السبت، سبتمبر 09، 2006

برشة برشة يا مليكة



كمال العيادي
دروب

تعوّدت أن أكلمك بالهاتف كلّ نهاية أسبوع…وكنت أجمع لك النكت كمّن يجمع الفاراشات أوالقواقع…كنت أهرب من غربتي وضيق نفسي إليك…ولا أعرف واللّه العظيم بمن أستجيرالآن وماذا أفعل.كنت تنفجرين ضاحكة قبل أن أكمل لك الحكاية…وتطلبين منّي أن أقول لك بلهجتي التونسيّة ( برشة برشة).طيّب…ماذا سأفعل الآن ؟ماذا سأفعل يا مليكة…وهذا الليل حسكة…والسماء رصاص ثقيل.ماذا سأفعل, وأنا أتلعثم أمام أخبار الموت…فكيف بخبر موتك أنت يا حبيبة …يا غاليّة….طيّب….طيّب يا مليكة…سنبتلع هذا الخبر بشكل ما…وسأغمض عيني كي أراك عروسا بهيّة…إيييييه واللّه….أجمل وأحلى عروسة أنت يا مليكة…( واللّه ما كرهتش ك تزوّج ونتصدّر وك ندير عرس نستدعى ديال التعليقات فدروب…بحال نصحّ يا كمال ؟؟ قول معايا إنشااللّه )
مليكة ماتت…مليكة ماتت يا أصحابي….
لم تتزوّج, ولم تخلّف بنين وبنات…ولم تتصالح مع جراح جسدها المنهوك…ولا مع روحها المثخنة بالندوب..
مليكة ماتت …
جاءني الخبر الأسود من الصديق أحمد الكبيري…كنت ألعب الشطرنج مع إبنتي ياسمين, حين رنّ جرس الهاتف المحمول :
عرفت أنّه أحمد الكبيري, وبالرغم من أنّني أفرح جدّا حين يكلمني فقد أنقبض صدري فجأة…سألته عن الحال, فأجابني بصوت مذبوح أنّ مليكة ماتت…
- مليكة مستظرف ؟- ….مليكة مليكة يا كمال…مليكة مستظرف.ماتت في المستشفى.
لا أعرف كيف إستطعت أن أستدرج صوتي وأنا أطلب منه بحقّ الله أن يتأكد ثانيّة…- بربي بربي تأكد يا أحمد…هناك من يبدو أنه مات ولكنّه لم يمت …أجابني بالإيجاب…وانقطع الخطّ وخيط الرجاء وسقط الخبر يفرك قطعة الكبد المتورّم …
يا حول اللّه…إبنتي لا تتحمّل البكاء منذ ماتت أمّها قبل خمس سنوات …تنظر المسكينة صوبي مذعورة…
بابا بابا ….آش بيك بابي ؟؟تبكي بابا ؟؟؟
ممسكا بالهاتف في يدي…واليسرى أكمم بها فمي أنظر إلى ياسمينتي ولا أعرف ماذا أفعل…
اللّه أكبر…
ضرب الجرس اللّعين…وقرات اسم الكبيري…
طلبت من ياسمين أن تذهب إلى غرفتها…وأخبرتها أنّ عمتو مليكة في المستشفى…وربّما تموت…الغريب أنّ ياسمين تعلّق صورة مليكة مستظرف بغرفتها منذ عدت من المغرب…صورتها معي ومع أحمد الكبيري بمدخل معرض الكتاب بالبيضاء…
- ماتت يا كمال…متأكد
لا أعرف ماذا قلت له…وربّما أخبرته أنّني سأنشر الخبر أو شيء ما من هذا القبيل…
مليكة في ذمّة اللّه….
ماذا أكتب…ياحبيبتي مليكة….
( غير كان ترجع لكازا…غير كا تشوف البحر معايا…أنا عندي حكايات معاه…يا سردوك…غير كا تجي.)
قلبي مرّ …مرّ….علقم….يا وحدي المرّ …يا وحدي المرّ…
المكالمات تتهاطل مطر …من كلّ أصقاع العالم…من السعوديّة ومن تونس ومن أوروبا ومن أمركيا ومن فلسطين ومن مصر….
عشرات المكالمات…وأنا العاجز عن تدبير كلمتين…
ماذا أقول لهم يا مليكة ؟؟
قلبي ماء…قلبي ماء حارّ يشوي…
أعود لإبنتي وأخبرها وأنا أتمالك نفسي…أنّ عمتو مليكة مسكينة أرتاحت…كانت مريضة برشة…برشة…يا ياسمين…وربّي رتّحها من العذاب….قول عيّش بنتي…إنّ لله وإنّا إليه راجعون- إنّ لله وإنّا إليه راجعون…بابي نقرأ سورة ياسين…؟- إقرئي حبوبتي…إقرئي كلّ ما تحفظين…
أهرب إلى غرفتي…
يا وحدّي المرّ….يا وحدي المرّ…
أريد أن أفعل أيّ شيء حتى لا يعصر قلبي أكثر….
لا بدّ أوّلا أن الوّح لمليكة الحبيبة بتلك الكلمة التي تحبّ سماعها
( برشة…برشة…يا مليكة…. وحقّ اللّه أنت رائعة برشة…برشّة…..)
كان اللّه في عوننا جميعا…يا كيف ترحلين…يا كيف…يا كيف ترفعين عنّا هذا الذي تعوّدنا عليه….يا حبّة القلب …يا أنت…يا سيّدتي ويا صاحبتي ويا أختي مليكة مستظرف….كيف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

اشاطرك الدموع والألم والحسرة وفراق الأحبة
لم اقابل المرحومة في حياتي
عرفتها من أدبياتها
فبعد أن لمست حزنك ، وسمعت أناتك ، ورثائك الحار عرفت بان عالمنا العربي قد خسر انسانة لا تعوض.
فالله يا كمال أعطى لنا الحياة ، والله وحده يقرر متى سيسترد ودبعته
والموت للمريض رحمة ، ولكنه قاس على الأهل والأقارب والأصدقاء
فأنا اشعر بحزنك ، وأعزيك ، وأعزي نفسي وكل عائلة دروب.
ياسمين بجاجة لك يا كمال ، فأنت أمها وأبوها .
فانهي لعبة الشطرنج معها لأنها ستكون سلوتك وسلوة ياسمين
وغدا ستراها عروسة بأذن الله ،
صبرك الرب يا كمال