي الهوية !! سلامٌ عليكَ أبا نؤاس يومَ وُلدتَ ويومَ مُت َّ أمام عيني ويومَ تبعث ُ ثانية ً حيا . آمين .
أرى الدروبَ حينا ً أمامي مخنوقة ً معتمة ً منغلقة ً على بعضها ... وأراها حينا ً آخرَ مُشرعة ًعلى آخرها يغمرها ضوءان ضوء ٌ ظاهرٌ يعمي الأبصارَ وضوءٌ آخرُ خفيٌّ لا تبصره عيون الأحياء فأين الخلل ؟ هل هي فلسفة الدروب نفسها أم العيب والخلل في حواسي الخمس ؟ ذهبتْ فجأة ً فيئستُ منها وفي ذروة يأسي جاءتني منها رسالة شهقتُ وكدتُ أموتُ لفرط فرحي وسروري . قالت في رسالتها إنها إكتشفت في الزمن المتأخر أنَّ لديها سراً لا يعرفه أحدٌ من البشر وهي حريصة على كتمانه . سرُها العميق في علاقتها بي ، أنا سرُها الأولُ والأخيرُ . كيف يكون رجلٌ مثلي سراً وطالما جاملتُ وخدمتُ وأحببتُ في العَلن آلهات ٍ كثيرات ٍ مثلها وأصغر منها سناً غازلنني وغازلتهن َّ كتبن لي وكتبتُ لهنَّ ونفذنا مشاريعَ خيالية كثيرة بعضها شديد التطرف في رومانسيته . لم نخف ِ هذه المشاريع فلقد نشرناها في كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة . لا أحب الأسرار ففي طبعي ميل ٌ قوي للإعلان والظهور .
يا أيتها الربّة ُ العائدة ُطوعاً ربما بسبب تأنيب الضمير ، أهلاً بك فالقلب مفتوح ليلاً ونهاراً . أهلاً بك صيفاً وشتاءً . هل تحبين البقلاوة ؟ أموتُ فيها وعليها ، قالت .

السبت، سبتمبر 27، 2008

ظاهرة "الجوكر" الأدبي



د. حبيب بولس
الدارس لتراثنا وكذلك الدارس لأدبنا- قديمه وحديثه- يجد في الثنايا دائما شخصيات ذكرت لا كأدباء أو شعراء, وإنما ذكرت لكونها كانت أشبه "بالجواكر" الأدبية. شخصيات أدبية عاشت كالطحالب والطفيليات على جذع الحركات الأدبية أو على هامش الأدب, تحايؤه من السطح وتلتصق به لا تستطيع مفارقته, فهي شخصيات تعاني الأدب, وتطمح بان تشتهر, ولكنها لا تستطيع مع الأسف لقدرتها المحدودة, وطاقاتها المسطحة, لذلك تحلم بان تكون أدباء أو شعراء من الذين لهم أهميتهم, ولكن لأنها لا تستطيع, تأخذ دورا آخر, عله يفيدها في مسعاها, هو دور "الجوكر" الأدبي, الذي يحب معاشرة الكبار والتمسح بهم وحضور جلساتهم كي يتبعر له كلمة من هنا وكلمة من هناك, فربما يسعفه هذا في المستقبل!
ونحن إذا تفحصنا حقباتنا الأدبية منذ القدم ولغاية اليوم نعثر على أمثال هذه الشخصيات, التي تشكل دائما محط تنّدر وتفكه, تواكب الحركة الأدبية وتمص لحاءها. هي ظاهرة رغم ثانويتها كانت ولا تزال موجودة وقائمة بين طيات كل حقبة زمنية وعصر أدبي.
ويبرز دور هذه الشخصيات الجواكر عادة في فترتين مختلفتين: في فترة ركود الحركات الأدبية, حيث كانت هذه الشخصيات تلعب دورا في التعويض عن هذا الركود, وفي ملء الفراغات, أو في فترة غليان الساحة الأدبية وفورتها.
وهذا "الجوكر" يحظى دائما بالاهتمام والممالأة من قبل عدد من الأدباء والشخصيات الأدبية والسياسية التي لها علاقة بهذه المسيرة, خاصة في أيام كالأيام التي نمر بها, التي فيها يخفت صوت الأدب ويطغى عليه صوت الأحداث السياسية المتلاحقة. وممالأة مثل هذا "الجوكر" تنبع من دافع التقية والابتعاد عن شره من جهة, فهو من سماته المعروفة انه سليط اللسان, لا يتورع أن يسب ويشتم, أما من ناحية أخرى فهو موصل جيد لنشر الانجازات, أشبه ببوق دعاية.
شخصيات من هذا النوع, تتمتع بحب الظهور وبشهوة الشهرة, ولكنها حين تفشل في الوصول إلى ذلك, عن طريق الأشياء المشروعة أدبيا, أو عن طريق الإبداع, تروح تفتش عن ثغرات أخرى تستطيع من خلالها النفاذ إلى ما تشتهيه, ومن هنا فأنت ترى هذا "الجوكر" دائم الحضور في المحافل الأدبية والسياسية, دائم الظهور إلى جانب الشخصيات المعروفة فما أن يعرض أمامه شخص ما له سمته وأهميته, رأيا واقتراحا حتى يبادر وبهمة يحسد عليها إلى تنفيذه لذلك تجده دائما مشغولا و "معجوقا" كأم العريس, في ترتيب ندوة ما, أو في تهيئة مناخ ما لمحاضرة أو في التحضير لاجتماع ما لشخصية معينة, بهدف الترويج, أو في المشاركة في ترتيب حفل تأبين أو تكريم, وأجره من وراء ذلك كله الأمل في أن تطوله "طرطوشة" حتى وان كانت هذه الطرطوشة على هامش الحدث وليست في لبه.
المهم أن يظهر اسمه في الصحف وان يذكر في الخبر, لا بل تراه يتبرع كي يكفل هذا الظهور بكتابة الخبر بنفسه, عل الناس يصحون من غفلتهم ويستشعرون بأهميته.
وأمثال هذه "الجواكر" لا تستغني عنها الحركات الأدبية على ما يبدو, في كل عصر وعصر. "فالجوكر" لكثرة ما يعاشر ولكثرة ما يتواجد في الأوساط الأدبية والمحافل تتجمع في شخصه كل النفايات الأدبية. ومن هنا يصبح مستغلا للمفاكهة وللتندر بين الأدباء.
ولأنه مسطح الشخصية, فأنه يحلم بأشياء أكبر وفوق مستطاعه, من جهة, ولأنه يتشهى أن يصير اسمه لامعا من أخرى, ولأنه يعاني من عسر أدبي, ذلك لأنه لا يعيش الأدب من الداخل, إنما يتسكع على جدرانه الخارجية ويحايؤه من السطح من ثالثة, يكون مهزوز الشخصية عادة, فيعرف الآخرون كيف يستغلونه, وكيف يضربون له على الوتر, فينتفخ ويحسب فعلا انه كبير ومهم, كما أنهم يعرفون كيف يغيظونه للهجوم على من هم اكبر منه, فيصير في الحالتين أشبه بتلك الدلالة التي حدثنا عنها صاحب "الأغاني" في كتابه المشهور. وهذا " الجوكر المسكين, يجهل أن هؤلاء الذين يُظهرون له هذا الاهتمام, إنما هم يستغلون عقدته الأدبية النفسية, ليتلهوا بها, وإنهم يتندرون عليه في غيابه, بحيث يصير اسمه في جلساتهم "الجوكر" المضحك والورقة البهلوانية التي يسحبونها حين يشعرون بإفلاس جلستهم بغية إثارة الضحك, والسخرية والتسلية.
ومن المعروف أن أمثال هذه "الجواكر" متقلبةُ المزاج عصبيتُها.
لذلك أنت تجد "جوكرنا" هذا لا يستطيع الثبات على موقف- يتنقل من أديب إلى آخر أو من شخصية إلى أخرى, يلازمها فترة ويحضر معها المآكل والمشارب, ويتسقط من خلالها الأخبار لينشرها ويبثها وليستشهد بها على أهميته المتوهَمة, ويتناوله وكأنها أفكارُه وآراؤه, لذلك نراه عاشقا لهذه الشخصية أو تلك, ولكن هذا العشق لا يدوم, إذ لنزوة ما, سرعان ما ينقلب إلى بغض, دون أن يعرف لهذا الانقلاب سبب, فأمثال "الجواكر" لا تعرف الوسط فإما التحمس على فلان أو التحمس له.
لأنه لا يتروى, ولأنه يريد الوصول بأسرع الطرق وأسهلها, ترى هذا "الجوكر" على تلك الحالة من الهرولة والاهتزاز, فهو مع الكل وضد الكل, يغار من كل اسم يلمع, أو من كل اسم ينجح أو يحقق حلما سعى إليه بجهد ومشقة. ولا يدري هذا "الجوكر" انه بشخصيته الفهلوية تلك التي لا ترى أن العيب كامن فيه لا في الآخرين, لن يصل أبدا, وسيظل الفشل حليفه.
ومن هنا أيضا إذا فحصت ما ينتجه هذا "الجوكر" من أدب, تجده أدبا متشعبا مقطعا, ذا نفس قصير لا يلم شَعَثهُ مدرج ولا مذهب ولا مضمون فكري واضح.
محاولاته تأتي ناتئة على الأدب تشم فيها رائحة التقليد, تخلو من نفس أدبي واحد, فهي أشبه بمجموعة كلمات منثورة هنا وهناك لا يؤلف بينها معنى ولا يوحد بينها.
ونحن, أقصد المتتبعين للحركة الأدبية, بقدر ما نشفق على هذا "الجوكر" لأنه لا يعرف كيف يتبع الطريق ليصل, بقدر ما نقول إن هذه الظاهرة- ظاهرة "الجوكر الأدبي" ظاهرة مقلقة يجب التخلص منها.
وإذا لم نفعل ذلك نكون قد ألحقنا الضرر "بالجوكر" نفسه وبالحركة الأدبية معا, وهو ما لا نرضاه جميعا. إن حركتنا الأدبية بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى من يضخ في شرايينها الحيوية ليُنهضها مما هي فيه من الركود لتواكب العصر, لا إلى من يشد بها إلى وراء
من أمثال هذا "الجوكر" و "الجواكر" الأخرى.

drhbolus@yahoo.com


– ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية

الزوجة

نبيل عودة

لشد ما تحيرني حالة صديقي ادوار، للوهلة الأولى يبدو شرسا ، بل ويميل ليكون ذئبا مفترسا ، غير ان هذا الانطباع الأولي سرعان ما يتغير اذا دار الحديث عن النساء أو معهن . فورا ينقلب الى حمل وديع ، طفل على صدر امرأة .
كان يبدو لي ان ادوار مصاب بانفصام شديد في شخصيته... فهذا الذئب في شراسته مع بعض الناس حوله ،من أقرباء وجيران وابناء بلد وأصحاب ، يصير طفلا وادعا في ثوان ، حين يخاطب امرأة ، وبغض النظر عن جيلها . مجرد نسويتها تجعله حملا وديعا ودودا، مستعدا لتقديم كل خدمة تطلب.
علاقتي معه لم تكن سهلة، ولكنها علاقة بدأت منذ أوائل وعينا ،مرت بفترات برود وتباعد وفترات اندفاع وارتباط شبه يومي . أحببت مراقبة تحولاته من الحالات الذئبية الى الحالات الحملية.. أو بالعكس . شيء يبعث على الحيرة .. وأعترف ان ولعي باكتشاف وصياغة شخصيات لقصصي كان يشدني اليه أكثر وأكثر . وكلما تعمقت في حالاته المتقلبة ، ازددت شغفا بالمزيد من كشف تقلباته ومفارقات حالته . كان دائما شيء لا يكتمل في صورته التي تتشكل في ذهني .
لادوار حياة جنسية ثرية يُحسد عليها .. وأعرف من صديقاته السابقات ، واللواتي جمعتني بهن مناسبات عدة ، انه انسان مثالي ، مليء بالأحاسيس والاحترام والرعاية .. ولا يترددن لتلبية اشارته مرة أخرى ولو انقلب العالم فوق رؤوسهن.واعترفن انه لم يخدعهن بوعود كاذبة ، كما يفعل معظم الرجال عادة في علاقاتهم النسائية ... أو حتى في السياسة ، لدرجة صار الفهم الشعبي ان السياسة هي فن الأكاذيب وفن خداع الجمهور . فهل يكون الحب هو فن خداع النساء ؟!
ادوار لم يخدع فتياته العاشقات ... كان واضحا لهن انها علاقة لا تبشر بارتباط في المستقبل ، ربما حلمن بكسر الجليد وتغيير الثابت في شخصيته . ولكن هذا ، بالتأكيد الملموس .. لم يحدث . كان يقطع علاقاته بصمت ، لا يثرثر ، وكأن شيئا لم يكن . ويحافظ على مودة واحترام لعشيقاته السابقات .
ما عدا صديقه المقرب ، الذي يحتمله ويحتمل فظاظته الذئبية ، والذي هو انا نفسي ،ربما طمعا في الوصول الى رسم شخصية قصصية نادرة ، وبالتأكيد بسبب صداقة ربطتنا منذ شبابنا الباكر ، تحمل الكثير من الذكريات التي من الصعب اقالتها من حياتنا ، وتفقد قيمتها اذا تباعدنا ، يكاد يكون ادوار خلوا من أي علاقة دائمة مع شخصية ذكورية أخرى.
ربما ليس صحيحا تماما القول بأني احتمله من أجل كسب شخصية قصصية جديدة . صداقتنا ابتدأت ونحن على مقاعد الدراسة الابتدائية. كان طالبا ذكيا ودودا ... لا تظهر علية قساوة الذئاب . ربما لوجودنا في مدرسة مختلطة للبنين والبنات ... لا أعرف ، هل جعله ذلك طالبا ودودا وديعا خدوما ومستعدا للمساعدة وارشاد الصف كله في الامتحانات ؟؟
كثيرا ما جّرت عليه تصرفاته المدرسية عقابات مختلفة .، وصلت حد الطرد من الصف ، ولكنه يعود لفعل نفس الشيء الذي يثير غضب المعلمين.كان لا يحتمل ان يرى كآبة الراسبين أو الحاصلين على علامات ضعيفة .. خاصة من طلاب صفه . ورغم انه طالب ممتاز وهادئ ، ويشارك بنشاط في برامج الصف ، الا ان مربية الصف سجلت له في شهادته انه مشاغب، الى جانب علاماته المدرسية غير الناقصة علامة واحدة في أي موضوع كان .
ولكن ادوار لم يكن مشاغبا .
كان تلميذا ذكيا مجتهدا ومرجعا في الامتحانات لكل طلاب الصف الضعفاء . وقد لجأ أحد المعلمين الى اعفاء ادوار من امتحاناته ، واخراجه من الصف ، بحجة انه لا يحتاج الى امتحان . عندها كان مستوى علامات الطلاب ينخفض بشكل كبير !!
قد تكون تصرفات ذلك المعلم ، الذي اثار حنق ادوار وغضبه العاصف ، هي السبب في تصرفات ادوار الذئبية مع الذكور بشكل عام .
كانت الحلقة حول ادوار تتحول الى أكبر حلقة في ساحة المدرسة ، حيث تؤخذ قرارت مواجهة تعسف بعض المعلمين ، وترتيبات تمرير أجوبة الامتحانات لطلاب الصف . وكان يطربه بشكل خاص تودد فتيات الصف اليه ، وتفضيلهن الحديث والضحك معه عن سائر الطلاب. كانت الغيرة تقتلنا ونحاول ان نتودد له لنقترب من مجموعته المكتظة بأجمل طالبات المدرسة . ربما هذا ما جعله في المستقبل ذئبا مع الذكور وحملا وديعا مع الاناث . بالطبع هذا ليس تفسيرا علميا ، انما ملاحظة قد لا تكون مهمة ، ومجرد فكرة للدخول الى عالم شخصيته الصعبة. ومع ذلك لا يمكن أن أضحي بصداقة من أنقذ علاماتي المدرسية وجعلني انا وشهادتي فخرا لوالدي أمام الأهل والجيران.
فكيف لا أكون ملتزما بهذه الصداقة وبهذا الصديق ؟!
كنا نحسد ادوار في قدرته على جذب طالبات مدرستنا لحلقته في ساحة المدرسة ، وثم بتنا نحسده باتساع مغامراته النسائية .. حين كنا بالكاد نحظى بمغامرة غرامية ، ترضي غرورنا الذكوري لأشهر ، حتى نحظى بابتسامة ، أو استلطاف جديد.
بالطبع ليست هذه هي الحكاية التي جعلتني في فجر يوم ربيعي أشحذ فكري وذاكرتي ، وأمسك القلم لأخط على الورق تفاصيل لم أعد قادرا على تخزينها وحفظها سرا، حين بدأت أقتنع ان الفكرة لقصة حقيقية مشوقة ونادرة قد أكتملت.
عقد كامل وانا أتردد في صياغة هذه القصة ، عذبني التفكير بها ، وأكثر ما أقلقني هو التفكير برد فعل صديقي عندما يقرأ قصته مكتوبة بقلم أقرب أصدقائه ، وأكثرهم ائتمانا على اسراره .
لم أكن بحاجة ليكشف لي أحد ان ما أعرفه من خبايا وتفاصيل حياة الناس ، لن يكون ، في لحظة التوهج ،الا مادتي التي أشكل منها أفكاري القصصية ، وان القريبين مني قد يعرفون شخصيات قصصي ، أو يكتشفون أنفسهم ... وهو ما كان يقلقني في فترة ما ، ثم استسلمت لهذه العادة السيئة في حكم بعض الأخلاقيين ...
مضى عقدا كاملا .. ولكن تفاصيل هذه القصة ونهايتها ما زالت تثير تفكيري وتشغلني حتى اليوم ، ولا أستغرب ان أعود اليها للكتابة من زاوية أخرى تراودني أحيانا ، ولكني لا أرى انها أكتملت لتشكل حافزا يضغطني لمثل هذا الانجاز .
كنت قد تزوجت قبل ادوار بعقد كامل تقريبا .. وصرت أبا تشغلني هموم الدنيا حين واصل ادوار جمع الفراشات والزهور من حوله .. قبل ان يقرر الزواج بشكل فجائي لم يتوقعة ، حتى الجن .. لو وجد مثل هذا الشيء .
واليوم نحن آباء لأطفال .. ولا أعرف هل حياة المجون أكثر متعة ، ام حياة العمل الأسود لتربية أطفالنا هي الحياة التي يحلم بها الانسان ؟!
العاشق صار اليوم رجل بيت ملتزم لدرجة من الصعب مقارنتها مع تاريخه العشقي الحافل . وكثيرا ما حاولت ان أبحث في أعماق ما يبدو انه التزام كامل لبيته وزوجته . كان يردني بود ووداعة لا أعرفهما بشخصيته. ويؤكد ان تاريخ حياته الحقيقي بدأ منذ تزوج .. ما مضى انتهى . كنت أرد عليه مستهجنا :
- هل انت ادوار نفسك ؟ .. صديقي من أيام الدراسة ؟
فيبتسم بصمت ليشعرني اني لم أعرفه في السابق اطلاقا .
القصة الحقيقة لإدوار الجديد بدأت حين وصل ادوار لمنتصف عقده الرابع .. عازبا عاشقا متجولا بين عشيقاته .
في يوم شتوي بارد اتصل بي وطلب ان يزورني في بيتي .عادة كانت لقاءاتنا في بيته او في البارات.شعرت باثارة تعتريني كلما شممت تشكل حدث جديد يبشر بنص جديد .
جاء مهموما على غير عادته ، فأحيا رغبتي الحادة في كشف ما يخفيه.
جلسنا امام مدفأة الحطب . عرضت عليه كأس كونياك ، وافق مترددا . صببت كأسي "اوتارد" الفرنسي الرائع ، وتسلينا ببضع حبات كستناء مشوية. وما هي الا جرعتين حتى انتقل الدفء الى لسانه . قال :
- حان الوقت لأجري تغييرا في حياتي .
لم أعقب .. ولم أفهم مراده . واصل :
- لا يمكن الارتواء من حواء . رغم علاقاتي ما زلت ظامئا كما ابتدأت.
ملأ كأسه من جديد ، رغم تردده في الشرب في البداية ، وعرفت انها اشارة لكشف ما تشتهي نفسي لمعرفته .. وأن ليلتي طويلة مع ادوار .
- كل أصحابي تزوجوا .. أنظر اليك مثلا ، لك زوجة وثلاثة أطفال .. صرت تفضلهم عن السهر معي ..وتفضل بيتك عن قضاء أمسية معي .. لا اعاتبك ولست غاضبا .. أنا أحسدك . عندما تحضر أختي لزيارتي مع طفلها ، أشعر بسعادة غير عادية وانا الاعب الطفل ، واذا ما نجحت بخطف ابتسامة منه ، لا تسعني الدنيا من الفرح .. أنسى حتى مواعيدي ..
وتررد في ذكر نوع مواعيده .. ولكن المكتوب يقرأ من عنوانه .
ملأت كأسي . رشفنا ، قشرنا الكستناء المشوية . ولم أجد ما أقوله امام تحولات ادوار الفجائية والتي نجحت بمباغتتي وفرض الصمت على لساني . قال :
- اليوم لي ثلاث عشيقات .. جميلات ، متعلمات ، مخلصات ... أشعر برغبتهن المجنونة بالزواج ، ولكني لم أخدعهن . انا لست مخادعا . لم ولن أكذب .. مع اللواتي مررن في حياتي .
ووجدت ما أقوله :
- العلاقة نفسها توحي .. أحيانا لا ضرورة للكلام المباشر.
- هذا صحيح .. لكنهن يعرفن اني لست طالبا للزواج . ليس أكثر من علاقة غير ملزمة.
- ما الذي تغير فيك إذن ؟
- لا أملك جوابا عقلانيا .. مجرد مشاعر وأحاسيس تجتاحني في الأيام الأخيرة ، وأعرف انها أكثر من نزوة عابرة.. وأكثر من مجرد حلم يراودني .
ملأت الكأسين مرة أخرى . يبدو ان دفء الخمر انتصر للحمل على الذئب. لا أعرفه بهذا الهدوء وتلك السكينة وهذه الدماثة ، التي لا تنطبق على معرفتي الكاملة والموثوقة به .قال :
- اريد ابنا لي .. اريد زوجة .. وسألتزم .. انت لا تصدقني ... لا تقل شيئا .. انا أحيانا لا أصدق نفسي.. ولكني صاحب قرار ، وانت تعرف قدرتي على تنفيذ ما ألتزم به ...
- الا مع النساء ...
- أيضا مع النساء .. لكن ليس هذه موضوعي .
قالها بهدوء لا يمكن التشكيك به . قلت مازحا:
- لو خلقك الله إمرأة ، هل كنت تتصرف بنفس الوله الجنسي ؟
- ربما .. وهل النساء أقل شأنا ؟
- لنعود الى قصة زواجك ( قطعت عليه الطريق ) هل إخترت الفتاة المناسبة؟
- لي ثلاث عشيقات .. يجب ان أختار احداهن .. وهذا ما يحيرني .
- وماذا تطلب مني ؟
- المشورة يا صاحبي .. أو أستعملك بديلا لكرسي الاعتراف الكنسي ، لأني لا أقبل الاعتراف لكاهن .
- لا أعرف عشيقاتك لأنصحك باحداهن .
- لكل جمالها الخاص .. لكل نكهتها .. ذكائها .. وجاذبيتها المميزة.
- اذن تزوج الثلاث ...
قلتها بدون تفكير ، بشيء من الاستفزاز . وانا حائر في ما يطرحة من احجية غريبة ، كظم انفجار غضبه بأن كرع الكونياك من الكأس دفعة واحدة . صب بصمت كأسا جديدة ، تنهد وقال متجاهلا استفزازي :
- لم أكن جادا كما انا اليوم .. اريد ان أختار واحدة من بين الثلاث ..
قالها بجدية وهو يداعب كأس الكونياك ليعطيها من حرارة جسمه دفئا.
- وكيف لي ان اساعدك ؟
- من هي المناسبة لأختارها زوجة .
قلت في محاولة للخروج من مأزق الثلاثة :
- ربما واحدة جديدة .. ليست احدى عشيقاتك ؟
- لست راغبا بهذه الفكرة .. لن أجد أفضل منهن ..
- ادوار... أكاد أجهلك .. انت تغير كل معادلاتك المترسخة في رأسي .
- اياك ان تصنع مني بطلا لخربشاتك ، انا أعرف مرضك .. ؟
- ربما ما يعتريك هي نزوة مؤقتة ..؟
- ليست نزوة .. قرار لا رجعة فيه.
- مثل قرارات القمم العربية ؟
- القمم التي لا تشرب من هذا الكونياك ، ( وأشار الى زجاجة " الأوتارد " ) قراراتها تحتاج الى شبكة تصريف ..
ورشف بتلذذ رشفتين...
- يبدو لي اني لم أعد أعرفك .
- اريد حياة أخرى .. مستقرة ، هادئة .. وطفلا يملأ فراغ بيتي وحياتي .
- هذا شعر يا إدوار... وحالتك بعيدة عن الشعر .
- أخالفك .. العشق هو شعر حقيقي أيضا ، وما أحلم به من حياة أخرى هو شعر من بحر جديد .. بدون شعر نذوى .. ننتهي ... حتى السياسة شعر ، لو استقام السياسيون.
- وأين أقع انا في هذا البحر الشعري الهائج؟
- انت صديقي ... وأكاد أقول الصديق الوحيد الثابت وغير المتحول .. رغم فظاظتي .. انت صاحب خبرة بحالاتي .. وصدقني اني أحسدك بما انت فيه اليوم .
- كنت أظن اني انا الذي يجب أن أحسدك ؟
- هذا سؤال فلسفي .. يتعلق بموقفنا من النسوية أو الشوفينية الذكورية.
- اتركنا من الفلسفة .. انت تذكرني بقصة عن مثيلي جنس مرت قربهما شقراء رائعة الجمال ، ترتدي تنورة قصيرة وشفافة ، أحدهما تأملها بحسرة وقال : أتمنى لو لم أكن مثلي الجنس . الثاني تأملها مشدوها بجمالها ، وفكر بعمق وقال :في هذه الحالة ، أتمنى لو كنت إمرأة مثلية الجنس .
ضحكنا بحرية لأول مرة منذ بدأت ليلتنا . وقلت لزوجتي ان لا تسرع بالقهوة لأننا سنواصل الشرب ، فقبلت على مضض .
علا عويل الطفل الصغير فوجدتها مناسبة لأحول الحديث :
- الأطفال ليسوا لعبة مسلية فقط .. انها مسؤولية وارهاق وعمل إضافي ..
- بالطبع .. بالطبع ..
قاطعني باستخفاف كاد يثير غضبي ، وعاد لمعضلته :
- كيف ساختار زوجة من بين عشيقاتي الثلاث ؟
- يبدو سؤالك فلسفيا أكثر من كونه سؤالا عمليا ..
قلتها محاولا استفزازه ردا على مقاطعته الاستفزازية. تجاهلني :
- عقلي يعذبني .. لكل منهن ميزة خاصة ومكانة خاصة في قلبي .
- انا أحسدك ..
قلتها بصوت منخفض كي لا تسمعني زوجتي .
- لا تخطئ .. حالتي صعبة وخياراتي أصعب .
- تريدني أن أخرج لك الكستناء من النار؟
فهم الرمز .
- شيء من هذا القبيل .. الست صديقي الوحيد والأوحد ؟
رفع الكأس الى شفتيه مستنشقا رائحة " الأوتارد ." .رشفنا . أخرج من جيبه صور ثلاث فتيات ، وقال :
- المرشحات للزواج .
نظرت للصور .. هالني جمالهن .
- يا ابن ال ...
دفنت الكلمات في فمي .
- لو كنت مكاني من ستختار ؟
- أبقى عازبا مع الثلاث ..
لم يعجبه جوابي .
- أسأل بمنتهى الجدية.. والا ما جئت لمشورتك .
بعد تفكير رويت له حكاية :
- كانت لنا جارة تخرج كل صباح وتناشد ربها بأعلى صوتها : " يا الهي ، ابعد النمور عن بيتي" وفي يوم ما ، وعلى فنجان قهوة مع جاراتها ، قالت لها الجارات ان ما تطلبينه من ربك لا ضرورة له ، أطلبي شيئا آخر .. لأن أقرب نمر لبيتك يبعد الاف الكيلومترات ، فأجابت : رأيتم اذن فائدة ما أطلبه من ربي ؟!!
- أي أن طلبي لمساعدتك مثل طلب الجارة من ربها ؟
- ليس بالمفهوم السلبي ، اني أنظر لصورة المرشحات وأشعر ان النمور أقرب لجارتنا من التخلي عن واحدة ... ( وأشرت الى الصور ) وما دمنا بسيرة النمور ( وفردت الصور ) أي نمرة منهن أولى بافتراسك ؟
- تعيدني الى البداية دائما ، كان يجب ان لا أقبل مشاربتك .. انفكت عقدة لسانك ، وانطلق عفريتك يبحث عن فريسة لقصة جديدة .. اياك ثم اياك .. ان تصبح حكايتي في متناول قراء صحيفتك ؟!
- ليس ذنبي ..
- ذنبي انا الذي يطلب مشورة عبد للشيطان .
أفرغ الكاس بعصبية ، وملأها من جديدا بعصبية ظاهرة .. مازحته لأخفف عصبيته :
- شيطاني ليس أمريكيا وليس اسرائيليا .. عربيا أصيلا .
- انه أسفل الشياطين .
أفرغ كأسه مرة أخرى دفعة واحدة ، مغمضا عينيه متلذذا بالمذاق ، وقال ضاحكا :
- انتهت الجلسة الأولى دون نتائج .لا اريد قهوة لأعكر طعم الكونياك . الى اللقاء .. فكر بحالتي .
مضت ايام وانا حائر في ما سمعته . أتأمل الصور في أوقات فراغي ، واحتار بين أن احسده على ما هو فيه أو أحسد نفسي على ما انا لست في أتونه .
كاشفت زوجتي ، حتى لا تظن ان الصور لعشيقاتي . بعد تأمل قصير قالت انها تعرف من سيختار ادوار من بين الفتيات الثلاث ..
- كيف عرفتِ ؟
- هذا السر لن أكشفه الآن . دعه يختار اولا . جوابي سأسجله وابقيه معك . ولكن اياك ان تفتح الورقة قبل ان يقرر ادوار اختياره . اتفقنا ؟
- اتفقنا ..
قلت مستسلما وحائرا في سرعة معرفتها للفتاة التي سيختارها ادوار . هل للمرأة مجسات لا توجد في الذكور ؟
بعد اسبوع التقيت ادوار وانا متشوق للشكل الذي سيحل به اختياره. قال ضاحكا :
- وصلت الى قرار ..
- من التي اخترتها ؟
- أجريت اختبارا .. لا تقاطعني .. قلت لعشيقاتي الثلاث ، كل على حدة بالطبع ، أني اذا أعطيتها 100 الف شيكل ، ماذا ستفعل بها ؟ وتلقيت اليوم أجوبتهن : واحدة قالت انها ستجري عملية تجميل لأنفها لأنه يبدو أكبر قليلا مما يجب ان يكون ، حتى يصبح جمالها كاملا الى جانبي . الثانية قالت انها ستشتري ملابس لنا من منتجي الأزياء المعروفين عالميا لأننا نستحق ان نرتدي أجمل الأزياء أمام الناس في المناسبات القادمة علينا . اما الثالثة فقالت انها ستضع المبلغ في برنامج للتوفير ، لضمان مستقبل ابنائنا.. أو ازدياد احتياجتنا ؟
ولم أعد استطيع صبرا :
- وانت من اخترت ..؟
- اخترت واحدة وبشكل نهائي ..
- صاحبة أي جواب ..؟
سألته وانا أخرج مراهنة زوجتي من جيبي .
- لا دخل للأجوبة في اختياري ..
لم أفهم ما هذا اللف والدوران .. قلت لنفسي : " سهرة على كونياك ، واختبار .. وتفاصيل الأجوبة ، ثم يقول ببساطة ان الأجوبة ليست هي المقرر في الاختيار ، هل هي فلسفة جديدة ، أم نظرية ذكورية في النساء ؟ " وقلت :
- زوجتي راهنت على واحدة بعد ان صارحتها بقصتك .. لا أعرف على من راهنت .. سافتح مراهنتها بعد ان تخبرني بالتي اخترتها .
- الصور معلمة باحرف الأبجدية أ وب وج .. أخترت صاحة الصورة " أ " ما هي مراهنة زوجتك ؟
فتحت الورقة وأحترت . قرأت : "سيختار صاحبة أكبر نهدين !!" ونزل علي الصمت .
نظرت للصور مجددا .. وحبست ضحكتي ، اختياره حقا كان لصاحبة أجمل صدر بينهن .. أعطيته الورقة ليقرأها ، فانفجر ضاحكا كما لم أعهده يضحك من قبل ...
هل كانت زوجتي اكثر ذكاء مني في فهم شخصية ادوار وتفكيره ؟ ام انها تفهم عقلية الذكور ، التي لم تخرج كما يبدو .. من البدائية في النظر الى المرأة ؟

(اواخر حزيران 2008)
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com


للحياة معان اخرى

علي جبر

وقف أستاذ الفلسفة أمام تلاميذه وعلى غير عادته فلقد أحضر معه هذه المرة بعض الأواني والاكياس

أحضر معه وعاء زجاجيا كبيرا كالذي يستخدم في حفظ المخللات وكرات الجولف وأكياس أخرى.

وكوبا كبيرا من القهوة الساخنة إحتسى منه بضع جرعات، وعندما حان وقت الدرس لم يتفوه الاستاذ بكلمة بل بدأ بالعمل في صمت.

أخذ كرات الجولف وملأ بها الوعاء الزجاجي وسأل تلاميذه الذين كانوا ينظرون إليه بدهشة وإستغراب: "هل الزجاجة مملؤة الآن؟"

فأجابوا جميعا: "نعم وعلى الآخر"

ثم أخذ كيسا آخر به قطع صغيرة من الحصى. وأفرغه في الوعاء الزجاجي مع رجه حتى يجد الحصى مكانا له بين كرات الجولف.

وسأل تلاميذه مجددا : " هل الزجاجة مملؤة الآن؟"

فأجابوا جميعا "نعم هي مملؤة"

ثم أخذ كيسا آخر به رمل ناعم. وأفرغه في الوعاء الزجاجي مع رجه رجا خفيفا حتى إمتلأت جميع الفراغات بالرمل الناعم.

وسأل تلاميذه مرة اخرى :"هل الزجاجة مملؤة الآن؟" فأجابوا جميعا بلهفة "نعم نعم"

إلتقط بعدها الأستاذ كوب القهوة وسكب ما بقى به داخل الوعاء الزجاجي فتغلغل السائل في الرمل

فضحك التلاميذ مندهشين .

إنتظر الاستاذ حتى توقف الضحك وحل الصمت ثم أردف قائلا:

"أريدكم أن تعرفوا أن هذا الوعاء الزجاجي يمثل الحياة، حياة كل واحد منكم .

كرات الجولف تمثل الأشياء الرئيسية في حياتنا كالدين والأسرة والأطفال والمجتمع والأخلاق والصحة..هذه الأشياء التي لو ضاع كل شيء آخر غيرها لاستمر الانسان في الحياة.

أما قطع الحصى فهي تمثل الأشياء الأخرى المهمة مثل الوظيفة والسيارة والبيت.

وأما الرمل فهو يمثل كل الاشياء الصغيرة في حياتنا والتى لا حصر لها.

فلو أنكم تملئون الوعاء الزجاجي بالرمل قبل وضع كرات الجولف فلن يكون هناك مجال لكرات الجولف

ولن يجد الحصى مجالا له بعد إمتلاء الوعاء بالرمل. ونفس الشيء بالنسبة للحصى فلو أننا وضعناه في الوعاء قبل كرات الجولف فلن نجد مجالا لها.

وهذا ينطبق تماما على حياتنا فلو أننا شغلنا أنفسنا فقط بالأشياء الصغيرة فلن نجد طاقة للأمور الكبيرة والمهمة في حياتنا كالدين والأسرة والمجتمع والصحة.

فعليكم بالاهتمام بصحتكم أولا والقيام بواجباتكم الدينية وإهتموا بأسركم وأولادكم ثم اهتموا بالأمور الأخرى المهمة كالبيت والسيارة .

وبعدها فقط يأتي دور الاشياء الصغيرة في حياتنا كالموسيقى والطرب .

وكان الأستاذ على وشك أن يلملم حاجياته عندما رفعت إحدى التلميذات يدها لتسأل: "وماذا عن القهوة يا أستاذ ؟"

"سعيد جدا بهذا السؤال " أجاب الأستاذ

"فمهما كانت حياتك حافلة ومليئة بالاحداث فلابد أن يكون فيها متسع لفنجان من القهوة مع صديق أو حبيب مع اطيب امنياتى لكم
gabr189@yahoo.com

بروقٌ تعلو وتهبط


سامي العامري


حديث مع ربة الشفاء
-----------


يا حُسنَهُ قَدَحاً سكرانَ عن قَصْدِ
قد زارني دون خطوٍ
والرياحُ سعتْ مَوّارةً ضدّي
في حانةٍ بذُرى بغدادَ وسطَ دمي
تحتَ الأراجيحِ
خَلْفَ الشطِّ والوردِ !
والأنجُمُ اجتَمَعتْ
والناسُ ما اجتمعوا
في كلِّ يومٍ لنا وَصْلٌ ومُنْتَجَعُ
لكنْ مع الشكوى
والصَّبُّ لا يقوى
حَوّاءُ يا دجلةً
فراتُ يا آدمْ
مَن في جراحيَ القى المُلْكَ كالخاتَمْ ؟
فَصُرتُ من طينِ
أُلَقِّنُ الطيرَ إنشادي فيرويني
مِن آخرِ الصينِ حتى آخرِ الصينِ !

-------
حياة المستشفى خاصة المستشفى الذي يعنى بحالة مثل حالتي , تختلف كثيراً عن الحياة في الخارج , فالضجر في أحيان كثيرة ينال من الجميع فلا الأدوية ولا لعب الورق ولا القهوة ولا الثرثرات تُغني المقيمين هنا فالزفير سرعان ما يتقدَّم ليعلن أنْ لا جديد ولكني جلبتُ دفاتري وبعض الكتب معي وأحاديثَ عن الماضي وقلتُ : سوف نرى !
كنتُ مُنكبَّاً على تنقيح بعض السطور وتناول القهوة حين دخلتْ غرفة الإستراحة.
رجلان كبيران في السن يتحدّثان في زاوية قريبة وشابٌ مرتجفُ اليدين يقرأ جريدة , الجريدة تبدو بسبب ارتجافه وكأنها مهفَّةٌ !
وشابة تتأوَّد على نغم أغنية خفيضة في التلفاز .
صامتةً جلستْ على الجهة المقابلة لي وجنب النافذة .
دفتري الآخر الذي بدأته قبل ثلاثة أيام بتدوين أفكارٍ عن إحساسي في الأيام الأولى من وجودي هنا , تخطّى الآن الصفحة الثلاثين . كان البعض يطلبُ مني أحياناً أن أترجم له شيئاً منه فأعتذر قائلاً : إنه مجرد يوميات غير مُنسَّقة .
هذه المرأة التي أتتْ مع أُمِّها الى هنا وكان هذا قبل اسبوع , لم تظهر في غرفة التدخين إلاّ اليوم .
لم يعد يشغل تفكيري في هذه اللحظات غير هذه المرأة ! أرمقها بين الحين والآخر حينما أكتب , وجهها يبعث على السكينة وكنتُ أقول : إنَّ تأويلي لحركات البَشَر أفضل من قراءتي لتعابير وجوههم ولكنها لا تكاد تتحرك , وجهها ساهم ونظرتها متجهة بثبات الى الطاولة أمامها . ضوءٌ صباحيٌّ يخترق الستارة الشفافة , يضيء نصف وجهها الأيسر حتى كتفها فخصرها , ها هي تتحرك الآن قليلاً , تفتح حقيبتها الصغيرة , تُدخل يدها برعشة خفيفة كلاعب يانصيب .
ها هي تُخرج سيجارة . أتمنّى لو تطلب مني ناراً .
هل أذهب اليها فأشعل لها سجارتها بأدبٍ ؟ لا , إنها تملك ناراً .
قلتُ لنفسي مُحرِّضاً: ألا تذهبْ اليها ؟ فالشعر أيضاً هو ما يفيض عن الورقة الى الخارج , قلْ لها أَّية كلمة , أي شيءٍ .
وبالفعل , قفزتُ فاقتربتُ منها فبادرتْ هي بالسؤال عن عدد المرضى وما اذا كانت هناك إمكانية الآن للحصول على فنجان قهوة فبيَّنتُ لها ذلك ثم سألتْ وهي تنظر من النافذة عن البناية المقابلة لبنايتنا وماذا تكون فأخبرتُها وكمَن يهذي بأنَّها مَحجرٌ صحيٌّ !
فقالتْ : صحيح ؟ آه , أعتقد أنني بسبب أمّي سأدخل هذا المَحجر يوماً ما فهي تريد أن تكون سلطانة عليَّ , قالتْ هذا فضحكتْ , ولكنَّ توافدَ الرجال حولنا وكلامهم عن برنامج التأهيل اليومي المخصَّص لهم وأشياء غيرها أرجعتْني الى نقطة البداية فقد تحلّقوا حولها مُرحِّبين !
إنسحبتُ كذلك لسببٍ آخر وهو أنَّ عدد الرجال هنا أكثر من عدد النساء وهذا يضيف نوعاً من التعقيد حيث تطفو مشاعر متوقعة من بعض الرجال اذا انفردتُ بالحديث مع امرأة خاصةً وانا أجنبي !
ولكن لا يهمُّ فانا أساساً لم أرِدْ باقترابي من هذه المرأة سوى نوعٍ من الشعور بالقرب من الحياة وارتباطاتها الأليفة وهو أمرٌ لا يدَ لك فيه والمرأة أفضل مَن يُجسِّدُ هذا .
لا أعرف كيف مضى النهار الى نهايتهِ فقد تلبَّستني حالة من البلادة وبقيتْ معي حتى جاء منتصف الليل فلجأتُ ثانية الى الكتابة :

أيتها الآتيةُ أخيراً
اليَّ بكِ !
ولقبلاتي أن تستقرَّ على وجنتيك كالشامات !
كلُّ شيءٍ منذ البدء تقاطرَ كأنهُ النَفَسِ ,
وكما تش .....


------
بروقٌ تعلو وتهبط , مَن ذا ؟ النافذة تفتحها أيادي الغابة المجاورة , دمي يختلج كساحلٍ ترتطم به أمواجٌ متتابعة ثم تتفرّق كما قطعٍ من غيوم شتوية, لحنٌ نمير ذائبٌ لا يسمعه أحدٌ غيري , أشعر الآن كما لو أنَّ الكل يسمعه , او كأنّ له طبع الآلهة خُلِقَ ليُعرَف .
قالتْ الربةُ : نعم , انا هو ذا , ومثلما عرفتَني أردتُ أن يعرفني سواك ولكن ليس قبل أن تُتم ,

الكلُّ نيامٌ إلاّ أجراسُ قلمك , فلتواصلْ قرعَها حتى تسمعها هي فتأتي على جناح نجمةٍ
قلتُ : نعم , قرعتها قبل قليل عدة مرات , عدة مقاماتٍ , عدة ولاياتٍ , ولكني سأروي لك الآن بعض حصاد سهري وما يقطر من غصون ذاكرتي
وتلك حكاية أخرى , قبل عقد ونيِّفٍ رأتني أتناول الخمر مع بعض زملاء العمل الجدد في حانة قرب شقتها بينما كانت تهمُّ بالخروج من الشقة ,
كان هذا قبل أن نتعرَّف على بعضنا , كان واضحاً في البدء أنها تهرب من كلِّ رجلٍ تشمُّ فيه رائحة خمر
ولكن يبدو أنَّ حماسي بعد ذلك في التأكيد على أني لولا الخمر لما عرفتُ الجمال أثار انتباهها فما هي إلاّ أيام حتى وجدتُها تشاركني الكأس !
كانت تغيب فترات محددة أحياناً ثم تعود ولكنها غابت هذه المرة فترة طويلة عني وعن شقَّتها حتى يئستُ من عودتها .
أسندتُ يدي الى النافذة حيث إيماءاآت الصباح .
النوافذُ , تصِلُها هنا الى الطابق الثالث أشجارٌ عالية الخُضرة , أمدُّ يدي الى إحداها , أُلامسُها فتسحبُ قَوامَها بكل نسائمهِ , تتغنَّجُ ,
وأتذكَّر حائط غرفتي النابض بالشوق , التفتُّ اليه في إحدى عُطَل نهاية الإسبوع , كان يبدو عليه مهجوراً منذ زمنٍ طويلٍ فهو كثير التشكّي , قلتُ له حينذاك : تستطيع أن ترحل إنْ شئتَ .
أتذكرُّ الغابات الثلجية في الأشتية السابقة وكيف حاولتُ رسم مجموعة من أشجارها على هذا الحائط فبدتْ وكأنها لحيةٌ داكنة ظللتُ لسنواتٍ أرقبها بحزنٍ وأتطلَّع الى ما خلفها وأربط كلَّ ذلك بالعمر ومعاني الموت .
أقول : غابتْ طويلاً فحزنتُ كثيراً . كنتُ حتى ذلك اليوم لم أرَ مثل صداها عمقاً .
وفي الليلة الماضية ...
تماماً كالمركبة الفضائية لحظة الإنطلاق شعورٌ هائل بالنشوة والغبطة ثم رقصة مع خليط من الناس تشبه الرقص الطقسي في بعض حلقات الصوفية , كان هذا حلمي الأول والذي بقيَ أثرُهُ حتى حين استيقظتُ نصف استيقاظ فصحتُ من فرط الإرهاق الروحي : مَن أعطاني مُخدِّراً ؟
ثمَّ عدتُ الى النوم فالحلم مرة أخرى .
كانت الليلة الماضية او نصفها الأوّل هو كلُّ ما تركتُهُ خلفي من سنوات التشرد مختزَلةً . مَن يعيد لي هذه التجربة المدهشة ؟
وتذكَّرتُ حالةً أخرى إذْ عدتُ قبل عامين الى البيت وفي الظهيرة فلم أجد الحائط الذي كان على ميسرتي دائماً أوانَ الجلوس والكتابة ووجدتُ مكانَهُ ستارةً زرقاء تدفعُها الريح حتى منتصف الغرفة فتتخافق وامرأةً تقهقهُ , كانت مضطجعة على الأرضية وتضرب الستارة بيدها وساقها , والشمس من ورائها تميد , أحسستُ بالحزن لأجْلِ الحائط فهو ربما تلاشى بسبب اليأس مني ولكن أنتِ مَن الذي أتى بكِ ؟ فأشارت الى ما خلف الستارة , الى غيومٍ تتلاحق .
فحاولتُ ملامستها غير أنها تفتَّتت بين أصابعي كالرماد , كورقةٍ من بطون التأريخ , كالنَّفَسِ , وهنا في المستشفى من خلال النافذة حيث النجوم تمورُ والسماء زرقاء , وحيث حضورك الأثيل يترسخ وحيث حضوري يحكي غيابي , أقول لك : رويداً رويداً بدأتُ أتيقنُ أنها تنتظرني وإلاّ فما معنى الإستماتة من أجل استنطاق ذاكرة الورقة ؟
قالت الربة بابتسامتها العبيرية الواثقة : كل ما كتبتَهُ كان لها , وحين تخرج غداً سوف لا أدعك تذهب الى طبيبٍ يعطيك دواءاً تتناولُهُ بانتظام
بل ستذهبُ اليها , الى طبيبٍ يعطيكَ دواءاً تتناولُهُ دون انتظام !

مَن لي بتَهْلُكةٍ كلَيلِك أشتهيها
وكما إزارك أرتديها ؟
إنْ ينكثِ الأصحابُ في العَلَنِ الوعودَ فَهُمْ كذلك دائماً
وانا لذلك مثلما قد ذبتُ فيك
أذوبُ فيها !
كم أشكلتْ تلك القلوبُ على مداراتٍ لعطرِ ؟
وعواصفُ اصطفَّتْ لتنفضَ كالرداء مياهَ بَحري


------------------------------------------

(*) نصٌّ من كتاب يجمع بين القصِّ والنثر الأدبي والشعر يحمل عنوان : حديث مع ربة الشفاء .
(**) بوصولي الى هذه الحلقة من الكتاب أكون – كما أرجو – قد أوصلتُ العديد مما كان يشغلني من هواجس وحالات روحية وشظايا أفكار وأكون قد وصلتُ الى الحلقة ما قبل الأخيرة حيث ستكون الحلقة الأخيرة مخصصة لخطبةٍ تلقيها الربة وهي تلوح مرئية كحزمة أضواء في حديقة المستشفى , خطبةٍ تلقيها على الجميع من مرضى وأطباء ومنتسبي المستشفى وحشد عفوي من سكان المدينة الصغيرة القريبة !

----


كولونيا - 2008
alamiri84@yahoo.de

الفستــــــــــــــــان


عيسى القنصل

مخدّرة ُ

بنا الاعصاب ُ سيدتـــــــــى

ايا خوفى على عمرى من الخـــــــــدر ِ

وضائعة ُ ..

بنا الافكار ُ معظمها

فلا ارسى على فكـــــــــــــــــــــــــــر

رايت ُ القد َ منتصبــا

كضؤ الشمس فى الفجــــــــــــــــــــــر

وفوق الجسم فستــــــان ُ

يعانقه ُ ..فذاب السحر ُ بالسحــــــــــــر

رايت النهد مندفعـــــــــــا

فيعطينى ..ينابيعا من العطــــــــــــــــر

رايت الساق راقصة ً

كامواج ٍ على بحـــــــــــــــــــــــــــــــــر

وفوق الثغر بسمتها ...

ايه لهفى ..على التحديق بالثغـــــــــــــر

رايت ُ الجسم َ ملتويا ..

كراقصة ٍ تجارى لوعة الوتــــــــــــــــر

رايت النحر َ يدعونى ..

بان اجرى ..الى تفاحة النحـــــــــــــــــــر

اعانقها ..

اقطعها ,,بناب ٍ عاشق ٍ ثــــــــــــــــــــورى

لها جسد ُ

تبارى الله خالقه ُ

فقد اعطى لها بحرا من السحـــــــــــــــر

فارداف ُ بلا عظم ٍ

وساق ُ كل ُ ما فيها ..تضاريس ُ على عمرى

ايا فستان سيدتى ..

لقد لامست انسجة ً فكن دائم الحـــــــــــــــذر

فهذا الجسم ُ اغنية ُ

اغنيها ...بلا نغم ٍ بلا وتـــــــــــــــــــــــــــــر

الى عينيك سيدتى ..

رحلت اليوم مشتاقا ..فكونى دائما قـــــــــدرى

وكونى بسمتى دوما ...

فحبك ٍ حكمة القــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدر ِ

احب القد منتصبا ً

ومرتجفا ..ومشتاقا الى صـــــــــــــــــــــــدرى

ايا فستان سيدتى ..

كفى لثما ً بانهدها كفى عصرا على الخصــــر

فهذا القد ُ تملكه ُ

فتاة ُ بعتها عمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرى

دع الاعضاء َ سالمة ً

فانّى قادما ً اجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرى

الجمعة، سبتمبر 26، 2008

فتاوى سيئة ومسيئة

عـادل عطيــة

قد تكون الفتوى قد بدأت نبيلة صادقة مخلصة بين السائل والفقيه !
ولكنها انحدرت بانحدار النفوس التى اصابها الهوس الدينى ،
فباتت تهتم بأمور تافهة لا ينتبه إليها أحد ، مثل :
" هل يجوز للمرأة لبس البنطال فى بيتها أمام زوجها ، واولادها ؟ " !
وبانحدار فقهاء عميان يتوكأون على جنون العظمة ،
يلتمسون مآربهم ومصالحهم الشخصية الدنيئة ، مثل :
فتوى حرمة البنوك التجارية ،
التى اطلقها البعض ، وركز عليها ، ونشرها ؛
من أجل خدمة شركات توظيف الاموال ، والبنوك التى تزعم انها اسلامية !
وتصل الفتوى إلى ذروة خطورتها ،
عندما تصبح ضد الانسانية ، وضد العلم ، وضد الدين نفسه

فقد اصدرالشيوخ فى قرى باكستان فتوى :
يحرّمون فيها تطعيمات شلل الاطفال ؛
لأنها مؤامرة من الغرب ؛
لإصابة الاطفال المسلمين بالعقم !
وعلى الرغم من أن باكستان تجاوزت تلك الأزمة ،
إلا أن فتوى مشابهة صدرت فى نيجيريا ،
كانت سبباً فى أن يمتد مرض شلل الاطفال إلى 12دولة إسلامية فى اقل من عام ونصف العام !
وهذه الفتوى تذكرنا بفتوى " حرمة القرنية " ،
التى تركت فى مصر آلاف العميان من الممكن ان يبصروا ؛
لولا تلك الفتوى التى اطلقها احد الشيوخ ، ثم سافر لينقل لنفسه قرنية فى المانيا !
وهناك فتوى تجعل من الدين الاسلامى لعبة فى نفوس معتنقيه ،
على يد الامام الجزائرى الفقيه محمد بن الفضيل :
" إذا أردت أن تتهرب من أحكام الزكاة ، كن شافعياً
إذا أردت أن تخرج عن أحكام الربا ، كن مالكياً
إذا أردت أن تخرج عن أحكام الخمر ، كن حنيفياً
إذا أردت أن تخرج عن أحكام الزواج ، كن شيعياًً
وبذلك تخرج من الشريعة بالشريعة " !
ويمنعنى الحياء من ذكر الفتوى ،
التى تسمح بمس الصغيرة ، أو الرضيعة ، ونكاحها ، والزنا بها !
كما وردت فى المبسوط للإمام السرخسى (المجلد الخامس ج10ص155)
كما يمنعنى الحياء من ذكر الفتوى التى بدلاً من ان تسمو بغريزة المرأة ،
تجعلها فى خدمة شهوتها !
كالفتوى الواردة فى كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية ( ج4ص 905)
ولكن لا بأس من ذكر بعض الفتاوى ،
التى جعلت المجلة الامريكية : " فورين بوليس " ،
تتندر بها
وترشحها للفوز بالمراكز الاولى فى السفاهة فى نظر العالم المتحضر ،
نختار منها اثنتان :
فقد اصدر رشاد حسن خليل ، عميد كلية الشريعة الاسبق بجامعة الازهر ،
فتوى ببطلان زواج اى رجل وامرأة يخلعان ملابسهما تماماً اثناء ممارستهما للعلاقة الزوجية !
وعندما احدثت الفتوى ثورة كل اصحاب العقول فى مصر ،
وسعياً منه لامتصاص الانتقادات الموجهة إلى الازهر ،
مع الحفاظ على مشاعر التيار الدينى المتشدد فى مصر ،
توصل عبد الله مجاور،
رئيس لجنة الفتوى فى الازهر،
إلى حل وسط وعجيب ربما اعجب من فتوى رشاد خليل نفسها
قال :
" إنه يحل للرجل أن يرى زوجته عارية ،
وإن كان النظر إلى عورتها مكروه ،
ويفضل أن يمارسا علاقتهما الزوجية تحت غطاء " !
وربما كانت فتوى إرضاع الكبير،
من أغرب الفتاوى التى صدرت فى العالم الاسلامى كله
- وان كانت مستندة على واقعة تمت فى زمن محمد - ،
صاحبها هو عزت عطية الاستاذ بجامعة الازهر ،
انطلق من فكرة الفصل بين الجنسين فى العمل والدراسة ،
فخرج بفتوى مبتكرة :
أنه لو ارضعت امرأة زميلها خمس مرات ، فيحل له أن يعمل معها ،
ويحل لها أن تكشف شعرها وحجابها امام شخص ارضعته خمس رضعات مشبعات !
**
ما أكثر الفتاوى الغبية التى صدرها العلماء المسلمون فى العالم كله !
ليس لمجرد تحجر الفتوى ،
أو عدم توافقها مع روح العصر ،
بل مدى الضرر الذى احدثته ،
وتحدثه
ومدى مساهمتها فى تأخر المسلمين تأخراً كبيراً

adelattiaeg@yahoo.com

الخميس، سبتمبر 25، 2008

مشتاق لكن .. على ورق

ربحان رمضان

سألته زوجته مهاتفة تستفسر عن مستقبلها :
* كيف حالك ياحبي ؟
ماذا عن قضية الإقامة ؟هل هناك نتيجة؟

أسئلة تعوّد أهل المهاجرين (من منفيين وطالبي لجوء ) طرحها باستمرار عليهم ..
أجابها :

* لا شئ ، ثلاث سنوات وأنتظر نتيجة طلب اللجوء ..لكن لم أقطع الأمل ..

- إذهب وراجع محاميك، ردت عليه زوجته بالهاتف ، وتابعت : العالم كله يعرف استبداد النظام وقسوته ، يعرف أن النظام يتفنن في الامعان بحياة الأكراد .
* أكراد وعرب ، النظام ما عندو ذقن ممشطة ،
الظلم يعم الجميع ..

- (وشو قالك المحامي) ؟

• المحامي مجنون ..

- إذا كان مجنونا ً ، اتركه
"دوّرعلى غيره " ..

* إذا تركته يرفع ضدي دعوى ..
مجنون .. "وإذا أكـَثرّت عليه الأسئلة " بيضرب راسه علىالطاولة ، حاطط على طاولته جلدة ، بيضرب راسه عليها " ..

- شو هالحكي ، معقول !!

- " اسألي عليه كل اللي بيعرفوه ، كل العالم بتعرف هذا المحامي في ســـــالزبورغ ** انو بيضرب راسه ع الطاولة ، والغريب انو كلمتو مسموعة عند القضاة ، بيخافوا منو .. غريب ..!! إذا خسر قضية بيضرب راسه بالحيط " .

- والنتيجة ؟
- مافي غير أن أسلم أمري لله ، "رح أستنى بركي بتجي النتيجة لحالها " ..

- وكيف تقضي الوقت ؟
- بالمعسكر.. "بنسيون" في قرية منعزلة ، ليس فيها إلا بيوت فلاحين ، وزريبة خنازير ، ومتجر " ..
البارحة اشتريت صابون حلاقة وفرشاة أسنان و" شغلتين تلاتة " .. دفعت كل اللي أعطوني إياه هذا الشهر ..
" والله لو كنت عرفان انو غالي كل ها لقد ما بطلع من بلدي ..
قالو بالمثل : شو جبرك ع المرّ ؟ قلت :الأمرّ ".
" لو تتركني (أجهزةالأمن) بحالي لرجعت لك .. ومثل موعايشين أهلنا منعيش " ..

قالت له .. يقولون أنك تزوجت (فتاة) نمساوية يا حبي ،
وقالوا أنها :
شقراء .. بيضاء ، لعوب !!؟؟
أجابها : لا شقراء ولا حمراء ..
لكن عرضت علي عروض .

• شو ؟؟
سألته مندهشة ..

أجابها مستدركا ً : لا يا حبي ، ليس زواجا ًكالذي تعرفيه ، إنما هو على ورق ، أنا أحبك ، وهذا الزواج ليس إلا زواج مصلحة .. و(بفلوس) ..

• " يخرب بيت يللي نصحك ها لنصيحة " ..
وتتركني ؟؟!!

- لا ، لن أعيش معها ، فلديها صديق .

• لم أفهم ..!!
• أجابته زوجته باستغراب .

- إنما هو زواج على ورق .
• إلى متى سأنتظر .. حتى تطلقها ؟

• ُ أطلق من ؟
• تلك الزوجة ، تلك الزوجة التي (على الورق) ..!!

****
• قل .. قل لي ، متى يمكنني أن أصل ؟

• يعني ، تقريبا ً .. ثلاث سنوات .

• يخرب بيتها .

• مين ؟

• هي ، تلك التي على ورق .
• والأولاد ، هل أترك هاني يعمل لدى آرتين الميكانيكي ؟ و ثائر يعمل لدى برهو اللحام ؟

لا ، دعيهم يكملوا دراستهم ، استديني من جارنا أبو فواز ..سأعيد القرض حالما أعمل .. فقط أنتظر النتيجة ..

منذ تركتنا يا عمري ، منذ سنين ، هل تذكر؟
أعاني الفاقة ...
لم يساعدني أحد ..
لا أهلي ، ولا أهلك ..
ولم أرى الرفاق من بعدك ..

وصحتك يا حبي ، كيف الصحة ؟
نحفت ،عملت ريجيم ، ودائما أراجع المشفى
لماذا ؟
طمئنيني ، مالذي اعتراك ؟

هل ترىأني هبلى ..
لست مريضة
صحتي بخير..
لكنني حبلى.
====================
* كاتب وناشط سياسي .
** مدينة نمساوية .

صندوق الرجال

الهام ناصر

امرأة من زجاج
*
عملية ترتيبِ الأحجار
في خواتمها
تحتاج وقتا أطول
من شرائها
..
تُسرفُ في تلميعِها
حتى اكتمالِ
شعورِ النشوة

لكلِّ لونٍ
عينا رجل
ولمسة محترفة
بمناسبة
عيدِِ الانتقام

صندوقٌ صغير
يحملُ هُتافاتٍ
وروائح باريسية


وبجانبه رقعة شطرنج


تتنقّل بأظافرها الذهبية
بين الملكِ والوزير

من التالي ؟

الأربعاء، سبتمبر 24، 2008

وسواس

ربحان رمضان

وسواس قهري ألم به فسيطرت عليه فكرة أن يفتعل مشكلة ما ، مع شخص ما ، ربما يخفف من وطئ أسألته ًالفوضوية التي يطرحها على نفسه دائما والمتكررة دائما ً..

صور عنيفة تراود خياله ، جثث موتى.. دماء ، هراوات غليظة ، ثعابين ، رجال مخابرات تلاحقه في حله وترحاله ..
يحلم بكوابيس أحلام أشد قسوة ، فيفيق مذعورا ً وينام ثانية لينسى ..

جرب ذات مرة أن ينتحر غرقا ً ، ولكنه وبشكل ما تذكر ما قرأه في ملحمة جلجاميش عن الموت .. وجد أن "جلجاميش" اكتشف بعد وفاة حبيبه ورفيقه "آنكيدو" أنه سيلقى نفس المصير الرهيب .. الموت أو النوم الأبدي.. بما يعني أنه ســيموت هو بعده ، قهرا ً ..

عدل عن الفكرة كي لا يقضي على حبه الذي تركه في الوطن ..

أقلع عن فكرة الإنتحار غرقا ً ، ولكن ومع ازدياد الصغوط النفسية عليه بدأ يفكر بطريقة أخرى أسهل وأقرب إلى الموت .. وجد أنه من الأفضل الموت ســقوطا ً من فوق شجرة ، شجرة الخروب الباسقة الشامخة الواقفة عند باب بيته كالحارس عليه ..
خرج وفي نيته تسلقها ومن ثم القفز من أعلى ذروة منها على الأرض ..
توقف ، فكر قليلاً ، عاد إلى البيت لغسل يديه بالماء والصابون ، جففهما ..
ثم عاد فغسلهما ، ثم جففهما ثم عاد فغسلهما ..حتى زالت فكرة السقوط من أعلى الشجرة ...
نسى أنه فكر بالإنتحار .

لما خلد إلى سريره الواقع في وسط بيته أو بالأحرى غرفته (الأمر سيان) لأن بيته وفي كل الأحوال إنما هو غرفة في الطابق الثامن من أحد معسكرات اللجوء المنتشرة في الكثير من المدن والقرى الأوربية ، راودته فكرة خبيثة ، هي أن يتمادى مع زوجة جاره المقيم في البيت أو الغرفة المجاورة مما سيدفع بزوجها إلى ضربه ، وربما في هذه الحالة يؤدي ضربه إلى الموت ، وهكذا سيتخلص من نفسه دون عناء ..

ناقش الفكرة من ألفها إلى يائها ، فوجد (بعد الثالثة صباحا) أن الضرب سيؤدي به إلى السجن ، وربما الترحيل إلى حيث جاء ، علاوة على ذلك فإنه سيدفع غرامة مالية (محرزة) وهو الذي التحق بطائفة دينية تحرم شرب المسكرات والمنبهات كي لا ُيقدم لضيوفه إن زاروه في غرفته لا بيرة ولا قهوة ولا شاي .. "يحسبها بالمليم" هكذا كان رأي أكثرية الذين عرفوه أثناء دراسته العليا في مدينة دانغارا التابعة لمقاطعة كاتلون في جمهورية طاجيكستان السوفييتية ، حيث كان يعيش لدىعائلة قرغيزية نكر لها الجميل الذي قدمته السيدة آيتماتوف تلك العائلة الشهيرة لشهرة أحد أفرادها هو الكاتب القرغيزي الشهير جنكيزآيتماتوف .

خرج إفي ليلة ظلماء لى الشارع ليرى القمر .. وجده قد صدأ ..
رأى حوله الدنيا رمادية اللون ..
لا بيضاء ولا سوداء ، هي الدنيا ، مثله تماما ً كل يوم بلون ..!!

لابد أن يفعل شيئا ً ، وإلا سيموت قهرا ً كما ماتت ناقة خلف بن علي ..
لذلك قرر محاربة العشيرة والجيران ، وكل أصحاب الجاه الذين أغاظوه ودفعوه إلى مجاراة الشيوعيين وأصحاب الكتاب ..

صدأت الدنيا من حوله.. فأعلنها حرب على كل الناس ..

بدأ بأول من صادفه من بني عمه في بلاد الله خلف الحدود ..

(إخوة أعداء) ..

إخوة أعداء ..

لا عدو إلا الأخ الأكبر ..!!

وانفتق .. .. من الصياح ..
انفتق ..
انفتق ..

مسكين هذا المفتوق عن وطنه .. لم يعد له وطن !!

صباحكم أجمل/ أرصفة رام الله والعشاق



زياد جيوسي
شجرة بركة في شارع النزهة في رام الله صباح اليوم
بعدستي


تهمس في أذني رام الله وهي تلقي بشلال شعرها على وجهي، فلا أرى من العتمة سوى اشراقة وجهها وجماله، تغمرني بمشاعر الحب والحنان، تحاول أن تعيد لي توازن النفس الذي افتقدته منذ وداع الياسمينة أمي، حين توقف القلم عن الكتابة، وتوقفت المشاعر عن البوح، تهمس لي ببوح عينيها أن أعود إلى ما كنت عليه، أن أتذوق الياسمين وأتنسم عبقه، أن أتعايش مع الألم ولوعة الفراق، وأعود إليها أراقصها وأضمها كما اعتدت أن أضمها منذ زمن سحيق، وأن أهمس لها كعاشق مجنون.

عدت إليها بقلب حزين، فغمرني رمضان ببركته، وحضر ولدي محمد ليكون معي بداية الشهر يواسي وحدتي، يرافقني في السير في الطرقات، الوقوف عند الياسمينات المتعربشة على الحيطان، وفي الليل يبدأ يعزف بهدوء على جيتاره، يغني بعض الأغنيات الهادئة، فأبتسم لهذا الطفل الضخم الذي يحمل قلبا مترعا عاطفة وحنان.

غادرني ولدي عائدا لوالدته ودراسته ولم تغادرني رام الله، فقد كانت وما زالت السلوى والجمال، وإن افتقدت المسير بعض الصباحات في دروبها بحكم الصيام وسهر لياليه، فهي تغمرني بجمالها حين أسير في الأمسيات والصباحات، أسير وحيدا وأجول بعضا من دروبها، ويستقر بي المقام في النهاية تحت شجرة حرجية ضخمة عتيقة، أعتدت أن أجالسها بين الحين والآخر في شارع النـزهة، على رصيف الشارع أمام بيت مهجور لعل أصحابه قد هاجروا وهجروه، فأغلقوا أبوابه بالاسمنت ونوافذه بالحديد، لعله خوفا ممن يتسللون ويستولون على البيوت المتروكة، فلا يخشون قانون ولا سلطات، فأصبحت حديقة البيت مهملة تجول فيها السحالي وربما زواحف أخرى، وبقيت الأشجار والنباتات بدون تشذيب ولا تقليم، فأصبحت وحشية المظهر، وبقيت الياسمينة الضخمة المتعربشة على الجدار تصر أن تبوح بشذاها والجمال، فتبدد بعضا من وحشة المشهد، مما يدفعني للجلوس على الجدار المنخفض تحت هذه الشجرة العتيقة الجميلة، التي أحببتها وأحببت ظلها الوارف، فأتمنى لو كان هناك مقعد رصيف تجود به بلدية رام الله تحتها، فليس أجمل من مشهد عاشقين تحتها، أو راحة عابر سبيل لعله يجول في الطرقات ليبحث عن قوت لأطفاله، أو عاشق مخذول يستعيد ذكرى وذاكرة، أو عاشق مدينة مثلي يهمس بأذن طيفه البعيد القريب لحن قصة عشق تمتد عبر العصور، ففي ظلال هذه الشجرة التي أجهل اسمها ونوعها فأسميتها بركة، أجد راحة نفسية في النهار أو الليل، فأتأمل جذعها الضخم الذي تنبثق منه ثلاثة أغصان ضخمة، تحمل امتدادا رائعا من الجمال، فلا أكف عن تأمل جمالها، حتى أني أرى إمكانية أن تضم بين أغصانها كوخ صغير وجميل، أتخيل أني التجأ إليه كصومعة بين الأرض والسماء.

في الأمسيات أكون هناك، وحين تدق الساعة العاشرة، يندفع الدم في عروقي، فقد أزفت ساعة الرحيل، فأستعيد ذكرى رايات انكسار، وأرى في أوراق الشجرة المتساقطة، بقع من دم أزرق يلوث طهر البياض، فأصرخ أنادي: أين الشذى والياسمين، فيرتد الصدى: أما يكفيك رؤية الياسمين متعربشا على جدران شارع النـزهة، فدع العبق للقاطنين الديار، ففي أيلول تبدأ الأشجار بتلوين أوراقها بلون الذهب الأصفر، حتى تغطي الحزن ببعض من فرح وإن كان خدّاعا، فأنظر للرصيف المشجر الممتد، أشعر بطيفي البعيد يهمس لي: يجب أن نعترف لأنفسنا، فأيادينا لن تتشابك يوما ونسير معا على الرصيف كأي عاشقين، فهو الحلم البعيد البعيد، واشعر بالرصيف يهمس لي ويقول: الأرصفة لا تتحدث إلا عن حكاية عاشق مشتاق لنصفه الآخر، يحلم بالوصول واللقاء بعد طول انتظار، فأقول له: الأرصفة تروي حكاية المارين الذين ذهبوا، تتحدث عن عبق الأمكنة وحكاية عشق الجدات تحت الصنوبرات والأشجار العتيقة، تتحدث عن عيون الماء التي جففها غياب الحب وراء سراب الحقيقة، وتحكي الأرصفة حكاية عاشقين بقلب واحد يفرق بينهما الزمان والمكان، محرم عليهما حتى اختلاس النظرة.

أجول رام الله في هذا الصباح المبكر، ضباب وندى ونسمات ناعمة، ذكريات وقلب يستعد للمغادرة، فبعد ساعات سأكون في طريقي لعمّان الهوى، أقضي أواخر أيام رمضان والعيد في رحابها، أودع شجرتي بركة وأهمس لفيئها: إنها خطوة أخرى من خطوات رقصة الزار المجنونة، قبل أن تأتي عواصف الشتاء فتشتد خطوات الرقص، فتعرينا من كل أوراق الشجر، أودعك وأنا مسرور أني رأيتك أقرب ما نكون وابعد ما نكون، سأغادرك الآن ويبقى في القلب ما فيه، فسنلتقي من جديد أعدك، ولن يكون فراقا طويل المدى، أجول في الدروب مودعا الياسمينات وشذاها، أتأمل مظاهر الزينة في ميدان الساعة والمنارة والعديد من الشوارع، أشجار أصبحت مضاءة بأنوار جميلة تضفي بهجة في الأمسيات، أرصفة أصبحت أكثر اتساعا وتنظيما، زهور جميلة في طرف المنارة، لا تخلوا من بقايا أعقاب لفافات التبغ وأكواب الشاي والقهوة التي يلقيها الذين يقفون هناك، بدون إحساس بالمسئولية والحرص على الأمكنة العامة من التشويه، دوار الساعة ما زال يئن من وحدته بلا ساعة، واليافطات الإعلانية ما زالت تحجب الرؤية في دوار المنارة، فلا البلدية وفت بوعودها ولا المحافظة كذلك.

أعود لصومعتي بيت الياسمين متأبطا صحيفتي اليومية، أشعر بحزن يلفني، لا أجد إلا روح أمي وطيفي الذي يمعن بعدا، وحروفي الخمسة تؤانس لحظات ألمي، أفتح نافذتي فيتسلل لي عبق النعناع مع النسمات القادمة، أبدا بتجهيز حقيبتي الصغيرة التي ترافقني ببعض الكتب وعدسة التصوير ودفتر ملاحظاتي، أتفقد أوراقي الرسمية فيها، فحين أذهب لعمان لا أحمل شيئا آخر، أستمع لفيروز تنشد لي:

"لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب ورحت أحضرها في الخافق التعب، أيد تلوح من غيب وتغمرني بالدفء والضوء بالأقمار بالشهب، ما للعصافير تدنوا ثم تسألني: أهملتي شعرك، راحت عقدة القصب، رفوفها وبريق في تلفتها تثير بي نحوها بعضا من العتب، حيرى أنا يا أنا والعين شاردة أبكي وأضحك في سري بلا سبب، أهواه؟ من قال إني ما ابتسمت له بالدمع فعانقني شوق إلى الهرب، نسيت من يده أن استرد يدي، طال السلام وطالت رفة الهُدب، حيرى أنا يا أنا أنهد متعبة خلف الستائر في إعياء مرتقب، أهوى الهوى، يا هلا إن كان زائرنا، يا عطر خيم على الشباك وانسكب".

صباحكم أجمل..

رسالة خاصة لك

عيسى القنصل
تركت ُ عطور النساء جميعا ً وتبعت عطرك ِ

والغيت ُ كل مواعيدى العاطفيه وانتظرت ُ وقتك ِ

وحين اشتعلت فى اعماقى نيران اشتياقى لرؤية النساء

اطفئتها بماء وعدك ِ

فلا اريد ُ بعد اليوم غيرك من النساء

ولا ابتغى من الصدور سوى صدرك ِ

لاننى حين وجدت نفسى غارقا فى وحل الخوف والفشل

وجدتك ِ

كنت شعرة على صدرى ..فدعينى نسمة على صدرك ِ

كنت جفنا لحماية عينى .. فدعينى لمحة تحت عينك ِ

وكنت ِ يدا تحملنى الى شاطىء عطفك ِ

فدعينى ..عصفورا ينام على كفـــــــــــــــــــــــــــــــــك ِ

رايتك ِ

شفة ً ترتجف ُ شوقا الى راحة نسمة

فدعينى ارتمى شوقا على شفتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك ِ

بعدك ِ

طردت كل نساء بيتى واتجهت ُ شوقا الى بيتـــــــــــــــــك ِ

وسلخت عن ذاكرتى عطر كل قصة حب كانت

فانت مدينة الحب الجديده ..وانت نافورة فى عطـــــــــرك ِ

اتجه ُ بافكارى اليك كل صباح ليبدا نهارى فى يـــــــــــدك ِ

وعندما ينتهى صراعى مع النهار احملك ِ

كحمامة بيضاء طاهرة الى مخدع احلامى .. اريدُ فى حلمى ان اراك ِ

وعندما اجلس الى طاولة الذكرى اراك ِ

وعندما ازرع وردة ً فى بستانى اراك ِ

وحين تحاصرنى دمعة ما ..اراك ..

كفراشة بيضاء تحلق حول وردة اراك ..

وكحلقة ٍ من ضياء قمر ..اراك ِ

وكاننا يا سيدتى الرقيقة ..خلقنا كل ُ فى مدينة بعيدة

لنشرب شوقا من نبع الامانى ..تكونين لى وانا اليـــــــــــك ِ

اليك ِ

ساكتب كل حروفى الجديده ..وقصائدى العالقة فى رحم افكارى ..

اليك سوف اتجه ..فلا تغلقى الباب

انا قادم ُ كالحلم اليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك

لاننى رايت بذرة حبك ..

تتنامى فى اعماقى اترانى حقا احبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك .

الثلاثاء، سبتمبر 23، 2008

الزمن والسوسن والياسمين

د. عدنان الظاهر

( فلسفة الزمن والضوء واللون )

لا مِن لونٍ بدون ضوء ! تلكم بديهة لا جدلَ فيها أو حولها ففي الظلمة لا يميز البشرُ بين الخيط الأبيض والخيط الأسود بل ولا يرى الخيطَ أصلاً !
وما علاقة الضوء بالزمن ؟ لا من علاقة فيما بينهما فالضوء أو فوتونات الضوء لا يؤئر الزمن فيها ، لا يؤخر ولا يقدِّم سرعتها الثابتة ، أي إنها مستقلة أو متحررة من سلطان الزمن < ليتني كنتُ فوتونا ً ضوئياً ... ليتني > والضوءُ يخترقُ الفراغ َ فيصلنا بناءً على ذلك ضوءُ الشمس قادماً إلى أرضنا قاطعاً مئاتِ آلاف الأميال من الفراغ المطلق حيث لا هواء ولا من وسيلة أخرى فيها أثر للمادة الضرورية لإيصالِ الصوتِ أو الكهرباء على سبيل المثال . الضوءُ كاملُ الإستقلال والسيادة على نفسه فهو كالزمن سيدُ عالي المقام والرتبة في عالم الظواهر الكونية في الطبيعة.

إذاً ، وهذا هو بيت القصيد ، لا يرى الإنسانُ لونَ السوسن ولا بياض الياسمين إلا بوجود الضوء فهو الأصل وله الفضل في إدراكنا للأطياف اللونية المختلفة . إختلف الفلاسفة الأقدمون في تفسير ظاهرة اللون فقال فريق منهم ـ وهو القول الحق ـ إنها ظاهرة طبيعية موضوعية لا علاقة لعين الإنسان بها إلا القدرة على تحسسها وإلتقاطها بوجود الضوء ... أي أنَّ اللونَ موجودٌ في المادة ذاتها . وزعم الفريق الثاني إنها ظاهرة ذاتية تختص بقدرة العين البشرية وغير البشرية على تشخيص وتمييز هذا اللون عن غيره من الألوان ( وهذا كلام باطل وسخيف ) تفسيره أنَّ ما تراه العينُ أحمرَ أو أخضرَ علتة وتفسيرهُ في العين وليس في المادة المطروحة أمامها مستقلة ًعنها . اللونُ يبقى ثابتاً ( إلا إذا حالَ وتبدل بفعل ظروف مفروضة ٍ عليه كتأثير أشعة ِ الشمس ِ أو الرطوبة وغيرها من العوامل ) والزمنُ يتحرّكُ ويمضي. لون معدن الذهب لا يتغير مهما كانت الظروف والأحوال المحيطة به ، لا الحرارة تبدلهُ ولا الرطوبة ولا ملحُ مياه البحار . كذلك ألوان غالبية بقية المعادن ومركباتها في الصخور والتراب وتحت الأرض فهي هناك منذ العصور الأولى لتكوِّن الأرض وإنفصالها عن كوكب أو كواكبَ أخرَ من مجرّتها أو مجرات أُخرَ . فهذه المعادن موجودة وألوانها بقيت فيها قبل أنْ تعرفَ الأرضُ الإنسانَ بملايين ملايين السنين فأين دور العين في ظاهرة الألوان ؟

ثم إنها موجودة في الطيف الشمسي الذي يبدو عديم اللون إلا إذا تكسَّر على قطيرات المطر أو مرَّ خلال موشور زجاجي أو خلال ماسَةٍ حيث تشعُّ فيها أجملُ الألوان الطبيعية بفضل وجود بعض الشوائب في تركيب بلوراتها . في عَجَلة نيوتن سبعة ألوان هي مكونات طيف الشمس، إذا ما دارت هذه العجلة بسرعة حول نفسها إندمجت هذه الألوان مع بعضها متحولة ً إلى اللون الأبيض الذي هو ليس بلون . اللون أزليٌّ كالزمن والضوء وهو سابق على الإنسان وعين الإنسان وباقي الكائنات الحية التي قد تختلف مع الإنسان في كيفية رؤيتها وإدراكها للألوان ... فما نراه أخضرَ قد يراه الحصانُ مثلا ً أسودَ أو أحمرَ أو أيَّ لون آخرَ لا يخطرُ على بال البشر . أعود لفلسفة الورود ووردتي السوسن والياسمين
وهما كوكبان يدوران في فلك حياتي خارجَ سلطان الزمن . إذا كان اللونُ الأصلُ فيهما أزليا ً فإنهما يذبلان مع مرور الزمن فيجفان كما يجف جسد الإنسانُ الميّت . هنا يتغير اللون ثم يختفي بسبب محدودية عمر أوراق الوردة الحاملة للون وعمر النبتة الأم فهي كائن حي وكل كائن حي إلى زوال . هل السوسنة ُ الملوَّنة ُ الشقراءُ الجميلة والياسمينة الساحرةُ العينين والشمّاءُ الأنف والمقوَّسة ُ الحاجبين ... هل هما خالدتان إلى الأبد أم متغيرتان حسب حكم الزمن ؟

هما هذا وذاك معاً . خالدتان ـ متغيرتان . خالدتان بما تنجزان من إبداعات فنية وكتابية فالإبداعُ خالدٌ يخلِّدُ صاحبه معه ، ومتغيرتان لأنَّ الكائنَ الحيَّ غيرُ مُخلَّدٍ أبداً ، له عمرٌ أو أجلٌ محدود. كيف جمع الزمنُ والضوءُ هاتين الظاهرتين المخلوقتين من فكر خلاّق مُبدع وجسد ٍ فان ٍ مهما طال به العمر ؟ يا سوسنتني الجرمانية ويا ياسمينتي الشمال ـ إفريقية لكما الدوام والخلود وثبات اللون وباقي الصفات والسمات البشرية . هل خلودكما في إبداعاتكما أم في سحر ِ عينيكما فخلودُهُ في نفوس وقلوب البشر رائين للفن وقارئين للكتاب . هل سحرُ العيون مِن وفي الضوء أو إنه ُ جزءٌ من الزمن ؟

الضوء يسحرُ والزمنُ يخدِّرُ حواسَّ بني البشر فاين المفرُ يا بشرُ ؟ . سألتني الفيلسوفة ُ وعالمةُ النفس : ماذا قصدتَ بقولكِ إنَّ الزمنَ يخدِّرُ البشرَ ؟ أجلْ يا روح َ الزمن وكاسرة َ الضوءِ في موشوراتِ وماساتِ عينيكِ وقاهرَتهُ سجنا ً وتعطيلا ً بفعل ما فيهما من سحر ... الزمن مخدّرٌ فائق القوة جبّارُ الفعل وفعلُ هذا المخدر قتال حدَّ الموت وقبض ِ أرواح ِ البشر !! فيه نولدُ وفيه نموتُ . فيه نؤرِّخُ ساعة َ مولدنا وفيه تُكتبُ ساعة َ وفاتنا وإنتقالنا إلى عالمٍ آخرَ من تراب ٍ لا من ضوء فيه ولا من حركة ٍ للزمن . لا يتحركُ الموتى ولا يتنفسون ولا يتكاثرون بالتناسل .

لاحظتُ صاحبة َ إزميلِ ( فيدياسَ ) تهزُّ رأسها بحزن ٍ وأسى قائلة ً : [ ألهاكمُ التكاثرُ حتى زرتمُ المقابرَ ] ... أحسنتِ أحسنتِ يا ربّةَ َ الحجر ِ والخشب والمعدن ... أحسنتِ لا فُضَّ فوك الذي يُنطقُ الجامدَ ويحيي المواتَ من الأشياء المادية ويُضفي عليها الكثير من جمال وجهك ومن كستناءِ شعر ِ رأسك وخضرة ِ زمرّد عينيك ِ . هل قوة السحر في عينيكِ تقلبُ الأحجارَ والمعادنَ وتحوِّلها إلى كائنات ٍ حية ٍ تتمشى فيها الروحُ وتتحرك الألسنُ فيها فتثيرُ أعجبَ العجب ؟

قالت بل أنفخُ فيها شيئا ً من روحي كما نفخ الربُّ شيئاً من روحه في مريمَ العذراء فجاء عيسى المسيحُ معجزة ً يكلم ُ الناسَ في المهدِ صبيا ً ووجيها ً في الدنيا والآخرة [ كيف يكونُ الطفلُ صبيا ً ويبقى مضطجعا ً في مهد الرضاعة وبواكير الطفولة ؟ ] . يا ربّة َ الحجر ِ والطير ِ والمعدن : ناشدتك بحقي عليكِ وحق زميلتك في الإبداع هذه الجالسة معنا على إحدى شُرفات الزمن الحاضر ، ناشدتك أنْ تنفخي شيئا ً من بعض روحك ِ في أنفي أو أذني [ أو في أي مكان لائق آخر ] لعلي أغدو كإبن مريمَ معجزة ً بين الناس فأفصحُ عما في صدري من هموم وهواجسَ قديمة وطارئة أو أنْ أتحوّلَ حجراً صنما ً تمثالا ً متحركا ً ناطقا ً أتفلسف ُ بالضوء وبالزمن والحباة والموت والقيامة والنفير والحشر ِ بعد الموت .

قالت لا تفعلُ روحي ولا تؤثر ُّ إلا في الجمادات وأنت قد ولدتك أمّكَ إنساناً لا جماداً فتباً لك من مولودٍ منحوس ٍ عاق ومشاكس كأنك وُلدتَ في ليلة مطيرة شديدة البرودة عاصفة الريح . إي والله يا خاتونة َ المجالس وأندية ومحافل الإبداع ... ولدتني المرحومة ُ في ليلة كالتي وصفتيها للتو . لا فُض َّ فوكِ ويا له من فم أرجواني اللون والطبيعة والتاثير . تململت ربَة ُُ القلم والعلم والبيان وسحر ِ العيون الذي لا يتكلمُ لكنه يُخدّرُ كالزمن ثم يقتل ... تململت لتسألني : ولماذا أمطرت السماءُ في ساعة ميلادك ؟ أمطرت ماءً يا سيدة َ القارّة ومخترقة َ الصدور والقلوب بسحر عينيك وقاتلة ظباء البربر والبراري وغزلان الفلوات ...

أمطرت السماءُ ماءً ساعة مولدي لأنها أمطرت دماً ساعةَ مقتلِ أحدِ ساداتنا قبل أربعةَ عشرَ قرناً من الزمان !! علقت ربة ُ التماثيل قائلة ً إنها لوحة ٌ سوريالية ثقيل ٌ وقعها على مسمعي . لوحة ٌ مأساوية أعجز عن رسمها لوحة ً فنية ً أثبتها بالألوان الزيتية أو المائية على قطعة قماش أو ورق أو على جدار . كما يصعبُ حفرها على خشب أو معدن أو حجر . ماءٌ يسقط في مولد طفل ودمٌ يتساقط في مقتل رجل ؟

قلت على الفور وهذا سبب نحسي وحزني الذي لا يفارقني وسبب نبوءة والدتي أني سأكون شقياً في دنياي معذبا ً لا وجيهاً كالمسيح . غبتُ عن ضيفتي َّ العزيزتين لأتساءل بصمتٍ مع نفسي : كيف تمطرُ السماءُ دما ً ؟ من أين تاتيها الدماءُ ؟ أتاني الجواب أسرعَ من الضوء الذي لا من سرعة أخرى تتفوق عليه ... أتاني الجواب من شق صغير في السماء السابعة بشكل حروف ضوئية ملونة مكتوبة على شاشة كومبيوتر جبارة يقرأها حتى الأعمى ... أتاني الجواب قائلا ً : هذه هي دماءُ جدّكم إسماعيلَ الذي ذبحه أبوه إبراهيمَ فخيَّل َ إليه ـ لفرط ما أقدمَ عليه من جريمة نكراءَ ـ أو تراءى له أنه ينحر ُ كبشاً بعثه له ربه من السماء فصدّق ما تراءى له مخادعاً نفسه فجريمته لا تُصدّق .

الرجل الذي لوّن رأسه

ربحان رمضان
"قصة للأطفال والكبار"

رجل له رأس واحد ولكن كل يوم بلون ..
أحيانا ً يعلوه شعر أبيض يدل على كهولته ، فيضفي على شــخصيته هيبة ووقار ، وحينا ً يعلوه شعر أسود يدل على أنه قادم من بلاد الشرق رغم أنه يتهرب من الشرق وأهل الشرق حتى أنه ترك بيته الواسع والرخيص وسكن بين نمساويين فقط لأن جيرانه شرقيين مثله ..
وأحيانا ً تجد رأسه الصغير يعلوه شعر أحمر يقول أنه اقتداءً و عملا بسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مما يدل على مسلكية دينية متأصلة فيه ..
وأحيانا ً أخرى ترى شعره أشقر مما يدل على نفسية العبد الذي يجاري سيده صاحب البلاد .

"بالمشرمحي" يحب التغيير لذلك يدّعي بأنه سيغير العالم ولكن من خارج إطار الكرة الأرضية .
يقول أنه سيفتح المجال لكل أمراض الزمن الحاضر في سبيل هدف واحد هو إمكانية التحكم بالشعب الذي انحدر منه ذلك الانحدار الشديد بشهادة جاره غونتر الذي يبلغه السلام بواسطة الماسينجر عبر الانترنت .
زوجته "قرّفته عيشته " فكلبتها أصبحت مسنة .. لقد تجاوزت الخمسة عشر عام ، ومن الضروري مراقبة صحته ، وعيادة الطبيب البيطري باستمرار .
منذ شهرين فقط وفي ليلة باردة لم تنم لا هي ولا كلبتها ، لأن الكلبة لديها مرض عضال في معدتها .. فقد رأت دما ً مختلطا ً في برازها مما يستوجب استدعاء الطبيب البيطري فورا ً، لكنها لما اتصلت بطبيب كلبتها الخاص هدّئ من روعها ونصحها بالانتظار حتى الصباح ، فربما يخف الألم ..
وباعتبار أن زوجته تذهب لعملها مبكرة ، ذلك قبل أن تفتح الممرضة باب العيادة لإستقبال المرضى من الحيوانات فقد اتصلت بزوجها على عمله في المطعم الذي يعمل فيه ورجته أن يذهب إلى البيت ويصطحب " جيسي " إلى الطبيب ..
لكن المسكين ولأنه دهب دون إذن من صاحب المطعم فقط طرده طردا ً تعسفيا ً ، قهو وفي كل الأحوال يعمل لدى شرقي مثله ، دون إجازة من مكتب العمل التابع لوزارة الأشغال .. !!
حزن الرجل الملوّن الرأس كثيرا ً .. قرر أن يعوّض نقصه ، أن يطفو اسمه إلى السطح .. كتب اسمه على خشبة ، خشبة كبيرة تشبه لوحة الإعلانات ، أو اللوحات التي تتصدر الساحات العامة في بلده (الأصل) وعليها صور الرئيس .. ورماها في النهر المتفرع من نهر الدانوب العظيم .
طافت الخشبة فعلقت مع مجموعة أخشاب أخرى في زاوية اعوجاج النهر قرب مبنى كان قد بناه "هتلر" للمجاذيب ..
ولم يأخذها النهر في جريانه .. !!

لما ماتت "جيسي" أرسلت زوجته دعوى لأختها المقيمة في أقصى شمال المدينة لحضور الجنازة .. كانت جنازة مهيبة ..
كان الملون الرأس في قرارة نفسه فرحا ً ، ولكن لم يجرأ على البوح بسرّه ..
تخلص من عدو تظاهر بحبه له ورعايته طيلة السنين التي عاشها مع زوجته ، لكن زوجته ودعته هو الآخر على باب مقبرة الكلاب بعد موت " جيسي " لأنها لم تعد بحاجة لمن يرعى كلاب بعدها .
صحى من النوم فوجد صورته في المرآة هي ذاتها دون تغيير ..!! فامتعض وتغير لونه فصاح : هل أنا هو ؟؟.. هل أنا هو ؟؟
جاوبه صوت من داخل نفسه : هو أنت ، ومازلت ، ولن تستطيع تغيير ماوجدت عليه .

حزن كثيرا ً خرج إلى الشارع ، كتب على جدار مدرسة حضانة للأطفال : أنا لست أنا .. أنا لست أنا ..
تحلق أطفال حوله ، ضحكوا .. أحدهم نقفه بحصاة ..آخر رطض حوله ..
ثالث صاح : هو ليس هو .. هو ليس هو .. كل يوم بلون .

=================
* كاتب وناشط سياسي .

الاثنين، سبتمبر 22، 2008

أم خليل

مفيد نبزو

إلى الشاعر نزيه أبو عفش

هنالك في مرمريتا..

لا يهم الزمان..

جلستْ في الصف الأمامي..

امرأة عجوز..

نظراتها نظرات يمامة برية..

تسابيح وجهها قداس صلاة..

طيبتها أطيب من رغيف تنور طحينه أسمر، ورائحة خميرته رائحة التراب عندما يسرح راعي الغيوم بقطعان المطرفي أول الفجر..

ترتدي زيها الجبلي الوقور..

لا أدري وهي تصغي إن كانت تعي كل ما يفلسفه الشاعر، ويشعرنه الفيلسوف..

يكفيها أنها تجلس في الصف الأمامي

لا كما يجلس غيرها..

وتنظر لمن حولها بفرح أمومي هادئ

بحركة مسرحية انتقلت باقة الأزاهير

من محمود درويش بعد موته إليها،

فاحتضنتها برغبة ولهفة وحميمية..

لا شك أن هذا المشاكس المهزوم جرأة صاحب النظارة المنكوبة،

واللحية الكثيفة المشوبة بقلم الرصاص الثلجي.. وراء هذه الحركة الخفية المغامرة.

أظن أن أم خليل تعلم لماذا جلست في الصف الأمامي..

فهي لا يمكن أن تنسى رغم كل ما مرَّ على ذاكرتها من بقع سوداء،

وصدأ أصفر، وغارات وكمائن،

وتغريب.

لا يمكن أن تنسى خاصية الحمل الحرون لهذا المخلوق العجيب..

تعرضت لطقوس لم تتعرض لها من قبل في أي حمل سابق :



امتداد أكثر من الانقباض..

حركة أكثر من السكون..

ضربات موجعة في كل الاتجاهات..

أوجاع لا اسم لها في قاموس الألم..

تصعق الرأس حتى قبل المخاض الأخير ، وتفرغ كل شحنات القدرة

والاحتمال..

كان الرحم زنزانة مقفلة بإحكام..

والسجان قاسياً ظالماً،

لذا قرر السجين هذا أن يتحرر من كينونته ويتنفس بحرية الهواء..

لا أدري إذا كان يدري أنه ولد فعلا ً وأبصرالنور، أم أنه مازال حتى هذه اللحظة في رحم أمه..

لما انحاز إلى الإنسانية وضعته وحوش الغاب، ودلافين البحر،وأسماك القرش في رأس القائمة السوداء.

كم كان جدياً في سخريته،

كم كان غامضاً في وضوحه،

كم كان حلواً في ملوحته،

وطفلاً في نقاء سريرته وعفويته..

لكن وحده فقط يمكن أن يحل المسألة المعقدة التي تقول:

بين جمهور متنوع بكيفيته تلقائياً

يسمع شعراً وموسيقا ،من يستطيع

أن يحسب حاصل الفرح الباطني

الذي عاشته أم خليل؟

احسب عدد الأوتار التي عزفت بلا ريشة سوناتا الطمأنينة، وسمفونية الشموع التي تضيء معبداً مهجوراً

في أعالي الجبال.

كذلك وحده فقط يحل النظرية التي تقول:

شاعر حقيقي واحد يعتلي المنصة،

وثلاثة موسيقين يعزفون فاصلاً قبله،

يمكن أن يجعلوا الكرة الأرضية تدور

أو تكف عن الدوران ، ولكن بشرط أن يكون في الصف الأمامي امرأة

عجوز لها بعض مقومات أو مواصفات أم خليل.

· أم خليل : والدة الشاعر الكبير:

· نزيه أبوعفش.

الولد الذي غيَّر اسمَه! تامر صار فادي



نادر أبو تامر

عندما ولدت كان اسمي تامر. أبي وأمي أحبَّا الاسم وقررا خلال فترة الحمل بي أن يسمياني تامر.
وذات مرة عندما كانت أمي حاملا التقى أبي برجل غريب يلتقي به لأول مرة. سأله الرجل: ما اسم ابنك البكر؟ فأجاب بأنه ينوي أن يسميه "تامر"، فأبدى الرجل انزعاجه من الاسم وطلب من أبي أن لا يسميني تامر وذلك لأن اسمي واسم أبي لا يتفقان، كما قال. واقترح الرجل على أبي بعض الأسماء الأخرى. وقبل انتهاء المقابلة بينهما عاد وحذره وقال له: هذا الاسم سيسبّب العديد من المشاكل لابنك، لأن اسمه لا يتفق مع اسمك.
ولأن أبي لا يحب أن يتدخل الناس بحياته الخاصة وبحياة أولاده، فلم يسمع كلام الرجل وصمَّمَ على أن يسميني تامر.
وهكذا ولدت باسم تامر. ولم يستجب أبي لنصائح هذا الرجل رغم التحذير.

أمي قالت لي لاحقا إن الولادة كانت صعبة للغاية. ثم تذكرت أن الولادة عند غالبية النساء هي ولادة غير سهلة. وبعد ولادتي صرت أمرض كثيرًا. وصار أبي وأمي يتغيبان عن العمل ليأخذاني إلى الطبيب، وعندما تكون الحالة صعبة يطلب منهما الطبيب أن يأخذاني إلى المستشفى. وأخبراني مرة أن حياتهما كانت صعبة في هذه المرحلة لكن حياتي أنا، كما قالا، كانت لا تطاق.

وصادف أن التقى هذا الرجل الغريب بأبي عندما كان في الطريق إلى العيادة. وعندما لاحظ أني مريض، قال لأبي: لماذا لم تسمع كلامي؟ لماذا لم تغير اسم الولد؟ ألم أقل لك إن اسمه لا يتفق مع اسمك وسوف يمرض كثيرًا؟
لكن أبي، ورغم كلّ هذه التحذيرات بقي عند نفس الرأي.

وعندما صار عمري ثلاثة أعوام ذهبت إلى الروضة. وكنت أغيب كثيرًا بسبب كثرة الأمراض التي تصيبني. وكنت أسمع الناس يقولون لأمي: "الله يشفيه".. وننتقل أنا وأمي وأبي من طبيب إلى آخر. من أخصائي الجلد إلى أخصائي الحساسية، إلى أخصائي الأنف والأذن والحنجرة. لكن، بدون أية فائدة.

وفي يوم من الأيام اتخذت أنا الصغير قرارًا كبيرًا...

عندما عدت من الروضة ناداني أبي: "تامر! كيف كانت الروضة اليوم؟"
لم أجبه عن سؤاله. وقلت له وكأنني لم اسمع السؤال: "أنا صرت اليوم فادي. اسمي صار فادي. لم يعُد تامر"!!
ضحك أبي كثيرًا. ولم يهتم بكلامي. ولم يعرف أنني جادّ فيما أقول.

في صباح اليوم التالي عندما أراد إيقاظي لأذهب إلى الروضة أتى إلى السرير وناداني: "تامر! تامر! هيا أفق وافرك أسنانك وتناول الفطور. نريد أن نذهب إلى الروضة"...
فتحت عينا واحدة كما يفعل "توم" عندما يراقب "جيري" في أفلام الرسوم المتحركة التي أشاهدها أحيانًا مع أبي، وقلت له محذرًا: "إذا لم تنادني 'فادي'، فلن أخرج من سريري!!!"
فتراجع وصار منذ ذلك اليوم يناديني باسم فادي. وأمي كذلك. وصار كلّ أولاد الروضة ينادونني باسمي الجديد. وهكذا صرت فادي. لكن بعض أصحاب أبي ظلوا ينادونه "أبو تامر". وعندما ينادونني أنا كانوا يرددون اسم تامر فلا أجيب. وكنت أغضب في البداية إلا أنني صرت أرى بأنني ولد مميز لأن لي اسمين. وأنا الولد الوحيد في الصف الذي له اسمان. كلّ أولاد الصف لهم اسم واحد فقط.

وذات يوم قالت لي أمي وهي تفك حقيبة الروضة عن ظهري عندما عدت إلى البيت في ساعات الظهيرة: هل تعرف يا تامر.. ثم صلحت نفسها وقالت: هل تعرف يا فادي أن الرجل الذي التقى بالبابا قبل أن تولد قال لأبيك إن اسم تامر غير ملائم لاسمه وإنك ستمرض. وأضافت أنه طلب من أبي أن يسميني 'فادي' لئلا أمرض.

انفعلت كثيرا عندما عرفت أن الاسم الذي اقترحه الرجل على أبي هو نفس الاسم الذي اخترته أنا لنفسي (فادي). ورغم أن أمي كانت أم تامر عندما ولدت فقد صارت هي الأخرى أم فادي. أما أبي فبقي "أبو تامر".

والغريب في الأمر، وربما لا يصدق بعضكم، أنني منذ غيرت اسمي من تامر إلى فادي لم أعد امرض بالمرة.

قصة أوبرا كارمن كما عرفتها: في حوار مع المتنبي أبي الطيّب

د. عدنان الظاهر

ألتقينا على تمام السادسة عصرا أمام المسرح الألماني

Deutsches Theater

حيث جاءت فرقة أسبانية من الغجر كي ترقص وتغني على ألحان أوبرا " كارمن " للموسيقار الفرنسي " بيزيه " . فضلا عن عروض موسيقية راقصة تمثل مقاطع من الرواية الشهيرة ( دون كيخوت ) للروائي الأسباني المعروف " سرفانتس " . يتخلل هذه العروض باقات منوعة من رقصة ( الفلامنكو ) الواسعة الشهرة .

قبل العرض طلب المتنبيء مني أن أشرح له موجزا ما ستقدم الفرقة الأسبانية من عروض . حين سمع اسم ( كارمن ) قال يعجبني هذا الأسم كثيرا . قلت لكن كارمن فتاة غجرية لعوب . ورطت الجندي ( خوسيه ) . فترك خطيبته راكضا وراءها . ثم ورطت الضابط المسؤول عنه . قتل المجند خوسيه ضابطه غيرة منه عليها . طرد من الخدمة فأصبح مثلك عاطلا عن العمل . ثم تركت الأثنين ووقعت في غرام مصارع ثيران " اسكميللو ". قال ذلكم أمر طبيعي . فالغجر أقوام متوحشة ... حسب تعبير أبن خلدون . ومصارعة الثيران عملية قتل وحشية . وعليه لا أجد أية غرابة ان مالت غجرية الى مصارع ثيران مثلها وحشي الطبع والأعداد والمهنة . شبيه الشيء منجذب اليه . عاد أبو الطيب فسأل وما كان مصيرها ومصير من أحبت في نهاية المطاف ؟؟ قلت الموت البربري . قال ماذا تقصد؟؟ قتل خوسيه كارمن قريبا من أسوار حلبة مصارعة الثيران الخارجية اذ كانت تنتظر خروج حبيبها المصارع منتصرا على خصمه الثور المسكين . قال وهل خرج المصارع منتصرا في معركته مع الثور ؟؟ لا يا أبا الطيب . سقط صريعا أمام خصمه البهيمة . قال لا حول ولا قوة الا بالله . توافق غريب . وكيف تفسر موت الأثنين في يوم واحد لا بل في غضون بضعة دقائق ؟؟ ذهبت كارمن الى حلبة المصارعة كي تكون قريبة جدا مما سيجري تحت هاجس غريب ينبئها أن من تهوى سيهوي قتيلا في هذه المعركة . أما المصارع الذي فتنها فقد كان قلقا عليها دائم التفكير بها وبعلاقة الحب التي جمعتهما وبأحتمال أن ينالها أذى من غريمه خوسيه . لم يستطع التركيز بالشكل المطلوب ففقد السيطرة أمام خصمه المثخن بالجراح وبذل صيحات الأستهزاء منه والسخرية به .

حان وقت العروض فدخلنا قبيل الساعة السابعة المسرح وأتخذنا أماكننا في المقاعد التي حجزنا . لم يبق لبدء العروض الا دقيقة واحدة .

رفعت الستارة فصدحت موسيقى افتتاحية أوبرا كارمن المعروفة ثم ظهرت كارمن الغجرية بشعرها الفاحم الأسود وجيب ثوبها المفتوح الى منتصف صدرها . غنت أمام معمل للتبوغ وصنع السجائر . وغنت معها جوقتها ثم ظهر الأطفال يهزجون .أختفت كارمن لتظهر الفتاة الريفية ( ميكائيلا ) التي أرسلتها أم المجند خوسيه كي تتعرف عليه حاملة له من والدته رسالة وبعض النقود . وفي الرسالة توصيه أمه أن حاملة رسالتها هي المرشحة أن تكون زوجا له . ما كان ساعتها خوسيه موجودا فأضطرت ميكائيلا أن تنتظر قدومه الى الثكنة العسكرية القريبة من مصنع السجائر . كان الجنود الآخرون يتحرشون بها ويغازلونها كعادة كل الجنود وفي كل مكان . جاء أخيرا خوسيه الى نوبة خفارته فألتقى ميكائيلا وأستلم منها ما أرسلت أمه معها له . طار فرحا بأخبار أمه وبالنقود وبالزوجة المرشحة. لكن الأفراح لا تدوم في الحياة . الحزن هو الوجه الآخر للفرح. كانت كارمن على الطرف الآخر من الخط . كانت تراقب خوسيه الوسيم وخطيبته الطارئة التي برزت على مسرح الأحداث بشكل فجائي. حضرت كرسالة مسجلة تمشي على قدمين دونما طوابع بريد , ورسولا حاملا رسالة . صيد كارمن اذن في خطر . وكارمن وجدت نفسها بغتة تواجه غريما جديا . الأنسان حريص على ما منع . خوسيه مكتوب لكارمن . اذن لا بد من التخلص من الغريم الغريب الطاريء . نصبت كارمن الحبال لايقاع خوسيه . كانت تغني وتوحي اليه أنه رجلها المفضل الأوحد. رمت اليه وردة حمراء فجن بها ولم يدر أنها ستكون نذير شؤم .

غادرت كارمن خشبة المسرح وسط تصفيق حار مستمر, فجاءت الى المسرح ثانية وثالثة

لترد تحية أعجاب الجمهور بأحسن منها . كانت تقبل يديها وتنشرها بأتجاه الحاضرين وقوفا . أوتنحني حتى منتصف الجسد .

ظهرت فرقة الفلامنكو ترقص وتغني وتصفق صفقات أيقاع الفلامنكو الخاصة . النساء بملابس جذابة الألوان تتسع كثيرا كلما اقتربت من الأرض . غرسن في سود شعورهن الورد الأحمر. الرجال مع آلاتهم الموسيقية مشدودة الى صدورهم . كانوا جميعا يتبادلون الغناء دوريا نساء ورجالا. كان المتنبيء لا يصدق عينيه . حين يصفق الجمهور يبالغ في التصفيق حتى بعد أن ينتهي . يظل وحده يصفق واقفا . كنت أطلب منه أن يجلس وأن لا يبالغ بالتصفيق . كان جوابه أنه لم ير في حياته شيئا كهذا الذي يرى في المسرح الألماني . كان شديد التلهف لرؤية كارمن ثانية . لقد سحرته الغجرية فخيل أليه أن قد وقع في حبها . كان يلحف بالسؤال متى تظهر مرة أخرى ؟؟ قلت اصبر أبا الطيب قليلا. ستأتي بعد قليل . كان يردد ( صبرا جميلا وعلى الله المستعان ) .

انسحبت مجموعة الفلامنكو فظهرت كارمن لتنفذ الجزء الأخير من الأوبرا . مصرعها بطعنة خنجر كان يخفيه خوسيه بين ملابسه ساعة كانت تنتظر خروج " أسكميللو " منتصرا على خصمه الثور . بعد مصرع كارمن بقليل ظهر أسكميللو قتيلا محمولا على نقالة الموتى . مر به حاملو جثته حيث كانت كارمن مطروحة على الأرض وسط بركة من دمائها . سقط العاشقان قتيلين في زمن واحد . هو حيث كان يمارس مهنة حياته , وهي حيث كانت تنتظر خروجه منتصرا متوجا بأكاليل النصر والزهو , والكثير من المال.

بعد أستراحة قصيرة رفعت الستارة على منظر طاحونة الهواء الشهيرة التى أرتبط أسم

" دون كيخوت " بها , كتلك الطواحين التي رأيت منتشرة في هولندا طولا وعرضا.

سألني صاحبي وهو يقول ( يا ساتر !! ) ما هذا ؟؟ هذه طاحونة دون كيخوت . قال وما سيطحن لنا هذا ( الكخوت ) في هذا المساء ؟؟ لا شيء . سوف لا يطحن شيئأ . قال أذن لماذا نصبوها أمامنا كالشيطان الرجيم على الشانو ( يقصد خشبة المسرح ) ؟؟ أنتظر قليلا وسترى لماذا نصبوها . ألا تطيق صبرا يا رجل ؟؟ أكثر من ترديد ( صبرا جميلا ) .

ظهرت الفرقة الخاصة بهذه الفقرة بملابس مغايرة لما رأينا في الفصول السابقة . البعض يرقص والآخر يغني وآخرون مصطفون خلف الراقصين يصفقون التصفيقة المشهورة . النساء ترقص منفذات دورات مغلقة كأجمل فراشات حقول الربيع الأسباني فتخلب الألباب . ثم كانت المفاجأة بظهور راقص طويل القامة نحيلها يتقلد سيف خشب يتدلى حتى يتماس مع أرض المسرح . ذهل المتنبيء متسائلا من هذا البهلول ؟؟ هذا هو دون كيخوت ... أجبت . قال ألم يجدوا شخصا آخر أفضل من هذا الكخوت ؟؟ قلت هذا هو الشخص المناسب للدور الذي رسمه مؤلف الرواية ( الهر سرفانتس ) . رقص الكخوت فأذهل الجميع برشاقته وخفته وحسن أدائه وغنى مقاطع قصيرة باللغة الأسبانية ثم فاجأ الحضور بأن أشهر سيفه وتسلق العجلة الخشبية الضخمة ملوحا بسيفه في كل أتجاه كمن يقاتل عدوا حقيقيا . في هذه اللحظات زاد حماس الراقصات والمغنين وأرتفعت أصواتهم قليلا حتى مست حرارة الأداء المذهل شغاف قلب أبي الطيب . سمعته يقول بصوت خفيض ( أحسنت . والله أحسنت ) . أعجبه الكخوت أخيرا . قال أشرح لي القصة بعد أنتهاء العروض . قلت حسنا , سأفعل . ثم كانت المفاجأة الأخرى : ظهور شخص قصير بدين على المسرح يمتطي ظهر حمار ضئيل . غص القوم بالضحك وأشتعلت قاعة المسرح بالتصفيق . سأل المتنبيء من هذا ؟؟ هذا ( سانجا بانجا ) رفيق وصديق وخادم دون كيخوت . قال يذكرني بأنيكدو صاحب جلجامش . قلت أنكيدو كان الند لجلجامش

وهذا هو الضد لدون كيخوت . ضده حتى بما يركب واسطة للتنقل . ذاك يركب حصانا هزيلا وهذا يركب حمارا مثله بدينا .

أنتهت العروض الساحرة فغادرنا المسرح الألماني حوالي الساعة العاشرة والنصف مساء وكان المتنبيء غائبا عني وعن نفسه وعن كل العالم . تركته سارحا كيما يستمتع بما رأى . ليته يقول شعرا في كارمن التي أحب وفيما رأى أمامه من رقص وطرب أنتهى بمأساة دموية مروعة راح ضحيتها بطلا الأوبرا : كارمن ومصارع الثيران وكان قد سقط قتيلا قبلهما أحد ضباط خوسيه . الكل فارق مسرح الحياة ما خلا الجندي السابق خوسيه . وهذا بدوره خسر ميكائيلا وخسر وظيفته مجندا وخسر كارمن .

كان المساء رخيا دافئا والشارع هادئا تغمره الأضواء الساطعة لكن صاحبي أضرب عن الكلام . أسأل فلا يجيب . كان ما زال واقعا تحت تأثير سحركارمن صوتا وقواما وتمثيلا . كان تأثيرها في النفوس عميقا حقيقيا فلم ألم صاحبي . أحب المتنبيء الغجرية كارمن .

أمام سكنه قلت له سأراك غدا وسنناقش مشكلتك مع كارمن . أعد جوابا لسؤالي كيف لم تذكر أو تكتب شعرا في الغجر وقد كتب لهم وفيهم كبار كتاب العالم ؟؟

الأحد، سبتمبر 21، 2008

كلُّ الياسمين

شوقي مسلماني
في قلبي ابتسامة فريد شوقي ودمعة شوشو
عين السندريللا سعاد حسني
حاجب يوسف بك وهبي الحاجب الصقر
تحيّة كاريوكا وقطط نادية الجندي
"همبكا" توفيق الدقن
فخامة محمود المليجي
صوت محمود ياسين الألكتروني
الثاني صلاح قابيل أوّل
عصفور الدوري يوسف شاهين
رايات أسمهان وفريد الأطرش
مراكب تائهة في الضباب
الرحابنة
وخصوصاً إبنهم زياد
بعلبك طلال حيدر
جبل وديع الصافي
الشمس تشرق على غناء فيروز
الصبّوحة دائماً
نوارس مارسيل خليفة
والشيخ إمام والسيّد درويش
هديل حمام أم كلثوم
ومحمّد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ
محمّد طه حبيب الفقراء
مهدي زعرور حبيب المهجّرين
تلفزيون لبنان القديم
أبو ملحم وأم ملحم وقهوة أم ملحم
أبو سليم وفرقة أبو سليم
جورجينا رزق
ملكة جمال العالم
وجوقات الزجل
وسنديان منابرها العالي
في قلبي مواطناتي الأوستراليات النمرات:
نيكول كيدمان، آل ماكفرسون
كايلي مينوغ
زنابق بيتر كاميرون
في النهر البدائي
غواية مورين تان بالقمح المشوي
شفيق عطايا وكأسه التي لا تنضب
يحيى السماوي ناشجاً كلّما تمايلت نخلة في العراق
سريّة سورياليّة عبد القادر الجنابي
مخالب غيلان بكومبرادور
أحمد فؤاد نجم يصنع إطاراً لمصر
نويل عبد الأحد من بعيد يلوّح بيده
حصان محمّد الماغوط
كلّ الألوان
رغيد النحّاس لا يقف على باب سفارة
إسكندر حبش الذي كتب
عن رجل من معدن
وهو يحلم
كرز فصيح كيسو وسامية جعجع
وفؤاد الحاج ولويزا رومانوس
وكل فتاة إسمها لويزا
في قلبي نفق وديع سعادة المضاء بالنيون
جاد الحاج كلّما احتمى بجاد الحاج
أنسي الحاج لا يغضب إلاّ من أجل ذهب الكلمة
مجوهرات شوقي أبي شقرا
تفّاح ليليت جمانة حدّاد
غزال محمود درويش
سركون بولص الذي وصل إلى مدينة أين
مياه الياس خوري الجوفيّة
احتجاج خليل حاوي على الموت بالموت
عيون تبحث في الظلام
شوق إميل حبيبي
وتوق سعدالله ونّوس
ولينين الرملي
دويّ استشهاد غسّان كنفاني
جوزف حرب يسأل عن الطيور المهاجرة
وأسماك جرمانوس جرمانوس الكهربائيّة
في قلبي ألم أمل دنقل
سعدي يوسف حاملاً جوازاً مليئاً بأختام ممنوع المرور
أدونيس وهو يحفر قبراً لمؤسّسة
تسود تحت راية مجرمين
فوّاز طرابلسي الذي يتعاطى السياسة بالثقافة والفن
جوزف سماحة الذي يتعاطى السياسة بالفلسفة
غضب محمّد مهدي الجواهري
ياسمين نزار قبّاني
كلّ الياسمين
حرّاس البوّابة الجنوبيّة:
محمّد علي شمس الدين
حسن العبدالله
وسميّي شوقي بزيع
أمير بلاط شعر أحمد شوقي
حافظ نهر النيل إبرهيم
عبرات المنفلوطي الفضيّة
التي على كفّ فتى
وصايا جبران خليل جبران
طه حسين الذي في نظرهم رأى أكثر ممّا يجب
نجيب محفوظ وهو يأخذ مقاسات مدينة
لكي يجعلها أجمل مدينة
في قلبي عزّة أنطون سعادة وكرامته وشهامته
الحكيم جورج حبش الذي ولدتُ على يديه
كمال جنبلاط يتقمّص في دم شهيد
فرج الله الحلو قال: الحياة
حسين مروّة للضوء
عقل مهدي جبل عامل
أيادي نجاح واكيم لا الأيادي السوداء
أبو علي مصطفى الذي حظيتُ بشرف
أن أصافحه ونجلس وحدنا
القبطان ليلى خالد
الدكتورة نوال السعداوي
وهي تفتح هاوية بالمشرط
الدكتور صادق جلال العظم
يلقّم الهاوية قنبلةً
موت دلال المغربي وحياتها
سمير القنطار وغسّان بن جدّو يقول: العميد
الأمير حسن أبو هادي الهلالي
سموات ماركس المفتوحة على بعضها
أسطورة غيفارا الواقعيّة
لينين: أبو استقلال جميع بلدان العالم الثالث وأمه
المهاتما غاندي الذي كسر ناباً
وزحلق تاجاً بحليب عنزة
في قلبي رياح امرئ القيس
جرير، الأخطل، الفرزدق
الشريف الرضي
أبي العلاء الذي مشى على ماء ليله
منقار إبن الرومي
أبو نؤاس الذي الجماعة تذهب إلى ناحية
هو يقصد ناحية النواحي
شاعر العرب أبو الطيّب
وأبو تمّام الخبير بالأدغال ومسالكها
في قلبي كلّ ليلة في قصّة ألف ليلة وليلة
كليلة ودمنة
تغريبة بني هلال
حكاية الأميرة شمس
نوادر جحا الماكرة
جمال إسم شجرة الدرّ
قصّة عنترة بن شدّاد
الذي قضى وهو على صهوة الجواد
قصّة الزير سالم أبو ليلى
الذي حمّل القرب على ظهر أسد
ونهرَه أمامه نحو مضارب العرب
أحلامُ أحلام
في قلبي جبال رمّدها الشوق
ساحات رجعتْ إلى الغابة
وعيون ماء جفّت.

حارس الليل

أشرف الخريبي
القط الذي كان أليفا عندنا في البيت هاج مرة واستلذ البقاء علي وجه ابنتي الوحيدة
كان يداعبها ثم يفاجئها بأظافره الحادة علي عينيها فصارت تفزع في الليل وتضرب وجهها بعنف كأنه لم يزل يسكن هناك. تصرخ بخوف هائل ويرتج كل جسدها الصغير أحضرت لها الطبيب فاتهمته بأنه القط ولكنه غير جلده إلي البياض..
ابنتي التي أحبها تعاني من الألم ولا تنام ولا تهدأ ولكنها تستكين في أجفاني دوما وطيلة الليل في صراخ لا يمل التعب ولا يعرف السكون.رغم الإرهاق البادي علي جسدها النحيل..
ولكنها في النهاية ماتت.
نعم ماتت من الحسرة.
القط الذي كان أليفا عندنا في البيت..نام في أحضان زوجتي،وأحس بالدفء فاستكان ومدد قدميه وتمطي في هدوء علي فخذيها العريضتين.كنت غائبا وقتها عن البيت..
القط أخذ يمد فمه في هدوء يتسرب بخفة إلي صدرها ثم انه انثني بجسده اللولبي إلي ثدييها.حتى أمسك بالحلمات والتقطها وبدأ يسحب منها، يشد في نهم من ذلك الحليب الصافي وزوجتي في رضا تام.شعرت امرأتي كأنه القط ابنتي وأبقت عينيها مغمضتين لفترة طويلة. كان القط قد انتهي من كل شيء.
عندما مدت يدها لتتحسس البنت التي ماتت اكتشفت شعره الكثيف، فتحت مقلتيها في فزع.. لكنها لم تستطع..كان كل شيء في البيت هادئا والأضواء مطفأة الأبواب مغلقة ونحن في منتصف الليل تقريبا.لم تستطع..تحسست بيديها يديها وصدرها وقدميها، توقف لسانها عن النطق إلا من حرف علة لا يمنح شيئا.كانت أفاقتها تعني إغماءة طويلة.هرولت إلي السلالم دون وعي
وسقطت ..سقطت من الفزع وراحت في غيبوبة طويلة.
جاء الطبيب يرتدي نفس البالطو الأبيض في ردهة المستشفي كان في عينيه نفس الحسرة والألم،ونفس التشخيص يحمله في يده.وباليد الأخرى يخبط علي كتفي.
القط الذي كان أليفا عندنا في البيت يرفع ذيله لأعلي ويتمطى حين يراني
ثم يقف علي قدميه الخلفيتين مستعدا لالتقاط ما في عينيّ من آلم وأنا لا أستطيع النظر في عيونه الطولية.كانت صورة زفافنا معلقة علي الجدار المقابل،
سحبت الكرسي المتهالك وتهالكت عليه.كنت بمفردي معه في البيت ولا أستطيع الغياب.لم يكن أمامي سوي كسرة من خبز ناشف. وبقايا من تعبي في مواجهة ذلك القط الكبير الذي يسكن معي ليل نهار.

ظاهرة أدبية مقلقة

د. حبيب بولس

أعرف جيدا أن أنا الشعراء والأدباء منفوخة قليلا وهذا شيء طبيعي في مجتمع يحترم الأدب وينزل شعراءه في أعلى المراكز الاجتماعية, وينظر إليهم كآلهة, إذ هل الأدباء بشر؟ كما صرح مرة أديبنا الكبير اسحق موسى الحسيني في مقاله المشهور. وان كنتم لا تصدقون كلامي فانظروا إلى الحاصل بين الأدباء, سيما الشعراء منهم, فما أن يصدر احدهم ديوان شعره الأول حتى يتوقع من الجميع أن يتهافتوا عليه درسا وتمحيصا, وان يولوه الاحترام والتبجيل وان يعقدوا له محافل التكريم, والشواهد على ذلك كثيرة. ولكن صاحبنا الشاعر ينسى أو يتناسى انه من غير المعقول أن يصل إلى القمة من تجربته الأولى لان طريق القمة مرصوف بالعثرات والمصاعب, وعليه أن يتحلى بالصبر كثيرا كي يكون الوصول ذا لذة ومتعة وتبرير. ولكن أخانا لا يصبر بل يريد القفز سريعا ضاربا عرض الحائط بكل اللوازم والضوابط والمستلزمات, فهو يعرف لكنه يتجاهل أن الديوان الأول مهما كانت فحولة الشاعر يلفت النظر لفترة معينة, ثم يأخذ بريقه يخبو تدريجيا ليفسح بذلك المجال لديوان آخر جديد, ولا يعقل أن تستمر الاحتفالات بصدوره على مدار عدد من السنوات.

وعلى ما يبدو يخاف شاعرنا من الجديد لأنه على يقين ربما- والمرء أدرى بنفسه- من أن هذا الجديد لن يأتي سريعا, لذلك هو يرهب أن تتوقف المسيرة ويريد لها أن تستمر كي لا تنساه المحافل الأدبية سريعا, وبسبب كل ما ذكر آنفا ينهج صاحبنا نهجا مدروسا توصيفه كالآتي:

حين يصدر ديوانه الأول يبدأ بالترويج له, وهذا حقه- فهو ديوانه الأول بعد سنوات من المعاناة, ويروح يفرض نفسه على المنصات الشعرية والندوات هنا وهناك بالتخجيل تارة وبالعلاقات الخاصة تارة أخرى. ويحبر الخبر تلو الخبر للصحف عن مشاركاته في تلك المنصات والندوات, حتى بات واحدنا من المهتمين بالأدب لا يقرا من أخبار أدبية محلية, سوى عن ندوات شارك فيها هذا الشاعر أو عن منصة ألقى من عليها قصيدة.

فمنذ أن يصدر ديوانه الأول وشاعرنا لا يهدا ولا يستكين, ولا يتحدث إلا عن شاعريته, وعن حرارة استقباله في محافل الشعر وعن إعجاب الناس به على أنواع ثقافاتهم وألوانها, وعن ذهولهم أمام هذه الموهبة, وعن دهشتهم من هذا الشعر الفذ, وعن تساؤلاتهم واستغرابهم, أين كان كل هذا مخبأ؟ وكيف يمكن أن يحرموا من هذا الدفق الرائع!! وأي ظلم هذا الذي لحق بهم طيلة سنوات كثيرة؟! فهم بحاجة إلى هذه الاشراقات والالتماعات الشعرية أكثر من حاجتهم إلى الخبز, لذلك هم عاتبون على الشاعر على هذا الشح والبخل في نقل تجربته الفريدة إليهم وفي استنهاض هممهم التي شاخت وإنارة عقولهم التي تبلدت وإثارة مشاعرهم التي تجمدت وإعادتهم إلى تراثهم الأصيل الذي عانى من الطمس والتحريف عقودا!!

فلو أنهم عرفوا هذا الشعر في الوقت المناسب لما جرى ما جرى, ولما حدثت النكبة ولا وقعت النكسة, ولا اضطروا إلى الخوض في جحيم المقلاة والى تذوق طعم الذل والانكسار والعوز والفقر وبؤس اللجوء.

انه حكمة الدهر ومفتاح أسرار الوجود ومفك طلاسم الحياة وسبر أغوار البشرية. انه العلة والمعلول في آن معا, فلو أنهم قرأوه في حينه, لو انه لم يتأخر عليهم, لما خفي عليهم ما خفي. لو عرفوا به قبلا لفضحوا أسرار اللعبة وأجهضوها في مهدها. لذلك هم عاتبون على الدهر, وعلى الناس, وعلى الشعراء, وعلى المثقفين والأدباء وعلى الشاعر طبعا أكثر من غيره, لأنهم جميعا شاركوا في هذه الجريمة. ولكنهم صمتوا على مضض, ولاكوا مرارتهم ولسان حالهم يقول: "الآن أحسن من فيما بعد", كما يقول المثل الانكليزي. فتدفقوا إلى الندوات والمنصات بجموعهم الغفيرة لينهلوا من هذا النبع الثر, من المطلة إلى ايلات, ومن عجة وعنزة إلى غزّة, والمد لا يريد له الشاعر أن يتوقف واحسبه لن يتوقف إلا مع بداية الألفية الرابعة, حيث ربما في حينه يولد عبقري آخر يطمس ما عندنا, لان عباقرة الشعر وشاعرنا منهم- كما يتخيل- لا يولدون إلا بعد عناء شديد ولماما, وربما مع إطلالة كل ألفية, ونحن شهود على ذلك, اذ لم يلمع شاعر في الألفية الثانية سوى شاعرنا الذي طمس سابقه المتنبي, ذاك الذي لمع نجمه في الألفية الأولى وهكذا دواليك.

أما المهتمون حقيقة بالأدب والشعر وعلى معرفتهم, وبعد أن يزول عنهم شلل الصدمة, وترحل الشدهة, ويغادرهم الانبهار, يحاولون بما لديهم من أدوات – وهي متواضعة – والحق يقال أمام هذه الظاهرة الفذة – استكناه هذا الشعر وفهم مغاليقه واستيعاب حرارة الاحتفاء به وسبر عبقريته وقد يعوزهم في ذلك استصراخ ربات الشعر جميعها. أما هؤلاء المهتمون فيعترفون بعد جهد واسى بأنهم قد أخفقوا. وأنا أتساءل أي زمن هذا الذي نحن فيه؟! وأي استخفاف هذا؟! ما الذي يجري؟ والى أين سنصل؟!

أسئلة كثيرة تراودني وأنا أتابع الأخبار التي تنشر أو التي ينشرها هذا الشاعر المبتدئ عن نفسه بوتيرة عاليه وبديمومة ملفته للنظر أن يقوم نفر من الكتاب بالكتابة عن ديوان شعر يصدر حديثا, خاصة إذا كانوا من أصدقاء الشاعر, تشجيعا, أمر افهمه, ولكن أن يصل الأمر إلى الحد الذي وصفته سابقا – وأنا لا أبالغ- أمر يعز علي فهمه ويستعصي على مداركي.

حين يصدر ديوان ما لشاعر ما يخوض التجربة الأولى في مضمار الأدب ويكتب عنه بعضهم بإيعاز من الشاعر مقرظين ومستعرضين , أمر مقبول. ولكن الأمر غير المقبول هو أن يشعر القارئ بان الكتابة عن الديوان كتابه مغتصبه, وان أصحابها فعلا مستكتبون , لان الكلام عن الديوان يكون عائما غائما حائرا يلتف على الحقيقة حينا, ويجانبها في آخر, الأمر الذي يشي بأنهم كتبوا ما كتبوه خجلا وتخجيلا وحرصا على علاقة أو خوفا من تقريع . ولكن شاعرنا صاحب هذا الديوان لا يفهم الحقيقة, بل يراها على العكس ويعتقد أن ما قيل عن شعره مقصر, لذلك لا يكتفي به, بل يروح يستنفر هذا وذاك , خاصة إذا كانت له علاقات مروحيه , لكتابة المزيد دون أن يبخل طبعا بنشر كل ما قيل أو كتب, وكان العالم متعطش لسماع ذلك, أو كأن مسيرة الأدب لن تكتمل إلا بذلك.

وعلى كثرة ما يقال وينشر ينتفخ صاحبنا ويصدق ويستمرىء اللعبة ويغرق فيها ويغرق معه الكثيرون, سعيا وراء الشهرة السريعة دون أن يعلم أن الشهرة على هذا الشكل غمامة صيف سرعان ما تنقشع, ولا يبقى من الشعرالا أهمه . حتى يصير الأمر عنده حالة مرضيه وظاهرة شائهة يجب اجتثاثها قبل استفحالها.

وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد, بل نراه يتطور إلى أمور لم تخطر على بالنا وما كانت في حسباننا. فصاحبنا يسعى بحكم علاقاته إلى استنفار الكتاب والأدباء والنقاد ليتدارسوا هذا الديوان ولينهالوا عليه بالفحص والتدقيق والتمحيص والغوص في مكنونه لمعرفة ما خفي منه وما اختبأ بين السطور, نظرا لأهميته فهو "المنقذ من الضلال" في هذا الزمن الرديء. وهو "الديوان العروس" و "يتيمة الدهر" فعلى هؤلاء الأدباء والنقاد المستكتبين أن يعكفوا على الديوان ليالي بطولها حتى يخرجوا منه بالنتائج التي لا يوفر ذاك الشاعر جهدا في نقلها للصحف , ولولا الحياء لأعلن أن ديوانه معجز أو أنه كتاب " مسخ كائنات أو فيد" أو " جلجامش العرب" و " فردوسهم المفقود". والذي يفاجىء حقا هو المديح الذي يكال بلا رصيد , وبلا جمله نقدية علمية واحده . فما يكتب يستدعي إلى المخيلة عددا من المريدين يحيطون بقطبهم وهم عاكفون على التقاط أقواله وكلماته خوفا من أن تضيع عليهم كلمة , أو أن تهرب منهم فكره, أو أن تفلت منهم بارقة. أي كلام هذا؟! وأي استخفاف بالأدب؟

ألا يعمل هؤلاء الكتاب الذين ينزلقون إلى عمل كهذا حسابا بأن كلامهم غير المدروس سيزيد شاعرنا انتفاخا أكثر من ورمه القائم. واحسبني أنه يصدق كل كلمة مجامله ذكرت فيروح يعاتب الكل فردا فردا وجماعات جماعات, من مؤسسات وجمعيات, ومجالس , إذ جميعهم في رأيه بعد الانتفاخ الذي أصابه لم يول ديوانه الاهتمام الكافي!

أين هم؟ كيف لم يلتفتوا إلى ديوانه كي يلحنوه ويسجلوه على الأشرطة ويخلدوه بالرسم وبالنحت وبالكتابة بماء الذهب!!؟ كيف لم يحنطوه ويحافظوا عليه ليعلق على جدران المؤسسات الرسمية والوطنية وعلى جدران المعاهد العلمية فهو تميمة وتعويذة تقي الناس شر الأيام. لذلك علينا جميعا أن نزين صدورنا وأعناقنا به, إذ منه سيتعلم الخلف شرف الأصالة, فهو ثمرة جهد من الإبداع وأعمال الفكر, كل كلمة فيه جوهرة تقطر حكمة ومنفعة فاقت حكم "لقمان" و "الحلاج" و "طاغور", كل كلمة فيه تصلح لان تكون مجلدا على الأجيال أن تدرسه كلمة كلمة, لا بل حرفا حرفا لو يعقلون, فهو ثمرة عين الأدب, ودرة العصر, وطرة الدهر, هو بيضة ديك لم يكن قبلها قبل ولن يكون بعدها بعد, إلا اللهم في الألفية المقبلة, وربما إن هذا الأمر ليس مضمونا. كيف لم يلتفت إليه النقاد والدارسون فهو أشبه بثور جُماع على الجميع من المعنيين بالأدب أن يدللوه ويعلّفوه ويسمنوه كي يحصلوا منه على مصل ليحقنوا به شرايين شعرهم وأدبهم علّه يستقيم ويزول عنه الترهل والدسم ويغادره اللغو ويرتد إليه البهاء ويستيقظ بعد سبات. وربما تأخذه هذه الفكرة فيروح يحضر لذلك ويستل من الديوان نسيلة يوزعها على المعنيين كي ينتفعوا بها وبما جاء فيها لتكون مصلا حاقنا محقونا وشاعرنا يعتب ويسال ليل نهار " هل غادر الشعراء من متردم؟!" وهل " أقفرت من أهلها ملحوب؟!!".

أي تعهر هذا؟! وكيف يمكن السكوت عنه؟! والى أين سنصل؟! وليتنا نقف عند هذا الحد, لكنا بلعناه وسكتنا. ولكن شاعرنا ولفرط ما ينافق له البعض, ولفرط ما يحيطه البعض الآخر بالتضخيم جادين في ذلك أو مازحين, يصدق نفسه ولا يعود يكتفي بالشعر, فينتقل إلى التنظير الشعري, فيدأب على نشر أخبار عن نفسه كمحاضر ومنظر, ولفرط ما ينشره عن نفسه كمشترك في هذه المحاضرة أو تلك الندوة وفي أماكن لم نسمع بها, نحسب أن نظرية شعرية أو بلاغية جديدة سوف تولد قريبا يكون هو صاحبها ستبز ما جاء به "قدامة" و "الجرجاني" و "ابن رشيق" و "ابن حزم" و "القرطاجني" من القدامى, و "تي اس اليوت" و "عزرا باوند" و "جابر عصفور" و "إحسان عباس" من المحدثين. والأنكى من ذلك أن صاحبنا بعد أن يصدق نفسه يتضايق إذا ما ذكر احد شعرائنا الكبار أمامه حتى بات الكثيرون يتجنبون ذكر "محمود درويش" و "سميح القاسم" و "الفيتوري" و "أدو نيس" وغيرهم من الكبار, خوفا من غضبه, فلا أحد يملأ عينه ويصل بشاعريته إلى مستوى شعره , ونجده يصرح دائما بأنه يتحدى الجميع وبالذات " سميح القاسم" لأنه موجود بيننا أن يتجرأ على الوقوف معه على منصة شعرية.فعبقريته لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان كما جاء في دعاية سلكوم مؤخرا.

أليس هذا انفلاتا؟! وهل يمكن السكوت؟!

ألا ترون معي أن هذه الظاهرة فعلا مقلقه خاصة اذاكنا نحترم أدبنا ونريد له ألارتقاء؟! ألا ترون معي أنه آن الأوان لنرفع أصواتنا ضد هذه الترهات والاستخفافات ؟! ألا ترون إلى أنه حان الوقت لاجتثاث مثل هذه النتوءات والشوائه من أدبنا كي يستقيم دربه ويصلب عوده. ذلك إذا كنا نحبه ونحب مصلحته؟! على رسلك أيها الشاعر المبتدئ , خفف وعلى مهلك , فدرب ألإبداع طويل شائك وما زلت في بداية الطريق ولا يمكن لك مهما روجت ومهما تشظت علاقاتك وتنوعت ومهما هددت وتوعدت أن تصل من الخطوة الأولى . إذ " رحم الله امرءا عرف قدر نفسه".

وأخيرا, هل قسوت؟ ربما, ولكن الأمر اخذ في الاستفحال ويحتاج إلى القسوة قبل أن تستفحل هذه الظاهرة المرضية وتتفشى.

ولنا مثال في ديوان شعر هو باكورة احدهم نشر قبل فترة يجسد هذه الظاهرة الشائهة وأمر مبكياتك خير من أمر مضحكاتك وبالله التوفيق.

drhbolus@yahoo.com

– ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية .