الاثنين، سبتمبر 22، 2008

أم خليل

مفيد نبزو

إلى الشاعر نزيه أبو عفش

هنالك في مرمريتا..

لا يهم الزمان..

جلستْ في الصف الأمامي..

امرأة عجوز..

نظراتها نظرات يمامة برية..

تسابيح وجهها قداس صلاة..

طيبتها أطيب من رغيف تنور طحينه أسمر، ورائحة خميرته رائحة التراب عندما يسرح راعي الغيوم بقطعان المطرفي أول الفجر..

ترتدي زيها الجبلي الوقور..

لا أدري وهي تصغي إن كانت تعي كل ما يفلسفه الشاعر، ويشعرنه الفيلسوف..

يكفيها أنها تجلس في الصف الأمامي

لا كما يجلس غيرها..

وتنظر لمن حولها بفرح أمومي هادئ

بحركة مسرحية انتقلت باقة الأزاهير

من محمود درويش بعد موته إليها،

فاحتضنتها برغبة ولهفة وحميمية..

لا شك أن هذا المشاكس المهزوم جرأة صاحب النظارة المنكوبة،

واللحية الكثيفة المشوبة بقلم الرصاص الثلجي.. وراء هذه الحركة الخفية المغامرة.

أظن أن أم خليل تعلم لماذا جلست في الصف الأمامي..

فهي لا يمكن أن تنسى رغم كل ما مرَّ على ذاكرتها من بقع سوداء،

وصدأ أصفر، وغارات وكمائن،

وتغريب.

لا يمكن أن تنسى خاصية الحمل الحرون لهذا المخلوق العجيب..

تعرضت لطقوس لم تتعرض لها من قبل في أي حمل سابق :



امتداد أكثر من الانقباض..

حركة أكثر من السكون..

ضربات موجعة في كل الاتجاهات..

أوجاع لا اسم لها في قاموس الألم..

تصعق الرأس حتى قبل المخاض الأخير ، وتفرغ كل شحنات القدرة

والاحتمال..

كان الرحم زنزانة مقفلة بإحكام..

والسجان قاسياً ظالماً،

لذا قرر السجين هذا أن يتحرر من كينونته ويتنفس بحرية الهواء..

لا أدري إذا كان يدري أنه ولد فعلا ً وأبصرالنور، أم أنه مازال حتى هذه اللحظة في رحم أمه..

لما انحاز إلى الإنسانية وضعته وحوش الغاب، ودلافين البحر،وأسماك القرش في رأس القائمة السوداء.

كم كان جدياً في سخريته،

كم كان غامضاً في وضوحه،

كم كان حلواً في ملوحته،

وطفلاً في نقاء سريرته وعفويته..

لكن وحده فقط يمكن أن يحل المسألة المعقدة التي تقول:

بين جمهور متنوع بكيفيته تلقائياً

يسمع شعراً وموسيقا ،من يستطيع

أن يحسب حاصل الفرح الباطني

الذي عاشته أم خليل؟

احسب عدد الأوتار التي عزفت بلا ريشة سوناتا الطمأنينة، وسمفونية الشموع التي تضيء معبداً مهجوراً

في أعالي الجبال.

كذلك وحده فقط يحل النظرية التي تقول:

شاعر حقيقي واحد يعتلي المنصة،

وثلاثة موسيقين يعزفون فاصلاً قبله،

يمكن أن يجعلوا الكرة الأرضية تدور

أو تكف عن الدوران ، ولكن بشرط أن يكون في الصف الأمامي امرأة

عجوز لها بعض مقومات أو مواصفات أم خليل.

· أم خليل : والدة الشاعر الكبير:

· نزيه أبوعفش.

ليست هناك تعليقات: