نوري الوائلي
عن المكتب المصري للمطبوعات بالقاهرة صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقي المقيم في سويسرا نجاح سراج في 151 صفحة من القطع المتوسط بعنوان ( مسافات لم تدون ) . تتميز المجموعة بنزوع الشاعر لظاهرة التجريب في الكتابة , لذا نرى قصائده تتوزع على أشكال هندسية مختلفة شكلا ومكملة الواحدة للأخرى مضمونا , فهي تأخذ طريقا واحدا تبلطه المعاني بثيمة واحدة أيضا هي ثيمة المنفى التي تتغذى من الفجائع والفراق والانقطاع والحنين إلى الأرض والأحبة , وأحيانا يتناول الشاعر بعض المواضيع الإنسانية الأخرى التي تنثال على محيط المجموعة , كالموت والحياة , الحرب والسلم , كخطين يتنافران في داخل النفس . الثيمة الرئيسية هي موضوع المنفى ؛ منفى بصري بكل ما يحمل من تمظهرات الواقع المؤلم كأعراض فوقية متمحورة عبر طريق متعرج يخترق فضاءات العوالم الإنسانية الخيرة والشريرة , ويعيد الإنسان بحركة قوسية قاسية إلى نقطة البداية في داخل رحلته التي انطلق منها , كتأصيل جواني نشأ منذ ولادته حتى هروبه نحو المجهول الحافل بكل النوافذ إلى الجحيم الدنيوي , وبهذا نقرأ انه كتب معرفا قصائده مبتعدا عن الذاتية والانا في تناولها ؛ بأنها كائنات مسافرة , كتبت في مدن خارج لغة الضاد , ولأنها دونت بحرارة التجربة , فقد منحت صاحبها دفئا رغم برد الكلمة . إذن إنها رحلة المنفى , إنها ( نوافذ , في جانبيها مدن , المساء يطارد أحلامها , والملاجئ خيط عواء ), لهذا يستعير من مخيلته شخصيات تاريخية واقعية عاشت في تلك المدن التي مر بها , كما في قصيدة اليقظة حلم منفي , شخصيات يخرجها من قبورها لتجتمع بين الحدود الفاصلة بين الدول مدونة السقوط الشاقولي للإنسان من أعلى نقطة في مسقط رأسه مقذوفا إلى نقطة بعيدة خارج الوطن متجمعا عند حدود الدول في هروبه المستمر باحثا عن منفذ . الشاعران التركي ناظم حكمت والروائي اليوناني نيقوس كازانتراكس يقومان في عالم الشعري لسراج في كتابة المأساة الإنسانية على حدود بلديهما وحين الانتهاء يعودان إلى قبريهما ,( يخرج ناظم حكمت , من قبره المنفي , ويدخل القبر الذي يضم نيقوس , ويخرجان .. في يديهما حزمة ارواق , ويجلسان , على الحدود يكتبان , قصيدة عارية الاوزان .. مسرحية بلا فصول .. ورواية مفتوحة النهاية , ...الخ) انها صرخة مدوية في أغشية هذا العالم الميت ذات الحاكمية التسلطية التي سرقت الأوطان وسجنتها في قاموس أبدية عاد والفراعنة , في هذه النقطة الحدودية تجتمع جميع الأشكال والألوان واللغات والعواصم في نقطة واحدة , طريق واحد , اتجاه واحدة , في صورة مثيرة ومرعبة ومائزة إلى المجهول لمصور تجريدي انطباعي واقعي رمزي سريالي محترف , كما في حدود مدينة أبصلة التركية المحاذية لليونان , كموضع لهذا التجمع ألأممي المندفع إلى اليونان سيرا على الإقدام لأيام متتالية ممارسا التمويه والتخفي عن أعين العسس المزروعة أشواكا برية في اقرب وابعد النقاط والهواجس الإنسانية المغروسة في صدر الكلمات والأحرف وفي دفاتر الأطفال وألعاب البراءة , فالقصائد هي مسافات بين نقطتين مكانيتين , الوطن والمنفى , وبين هاتين النقطتين ينقل الشاعر عوالم متآكلة في أدق مفاصلها , مصورا الأمكنة والأزمنة على قماش لألم والذكرى , تصورات تتجاسد في قصائد تتمفصل إلى اتجاهات متعددة من المقاطع الحياتية المنسوجة بشاعرية خلاقة.
ان الشاعر يقر من حيث المبدأ ان طريق المنفى هو طريق مقابر( الطريق مقابر, والبقاء احتمال , وبيني وبينك , الخيانة عاهر ) ولكن السير فيه يتطلب روحا قوية وشجاعة ممطرة من سماء الحكمة , وعيونا مبصرة لا تنام , مغايرة تماما للتي تحتضن خيطا من البنسلين لحلم مرضي مزمن لا يشفى , فالخيانة والخداع والجوع والعراء والخوف ,.. كلها قبور مفتوحة تصفر فيها ريح جنون الأخر الخالي من الرحمة والمعتق بمزة النهش والتدمير والبقاء للأقوى , فالمنفى معادلة من لحم ودم , يرسمها السقوط الأخلاقي لحفنة من المعتوهين الرافضين إلى الرأي الأخر, فنجاح سراج يحاول ان ينقل حالة كائن مضغوط بين كفي القضاء والقدر ومدفوع بهذا الطريق الصعب , وهي محاكاة لحالة جمعية لملايين من البشر , كل حالة تشابه الاخرى من حيث الشكل والمحتوى , انها معادلة لا تنتهي محكومة في هذه الحياة منذ بدأ الخلق .
تتميز المجموعة كذلك بتعدد الأصوات في القصيدة الواحدة , وهذا ما يمنحها بعدا دلاليا متنوعا , وتفسيرا تأويليا متعددا , أي تكون هناك أكثر من قراءة للقصيدة حسب تلك الضمائر , وحسب حركة الانتقال بين تلك الضمائر بين المقاطع والاشطر, كما في قصيدة ارجوحة , كما تتميز بعض القصائد بسرد عالم قصصي ذي مضامين كبيرة في قصيدة لا تتجاوز الصفحة الواحدة كما في قصيدة حياة مواطن عادي .
مسافات لم تدون جاءت بعد مجموعة من الكتب اصدرها الشاعر مابين مجموعة قصصية وشعرية , ابتدأ بنشر مجموعة قصصية بعنوان الحافلة ثم تلتها مجاميع شعرية هي ابجدية الصور , نحت قزحي , نصائح ملونة , وهي تتويج لمسيرته الإبداعية لما تحفل من لغة متينة موحية ومواضيع إنسانية خالدة تؤرخ عالما مأساويا كنتاج طبيعي للأنظمة الدكتاتورية والفقر والحروب بكل أصنافها , للشاعر مجموعة شعرية اخرى ضمن منشورات بابل , المركز الثقافي العربي السويسري بعنوان تقاطعات.
للاطلاع على مسافات لم تدون يمكن زيارة موقع الكاتب التالي.
http://najahseraj.home.solnet.ch/
عن المكتب المصري للمطبوعات بالقاهرة صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقي المقيم في سويسرا نجاح سراج في 151 صفحة من القطع المتوسط بعنوان ( مسافات لم تدون ) . تتميز المجموعة بنزوع الشاعر لظاهرة التجريب في الكتابة , لذا نرى قصائده تتوزع على أشكال هندسية مختلفة شكلا ومكملة الواحدة للأخرى مضمونا , فهي تأخذ طريقا واحدا تبلطه المعاني بثيمة واحدة أيضا هي ثيمة المنفى التي تتغذى من الفجائع والفراق والانقطاع والحنين إلى الأرض والأحبة , وأحيانا يتناول الشاعر بعض المواضيع الإنسانية الأخرى التي تنثال على محيط المجموعة , كالموت والحياة , الحرب والسلم , كخطين يتنافران في داخل النفس . الثيمة الرئيسية هي موضوع المنفى ؛ منفى بصري بكل ما يحمل من تمظهرات الواقع المؤلم كأعراض فوقية متمحورة عبر طريق متعرج يخترق فضاءات العوالم الإنسانية الخيرة والشريرة , ويعيد الإنسان بحركة قوسية قاسية إلى نقطة البداية في داخل رحلته التي انطلق منها , كتأصيل جواني نشأ منذ ولادته حتى هروبه نحو المجهول الحافل بكل النوافذ إلى الجحيم الدنيوي , وبهذا نقرأ انه كتب معرفا قصائده مبتعدا عن الذاتية والانا في تناولها ؛ بأنها كائنات مسافرة , كتبت في مدن خارج لغة الضاد , ولأنها دونت بحرارة التجربة , فقد منحت صاحبها دفئا رغم برد الكلمة . إذن إنها رحلة المنفى , إنها ( نوافذ , في جانبيها مدن , المساء يطارد أحلامها , والملاجئ خيط عواء ), لهذا يستعير من مخيلته شخصيات تاريخية واقعية عاشت في تلك المدن التي مر بها , كما في قصيدة اليقظة حلم منفي , شخصيات يخرجها من قبورها لتجتمع بين الحدود الفاصلة بين الدول مدونة السقوط الشاقولي للإنسان من أعلى نقطة في مسقط رأسه مقذوفا إلى نقطة بعيدة خارج الوطن متجمعا عند حدود الدول في هروبه المستمر باحثا عن منفذ . الشاعران التركي ناظم حكمت والروائي اليوناني نيقوس كازانتراكس يقومان في عالم الشعري لسراج في كتابة المأساة الإنسانية على حدود بلديهما وحين الانتهاء يعودان إلى قبريهما ,( يخرج ناظم حكمت , من قبره المنفي , ويدخل القبر الذي يضم نيقوس , ويخرجان .. في يديهما حزمة ارواق , ويجلسان , على الحدود يكتبان , قصيدة عارية الاوزان .. مسرحية بلا فصول .. ورواية مفتوحة النهاية , ...الخ) انها صرخة مدوية في أغشية هذا العالم الميت ذات الحاكمية التسلطية التي سرقت الأوطان وسجنتها في قاموس أبدية عاد والفراعنة , في هذه النقطة الحدودية تجتمع جميع الأشكال والألوان واللغات والعواصم في نقطة واحدة , طريق واحد , اتجاه واحدة , في صورة مثيرة ومرعبة ومائزة إلى المجهول لمصور تجريدي انطباعي واقعي رمزي سريالي محترف , كما في حدود مدينة أبصلة التركية المحاذية لليونان , كموضع لهذا التجمع ألأممي المندفع إلى اليونان سيرا على الإقدام لأيام متتالية ممارسا التمويه والتخفي عن أعين العسس المزروعة أشواكا برية في اقرب وابعد النقاط والهواجس الإنسانية المغروسة في صدر الكلمات والأحرف وفي دفاتر الأطفال وألعاب البراءة , فالقصائد هي مسافات بين نقطتين مكانيتين , الوطن والمنفى , وبين هاتين النقطتين ينقل الشاعر عوالم متآكلة في أدق مفاصلها , مصورا الأمكنة والأزمنة على قماش لألم والذكرى , تصورات تتجاسد في قصائد تتمفصل إلى اتجاهات متعددة من المقاطع الحياتية المنسوجة بشاعرية خلاقة.
ان الشاعر يقر من حيث المبدأ ان طريق المنفى هو طريق مقابر( الطريق مقابر, والبقاء احتمال , وبيني وبينك , الخيانة عاهر ) ولكن السير فيه يتطلب روحا قوية وشجاعة ممطرة من سماء الحكمة , وعيونا مبصرة لا تنام , مغايرة تماما للتي تحتضن خيطا من البنسلين لحلم مرضي مزمن لا يشفى , فالخيانة والخداع والجوع والعراء والخوف ,.. كلها قبور مفتوحة تصفر فيها ريح جنون الأخر الخالي من الرحمة والمعتق بمزة النهش والتدمير والبقاء للأقوى , فالمنفى معادلة من لحم ودم , يرسمها السقوط الأخلاقي لحفنة من المعتوهين الرافضين إلى الرأي الأخر, فنجاح سراج يحاول ان ينقل حالة كائن مضغوط بين كفي القضاء والقدر ومدفوع بهذا الطريق الصعب , وهي محاكاة لحالة جمعية لملايين من البشر , كل حالة تشابه الاخرى من حيث الشكل والمحتوى , انها معادلة لا تنتهي محكومة في هذه الحياة منذ بدأ الخلق .
تتميز المجموعة كذلك بتعدد الأصوات في القصيدة الواحدة , وهذا ما يمنحها بعدا دلاليا متنوعا , وتفسيرا تأويليا متعددا , أي تكون هناك أكثر من قراءة للقصيدة حسب تلك الضمائر , وحسب حركة الانتقال بين تلك الضمائر بين المقاطع والاشطر, كما في قصيدة ارجوحة , كما تتميز بعض القصائد بسرد عالم قصصي ذي مضامين كبيرة في قصيدة لا تتجاوز الصفحة الواحدة كما في قصيدة حياة مواطن عادي .
مسافات لم تدون جاءت بعد مجموعة من الكتب اصدرها الشاعر مابين مجموعة قصصية وشعرية , ابتدأ بنشر مجموعة قصصية بعنوان الحافلة ثم تلتها مجاميع شعرية هي ابجدية الصور , نحت قزحي , نصائح ملونة , وهي تتويج لمسيرته الإبداعية لما تحفل من لغة متينة موحية ومواضيع إنسانية خالدة تؤرخ عالما مأساويا كنتاج طبيعي للأنظمة الدكتاتورية والفقر والحروب بكل أصنافها , للشاعر مجموعة شعرية اخرى ضمن منشورات بابل , المركز الثقافي العربي السويسري بعنوان تقاطعات.
للاطلاع على مسافات لم تدون يمكن زيارة موقع الكاتب التالي.
http://najahseraj.home.solnet.ch/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق