الجمعة، سبتمبر 29، 2006

قيادات، زلم، تبعية وهوية


بقلم الياس بجاني
المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
ما من شك في أن الله لا يغيّر ما ترسب في أعماق الإنسان من مخزون فكر ونمط حياة إلا إن هو غيَّر ما بنفسه، علماً أن الفرد منا يوَّلى عليه من هو على شاكلته ومن طينته. أن مسببات هزائم أي شعب وتهميش إنسانيته وقتل فاعليته ودوره كثيرة ومتنوعة، إلا أن أشدها فتكًا هي آفات الجهل والأنانية والتزلم المقرونة بعقلية التزلف الغنمي والتعصب الأعمى.

كل هذه علل قاتلة ومدنسة للفكر والجسد في آن، وهي ما إن تتفشى في مفاهيم أي شعب وممارساته حتى تقطع أوصاله وتشتته، تزرع الغيرة والحقد والكره والأنانية بين أفراده، تُسخّف قادته وتؤبلسهم، وتضع مصيره ووجوده وأمنه في المجهول.
عللٌ غلالها ضعف وهزال وجودي وكياني، سلب للإرادة، تجويف للمبادئ، نقض للثوابت، تخدير للضمير، عمي بصر وبصيرة، ذمية فاضحة وقبول بطأطأة الرؤوس والتبعية.

يعلمنا التاريخ الحديث، كما الغابر، أن المجتمعات والشعوب التي تمكنت على ممر الأزمنة والعصور من حفظ هويتها وكيانها المستقلين هي تلك لتي حباها الله بنعم الإيمان والرجاء والمعرفة والانفتاح والتواضع والجرأة.

شعوب قادتها ورعاتها ترفّعوا عن الأهواء والمنافع الذاتية المصلحية فكرسوا حياتهم والطاقات لخدمة قضية إنسانهم من هوية وحقوق وتميز وكيان وموقع.
شعوب تقيس ولاءها ومعارضتها لمن توليّه عليها من قيادات ورعاة وسياسيين، بمعايير واضحة المعالم والأطر عمادها الهوية والمصير والكيان والحقوق.
شعوب عرفت ماذا تريد وأدركت، بواقعية، أحجامها والإمكانيات، فعملت جاهدة على تحقيق مآربها والأهداف في أطر المعقول والمنطق، وهي شعوب اختارت، طوعاً وعن قناعة، قيادات حكيمة شفافة تؤمن بقضية ناسها وبحق أهلها عليها وليس العكس.

شعوب وعت محورية الهوية ومكنوناتها فقاومت بعناد محاولات اقتلاعها والتهميش.
شعوب تصدت لمكائد التفكك والذوبان وتغلبت على أنانيتها والأطماع.
شعوب فكرها نير، منفتحة على الآخرين، تحترم حرية الرأي وتقدِّس حق الغير بالاختلاف دون خلاف.
شعوب لا تؤلّه الأشخاص مهما علا شأنهم وعظم بطشهم وازدادت ثرواتهم والنفوذ.
شعوب لا تساوم على حقوقها وعلى ما هو لها، ترفض التهميش، لا تتنازل عن دورها وتلتزم واجباتها والأخلاق.

شعوب رجالها إن قالوا فعلوا، وإن وعدوا وفوا، وإن اعتدي على مجتمعهم والهوية واجهوا بعناد وقاوموا غير مبالين بحسابات الربح والخسائر.
شعوب أفرادها متشبثين في إيمانهم والرجاء، لا يخافون الشهادة للحق والمجاهرة بالحقيقة مهما كان الثمن.
شعوب أحرار الفكر والرأي والقرارات والولاءات ترفض لعب أدوار قطعان الغنم في تعاطيها الشأنين الوطني والإنساني.

شعوب مواقفها ثابتة ومحددة من كل ما يطاول مصيرها والمسارات من معطيات ومطبات وصعاب، وهي ترفض بإباء دور التزلم والاستتباع للغير.
من هنا فقد شكل المجتمع اللبناني المسيحي الأرامي الجذور، وريث الحضارات الشرق أوسطية الثروة، وبفضل إيمانه ونضاله والتضحيات، قضية متكاملة بمكنوناتها من قوم وقومية، أرض وكيان، هوية ومصير، وأشاد بنيان كل هذه الركائز على صخور الإيمان بالله والثقة بالنفس والسعي الدؤوب لحياة حرة كريمة، وهو لم يخور رجاؤه طوال سبعة آلاف سنة من النضال المضني والمرير.

صمد المجتمع اللبناني المسيحي في وجه كل الشدائد والصعاب وقاوم كل من حاول التطاول عليه مقدماً التضحيات الجلل، وبفضل ثبات وصلابة أفراده تصدى للمحتلين والفاتحين والأباطرة فردهم على أعقابهم خائبين مهزومين، وهو نجح في المحافظة على شخصيته المميزة وصون معتقده الإيماني وتشبث بخصائصه الاجتماعية والمعيشية وبنمط حياة اختاره طوعاً وعن قناعة وإدراك. كما نجح في الدفاع عن رقعة الأرض اللبنانية الخيرة والمعطاء التي حباه الله بها فسقاها عرقاً ودماً ودموعاً. أرض قدسها المخلص وأمه العذراء وباركها القديسين والأبرار.

أرض سماها بشيره الحلم وطن ال 10452 كيلومتر مربع، والبابا يوحنا بولس الثاني رأى فيها رسالة وأكثر من وطن.
في منتصف السبعينات شُنت على مجتمعنا حرباً طاحنة شارك فيها العديد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية والأصولية النافذة بغية اقتلاعنا من أرضنا، القضاء على هويتنا وتهجيرنا لإحلال الغرباء مكاننا.

أفشلنا المؤامرة وأثبتنا أننا شعب عنيد في التمسك بحقه مؤمن بهويته وبتاريخه وملتصق بأرضه التي لا يمكن أن يفصله عنها إلا الموت. واستمرت المؤامرة واستمرت المقاومة، وباءت بالفشل كل المحاولات الرامية لزعزعة إيماننا بأحقية قضيتنا وقدسية ‏أرضنا وتميز هويتنا والرسالة.

أن المؤامرة لا زالت مستمرة بقوة وبأوجه مختلفة، وهي تسللت بحرابها والسموم مؤخراً إلى داخل مكونات مجتمعنا، حيث أصابت مكامن فكر وإيمان وممارسات وضمائر العديد من قادتنا ورعاتنا والسياسيين البارزين. نخرت وجوفت مصداقيتهم والوعود، فنقضوا عهودهم وانحرفوا عن مسارات الحق والحقيقة كالفريسيين والكتبة بعد أن امتهنوا الذمية القاتلة في تعاطيهم مع الثوابت فأصبحوا قناصي فرص، وصوليين انتهازيين في مواقفهم والسلوك.

لقد أساء هؤلاء المغربين عن إيمانهم والرجاء فهم ذكاء شعبهم المسيحي اللبناني ووعيه، وأوهمتهم عقولهم المريضة أن بإمكانهم جر الناس وراءهم حيثما يريدون، واللعب على عواطفهم ومخاوفهم والأماني.
إلا أن ظنهم خاب، ففشلت يوداصيتهم وتعرت مرامي ممارساتهم والتحالفات. سقطت أقنعتهم وفُضِحت أطماعهم مبينة حقيقة وجوههم البشعة ومكرها.
إن واجب إحباط وتفشيل مؤامرات وثعلبية القادة والسياسيين الذين انحرفوا فكراً وممارسات وتحالفات، يستدعي من مجتمعنا تثقيف نفسه بما يخص الجذور والتاريخ والهوية والمصير، وتحصين الذات ضد آفات الجهل والخنوع والتبعية. كما يتوجب متابعة مجريات الأحداث بفكر ثاقب وتمييز واع بين الصالح والطالح، الخيِّر والشرير، المفيد والمضر، والحق والباطل.

أما الأهم فهو تعويد الذات على عدم تبرير تصرفات وأفعال أي قائد، سياسي أو مرجع إن لم نكن مقتنعين بصوابيتها طبقاً لمعايير ومقاييس قضيتنا وهويتنا والمعتقد.
علينا وكما الأباء والأجداد التسلح بالتجرد والجرأة والمعرفة في اتخاذ المواقف الوطنية والسياسية والولاءات، وأيضاً في كل ما يتعلق بالمصير، وذلك استناداً على رزمة الثوابت المتوارثة من قيم وتاريخ وعقلانية وإيمان.
واجبنا ترسيخ كياننا وتمتين وجودنا وتقوية تجذرنا والحريات. واجبنا التمسك بدورنا المجتمعي الندي المتساوي بالحقوق والواجبات وعلى كافة الصعد مع باقي شرائح المجتمع اللبناني الثمانية عشرة وفي حمل ونشر وصيانة رسالة لبنان الحضارية.

لقد فقدنا كمجتمع مسيحي لبناني منذ سنة 1975 الكثير من مقومات وركائز صمودنا ووجودنا والضمانات، وذلك بنتيجة تخاذل وأنانية وتهور وغباء الذين وليناهم علينا. أولئك الذين قل إيمانهم وخار رجاءهم وانعدمت قدراتهم على العطاء مما سهل للغير عمليات اختراقنا وتشتيتنا، فاهتز دورنا وتفشت الهجرة بين أفراد قومنا.
إن السلاح الأمضى والأفعل المتبقي لدينا في مواجهة كل ما أقعد مجتمعنا وعطل قدراتنا هو الإيمان المقرون بالرجاء، والمحصن بالجرأة على رذل المسحاء الدجالين والعودة إلى معاجن أجدادنا لنغرف منها المثابرة والعناد والثقة بالنفس.

إن المسلح بعلمه والثقافة، الفخور بجذوره والهوية، المدرك لعراقة شعبه والتاريخ، المطلع على مجريات الأحداث، بوعي وفهم، الشجاع في الشهادة للحق، الرجل وليس "الزلمي" هو سياج الوطن ودرعه الواقي في وجه التعديات والمعتدين.

أما الجاهل للقضية والمتخلي عن الهوية، المنعزل عن مجريات الأحداث، اللامبالي بمعاناة أهله والأوجاع، المساوم على مصير ووجود قومه، الباحث عن أدوار ومغانم على حساب ناسه والوطن، الحربائي بمواقفه والولاءات، المتجابن والملحق غنمياً بقيادات وسياسيين دون معرفة وقناعات، هو مخلوق خاسر لذاته وجاحد بنعم ربه الذي خلقه حراً وعلى صورته.

هذا الإنسان المغرب عن شعبه والكرامات هو شريك في مؤامرة قتل مجتمعه ولا فرق أكانت ممارساته هذه عن وعي أم غباء.
من ينشد الحياة الكريمة له ولبنيه من بعده، ومن يسعى للحؤول دون ذوبان وانقراض مجتمعنا المسيحي اللبناني، ومن لا يرغب في تغيير وجه لبنان وقتل علة وجوده، عليه أن يكون رجلاً وليس "زلمي" بمواقفه والولاءات.

إن "الزلمي" يسير بغباء وطاعة عمياء وراء قادة وأحزاب وسياسيين ومرجعيات وهو يقبل صاغراً أن يساق كالأغنام إلى الذبح دون اعتراض. أما الرجل فهو الحر في فكره، وأرائه، وخياراته، وصاحب الضمير الحي والمواقف الشجاعة.

وفيما الزلم يرتضون العبودية وطأطأة الرؤوس ومسح الجباه على أعتاب الزعامات والنافذين وأصحاب الثروات والنفوذ، فإن الرجال جباههم عالية ورؤوسهم لا تعرف إلا الشموخ والإباء، وهم يمتشقون سيوف الهوية والقضية والكرامات ويدركون أنهم خلقوا أحراراً، وأحراراً سيبقون حتى الرمق الأخير. وترى أين أنت اليوم وفي أي موقع؟ أفي موقع الزلم، أم في موقع الرجال!!!

ومع القديس بولس نختم: "وأَمَّا وقَد أُعَطِينا تِلكَ الخِدمَةَ رَحمَةً، فلا تَفْتُرُ هِمَّتُنا، بل نَرُفضُ الأَساليبَ الخَفِيَّةَ الشَّائنة، فلا نَسلُكُ طُرُقَ المَكرِ ولا نُزَوِّرُ كَلِمَةَ الله، بل نُظهِرُ الحَقَّ فنُوَصِّي بِأَنفُسِنا لدى كُلِّ ضَميرٍ إِنسانِيٍّ أَمامَ الله. (رسالة القدّيس بولس الثانية إلى أهل قورنتس .6-1:4(

عنوان الكاتب الألكتروني
phoenicia@hotmail.com

الاثنين، سبتمبر 25، 2006

لبنان بين خطاب نصر الله وكلمة جعجع


بقلم/الكولونيل شربل بركات
حدثان مهمان توجا تحرك اللبنانيين هذا الأسبوع كان الأول احتفال حزب الله "بالنصر الإلهي" بينما كان الثاني ‏قداس شهداء المقاومة اللبنانية في حريصا. ‏
في الأول ظهر نصر الله لأول مرة منذ إعلانه الحرب على إسرائيل منفردا بقراره الذي تحدى فيه الدولة اليهودية، ‏وهاجم جيش الدفاع الإسرائيلي في عقر داره، ونفّذ عملية "نوعية" خطف خلالها جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية ‏بينما تولت وحدات صواريخه ومدفعيته منع وحدات المساندة الإسرائيلية من التحرك لنجدة الذين وقعوا في الفخ. ‏وأعلن يومها سيد المقاومة أن هذا "الهجوم النوعي"، الذي أطلق عليه تسمية "الوعد الصادق"، نفذ بعد التخطيط ‏الدقيق والمتأني وفي الوقت الملائم، وهو يعتبره نصرا لحزب الله على "العدو المتغطرس". ‏
يومها، وما أن انتهى السيد من إعلانه "النصر المبين" حتى نزلت على لبنان نيران جهنم وحمم براكينها، وبدأت ‏معركة استمرت 33 يوما بلياليها دمرت خلالها قرى ودساكر، أحياء ومجمعات، جسورا وطرقات، محطات ‏كهربائية ومصانع... وقتل ما يزيد على الألفي مواطن دون حساب المقاتلين الذين لم يحصوا بعد. وشرّد من شرّد ‏وتهجّر من تهجّر وغادر لبنان أكثر من مئة ألف من سكانه غير الزوار والمصطافين وأصحاب رؤوس الأموال. ‏وكان أن خسارة لبنان تعادل ما يقرب الخمسة عشر مليار دولار، ليزيد الدين العام وتتوقف الدورة الاقتصادية، ‏ويعاد الكل إلى أجواء الحرب التي كانوا يحاولون نسيانها. ولماذا كان كل ذلك؟ ‏
يقول السيد أن حزب الله أراد أن يحرر الأسرى من السجون الإسرائيلية. ولكن الكل يعلم أن شارون رئيس وزراء ‏‏"العدو" كان قد أهدى حزب الله قبل سنتين فقط، في صفقة تبادل أسرى، حوالي سبع مائة سجين بين لبناني وغير ‏لبناني من جنسيات عربية مختلفة، وذلك بمقابل ثلاث جثث ومعتقل واحد، ودون أن يعرف شيئا عن رون أراد ‏الطيار الإسرائيلي الذي أسر على يد حزب الله. ولم يبق عند إسرائيل بعد هذا التبادل سوى سمير القنطار الذي كان ‏سجن بعد عملية في الداخل قام خلالها بخطف مدنيين وقتلهم بشكل متعمد، كما تقول الصحف الإسرائيلية، وهو ينفذ ‏حكما بالسجن، وقد جرت تلك العملية قبل أن يخرج حزب الله إلى النور.
فهل استرجاع القنطار يوازي كل الخسائر ‏التي تسببتها العملية؟ ‏يقول السيد في المقابلة التي كان أجراها مع تلفزيون الجزيرة بأنه لم يكن يتوقع هذا الحجم من الرد، ويقدر الخبراء ‏بأنه أطلق حوالي 4000 صاروخ على إسرائيل لتستمر بقصفها لبنان، ولكنه لم يتوقف إلا بعد التوصل إلى قرار ‏دولي ألزمهما بالتوقف معا. ‏السيد نصر الله يعتبر نفسه منتصرا في هذه الحرب، وكثيرون يقولون ذلك، وبرأيه تكفيه شهادة الإسرائيليين ‏وانتقادهم لحكومتهم لأنها لم تقدر أن تنهي حزب الله بالرغم من كل الدمار الذي حصل.
قد يكون هذا صحيح ‏بالمنظار الإسرائيلي لأن الشعب الإسرائيلي يعتبر أنه يجب على إسرائيل عندما تقوم بشن حرب ما أن تنتصر وذلك ‏بالقضاء على قدرات العدو ومنع تهديده لها مجددا. فهل تم ذلك؟ ‏حزب الله ينكر أن يكون قد تم لإسرائيل ما أرادت، بالرغم من أن قوات الجيش والأمم المتحدة تنتشر في الجنوب ‏لمنعه من القيام بأي نشاط ضد حدودها. وهي طلبت منع إعادة تسليحه بالصواريخ والعتاد العسكري وتقوم قوات ‏الجيش بمراقبة الحدود مع سوريا بينما تقوم قوات الأمم المتحدة بمراقبة البحر لمنع التهريب. ولكن السيد حسن يقول ‏بأن عدد الصواريخ التي لديه الآن يفوق ما كان يملك، وأن رئيس وزراء إسرائيل أعلن أنه سيبقيه في جحره، كما ‏صدام حسين، ولكنه لم يقدر وها هو قد خرج أمام الجماهير ولم يستطع أحد أن يؤذيه. ‏
إذا كل ما يفاخر به حزب الله هو أن إسرائيل لم تقتل زعيمه بالرغم من إعلانها عن ذلك، وهو لم يتوقف عن رشقها ‏بالصواريخ بالرغم من كل الدمار والقتل والخراب الذي حصل.‏وهنا تجدر الإشارة إلى من "أوقف القصف بالبكاء" (كما قال نصرالله في خطابه) لنتذكر واقعة تاريخية وصفت بها ‏حكمة النبي سليمان، عليه السلام، عندما أتته امرأتان تدّعي كل منهما بأنها أم الصبي، ولا حاجة للتذكير بما جرى، ‏ولكننا نسأل في هذه الحالة التي نعاني منها اليوم، وبالرغم من تجميع الناس وتهييجهم، من هي أم الصبي؟ ومن ‏يخاف على المواطنين وأمنهم؟ ومن صاحب الحق برعاية البلاد؟ هل هو من أغلقت بوجهه كل الأبواب ومنعت ‏الحلول فوقع بين نار "العدو" وغطرسة الغير مسؤولين من أهله فلم يجد إلا الأسى على حال الناس فأذرف الدمع؟ أم ‏من سمح بقتل الناس وتدمير بيوتهم واستمر لا يتنازل عن غيّه إلا إذا قتل هو أو أسكت بالقوة؟ فأين عدالة السماء؟ ‏وأين التشبه بأولياء الله؟ وأين الإحساس بمصائب الأهل؟ وهل يشترى كل شيء "بالمال الحلال"؟ وهل تنفذ ثقافة ‏الحقد على أهل البيت؟
أكثر ما يؤسف له في هذه الهرطقة الجديدة أن يجلس كبار من عندنا في صفوف المصفقين لغطرسة الجهل، فهل ‏ضاعت الأهداف في حماية الوطن، وأمن المواطن، ومستقبل البلاد، وسيادة الدولة، وحقوق الناس، في منصب أو ‏كرسي؟ وهل ذكرّ أحد هؤلاء "سيد" المقاومين بالتفاهم وأوراقه؟ أم أن السير في الركب أنسى الراكب، للأسف، من ‏يمسك اللجام وإلى أين تسر القافلة؟
أما الحدث الثاني فكان قداس شهداء القوات اللبنانية في حريصا حيث ألقى السيد جعجع كلمة حاول الرد فيها على ‏خطاب السيد حسن نصر الله، وقد أحسن في بعض ما قال. ففي موضوع السلاح وقيام الدولة كان واضحا بأنه لا ‏قيامة للدولة مع وجود السلاح في أيدي فئة من المواطنين، وفي موضوع الرهان على إبقاء السلاح بالقوة قال أنه ‏رهان خاطئ، وفي موضوع المراهنة على احتضان الشعب للمقاومة قال أننا نراهن على توق الناس للحرية والسلام ‏والتطور وعلى منطق التاريخ، وقال أيضا بأن أي سلاح لن يرغمنا على التسليم بالأمر الواقع وعدم فرض القتال ‏بالإكراه. ولكن إشاراته لبعض الأمور الأساسية في المشاركة السياسية وحقوق المجتمع المسيحي الذي من المفترض ‏أن يمثله، كانت خجولة، إلا أنها تدل على محاولة للتخلص من وهم الضعف والاستسلام اللذين وضع بأجوائهما ‏أحرار لبنان ومقاوميه الحقيقيين. وهنا تحدث عن التوازن في الحكم ولو أنه غلّفه بالحاجة لتنفيذ اتفاق الطائف، ‏وتكلم عن المساجين في سوريا ولو أنه لجأ إلى تبرير حديثه عنهم بذكر المساجين في إسرائيل، ولكنه حيا بطرس ‏خوند لأول مرة وهي إشارة مهمة يمكن أن تعطي دفعا في موضوع الموقوفين اللبنانيين في تلك السجون.
وهو تكلم ‏عن المهجرين من الجبل وضرورة عودتهم، ولو أنه تأخر بطلب ذلك من حليفه جنبلاط.‏في خطاب جعجع الأول بيوم شهداء القوات اللبنانية، وبعد الحرب الأخيرة المدمرة على لبنان التي تسبب بها حزب ‏الله وعنجهيته، وموقف تيار الجنرال عون المؤيد لهذا الحزب والذي لم يهضمه المجتمع المسيحي الذي يدعي عون ‏تمثيله، كونه أعطاه الثقة يوم وقف بوجه الحلف الرباعي في الانتخابات النيابية الماضية بينما وقف ممثل القوات ‏اللبنانية يومها، المغفور له ادمون نعيم، في عين الرمانة، رمز المقاومة المسيحية، ليقول بأنه عنصر في مقاومة ‏نصر الله. هذا الموقف اليوم هل يعيد تعويم جعجع وإعطائه ثقة الشارع المسيحي الذي يفتش عن رمز يعيد له الحلم ‏بمستقبل له فيه الوزن الذي يستحقه في إدارة البلاد، أم أنه فقد إلى غير رجعة تلك الثقة ولن يقع المسيحيون مرة ‏أخرى في أخطاء الماضي أو يسلموا أمرهم إلى زعامات قادتهم نحو الانقسامات والوهن وفقدان الدور في سياسة ‏البلاد، فلا هي نجحت في قيامة لبنان ولا هي استطاعت أن تنقذ المسيحيين أو تحمي مناطقهم، بالرغم من أنهم ‏أعطوها الثقة ودفعوا لها من أموالهم وفلذات أكبادهم ومن أحلام أبنائهم الكثير.‏
خطاب نصر الله وكلمة جعجع حدثان مهمان في لبنان اليوم بالرغم من أن الأول أخذ وهجا عربيا ودوليا بدون ‏أساس، ولا يزال الثاني يحاول كسب ثقة جماعته وتنظيم البيت الداخلي وتركيز تحالفاته المحلية، ولكن مستقبل لبنان ‏لن يكون ببقاء حزب الله وسلاحه وتطاوله على الكل وتفرده بالمصير، ولن يرسم بدون المسيحيين وهم لن يكونوا ‏‏"شرّابة خرج" لأحد، فطالما لم يخرج عون من وهم ورقة التفاهم التي سجنه فيها توقه للرئاسة، وطالما لم يخرج ‏جعجع من وهم السجن ويثبت بأنه حليف قوي بكل معنى الكلمة وقادر على فرض رأيه في الأمور المصيرية، فإن ‏المسيحيين سيفتشون عن زعامة أخرى أجد وأقدر، ولكنهم لن يسلموا لا لسطوة السلاح المفروض عليهم بالقوة ولا ‏بالطبع للمال المغري الذي يعتقد بأنه يقدر أن يشتري كل شيء.

الأحد، سبتمبر 24، 2006

أسفاً أيها البرتقاليون


غبتم كبارا في "القداس الإلهي"
فبدوتم صغارا في "النصر الإلهي"

عذرا يا روح الشهيد، عذرا يا فخامة الرئيس، يا شهيد لبنان، عذرا ايها "الباش" يا شيخ الشهداء...

الشيخ بشير الجميل... اسم لمع في تاريخ لبنان وكوكب أضاء في سمائه! أعاد أمجاد فخر الدين وطانيوس شاهين ويوسف بك كرم... مختصرا تاريخ لبنان العريق من الامير بشير الى الشيخ بشير...
وهل من يتنكر لذلك؟ هل مَن لم يسمع به؟

نعم، التيار الوطني الحر وكتلة التغيير والإصلاح النيابية لا تعرف البشير ولم تسمع بهذا الاسم من قبل!!.

واعجباه، في الذكرى الرابعة والعشرين لرحيل "الأرز وصنين" لم يحضر هذه المناسبة أي نائب من اولئك الذين يمثلون 75% من المسيحيين! والجنرال طبعا لم يكن هناك.

في ذكرى استشهاد البشير كان الاحتفال هذا العام مميزا وحضره العديد من الشخصيات السياسية، وكثرٌ منهم ممن حاربوا البشير او كانوا في الطرف الآخر! ومنهم من كان في الجبهة المقابلة والخط السياسي والعسكري المعاكس...
كل الاحترام والتقدير لهؤلاء، وكل الأسف والعتب لغيابكم "غير المبرر" ايها البرتقاليون! علما ان غالبيتكم كانوا رفاق البشير وتلامذته وأصدقاءه وربما من أقاربه!

رفرفت راياتكم البرتقالية في الضاحية الجنوبية بخجل ذاتي، وخفقت بحياء واستغراب!...
كذلك جماهيركم التي لبت نداءكم ونداء السيد زحفت إلى ساحات "النصر الإلهي" صاغرة حائرة زحفت لتحتفل بالوهم والخدعة، وتصفق لمن ظلمها وكانوا مساندين وداعمين للذين سجنوكم واضطهدوكم...
زحفت لتهتف لمن أبعدوكم ولمن نفوكم ولمن ساهموا مباشرة في اعتقال شبابكم، والكثير منهم يقبع الآن في سجون حليفة حلفائكم!

فهل وعدكم السيد حسن نصرا لله بتحرير أسراكم؟! وبقية الأسرى ؟ أليست هذه المهمة من مسؤولياته وأهدافه ومغامراته؟ الم يأخذ على عاتقه مسؤولية تحرير الأسرى ولو على حساب لبنان واللبنانيين.
نعم، كان الأجدى بكم ان تكونوا حيث يجب، في الموقع الصحيح، وفي المكان المناسب! هناك..هناك في الاشرفية، هناك استشهد البشير ومات الحلم هناك صلب لبنان وهناك نبتت شقائق النعمان، وهناك فاحت رائحة العزة والكرامة، وانتشر اريج الشهادة ممزوجا بعبق البخور والعنفوان...
عفوك ايها البشير، عذرا لك ولروحك الطاهرة في عليائها.


جورج الياس
كاتب ومحلل سياسي

الجمعة، سبتمبر 22، 2006

السلطات السعودية تمنع الكاتبة وجيهة الحويدر من السفر

جاءنا ما يلي:
تم إستدعاء الزميلة عضو جمعية حقوق الإنسان أولا الأستاذة وجيهة حسين الحويدر للتحقيق في إدارة مباحث الخبر يوم أمس الأربعاء 20 سبتمبر 2006 وقد إستمر التحقيق معها قرابة الست ساعات وقد كان التحقيق شاملا لنشاطات الزميلة وجيهة الحقوقية خلال السنوات الأربع الماضية وقد تم توقيع الأستاذة وجيهة على تعهد بعدم ممارسة أي نشاطات ميدانية أو إلكترونية حسب نص التعهد.
يذكر أن الزميلة وجيهة الحويدر كاتبة تركز في كتاباتها على حقوق الإنسان عموما وحقوق وقضايا المرأة خصوصا غير أن السلطات السعودية منعتها من الكتابة في الصحف السعودية منذ ثلاث سنوات وبعد إنتهاء التحقيق معها يوم أمس توجهت الزميلة وجيهة الحويدر إلى البحرين حيث مقر سكنها وحيث يتواجد أحد أبنائها وحيدا في المنزل وفوجئت بكونها ممنوعة من السفر علما بأن إدارة مباحث الخبر لم تبلغها بذلك وقت التحقيق علما بأنه من المفترض أن تسافر الأستاذة وجيهة إلى النمسا يوم الإثنين القادم لحضور مؤتمر علمي مبتعثة من قبل شركة أرامكو السعودية حيث تعمل الأستاذة وجيهة.
إن جمعية حقوق الإنسان أولا إذ تعبر عن شديد إستنكارها لتتابع الخطوات التعسفية ضد عضو الجمعية الأستاذة وجيهة الحويدر لتطالب الحكومة السعودية بما يلي:
أولا رفع كافة أنواع الحظر على قدرة الأستاذة وجيهة على التعبير عن نفسها وتعويضها ماديا عن سنوات منعها من الكتابة.
ثانيا رفع إسمها من قائمة الممنوعين عن السفر فورا أولا لأن هذا المنع غير قانوني حسب الأنظمة السعودية ومراعاة لظروفها الإجتماعية .
كما أن جمعية حقوق الإنسان أولا تناشد هيئة حقوق الإنسان الحكومية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالسعودية التدخل الفوري لرفع كافة أنواع الحظر على أنشطة الزميلة وجيهة حسين الحويدرجمعية حقوق الإنسان أولا.
في يوم الخميس 28 شعبان 1427
الموافق 21 أيلول سبتمبر 2006

الأربعاء، سبتمبر 20، 2006

الذكرى السنوية الأولى لوفاة الشاعرة اللبنانية بسيمة فخري

عام يمر على وفاة الشاعر الجنوبية القديرة بسيمة فخري، تلك التي غنت الوطن كما لم يغنه أحد من قبل، وأحست بالخطر المحدق بجنوبها البطل، فكتبت ونبهت وأبلت بلاء الأبطال.
قد يطوي الثرى جسد الفقيدة الغالية، ولكن عطاءها، أدباً وشعراً، خالد لا يموت، وها هي شقيقتها، صديقة قراء مجلة ليلى، تزود قراءها بهذه المعلومات القيمة عن أختها الراحلة، ضمن هذا الملحق الخاص:



اسمى نجاة فخرى مرسى أقدم شقيقتى الشاعره بسيمه فخر الدين فخرى الى قراء مجلة ليلى الغراء بمناسبة الذكرى الأولى لرحيلها .
بدأت الشاعره بكتابة الشعر قبل أن تنهى دراستها الابتدائيه , وكان مستوى شعرها يدل على موهبة مبكره ونشرتها فى دواوين ثلاثة " صحائف عربيه " , " أوراق الصبيه " , " خواطر وأشجان "
كتبت بسيمه الشعر العمودى وشعر التفعيله الذى يسمى بالشعر الكلاسيكى المقفى , كما دلت أشعارها على أصالة الانتماء , والوطنيه والقوميه والوجدانيه والتفاخر بالتراث , فقالت فى قصيدتها لأنك موطنى وملاذ قلبى :

لأنك موطنى وملاذ قلبى
ومرتع عزوتى أهلى وصحبى
سأغفر كل ما لقيت مما
نعانى فيه من ألم وكرب
سأغفر هذه الويلاتتترى
وهذا الليل من هلع ورعب
أرى أعداءنا فى خير حال
ونحن الهائمون بكل درب
وكنا أمة أعطت رجالا
عظاما مصطفين لكل خطب

وكأنى ببسيمه تعبر عما حدث للبنان اليوم , وكأنى بها تبكى ما ألم به من دمار وخراب فى حرب أعدى أعدائه السادسه على عمرانه وأمانه , ثم تعود وتقول تعميما فى قصيدتها التى سيراها القارىء فى أعداد قادمه " عصر الطواغيت "

ولكونى شقيقة الشاعرة الراحله , واحياء لذكراها , قمت بجمع دواوينها الثلاث فى ديوان واحد ليوزع على العالم العربى بمساعدة هيئة مهتمه بالشعر فى موطنها لبنان وسيكون مردود هذا الديوان كهديه لهذه الهيئه , للمساعده فى بناء مكتبة وثائقيه فى هذه الهيئه .
**
وقال عنها شقيقها البروفسور بالفلسفة الدكتور ماجد فخري الذي شغل مركز رئيس قسم الفلسفة بالجامعة الامريكية في بيروت سابقاً، ويشغل حالياً مركز استاذ زائر ومحاضر في جامعة "جورج تاون" في واشنطن ، ومؤلف لعدد من الكتب والأبحاث في الفلسفة تُدرّس في الجامعات، وله ترجمة باللغة الانكليزية للقرآن الكريم بموافقة جامعة الأزهر في مصر:

كانت الشقيقة الفقيدة بسيمة فخري تجد في الشعر مَوئلاً من شجون الزمان وتعبيراً عن عواطفها الجيّاشة، وعواطف الحنان والمحبة من جهة، وعواطف الحزن والأسى من جهة أخرى.

كانت قصائدها تنضح بهذين الخطين من العواطف على أحسن وجه. ومنذا يستطيع أن يعبّر على شكلٍ أبلغ عن هذه العواطف في هذه الأبيات التي تخاطب فيها أفراد العائلة؟ بعنوان "لأنتم من أبي":
أهيم بحبكم في كل ناح
كما هام الشميم مع الرياحِ
ويأخذني الغلوّ على مداه
فلا أدري الغدوّ من الرواحِ
جعلت لكم من الأضلاع حصناً
منيع السور ليس بمستباحِ
وفي باب الوطنيات التي نظمت فيها شتى القصائد، تتجلّى موهبتها الشعرية الأصيلة، فهي تقول في احدى هذه القصائد بعنوان: "أيا وطني"
أيا وطني حملتك في فؤادي
ولا أدري إلى أين انتهينا
فلا حبي أقالك من عثار
ولا قلبي استراح كما ابتغينا
مُعبّرة في هذه الأبيات عن الشجون التي تختلج في صدر كلّ وطني أخلص ولاءه للوطن.
أما باب الوجدانيات، فهو حافل بالقصائد العاطفية المعبّرة نذكر منها قصيدة بعنوان "حقل ورد" تقول:
تكون بجانبي وأظلّ أشكو
فكيف إذا بعدتَ وصرتُ وحدي
وترجع فالحياة تعود شهداً
وظلاً يُستظلّ وحقل ورد
جميل أن يعذّبنا هوانا
ويبقينا على جزر ومدّ
مع خالص التحية

**
وكتب الأديب كامل المر رئيس رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا عن (شاعرة من بلادي ) ما يلي:
بسيمة فخري شاعرة من بلادي، وبالتحديد من الزرارية، القرية الجنوبية الوادعة، غيّبها القدر ولم نعرف عنها الكثير. غير أن الدرّ لا يلبث أن يبين ولو بعد حين.
طرقت بسيمة جميع أبواب الشعر، الكلاسيكي منه والحديث، وأبدعت في كل ما كتبت. كل ذلك باسلوب سهل بسيط شيّق ولغة طيّعة.
شعرها "لا عيب" فيه سوى أنه صادر عن قلبٍ مُحبٍ وفكرٍ نيّرٍ وحسٍّ إنساني مرهف:
صباح الخير يا وطني
تمنّى خاطري يوماً

صباح الطير في الفننِ
أراك به بلا محنِ
وعاشت مآسيه فصبّت غضبها على أولئك الذين لا يرون الوطن إلاّ مغانم ومكاسب.
نريد لك الحياة عُلىً ومجداً
فما عرفوك إلاّ أرض نهب

ومن جحدوك في الحرب علينا
وفي أطماعهم معك اكتوينا
والشاعرة التي عاشت مآسي الوطن وعذاباته، عاشت مآسي من نوع آخر، فقد فُجعت بأكثر من عزيز وحاكت في لوعتها لوعة الخنساء.
أما شعرها الوجداني فيستطير وجداً ويتألق شوقاً.
سلوتك، كيف أسلو بعض نفسي
وأغرق في أساي وفي شجوني
هواك ليس هوىً لكنه ألمٌ
محببٌ وعذاب لا يعذبني
أجدني أيها القارئ العزيز، وقد استعنت بكلمات الشاعرة للتعريف بها، قد اعترفت لك، عن غير قصد. أن خير ما يعرّف بالشاعرة الراحلة بسيمة فخري، طيّب الله ثراها، هو ما تركت لنا من نتاج فكرها النيّر وأدبها الرفيع، الذي جمعته لنا في هذا الديوان مشكورة، شقيقتها السيدة الأديبة نجاة فخري مرسي، أطال الله عمرها وأتحفنا بالمزيد من ثمارها الأدبية.
واذا ما أردت أيها القارئ العزيز أن تتعرف إلى نتاج شاعرة الجنوب اللبناني الباسل المغفور لها بسيمة فخري، ولا بد أنك مريد، فلا غنى لك عن التطواف في هذه الرياض الشعرية المجموعة في هذا الديوان.

**
وعن الرأي والرؤيا عند الفقيدة الغالية بسيمة كتب الاديب حسان السعافين ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
تشرق الشمس، فتبعث الدفئ والأمل في البشر، ثم تأفل وتغيب، لكن أثر ضوئها يظل مصدراً للحياة وتنشيطاً للعقل والوجدان.
فان كانت يد المنون قد اختطفت من بيننا شاعرتنا المبدعة بسيمة فخر الدين فخري، وأفلت شمسها. فانها لن تغيب عن قلوبنا وعقولنا. لأنّ ما خلّفته لنا من تُراثها الشعري ونتاجها الفكري والأدبي المتمثل في مجموعة دواوينها الشعرية سيظل خالداً ينهل منه روّاد الأدب ومحبّوه ممن سمت عقولهم ومداركهم، ويجدون فيه المنهل العذب.
إنّ من ينهل من هذا الشعر الصادق التعبير ليؤمن انه أمام شاعرة موهوبة مرهفة الاحساس. شاعرة حباها الله تعالى ثقافة ذاتية عالية، ومعرفة دقيقة بكل ما يدور في عالمها ووطنها العربي، مع قدرة نادرة في إداء المعاني التي تعبّر عمّا يجيش في صدرها. شاعرة تؤمن بكرامة الانسان، وحقّه في الحرية والحياة الكريمة. شاعرة تنفعل بالأحداث التي تمر بوطنها العربي والمخاطر التي تحيق به. يكمن حبه في قلبها ويجري في دمها. انه الحب الذي يصدر عن عاطفة جيّاشة، ينساب في يسر وسهولة، وبمعان واضحة مع بساطة في التعبير.
إنه الشعر الذي يصل إلى قلب القارئ وفكره هو كما قال نقّاد الأدب العربي القدماء: "إن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب".
إن لبسيمة فخري في شعرها اسلوباً تميّزت به عن شعراء العصر المحدثين. فقد أبدعت في كل فن من فنون الشعر وأغراضه. فكان شعراً متميّزاً من حيث شكل القصيدة وموضوعها. فان بسيمة بما وهبها الله تعالى من شاعرية مرهفة وقدرة فطرية على نظم الشعر فجاء شعرها محافظاً على شكل القصيدة العربية الموروث ذات الوزن والجرس الموسيقي مع بساطة التعبير وسهولة في اللفظ الذي وصفه النقّاد العرب بالسهل الممتنع.
أما من حيث الموضوع، وما طرقته من أغراض الشعر كالفخر بأرومتها وعروبتها، والرثاء الصادق لكل عزيز رحل الى الآخرة. وكان لها الباع الطويل في المدح الذي خصّت به كل من هو جدير به من أحرار أبناء العروبة وثوّارها: كالزعيم جمال عبد الناصر.
كما جاء شعرها في الغزل رقيقاً حلو الألفاظ عفّ المعاني.
لقد كان شعر بسيمة كله متميّزاً بالجودة والاحكام والاتقان زينته الألفاظ الرقيقة الواضحة، مع الاحكام في معانيه وتهذيب حواشيه، والعناية الفائقة بجيّده والنأي عن رديئه.
ندعو إلى الله تعالى أن يتغمدها بواسع رحمته ومغفرته، وأن تكون في جنه النعيم مع الأبرار الصالحين.

**
أما عن الذكرى والذاكرة فقد كتب الشاعر خالد الحلي في جريدة التلغراف ـ سيدني ما يلي:

بسيمة فخري شاعرة من جنوب لبنان كرّست شعرها لمعانقة الخير والوطن والحق والانسان.
تحل هذا اليوم الثلاثين من شهر ايلول "سبتمبر" 2005 ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل الشاعرة بسيمة فخري التي كانت شاعرة معطاء كتبت الشعر العمودي وشعر التفعيلة، وعبّرت في قصائدها بصدق وإصالة عن الكثير من الهموم الوطنية والقومية والانسانية.
ونحن نكتب هذه السطور يقفز إلى اذهاننا ما دونته شقيقتها الأديبة والصحافية نجاة فخري مرسي في شكرها لمن عزَّاها برحيل شقيقتها، حيث ذكرت انها مع شدة ألمها عن فقد شقيقتها، وشعورها بالواجب تجاهها قد خجلت من نفسها أن تقيم لها العزاء في استراليا، لأن الشاعرة الراحلة بكت وابكتنا في أشعارها على الشباب والاطفال العرب الذين يقتلون كل يوم بالعشرات، وتسيل دماؤهم في شوارع العراق وفلسطين.
أما الديوان الأول "صحائف عربية" والذي أهدته إلى ذكرى والدها الراحل فخر الدين فخري، فقد ضمّ 95 قصيدة كتبت بين عامي 1952 و1990 ، وجاء بينها 12 قصيدة فقط من الشعر التفعيلة وكانت الكفة الراجحة في الديوان للقصائد القومية والوطنية.
لقد ولدت الشاعرة الراحلة في قرية الزرارية جنوب لبنان، ونشأت في أسرة أدبية ووطنية مشهود لها بعطائها الشعري والوطني. وكان والدها المرحوم فخر الدين تامر فخري الذي رحل عن تسعين عاماً سنة 1968 شاعراً متميّزاً، وقد أمضى حياتاً حافلة في النضال الوطني والقومي وعمل الخير وخدمة المجتمع.
أصدرت الشاعرة الراحلة ثلاثة دواوين شعرية، وتركت بعد رحيلها قصائد كثيرة لم تنشر بعد.
نقرأ في ديوان "أوراق الصبية" 126 قصيدة كتبت بين عامي 1954 و 1991، وجاء بينها 30 قصيدة من شعر التفعيلة، فيما جاءت القصائد الأخرى من الشعر العمودي. ولكن مع اختلاف الاشكال التعبيرية لقصائد الديوان، فان جميع القصائد جاءت تنضح بالحس الوطني والقومي العالي، وتتشرب بحب الخير والجمال والحياة والحق والحقيقة. وفي إطار هذا التنوع الغني بمشاعره وقدرته على التعبير، جاءت قصائد الديوان لتكمل بعضها البعض عبر تناغم يعكس صفاء الروح ونقاء الفكر وسمو العواطف وإباء النفس وكرم المحتد.
ومن الديوان الذي حمل عنوان "أيا وطني" نقرأ إحدى وعشرين قصيدة مكرسة للبنان تمجد تاريخه الأغر ووحدته الوطنية وتراثه الثري، وترسم نجوماً وضاءة في سماء مستقبله، وتجسد الاحلام والتطلعات الخيرة للمقيمين والمغتربين ولكل من يحب لبنان، وفي قصيدة لها بعنوان "لبنان" كتبتها عام 1980 تقول:

لأنك موطني وملاذ قلبي
ومرتع عزوتي أهلي وصحبي
سأغفر كل ما لاقيت مما
نعاني فيك من ألمٍ وكَرْبِ
سأغفر هذه الويلات تُترى
وهذا الليل من هلع ورعبِ
أرى اعداءنا في خير حالٍ
ونحن الهائمون بكل دربِ
وكنا أُمةً أعطت رجالاً
عظاما مصطفين لكل خطب
وبالانتقال إلى ديوانها الثالث "خواطر وأشجان" الصادر عام 1998 والذي ضمّ مائة قصيدة، نجد انه جاء أكثر غنى وتنوعاً وتطوراً. لقد كان الصدق وصفاء السريرة ونبل الروح واصالة النبع والمسار.
كان ذلك كله يشكل قواسم مشتركة تربط بين قصائد الدواوين الثلاثة في كل واحد، يتوهج باصالة تأبى الانطفاء ما دام هناك شروق شمس وبزوغ قمر.

**
إهــداء الشاعرة
لذكرى والدها فخر الدين فخري

القائل سنة 1925

أنا سوري
وأصلي عربي
ولقحطان تسامى نسبي
!ن تديّنت فديني وطني
أو تمذهبت فقومي مذهبي
شبتُ والشّيب نذير للفنا

ومضى دور شبابي والغرام
وعفَت نفسي أيّام الصبا
وادكاري عهد هند أو عصام
لا ظبا نجد ولا آرامها
قد صبت قلبي ولاغيد الشآم
إنما وجدي على مجد هوى
وهوى أهلوه من أعلى مقام
**
وها نحن نختار من أشعارها قصائد أبكت الحرف بها على وطنها الغالي لبنان، وعلى باقي أوطانها العربية، ونعد قراءنا الأعزاء بأننا سنعمل على نشر قصائد الفقيدة الغالية في أعداد لاحقة، ليبقى ذكرها خالداً، وهو بالطبع خالد، طالما أنها خطت مثل هذا الجمال الشعري:

أيا وطني

أيا وطني حملتك في فؤادي
ولا أدري إلى أين انتهينا
فلا حبي أقالك من عثار
ولا قلبي استراح كما ابتغينا
فماذا بعد والأيام تجري
تدوس سنابك البلوى كلينا
وحار بك الأساة فما عسانا
نقدم للسقيم وما لدينا
لقد أوليت أمرك دون حدٍّ
لرهط العابثين كما رأينا
سنيناً ظلّ ساحك مستباحا
لهم حتى رزحت أذىً وشينا
نريد لك الحياة عُلىً ومجداً
ومن جحدوك في حرب علينا
فما عرفوك إلا أرض نهب
وفي أطماعهم معك اكتوينا
أيعقل أن تظل على الليالي
سبيتهم ولو نحن ارتضينا
وخان الحظ جولتنا وعادت
رياح الشرّ تهدم ما بنينا
ولم نرَقَ إلى مجد دعانا
الى حلمٍ تفلَّت من يدينا
ولم نحمِ مسارك من جحود
ولا قمم الشّموخ بك ارتقينا
سيأتي من يكون على يديه
إعادة وجهك الصّافي إلينا
حماة الدّار لا ندري بحالٍ
اذا عزموا متى يصلوا وأينا؟
1985
**
لبنان

لأنك موطني وملاذ قلبي
ومرتع عزوتي أهلي وصحبي
سأغفر كل ما لاقيت مما
نعاني فيك من ألمٍ وكَرْبِ
سأغفر هذه الويلات تُترى
وهذا الليل من هلع ورعبِ
أرى اعداءنا في خير حالٍ
ونحن الهائمون بكل دربِ
وكنا أُمةً أعطت رجالاً
عظاما مصطفين لكل خطب
أليس محمد منها ومعها
تحدّى الكون من شرق لغرب
وارسى للعدالة فوق صخر
وللأخلاق ما يحيي ويُنبـي
رسالته بها بقيت وسادت
بما حملته من خيرٍ وحب
**
فتية الغد الوضاح
يا فتية الأمل الصّباح أراكمُ
كالنّور في قسمات كل صباحِ
لما دعى داعي الجهاد تسابقت
خطواتكم نحو الغد الوضّاح
لقنتموا الباغين درساً قاسياً
وفديتموا لبنان بالأرواحِ
نمنا وأنتم ساهرون وليس من
ناموا كمن سهروا بـيوم كفاح
تلك الأماليد التي سقطت على
درب الشهادة في رضى وسماح
مَنْ غيرها أَحرى بأن نحني له
هاماتنا ولذكرها الفواح
أعطت عطاء الخيّرين وأجزلت
لتكون شُعلة ثورة وفلاح
سنظل نذكرها ولو طال المدى
سيّان في الأفراح والأتراح
1976

**
بـيروت يا ريحانة
بيروت يا ريحانة ريّانة تموت
يا نجمة المرجان والجمال والياقوت
كيف استطاعوا أن يجزُّوا الزّهر في ريعانه
وأن يصدّوا الطائر الغريد عن أفنانه
أن يحجبوا جمالك الفتان بالدخان
ويصبغوا خدّيك بالدم البريء؟
وهل يعود أو يفيء
للحقّ للعدالة الانسان
يا قبلة الفؤاد يا بيروت
**
إن الحق منـتصر
مضت ولكنّها في خاطري أبداً
أيام غزوهم الموصوم للأبدِ
مضت ولكنها في القلب قائمة
كلفحة النار في الأحشاء والكبد
أيام كان على أنيابهم أثر
من لحم أطفالك الرّيان يا بلدي
جاءوا غزاة رياح الشر تحملهم
مدججين بحقد الجبن والعِقَدِ
جاءوا بطغيانهم أين الوحوش إذا
رأيت ما فعلوأ بالأهل والولد
يشوّهون مغانينا بما حفلت
ويهدمون الذي شدناه عن حسد
**
هموم الأوطان
إلامَ يظلّ في جنبيّ نار
وفي كبدي جراحات تسيلْ
وعينٌ لي كأنّ بها سحاباً
له في كلّ آونة هطولْ
وأيام كأيام الأسارى
وليل كله حلم ثقيلْ
كأني والصفاء على عداء
تحكَّم لا يحول ولا يزول
هموم فوق محتملي وطوقي
وآلآم تميل كما أميل
وأوطان تنازعها طغاة
لهم سِيَرٌ لها شرح يطول
شياهٌ عند إحراز المعالي
وعند المغنم الذاتي فحول
لقد شَقِيَتْ بأيديهم وهانت
وخيَّم فوقها ليل طويل
1982
**
تحية يا قرية الهناء
لقريتي
البعيدة المزار
العفيفة القميص والأزارْ
صبابة مشبوبة الأوار
ما بردت ليلا ولا نهار
لليلها المكحل الجفون
ونجمها المسهّد العيون
وشمسها الوديعة الحنون
وصبحها المذهب الإطار
لزهرها المنمق الصغير
المحبب الأريج والعبير
يلمّه تمّوز في غرور
ينشره نوار في انتصار
لضيعة ضائعة الحدود
حرّاسها الزمان والوجود
موالها المفضّل الوحيد
تسبيحة الحسّون والكنار
تحيّة يا قرية الهناء
يا واحة الحنان والصفاء
من خافق دقّاته رجاء
تبقين ما تعاقب البقاءْ
**
من وراء البحر (رسالة من مهاجر)

هل ليلنا إلا سهادْ
ونهارنا إلأ دموعْ
وفراشنا إلا قتاد
أفهل يطيب لنا هجوع
ليكاد يسلبنا الرشاد
طول الحنين إلى الربوع
ما حال أهلينا وما
يجري هناك من الأمور
وهل المنازل والحمى
والصحب يغمرها السرور
هل شرفتي بقيت كما
كانت تظلّلها الزهور
أو هل بنافذتي ارتمى
قمر تلكأ في الظهور
وشجيرتي هل بكّرت
أزهارها وطيورها
وجنينتي لما درت
نوّار جاء يزورها
أتَزَيَّـنت وتعطرت
وسرى عبير عطورها
أم أطرقت وتحسَّرت
وبدا ذبول زهورها
لم يبقَ غير الذكريات
تظل تلفح كالسعير
سنضيع ما بين البلاد
وليس من يدري بنا
وكأننا بين العباد
غرباء لا وطن لنا
حكامنا بلغوا المراد
من الوجاهة والغنى
نحيا بلا أمل ولا
نرجو لغربتنا مآب
ونظل في حزن على
وطن يسير إلى خراب
1952
**
أجل أيتها الفقيدة الغالية، إن الوطن يسير إلى خراب كما ألهمتك السماء عام 1952، ولكنه لن يموت، وسيبقى صامداً يتطلع باعين محبته إلى أبنائه أينما كانوا.. فنامي في أحضان الخلد، لأنك خالدة أبد الدهر.

السبت، سبتمبر 16، 2006

صفحة هدلا القصار


لقراءة جميع مقالات الكاتبة انقروا على اسمها الموجود في أسفل هذه الصفحة على الجهة اليسرى:

الأربعاء، سبتمبر 13، 2006

ذكرى البشير: قادة أقزام ومسؤوليات جسام


بقلم/الياس بجاني
أثبتت الطبقة الحاكمة في لبنان، ومن ورائها الطغمة السياسية بكل تلاوينها الحزبية والمجتمعية، الإقطاعية والدينية، العلمانية والأصولية، وأيضاً المقاومتية والشعوبية، أنها عاجزة عن التصدي لتحديات المرحلة الاستقلالية الراهنة التي تلت انسحاب الجيش السوري المحتل وخروجه المذل من لبنان على وقع أقدام شباب ثورة الأرز.

طبقة أثبتت أنها عاجزة بالكامل فكراً وعلماً، منطقاً وتنظيما،ً وإيماناً ونوايا، وكان جلياً هذا العجز الفاضح والناطح قبل وخلال وبعد الحرب العبثية التي شنها حزب الله الأصولي على إسرائيل وتسببت بما تسببت من كوارث وضحايا وخسائر وسقوط أقنعة.

والسؤال لماذا كل هذه الكوارث الرهيبة، ولماذا كل هذا الانحدار المشين، ولماذا كل هذا التخلي عن الحق والتجابن في الشهادة له؟
أليس لأن الذهنية الإقطاعية والدكتاتورية مهيمنة على العقول والنفوس، ولأن الكثير من الناس توالي وتعارض على خلفية الجهل والتبعية الغنمية؟

إن اللبناني العاقل المتنور بالحكمة والمنطق، وصاحب الضمير والثوابت الوطنية والأخلاقية يجب أن يرفض السير الغنمي وراء أوهام وأطماع وغرائز زعامات وقيادات ومرجعيات نرجسية تفتقد إلى كل مقومات الأحاسيس البشرية، وهي لا وجود في قاموسها للحريات والحقوق والديموقراطية واحترام الرأي الآخر.
اللبناني المؤمن بقضية وطنه ومواطنيه والحقوق، وليس بهالة قيادات وزعامات عليه أن يزدري بامتياز كل منطق قطعان المواشي وممارسات الحكام المسوخ، ويحتقر كل حربائية ودجل الطبقة السياسية الكوارثية التي بليَّ لبنان بموبقاتها وكفرها والهرطقات.

إن المتتبع لمجريات الأمور والراصد لمواقف وأفعال الممسكين بقرار البلد حكاماً ومعارضة وفي شتى المواقع لا بد وانه مدرك تردِّي الأحوال على كل الصعد ومتلمس شعور الأحرار من شعبنا الرافضين طبقة سياسية نتنة، وطغمة حاكمة منبثقة منها، وهم بأسى يتحسرون على ضياع فرص استعادة الدولة القادرة والعادلة التي طالما منوا النفس بها.

فالناس لا تسمع من الحكام والموالاة والمعارضة سوى الكلام العكاظي يلقى على عواهنه، في سجالات إعلامية مسرحية مملة ورتيبة، وهم مجوا جولات الشتائم العقيمة التي لا نهاية لها، فيما حدود البلد بجنوبه وبقاعه وشماله مشرعة للأغراب وشذاذ الأفاق، والدويلات والمربعات الأمنية تزداد قوة ونفوذاً على حساب سلطة الدولة، والعصبيات الفئوية تحتدم، والفساد يستشري، وعجز الخزينة ومعه عبء الدين العام يزداد ملايين ومليارات، والانقسامات السياسية تستفحل، ومعضلة البطالة تتفاقم، والأزمة المعيشية تتصاعد، وحركة الهجرة نزيف مستمر وقد بينت الدراسات والتقارير الأخيرة أن ما يقارب الربع مليون لبناني قد رحلوا عن وطن الأرز خلال وبعد حرب الـ 34 يوماً العبثية.

أما أخطر ما نتج عن هذا الواقع المذري فهو كفر الأشراف والأحرار بالحكام والسياسيين، معارضة وموالاة على حد سواء، إضافة إلى حال إحباط مأساوي وانحداري عام حيث لم يعد يتبين المواطن أية بارقة أمل أمامه بمخرج وشيك من الأزمة المستحكمة.

إن ما يحز في النفس ويزعج ليس تحجر عقول وعفونة ضمائر كتبة وفريسيين وعشارين ومهرطقين من أهل السياسة الأتباع والحواشي وأصحاب الشعارات العروبية الوهم، والمقاومة الدونكشتية، والماركسية الساقطة، والأصولية المجرمة، ومعهم ربع المعالف والسفارات.
فهؤلاء والشهادة لله، تاريخهم مخزي ومعروف، في حين أن حاضرهم والمستقبل لن يكونا بحال أفضل، فمن شب على شيء شاب عليه.

بل إن ما يحزن، ويؤلم ويحبط بالفعل، فهو الجنوح الفجائي المبهم والغير مبرر لقادة سياديين وثق الناس بهم، رأوا فيهم صورة المخلص، صدقوا طروحاتهم والشعارات، ضحوا في سبيل رفعتهم بكل ما يملكون. سُجنوا من أجلهم واضطهدوا، أفقروا وهجروا، وفبركت لهم الملفات القضائية.

قادة ساندهم الناس الأحرار ونظيفي الكف طوال سنين حقبة العذاب والغربة على خلفية أنهم شرفاء، أتقياء، أحرار ضمير وأصحاب قناعات راسخة، ومنزهين مترفعين عن المصالح الشخصية والمنافع. فإذا بهؤلاء وبعد أن وضعهم الناس في صدارة المسؤولية وسلموهم صكوك التوكيل ينقلبون فجأة على أطروحاتهم والوعود وينكصون بما أبرموا من عهود.

بين ليلة وضحاها انتقلوا من قاطع إلى آخر، وظهروا بوجوه وأشكل لم يألفها فيهم الناس.

المطلوب من هؤلاء الذين جرفتهم الأمواج وأبعدتهم الرياح عن الشطآن، المطلوب صحوة ضمير صادقة، مراجعة ذات ثاقبة، اعتراف بتعثر خيارات خاطئة، اقتناع بضرورة تعديل مسارات منحرفة، سرعة وقف غزوات ملجمية، ولجم لنزوات وغرائز قبل فوات الأوان!!!

يبقى أن حسابهم إن لم يتعظوا ويرتدوا، ورغم استعمالهم الرخيص كل أساليب الترهيب والترغيب، والانخداع والخداع سيكون عسيراً عندما تأتي الساعة، وهي لا محالة آتية وعلاماتها والتباشير لاحت هنا وهناك وهنالك.

أن الضباب سينقشع، والهالة ستزول، ستسقط الأقنعة، والَّذي نَقولُه اليوم همساً وبخجل حفاظاً على كرامات ومقامات وتاريخ وعطاءات، سينادي بِه الناس ونحن معهم من على السُّطوح، وعندها يكون البكاء وصريف الأسنان.

اليوم ونحن نتذكر استشهاد الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل ونستلهم من نضاله العزيمة والإيمان والثبات، نلفت من ضعفت ذاكرتهم، قل لإيمانهم، خاب رجائهم وأعمت بصائرهم الأطماع الذاتية، نقول إن مَن لا يَحمِلْ منهم صَليبَ لبنان والشوك، ويتحسس عذابات شعبه المقهور، ويتنسك في محراب قضيته والهوية، فهو لَيسَ أَهْلاً لتبؤ سُدَّة القيادة، و"يلي بيشلح تيابو بيبرد" ومن هو فاتر ومتقلب في مواقفه والممارسات سيبصقه الناس لا محالة!!

كندا في 14 أيلول 2006

**الياس بجاني/الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
عنوان الكاتب البريدي
phoenicia@hotmail.com

الاثنين، سبتمبر 11، 2006

مجرد لمسة يا إلهي


حسن عبدالرزاق
دروب
ماذا تنتظر ؟! النصف الاهم من جسدها بين يديك ..لا يفصلك عنه سوى عبير فستانها الاحمر.(( لا.. قد يراني احد))السوق برصيفيه مزدحم .. وعيون الرجال ملتصقة باعالي النساء .. لا رجل ينظر إلى ما تحت النهود .. والنساء بين عيون لعوب تشاغل الرجال وعيون خجولة زائغة صوب البضائع .. وحين تلمس الردفين فسوف لن يراك احد . (( اخشى إن تزجرني )) تزجرك ؟؟؟؟؟ الا تسمع صوتها وهي تكلم البائع ؟؟ الاتسمع هديل الحمام ؟؟ امراة كهذه إن صرخت مرة فسوف تتمزق حنجرتها كخيوط الحرير. ثم.. ثم لماذا اصبح عقلك بليدا إلى هذا الحد وما عاد يتفنن كالسابق؟ مد يدك والمسها واذا التفتت غاضبة فتعلل بالسهو وقل لها عفوا وسوف تتقبل منك ذلك إن كانت رافضة حقا . (( امر محير حقا)) لا حيرة اطلاقا .. انت تتجمر الان وفحولتك بدات بالتوثب .. وفي الليل .. عند فراشك الخالي سوف تشتاق لطعم اللمسة . المس بسرعة .. اغتنم الفرصة .. هي تريد ذلك .. ثق انها تريد والا لما حشرت جسدها بينك وبين واجهة الدكان.
*
نهضت ذراعه من حضنه وصعدت بحركة لص جبان إلى منتصف جسد الامراة المتبضعة ولامست التكور ثم عادت
إلى مكانها وصرف هو نظره إلى الجهة الاخرى وحصل كل هذا في ثانية واحدة فقط.
كل هذا حصل في لحظة كان بامكان الحظ إن يجعلها تمر بهدوء وتنال رجولته غنيمة سوف يتباهى بها حين يقص قصته السريعة هذه على احد ما من اصحابه في المساء. لكن الحمامة الرقيقة ذات الحنجرة الحريرية التفتت نحوه بعيني قطة متنمرة وبقوة طلقة منفعلة سددت نحوه بصقة مركزة اعقبتها بعبارة (كلب حقير) وبسيل من الشتائم انتشر على كل افراد عائلته.
*
حين اكملت جولتها معه ومضت لم تكن كرامته المهانة هي التي جعلت صدره يرتجف من الخوف .. ولا النظرات المتوعدة لصاحب المحل الذي جاوره منذ ست سنوات . وانما تدهور سمعته في السوق الذي اغتنى منه.. فبعد الان لن يقدم احد على الاطلاق بمنح صدقاته لمتسول كان الكل يراه جديرا بالرحمة لانه معوق حرب مبتور الساقين.

الياس الزغبي: ابتعادي عن التيار الوطني الحر خارجي وداخلي


راغدة بهنام
صدى البلد
بعد أكثر من عام على خروجه من التيار الوطني الحر، ظهر القيادي السابق في التيار الياس الزغبي في اجتماع 14 آذار الاخير، في اعلان واضح لانتمائه الرسمي الى هذا التجمع. الزغبي الذي شارك للمرة الاولى في اجتماعات 14 آذار بصفة شخصية مستقلة على حدّ قوله، يعتبر من أهم رموز “ثورة الارز” وكان من العناصر المنظمة المتواجدة بشكل شبه دائم في اعتصامات “ساحة الحرية” التي انطلقت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الزغبي الذي كان الناطق الرسمي باسم التيار الوطني الحر لفترة طويلة قبل عودة زعيم التيار ميشال عون من فرنسا، يقول بأنه هو من طوّر الافكار السياسية والعقائدية للتيار طوال فترة غياب قادئه، حيث كانت حركة هذا التيار محصورة فقط بالتظاهر والاعتصام تحت شعار : “حرية سيادة استقلال”. “الانضمام الرسمي” الى 14 آذار والذي جاء متأخرا نوعا ما وحظي “باجماع ولهفة من الافرقاء كافة”، على حدّ قول الزغبي، طرح اسئلة كثيرة عن توقيته وأهدافه وأسبابه. فهل هو انتقام من التيار الوطني الحرّ الذي أٌقصاه منذ عام وثلاثة أشهر، أم انه وجود انتماء طبيعي الى المكان الطبيعي؟ “صدى البلد” التقت الزغبي، ومعه كان هذا الحوار :
ب ما سبب ظهورك العلني في الاجتماع الاخير لـ14 آذار بعد أكثر من عام على انطلاق هذا التجمع؟
ولا لحظة كنت متخفيا كي أظهر علانيا وجهي السياسي معروف ونهجي السياسي مكشوف وخياري الوطني واضح. أنا لم أظهر فجأة في 14 آذار بل كنت دائما في صميمها وفي معناها الوطني العميق. بالنسبة اليّ هذا التجمع لم ينشأ في 14 آّذار 2005 بل نشأ منذ انطلاق الحرب على لبنان. 30 عاما من نضالي السياسي والفكري تجسد في هذا الخط وأفكاري التي هي أفكار 14 آذار كنت اعبر عنها من دون المشاركة في الاجتماعات، لانني لم أشأ المشاركة من دون ان يوجهوا اليّ دعوة. 14 آذار تشكل حالة وطنية متراكمة ومستمرة في الزمن اللبناني السياسي الحديث وبهذا المفهوم انا لست سوى عامل بسيط في ورشة البناء الوطني هذه.
ب لماذا كنت مبتعدا عن 14 آذار طوال هذه الفترة
ابتعدت لسببين، الاول متصل بي فأنا كنت بحاجة الى مسافة زمنية كافية لاثبت مدى تطهّري من آثار سلبية في الظروف السابقة واثبات فسحة استقلاليتي السياسية. اما السبب الثاني فيعود الى حركة 14 آذار نفسها لانها على مدى سنة ونصف عانت من ضغوط هائلة أخطرها كان أمنيا من خلال الاغتيالات التي تعرض لها بعض أفرادها، وبعضها كان داخليا من خلال بعض التراخي في الاداء وفي تكوين جسم سياسي متماسك. اما الآن وقد تحقق السببان فانا اشارك من موقع مستقل ومنخرط في الوقت نفسه في منظمة 14 آذار التي تقوم راهنا باعادة تقويم اداء سنة ونصف وتزخيم ادائها وتفعيل اهدافها من خلال النتائج والخلاصات التي انتهت اليها الحرب الاخيرة.
ب قلت السبب الاول شخصي، فهل كنت تنتظر ان تسوي علاقتك من جديد مع التيار الوطني الحر او انك أعطيت لنفسك فسحة لتقرر اين تريد ان تكون ؟
تجربتي السابقة كمسؤول في قيادة التيار الوطني الحر كانت غنية ولست في صدد مراجعتها بحد ذاتها لانها كانت ضرورية وفاعلة في زمنها. وبالطبع لست نادما عما قمت به في تلك المرحلة لانه يندرج في سياق الهدف المركزي نفسه. فأنا قررت منذ وعيي الاول على السياسة اللبنانية ان التزم اهدافا واضحة ولا يهمني الموقع الذي من خلاله أخدم هذه الاهداف. فأنا بهذا المعنى أساوي نفسي عبر محطات ومراحل النضال السياسي والوطني.
ب هل تقصد انك لست أنت الذي تغير بل أن غيرك من تغير؟
هذا هو الواقع. فالرأي العام يدرك جيدا انني لم أغير أبدا في خطابي السياسي وفي الاهداف الكبرى التي أسعى اليها كمواطن لبناني حرّ. أما المواقع الاخرى فمن شأنها ان تحدد خياراتها وأنا لا الزم نفسي الا بالخيارات التي اعتبرها سليمة ومنسجمة مع ماضي وحاضر ومستقبل عملي في الشأن العام.
- يٌقال انه عندما لم يرشح العماد ميشال عون الياس الزغبي الى مقعد انتخابي في المتن وفضل ترك المقعد فارغا، حصل الخلاف بينكما.
أنا اتفهم جيدا خلفيات هذا السؤال وهو ربما يكون مشروعا لدى الرأي العام خصوصا بعد الترويج له، أما الواقع فمغاير تماما. المسألة ليست مسألة مقعد نيابي في المتن أو سواه، انها مسألة خيار وطني وسياسي. وافتراضا لو كنت اليوم نائبا في كتلة العماد عون وعاينت هذا النمط السياسي وهذا الانقلاب على الذات لكنت بارحت موقعي بدون أي ندم. فبالنسبة اليّ ارضاء القناعات أهم بكثير من الاحتفاظ بالمناصب أو المواقع.
ب اين رأيت الانحراف في خط العماد ميشال عون، وهل أتى الامر فجأة ام تدريجيا؟
سيأتي الزمن المناسب الذي يمكن ان اجري فيه مراجعة عميقة لكل تلك المرحلة بوقائعها لان واقعة الانفصال لم تكن وليدة لحظة في الزمن السياسي بل نتيجة تراكم على مدى زمني متوسط.
ب هل تعني انه حتى عندما كان العماد عون في ظل حركة 14 آذار، كنت ترى انحرافا في ذلك الوقت في مكان ما؟
لا يمكنني قول ذلك، انما علي ان اراجع كل المحطات منذ الثمانينات وربط الاحداث ببعضها، وربما تكون هذه المرحلة محور تقويم شامل تصدر في كتاب خاص.
ب يُقال ان انضمامك الى 14 آذار في هذه الفترة بالذات جاءت لانك شعرت بأن “نجمك بدأ يخفّ”، ولانك لم تعد تنتمي الى مكان معين بعد ابتعادك عن التيار الوطني الحر؟
ربما توهم البعض ان ظهوري في اطار 14 آذار جاء للتعويض عن موقع سياسي فقدته سابقا. في الواقع الامر ليس كذلك، لانني لم أفقد ملكا ضائعا خصوصا وانني مستمر دائما في التوجه الى الرأي العام من خلال ما أكتب وما أقدمه من قراءات سياسية في وسائل الاعلام. وفي اعتقادي ان موقعا بهذه العلاقة المباشرة مع الرأي العام هو أهم بكثير من أي موقع سياسي آخر. فمن يتصل بالرأي العام على هذا المستوى ليس بحاجة الى أي وسيلة أخرى. وانتسابي المتجدد الى 14 آذار هو استمرار للحضور الذي امارسه أمام الرأي العام.
ب هل تعتقد ان 14 آذار كانوا يمتحنونك، لهذا انتظروا كل تلك الفترة قبل الاتصال بك ودعوتك الى حضور الاجتماع ؟
لا استطيع ان اقيّم نظرة 14 آذار الى ادائي وموقعي السابق ولكنني استطيع ان اؤكد بارتياح مطلق على مدى الاحترام الذي تبديه كل أطياف 14 آذار من دون استثناء. لا استطيع ان انزع من أذهان البعض فكرة الخلفية التي كنت فيها، ونظرة 14 آذار الى هذه الخلفية، ولكنني أؤكد ان المسألة عندي ليست مجرد ردة فعل. انها فعل في حدّ ذاته لانني اتابع النهج نفسه والمسار ذاته في عملي السياسي والوطني، وهي الحفاظ على الحريات الديمقراطية وتحقيق العدالة. فأنا اطمح الى لبنان محيّد عسكريا وأمنيا عن صراعات المنطقة، وهذا ما يحصل الآن تحت رعاية دولية استثنائية.
ب لاي درجة يحزن الياس الزغبي اليوم عندما يرى البعد الشاسع بين اتجاهه السياسي واتجاه التيار الوطني الحر ؟
لا اريد ان انكر مدى أسفي على ما حصل، ولكنني في اعماقي واثق من ان ما بذلناه وزرعناه مستمر في النمو بين حيوية اجيال التيار الشابة، ولا يمكن ان ينبت من البذور الصحيحة سوى الغراس السليمة. لا يزال لدي امل بأن هذا التيار الذي تعبنا عليه واسسناه على القيم والاخلاق السياسية لا يمكن ان ينحرف عن مساره الصحيح. ولا تستطيع المصالح السياسية والشخصية مهما استشرست ان تطغى على المبادئ الاصيلة.
ب تتحدث دائما عن تباعد بين مبادئك السياسية ومبادئ التيار اليوم. ما هي أبرز نقاط الاختلاف الجوهرية
هناك مستويان، مستوى خارجي وهو خطورة انزلاق لبنان بوعي او بدون وعي نحو محور اقليمي سوري ايراني، ومستوى ثانٍ داخلي هو انغماس في لعبة محاور داخلية أو ما يسمى بالثنائية الطائفية، أي مسيحي ; شيعي، وهذا اخطر ما يمكن أن يضرب صيغة الحياة اللبنانية.
ب عون يقول ان علاقته بحزب الله هي من باب تمتين العيش المشترك في لبنان ؟
العيش المشترك يكون مع الجميع وليس مع ثنائية. الثنائية الطائفية تشكل خطرا على الطائفتين، فهي تضرب الاقليات فيهما وتشكل خطرا على صيغة الحياة المشتركة بين مجموع الطوائف. وهنا تندرج خطورة طرح نظرية الثلاثة أثلاث، وهي في مؤدّاها تعني ضرب المناصفة التي يتمسك بها المسيحيون قبل سواهم. وهذه النظرية لا تقل خطورة عن فكرة انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب، الآن وقبل ان يتم ارساء أسس علمية لهذه الفكرة.

الأحد، سبتمبر 10، 2006

جديد نجاح سراج : مسافات لم تدون


نوري الوائلي

عن المكتب المصري للمطبوعات بالقاهرة صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقي المقيم في سويسرا نجاح سراج في 151 صفحة من القطع المتوسط بعنوان ( مسافات لم تدون ) . تتميز المجموعة بنزوع الشاعر لظاهرة التجريب في الكتابة , لذا نرى قصائده تتوزع على أشكال هندسية مختلفة شكلا ومكملة الواحدة للأخرى مضمونا , فهي تأخذ طريقا واحدا تبلطه المعاني بثيمة واحدة أيضا هي ثيمة المنفى التي تتغذى من الفجائع والفراق والانقطاع والحنين إلى الأرض والأحبة , وأحيانا يتناول الشاعر بعض المواضيع الإنسانية الأخرى التي تنثال على محيط المجموعة , كالموت والحياة , الحرب والسلم , كخطين يتنافران في داخل النفس . الثيمة الرئيسية هي موضوع المنفى ؛ منفى بصري بكل ما يحمل من تمظهرات الواقع المؤلم كأعراض فوقية متمحورة عبر طريق متعرج يخترق فضاءات العوالم الإنسانية الخيرة والشريرة , ويعيد الإنسان بحركة قوسية قاسية إلى نقطة البداية في داخل رحلته التي انطلق منها , كتأصيل جواني نشأ منذ ولادته حتى هروبه نحو المجهول الحافل بكل النوافذ إلى الجحيم الدنيوي , وبهذا نقرأ انه كتب معرفا قصائده مبتعدا عن الذاتية والانا في تناولها ؛ بأنها كائنات مسافرة , كتبت في مدن خارج لغة الضاد , ولأنها دونت بحرارة التجربة , فقد منحت صاحبها دفئا رغم برد الكلمة . إذن إنها رحلة المنفى , إنها ( نوافذ , في جانبيها مدن , المساء يطارد أحلامها , والملاجئ خيط عواء ), لهذا يستعير من مخيلته شخصيات تاريخية واقعية عاشت في تلك المدن التي مر بها , كما في قصيدة اليقظة حلم منفي , شخصيات يخرجها من قبورها لتجتمع بين الحدود الفاصلة بين الدول مدونة السقوط الشاقولي للإنسان من أعلى نقطة في مسقط رأسه مقذوفا إلى نقطة بعيدة خارج الوطن متجمعا عند حدود الدول في هروبه المستمر باحثا عن منفذ . الشاعران التركي ناظم حكمت والروائي اليوناني نيقوس كازانتراكس يقومان في عالم الشعري لسراج في كتابة المأساة الإنسانية على حدود بلديهما وحين الانتهاء يعودان إلى قبريهما ,( يخرج ناظم حكمت , من قبره المنفي , ويدخل القبر الذي يضم نيقوس , ويخرجان .. في يديهما حزمة ارواق , ويجلسان , على الحدود يكتبان , قصيدة عارية الاوزان .. مسرحية بلا فصول .. ورواية مفتوحة النهاية , ...الخ) انها صرخة مدوية في أغشية هذا العالم الميت ذات الحاكمية التسلطية التي سرقت الأوطان وسجنتها في قاموس أبدية عاد والفراعنة , في هذه النقطة الحدودية تجتمع جميع الأشكال والألوان واللغات والعواصم في نقطة واحدة , طريق واحد , اتجاه واحدة , في صورة مثيرة ومرعبة ومائزة إلى المجهول لمصور تجريدي انطباعي واقعي رمزي سريالي محترف , كما في حدود مدينة أبصلة التركية المحاذية لليونان , كموضع لهذا التجمع ألأممي المندفع إلى اليونان سيرا على الإقدام لأيام متتالية ممارسا التمويه والتخفي عن أعين العسس المزروعة أشواكا برية في اقرب وابعد النقاط والهواجس الإنسانية المغروسة في صدر الكلمات والأحرف وفي دفاتر الأطفال وألعاب البراءة , فالقصائد هي مسافات بين نقطتين مكانيتين , الوطن والمنفى , وبين هاتين النقطتين ينقل الشاعر عوالم متآكلة في أدق مفاصلها , مصورا الأمكنة والأزمنة على قماش لألم والذكرى , تصورات تتجاسد في قصائد تتمفصل إلى اتجاهات متعددة من المقاطع الحياتية المنسوجة بشاعرية خلاقة.
ان الشاعر يقر من حيث المبدأ ان طريق المنفى هو طريق مقابر( الطريق مقابر, والبقاء احتمال , وبيني وبينك , الخيانة عاهر ) ولكن السير فيه يتطلب روحا قوية وشجاعة ممطرة من سماء الحكمة , وعيونا مبصرة لا تنام , مغايرة تماما للتي تحتضن خيطا من البنسلين لحلم مرضي مزمن لا يشفى , فالخيانة والخداع والجوع والعراء والخوف ,.. كلها قبور مفتوحة تصفر فيها ريح جنون الأخر الخالي من الرحمة والمعتق بمزة النهش والتدمير والبقاء للأقوى , فالمنفى معادلة من لحم ودم , يرسمها السقوط الأخلاقي لحفنة من المعتوهين الرافضين إلى الرأي الأخر, فنجاح سراج يحاول ان ينقل حالة كائن مضغوط بين كفي القضاء والقدر ومدفوع بهذا الطريق الصعب , وهي محاكاة لحالة جمعية لملايين من البشر , كل حالة تشابه الاخرى من حيث الشكل والمحتوى , انها معادلة لا تنتهي محكومة في هذه الحياة منذ بدأ الخلق .
تتميز المجموعة كذلك بتعدد الأصوات في القصيدة الواحدة , وهذا ما يمنحها بعدا دلاليا متنوعا , وتفسيرا تأويليا متعددا , أي تكون هناك أكثر من قراءة للقصيدة حسب تلك الضمائر , وحسب حركة الانتقال بين تلك الضمائر بين المقاطع والاشطر, كما في قصيدة ارجوحة , كما تتميز بعض القصائد بسرد عالم قصصي ذي مضامين كبيرة في قصيدة لا تتجاوز الصفحة الواحدة كما في قصيدة حياة مواطن عادي .
مسافات لم تدون جاءت بعد مجموعة من الكتب اصدرها الشاعر مابين مجموعة قصصية وشعرية , ابتدأ بنشر مجموعة قصصية بعنوان الحافلة ثم تلتها مجاميع شعرية هي ابجدية الصور , نحت قزحي , نصائح ملونة , وهي تتويج لمسيرته الإبداعية لما تحفل من لغة متينة موحية ومواضيع إنسانية خالدة تؤرخ عالما مأساويا كنتاج طبيعي للأنظمة الدكتاتورية والفقر والحروب بكل أصنافها , للشاعر مجموعة شعرية اخرى ضمن منشورات بابل , المركز الثقافي العربي السويسري بعنوان تقاطعات.
للاطلاع على مسافات لم تدون يمكن زيارة موقع الكاتب التالي.
http://najahseraj.home.solnet.ch/


السبت، سبتمبر 09، 2006

برشة برشة يا مليكة



كمال العيادي
دروب

تعوّدت أن أكلمك بالهاتف كلّ نهاية أسبوع…وكنت أجمع لك النكت كمّن يجمع الفاراشات أوالقواقع…كنت أهرب من غربتي وضيق نفسي إليك…ولا أعرف واللّه العظيم بمن أستجيرالآن وماذا أفعل.كنت تنفجرين ضاحكة قبل أن أكمل لك الحكاية…وتطلبين منّي أن أقول لك بلهجتي التونسيّة ( برشة برشة).طيّب…ماذا سأفعل الآن ؟ماذا سأفعل يا مليكة…وهذا الليل حسكة…والسماء رصاص ثقيل.ماذا سأفعل, وأنا أتلعثم أمام أخبار الموت…فكيف بخبر موتك أنت يا حبيبة …يا غاليّة….طيّب….طيّب يا مليكة…سنبتلع هذا الخبر بشكل ما…وسأغمض عيني كي أراك عروسا بهيّة…إيييييه واللّه….أجمل وأحلى عروسة أنت يا مليكة…( واللّه ما كرهتش ك تزوّج ونتصدّر وك ندير عرس نستدعى ديال التعليقات فدروب…بحال نصحّ يا كمال ؟؟ قول معايا إنشااللّه )
مليكة ماتت…مليكة ماتت يا أصحابي….
لم تتزوّج, ولم تخلّف بنين وبنات…ولم تتصالح مع جراح جسدها المنهوك…ولا مع روحها المثخنة بالندوب..
مليكة ماتت …
جاءني الخبر الأسود من الصديق أحمد الكبيري…كنت ألعب الشطرنج مع إبنتي ياسمين, حين رنّ جرس الهاتف المحمول :
عرفت أنّه أحمد الكبيري, وبالرغم من أنّني أفرح جدّا حين يكلمني فقد أنقبض صدري فجأة…سألته عن الحال, فأجابني بصوت مذبوح أنّ مليكة ماتت…
- مليكة مستظرف ؟- ….مليكة مليكة يا كمال…مليكة مستظرف.ماتت في المستشفى.
لا أعرف كيف إستطعت أن أستدرج صوتي وأنا أطلب منه بحقّ الله أن يتأكد ثانيّة…- بربي بربي تأكد يا أحمد…هناك من يبدو أنه مات ولكنّه لم يمت …أجابني بالإيجاب…وانقطع الخطّ وخيط الرجاء وسقط الخبر يفرك قطعة الكبد المتورّم …
يا حول اللّه…إبنتي لا تتحمّل البكاء منذ ماتت أمّها قبل خمس سنوات …تنظر المسكينة صوبي مذعورة…
بابا بابا ….آش بيك بابي ؟؟تبكي بابا ؟؟؟
ممسكا بالهاتف في يدي…واليسرى أكمم بها فمي أنظر إلى ياسمينتي ولا أعرف ماذا أفعل…
اللّه أكبر…
ضرب الجرس اللّعين…وقرات اسم الكبيري…
طلبت من ياسمين أن تذهب إلى غرفتها…وأخبرتها أنّ عمتو مليكة في المستشفى…وربّما تموت…الغريب أنّ ياسمين تعلّق صورة مليكة مستظرف بغرفتها منذ عدت من المغرب…صورتها معي ومع أحمد الكبيري بمدخل معرض الكتاب بالبيضاء…
- ماتت يا كمال…متأكد
لا أعرف ماذا قلت له…وربّما أخبرته أنّني سأنشر الخبر أو شيء ما من هذا القبيل…
مليكة في ذمّة اللّه….
ماذا أكتب…ياحبيبتي مليكة….
( غير كان ترجع لكازا…غير كا تشوف البحر معايا…أنا عندي حكايات معاه…يا سردوك…غير كا تجي.)
قلبي مرّ …مرّ….علقم….يا وحدي المرّ …يا وحدي المرّ…
المكالمات تتهاطل مطر …من كلّ أصقاع العالم…من السعوديّة ومن تونس ومن أوروبا ومن أمركيا ومن فلسطين ومن مصر….
عشرات المكالمات…وأنا العاجز عن تدبير كلمتين…
ماذا أقول لهم يا مليكة ؟؟
قلبي ماء…قلبي ماء حارّ يشوي…
أعود لإبنتي وأخبرها وأنا أتمالك نفسي…أنّ عمتو مليكة مسكينة أرتاحت…كانت مريضة برشة…برشة…يا ياسمين…وربّي رتّحها من العذاب….قول عيّش بنتي…إنّ لله وإنّا إليه راجعون- إنّ لله وإنّا إليه راجعون…بابي نقرأ سورة ياسين…؟- إقرئي حبوبتي…إقرئي كلّ ما تحفظين…
أهرب إلى غرفتي…
يا وحدّي المرّ….يا وحدي المرّ…
أريد أن أفعل أيّ شيء حتى لا يعصر قلبي أكثر….
لا بدّ أوّلا أن الوّح لمليكة الحبيبة بتلك الكلمة التي تحبّ سماعها
( برشة…برشة…يا مليكة…. وحقّ اللّه أنت رائعة برشة…برشّة…..)
كان اللّه في عوننا جميعا…يا كيف ترحلين…يا كيف…يا كيف ترفعين عنّا هذا الذي تعوّدنا عليه….يا حبّة القلب …يا أنت…يا سيّدتي ويا صاحبتي ويا أختي مليكة مستظرف….كيف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الثلاثاء، سبتمبر 05، 2006

ماذا بعد " لائحة مواصفات الملبس" في جامعة البحرين؟


بقلم: سعيد الحمد
– اعلامي بحريني
.
رغم انشغالها »المفترض« بالمشاكل العويصة والقضايا الكبيرة المعقّدة والمؤجلة الخاصة بمستقبل جيل بأكمله ما زال ينتظر البت فيها.. فإن قوى الضغط والهيمنة أو مراكز القوى في جامعة البحرين قد استطاعت وسط كل هذه القضايا والمشاكل العالقة والخطيرة ان تقدم مع بداية الموسم الدراسي الجديد "انجازاً رائعاً " يحسب لها ولمستقبل الأجيال الحالية و اللاحقة. .حيث ان اصدار وتعميم كتيب " لائحة مواصفات الملبس لطلبة وطالبات الجامعة" ماهو إلاّ إعادة الروح بشكل رسمي ومعلن بل وموثق هذه المرة لما سميّ بـ "قانون الحشمة" وهو أندر وأعجب "قانون" تفتقت عنه عبقرية المتشددين والمحافظين الجدد في جامعة البحرين دون سواها من جامعات العالم.فجامعة البحرين العتيدة بدلا من ان تعزز ثقة الطلبة والطالبات في انفسهم وبدلاً من ان تؤكد عمليا ثقتها في طلبتها وطالباتها في هذه المرحلة العمرية والدراسية المهمة والتي تحتاج معها الى تعزيز الثقة فيهم فتترك لهم مساحات واسعة في حرية خيارهم وقرارهم الشخصي والمدني الخاص.. نراها للأسف تتدخل بفظاظة لفرض ما يسمى بالقانون في مسألة أو في قضية نسبية تختلف منها المواقف والتصورات والمفاهيم مثل مسألة "الحشمة".!!" فالحشمة" هذا الاختراع الجديد.. مسألة نسبية تماماً ومسألة يختلف في تقديرها الأفراد فما بالك بالجماعات والمجتمعات.. فما يراه هذا الفرد مثلا قمة "الحشمة» يراه آخر قمة التهتك. فهذه المسألة تختلف فيها المقاييس والمعايير باختلاف الافراد وذهنياتهم وتفكيرهم وثقافتهم ومفاهيمهم..ومن هنا فإنه لا يمكن بأية حال من الأحوال وضح معايير محددة وصارمة وضوابط محكمة يتفق عليها الجميع لما يسمى "بالحشمة" ، وعليه أيضا لا يمكن لأية عبقرية قانونية مهما كانت ان تفّصل " قانوناً للحشمة".. لأن الحشمة قيمة يسرى عليها ما يسري على القيم الأخرى من اختلاف في رؤى الأفراد والجماعات لها. ثم إن أخشى ما نخشاه ان يكون قانون الحشمة أو لائحة مواصفات الملبس.. هي البداية أو هي البوابة التي سيمرر المتشدون عبرها أجندتهم الخاصة جداً ويفرضونها شيئاً فشيئاً على الجامعة وعلى طلبتها ثم على كادرها التعليمي والأكاديمي حتى يتمكنوا من فرض وصايتهم وتطبيق مشروعهم الذي يتناقض أساسًا مع مشروع الدولة و مع قوانينها.
فقد علمتنا التجارب القريبة منا جداً.. ان المتشددين والمتزمتين لا يطرحون كامل اجندتهم دفعة واحدة ولكنهم يسعون الى تطبيقها عبر سياسة الخطوة خطوة وبالتدرج من الأصغر حتى الأكبر.. ليفاجئوا الجميع بالسيطرة على كل المفاصل من خلال تمرير أجندتهم وتمكين مشروعهم ليتسلل الى كل الزوايا والأركان.ولأن الجامعة هي الصورة المصغرة لمجتمعنا بما فيها من تلاوين مجتمعية وثقافية مختلفة يمثلها الطلاب والطالبات.. فإن المتشددين يحرصون بقوة لنشر اجندتهم واحتواء الطلبة والطالبات في دائرة افكارهم التي قد يكون " قانون الحشمة" بدايتها.. لكننا لن نعرف نهايتها ولن نستطيع التخيل الى أين ستصل بنا.لذلك نسأل ماذا بعد لائحة " مواصفات الملبس"؟؟.

قانون للحشمة أم للفتنة؟



بقلم : عبدالمنعم ابراهيم – كاتب من البحرين

.
أول ما يتبادر إلى الذهن حول كلمة (فتنة) أنها مرتبطة بالدين او السياسة، ولكن الحقيقة أنها تتناول كل شيء له صلة بالمجتمع، ومن بينها انتزاع الحريات الشخصية والحقوق المدنية من البشر، وحين تطبق جامعة البحرين ما يُسمى «بقانون الحشمة« يكون ذلك شكلاً من أشكال إثارة الفتنة أيضاً.. لأن صدور هذا القانون يوحي كما لو كانت (الجامعة) تفتقر الى الحشمة او ان طلابها وطالباتها يدرسون في «كازينو ليلي« وليس في جامعة محترمة!
جامعة البحرين مثلها مثل بقية الجامعات في مدن الخليج.. بعض طلابها يرتدون «الدشاديش«، وآخرون يرتدون السراويل والقمصان، وطالباتها يرتدي بعضهن «الحجاب« و«العباية« السوداء، وبعضهن يلبسن النقاب، وبعضهن يلبسن البانطلون «الجينز« او الفستان النسائي المعتاد.. وكل فئة لديها الحرية في نوع الملابس التي تختارها بحسب ثقافتها والبيئة الاجتماعية والأسرية التي تنتمي إليها، بدرجات متفاوته من المحافظة أو الانفتاح.. ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه «ملاك« من نوع اللباس الذي يرتديه ولا ان يتهم الآخر بأنه «إبليس«! كل الطلاب والطالبات أبناؤنا، ونحن نحبهم بغض النظر عن اللباس الذي يرتدونه، لكن حين يصدر قانون ما يُسمى «بالحشمة« فكأننا نتهم فئة واحدة بالانحلال الخلقي! وهي الفئة التي ترتدي السراويل والبانطلونات من الذكور، والفئة التي ترتدي «الجينز« والفساتين من الإناث، وبالتحديد كل فتاة غير محجبة! وفي ذلك ظلم كبير، ومصادرة لحرية البشر في خصوصياتهم وحياتهم الشخصية التي كفلها الدستور تحت مسمى (الحريات المدنية والحقوق الشخصية). لكن أخطر ما في القانون هو تنفيذه من خلال (توظيف مرشدين من الرجال)! يجوبون أروقة الجامعة وكافيترياتها ومكتباتها وفصولها الدراسية، وملاحقة الطلاب حتى داخل «دورات المياه«! للتأكد من أنهم بلا خطيئة! وأنهم أهل الحشمة! بتعبير آخر الجامعة سوف توظف ما يشبه جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر« داخل الحرم الجامعي، لكي تطارد الطلبة والطالبات على طريقة «محاكم التفتيش« في أوروبا في القرون الوسطى! وهذا سوف يخلق (فتنة) بين الطلاب، ويجعلهم يتناحرون! لكن أين الديمقراطية والعدالة والمساواة في المعاملة الانسانية في «قانون الحشمة«؟ فقط لأن البعض افترض أنه هو الشخص الذي يجسد (الحشمة) بينما الآخرون يجسدون (الانحلال الخلقي)! وبالتالي أقمنا على هذا الرأي الأحادي الجانب حكماً بالرجم على الآخرين! فهل هذا عدل؟ لكن ماذا نقول؟.. اذا كانت البحرين كلها تتجه في السنوات الأخيرة نحو هذه الازدواجية في مصادرة الحريات المدنية للبشر، فإن «الجامعة« تلحق بالسفينة الأُمّ!