خالد محاميد
من صُبار جيوس نستمد الصبر: بعدستي
حين غادرتنا الياسمينة – أمي صبيحة الخميس الحادي والعشرون من آب لهذا العام 2008 إلى رحاب السموات، شعرت بالفقد وألمه، اعتدت عبر سنوات عمري على الفقد، لكن فقد الأم.. مسألة مختلفة، فقد بمذاق مختلف، شيء مختلف تماما عن كل الفقد الذي عانيته وتذوقته في حياتي، فكتبت في 27\8 نصي: صباحكم أجمل\ وداعا يا أمي.. أيتها الياسمينة.. كتبت فيه نفسي وألمي، والكتابة كانت وما زالت وسيلة أفرغ فيها ما يجول في روحي، إلا في هذا النص الذي كتبته بحبر الدمع والمشاعر، كنت أسكب نفسي فيه، فتدفقت إلى بريدي عشرات كلمات المواساة التي صيغت من أرواح ومشاعر من كتبوها، وبدأت بالرد عليها شاكرا هذا الطيب والمشاعر، حتى كانت قصيدة أخي وصديقي الشاعر الفلسطيني خالد محاميد، الذي جمعني وإياه الحرف والروح رغم أننا لم نلتقي أبدا حتى هذه اللحظة، فألجمت حروفه المنبثقة من روح الإنسان الموغل بإنسانيته، ألجمت حروفي فلم أتمكن من الرد عليها أو حتى شكره، أو استكمال الردود على من كتبوا لي، فقد شعرت في قصيدته بكل الأرواح الإنسانية، أرواح كل الأحبة، فوقفت مرات أقرأ قصيدته بصوت مرتفع أمام صورة أمي، ولم أتمكن ولا مرة من إكمالها كاملة بسبب غلبة الدموع، وفي هذا الصباح الذي اعتاد أحبتي أن أخاطبهم بنصي المعتاد: صباحكم أجمل، أو مقال آخر من كتاباتي النقدية أو أطيافي المتمردة، لم أجد من حروف تنبثق من داخلي إلا أن أقدم قصيدة الرائع الإنسان: خالد محاميد، قصيدته في وداع الأم الياسمينة.. أمي.. وداد جيوسي، أقدمها لأحبتي وأصدقائي وقرائي، لعل في ذلك بعض من شكر لخالد محاميد، ولكل من كان معنا برحيل الياسمينة، روحا وحروفا ومشاركة في بيوت العزاء الخمسة التي فتحت لتقبل العزاء، بين عمّان وجيوس وجنين ورام الله وطولكرم، وإن كنا أنا وأسرتي وعشيرتي لنعجز عن الشكر لكل هذه المشاعر التي غمرتنا فخففت عنا بعض من مصابنا.
**
وداع الأم الياسمينة
إلى الفلسطيني زياد جيّوسي
بقلب الأم كنا نحتمي
من وخزِ ضَيْمِ المقصلة
يسير الفجرُ في درب الندى؛
والزهرُ يروي هائجا
يومًا مليئا بالحصاد.
هكذا الصبحُ المضيئُ الصواري
فيك رام الله :
نمشي إلى ما يملئُ الفنجانُ
من قهوةِ الأمٍّ الفلسطينية خيالَ المقاتل؛
تبارَكْنا على خبز ٍ من الأيدي
التي استكملت تدريبها
في نثر ألوان السنابلْ
قبل تهجيرِ الأناشيد
عن ألحانها في نكبةٍ
تهيئُ للصباح
المستباح بقبعات الجند
حكمة َ قلبِ أمّ
للمثول أمام باب السجن؛
تعتمر الأحاديث المليئةِ بالوطنْ
والأغنياتِ عنْ شجرٍ
ينادينا لمعركةِ الفلسطيني على عِنَبِهْ
فنصيح يا طيرًا سجين َ بلاد أهداب الملائكة ْ:
المواويل التي جمعتْ جفونُ الأمِّ في طرقاتها ،
تهوي على السجناء من خلف الجدار ،
هيَ التي أمُّ البلاد تريدها في قلبنا
حَكَمَتْكَ ناياً للطريق
إلى انعتاق الشمس
من عتبات سجن العابرين.
يصطف ثوار الرغيف الحاملين الحريةْ
في سجنهم خلف الوعود الواثقة؛
والقلب عند الأم :
بستان الحكايا والجريدة؛
نهرُ أحلامٍ لسرد الأغنية؛
والنار في روح القصيدة
يحتويهم بالدعاء القول :
يا إبني لك القلبُ الحنينُ الحبُ والنصرُ العتيدُ
فاصمد مع الأبناء في سرِّ الحكايا
عن بلاد الانتصار
بيروت كانت لون أطياف الخيال
الحادِّ في رفع الحصار؛
والموت لم يعرف تفاصيلا
عن الأم الدؤوبة في بلاد الانتظار العالية؛
تخفي حنين القمح
عند البندقية والتواريخ الثكولة
عند أسباب الحقيقة
والوعود الصامتة للعودة الكاملة.
تعطي دموع النصر
حبرا للقصيدة
في رسوم الابن فرشاة
لعبئ المعركة
تمضي بلا أصفاد الرحيل
الغاصِّ في سفر الهَتَرْ
والإبن يمسي مَرْكِبا
للنجم في حلم الفلسطيني
مَعْرِضًا دون التلكؤ
عن جروح الطفل في رسم الخريطة
وابتكار اللون في صدّ القذيفة
فالحصار استوضح المعنى
عن الحبِّ للسهول
الموغلة في دفئ حيفا
والحكايا عن جنود الصاعقة
عند المناديل الطرابيلسية
كيف تمشي الصبايا على معرضكْ يا بنيّ؟
ياسمينٌ كما أنت في موطن الشوق
في دارنا عند رام الله يا أمي!!!
خلِّيكْ بالأرض.
بأرض الشوق والأزهار
عند الشوك
الذي يبقيه جند الطاغية
حول المخيم
فالقلوب الحالمة؛ أوجاعُها من نيزكٍ قادمٍ
والنجوم الزاهرة تعلو على عبئ الجريمة
والعيون الساهرة لا بد من أن تنتصر
وداعا ياسمين الإخوة الباقون في قلب الرواية
وداعا جذوة الحب المُتَّقِد في ثنايا الملحمة
جيوس سالت في فلسطين الحزينة
دمعَ زهرٍ للتمادي في حنينٍ للأمومة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق