السبت، سبتمبر 20، 2008

صورة المرأة في الكتابة النسوية: شاعرات تونسيات أنموذجا

فوزي الديماسي

تونس
مصطلح "الكتابة النسوية" من المصطلحات التي راجت في المدونة النقدية المعاصرة رغم ضبابية حدّه و حدوده. و قد تعددت الجهود هنا و هناك لتحديد هذا المفهوم و تسييجه، لكن بقي هذا المصطلح هلاميّا، سمته الزئبقية، و صفته الانفتاح على إمكانات متعددة، و من بين وجوه الاختلاف بين النقاد عدم اجتماعهم على مفهوم موحد. فمنهم من قال بالنسوية، و منهم من وصف كتابة المرأة بكتابة الأنثى ، و منهم من قال بالكتابة النسائية، فأيّ المصطلحات يمكن اعتماده لحظة معاشرة نص مكتوب بقلم المرأة و في أيّ خانة يصنّف؟
د. شيرين أبو النجا في كتابها " نسويّ أو نسائيّ " تطرح إشكالية التمييز بين المفهومين منذ العنوان، و هي تطالب بضرورة " التمييز بين مفهومي نسوي و نسائي عند الحديث عن الأدب الذي تكتبه المرأة، لكي لا يتمّ تصنيف ذلك الأدب على أساس هويّة منتجه الجنسية و لهذا " تلزم التفرقة دائما بين نسويّ ( أي وعي فكري و معرفي ) و نسائيّ ( أي جنس بيولوجي) -1- فالكتابة التي تكتبها المرأة في مستوى التجنيس مفتوحة على دروب ثلاث ( أدب نسائي / أدب نسويّ / أدب أنثويّ ) و هذه الأوجه المتعددة خاضت فيها ناقدات عربيات على غرار د. زهرة الجلاصي و نازك الأعرجي و د. شيرين أبو النجا. و قد تباينت وجهات نظرهنّ، كما عملت الأعرجي و كذلك أبو النجا على حسم هذا التشتتّ حيث ترى الأعرجي أنّ الأنوثة كمفهوم تعني لها ( ما تقوم به الأنثى ، و ما تتّصف به، و تنضبط إليه) و لفظ الأنثى" يستدعي على الفور وظيفتها الجنسية، و ذلك لفرط ما استخدم اللفظ لوصف الضعف و الرقة و الاستسلام و السلبية" -2- و تقترح د. زهرة الجلاصي استخدام مصطلح " النصّ الأنثويّ " بديلا عن مصطلح " النص النسويّ " أو " الكتابة النسوية " مؤكدة على التعارض القائم بين المصطلحين من حيث الدلالة و المعنى، فمصطلح النص الأنثوي يعرّف نفسه استنادا إلى آليات الاختلاف لا الميز و هو في غنى عن المقابلة التقليدية ( مؤنث / مذكر ) -3- و يعدّ مصطلح " الكتابة النسويّة " المصطلح الأقرب للواقع حيث مصطلح " أنثويّ " محمول على معجم إصطلاحي يحيل على عوالم الأنثى المحمولة على الضعف و الارتكاس و الرغبة ، و لا يمكن بأيّ حال من الأحول أن يكون أسّا من أسس تصنيف النص في خانة تدللّ على أن النص نسويّ - أي نصا مكتوبا بقلم المرأة - إذ يمكن للرجل أن يكتب نصا أنثويّا و دليلنا على ذلك نصوص نزار قبّاني التي لا يمكن تسميتها بالنص النسويّ استنادا لمرتكزات د. الجلاصي النظريّة .
و من هذه الزاوية يمكن أن نحكم على تسمية د. زهرة الجلاصي بمجانبتها للمنطق و بالتالي تعويمها لمحددات هذه التسمية و خصوصيتها، فالنص لديها هو " النص المؤنث" و يمكن لهذا النص كما أسلفنا أن يستوعبه قلم المرأة كما قلم الرجل و هذا التحديد هو عكس ما ذهبت إليه الأعرجي و أبو النجا. ففي مصطلح " نسائي " معنى التخصص الموحي بالحصر و الانغلاق في دائرة جنس النساء -4- و لعلّ هذا ما عمل على تحديد ملامحه الدرس النقدي المنشد من وراء ذلك كلّه بلوغ تحديد واضح المعالم و الحدود ، و بالتالي فمصطلح " النص النسويّ " هو الدالّ إلى حدّ كبير على خصوصية ما تكتبه المرأة مقابل ما يكتبه الرجل لأنّ هناك نساء كثيرات كتبن بلغة الرجل و بعقليته ، و كنّ ضيفات أنيقات على صالون اللغة، إنّهن نساء استرجلن -5- و العكس بالعكس.
النص فضاء للتشكّل اللغويّ من زاوية نظر لسانيّة، و هو توقيع على المكبوت من وجهة نظر تحليل نفسية، إنه عالم داخل العالم من وجهة نظر فينومينولوجية -6- تجد فيه المرأة الحرة فضاء رحبا للتعبير عن ذاتها ككائن مستقلّ له رؤيته و تصوره و قراءته للعالم، و لا شكّ أنّ ديباجة الإنسان الكينونية مشروطة بقول ما انفك ينسج للمتكلم كيانا لم يوجد بعد،
و من هنا كانت رحلة الذات في العالم رحلة لغويّة، لكن يجب أن نفهم أنّ هذه الرحلة / الارتحال رفض لكلّ مستقر -7- و المرأة الحرة هي ذلك الكائن المغاير للرجل، ذلك الكائن القاطع مع اللغة المحكومة بذكورية مّا، و في تحررها – أي المرأة – من سلاسل البطركيّة اللغويّة يستتبع تحررها الذاتي و ينتج بذلك خطاب يحمل بصمات التفرد الإنساني ، لأنّ لغة المرأة لحظة الكتابة لا يمكن أن تحمل سماتها و تبرز خصوصياتها و هي محكومة بقيم مجتمعيّة سطرها المجتمع الذكوريّ، إذ الكتابة حرية أولا تكون ، و إلاّ كانت المرأة في لغتها ضيفة أنيقة على صالون اللغة على حد تعبير د. عبد الله الغذامي.
الذات النسائية في حاجة إلى اللغة ( لغة حرة ) لكي تثبت نفسها كطبيعة تفكر و تفصح عن وجودها. فالذات النسائية في حاجة إلى اللغة لكي تثبت نفسها كطبيعة تفكّر و تفصح عن كيان متفرّد و مخصوص . و إنّ فعل التلفّظ الذي يفصح عن الذات في اللغة يفترض عمقا تذكاريّا عمّا له صلة بالذات بما هي تشكيل لخاصياتها التذويتيّة. و التذويت ليس بالضرورة خطابا ذاتيا بالمدلول الفردي الشخصي و ليس حديثا ذاتيّا و إنما هو فوق هذا و ذاك إجراء خطابي تنتج بموجبه الذوات الاجتماعية خطابها و ما يتصل به من خصوصيات تخييليّة و لغويّة و أسلوبية -8- ، و من هذه الزاوية يمكن أن نخصّ الأدب النسويّ بدراسة تبحث في خصوصيات هذا الفرع إذ يتميّز ما تكتبه المرأة بوجه قلّ أن تظفر به عند الرجل من حيث الدلالات و الإيحاءات التي تحيل على هذه الخاصيّة و تكشف بالتالي عن مناخ هذه الكتابة التي تنقسم حسبنا إلى نوعين من الكتابة لحظة تصوير المرأة للمرأة أي تنقسم مناخات هذه اللحظة إلى قسمين نطلق على الأول " الكتابة الترسيخيّة" و نطلق على الثاني " الكتابة الانتقامية ". و نقصد بالكتابة الترسيخية ترسيخ المرأة / الكاتبة لصورة المرأة و تجذيرها في تلك الصورة التي انطبعت في الذهن الجمعيّ كما يسوّقها الخطاب الذكوريّ حيث تقدم المرأة على أنها سلعة و موطن لذة، و نقصد بالكتابة الانتقامية تلك السمة التي تميّز خطاب المرأة / الكاتبة المتصفة بالصلف و الاعتداد بأنوثتها و التحدّي للرجل و يمكن أن نستشفّ ذلك بدءا من عناوين المجموعات الشعرية لعدّة أصوات شعرية تونسية إذ العنوان من أهمّ العتبات النصيّة التي تستشرف حقول الدلالات، و تطلّ على ظلال المعاني و تألق العبارات ... و تفسح المجال لامتداد الخيال نحو آفاق لا متناهية، فهو خطاب رمزيّ يعتمد على ادخاره لمخزون وافر من التأويلات التي تحمل كمّا من الأفكار و المعاني ذات الصلة الوثيقة بالحمولة الدلاليّة للنصّ و جماليته -9- فعناوين مثل " ديوان النساء " للشاعرة جميلة الماجري أو " يؤنثني مرتين " للشاعرة آمال موسى كلّها – أي عناوين المجموعات – عناوين احتفائية ، تحتفي بالأنثى و تعلي من شأنها ردّا على خطاب ذكوريّ مهيمن على الوعي الجمعيّ لمجتمعات احترفت إقصاء المرأة و إلغاءها و الزجّ بها في المقاصير وراء الجدران ، و لكن هذا الاحتفاء قد تشوبه من قصيدة إلى أخرى مناخات الخطاب الذكوريّ رغم أنّ النص مكتوب بقلم المرأة
I- الكتابة الترسيخية:
قيل لأعرابيّ " أتحسن صفة المرأة ؟" قال : " نعم، إذا عذب ثناياها، و سهل خدّاها، و نهد ثدياها، و نعم ساعداها، و التفّ فخذاها، و عرض وركاها، و جدل ساقاها، فتلك همّ النفس و مناها" -10- من هذا المدخل التراثيّ نلحظ أنّ الصورة الحسيّة للمرأة هي الصورة الوحيدة المتلبسة بالخطاب الذكوريّ منذ القدم و المسيطرة عليه ، فالمرأة / الجسد هي الزاوية التي ينظر من خلالها الرجل للمرأة، فهذا الكائن / المأدبة أو هذا الكائن / الفردوسي على حد تعبير الأستاذ محمد لطفي اليوسفي يختزل في حديث المفاتن و الفتنة منذ بدء الخليقة.
فآدم... عُلم الأسماء كلّها و مُنح اللغة، لقد تكلّم ليتنصّل من خطيئته و احتمت حواء بالصمت، فصار الصمت قدرها العاتي تحت الشمس. صار الصمت لعنتها الكبرى. احتمى آدم بالكلمات لأنه سيد اللغة و أمير الكلام، لقد اكتشف ما تمنحه الكلمات من مقدرة على التخفّي
و المواربة. باللغة تبرّأ آدم من نصيبه من الخطيئة. و باللغة صنع طهرانيّته. و منذ حوّاء... تلقّف الصمت الأنوثة -11- و أطردت بذلك الأنثى من مملكة اللغة و الإفصاح و بات وجودها صنو الصمت و رديف الرجل/ اللغة و أصبحت بذلك لغتها سليلة الرجل / اللغة.
لقد حرص الرجل على سجن المرأة داخل صورة فردوسية بموجبها تختزل الغبطة و النشوة و التسلية-12- و عوض أن تحاول المرأة / الشاعرة المعاصرة القطع مع الصورة السجنيّة المقيتة، هذه الصورة التي أسرت المرأة / المأدبة في دائرة السلعة اقتفت آثار الذكر و خطابه و كتبت شعرها على إيقاع تلك الدائرة و لم تبرحها، فجاءت قصائدها / لغتها مرسّخة لتلك الصورة التي رسمها خطاب آدم / اللغة و بالتالي جاءت جلّ قصائدهنّ ترجيع صدى لسحيق الماضي ، وقد خرجت علينا المرأة التونسية المعاصرة / الشاعرة المنحدرة من الخطاب الذكوريّ المسيطر بذات الصورة المؤسسة لخطاب الجسد / السلعة و النافية لجوانب أخرى في غياهب النسيان ، و بذلك باتت المرأة / الشاعرة حريصة على المفاخرة بجمالها / الغواية و جعلت منه – أي جسدها - موضوعا لحديثها / شعرها و أحبولة للرجل / المهيمن ، و واصلت اقتفاء آثار صاحب الرؤية و مالك المرأة / الجسد ( الرجل ) ، فسؤال الهويّة لدى المرأة / الشاعرة هو سؤال الجسد / الفتنة بامتياز كما ألفناه في كتب الأولين و في شعر المتقدمين كما نعثر على هذه الصورة المسيّجة بسياج الرغبة في عدة دواوين لشاعرات تونسيات على غرار قصائد الشاعرة آمال موسى في ديوانها " يؤنثني مرتين " و بالتحديد من قصيدتها الموسومة بعنوان " و في نفسي وقعت " -13-

وكُلُّنَا رجالٌ نسكنك فرادى
نَلْقَاكِ وِسْعًا
وَسَكَنًا عَبِقا بالعنبر
وبدخانٍ مُعطَّرٍ ببخورِ القُدَامَى

و تقول الشاعرة التونسية جميلة الماجري في قصيدتها " أنثى الله " -14-
بعض الرجال بك
في الحب ما صدقوا
و بقية
ماتوا و ما عشقوا
ما عذرهم ؟
لو يسألون غدا
مروا بجنب النبع رقراقا و ما شربوا
و بجانب الريحان لم يجنوا .. و ما .. نشقوا
يا قيروان ...
و هذه الدنيا مؤنثة
و الله انثها، و في ملكوته
و بأمره
تجلى و تنفتق
كما تقول الشاعرة نجاة العدواني من قصيدتها " ذبابة " -15-

بعد آن رسمته فجرا
بعشبة روحي اليابسة
علي المائدة بيننا
في المزهرية
وردة وذبابة
عندما قال
آحبك
طارت الوردة من رمادي
والتصقت بفمه
الذبابة

كما تقول الشاعرة التونسية حياة الرايس من مسرحيتها الشعرية " سيدة الأسرار " -16-
“ذهبوا بزوجي الحبيب, زوجي الحبيب
زوجي ذهب يبحث عن طعام، فتحول إلى طعام
عريسي اقتيد إلى الأسر
لم يعد يستحم في “أريدو”
لم يعد يعامل أم ” انانا” كأمه
لم يعد يؤدي مهمته الحلوة بين عذارى بلدته
لم يعد يتنافس مع فتيان بلدته
لم يعد يتقلد سيفه بين “كرجرا” بلدته
النبيل الذي لم يعد غاليا على أتباعه”
وكنا نقيم أيّاما مخصوصة للمناحات
إحياء لذكرى “تموز” كل سنة
في مختلف المدائن السومرية
نؤدي الطقوس
ومراسم الحزن المنصبة على موته
وكنت أبقى وحيدة إلى مرقد تموز
حينما تنام الندابات تعبا
لأغني نائمة:
” أنت يا من ترقد أيّها الراعي
أنت يا من ترقد قم ارع شؤوني
تموز أيّها الرّاقد قم ارعها
نهارا منتصبا فلترع شؤوني
ليلا مضطجعا، فلترع شؤوني”


فالمرأة الكاتبة من خلال هذه النماذج تكتب بالجسد و تحوّله إلى أيقونة، صورة ذهنيّة لا تكتمل إلاّ بتمثّلها لدى الرجل الذي يمتلك مرجعية هذه الصورة عبر تصوّرات راجعة إلى الـتأسيس الميثولوجي لظاهرة الفحولة و بالتالي لا يتحقق للجسد الأنثويّ كينونته إلاّ إذا كانت نظرة الرجل إليه تؤسس المعرفة بحدود انفلاته البلاغيّ .... و هي بأساليب التمويه التي تلصقها بجسدها تكتب مباشرة على جسدها، تعطي عناية لفتحات جسدها، عينيها و فمها ... إنها ترسم و رسمها تكثيف لرغبتها -17- الموصولة برغبة الرجل / اللغة.

II- الكتابة الانتقامية:
لقد عاشت المرأة زمن الانحطاط في الظلّ، و كان تاريخ الشعر العربي إلى عهد غير بعيد تاريخ نسيان المرأة / الكيان، و مع انبجاس حركة التحرر النسويّة و ظهور أصوات تدعو إلى تصحيح النظرة و القطع مع إرث جمعيّ حكم على المرأة بأن تكون مصدر للغواية و آلة للمتعة ، ظهرت على إثر ذلك كتابات نسويّة هنا و هناك تحاول في نسق نضاليّ تصاعديّ تحرير لغة الأنثى من هيمنة الذكر/ اللغة ، و بالتالي العمل على إنشاء معجم لغويّ مخصوص و محايث يحكي المرأة و يحاكيها و يبوئها المكانة الإنسانية ( لغة و قيما و كيانا ) التي يحتلّها الرجل مثلا بمثل ، و لكن جاءت قصائد التونسيات جميلة الماجري و آمال موسى و حياة الرايس مسفّهة في بعض ردهاتها لأفق الانتظارات الشعرية و الفكرية على حد السواء ، حيث أن الشاعرات جميعهنّ حرصن من حيث يشعرن أو لا يشعرن على السير على درب جلد الآخر و محاكمته شعريّا محاكمة تعكس نزعة انتقاميّة لكلّ ما هو ذكوريّ، إنه صراع مواقع بين الأنوثة و الفحولة ، فعوض أن تحرر المرأة / الشاعرة نفسها
كذات مستقلّة / لغة مغايرة عكس الخطاب الميتافيزيقي الذي عمل على تقنين جسد المرأة وصوغ خطاب يدخلها ضمن العلاقات الإنتاجية ممّا جعلها شخصية انفصامية موزعة ما بين التداخل الحاصل بين الجسد كمعطى بيولوجي و الجسد كمعطى ثقافي رمزيّ، ففي كلا الحالتين تعمل المرأة مضطرة للانخراط في استلابها -18- فبدل نحت صورة مغايرة كما أسلفنا انخرطت المرأة / الشاعرة تحت طائلة التشنّج الجنساني في حرب انتقاميّة اتّسمت بجلد التاريخ الملطخ بذكوريّة مجحفة ، و اتّخذت بالتالي من الذكر / التاريخ اللغوي عدوّا لدودا فكان بذلك الذكر/ اللغة في شعرهنّ في مرتبة الجلاّد / الضحيّة ، و بقيت المرأة / الشاعرة ترواح مكانها بين الضحيّة و الجلاد، بين الحضور و الغياب، بين الترسيخ و الانتقام، و نستشفّ هذه النزعة من خلال قول الشاعرة آمال موسى في قصيدتها " و في نفسي وقعت " : -19-

كلُّ الواقعينَ في أنصافهم المتوهِّمة
ناقِصُونَ هَوى
قلوبهم مشرئبّةٌ للعشقِ
يُبدِّدونَ الحين
وروعة الانْصِراف إلى حمَّالةِ الماءِ
في تَفْتِيتِ تَصَوّفٍ
يَضيقُ على فُؤادٍ يَنْبِضُ بِأكْثَرِ مِنْ صُورة
فَمَنْ ذَا التِّي تَشفَعُ لنفسها غيرُ نفسها
وَمَنْ ذا الذِّي يَسْتبْدلُ
وقوعًا بتهشم.

أُقْسمُ أَنِّي لَنْ أرومَ غيري متّسعا
وَعْدُ نفسٍ
وعتْ بِلادها الشَّاسعة
وَفُصولها اللاّمتناهية
ولَذَّة يُشْبِهُ عنبها ثَدْيًا مَرْمَرِيّا
سَقَطَ فِي نشوةِ أُنثى.

أَعُودُ إليَّ
مُتيّمة
أَلُوذُ بالمعنَى في ليلٍ ساطعِ اليقين
ضَفائِرُهُ تُشبهُ المَدَى
أَنْتشِي بِعناقِ البعض لبعضه
وصلاة كلّي لكوكبي
وأحفرني بئرا عميقة
الارْتِواءُ منها، كعينين من زمرد.

وتقول الشاعرة جميلة الماجري من قصيدتها " لؤلؤة" – 20-

كبيرٌ عليك الهوى

وأكبر منك القصيدة

وأبعدُ عنك التماس النجوم

من الأمنيات البعيدة

فجلّ النساء شبيهات بعضٍ

وواحدةٌ بين عصرٍ وعصرٍ تجئُ

كلؤلؤة في الكنوز

فريده!

كما تقول الشاعرة نجاة العدواني في قصيدتها " شقة مؤنثة " -21-

سرير مرهق
والحزانة مقفلة
علي زمن يئن

رجل مستنفد
ويداه
تصطادان فراشة دفء
عابر

أشتاق إلى بلدي
لو آن شفتي التمتا وردة
وبابتسامتي
تفتحت
أكره امتزاجا
ببقايا عطر امرأة
لا تشبهني

مرآة أشتهيك حبيبي
ولا جدار بيننا
أرومك شرفة
وسماء
فزين بنجمة منك
ظلمة روحي

لا تكرر قصيدتك الأولى
سأعود
ولو كان سمتي
من جليد
تكتسحه عربات الشمس
تفصح المرأة / الشاعرة في هذه النماذج عن تحدّيها الصارخ للذكر / الجلاد و عودتها إلى ذاتها الجريحة عبر التاريخ / اللغة ، تزيل عنها غبار النسيان و التاريخ / اللغة الملطّخ بالشهوة و اللذة ، و تفكّ عنها أغلالها الفكريّة المقيتة و الموروثة عن عهد السبايا و التكايا
و الليالي الحمراء ، لتخرج علينا من بين شقوق الكلمات الموغلة في التحقير و التقليل من الشأن بيمينها سياط جلد الآخر / الذكر (الجلاّد ) و بشمالها عرش التفرّد و التألّه و الاعتداد بالذات المؤنّثة المتعالية عن فلسفة التبعيّة و القوامة و فلسفة السيّد و العبد ، إنها صورة تقطع مع الماضي السحيق ، ماضي " الزقّ و القينة " لتدشّن بذلك راهنا نسائيّا مستقلاّ متعاليا ، دينه الكفر بمناخات الاستسلام و التبعيّة ، وديدنه التحليق بعيدا على حدّ تعبير زبيدة بشير في قصيدتها " نهاية تجربة " -22-

عندما كنت أحبك
لم أكن أعرف أن الحب وهم
وخيال
لم أقل يوماً أحبك
غير أني كنت أحيا
في ضلال
عندما كنت أقولْ
ينتهى العمر
وحبي لا يزولْ
لم أكن أدرك
معنى ما أقول
كنتَ أفراحي وأُنْسِي
كنتَ إشراقة شمسي
يا لنفسي
كم تردت في حماقات عميقه
ارتضاها القلب
مذ ضَلَّ طريقه
غير أني اليوم
أدركت الحقيقه
مرت الأيام بالحب الهوينى
واهتدينا
وطوى النسيان حبا
كاد أن يقضي علينا
كم عبدتك
وسهرت الليل بعدك
وظننت القلب ملكاً
لك وحدك
لا وحقّك
إننى أسخر من نفسي
ومن أمسي القريب
عندما كنت حبيبي
عندما كنت أظن الحب حقا
وخلوداً وجمال
فإذا الحب خيالٌ
في خيال
كنت لي نعم العزاء
عندما تجتاحني ريح الشقاء
ودوائي
كلما عَزَّ الدواء
وفؤادي
ظامئ الأشواق
مشبوب النداء

دموع الحنين

عندما تكشف العيون شجـوني
وترى الحزن واضحا في يعيوني
وترانـي كأنـنـي حين أغفــــــو
يرسم اليأس ظلـه في جبيــني
لا تلـمني فليس دمعـي بكـــاءً
بل حنيــنا وأنت تــــدري حـنيني
أنت لولاك ما تحملت عمـــــــرا
حملـــته الأيـــام عبء الســــنين
ولكم ادعـي سكـــونا وصـــــبرا
فاذا القلب ساخــرٌ من سكــوني
باسط شـقوتي وآلام نفســــي
وشكوكي وحيــرتي وظــــنوني
يا حبيبي يضج بالشوق صبري
فأداري الهــوى وأخفي أنـينـي
لهـف نفسـي الام تبـقى بعــيدا
والام انتظـــــار قلبــي الحـــزين
غير اني وإن أكن في اصطباري
أحسب الحب لمــحة من جنـونِ
يهتف القلب بي دعي الصبر عنا
انما الصـــبر هو عين الجــنــــونِ


الهوامش
1- الكتابة النسويّة : اشكالية المصطلح : مفيد نجم - مجلة نزوى عدد 42 أبريل 2005 ص 90
2- نفس المصدر ص 89
3- نفس المصدر ص 89
4- نفس المصدر ص 98
5- نفس المصدر ص 92
6- مقارعة ابوّة المكبوت : محمد الحبيب الرويسي - مجلة كتابات معاصرة عدد65 ص 22
7- انطولوجيا القول الراغب و الإناسة المظفّرة : محمد الحبيب الرويسي – مجلة كتابات معاصرة عدد 62 ص 50-51
8- التذويت في الكتابة النسائية : عثماني الميلود www.doroob.com
9- عتبات النصّ : باسمة درمش – مجلة علامات في النقد المجلد 16 ج 61 ماي 2007
10- صورة المرأة في شعر عمر بن أبي ربيعة : د.خليل محمد عوده – دار الكتب العلمية ص 107
11- المراة الفردوس : محمد لطفي اليوسفي كتاب جماليات الصورة في الإبدع النسائي العربي – منشورات مهرجان سوسة الدولي ص6
12- نفس المصدر ص8
13- أريج قرطاج / شعريات تونسية : فوزي الديماسي منشورات جمعية البيت / الجزائر 2007
14- نفس المصدر
15- موقع شعراء العالم / البوابة الخاصة بالشعراء التونسيين
16- www.doroob.com
17- الجسد الأنثوي و فتنة الكتابة : عبد النور ادريس www.doroob.com
18- نفس المصدر
19- أريج قرطاج / شعريات تونسية - منشورات جمعية البيت – الجزائر 2007
20- موقع شعراء العالم / البوابة الخاصة بالشعراء التونسيين
21- نفس المصدر
22- نفس المصدر

ليست هناك تعليقات: