ميرا جميل
ما كشفته جائزة التفرغ الأدبي التي أشغلت الحالة اللاثقافية في بلادنا ، والتي إحتضنها بشكل شخصي وزير العلوم والثقافة والرياضة غالب مجادلة ، أثبتت كم هو واقعنا الثقافي مشوه وهزيل ويكاد يكون فارغا من المضامين الثقافية... حتى بوجود وزير عربي للعلوم والثقافة في اسرائيل .
لست في باب استعراض انتقاد الأدباء الذين لم يحصلوا على الجائزة ، ولكن لا بد من التأكيد بأن الأدباء الحاصلين على الجائزة ، جرى إختيارهم بشكل لا صلة له بالإبداع الأدبي. وحقيقة وجود لجنة للجائزة ، تقرر أسماء الفائزين ، حسب ابداعاتهم وعطائهم الثقافي ، هي أكبر كذبة ثقافية للسيد الوزير ووزارته .
ما وصلني مؤكد تماما . الوزير ، وربما مستشاره معه ، يقدمون للجنة التي " تقرر" أسماء الفائزين ، أسماء عدد من الأدباء الذين يختارونهم من بين المتقدمين للحصول على الجائزة، ، وعلى اللجنة إقرار الأسماء ، ولإعطاء شكل دمقراطي للجنة ُتبقي لها ولأعضائها بعض الكرامة ، يقدم مكتب الوزير للجنة 25 اسما لتختار اللجنة 20 أسما من بينهم . . وقلت أسماء ولم أقل أدباء ، لأنه في هذا الشكل من الإختيار ،الإسم هو المهم وليس الإبداع الأدبي .
الأمر البارز هذه السنة ، والذي بدأ ينكشف بمنتهى البشاعة والسوء، هو التمييز " العنصري " بين الفائزين. من قرر ان ذاك الأديب يستحق 50 الف شيكل والأديب الآخر يستحق 30 الف شيكل فقط؟ أو أن الفنان لا يستحق أكثر من 20 الف شيكل ؟ وهو المبلغ الذي حصلت عليه الفنانة الكبيرة فريال خشيبون ، والباحثة التراثية نائلة عزام لبس . هل أخذ الوزير ولجانة وتابعيه بعين الاعتبار أحجام الفائزين وأوزانهم على القبان ؟ هل هي جائزة ثقافية ام جائزة للأحجام ، وللشكل ، وللطول ، وللصورة ؟
مثلا كيف يمنح معلم التاريخ الدكتور بطرس دلة 50 الف شاقل .هل لأنه يدعي انه ناقد ؟ّ راجعت بإنتباه شديد كتاباته "النقدية "!! و"الإبداعية"!! من شعر وقصة على موقع الجبهة ، ولم اجد مادة واحدة تستحق ان تسمى ثقافة . بينما أديب معروف مثل تركي عامر ، لي عليه انتقادات واسعة ، ولكني لا أستطيع ان انفي مساهماته الثقافية ، يمنح 30 الف شيكل فقط . حقا حجمة أقل من نصف حجم بطرس دلة ارتفاعا وامتدادا عرضيا. وأديب له مساهماته الطويلة والجيدة في القصة والشعر مثل زهير دعيم ، يجري شطبه وتجاهله ، وانا على ثقة انه أحق بالجائزة من 99% من الحاصلين عليها ، وكنت سأختاره بدل نادر أبو تامر ، رغم اني معجب بكتابات نادر القصصية للأطفال أكثر من كتابات زهير دعيم ، ولكن زهير له باع طويل ومثابرة ممتازة في الابداع الأدبي للصغار والشعر للكبار ، وهو بالتاكيد احق من نادر أبو تامر ، وأحق من تركي عامر وأحق من بطرس دلة ومن باقي الأسماء ...
يستطيع نادر الانتظار للسنة القادمة ، فمشروعه الأدبي لم يمض عليه سنتين ، وربما يتغير الوزير وتعود الجائزة الى 72 الف شيكل كما كانت دائما ، وبدون تمييز بين الأدباء ومعلمي التاريخ . وماذا مع معلمي الجغرافيا .. هل لهم مكان في الجائزة يا سعادة الوزير؟.. سيكتبون الشعر بمستوى شعر رشدي الماضي الفائز بالجائزة في السنة الماضية ، وربما أفضل . فكما لا نفهم شعر رشدي ، لا ضرورة لأن نفهم شعر معلمي الجغرافيا المتقاعدين .. رتبوا الكلمات بشكل الشعر الحديث .. بلا وزن ووجع رأس وبلا معنى .. ، والجائزة بانتظاركم وتنفعكم قيمتها في تقاعدكم ؟!
ويشغلني سؤال : هل حصل نادر على 50 الف شيكل ام 30 الف شيكل ؟ أقترح على أصحاب الجوائز المنخفضة ، أي أقل من 50 الف شيكل ، اعادتها للوزير ، حفظا لكرامتهم وكرامة أدبنا في ظل وزارة ثقافة يديرها وزير عربي ، ويهدد رئيس الحكومة بالاستقالة بسبب التمييز ضد العرب في الميزانيات ، الذي، ما شاء الله ... اكتشفه مؤخرا ، بينما هو نفسه لم يتردد بأن يمارس التمييز المسيء والمعيب على ادباء شعبنا ، بل ويضم اليهم معلما للتاريخ ويجعله استاذهم في النقد الأدبي وأعلاهم في قيمة الجائزة المادية ، وهو أهم ما فيها .
فاجأني الشاعر سليمان دغش ، برفع قضية ضد الوزير ووزارته بتهمة القذف والتشهير . بصراحة هو محق . كيف يدرج اسمه بدون علمه وبدون ان يكون قد تلقى جائزة الوزير، الذي له موقف شخصي منها ، يرفضها تماما ، وهذا حقه السياسي والأدبي والأخلاقي ؟
أعتقد ان موضوع الجائزة يجب ان يحول للمستشار القضائي للحكومة ، وربما لمراقب الدولة ، لفحص طريقة منح الجائزة ، وهل تلتزم الوزارة بنهج قانوني واضح ، أم تجري الأمور بشكل سبهللي ؟ وكيف تدار الجائزة في الوسط اليهودي ؟ ولماذا لا تدار بنفس الشروط للعرب أيضا ؟ ولماذا لا يمنح الفائزون مبالغ متساوية ؟
هل قرارت اللجان والهيئات وشكل عملها هو سر لا ينشر ؟ وهل هناك بروتوكولات يمكن مراجعتها ، ام أنها جهزت سلفا ، وظل الناقص هو ختم الباصمين ..؟!
حدثتني عضوة أحدى اللجان السابقة عن مهزلة اختيار الأسماء .. قالت لم نقرأ شيئا . بعض الأسماء لا نعرف نشاطها الأدبي . لم نقرأ حرفا مما كتبوا . تجيء التوصية ب 15 اسما وعلينا إختيار 12 اسما بلا معرفة واطلاع على كتاباتهم .
ميرا جميل - صحفية - القدس / نيقوسيا
gmeara@walla.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق