السبت، أكتوبر 31، 2009

سيّدةُ السلام

عدنان الظاهر
( ومّنْ غيرُ سناء كامل الشعلان سيدةٌ للسلام ) ؟
وصلني كتابها " مذكّرات رضيعة " * قبل أكثر من عام لكني تشاغلتُ عنه بأمور أخرى كثيرة فنسيته تماماً مع كتب أخرى قابعاً فوق الأرفف القديمة . وشاءت الصدفُ أنْ أنتبه ، أو أنْ يُنبّهني إليه ، حادث طارئٌ أعادني لصحوي فقررتُ ـ بعد تردد ـ أنْ أقرأَ هذا الكتاب خاصةً وقد مرّت فترةٌ زمنيةٌ ليست بالقصيرة لم أكتب خلالها عن الدكتورة سناء الشعلان شيئاً يُذكرُ وهي أهلٌ لكل ذِكْرٍ جميل عَطِرٍ . شوّقني هذا الكتاب لما تكتب الدكتورة من جميل الكلام وما تقصُّ وتسردُ من روائع قصصها الباذخة التي يتضوّعُ منها إبداعُ فكرها ومخاضات روحها الإنساني الفذ الذي عزَّتْ نظائرُهُ في أيامنا هذه . نعم، سناء كامل سيدةٌ شابّة متميزة بين سيدات الفكر والقلم والإبداع الأدبي . لها خصائصها التي لا تفارقها لكأنها طبعات أصابع كفيها وجمال وجهها وما في عينيها من سحر يخالطه ذكاء فطري وذوق فني رفيع ومُكنة لغوية واضحة المعالم . في لغتها ـ كما في شخصيتها وخلقها ـ مرونة القوة والإستعداد التام لمطاوعة فن ورغبات صاحبة هذه اللغة وخدمة أفكارها وخيالاتها المحلّقة في أكثر من سماء وفوق أكثر من كرةٍ أرضية عرفها وما زال يعرفها إنساننا المعاصر . حضرت هذه الصور جميعاً أمامَ عينيَّ فعقدتُ العزمَ ، متهيباً ، أنْ أخوض مجدداً تجربة الكتابة عن أثرٍ جديد لعزيزة الجميع سناء . إنه كتابٌ جديد فيما ضمَّ واحتوى ، ولعله جديد على ما ألِفنا من نصوص أدبية منوّعة الأساليب والطروحات والمعالجات . كيف ولماذا ؟ لأنَّ الموهوبة سناء كرّست محتوياته لفاجعة تفجيرات عمان الإرهابية المعروفة يوم 19.11.2005 . لا أحسبُ أنَّ أحداً قبل سناء قد تطرق وعالج هذا الموضوع كما فعلت سناء . لقد حوّلت هذه الفجيعة إلى أدب إنسانيٍّ رفيع المستوى وعلى الصُعُدِ كافة . كتبت 23 موضوعاً كل واحد منها يخصُّ أحد ضحايا هذا التفجير أو يخص عائلة بأكملها أو أكثر من شخص . لم تميّز سناءُ سيدة السلام وعدوة الإرهاب بين أردني وعربي وزائر أجنبي . هذه شيمتها وهذه أخلاقها وهذه طبيعتها الإنسانية ، فلقد كتبت عن مأساة هؤلاء جميعاً فتارةً هي الصديقة والصديق ، وتارة أخرى هي الأخت أو الأم أو حتى العروس التي قتلها الإنفجار المدوي الذي دمّر فندق [ كراند حياة عمّان ] وسط العاصمة الأردنية عَمّان التي تعشقها سناء . كتبت بوعي عالٍ بتبعات مسؤولياتها الأخلاقية والأدبية ومتطلبات الموضوعية فيما يكتب الأدباء واضعةً نُصب عينيها إنسانية الإنسان مهما كان وضعه الإجتماعي ومكانه في مدارج سلّم الطبقات . كتبت عن ناس عاديين وعن خادم الفندق وكتبت عن عوائل أردنية مرموقة وعن سياح أجانب وعن ضابط مخابرات كما كتبت عن مأساة المخرج السوري ـ الأمريكي مصطفى العقاد الذي كان أحد ضحايا ذلكم الإنفجار . الإنسان هو الإنسان في عيني وفلسفة سناء بصرف النظر عمّا يمتهنُ أو يرتدي ومقدار مكسبه أو مدخوله الشهري أو السنوي . تأثّرتُ كثيراً بما كتبت تحت العناوين التالية :
صانع الأحلام / قصة مقتل المُخرِج مصطفى العقاّد ، الأمريكي السوري الحلبي الأصل والمولد ، مخرج فيلمي الرسالة وعمر المختار المعروفين .
مذكّرات رضيعة / قصّت فيها قصة طفلة ، إسمها تولين ، في شهرها الثالث قُتلتْ والدتها وتولين على صدرها . هزّتْ قصة تولين الطفلة أعماقَ أعماقي حتى وجدتُ نفسي منخرطاً في نوبةٍ حادّةٍ من بكاء مر .
أحلام المساء / قصة مقتل أحد عمال نفس الفندق مسرح عملية الإنفجار الرهيب ... وكان هذا العاملُ المسكين " سلطان محمد " يتأهب للزواج من خطيبته بعد شهر من وقوع الحادث .
الهاربة من الموت / روت سناء كيف نجت سائحةٌ أو زائرة أجنبية وصديقتها من الجحيم والدمار اللذين نزلا على الفندق ونزلائه ومرتاديه والمدعوين لحفل زفاف العروسين نادية وأشرف .
المقاتل / قصة الشهيد عماد نافع العميد في الجيش الفلسطيني في الضفة الغربية . كتبت سناء مأساة هذا الرجل بدموع عينيها مختلطة بدم قلبها الفلسطيني الأصل . رثته كأنها تُرثي أباها أو نفسها أو شعب فلسطين المنكوب . إستدرجها مقتل هذا العسكري لأصلها ومنبتها وتراب أهلها وأجدادها فاندمجَ الكلُّ فيها وحلّت هي فيهم جميعاً فكانت الروعة بعينها وكان الفن القصصي الفذ وكانت شعلة وأُبّهة الشرف الإنساني الذي يتوّجُ هامةَ سناء ورفيقها بوصلةً ومناراً تستهدي بهما مسلكاً وكتابةً .
الباحث عن الشمس / حسين الجبوري رجلٌ عراقيٌّ شاء حظهُ العاثرُ أنْ يكون أحد نزلاء فندق ( كراند حياة عمّان ) وأنْ يكون هناك في الصالة التي أُعدّتْ خصيصاً لحفل وزفة العروسين مساء الأربعاء المصادف التاسع من شهر نوفمبر عام 2005 . مهدّتْ سناءُ الفلسطينية الأصل ـ الأردنية بالتجنس والإنتماء / العربية ثم الأممية ... مهدت لحادث مصرع هذا المواطن العراقي تمهيداً ملحمياً لا يلتقطُ دقائق تفاصيله إلا نظرٌ ثاقب وفكرٌ مبدع خلاّق وحسٌّ إنسانيٌّ عميق الدلالات ... وهذه هي سناء كامل وهي كلها فيها دونما إستثناء . هرب الجبوري من الحروب والخراب والحصار الظالم الذي ضرب العراق في تسعينيات القرن المنصرم ليلاقي مصرعه في عاصمة عربية جاءها هارباً من إحتمالات الموت هناك في عاصمته العراقية بغداد ! أينما تولون تواجهون الموت أو الموتُ يواجهكم فإلى أين المفرُّ ؟
لا من عيبٍ أو خلل في باقي القصص لكني آثرتُ الإختصار فانتقيتُ نماذجَ مما قرأتُ ومما كتبتْ العزيزةُ السيدةُ سناء من روائع نادرة كافية لإلقاء المزيد من النور على إمكانياتها الأدبية وطبيعة ممارساتها للفن القصصي ويكفيني ويكفيها ويكفي جمهور قرّائها والمعجبين بها أديبةً وامرأةً وخصالاً فأضافت لكل محاسنها الطبيعية منها والمصقولة بالتدريب والثقافة والأستاذية الجامعية ... أضافت نعمةً أخرى لمجموع نِعمها وفضائلها المعروفة وهي فضيلة كونها نصيرةَ وسيّدةَ وأميرةَ السلامِ ونصيرةَ المظلومين والمستضعفين في الأرض ومَنْ لا ناصرَ لهم في هذه الدنيا فطوبى لك سيدتي دكتورة سناء كامل الشعلان وطوبى لمن أنجبكِ وسوّاكِ وطابت التربة التي إحتضنتكِ ونموتِ فيها ومباركٌ الحليب الذي رضعتِ وغذّاكِ .
· * كتاب مذكّرات رضيعة لسناء كامل الشعلان . الناشر : نادي الجسرة الثقافي الإجتماعي ، قطر . بدون تأريخ

الخميس، أكتوبر 29، 2009

أيتها المحنة

يسرية سلامة
أيتها المحنة!
إليكِ عني
ابحثي عن غيري
فلست وحدي فوق الأرض
تجرعتك مرارًا
فامهليني قليلاً

يتخلى الأهل والأصدقاء
لماذا أنتِ دائمة الوفاء؟
فوفائك مصيبة
أرجوك...اهجرني
كوني خائنة
أو حتى غافلة

طريقي طويل فلا ترهقيني
عمري يتسرب بين الليالي
معاناتك طويلة
فلما لا تتركيني؟!

كنت حملاً ثقيل.. ثقيل
تحملته بعزيمة الرجال
شارفت على إطلاق شاربي

تخيلت وجهي بشارب
صوت خشن
عضلات بيدي
شعر قصير عاريًا
و بلا قرط أذني
أخطو بحذاء كبير
بلا كعب
ولي حافظة بجيبي
بها المصروف
وحمل علي كتفي

ففزعت رعبًا
دعوت عليك بمحنة ضارية
تلهيك عني...لأعود ثانية
أعانق أنوثتي .. أعانق الحياة

لم ولن تكسريني
فإرادتي طاغية
سأبدأ ولو في النهاية
وأبحث عن أمل منه البداية


الفنانة 10

انطوني ولسن

[جلس رامي مع صديقته الاسترالية «ليزا» في مكانهما المفضل في حديقة «هايد بارك». ظل واجما شاردا بعد أن تعبت «رجليه» وهو يبحث عن صاحبة الصوت التي تحدثت باللغة العربية ثم اعتذرت باللغة الانجليزية، عرف صاحبة الصوت التي التقى بها منذ عام تقريباً دون ان يعرف اي منهما اسم الآخر.

شعر وهو مطأطئ الراس بوقوف انسان امامه.. رفع رأسه رآها.. هي بلحمها وشحمها.. دار الحوار بينهما وتم التعارف بينها وبين «ليزا» صديقته. وصلنا الى سلوى وهي تقول له...]

سلوى: احنا حنفضل واقفين وسايبين ليزا قاعدة لوحدها كده.

رامي: اتعودت على اني لما اتكلم مع اي حد من مصر او من بلد عربي ما تتدخلش.

سلوى: ايوه.. بس انا واحدة ست.. واللا انت مش شايف كدا.. ضحك رامي وضحكت سلوى وقال:

رامي: لا.. اسمحي لي اقولك.. مش بس ست.. دا انت تعتبري أجمل ست شفتها في سدني.

سلوى: سيبك من البكش ده. انا مرات دكتور. وما يضحكش علي..

رامي: لا.. صدقيني.. انا معرفش ليه حسيت بارتياح معاكي.. حسيت فيكي اختي اللي فاقدها هنا في الغربة.. سامحيني.. يمكن اكون اتكلمت كلام مش من حقي اتكلمه. دي اول مرة نتقابل فيها بالصدفة بعد سنة من مقابلة برضه بالصدفة.. بس حصل كلام وشعرت بالشعور ده.

سلوى: طيب يا سيدي.. انا اختك وانت اخويا.. ودي حا تعرف ازاي.. مش ست برضه واللا الاستراليات غير كده.

رامي: لا.. لا.. انا بحبها.. بحبها حقيقي.. اتمنى فعلا نكون اصدقاء.. على الرغم من الفارق الاجتماعي اللي بينا.

قاطعته قائلة:

سلوى: ارجوك يا رامي.. انا فعلا استريحت لك وفعلا نفس الاحساس اللي عندك.. عندي. انا بحب الناس. لكن هنا.. هنا في استراليا خايفة منهم مش مستريحة لحد.. ماليش اصدقاء او صديقات. ما فيش حد استريحت له غير اثنين ستات اخوات. واحدة منهم اهدتني الكلب ده وانا باعتز بيه جدا. وبرضه قابلتهم بالصدفة.. على الرغم انهم ما بيتكلموش عربي كويس.. الا انهم حقيقي باعتبرهم صديقات.

رامي: ليزا تستريحي لها كمان.. انسانة بحبها وبتحبني وبفكر جديا في الزواج. على فكرة انا مش راجع الشغل.. اخذت بقية اليوم اجازة، معرفش هي تحب ترجع الشغل تاني والا لا..

نظر رامي الى ليزا وقال:

رامي: ما رأيك هل ستعودين الى العمل؟

ليزا: نعم سأعود الى العمل.. وأنت!..

رامي: لا.. لقد استأذنت بقية اليوم.

ليزا: لما يا رامي؟

رامي: لاني كنت مرهقاً.

ليزا: اوكي.. سأعود الى العمل. وانت هل ستنتظرني أم تعود الى المنزل وحدك؟

رامي: سوف انتظرك.

ليزا: «محدثة سلوى» سعيدة بلقاءك.. الى اللقاء.

سلوى: وانا ايضا.. الى اللقاء.

قبلت ليزا رامي.. ثم مشت مُتجهة الى عملها تاركة سلوى ورامي وحدهما.

شيَّعت سلوى ليزا بعينيها حتى غابت عن نظرها. إنها في الحقيقة اطالت في عمل هذا.. لا لشيء.. إلا لأنها لا تعرف ماذا تفعل.

اتبقى معه؟ أتعود ادراجها الى ما كانت عليه؟ جاءت الى هذا المكان لكي تُروّح عن نفسها. قضت ليلة البارحة في جدال مع عزت. جدال وصلت حدّته الى رفع الصوت بينهما. انها مصرة اصرارا كاملاً على الابتعاد كلياً عن فضيلة التي يتحدَّث دائماً عنها زوجها بلقب مدام فضيلة.

حذفت من قاموس حياتها كلمة «كره». لم تستخدمها في مصر، ولم تخطر على بالها. ولكنها هنا ومع هذه السيدة بالذات، عادت اليها هذه الكلمة. انها تكرهها. تكره اسمها.. تكره شكلها.. تكره كل من له صلة بها.. تخشى من اصرار زوجها علىمعرفتها لها.. ان تكره زوجها ايضاً. على الرغم من كل ما فعلته هذه المرأة لها من استقبال لم تر سدني له مثيلا. لكن كل ما بينهما نقيض الآخر. كيف تنطبق السماء على الأرض؟ كيف يتقابل القطبان المتوازيان؟ انهما من طينة مختلفة، على الرغم من ان خالقهما واخد. إلا انه بعد ان خلقها، تجسد الشيطان فيها. لا تعرف الخير المطلق. الخير للخير وحده. ولكن كل ما تفعله وتعمله ان اخذ شكل الخير، فهو خير في الظاهر وشرّ باطنه. تلقي بالطعم.. مهما كان هذا الطعم ثميناً. إلاّ أنه طعم تصطاد به فريستها وتفتك بها. والفريسة دائماً امرأة. قد تكون زوجة مشهور أو غني او ذا سمعة حسنة وربما تكون ابنة أو اخت واحد منهم. لا تقبل المقاومة من اي امرأة. لها طرقها والاعيبها عن طريق اتباعها لحبك الشبكة حول الفريسة. ويا ويل الفريسة التي تقع بين يديها.. لانها تصير رقيقا.. رقيقا مباحا بيع جسده لمن يدفع. لا تستطيع المسكينة ان تقاوم او ترفض. وكلمة بيع هذه ليست في وضعها الصحيح. لأن من يبيع يقبض الثمن. لكنهنَّ لسن في حاجة الى مال. يُتاجر باجسادهن ولا يعترضن. نظير سكوت مدام فضيلة ورجالتها وعدم ابلاغ الزوج او الوالد او الأخ. لأن كل فريسة منهن لها قصة وملف وشيء يؤخذ عليها للتهديد به اذا حاولت ان تتخلّص من العبودية وتتحرر.

استطاعت سلوى ان تفلت من قبضتها. ومع ذلك لم تهدأ تلك الافعوان. وها هي تستخدم زوجها للدفع بها بين احضانها والوقوع في الفخ الذي استطاعت ان تفلت منه.

هل تقول له؟ هل لو قالت.. يصدقها؟ وما دليلها؟ لا شيء انه احساس نبع من تجربة زيارتها لمدام فضيلة أول مرة. لا تنسى تلك الزيارة، لقد رأت لأول مرة في حياتها عرض فيلم من افلام الجنس المفضوح امام مجموعة من صفوة النسوة في الجالية.

والآن.. انها في اشد الاحتياج الى من تشكو اليه، الى من تتحدث اليه، الى من يفهمها ويصدق ما ستقوله له.. ايكون القدر قد ارسل اليها رامي في الوقت المناسب؟ لقد ارتاحت اليه، شعرت فيه بالأخ المفقود كما قال هو عنها.. الأخت المفقودة؟

نعم لا يوجد في هذا الكون مثل الأخ والاخت. لكن هذا الشيء مفقود هنا في استراليا.. ليس ماديا بالنسبة لها. لأنها وحدها وكل اخوتها واختها بعيدون عنها في القاهرة. لا.. أشياء غريبة جداً تراها وتسمع عنها اغرب من الخيال. اخوة تربط بينهم رابطة الدم ومع ذلك لو استطاع ان يذبح احدهما الآخر لفعل من اجل..من اجل ماذا!!.. لا تعرف عنصر الحب مفقود غير موجود وحلَّ محله عنصر الطمع واضيف اليه عنصرا الحقد والكراهية، مما قتل معنى الاخوة وهو اقدس واسمى معنى في الحياة. فما بالنا في الغربة او في المهجر. نعم هي وغيرها في احتياج الى الأخوة الصادقة غير المغرضة في استراليا.

لكن يا سلوى.. رامي يبدو انه انسان طيِّب و.. محترم. ومع ذلك من هو؟. انه وليد الصدفة. ولا نستطيع ان نبني اماني وآمال على الصدفة وحدها ايضا.. هل نسيتِ مدام فضيلة؟ ليس من المستبعد ان يكون احد اعوانها حولك الآن، يترصَّد خطاكِ ويصور وقوفك معه الآن.. لا يا سلوى.. لا تعطي هذه المرأة فرصة ابدا. انها لم تستطع خلال فترة وجودك بسيدني من التغلبّ عليك او اخضاعك.. لا.. لا تعطيها الفرصة الآن. اهربي.. اجري.. لا تقفي مع رامي.. لا داعي لجلب المشاكل لهذا المسكين. أفاقت من كابوس مدام فضيلة وعادت إلى رامي تواصل حديثها معه.

سلوى: طيب يا رامي عن اذنك.. انا سعيدة جداً بمعرفتك.

رامي: أنا ملاحظ أنكِ مرتبكة.. فيه حاجة شغلاكي..ما تزعليش مني اذا كنت باتكلم كده بصراحة.

سلوى: ايوه.. ايوه.. فعلا فيه حاجات لازم اشتريها وارجع البيت. انا كنت ناسية الحكاية دي.. علشان كده يمكن اكون مرتبكه او اي حاجة.

رامي: سلوى.. انا لما قلت اني بشعر انك اختي اللي فاقدها في الغربة. انا اعني هذا الكلام.. ولكن..

سلوى: رامي.. ارجوك.. نفس الشعور عندي، لكن علشان هذا الشعور انا لازم امشي دلوقتي، وح وفر عليك حاجات كتير. انا عارفة فين الاقيك اذا احتجتك في اي يوم. لكن مرة ثانية اعذرني.. عن اذنك.. باي..

رامي: باي.. باي..س.. لوى.. باي.

مشت سلوى.. اسرعت الخطى.. لم تلتفت خلفها، ودّعها رامي بنظراته.. اختفت عنه.. ظل وحده لا يعرف ماذايفعل لقطع الوقت المتبقي على خروج ليزا من العمل. ظنَّ لفترة ان سلوى سوف تبقى معه.. يتحدث كل منهما عن نفسه. لكن تصرُّفها الغريب، جعله يشعر بأن وراءها سرُّ تخفيه.. لا..لا أظن ابدا.. ليس من يحمل هذا الوجه الملائكي.. يخفي اسرار وراءه. انها فقط امرأة محترمة. والمرأة المحترمة تحافظ دائما على سمعتها. من يكون هو لتبقى معه في مكان عام وتتحدَّث اليه أو معه.. برافو سلوى.. لقد تصرَّفتي التصرُّف اللائق بك. التصرَّف المحترم والسليم للحفاظ على سمعتك وسمعة زوجك. الناس لا تعرف من هو أو هي. الناس يبحثون عن «لبانة يلكونها» في افواههم. لقد ازداد اعجابه واحترامه لهذه المرأة اتي جمعته الصدفة بها مرتين. ولا احد يعرف ماذا يخبيء له ولها القدر.

أما سلوى، فقد اتجّهت بسرعة الى «كنت ستريت» حيث تركت سيارتها في احد الاماكن المخصصة لذلك. خرجت مسرعة بالسيارة متجهة الى منزلها في «نورث سيدني».. عبرت «الهاربر بريدج».. ولكن صورة ميرفت ظهرت امامها.. نعم ميرفت.. تلك المرأة التي رأتها ذات مرة هي وشقيقتها ماجدة وتوطدَت الصلة بينهما.. لماذا لا تذهب اليها. لكن اليس من الأفضل الاتصال بها اولا، وبعد ذلك تتصرف على هذا الضوء؟ لا.. انا لست في وضع يسمح لي بالذهاب الى المنزل والاتصال. انا في احتياج الى من اتحدَّث اليه.. الى من اجلس معه.. الى من يحتويني وينتشلني مما انا فيه.. غريقة في بلد غريب.. بلد، كل من فيه لا يعرف الرحمة. الجميع يلهثون وراء السراب.. السراب المسمَّى المال.. كل انسان في استراليا قد وضع القيم والاخلاقيات.. وحتى الاحاسيس تحت قدميه وداس عليها واخذ يلهث ويستخدم كل ما هو مشروع وغير مشروع للحصول على المال.. غابة كبيرة وحوشها مفترسة ولا مكان للحيوانات المستأنسة الضعيفة، ولا حتى للحيوانات المفترسة الضعيفة.

مع ذلك رأت في ميرفت بصيص الضوء في ليلة حالكة السواد. اليوم هو أسوأ يوم في حياتها منذ ان جاءت الى استراليا.. لا بل في حياتها كلها لم تصادف مثله في القاهرة. الناس هناك يعيشون في امان ومحبة. الصراع حول لقمة العيش موجود.. لكن الأمان والحب والأذن الصاغية والعطف والرعاية هناك. اين المعادي؟. اين بابا وماما؟.. اين انت يا سامية حتى اشكو لك، ما انا فيه. امرأة تطاردني لتقدّمني الى سوق الرقيق الأبيض.. تبيع في.. وتشتري.. امرأة تستخدم زوجي دون قصد منه للدفع بي الى شباكها.. من يحميني منها ومن شرورها؟.. يا رب انت اعلم بما في القلوب.. يا رب ساعدني فأنت الأب الحنون وانت الموجود في كل الوجود.

عادت ادراجها متجهة الى بيت صديقتها ميرفت. كانت الساعة قد قاربت على الثالثة بعد ان اتصل بها عزت ليطمئن عليها بعدما حدث بينهما، لهذا سوف تتصل به حال وصولها عند صديقتها.

كان مفاجئة لميرفت، مجيء سلوى بدون تليفون مسبق. هذا ما كانت سلوى تفعله دائما. واليوم لا تعرف تفسيرا لهذا الحضور المفاجيء.

سلوى: ايه.. مفاجأة.. مش كده برضه.

ميرفت: الحقيقة مفاجأة.. يا ترى ايه اللي رماكي على حيينا النهار ده.

سلوى: ابدا.. كنت متضايقة شويه وافك غليلي فيكي.

ميرفت: وماله يا حبيبتي.. اهلا وسهلا.. تعالي دا حتى ماجدة اختي عندي النهار ده.

جلست النسوة الثلاث واخذ الحديث يتشعب.. من حديث عن الموضة الى تسريحات الشعر.. الى الافلام.. في كل ما تحب المرأة ان تتحدث فيه ومع.. لم تتحدث سلوى عن شيء. فجأة كمن تذكرت شيئا.. نهضت وسألت ميرفت ان كانت تستطيع ان تستخدم التليفون.

اتصلت بزوجها الدكتور عزت واخبرته انها موجودة عند صديقتها ميرفت، وانها سوف تعود الى المنزل بعد الانتهاء من الزيارة.

لم تشأ ميرفت ان تستدرج سلوى او تشجعها للحديث عما بها. بل تركتها، لربما يكون وجود شقيقتها ماجدة سبباً لعدم رغبتها في الحديث. ومع ذلك بعد ان انهت سلوى المكالمة، عادت وقالت:

سلوى: النهار ده فيه حاجة غريبة جدا حصلت لي..

ماجدة: يظهر النهار ده يوم المفاجأت والحاجات الغريبة.

سلوى: ايه وانتِ كمان!

ماجدة: ايوه.. بس احكيلنا انت ايه الحاجة اللي حصلت لك.

سلوى: من حوالى سنة تقريبا.. كنت اشتريت من دافيد جونز شويت حاجات. بفتح الباب لقيت واحد كان داخل فمسك الباب علشان اقدر اخرج. شكرته بالعربي ولسه حاتأسف لقيته رد علي بالعربي.

ميرفت: انا عارفاكي.. دي عادتك.. تتكلمي عربي وبعيدين تعتذري بالانجليزي.

سلوى: عاده مهببه بعيد عنك.. لكن اهو اتعودت عليها لغاية دلوقتي.. المهم الشخص ده ساعدني في شيل الحاجات لغاية العربية وباي.. باي.. كل واحد راح لطريقه..لا اعرف اسمه ولا هو يعرف اسمي.

ماجدة: الله.. زي بتوع السينما.

سلوى: وانت يا ماجدة باين بتحبي الافلام..

ماجده: احبها موت.. وخاصة الافلام اللي فيها تشويق زي حكايتك..

ميرفت: استني شويه يا ماجدة لما نسمع بقيت الحكاية..

يتبع ...

سرُّ حبّي

علي مشيك
خجلَ اليراعُ من الكلامِ و قد مضى
نحو الدّفاترِ ينتقــــي بــــــتأمّلِ
متصــــــفّحاً صفحاتِ شعريَ باحثاً
عن ســـرِّ حبّيَ في البهيمِ الأليلِ
راحت حروفُ العشــــقِ تنثرُ لونها
و أزاهرُ الجنّاتِ تلمعُ تنجلـــــي
فغدا الظّلامُ و بالمـــنارِ مشـعشـــعاً
و غدت ليالي الحبِّ نحويَ تُقبــلِ
عطرُ القصــــــائدِ قد تضوَّع ناشراً
عرفَ الأطـــايبِ بالعبيرِ الأجملِ
صدح الفــــؤادُ مرنّماً بلســــانـــــهِ
نغمَ المحـــــــبَّةِ و الوفاءِ الأطولِ
فإذا اليــــراعُ تســـــيلُ فيه دمـــاؤهُ
فتناثرت حُرُفُ الجــمالِ المخملي
و لاّلئُ الشِّــــعر الرَّقيقِ تطايـــرت
خدَّ الأزاهرِ ذي الشــــــــفاهُ تقبّلِ

الفلماية

نعمان إسماعيل عبد القادر
كنت صغيرًا إذ ذاك، وكنت كلّما ذكروا "الفلماية" ظننتها شجرة عظيمة ومخيفةً يستظلُّ بظلّها الرعاة والعابرون ويأكل من ثمارها الصغار والسارحون وتعشش على أغصانها آلاف العصافير؛ وصارت اسمًا علمًا يشير إلى المكان الذي نبتتْ فيه فنمتْ وترعرعتْ حتى أخذت شهرتها ثم انقرضت مثلما انقرضتْ غيرها من المخلوقات. كنتُ أظنُّ هذا لأنها لا تبعد عن السّدرة سوى نصف ميلٍ على أكثر تقدير.. ولعلّي لا أبالغ حين كنت أتصورها صخرةً ضخمةً أو في أحايين كثيرةٍ غولاً يظهر في ليالي الشتاء لمن يعصي والديه أو يهمل في دروسه أو يرتكب جريرةً ليحاسبه على كل صغيرة وكبيرة فإما أن يأكله ويترك عظمه للضباع الجائعة أو يحبسه في مكان بعيدٍ يعذبه متى يحلو له. وكانت نساء القرية إذا خرجت في زفّة عريس تنطلق به أغلبهن إلى السّدرة وكأنهن يقلن أمام الملأ إن العرس لن تستوفى شروطه إلا بزيارة السدرة، ثم يشرعن في الطواف حولها مع تصديةٍ من غير مُكاءٍ فيهزجن ويرقصن لساعةٍ ثم يقفلن معه راجعات لتناول وليمة العرس ساعة الغداء.. ومنهنّ، زيادةً في الاطمئنان، لا يكتفين بالسدرة فيهرعن نحو الفلماية حتّى يزول الحسد ويحلو العيش للعروسين معًا.
ولا زلت أذكر ذات مرّة حين بلغت الخامسة من عمري، سألت أبي لمّا سمعته يحدّثُ صديقه عن المجزرة وجاءا على ذكر الفلماية فقلت له: وما هي الفلماية يا أبي؟ أجابني بابتسامة صفراء قائلاً: هي المكان الذي وقعت فيه المجزرة.. هي المكان الذي نصبوا فيه رشاشاتهم.. وهي المكان الذي طلبوا مني حينها عند عودتي مع صديقي من العمل، بطاقة الهوية، قبل أن تأتي ساعة الصفر ويبدأ القتل.. هذه المجزرة الرهيبة جاءت بعد مجزرة دير ياسين وقبية، أثناء العدوان الثلاثي على مصر يا بنيّ.. ثم شرع في سرد تفاصيل المجزرة وأحداثها بدقّة متناهيةٍ فانكشفت أمام عينيه صورٌ غريبةٌ مبهمةٌ كأنه يشاهد فيلمًا سينمائيًا فسرح بخياله ثم انفعل وانزلقت من عينيه دموع الحزن على فقدانه أصدقائه وأحبّته.. حينها لم أعرف عن أي صديقٍ يتحدث ولكنني أدركت من حديثه أن الفلماية تعني المكان المشؤوم الذي تقع فيه المجازر، وظلّ الإبهام يلازمني دون أن أعرف شيئًا عن الفلماية..
أقيم النصب التذكاري وكتبت عليه آية قرآنيّة وأسماء تسعة وأربعين من الشهداء. وصرنا إذا مررنا من ذلك المكان نقرأ على أرواحهم الفاتحة حتى أخذ المكان قدسية في نفوس أهل القرية جميعًا وبدأنا نشعر أن دماء الشهداء قد روت تراب الفلماية وما حولها.
زال اسم الفلماية من قاموسنا الجديد المعاصر، وصرنا لا نستخدمه إلا مرّة واحدةً في كلّ عام حين تحلّ الذكرى ويلبس الناس لباس الحداد، فننطلق بمسيرة التاسع والعشرين من أكتوبر إلى النصب التذكاري ونتوجه إلى المقبرة لنقف قرب أجداث الشهداء. زال اسم الفلماية وحلّ محلّه اسم جديدٌ مركب من كلمات ثلاث- منطقة النصب التذكاري. ثم زال بعده اسم السدرة أيضًا وصار الصغار إذا ذكرنا كلمة الفلماية أو السدرة لا يفهمون شيئًا. وإذا تطرّقنا على أسماء أخرى كنا نستخدمها وقفوا مشدوهين وأخذتهم الحيرة وتساءلوا عنها وعن وجودها وأخذوا يبحثون عنها في معجم البلدان أو لسان العرب ليضعوا أفكارهم على مواقعها.. وقالوا أين السدرة وأين الفلماية ؟...
بعد وفاة والدي جاءنا أحدهم لتعزيتنا، فجلس إلى جانبي وقال لي: كان المرحوم إنسانًا عزيزًا على قلبي، وكانت تربطني به أواصر الصداقة. كان أكثرنا تجربةً وأسرعنا فهمًا وأعظمنا تديّنًا وأسبقنا في الوصول إلى الصبر. في اليوم الذي وقعت فيه المجزرة كنا نشتغل معًا في معمل لتكسير الحجارة وفوجئنا بتقدم مشغّلنا نحونا وطلبه منا ترك العمل قبل الموعد بساعتين دون أن يفصح لنا عن السبب ركبنا دراجاتنا واسترحنا في طريقنا قرب حقلٍ، يعمل فيه من ركبوا قافلة الشهداء بعدنا فتناولنا منهم الماء فشربناه بعد أن تنادرنا معهم وتابعنا سيرنا. عند وصولنا إلى الفلماية فوجئنا بانتشار كثيف للجنود.. توقفنا ودققوا في بطاقاتنا وقبل أن يخلوا سبيلنا قال لنا أحدهم بالعبرية: "يا كلاب لو تأخرتم قليلاً لأصبحتم في عداد الموتى". ثمَّ أخذنا نحثّ خطانا نحو بيوتنا دون أن نتوقع الكارثة.. ولا ندري ما الذي يمكنه أن يحدث في قريتنا لتصبح فيما بعد تاريخًا وتسجل في كتاب يطلق عليه أسم المجازر. لم نكن نحسّ بهذا مع أننا كنّا نسمع عن أنباء التعبئة في الجبهة المصريّة وحشد الجيوش. ما إن وصلنا إلى السدرة حتى بدئ إطلاق الرصاص وشرِّع القتل وشرعوا في حصد كل من صادفهم بدمٍ باردٍ.
سبحان الله.. أأنت أنت؟؟ أنت الذي رافق والدي أثناء عودته من العمل قبل أن يبدأ القتل بدقائق معدودة. أنت الذي حدّثني والدي عنه. ما أصغر هذا العالم يقولون في عاميتنا الفلسطينية: " جبل على جبل، لا يلتقيان، وإنسان على إنسان، يلتقيان ولو بعد حين".. أجابني بانفعال وعيناه رقراقتان: نعم أنا كنت في صحبة والدك المرحوم في ذلك اليوم.. ثم أخذ يغني شعرًا كان قد كتبه عن المجزرة لا زلت أذكر الشطر الأول منه:
أنا ابن الفلماية أرض الفدا متى أضع الكوفيّة تعرفوني
كدنا ننسى السدرة والفلماية وانشغلنا في أمور كثيرةٍ حتى حلّت علينا هذا العام الذكرى الثالثة والخمسون وفوجئت بأحد الشيوخ يحدّث عن إصابته برصاصة في تلك المجزرة حين وصوله مع غيره ممن نالوا الشهادة إلى الفلماية، وهروبه واختبائه في كروم الزيتون وهو ينزف دمًا.. فسألته بعد أن أنهى حديثه، عن الفلماية وما تعنيه؟ فأجابني بحماسٍ: إن الفلماية هي لافتة وضعها الإنجليز أثناء استعمارهم لبلادنا ونصبوها على مدخل قريتنا وكُتب عليها- كفر قاسم..
naamankq@yahoo.com

الأربعاء، أكتوبر 28، 2009

فارسي الجسور

ميمي أحمد قدري

تبحث عن وطن !!؟

يا فارسي الجسور

وطنك في قلبي

وطنك في صدري

بين أحضاني

في زمهرير وصقيع الشتاء

تدفئك أشعاري

وتملأ قلبك همساتي

وتغمر عينيك عيناي

وفي استعار لهيب الصيف

أغمرك...وأرطبك بأنفاسي

وأجعلك تهيم في دنيا إحساسي

وتتوارى بين حنايا جنباتي

وتتظلل بظلال قلبي

من نار هي قاتلة لك ولي ولحبي

ها هي يدي فاحتضنها....امتلكها

وبحق الحب أطفيء بها حنينك...واشتياقك

أكتب أشعاري وأتوارى خجلاً

كي لا يفضحني وجهي

ويكتشفوا سري وسرك

يا فارسي الجسور

انتظرني لكي أرتشف رحيق عطرك

أتشبع بملامستي جلدك ؟؟

آه ثم آه ثم آه

اذا نظرت حولي ولم أجدك

تجافيني أنفاسي..... وتتلاشى في أنفاسك

أنا يا فارسي الجسور أهيم في هواك

نعم أهواك....والله يشهد أني أهواك

أهواك وأهواك....وكاذبة أنا

كاذبة أنا

إن قلت أني لا أهواك...أو أهوى سواك

أقسم برسمك

انني أحيا على هداك ومن أجل رضاك

وأموت إن اقتضى الأمر....شهيدة في هواك

أهواك أهواك أهواك

يا فارسي الجسورأنا فداك

ذكرياتى


يُسْرْ فوزي

تلبسني كروح مارد
أعانق صمتي
و تحتضر أنفاسي
تحصدين ثمرة عشقي
و تسقيني ثرثرة السراب
أهادنك و نمضى ميثاقا
أزرعك مهدا للزهور
تحتليني مرتعا
و تزرعيني أشواكا
تطحنيني تحت فكيك
و تمتصين رحيقي المحلى
و تنفثين سقمك بين زوايا علتي

تنقرين أعصابي
تجتثين عروقي
تنخلين عظامي
تفتتين الباقي
من وجدان مضرج

أحيي مواسم الزهور
و طقوس الطيور
أزين خاصرتي بألوان الفصول
تنثر رياح السموم بذورك
فتردى الفرح قتيلا
ينتحر الربيع
و يصلب زهر الرمان الخريفي
تنتحب الشطآن و تجدب السماء

تغتالين صفحات عمري
ترسم على صوري
رائحة الموت
فأغدو أقطف اللهب
تحترق أجنحتي
و صهد سعيرك
ينثر رماد أضلعي

لماذا
لماذا أدمنت خمرك المسموم
وشاحك المطرز بالسواد
ارتسم في أحداق تيهي
قذفني في وهدة الضياع
سئمت تربصك إيذائي
زحفك بأوصالي
و استنزاف مروج عشبي النضر

فبعض أزقتي ضاحكة
تزينها البسمات
ترتل فيها الطيور
قصائد الصبا البليلة
و عذوبة أوراق معطرة
أحلام خضراء
توجت فيضي ثمارا
و أمطرت روحي زلال الربيع

أصبو عيشا يخصب حياتي
و استنشاق غيث صلاتي
لن تظفري فراغ قدحي
امتلأ للثمالة
بألوان القول و رسوم الربيع
و ذوارف العين عقمت أرحامها

قناديل صمتى
قرعت النواقيس
حفرت لك أخدودا
في محارق الزمن
أضاءت جفونى نشوة النصر
و انتثر بسمائي
بريق الشهب
يمهد ولوجي
لفضاء الذكريات ربيعا متوجا

طفلة أنا....منذ رحيلك

د. سهير عبد الرحمن

منذ تعلمت أخيرا
ألا اغضب
تعلمت
الرحيل
كلما تألمت
كلما آلمني الزمن
هربت
هربت من الزمن
لحظة كان هو
أو يوم...

يا ليتني ما تخليت عن غضبي
لو كنت غضبت
وصرخت
لكنت استعدتك
بالأمس
القريب

و لكني تعلمت الصبر
والخصال الحميدة
و تركت عند الصغار
وغيرة الشباب
تعلمت أن أكون امرأة
كاملة
حتى
إذا عدت
أبهرك
بأحلى
الخصال

تعلمت أن أكون أماً
و أن أهدهد نفسي بالليل
حتى
أنام
طفلة أنا منذ رحيلك
طفلة أنا كلما أغلقت على
بابي
أبكي
أنتظرك أن تأتي
لتدللني كم كنت تفعل
و لكنك رحلت
لأني
تعلمت ألا أغضب
لأنني تمرنت على لغة
الصمت
و أنت حبيبي
تكره لغة الصم الخرس
رائعا كنت أنت
مليئا
بالحياة


أتدرب على الكلام
أتدرب
على الغضب
و أستعيد من مخابئ روحي
جنوني
وخبلي
وضجيجا
علك تسمع صوت
الضجيج
و ....تعود
هل تعود......؟

ملكة أنا

نورة عزت

ملكـة أنا وعلى صدر عمري تعويـذة تحمل سـر الحياة
عرش من أحجار الخلـود قائم على غصن أعمـار الزمان
موكب تتزاحم فيه النجمـات
وشـلال ضوء يهديه لي وجـه القمـر
نسمات ساكنـة في وجه الرياح تأذن لـ موكبـي بالمسير
أمـواج من

خيـوط الشمس تنجلـي من عيـوني
تغطـي مساحـات السمـاء
ترسـوا على قـوارب عشقكـ مبحـرة إلى عمقـي
امرأة أنا تسيدت مدينة قلبك ولن تبرحها
فقد أصابتها أعمق اللعنات
فـ لا جمر نار سيشعل سكينتها
وإن قرأت آلاف التراتيل و الصلوات
قلبك مدينة عشق حر يأبى قيود الكلمات
فـ اكتفيت بعمق صمتك وإن يحيا بين الأموات
تنبتُ بين مساحات عينيك زهرات مخضبة بلون عشقي
تنسكب أجزاءك جميعاً بين كفوفي لتتجمع قطرة واحده
فـ تشرق ابتسامة تهـدي دروب العاشقين
جعلت مني مرآة تنعكس عليها ملامح نفسك
حتى أصبح همسـي تردداً لـ أسـرار صوتك
سطـوراً تتوسـد عليها حتى كلماتكـ
أسكنتُ بين أنت وذاتك موجات نفسي
وبين ذاتك وعيني آهات عميقه تصرخ باشتياق
فـ كفاني أني امرأتك
حين رأيتَ في شروقي غروبا لاحزانك
وشروقا لفجر أيامك
وهبتَ أعمارك شعوبا تُحيي أوطاني
وأقمت لي حصوناً واسواراً من ضلوع صدرك
وسكينة وجدانك
سكنت بين أخاديد يدي وألقيت بيني مواطن اغترابك
واتخذت من روحك روحا لألف آدم فقط لتحتويني
تمنيتُ أن أترامى بينك خارج حدود المستحيلات
ذائبة كـ قطرات مطر عالقة بين جناحيك
فأتساقط عشقاً
على عصور تنتمي إلى زمن يحمل ألف عام من حب
ألف عام من حلم يهزم زمن البعـاد
أقسمت أن تنتظر ألف عام أخرى لأتساقط عشقاً عليك
عاهدتني ألا يستظل حر قلبك إلا بين كفوفي
وألا تبحر إلا بين شطآني
سكنت أعماق صمتي وغزوت كهوف عشقي
فـ استسلمت لموجك يرويني بسيل نبضك
فـ أشعرني بك من جديد
حبك علمنـي أن أتقن إعتلاء مملكـة الغـرور
توجتـني ملكـة على عرش حريـة آدميتكـ
تشربت منكـ عبـق الـ أنا حتى استوطنت منه الـروح
وأيقنت أنك لي أأمـن سكـن
أصبحتُ يا حبيبي موجة غرست في بحرك لا تشتاق الى شاطئ أو أي ميناء
ملأت عينيكـ بـ ملامح كل النسـاء
فـ كيف لا أرضـى بالـ غـرور لي وطـن

خاطرة من الجنة: ســــيدي: أتقبلني زوجة؟

يسرية سلامة
بتعبير الرؤيا أنت عـليم...... وبالرؤية العين تحلم
كثيرات مثلي أنا أعـلم، لكني أكثر من تصبو وتأمل
زينةُ المرأةِ حياؤها.... وهل مع حسنك يُجدي حياء؟
فُتن قبلي بجـمالك......... لكن قلبي بالجنة يحـلم
سـبعون فأكثر لك مثلي.... فاقـبلني إحداهن زوجة
سـأكون جميلة أنا أعدك... وشباب أكثر تماماً مثلك
أحـرام مثلي أن تحلم بوزير ذي حُسن، علم وبـهاء
******
أؤتيت شطر الجمال، والدنيا بأسـرها شـطره
في قصتك للسائلين آية، وبالسلام إسمك يقترن
يجـتبيك ربك، فسـيرتك للـمهـمـوم فـرج
******
بــرئ الذئـب مـــن دمــك
وبعد إلقائك بالجُب بإثنين وعـشرين عـامًا **بإخـوتك تلتـقي
بظهورك غابت النسوة عن الدنيا**أكبرنك وأيديهن بالسكين قطعن
فـضلت السجن على دعوة النسوة**فـصرف الله عنك كيـدهـن
أبيت الخروج من السجن إلا بريئا**ولبثت في السجن مـظلومـًا
فـأعـزك اللـه مـن بـعد ذل** وخرجت لمصر عزيزًا منتصرا
*******
جُعلت على خزائن الأرض مكيناً أمينا**حـفيظاً عليها، مؤدبًا وفصيحا
فـآتـاك اللـه حُـكـمًـا وعـلمـًا
وضعت خطة السبع سنين، لتعبر إلى الـقحط** الغوث، الرغـد والسـعة
غدوت خير المنزلين وللـكيل أوفى
تركت دين الملك، وبشريعة يعقوب حكمت** لتأخذ أخيك......أحسنت!
قــمــيصـك أبـصــر يـعـــقــوب
مـن المحسنين أنت سيدي وأعلى درجات الكرم
الكـريم بن الكـريم بن الكـريم بـن الكـريم
يوسف بن يعقوب بن إسـحق ابن إبراهــيم
********
في حرفين إسمانا يتلاقيان، فهل من تلاقٍ في الجنة؟
لن أفتريَ على الله كذبا، فالحـلم كـله باليقظة
وأقولـها الآن ثانيةً..... هل سـتقبلني زوجة؟

رؤية واقعية...؟

نبيل عودة

قصة قصيرة
ثلاثة محققين شباب جدد وصلوا لقسم التحقيقات في الشرطة. مدير القسم قرر، قبل ان يوزعهم على مكاتب قسمه، ان يفحص ما تعلموه في مدرسة الشرطة، ومدى جاهزيتهم للعمل في قسمه.. وفحص قدراتهم على التحقق من مميزات هوية الجناة.
أخرج من جارور مكتبه صورة، وقال للمحقق الشاب الأول:
- هذه صورة المتهم الذي تطارده. كيف ستتأكد من شخصيته؟
وأظهر له الصورة لخمسة ثوان فقط.
أجاب المحقق الشاب:
- هذا سهل.. توجد له عين واحدة فقط.
قال مدير القسم:
- ايها المحقق. انا أريتك صورة جانبية لوجه المتهم. وبهذه الحالة لن ترى الا عيناً واحدة.
نفس الأمر جرى مع المحقق الشاب الثاني.. أظهر له الصورة لخمسة ثوان فقط، وقال له:
- هذه صورة المتهم الذي تطارده. كيف ستتأكد من شخصيته
ابتسم المحقق الشاب الثاني وقال بثقة:
- أوه.. من السهل القبض عليه.. لأن له اذناً واحدة.
غضب مدير قسم التحقيقات من الإجابة الثانية أيضاً، وقال بنرفزة:
- ماذا يحدث لكما؟ من الواضح انه في الصورة الجانبية لا نرى الا عينا واحدة وأذناً واحدة.
هل هذا هو أفضل ما لديكما؟
وبغضب بارز طلب من المحقق الشاب الثالث ان يتأمل الصورة. وسأله بنفاذ صبر:
- هذه صورة المتهم الذي تطارده. كيف ستتأكد من شخصيته؟
المحقق الشاب الثالث تركز في تفكيره، ابتسم وأجاب بثقة:
- المتهم يضع عدسات لاصقة..
المدير لم يكن مستعداً لمثل هذا الجواب الجديد، لأنه حقاً لا يعرف اذا كان المتهم يضع عدسات لاصقة. ولكنه سعيد بهذا الجواب الجديد من المحقق الشاب الثالث الذي يشير الى محاولة استعمال الفراسة الشخصية. قال:
- جواب مثير حقاً.. انتظروا قليلاً، سأفحص ملف المتهم صاحب الصورة.
دخل للحاسوب، وبحث عن ملف المتهم. وقرأ مقاطع من الملف. وبانت ابتسامة على شفتيه:
- أمر لا يصدق.. هذا صحيح.. المتهم حقاً يضع عدسات لاصقة. تشخيص ممتاز. قل لنا، كيف استطعت ان تستنتج مسألة بهذه الدقة؟
أجاب المحقق الثالث:
- مسألة بسيطة سيدي القائد.. الشخص في الصورة لا يستطع ان يضع نظارات عادية لأن له عين واحدة وأذن واحدة!!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com



صباحكم أجمل: نَهيل نسمات كرمية


زياد جيوسي

أشجار خضوري باسقة كحلم الجامعة
بعدسة: زياد جيوسي

هل يمكن للحنين أن يتوقف؟ كيف يمكن للشوق أن لا يشدني إلى أماسي شمال ضفتنا ونسماتها التشرينية؟ سؤالان جالا في خاطري وأنا أجول شوارع رام الله ودروبها في نهاية أسبوع عمل، قطفت بعضاً من ياسمينات متعربشة على الحيطان، تفيأت ظلال شجرتي المفضلة التي أسميتها بركة، فقررت التوجه للتمتع بالنسمات الكرمية، وكالعادة في التجوال حملت بعض الكتب، وآلة التصوير، وقليلاً من الملابس، وبعض الاحتياجات التي لا بد منها لغياب عدة أيام. ودّعت رام الله بحب ووعد بلقاء قريب.

اتجهت بي الحافلة شمالاً. كان الخميس منتصف تشرين. كنت ألصق وجهي بالنافذة أهمس لكل شجرة، ولكل صخرة: أعشقك يا وطني.. تخدش عينيّ مشاهد المستوطنات التي تعتلي قمم تلالنا المسلوبة، والمستوطنون الواقفون خلف الدشم الإسمنتية، وجنود الاحتلال في أبراجهم ومواقعهم المحصنة، والحواجز والدوريات العسكرية، فأهمس لروحي: لا بد أن يشرق الصباح الأجمل.

تضمني أماسي طولكرم بحب، فأتنشق عبقها رغماً عن أدخنة مجمعات القمامة في مدخليها، ورغماً عن سموم مصنع الكيماويات الإسرائيلي الذي زرعه الاحتلال بجوار الجدار. أجول الشوارع الكرمية مستذكراً أماسي ناعمة دافئة، وتاريخ مدينة طولكرم ودورها المميز في الجوانب الثقافية والأدبية، والشعراء والكتاب الذين أنجبتهم هذه المدينة الجميلة. أتأمل بعضاً من المباني التي ما زالت تحمل عبق التاريخ وحكايات الأجداد. أمر بجوار جامعة فلسطين التقنية (خضوري)، فأتذكر زيارتي لها في السنة الماضية وروعة اللقاء مع إدارتها وطلابها. أصل إلى بيت (وسيم) أخي الأكبر، فنقضي السهرة بالدفء الأسري، وأحدثهم عن شعوري بالألم من تقصير البلدية بإهمال التشجير والشوارع التي تمتلئ بالحفر والأتربة، فتحيل شوارع المدينة إلى لوحة شاحبة أكل عليها الدهر وشرب، حيث تحولت إلى بقايا صور وبعض من الذاكرة، فأسمع منهم ومن غيرهم من الأصدقاء في الأمسيات التالية الكثير من الشكاوى والقهر، فهلا التفتت وزارة الحكم المحلي لشكاوى المواطنين واستمعت منهم وراقبت الوضع عن قرب؟ سؤال يلح في الذاكرة من عاشق للوطن يحلم أن يراه دوماً أجمل.

الجمعة قضيته في لقاء أصدقاء، في المساء كنت ألتقي أحبة من طلاب خضوري، ضمنا مقهى جميل مرتفع يطل على المدينة من الأعلى، فأتاح لي فرصة التأمل في أحياء المدينة من خلال نظرة أكثر شمولاً. من نهار السبت قضيت قسماً منه في مدينة نابلس مدعواً إلى الغداء في بيت صديقي الشاعر محمد حلمي الريشة وأسرته الجميلة، وأطايب الطعام من تحت يديّ الأخت أم باسل والكنافة النابلسية الأصيلة الشهية المصنعة في البيت، لأعود في المساء إلى طولكرم وأنا أرقب غروب الشمس وأقرأ بعضاً من أشعار الريشة.

الأحد وفي العاشرة والنصف صباحاً كنت ألتقي جامعة فلسطين التقنية (خضوري)، لقاء شوق ومحبة، فأجول جنباتها مع طلبة يعشقون جامعتهم ومدينتهم، البعض منهم تخرج وما زال انتماؤه للجامعة كبيراً، أحتسي القهوة مع الأساتذة عامر ياسين وماهر قمحاوي، ومن ثم يرافقونني إلى قاعة محاضرات حيث رُتب لي لقاءً سريعاً مع الطلبة تجاوز الساعة، تحدثنا فيها عن الإبداع الأدبي والفني وتجربتي الطويلة في عالم الكتابة وآلة التصوير، وقد فاجأني تلفاز السلام المحلي باهتمامه بتغطية اللقاء وإجراء مقابلة معي، فشكراً لهم الاهتمام بمحافظتهم ومتابعة أخبارها، كما غطت الزيارة مشكورة وكالة معاً ببث خبر الزيارة واللقاء مع الطلبة ورئيس الجامعة.

بعد اللقاء مع الطلبة وجولة في رحاب الجامعة، كنت على موعد لقاء مع الأستاذ د.داود الزعتري رئيس الجامعة، وهو أول من حمل هذه الصفة في تاريخها، وحقيقة فوجئت بشخصيته الدمثة وروح الشباب التي تتملك روحه، فأكد لي اللقاء ما كنت قد سمعته عنه من الطلبة ومن أصدقاء من أهل المدينة، حدثوني عنه حين علموا أن لي زيارة للجامعة. كان لقاءً رائعاً ضم إضافة إلى رئيس الجامعة، د. سائد ملاّك نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، ود. حلمي سالم مدير مراكز البحث، والأستاذ رشيد الراميني مدير العلاقات العامة، والطلبة شادي ورامي أبو شمعة وعبد الرحمن صباح، المشرفين على منتدى خضوري الإلكتروني مع زملاء لهم.

تحدث رئيس الجامعة عن أحلامه بتطوير أول جامعة حكومية، فأشار إلى جهود زملائه وتعاونهم في تحقيق الحلم، حلم جامعة تحمل إرثاً طويلاً منذ كانت الجامعة معهداً زراعياً متقدماً يحمل اسم (خضوري)، وأصبحت الآن جامعة تحمل اسم (جامعة فلسطين التقنية)، كما أشار إلى المشكلات التي تعانيها الجامعة خصوصاً أن الكل فيها يحلم بالعودة إلى وحدة أراضي الجامعة، فالجامعة وكما حدثني وكما تحدث الأستاذ رشيد الراميني تعاني من استلاب أراضيها، فهناك 200 دونم استولى عليها الاحتلال في سنة النكبة، وخمسون دونماً مصادرة لما عرف بمقر الارتباط العسكري، وسلطة الطاقة تستولي على مساحات أخرى وتحيلها إلى مستودعات، ووزارة الزراعة استولت على قسم من الأراضي، وجامعة النجاح أخذت قسماً كبيراً من أرض الجامعة بما فيها القسم الذي يحمل حجر الأساس، إضافة إلى مدرسة الصناعة، ومعاناة طلبة الجامعة كما أهالي المدينة من سموم مصنع الكيماويات الإسرائيلي، فهل سنجد آذاناً صاغية تعيد الحق للجامعة كي يمكنها التوسع والنمو وخدمة الوطن؟ وهل نجد اهتماماً أكبر بالجامعة كما فعلت جمعية أصدقاء خضوري الخيرية التي ساهمت ببناء مبنى سكن للطالبات، وساهمت بتشطيبات الطابق الثالث لمبنى الهندسة وغير ذلك من النشاطات الداعمة؟

انتهي اللقاء مع إدارة الجامعة ورئيسها بدون أن نشعر بالوقت، قدمت من خلاله لمكتبة الجامعة هدية، عبارة عن نسخة من كتابي فضاءات قزح، ونسخة من الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر محمد حلمي الريشة أرسلها معي هدية للجامعة، واعداً مكتبة الجامعة بتزويدها بكل ما يقدمه أصدقائي الكتاب والشعراء والمبدعين، وقبل لحظات الوداع خاطبني رئيس الجامعة بقوله: إن الجامعة تفتح أبوابها وقاعة مسرحها أمام الكتاب والأدباء والشعراء والفرق الفنية والمسرحية، لتساهم الجامعة بإعادة طولكرم بؤرة ثقافية متميزة، وإدارة الجامعة ترحب بالجميع، وتولي الطلبة والمنتدى اهتمام خاص، فودعته بحرارة وروحي تحمل في ثناياها احتراماً خاصاً لإنسان يحمل في داخله انتماءً رائعاً، لأزور بعدها بلدة إرتاح ومقام بنات يعقوب، أجولها وألتقط الصور لها.

وها أنا في رام الله في هذا الصباح الجميل، عيناي ترنو للقدس التي تستباح ويستباح فيها أقصانا، أعود إلى محبوبة تسكن مني الروح ولم تفارقني، واقعاً وطيفاً جميلاً، أستعيد ذكرى أماسي كرمية، ودفء خضوري، ونابلس وجيوس بلدتي، أحتسي قهوة الصباح مع النغمات الفيروزية (يا كرم العلالي عنقودك لنا، يا حلو يا غالي شو بحبك أنا)، فأهمس لطيفي ووطني ومدينتي.. صباحكم أجمل.

الثلاثاء، أكتوبر 27، 2009

تجيء ويغضي القمر

لبنى ياسين


الجزء الأول

لها وجه قمر...
ولي شعرها المنسدل...
وجمال قامتها...
لها ابتسامة قمر...
ولي دمعة...
أمسكتُ اللوحة المصفرة بحذر, ووضعتها داخل ملف بلاستيكي شفاف جلبته خصيصاً لها, كانت تلك اللوحة...كل ما تبقى لي منها، من رائحة أنفاسها...من دفء عينيها, من حزن باذخ أخفته خلف شال.
عندما أصررت على أن تكون هذه اللوحة غلاف مجموعتي الشعرية الأولى اعترض مصمم الغلاف, وكاد ينفجر في وجهي إلا أن صاحب دار النشر ضغط عليه، فمجموعتي هي الفائزة الأولى في المسابقة الشعرية، وأراد لها أن تخرج كما أحب تماماً، وأردت أنا أن تنعجن بروحها وأن تحمل بقايا أنفاسها ورائحتها، تلك التي انغرست عميقا في ذاكرة الفقد...أردت أن أهديها لها وحدها، فهي التي فجرت بي حمى الكلمات الملتهبة، وبين الحرف والنقطة والفاصلة بإمكان أي إنسان أن يلمح وجهها ودموعي تتعانق.
كل من قرأ تلك المجموعة قال أنها باذخة الإحساس والدفء، لكن أحدهم لم ينتبه إلى أني سكبت فيها مشاعري فالتهبت, ونثرت دموعي على السطور فأصبحت حروفاً، ورصفت وجعي فتدفقت الكلمات لتدمي وجه البياض, ثمة شعور مفجع بالفقد يعتريني كلما كان يلم بي صوتها فأهرب إلى الورق, فقد اعتدت أن أكون معجونة بها, جزءاً منها ...جزءاً غير قابل للانفلات، وحدي كنت أغلق باب غرفتي دونهم، وأشرع نافذتي لأرى وجهها على صفحة القمر فتياً باسماً، ولأنني لم أجد لها شعراً بعد ذلك، فقد ألصقت لها خصلات من شعري، لأنها يجب أن تظل هكذا، أسطورة حب، وقصيدة وجع، ووعداً لا يفيني نفسه، وألماً قصياً في حنايا روحي لا أعرف كيف لي أن أعالجه، ربما لأنني لا أطيق منه شفاءً؟
أصغر المشتركين في تلك المسابقة الشعرية كنت - تسابقني الست عشرة شمعة التي لم أعد أشعلها ولا أطفئها ولا حتى أحصيها بعد رحيلها- في مواجهة من يرفلون في ثياب العشرينيات والثلاثينيات من العمر، كنت أعلم أنني سأفوز رغم ذلك، هي همست لي ساعة سَحَر، أخبرتني بأن حروفي تضيء في الليل كالنجوم، وتمطر في النهار كسحابة حبلى بالأمنيات، فصرت أكتب لها كل يوم، كان يجب أن أفوز وإلا كيف كان لي أن أواجه وجهها حيث يرتسم فوق صفحة القمر يسترق النظر إلي من خلال نافذتي المشرعة لوجهها فقط وللقمر.
كلما ارتسمت ملامحها الحلوة فوق قسماته، أغضى القمر، وخبأ ضوءه وراء تفاصيل ابتسامتها، تاركا لها فراغا هائلا تنثر نورها الباذخ فوق تفاصيله..من يملك نوراً كهذا؟ تلك التي ما كانت إلا ملاكاً متخفياً في ملامح مضيئة لألم إنسان، كانت كل يوم تجيء...ويغضي القمر.
تحدثني كما اعتادت، تضمني إلى صدرها فتفوح رائحة الياسمين، تخبرني كم تحبني فينحني الشوق إجلالاً، وأخبرها كم أحبها فتغرد طيور الجنة في صدري، أقول لها بأنني أشتاق إليها كثيراً حتى لم أعد أحتاج لرؤية أحد غيرها، فتحدجني بنظرة عاتبة وتقول:" وحده الليل لنا، أما النهار فهو لهم فكوني هناك بينهم"، لكنني لم أفِ بذلك العهد أبداً، فقد كانت ترافقني في النهار أيضاً دون أن تدري، ولأن أحداً سواي لا يشعر بوجودها، كان حرياً بي أن أختلق لها فضاءات تحلق بها حيث لا أحد سواها يجرؤ.
أتذكر يوم رسمت تلك اللوحة.
تلك كانت المرة الوحيدة التي أغضبتها فيها، كانت قد تهاوت تحت وطأة المرض، سمعتهم يهمهمون بصوت منخفض كما فحيح " مرض عضال" و"أيام معدودة"، ولأن الزمان كان لغزاً عصياً على طفولة عقلي، لم أفهم أن أياماً معدودة لديهم تعني ألا تكمل إشعال شمعاتي التسع، وأن تبقى قربي زمناً يسيراً -لا يكفي لأحفر ابتسامتها في صدري جيداً- كليلة الكبد، دامية القلب، تنهش الأوجاع أوصال روحها حتى يغلي دمها فيهاجم بعضه بعضاً، وتقضي ساعات لا تقوى حتى على الكلام تتقاذفها الآلام بين الموت والحياة.
لازمتُ فراش المرض قرب جناح دفئها الممزق، كنت أحاول أن أقنعها بالعدول عن الرحيل، كنت أريد أن أقول لها بأنها الشخص الوحيد الذي يهمني فوق الأرض، وما عداها فلتندثر الأرض، فلا طاقة لي على العيش فوقها.
اقتلعوني من جانبها فشعرت بجذوري تتمزق، أثكلوني وجودها وهي ما زالت تتنفس فوق سرير المرض، صرخوا بي "لا تزعجيها"، ومن قال أنني أزعجها؟ كنت أراها تشحب كل يوم ولا اُعْطى إلا دقائق لا تكفي لأن أبثها روحي، لأعطيها من أنفاسي، لا تكفي لعناق أحتاج أن أتوحد فيه معها علني ُأعْدِيها بشيءٍ من الحياة..أو ُتعْدِيني بشيءٍ من الموت، كانوا يحملونها إلى المشفى كل بضعة أيام، لتعود أكثر شحوباً من ذي قبل، صارت تدثر رأسها بشالٍ لا تكاد تخلعه، خبأتْ شعرها حتى عني، ولم يتبقَ لي من وجهها إلا ملامح تزداد شحوباً كل يوم، أخفتْ عني خصلات ذلك الشال الحريري التي ما كنت أرضى أن أنام إلا وهي مجدولة بين أصابعي في محاولة مني لإستبقائها إلى جواري ...جواري أنا فقط، وفي كل مرة كان عليها أن تنتظر غفوتي لتستعيد شعرها من بين أصابعي.
في ذلك اليوم كانت أكثر شحوباً من أي يوم مضى، رسمت شبح ابتسامة ما ،لا تشبه تفاصيل ابتسامتها على شفتيها عندما التقتْ عيوننا، كانت في طريقها إلى المشفى، نظرت إليها وحاولت أن أبادلها شبح ابتسامة، فإذا بي أنفجر باكية، انهار جسمها وتهاوى مع شهيق بكائي، ولدى سقوطها سقط الشال من على شعرها فاضحاً سراً كانت تحاول مواراته خلف شال وابتسامة لا تكتمل، فلم أجده، لم أجد شعرة واحدة فوق رأسها، كان رأسها يلتمع كما رأس جدي في تلك الصورة المصلوبة على الحائط، هالني ذلك المشهد... شطر قلبي، فجريت إلى غرفتي وأنا أعتقد أنني قد فهمت سر دموعها وتداعيها، تبكيه إذا...تبكي شعراً تعلم أنه أرجوحة قلبي، لم أجد سبباً مقنعاً يجعلهم يقصون شعرها الذي أحبه بهذه الطريقة البشعة.
يومها تولى أخوالي وأبي حمل أمي إلى هناك، حيث يكون الألم مقننا بدفعات من علاج لم يعد يجدي، لم اعرف كم من الوقت قضيت وأنا أنتحب في غرفتي، ثم أمسكت القلم ورسمت على صفحة بيضاء وجهها- وجه قمر، رسمت لها ابتسامة شاحبة ونظرة مضيئة، كتبت بحروف طفولية دامعة تحت الرسم - موزعة تفاصيل الجمال بيني وبينها في حديث دار بيننا كثيراً قبل أن أفقد فضاء وجودها إلى جواري- تلك الجمل التي أعدت صياغتها بعد أن شاخت بي الطفولة، لتكون على الصفحة الأولى من مجموعتي، وقعتها بدمعة باذخة حبستها دائما في حنايا روح تتنفس الفقد :

لها وجه قمر...
ولي شعرها المنسدل...
وجمال قامتها...
لها ابتسامة قمر...
ولي دمعة...

نظرت بعدها إلى اللوحة، ثمة شيء مخيف في تفاصيلها جعلني أرتعد، شيء لا أريد أن أراه، لا أريد أن أعرفه، انتابني شعور سيء وأنا أنظر إلى وجهها القمر دون أن تحيط به هالة من شال حريري يطوق وجهها، ما كان عليهم أن يقصوا خصلات شعرها الناعم، حملت الكرسي، ووضعته بجانب الخزانة، تسلقته وفتحت ذلك الدرج الذي منعت دوما من فتحه، أخرجت المقص، وقربت جديلتي إلى الأمام وقصصتها من أعلى نقطة تصل إليها يدي الصغيرة، وعدت وقصصت بضع خصلات من جديلتي التي لم تعد جزءاً من رأسي، وألصقتها فوق رسم وجهها، واحتفظت ببقية الجديلة لألصقها على رأسها، إلا أنهم عندما أتوا بها ولمحتْ شعري المقصوص غضبت مني ، لم تعرف أنني قصصته من أجلها، فازدادت شحوبا دون حتى أن تعاتبني، ولم تكلمني ولم تصعد إلى غرفتها منذ ذلك اليوم.
كانت جديلتي المقصوصة آخر ما رأته أمي قبل أن ترحل، ودموعها وهي تنظر إلى جديلتي آخر ما لمحته أنا، ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أقص شعري حتى صارت خصلات جديلتي تنثني تحت عظام ساقي عندما أجلس، وهي تجيء كل يوم ليلاً إلى غرفتي فأشرع نافذتي لوجهها، تجيء لتطمئن على خصلات جديلتي التي طالت كثيرا، ولوحتها المعلقة إلى جوار سريري، وكما كل يوم تجيء....ويغضي القمر.
**
تغيب ويظهر قمر
محملة بأوجاعي ولذة الفوز، أعود معانقة مجموعتي الشعرية الأولى، أدور بها في فضاء غرفتي، وأرفعها عاليا لتراها جيدا، وتعلم أن كلماتها أورقت في شراييني وما كان لها أن تختفي دون أن تترك أثرا يراه كل من كان يعرفها ويعرفني.يدخل أبي غرفتي، يمسك المجموعة بين يديه، يرفعها..يتأمل الغلاف، يقلب الصفحة الأولى فتطالعه تلك الأبيات التي يعرفها جيدا:

لها وجه قمر...

ولي شعرها المنسدل...

وجمال قامتها...

لها ابتسامة قمر...

ولي دمعة...

تغوص دمعة دافئة في عينه اليمني برفضه للقائها بي، هو الذي كان يكفكف دمعة هاربة من عيني ويخبرني بأنه ليس من اللائق أن تعلم أمي أن دمعة تحفر حرها على خدي هي من أجلها..بسببها كما سوف تعتقد.

يمضي بخطوات مترددة نحو غرفته، يغيب دقائق اعلم أن وراءها ما وراءها، ثم يظهر ثانية على باب غرفتي حاملا في يديه دفتر صغير، يتقدم نحوي وأدرك من حركاته أنه متردد بين إعطائي إياه وبين حجبه عني، ثم يمد يده به نحوي، فتمتد أصابعي تلقائيا لالتقط دفتر بني قديم بليت بعض صفحاته وتآكلت أخرى تحت خطى زمن رفض أن يمر دو أن يترك توقيعا يحمل آثار مروره، ينظر لي نظرة محملة بالحنان ويستدير مادا خطاه خارج غرفتي تاركا إياي في صحبة دفتر اصفرت أوراقه إثر شيخوخة مبكرة باغتت صفحاته .

أفتح الدفتر بيد ترتجف وأخرى تضمه، أعرف فيه لون ألفت أن أرى أمي في أيامها الأخيرة تحمله، أدرك انه لها..هو لها بالتأكيد..فلمن إذن؟ ولماذا يعطيني إياه أبي في هذا الوقت وبمثل هذا التردد إن لم يكن لها؟

اقرأ على صفحاته الأولى أنين المرض ورائحة الأدوية وألوان أوجاع ما بارحت روحها، ألملم دموعا تتساقط غصبا عني، تروي حروفها، وأخشى على كلماتها-كل ما تبقى لي منها- من ملوحة دمع لا يعرف الاحتشام في حضرة الذكرى.

أقرأ صفحاتها الأولى المحملة بالهم والألم، فتبوح لي بأنها ما خافت المرض إلا لأنه سوف يأخذها عني بعيدا، وأن أكثر ما كان يعنيها ابنتها الصغيرة-أنا- وكيف ستتحمل خبرا كموت أمها-أمي، تهاجمني دموعي رغما عن صبر اصطنعه موحية لنفسي بأنني أقوى من الألم والذكرى، يا الله ..تراها نفس النار كانت تشتعل في قلبي وقلبها في لحظة واحدة؟ نفسها تكوينا معا دون أن تدري إحدانا بأوجاع الأخرى؟

أتصفح صفحات أخرى على عجل، وأتذكر ذلك اليوم الذي سقط فيه الشال عن رأسها لأرى رأسا دن شعر، يوم أسعفني عقلي الطفولي الصغير بأن الشعر الهارب من رأسها هو سبب حزنها ودموعها وشحوبها وحتى مرضها، وأتذكر ضفيرتي التي قصصتها لألصقها على رأسها لئلا تحزن على شعرها، ونحيبها عندما رأت الضفيرة في يدي دون رأسي، فأقلب صفحات الدفتر بحثا عن ذلك اليوم، لأبحث عن إجابة تطفئ حر السؤال الذي لم أجد له جوابا، هل خطر في بالها أنني قصصت شعري من أجلها أم أنها غضبت فقط لأنني قصصته دون أن تعلم سببا لتصرفي ذاك؟

قلبت الدفتر متحرية آخر الصفحات-آخر الكلمات، ولما وجدتها شعرت بقلبي يتساقط من مكانه، ربما في قرارة نفسي بعد أن شاخت بي الطفولة وعلمت بان شعري لم يكن ليلتصق برأسها مهما فعلت، لم أردها أن تعلم باني قصصته من اجلها لئلا يزيدها ذلك ألما.

أمسكت الدفتر القديم المحمل برائحة حبها، وقربته من عيني، قرأت فيه آخر أيامها:

" كم هو مؤلم أن ترى صغيرتي ما حاولت مواراته خلف شال طيلة تلك الشهور، شعري الذي كانت تحبه كثيرا، كان علي أن أبعدها عني، وألا أنام إلى جوارها كما اعتدت أن افعل طيلة سنوات، خوفا من أنامل صغيرة تتسلل خفية لتقبض على خصلات شعري لكي تنام مطمئنة إلى وجودي بجانبها، أجبرتها على النوم وحدها بمجرد أن علمت أن علاجا كيميائيا يوشك أن يقتحم جسدي، فيلتهم شعري وبقية عافيتي، كنت أرى تساؤلاتها الصغيرة تلتمع في عينيها فأخبرها بأنها أصبحت كبيرة وأن عليها ألا تمسك شعري حتى تنام.

عندما بكت اليوم وهي تراني صباحا ذاهبة كما هي العادة لأدفن جرعة كيميائية جديدة في مقبرة جسدي، لم استطع أن اصطنع ابتسامة شاحبة كما اعتدت، بل انهرت باكية وسقط الشال عن رأسي، ورأيت الذهول في عينيها، شلتها المفاجأة فلم تتحرك من مكانها ولا هي نطقت، كانت دموعها تجري على خديها دون صوت.

وصلت إلى المشفى وفي داخلي شعور خفي بالاستسلام، كنت اشعر بدبيب الموت في كل عضو من أعضائي..كل وريد وشريان..كل خلية، واعلم تماما أن تلك الجرعات لم تعد تجدي نفعا يذكر، لم يكن لدي الجرأة الكافية لأطلب إيقاف ذلك العلاج الذي ينتهك روحي كلما حقنت به، كنت اشعر أن كل صباح يشرق علي وأنا في سجل الأحياء هو مكسب لي ولها، يوم آخر في جوار أمها، أنا التي أدرك جيدا أنني أتحدث عن أيام فقط..أيام إلى جوارها لن تكمل شهرا إلا بمعجزة من الله.

إلا أنني فوجئت يومها بان الطبيب طلب إيقاف الجرعات الكيميائية، لم أجرؤ على سؤاله عن السبب، ولا هو تجرأ على الإيضاح، أظنه حمل أخباره وقذفها في آذان زوجي وإخوتي، فقد رأيت في عينيهم نعوة تحمل اسمي، رغم أنهم كانوا يتصنعون الضحك، كنت أريد إخبارهم بان الموت أحيانا راحة من الألم والعذاب لئلا يحزنوا، إلا أن ابنتي..تظل غصة في صدري..مهما كان الألم جاحدا.

للمرة الأولى هذا الصباح أعود دون جرعة تعذيب علي أن أحتمل ثقل أوجاعها دون صوت، ورغم أن تلك الجرعة الغائبة كانت بطريقة أو بأخرى تحمل نعوتي في طياتها إلا أنني شعرت بالارتياح لمجرد أنني لن أعاني ثقل مرورها في أوردتي وشراييني.

اصطحبني زوجي إلى المنزل بينما تفرق إخوتي متخذين طرقاتهم نحو أعمالهم على أن يزوروني مساء، يؤلمني أن أرى نفسي وقد أصبحت عبئا عليهم، أريد أن أقول لهم بان يعيشوا حيواتهم دون شعور بالذنب فالموت قدر لي وحدي الآن، ومن حقهم أن يستمتعوا بقدر لا يشبه الموت يخط تفاصيله على حائط أعمارهم، إلا أنني لا استطيع، تغالبني دموعي كل مرة وأنا اخبرهم بالا يغيروا من روتينهم اليومي من اجلي ولا استطيع إكمال كلمة مما انوي قوله.

وصلت يومها إلى البيت، وعندما فتح زوجي الباب، ركضت صغيرتي إليّ، كان في يدها شيء ما لم استطع رؤيته تماما بسبب ضوء الشمس الذي كان قد غمرني في الخارج، بعد لحظات استطعت أن أكتشف ما كانت تحمله، كانت ضفيرتها الطويلة وقد قصتها من أعلاها، كانت تمد لي يدها بها، لماذا فعلت ذلك؟ هل شعرت بان عليها هي أيضا أن تجامل الموت بي، وتقص شعرها لتشاركني أوجاعي؟!.

لم ادر بنفسي إلا وقد وقعت في الأرض..جديلتها كانت اغلي علي من نفسي، لم استطع أن ألومها ولا حتى بكلمة فقد غاصت الدموع في حلقي، لكنني لمحت اللوحة التي رسمت بها وجها اعرفه من اصفراره، وقد ألصقت فوق الوجه المحتضر خصلات من شعرها الجميل.

هكذا إذن يا صغيرتي تظنين انه يمكن اقتلاع الحياة من شعرك لإعادته إلى رأسي..ليت الأمر بهذه البساطة يا صغيرتي.

عدت إلى سريري وجديلة طفلتي لا تفارق عيني، أمسكتها بيدي، صدفة مضحكة أن أغفو إغفاءتي الأخيرة وأنا امسك جديلتها بعد كانت تنام وهي تمسك خصلات شعري..يستبد بي إحساس غريب بأنها تحاول أن تصبح أمي، أن تغمرني بحبها وحنانها لكي أنام جيدا.....".

أغلقت الدفتر المهترئ الذي ينوء بتفاصيل الوجع، وقد استبد بي الحزن حتى أغرقني، أتذكر تلك الليلة التي غابت بها خلف أفق لا أراه، كان القمر مستديرا يغمر الكون بضوء ابيض شفيف كما لو كان يحاول أن يأخذ مكان روحها التي ما بارحتني يوما، نظرت إليه وقلبي مفعم بالأسى فرأيت ملامحها تعتلي استدارته، كانت ابتساماتها تتمطى فوق القمر فيزيد بهاءً، رأيت في وجه أحبه يرتسم فوق ملامح القمر عزاء لي فصرت أرافقه كل يوم بانتظار أن أرى ابتسامتها المضيئة.

نعم يا أمي..لم يكن في يدي أن افعل شيئا لأبقيك مستيقظة تنظرين إلي، فلتنامي جيدا إذن ملء جفونك..وها هي ضفيرتي بين يديك لتعلمي أنني سأبقى إلى جوارك ولن أتركك.
**
زهـــــــــر الياســـــــمين


في كلِّ مرةٍ كنتَ ترسمُ لي فيها على حافةِ الصمت قلباً ووردةً حمراء, كنتُ أرسمُ لكَ عصفوراً وزهرةَ ياسمين, وكان عصفوري يخربشُ فوق القلب ويبعثر الوردة, فألمحكَ تتشظى... تنشطرُ إلى نصفين, أحدهما يتلاشى مع أوراق الورد المبعثرة, والآخر يغرق في صمت حزين.

لم يكن ما بيننا يشبه ما يكون عادة بين رجل وامرأة, ولا حتى بين امرأة وأخرى, كان شيئاً مختلفاً, شيئاً لا يشبه الاشتياق ولا تفوح منه رائحة العشق فقط , كأن بين روحينا تواطؤ غير معلن للاحتواء, هناك شيء في حضورك يأسرني ويطلقني في آن واحد, يبعثرني ويلملمني, يشظيني ويعيدُ تكويني من جديد, كنتَ قطعةً باذخة من روحي المحترقة لا أرغبُ بحشرها في أفق ٍ ضيق ٍ لجسدٍ فان ٍ...كنتَ فرحاً لا يشبه الفرح.

ذلك الطغيان الذي تملكه بمنتهى اللطف, ذلك الاجتياح الذي لا أملك له رديفاً , ذلك الألق الذي لم أعرف مثله يوماً, شيء يشبه النقاء, يشبه دموع الأطفال, يشبه الشمس والياسمين, ولا يشبه وردة حمراء,كأنك كنت في ثنايا الروح منذ الأزل, كأنك خلقت وترعرت هناك, كأنك لم تغادر أبداً.

لكنك كل مرة كنت تصر على أن تقدم لي وردتك الحمراء, وكنت أصر على أن أهديك ياسمينة لترى ذلك البياض الرقيق الذي لا أريده أن يخدش بأي هفوة.

وحدك دون الناس دخلتَ الى دهاليز الروح وتجولتَ فيها بحرية من يتجول في سكنه في وحدة ليل هادئ, وحدك عرفتَ الغرف المبللة بالفرح, كما مررتَ بأخرى مسربلة بالحزن, وحدك لامستَ الروح , وعانقتَ أدق خلجاتها, فلماذا تصّر على أن تلوثَ شيئاً اسطورياً سرمدياً لا مثيلَ له بشيءٍ يشبه كل الاشياء التي حوله.

عندما جلستَ على شغافِ القلبِ ذات حزن ٍ بحتُ لك بأنني لا أريد أن أكون محطةً تترجل منها عند وصولك الى أخرى, أريد أن أظلَّ ذلك الوجع القصي في الروح, اخبرتك بأنك لا تشبه الاسماء ولا تحمل الملامح ذاتها التي يمتلكها الكل, لذلك كان علي أن احتفظ بمشاعرك, ولذلك كان علي أن احملك على جناحي حلم حتى لا تطأ الارض فتدفن فيها ذلك الشعور الدافئ, فلا تتكئ على تفصيلٍ صغيرٍ من شأنه أن يجعلكَ تشبهُ كل من حولي, ليس بالضرورة لمن يلامس الجسد ان يقتربَ من الروح, وأظنه حتمياً عليك أن تظل تلك الاسطورة التي تورق في أوردتي, وتزهر على ضفاف وجعي, ستظل زهرة ياسمين رقيقة تنعتق في روحي, لنتحرر معا من الفناء, من أجسادٍ لا ترتقي لأثير أرواح تعانق خيوط الشمس الدافئة, ولا تسمو لتكون شفيفة كروحك ولا متلألئة كذلك الدفق الهائل الذي يخترقني كلما مررت في بالي.

دع الاجساد للأرض وانعتق نحو السماء, نحو السمو, حيث لا يوجد للخطيئة مكان ولا معنى.

عندما زرعتَ لي الارض ورداً, زرعتُ لك السماء نجوماً, وخيرتك بين أن ترحل, وبين أن تقتل ورودك كمداً وتنثر الياسمين.

كنت أخشى بيني وبين نفسي أن تختار الرحيل, أحتاج اليك, أتوق لوجودك, وأحتاج الى ذلك الشعاع الذي اشعلته في حنايا نفسي ولا أريد له أن ينطفئ فأنطفئ معه, ولا أريد ان أستفيق صباحاً لأجد نفسي وحيدةً مرة أخرى.

أكذب إن قلت أن رحيلك صعب, إنه مستحيل, قاتل, قد يذبحني, أنا التي للمرة الأولى على امتداد العمر أجد رجلاً يفهمني, يبحر في عمقي, يتمايل مع تناقضات جنوني وفزعي وارتيابي, يعزف على أوتار ظمئي, يشعلني ويطفئني في لحظة واحدة, كيف كان لي أن أفقدك وفقدانك قد يمزق شرايين الفرح في قلبي إلى الأبد.

كنت تحاول أن تجرني من يدي الى تلك الزاوية المحرمة, ومرة تلو الاخرى رحت أشدّك برفق ٍ لتحلق معي حيث النجوم.

أزهر الياسمين في قلبي أخيراً, وشممتُ رائحةَ الحرائق تنبعثُ من جدران قلبك, لكن رائحة الياسمين ما لبثتْ أن تغلبتْ على ذلك الدخان, ولم أع ِ أنك أسلمتني روحك ورحت تبحث لقلبك عن امرأة أخرى, لم أنتبهِ أنني تربعت أخيراً على عرش الأولياء في قلبك, لكن عرش الحبيبة صار شاغراً بانتظارأخرى, أسكرتني لحظة الانتصار, وساعات اللقاء النقي, والأحاديث الملونة حيناً والبيضاء أحياناً أخرى.

وها أنت اليوم تعيدُ ترتيب وردتك الحمراء لتهديها إليها, في داخلي مأتم لموتِ شيءٍ لا أدرك كنهه تماماً, قد يكون قلبي, قد تكون روحي, وفي عينيّ تنصلتْ دمعة أغلقتُ عليها جفوني جيداً لئلا تراك, اقتربتُ منكَ بهدوءٍ لا يشي بالزوابع التي تجتاحُ كياني, ولا بالفقد الذي راح يحفر سراديب ظلام على حافة الروح, رسمتُ لك على صفحة وجهي ابتسامةً هادئة, وأعطيتك حزمة ياسمين, أغلقتَ عينيكَ عن دمعةٍ توشكُ أن تفضحَ عريك, وابتسمتَ بارتباكٍ قائلا ً: ما زالَ ياسمينك الأغلى على قلبي, لكنني لا أستطيع الحياة دون وردة حمراء.

لبنى ياسين

كاتبة وصحفية سورية

عضو اتحاد الكتاب العرب

عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات

الاثنين، أكتوبر 26، 2009

استسلام صدام حسين و"خيانة" صديقه تثير جدلا بين محاميه


العربية دبي- حيان نيوف

شكّكت المحامية اللبنانية المقربة من أسرة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بشرى الخليل، بصحة محتويات كتاب جديد أصدره محاميه خليل الدليمي وتحدث فيه عن قصة القبض على صدام بعد خيانة صديقه، ثم خروجه من الملجأ واستسلامه للأمريكيين دون مقاومة.

وصدر كتاب "صدام حسين من الزنزانة الأمريكية: هذا ما حدث"! قبل أيام عن دار المنبر للطباعة المحدودة في العاصمة السودانية الخرطوم.

القصة كما أوردها الكتاب

ويسرد مؤلف الكتاب، المحامي خليل الدليمي، قصة القبض على صدام حسين قائلا إنها نقلا عن لسانه: "كنتُ أتردد على دار أحد الأصدقاء في قضاء الدور في محافظة صلاح الدين.. بالقرب منه أحد القصور الرئاسية في الضفة الثانية".

ويتابع "كان صاحب الدار صديقا أثق به ثقة كبيرة وهو (...)، وكنت آنذاك أكتفي باصطحاب اثنين من أفراد حمايتي من المقربين لي، كيلا أثقل على صاحب الدار، ولكي لا تكون الدار هدفا مرصودا للقوات الأمريكية، ودرءا لأي طارئ، قمنا بوضع دراجة نارية وحصان وزورق جاهز في النهر أمام الدار لكي نستخدمها جميعا عند الحاجة، إذا ما جاء الأمريكان من جهة الصحراء نقوم باستخدام الزورق، وإذا ما جاؤوا من جهة النهر أو الشارع نستخدم الحصان ونسلك الأراضي الزراعية"، كما جاء في مقتطفات من الكتاب نشرتها "الغد" الأردنية.

ويضيف صدام: "لقد أعددنا العدة لكل حالة، ثم زيادة في الحذر قمنا بإنشاء ملجأ تحت الأرض كي نلجأ إليه في الحالات الطارئة، ويشبه الملاجئ التي كنا نساعد العراقيين في إنشائها في زمن الحرب العراقية الإيرانية".

ويتابع الرئيس العراقي الراحل: ".. ففي أحد الأيام، فإذا بصاحبي يأتي راكضا من خارج الدار صائحا: لقد جاؤوا، مكررا هذه العبارة عدة مرات، فتساءلت عمن يكونون، فأجاب: الأمريكان. وعلى الفوز نزلت إلى الملجأ، وبعد دقائق اكتشف الأمريكان مكاني فقبضوا علي من دون أية مقاومة، بل لم أضع في حسابي مقاومتهم لأن السبب هو أنني قائد، ومن جاؤوا كانوا جنودا وليس من المعقول أن أشتبك معهم، وأقتل واحدا منهم أو أكثر وبعدها يقومون بقتلي، فهذا تخل عن القيادة والشعب.. بدا لي في بعض اللحظات أنه خائف ومرتبك، ومع الأسف فإنه ركب الهوى، وتبع الشيطان، وربما هي الغنيمة التي وعده بها الأمريكان. أما أنا فلم أكن أملك مبلغا كبيرا من المال لأتحسب للخيانة مكانا، كان كل ما معي هو مليون ومائتان وثمانون ألف دينار، أدير بها بعض عمليات المقاومة..".

الدليمي: لست طالب شهرة

وفي حديث لـ"العربية.نت"، رفض مؤلف الكتاب المحامي خليل الدليمي الافصاح عن الأسباب التي دفعته للنشر في في العاصمة السودانية الخرطوم.

وردا على من يشكك بتوثيقه للقصة ولأقوال صدام، أجاب "نشرت الرواية الأمريكية للاعتقال وكذلك رواية صدام حسين التي رواها لي مباشرة وهي موثقة بصوته حتى في المحكمة".

ويعتقد الدليمي أن من أبرز الأمور "التي رويتها في الكتاب قصة سقوط بغداد على لسان صدام حسين"، رافضاً أن يدلي بالمزيد حول هذا الموضوع.

واشار إلى أنه أول محام "سمعت بهذا الكلام منه لأنني كنت أول محام قابله".

وقال "ما يميز كتابي عن جميع ما نشر عن صدام حسين، الأمانة التاريخية وكنت رئيس الدفاع وأنا مواطن العراقي وعيون الناس عليّ لكي أقول الحقيقة وليس كل الحقائق موجودة في الكتاب".

وردا على سؤال: هناك من يتهمك بأنك تسعى من وراء نشر الكتاب للشهرة وجني الأموال، يجيب الدليمي: اتهامات لا تستحق الرد. إذا مارست المحاماة أو السياسة بعد إعدام صدام حسين سيكون معهم حق بهذا الكلام، ولكن عمليا أنا لم أمارس السياسة وتوقفت عن عمل المحاماة.

الخليل: رغد لا علاقة لها بالكتاب

من جهتها، شككت المحامية اللبنانية البارزة بشرى الخليل، التي التقت صدام حسين مرارا في سجنه وتعتبر نفسها مقربة من عائلة صدام وابنته رغد، بما جاء في الكتاب.

وقالت لـ"العربية.نت": المعلومة الوحيدة الصحيحة أنه (خليل) فعلا أول شخص قابل صدام حسين، وهذا الكتاب يأتي في سياق "البيزنس"، كما أن الأمريكيين كان يصورون ويسجلون كل المقابلات ويعرفون كل ما كان يجري، لذلك كل ما ينشر يقومون بمقارنته بما لديهم. وكان الدليمي نفى لـ "العربية.نت" سعيه لجني الأموال من وراء الكتاب.

وأضافت بشرى الخليل في حديثها لـ"العربية.نت": "عدد الساعات التي قابل فيها خليل الدليمي صدام حسين كانت قليلة، ولم يحك له قصة القبض عليه وغيرها مثل قصة مقابلة وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد، فهو (صدام) لم يقابل اي مسؤول أمريكي باستثناء جنرال أمريكي عرض عليه اللجوء إلى دولة خليجية".

وقالت الخليل "أشكك بالكتاب، ولا علاقة لرغد صدام حسين بالكتاب نهائيا واي مذكرات له من حقها هي أن تنشرها باعتبارها من الورثة".

وأضافت "كما أن صدام ترك 18 دفترا، وأخبرني مرافقه خلال السجن -وهو أمريكي من اصل عربي- أنه تم تسليمها لرغد بطريقة دقيقة جدا عبر شحنها بطريقة رسمية وقانونية".

الأحد، أكتوبر 25، 2009

أصوات في قاع القلب

فاروق طوزو


رنين أجراس
أوراق السفر
بقايا أوراق صحف
ذباب ناموس
أصوات الحراس في ليل دامس
قريباً سوف يتحول الليل إلى شبح !
سوف أدخن لفافة أخرى ،
وأتذكر صورتك مرة بعد مرة !
رنين الشتاء يوصف لي المكان ،
حفيف الشجر يدون الزمان
2
لدي رغبة شديدة في قضاء حاجة صغرى
ولكن المطر يتساقط
والليل دامس
3
سأعبر ليلة الشتاء هذه بأحلام كثيرة

لبنان 1988
من مجموعتي المطبوعة (أرغبك وقتاً سعيداً)

faruq-tozo@hotmail.com

السبت، أكتوبر 24، 2009

رسالة هامة جداً من د. عدنان الظاهر لرئيس وزراء العراق نوري المالكي

إلى السيد نوري كامل المالكي
رئيس الوزراء العراقي / بغداد
سلامٌ عليكم وبعد /
أنقل لكم نص كتاب مديرية البعثات والعلاقات الثقافية العامة التابعة إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بخصوص طلب إعادتي للخدمة وحقوقي التقاعدية ثم تعويضي عمّا أصابني وأفراد عائلتي من حيف وخسارات لا تُقدّرُ بثمن . قدّمتُ ـ من خلال المستشار الثقافي العراقي في سفارة العراق في برلين ـ طلباً أصولياً وعبّأتُ الإستمارة الخاصة مشفوعةً بملف كامل يتضمن مختلف الوثائق العراقية أو تلك الصادرة من قبل جهات وجامعات أخرى غير عراقية ، فضلاً عن طلب خطي موّقع [ توقيعاً حيّاً ] حسب طلب السيد المستشار الثقافي [[
إلى د. عدنان عبد الكريم الظاهر
تحية طيبة..
نرفق طياً استمارة الكفاءات العائدين للقطر, نرجو أن تملئ الاستمارة وترفق معها طلب خطي موقع بالتوقيع الحي مع ارسال الوثائق والمستمسكات الخاصة بك لكي نجري اللازمة .

مع التقدير

Prof. Dr. Salah M. Aliwi Al-Abbasi
Iraqi Cultural Office - Kulturattaché

Botschaft der Republik Irak
Alte Jakobstrasse 88
10179 Berlin – Germany

. وصلت معاملتي والملف ( الجلجلوتية ) إلى مديرية البعثات والعلاقات الثقافية ولم يكنْ نصيبها الضياع ، كما حصل في مرة سابقة ، فحوّلتها هذه المديرية إلى الدائرة القانونية التابعة لنفس الوزارة ، التعليم العالي والبحث العلمي ، حسب الكتاب الذي أرسله لي مشكوراً السيد المستشار الثقافي العراقي في برلين الدكتور صلاح عليوي العبّاسي .
تابعَ موضوعي هذا أصدقاءٌ متنفّذون في بغدادَ وطلبوا مني تقديم عريضة { عرضحال ! } إلى سيادتكم أختصر فيها مشكلتي ومطاليبي ففعلتُ والتزمتُ بما أشاروا فخاطبتك بقولي < فخامة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي / بغداد > فجاءتني البشرى الكبرى من لدن هؤلاء الأصدقاء معربين فيها أنَّ عريضتي وموضوعي هما الآن أمام مكتب السيد رئيس الوزراء . يا لها من بشرى حقاً كبرى ! بقيتُ أنتظر الفّرَجَ فلم ينفرجْ هذا الفَرَجُ إلا على خيبة هي الأخرى كبرى وما أكثرَ وأكبرَ خيباتنا ! رفضت الدائرة القانونيةُ إياها طلب عودتي للخدمة الجامعية حسب كتابها المثبّت في أدناه والذي أرسله لي مشكوراً السيد المستشار الثقافي العراقي في برلين . أنا بالطبع أعرف أني لا أصلح للخدمة ، وقد بلغتُ من الكِبَر عتيا ، ولكنْ : ماذا عن طلباتي الأخرى بخصوص التعويضات عمّا لحقني من خسارات وظيفية ومالية وعمّا لحقني من أذى جرّاء معارضتي للنظام السابق وأبسطها حرماني من جواز سفري العراقي ثم ما لي من حقوق تقاعدية حسب قانون إعادة المفصولين ؟ تجدون في أدناه كتاب الدائرة القانونية موجهاً لي من قبل السيد المستشار الثقافي العراقي في ألمانيا :
[[
Mittwoch, den 21. Oktober 2009, 10:37:23 Uhr
Von:Iraqculturaloffice
Zu Kontakten hinzufügen
An:aldhahir35@yahoo.de



الى الدكتور عدنان عبد الكريم الظاهر المحترم

تحية طيبة...

اشارة الى كتاب دائرة البعثات والعلاقات الثقافية / وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ذي العدد ص ب/31/20142 في 19/10/2009, نود اعلامك لقد تم الاعتذار عن اعادة تعيينك لبلوغ السن القانوني.

مع التقدير

Prof. Dr. Salah M. Aliwi Al-Abbasi
Iraqi Cultural Office - Kulturattaché

Botschaft der Republik Irak
Alte Jakobstrasse 88
10179 Berlin - Germany

Tel.: 0049 (0) 30 2345 8897 / Tel.: 0049 (0)30 2345 7289 / Fax: 0049 (0) 30 2404 5748
Email: berlin_culturaloffice@yahoo.com / info@iraqculturalattache-berlin.de
Internet: www.iraqculturalattache-berlin.de ]]
كما أُلحقُ هنا نصَّ مذكرتي التي أرسلتها طيَّ ملفي الكامل إلى الجهات المختصة في بغداد عن طريق دائرة المستشار الثقافي عارضاً فيها مطالبي وموجزاً لبعض معاناتي وشرحاً لسياحاتي في هذه الأرض :

إلى السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي المحترم
رئاسة جامعة بغداد
عمادة كلية العلوم / جامعة بغداد
قسم الكيمياء / كلية العلوم / جامعة بغداد

إني الدكتور عدنان عبد الكريم الظاهر، أُصرّحُ بما يلي :

1- كنتُ أحد مدرّسي جامعة بغداد ( قسم الكيمياء في كلية العلوم ) الذين أُبعِدوا عن الوسط الجامعي في شهر نيسان عام 1978 بقرار من مجلس قيادة الثورة / مكتب أمانة السر. ( الوثيقة رقم 1 ).
2- وقد تمَّ نقلي إلى وزارة الصناعة والمعادن / المؤسسة العامة للصناعات الكيمياوية ( الوثيقتان رقم 2 و 3 ).
3- تمَّ تجميدي في وظيفتي الجديدة، ثم تسربتْ لي أنباء عن قرار بنقلي إلى مُجمّع البتروكيماويات في البصرة ( كان ما زال تحت الإنشاء ).
4- في التاسع من تموز 1978 غادرتُ وعائلتي العراق إلى ليبيا للتدريس أستاذاً مُشاركاً في كلية العلوم/ جامعة الفاتح في طرابلس. كانت المغادرة شبه مستحيلة، فلقد إكتشفتُ أنَّ جواز سفري كان مختوماً بختم منعي من السفر إلى خارج العراق.
5- رفضتْ السفارة العراقية في طرابلس تمديد جواز سفري العراقي آواخر عام 1979- أوائل عام 1980 فبقيتُ دون جوازٍ أو وثيقة سفرٍ. الذي عرقل أمر تمديد الجواز في حينه مستشار السفارة حسين لامي بديوي ثم السفير الجديد في طرابلس يومذاك ماجد السامرائي. كتبتُ رسائل شكوى لمنظمة حقوق الإنسان في جينيف وأخرى لسكرتير عام هيئة الأمم المتحدة وثالثة لحبر الفاتيكان الأعظم ثم أرسلت برقية مطوّلة لصدام حسين طالبته فيها أن يتدخل فوراً لحل مشكلة تمديد جواز سفري. لم تُسفرْ هذه الجهود عن نتيجة إيجابية. بل وإعتقلتْ سلطات الأمن في مدينة الحلة شقيقتي وإبنتها وسُجِن ولدها عامين .
6- بعد ستة أعوام من التدريس في جامعة الفاتح في طرابلس ( الوثيقة رقم 6 ) غادرتُ وعائلتي الجماهيرية الليبية وأقمنا في ألمانيا كلاجئين.

7 ـ في شهر أيلول عام 1988 إلتحقتُ بجامعة ويلز في مدينة كاردف البريطانية كأكاديمي زائر وأجريتُ أبحاثاً في حقل الكيمياء غير العضوية
( وثيقة مُرفقة ) .
8 ـ في شهر شباط عام 1990 إلتحقتُ بجامعة شفيلد البريطانية في مدينة شفيلد كباحث علمي زائر وأجريتُ أبحاثاً شتى كان أغلبها في حقل الكيمياء العضوية المعدنية ( كيمياء الفيروسين ) / وثيقة مُرفقة .

9 - في شهر آذار عام 1993 رجعتُ إلى ألمانيا وأقمتُ مع عائلتي فيها حتى هذا اليوم.
وعليه فإني أُطالب جامعة بغداد ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والحكومة العراقية بما يلي :

أولا - بتعويض ماليٍّ مناسب عمّا أصابني وأصاب عائلتي وأولادي من أضرار نفسية وجسدية ووظيفية جرّاء جرائم حزب البعث ونظام صدام حسين بحقنا وما لحق بنا جميعاً من مصائب ومصاعب وما ترتب على تشردنا لقرابة واحدٍ وثلاثين عاماً في شتى بلدان العالم.
ثانيا - إحتساب فترة بقائي الإضطراري خارج العراق (31عاماً ) خدمةً لغرض الترفيع والتقاعد.
ثالثاً - تعديل لقبي الأكاديمي وفقاً لسنوات عملي التدريسي في الجامعات المختلفة وعدد ما نشرتُ من أبحاث علمية في مجلات الإختصاص ( سبعة أبحاث / قائمة مُرفقة بالإنكليزية).
رابعاً - وبالإضافة لما ورد في الفقرة الأولى... أُطالبُ بدفع ما أستحق حسب الفقرتين الثانية والثالثة من رواتب كاملة طيلة فترة غيابي الإضطراري عن العراق (31عاماً).
خامساً ـ مجموع خدماتي الجامعية بحثاً وتدريساً داخل وخارج العراق 24 عاماً وكما يلي [ 3 سنوات في التعليم المتوسط أُضيفت لخدماتي زمنَ خدمتي في كلية العلوم + قِدم مقداره سنة واحدة لقاء حصولي على شهادة الكانديدات من جامعة موسكو ( وثيقة مُرفقة ) + عام واحد إجراء أبحاث علمية في جامعة كالفورنيا الأمريكية في إرفاين ( وثيقة مُرفقة ) + ثمانية أعوام تدريس في كلية العلوم / جامعة بغداد وخدمات أخرى في جامعة السليمانية ( جدول خدمة مُرفق ) + ستة أعوام تدريس وبحث في جامعة الفاتح في العاصمة الليبية طرابلس ( وثيقة مُرفقة ) + قرابة عامين إجراء أبحاثٍ في جامعة ويلز البريطانية في كاردف ( وثيقة مُرفقة ) + ثلاثة أعوام إجراء ابحاث في جامعة شفيلد البريطانية ( وثيقة مُرفقة ) . وعليه فمجموع أعوام خدماتي في العراق وخارجه يبلغ 24 عاماً .
خامساً - لي قطعة أرض في منطقة العامرية في بغداد برقم 542 ( جمعية خاصة لأساتذة الجامعات كان يرأسها الدكتور علي عطية، رئيس قسم الفيزياء في كلية علوم جامعة بغداد حتى عام 1978 ). لا أعرف مصير هذه القطعة وهل صادرها نظام القتلة والسموم والحروب والغزو أم ما زالت أرضاً خلاء ؟؟؟
سادسا - أُرفِقُ نسخةً من ملخص تأريخ الحياة العلمي والأكاديمي والأدبي أيضاً وقائمة بأبحاثي المنشورة في حقل الكيمياء .
لي أمل راسخ أنَّ الجهات ولجان الإختصاص المعنية في رئاسة جامعة بغداد ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ( وفيهما وفي سواهما من مؤسسات علمية وتربوية من يعرفني شخصياً ) سوف تستجيب لمطالبي المشروعة وسوف تقوم أوتوعز أو تأمر بتنفيذها حرفياً، إنصافاً ثمَّ رفعاً للغبن والأضرار القاتلة التي أصابتني وأفراد عائلتي خلال أعوام حكم نظام صدام حسين وحزبه.
ملاحظة: كافة الوثائق المذكورة في أعلاه جاهزة وعند الطلب.
الدكتور عدنان الظاهر / 2009
ميونيخ ـ ألمانيا
العنوان ورقم الهاتف والبريد الألكتروني
**
هذه قضيتي أعرضها على حضرتكم وعلى الرأي العام العراقي للمرة الأخيرة ... وسوف لا ولن أعود لهذا الموضوع حتى لو قامت الساعةُ وانشقَّ القمر فالأرض واسعةٌ والكرامٌ كثارُ. لقد بُحَّ صوتي ونفدت طاقاتتي للمطالبة والمواجهة وعيلَ باقي صبري فإلى أينَ ولمِنْ المشتكى يا أخ ويا نوري ويا مالكي وأنت رئيسُ قائمة دولة العدالة والقانون ؟ . ليس فيَّ من القوة ما يكفي لأصرخَ بعالي صوتي مع الشاعر محمد صالح بحر العلوم : أينَ حقي ؟ فلعلَّ العراقَ يسمعُ ولعلَّ أهلَ وادي الرافدين يسمعون فيتناخون {{ وهم أهلُ حميّةٍ ونخوة كما أعلم }} لإعادة الحقوق لأهلها المستحقيها .

دكتور عدنان الظاهر
ميونيخ / المانيا
السبت الموافق 24.10.2009
**

القرد العجيب: اصدار جديد للكاتب نعمان اسماعيل عبد القادر


قصة للاطفال تحت عنوان القرد العجيب صدرت عن دار الهدى للنشر كريم
القصة تحتوي على أحداث درامية مشوقة وقيم تربوية كثيرة وأهداف تعليمية ولغة مبسطة تلائم الاجيال المختلفة من الطفولة
رسومات الهام مناصرة
تدقيق لغوي
بروفسور لطفي منصور
تحت اشراف الاستاذ نادر ابو تامر والاستاذ احمد عازم
مركز كامل كيلاني لادب الاطفال
كلية بيت بيرل

الجمعة، أكتوبر 23، 2009

حوار التناظر مع الكاتبة ورد محمد في غريبــــةٌ أنـــــــا


د. مازن حمدونه

غريبةٌ أنا على دروب الشتات أعتصر عناقيد الأسى لآخر رمق
وأحتسي شراب الأمل المعتق في أقبية الحنين والشـــوق والقلق
تائهة الأفكار والكلمات أبحثُ عن وسـادةٍ من وردٍ وعبق
فـدعني على صخرةِ المنفى أرقب النور وعصافير المساء
وألـوان طيفٍ لوطن مصلوب منذ أزمان على أعمدةِ العناء
اتركـني لعل الريـح تأتي بأخـبارٍ من وراء أسوار الشقاء
فأنا ظـمأى لحكايات السـنابل والزيتـون والريحان
لأغـنية تتـهادى عبر بيـادر القمح وحدائق الأقحوان
لأصـوات فرحٍ يـغزل فيه الهـمس الأشعار والألحان
ضقتُ مـن الرحيل ومـن الوقوف على مــحطات الانتظار
من السـؤال المخيف متى تـعود تلك الطيور إلى الديـار؟؟؟
من الاستماع إلى أصوات الهزيمة ومن دوي السقوط والانحدار!!!
تعبـت فاغمرني بجناحين مـن أملٍ يعــيد حُلماً طويناه
واحـنو عليّ من صـقيع ً مللنا اللجوء إليه وكرهناه
وامـحو ذلك الذنب الـذي من أجله فـقدنا وطناً وأضعناه
اصغي إلى صـوتي من وراء البـحر يُنذر بالخطر
وأصـواتٍ مـن تحت الركام والموت تتوسـل القدر وآهـاتٍ مـن وجـع الآلام والقـيد تبكي وتحتــضر
ولا تسـأل عـن سفنٍ تحمل أســرار البطولة منذ عصــور
تجوب البحار والأزمان مبشــرةً بأمطارٍ من عطورٍ وبخور
ورجالٌ من نارٍ ونور يحملون قلوب الآساد وشموخ النسور
إنـها قادمةٌ فموعدها محفور كالنقش في الأسفار والإنجيل والقرآن
في نبوءة موسى وتعاليم عيسى ورسالة محمد وفي صفحات الفرقـــان
فهيئ لهم قناديل من شمسً وأقمار فهديرهم سيزلزل التاريخ كالطوفان!!!
أنا هنا على شـرفات الغربة أنتظرهم يخرجـون مع الفجر
بكوفياتهم الأسطورية يحملون بنـادق الحرية والنصر
ويتمتمون بأناشيدٍ للحياة ولرصاصة الثورة والحجر
دعني أمزق صخور الزمن من أجلهم ليمروا فوق أعناق الليل والجمــود
وأحفر لهم جداول من ماءٍ وغضب ليسقوا الوطن حُباً وخلود
فكم خبئت لهم في دفاتري قصائد مجدٍ وأكاليلَ من زهــرٍ وورود!!

سيدتي ..
كلما مرت ومضات جفن عقلي على لوحاتك .. أرى أنى عاجز عن رحيل المكان .. وأدرك أني في حضرة المقام لحظة السكون .. تداعبه صور التاريخ وآهات الحاضر .. وانتظار المستقبل عله قريب .. عله قريب
كم عذبتني الغربة .. وكم عانقني الأسى ومراره .. واحتضنني الألم .. وفي كل ليلة انظر من نافذة الزمان علني اسمع صافرة عودة أحلامي إلى حيث فصل الحكاية .
اغتسل من آثام الزمان .. ألهو حول حديقة جدتي .. وانقش قصتي على صخور الدهر .. فكم كانت قاسية غربتي !!
حين يمتد ذراعي لامتشق بعض من معين الاشتياق .. تهطل دمعتي فيوقظني الحلم الذي عشقت فصوله بعدما تتحجر الجفون .. ويغمرني الهلع حين أرى أنى مازلت أضع رأسي على وسادة الأمس .
تبعثرت كلماتي .. مفرداتي .. ؟أوراق سجلاتي .. وبت على قارعة الزمان تقارعني الآلام ..أرقب طلة الفجر الذي غابت عني ألوان عشقه .. حين كانت تداعب جفوني من خلف أشجار الرمان .. بجوار شواهد تاريخ جدتي ..
دعني أسافر عبر التاريخ .. عبر تذكرة الزمان .. على جناح مفردات أحلامي .. فقد يكون في غفوتي .. حلم جميل يكفكف دموع جرحي
انظر إلى وطني من نافذة اشتياقي .. ترى كم عذبني تعميده بالتنكيل والجراح .. كم طالت غربته استباحة أحشائه .
أرى الوطن في أم عيني .. وعيني مازالت ترصد سكونه .. نواحه .. عويله ودمعاته مازلت تطفو على الجسد بعدما زاده اشتياقي .
كم داعبني الحلم بالسفر عبر جناح الزمن .. أسافر معه إليه .. كالمتعبد في محراب النبي .. أطوف شوارعه كفريضة الحج ..
يا سيدي ..
هل سمعت رواية جدتي عن سنابل القمح ..وحبات الزيتون وعطر نورها .. وأريج المكان ريحان .. هل داعبك يوما أوراق عوسجها ؟؟
هل رقصت يوما على أغنية البيدر .. هل رقبت رقصات سنابل أرضها ..
هل سهرت تحت مظلة قمرها .. تسمع فصول حكايات الشعر والألحان والقصص ..
أتعلم يا سيدي كم جلست على محطات الزمن في انتظار وصول قطار عودتي ..
هل أتعبتك الهزيمة ؟ هل مزقك الانحدار ؟ هل تلوعت من تناقضات المفاهيم والأفكار ؟؟
ادعوك ان تغمرني بحلم يعيد الأمل ليوقظ رحلتي بعدما سقطت بوصلة الديار ..
هل يصلك أثير صوتي .. علك ترى بعقلك إني استغيث من تحت ركام ألمي ..من خلف جدار رسمته مخالب الجائرين على الديار .. علك ترقب صراع غرقي في بحر .. تضيع من بعدها الشراع
إني مازلت .. أقف على شواطئ الزمن .. فقد تصل مع موجات القدر الهادر .. سيوفا .. خطتها مفردات الرحمن في الأسفار والإنجيل والقرآن .
أنا مازلت أقف على شرفات ربوة التاريخ علهم يصلوا .. فقررت البقاء مهما طال الانتظار.
إني مازلت انتظر لأسمع صليل سيوفهم .. أزيز الرصاص .. هدير مدافعهم والطائرات .
فاني مازلت انتظر بيارقهم .. لأضع النور في طريق ممراتهم .. علهم يمزقوا صخور غربتي .. افجر لهم ينابيع الاشتياق يرون منها بطون الثرى بعدما تحجرت من وهج الاشتياق .. عل الأمس القريب ينبت رياحين الغد ويعبق الكون أريجا بعدما طال الاشتياق ..!!..

لِلّه الْبَيْت

محمد محمد علي جنيدي

قَامَتْ والْلَيْلُ يَطُوفُ بِنَا

أنْغَاماً، والْأحْلَامُ وُرُودْ


تَبْكِي والدَّمْعُ يَطُولُ بِهَا

يُنْبِي عَنْ شيءٍ.. أُمَّ خُلُودْ!


قَالَتْ أَوَ لَيْسَ الْقُدْسُ لَنَا..

مَا آنَ لِهَذا الْحَقِّ يَعُودْ!


أيَظَلُّ الظُّلْمُ يُطَارِدُنَا..

والْقَهْرُ يَدُومُ بِغَيرِ حُدُودْ!


أَوَ لَيْسَ لِبَيْتِ اللهِ ضُحَى..

أََوَ يَكْفِي الْأقْصَى وَهْمُ وُعُودْ!


الْكَعْبَةُ كَمْ تَبْكِيه دَمَا

وسَمَاءُ الْكَوْنِ وَنَحْنُ جُمُودْ !!


واللّهِ لَهِيبُ الذَّنْبِ هُنَا

أنْ يَبْقَى الْأسْرُ وَنَحْنُ شُهُودْ


يَا أُمَّ خُلُودٍ: لَسْتُ أنَا

مَا كُنْتُ سِوَى بَيْتٍ لِقَصِيدْ


للَّهِ الْبَيْتُ وَلَيْسَ لَنَا

إلَّا الْأحْزَانُ وَهَمُّ قُيُودْ


يَا تَوْأمَ بَيْتِ اللهِ عَسَى

يَأتِيكَ اللهُ بِخَيْرِ جُنودْ

محاولة اغتيال: الوتر الأول

الحسين الإبراهيمي


تَعَمْلقَ النسرُ وطار للفصاءْ
محلقاً
وعينهُ تعانق السماءْ

وليس عابئاً
بما يدورُ تحتهُ
بما تصيغهُ الغربانُ من تآمرٍ

بما يُحاكُ خفيةً
بين عوالق الوحل المُلَطَّفةْ

حيث هناكَ
يحسنُ الثواءْ

هناكَ في الظلامِ يكثرُ الكلامْ
ويكثرُ الحقدُ
وترقصُ اللئامْ

ويُكتبُ العهدُ يأنْ يُقَطِّعوا
أجنحة النسرِ التي
تطيرُ دونما توقفٍ

وتجلبُ الخيرَ
إلى المدينة المعذبة
من كثرةِ العواء

مدينةٌ يملؤها النباحُ تارةً
وتارةً
من ضحكةِ الذئاب ترتوي

تَمَنّعَ الماءُ بأنْ
ينزلُ من جبالها

لأنهُ يخشى امتزاجَ لحنهِ
مع الضجيجِ والنهيقْ

مع الضجيجِ لا تكنْ
رقرقة الماء لها اعتناء

مدينةٌ تلوثتْ
من أحرفِ التطور السريعْ

واحترقتْ أشجارها المُوَرَّدة
بفعل ماجادت بهِ
المكائنُ المُقلّدةْ

وأنتجتْ لنا
خرائطٌ مُعقّدةْ

وأنتجتْ لنا الجنينُ ميّتا
من قبل تولده النساءْ

مدينةٌ تقوقعتْ
من شدّةِ الحجرِ على العقولْ

وأنتنت جثتها
من شدة البعد عن المياهْ
تخافُ أن يلمسها الماءُ
فتنمحي
قوالب الشعر المُقَيّدةْ

مدينةٌ تقوقعتْ من جانبٍ
وجانبٌ يصارعُ البقاء


السعودية
سيهات

الخميس، أكتوبر 22، 2009

الفنانة 9

انطوني ولسن

[سمع رامي أمرأة تطلب شراء طابع بريد من السيدة زميلته في المكتب المجاور، تعرف على الصوت.. انها نفس المرأة التي التقى بها عند مدخل محل «دافيد جونز» وكلمته باللغة العربية ورد عليها بنفس اللغة. وها هي تتحدث الى زميلته باللغة العربية ثم تتاسف باللغة الانجليزية.

ترك العمل وخرج يبحث عنها دون جدوى. تعب من كثرة ما مشى، عاد أدراجه الى مكتب البريد حيث يعمل واتجه الى رئيسه طابا منه السماح بعدم تكملة يوم عمله، لأنه مرهق ولا يشعر بالقدرة على الاستمرار في العمل].

بعد ان غادر المبنى، تذكر صديقته الاسترالية اليزابيت وتذكّر أنها سوف تأتي في فترة الغداء ليتناولا غداءهما معاً في حديقة «الهايد بارك» في مكانهما المفضّل عند الخميلة حيث الازهار تحيط بالمكان من كل جانب. وامامها دائرة كبيرة بدرجات منسّقة، كلها ورود وزهور تجعل الانسان يشعر بانه ليس في هذا العالم المليء بالروائح الكريهة والزحام الخانق وعادم السيارات القاتل، بل في الجنة. لو تخيل الشعراء القدامى الجنة، لماوجدوا مكانا افضل من هذا ليصفوه وليعيشوا فيه بين احضان السماء والارض المفروشة بالورود والزهور والروائح العبقة التي تفوح منها، فصار هذا المكان هو ملتقاه مع اليزابيت وقت الغداء. انه مكانه المفضّل، المكان الذي ذاق فيه طعم أول قبلة في حياته، بعد أن تعدَّدت اللقاءات بينه وبين «ليزا» كما تحب هي ان يناديها، في اماكن متفرقة. لكن اليوم الذي اخذته الى «الهايد بارك» وسارا كل منهما ممسكا بيد الآخر يجوبان هذه الحديقة الكبيرة، إلى ان وصلا هذه البقعة من الحديقة، ترك يدها واخذ يجوب فيها مشدوها محملقا مأخوذا بروعة المكان وجماله.

رامي شاعر وكاتب، فلا عجب اذا احب هذا المكان، امسك بليزا بعد ان عاد اليها وقال لها:

رامي: لماذا لم نأت الى هذا المكان من قبل؟

ليزا: صدّقني انا استرالية.. ولدت في سدني وعشت فيها، ولكني لا اعرف هذا المكان ولم اره قبل اليوم.. اتحُبِّهُ يا رامي؟

رامي: أحبه.. أُحبه كما احبّك.. كلاكما فيه الهدوء الذي ابحث عنه.

امسكت هي به.. نظر كل منهما في عين الآخر.. جذبت يديه نحو خصرها.. رفعت يديها الى عنقه ابتسمت ثم جذبته اليها وغابا في قبلة طويلة افرغ فيها كل منهما الحب كله الذي غلفّهما منذ النظرة الاولى التي جمعتهما معاً.

كانت تلك هي القبلة الأولى في حياة رامي.. الشاب المهذّب خريج كلية الزراعة، جامعة القاهرة، والذي جاء الى استراليا مهاجرا.. لم يعمل في مجال تخصصه، ولكنه فضّل العمل في مكتب البريد وليزا هي كل شيء له في سدني. انها حبيبته وصديقته.. لم تبخل عليه بشيء بعد القبلة الاولى والتي قالت له بعدها..

ليزا: رامي. انني ولدت اليوم.. وهذا مكان مولدي.. ومهما حدث بيننا.. أتعدني ان تتذكر هذا اليوم والساعة و تأتي للقائي هنا؟

رامي: لماذا كل هذا التشاؤم.. لن يحدث شيء بيننا.. بل سنحتفل بعيد ميلادك كل يوم. سيكون هذا مكان تناول غدائنا يومياً بما في ذلك عطلة نهاية الاسبوع.

منذ ذلك اليوم وهما دوما يذهبان الى هناك.. يتناولان الغداء ويستمتعان بجمال المكان ثم يعودان الى عملهما، وفي نهاية اليوم يتلاقيان ويرجعان معاً الى منزل عائلة ليزا، حيث يتناول معهم العشاء ويقضي وقتاً طيباً مع والدها يتحدثان فيه عن مصر او عن استراليا.

لم يحدث ابدا ان شاَبَ الحديث بينهما اي نوع من التحديات، او محاولة ان يقلل من شأن بلد الآخر او حديثه.. لأن الاحترام، كان متبادلا بينهما.

لم تكن أم ليزا ترغب ان ترتبط ابنتها بزوج مهاجر، تمنت لو انها ارتبطت باسترالي. ولكن هذه رغبتها «هي حرة».. ولم تمانع في هذا الارتباط وهذه العلاقة القائمة بين رامي وليزا، ومع مرور الوقت اقتنع الجميع بشخصية رامي وقبلوه «كبوي فريند» لابنتهم ليزا.

مرَّ الوقت سريعا وهو غارق في ذكرياته، نظر بدون ارادة وكأن عقله الباطن كان مستيقظا مترقبا مجيء ليزا وقت الغداء. رآها في الناحية الاخرى من «بيت ستريت» تهمُّ بالعبور، اطلق صفّارته التي تعرفها واشار لها بيده ان تبقى حيث هي لأنه يعبر الشارع اليها.

قبَّلته قبلة خاطفة، ثم تأبطت ذراعه ولم تتوقف شفتاها عن الكلام والاسئلة التي تدور كلها حول وجوده خارج العمل، ولماذا لم ينتظرها في مكتبه ولماذا؟ ولماذا؟ كل هذه الاسئلة التي تسألها المرأة لرجلها دون مراعاة ان كان في وضع يستطيع فيه أن يجيب على اسئلتها، أو على الأقل يستمع اليها بآذان صاغية. شيء جميل في ليزا.. انهاتحترم صمته.. اذا بدأت الحديث، ولم تجد الاستجابة منه.. او انه في عالمه الخاص.. تحترم هذا العالم الذي تمنَّت من كل قلبها العيش فيه.. ولكنه عالمه الذي يهيم فيه بخياله واحلامه، وعلى هذا، قطعت المسافة دون ان تنبث ببنت شفة، الى ان وصلا الى مكانهما المعهود.

جلست واخذت تخرج من حقيبتها «الساندويتشات» التي اعدتها. اليوم هو دورها في اعداد الغداء لأنهما يتبادلان اعداد هذا الغداء بدلا من الاكل في المطاعم، وفي الكافيتريا، لأنهما بهذا لن يحرما من الاستمتاع بجمال هذا المكان في «الهايد بارك».

اما هو، فأخذ يطوف بالمكان.. روحه هائمة.. محلِّقة تبحث عن شيء هو نفسه لا يعرفه.. لأول مرة، يشعر بان ليزا بعيدة عنه.. لم يستمع الى اي.. من اسئلتها. رأى شفتيها تتحرّكان، ولكن لم يسمع صوتها.. في أذنه صوت واحد، صوت هذه المصرية التي تتحدث العربية مع كل من تقابلهم او على الاقل، هذا ما حدث معه منذ اكثر من عام، واليوم مع زميلته في المكتب المجاور.. سمع نفس الصوت.. او بمعنى آخر، سمع امرأة تتحدث.. بنفس الطريقة. تُرى أهي فعلا صاحبة «المرسيدس» ام انها امرأة اخرى؟ انه يعرف صوت ابناء بلده او بناته عندما يتحدثون بالانجليزية.. ولكنها تتحدث باللغة العربية اولا.. ثمَّ بانجليزية جيدة. ترى هل سيعرفها اذا رآها؟ واذا رأته هل.. هل ستتذكره؟

عاد بعد ان طاف بالدائرة المليئة بالزهور والورود والحسان ممن جئن للراحة والاستجمام. مدّ يده الى ليزا واخذ منها «الساندويش» قضم منه وبدأ يأكل ورأسه الى الأرض. لم يرفع رأسه وظل في هذا الوضع دون ان يدري ما يفعل، ودون اي احساس بوجود صاحبة اليد التي تمدّه بالأكل كلما انهى ما بيده.

فجأة وهو جالس هكذا، احس بانسان توقف ولم يتحرك. رفع رأسه ليرى من هو، لماذا توقف امامه؟ رأى امرأة حاملة كلبا صغيرا على ذراعيها تنظر اليه وتتفرّس فيه.. اطال النظر اليها.. لم يصدَّق ما يرى.. انها هي.. هي لا شك في ذلك. لقد عرفته. نعم عرفته كما عرفها هو ايضا.

نهض من مجلسه فاغرا فاه كالأبله. لم يعرف ماذا يقول، توقفت الكلمات في حلقه، انتابته الحيرة، أيصرخ في وجهها لانها كانت السبب في ارهاقه وتعبه وهو يبحث عنها؟ وكذلك في عدم تكملة يوم عمله؟ هل هي فعلا التي كانت تشتري طوابع البريد، أم امرأة مصرية أخرى؟ ماذا يفعل؟ لا يعرف، لقد وقف وكأنه شدَّ من مجلسه ليقف.

اما ليزا، فقد سيطر عليها شيء من التعجّب، انها تعرفه منذ اكثر من عامين، لم يخبرها ابدا انه يعرف نساء آخريات من بنات بلده أو من اي جنسية اخرى. ماذا ترى أمامها الآن؟ رجل ينظر الىامرأة وكأنها كانت مفوقدة ووجدها. هل يعرف احدهما الآخر منذ زمن بعيد وتلاقيا هنا في هذا المكان صدفة؟ نعم صدفة، دون ترتيب مسبق اوموعد. تُرى هل لها دخل في عدم تكملة يوم عمله؟ كل هذا جعلها تجلس مكانها رافعة رأسها محملقة في الأثنين فارغة فاها ايضا دون ان تنبت شفتاها بكلمة.

تعجبت سلوى من هذا اللقاء، كانت مارة في نزهتها.. احبت هذا المكان. لا تضيع وقتا اذا كانت في البلد، بعد الانتهاء من « التسويق» دائما وابدا تذهب الى «الهايد بارك» للتمشية، ثم تعرِّج الى هذا المكان لتجلس وتراقب وتستمتع بجمال المكان وشاعريته والرومانسية المحيطة به وعناق المحبين وهمسهم. خصامهم الصامت ومصالحتهم بعد عتاب هادئ ينتهي بقبلة طويلة وكأن القبلة عوضا عن الاعتذار والكلام. واليوم.. اليوم رأت هذا الجالس الصامت وهو يقضم ساندويتشه ورأسه الى الأرض. اختلست نظرة اليهم دون ان يلحظ هو او الفتاة الى جواره. قربّت قليلاً اليه.. تفحصته بعينها وتحققت أنه هو.. هو ذاته ذلك الشاب الاسمر ذو الشارب الصغير.. نعم هو الذي ساعدها منذ عام مضى او اكثر على حمل مشترياتها من «دافيد جونز» عندما فتح لها الباب وشكرته باللغة العربية. ردَّ عليها بنفس اللغة كما كان لطيفا ومؤدبا ورقيقا في حديثه معها. تذكرَّت انهما افترقا دون ان يعرف احدهما اسم الآخر او من يكون أو كأنهما اصدقاء منذ زمن بعيد. اسمها بالنسبة له امرأة.. واسمه بالنسبة لها رجل. رجل وامرأة تلاقيا صدفة، وايضا افترقا دون ما الحاجة الى معرفة الاسماء. تمنت في كثير من الاحيان لو تراه مرة اخرى، لا لشيء.. لكن لمجرد ان تراه، وها هي الصدفة ايضا تجمعهما مرة اخرى، اشارت باصبعها اليه وقالت:

سلوى: انت..

في نفس اللحظة تحدّث هو وقال:

رامي: انت.

ضحك الاثنان وقهقها عاليا.. وقطع عليهما هذا الضحك نهوض ليزا غاضبة صارخة في وجه رامي..

ليزا: هل من الممكن ان تشرح لي ماذا يحدث الآن؟!

ظل رامي يضحك. لم يتوقف وان كانت سلوى توقفت. امسك بيد ليزا ناظرا الى سلوى ثم بعد ذلك الى ليزا، محاولا ان يتكلم ليشرح لها، ولكن الضحك غلبه فاستمر يضحك.كذلك سلوى عادت و.. شاركته الضحك.. مما جعل ليزا تنظر اليهما و.. تضحك هي الاخرى، وكأنها عدوى تنتشر فاصابتها دون ان تعرف لماذا تضحك.

صمتت سلوى.. وخفّف رامي من ضحكه الى ان صمت هو ايضا. اما ليزا، فظلت تضحك برهة ونظرت اليهما وهزت رأسها متعجبة ثم توقفت عن الضحك.

نهض رامي مادا يده مصافحا سلوى..

رامي: رامي حداد..

سلوى: سلوى الاسيوطي.

رامي: أي علاقة للدكتور الأسيوطي..

سلوى: "مبتسمة"..حرم الدكتور الاسيوطي.. انت تعرفه.

رامي: وهل يخفى القمر.. الحقيقة هو اكثر من نار على علم في سدني، ويمكن كمان في العالم كله.

سلوى: ياه للدرجة دي جوزي مشهور وانا مش عارفه.

رامي: دا من امهر جراحي احدث انواع الجراحة في العصر الحديث.

سلوى: انا عارفه علشان كده اتجوزته.

ضحك الأثنان مرة اخرى.. وظلت ليزا في جلستها لا تعرف ما يدور حولها.. ففضلت السكوت، لكن سلوى نظرت اليها وتفرّستها تفرّس الانثى للأنثى وقالت له:

سلوى: استاذ رامي، استرالية «مشيرة الى ليزا بعينها»..

رامي: مدام سلوى.. ممكن اقول حاجة.

سلوى: اتفضل.

رامي: اولا بلاش استاذ

سلوى: على شرط بلاش مدام.

رامي: موافق دا اذا كان يعني ما..

سلوى: بالعكس.. بقالي كتير بعيد عن عدم الرسميات.. لان موتي وسمي من الرسميات.

رامي: اتفقنا.. «مشيرا الى ليزا» ايوه استرالية الجيرل فريند وفي الحقيقة انا باعتبرها خطيبتي.. خطيبتي بالمفهوم المصري عندنا.

سلوى: ناوي يعني تتجوزها؟

رامي: باذن الله.

التفت الى ليزا ومد يده طالبا منها النهوض، ثم قدمها الى سلوى باللغة الانجليزية.

رامي: اليزابيت ديكسون.. اناديها ليزا.. «مشيرا الى سلوى» مدام سلوى الاسيوطي زوجة الدكتور المصري المشهور عزت الاسيوطي

ليزا: تشرفنا.. فعلا الدكتور الاسيوطي مشهور جدا في سدني.

سلوى: ارجو ان يكون مشهورا وذا سمعة طيبة.

ليزا: لا تخافي.. انه ذو سمعة طيبة حقا نه اول طبيب يأتي من الخارج ويحظى بكل هذا الاحترام والاهمية.

سلوى: حقيقة ان المعاشرة لا تلتفت الى اهمية من تعاشر.

رامي: انت ترين فيه زوجا فقط.. اما نحن فنرى فيه الطبيب الجراح المعروف.

ليزا: نعم.. فالعلاقات بين الافراد رفعت الكلفة بينهم.. ساروا افرادا عاديين.ولكن اذا كانت الكلفةموجودة.. تظل الرسميات والألقاب..واظن هذا في العلاقات العامة خارج المنزل .

رامي: شكرا ليزا.. اسمحي لي ان اتحدث الى سلوى باللغة العربية.. اذا كان هذا لا يضايقك.

ليزا: على الاطلاق اتفضل.

رامي: شكرا.

سلوى: ليه عملت كده.. ماحنا كويسين.

رامي: لا ابدا.. بس انت عارفة الواحد برضه يحب يتكلم لغة بلده مش كده برضه..

سلوى: معاك حق.

رامي: ممكن اسألك سؤال.

سلوى: اتفضل

رامي: انت النهار ده رحتي مكتب البريد واشتريتي طوابع بريد.

سلوى: ايوه..ليه

«نظر اليها رامي معاتبا» وقال:

رامي: اعمل فيكي ايه.

سلوى: خير.. انا عملت حاجه مش كويسه !

رامي:لا يا ستي.. بس تعبتيني ودوختيني

سلوى: أنا.. ازاي

رامي: انا باشتغل هناك.. وكنت في المكتب اللي جنب المكتب اللي اشتريتي منه، سمعت صوتك وانت بتتكلمي بالعربي وبعدين اعتذرتي واتكلمتي بالانجليزي.. عرفت.. عرفت صوتك.. على الرغم من مرور اكثر من سنة تقريبا على اول مرة شفتك فيها.

سلوى: صحيح.. ياه.. ذاكرتك قوية جدا.

رامي: وانت كمان عرفتيني اول ما شفتيني.

سلوى: ايوه.. ايوه.. لكن انا تعبتك في ايه ودوختك ازاي.

رامي: سبت الشغل وجريت ادور عليكي في كل مكان. لفيت المنطقة كلها، وكأنك فص ملح وداب.

سلوى: ابدا، انا خرجت من مكتب البريد على البنك. وبعدها لفيت شوية وجيت على هنا.

رامي: واشمعناهنا.

سلوى: ما عرفش.. كل ما احس اني متضايقة.. او مخنوقة من حاجة.. اجي هنا اشم هوا ومنظر الورد الجميل يريح اعصابي.

رامي: غريبة نفس شعور ليزا وانا.. احنا دايما نيجي نتغدى هنا.. الا اذا كان الجو وحش جدا.

سلوى:احناحنفضل واقفين وسايبين ليزا قاعدة لوحدها كده..

(يتبع)

وهيئْ سكني في قلبك


د. سهير عبد الرحمن

وهيئ سكني في قلبك
تقول هلا وسكن
شغف الفؤاد
أقول اطرد الذكريات
لا أحب سكنا
يسكنه
الزحام

تقول ما عليك ادخلي
و زاحمي من
هناك
واطردي
من كانوا أحبة
سنينا
أو
بعض
أيام

وقفت على باب قلبك
مترددة
أأدخل أم أظل
بخارجه
أنتظر
حتى تفرغ قلبك
من
طوابير أحبة
سكنوه
ولا يخرجون منه
أبدا
يا لهم من
هكذا استعمار...

الأربعاء، أكتوبر 21، 2009

قيامة البلاد للشاعر سعد جاسم: اقتناص اللحظات الحرجة والتلبس بالعراق

د. عدنان الظاهر

عن أي بلاد يتكلم الشاعر وما معنى القيامة ؟
البلاد هي وطنه العراق الذي هرب منه بجلده وعائلته الصغيرة مطوِّفاَ في البلدان ملتمساً ركناً يلتجيء إليه ويحميه من بردٍ وحرٍّ وقرٍّ لا يهدده فيه بالموت جلاّدٌ ولا يلاحقه عنصرُ أمنٍ ومخابرات ولا يكتب عنه {{ زميل }} أو جارٌ تقاريرَ سريّة عقباها السجن أو الإغتيال بمسدسٍ مكتوم الصوت ، خجول ، يتكلم همساً وبالإشارات ! أما القيامة فأمرها معروف : يوم بعث الموتى من قبورهم وأيام الحساب إذْ يقومون أحياءً كرّةً ثانيةً للمثول أمام محكمة قاضي القضاة الأكبر رب الدينونة . فهل من قيامة للعراق بعد كل ذاك الخراب وذاك الموت والدمار وما عانى من حروب عبثية ومغامرات جنونية طائشة ؟ علامَ يحاسبُ أهلّهُ ربُّ البرية وسيد الدنيا وحاكم الآخرة ؟ على ما قدّمَ من تضحيات وقرابينَ بشرية لحاكم مجنون أهوج مريض بعلّة داء العَظَمة وهوس الخيلاء الخارق للعادة والمألوف والعابر لكافة الحدود المعروفة ؟ على رضوخه المُذّل الأعمى وسكوته على ما كان يجري أمام عينيه له حيث كان يمشي للمجزرة أو القصابخانة كما خراف المراعي وأنعام الحقول إلا من تمردَّ ورفض الذل والهوان وحمل السلاح في الأهوار والجبال الشامخة شعاره [[ هيهات منّا الذلّة ]] و [[ نموتُ ويحيا الوطن ]] أو من أجل [[ وطنٍ حرٍ وشعب سعيد والديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان ]] . أجل يا سعد جاسم ، قام العراق أخيراً يومَ التاسع من شهر نيسان عام 2003 وأنت تعرف كيف قام وكيف كانت قيامته تلك وإلامَ إنتهت تلك (( القومة أو القيامة )) !
سعد شاعر عراقي متسربلٌ بالعراق طولاً وعَرضاً شمالاً وجنوباً من قمة رأسه حتى أخامص قدميه اللتين أدماهما التعثر بين بلدان الشتات والسعي لتأمين ما يدفع الحرمان عن زوجه وابنتيه العزيزتين جداً عليه (( حمامتين ملوّثتين بالإنترنت / صفحة 30 )) . متسربلٌ بالعراق الوطن حتى نخاع نخاع عظامه الناتيء منها والمخفي وراء ورم الأحزان . إنه مُختَرقٌ بهذا العراق من كافة أركانه وجوانبه حتى ليبدو كأنه غربيلٌ أو منخلٌ تمرُّ من خلاله الرياحُ العاتيةُ وتمرُّ من عيونه صغائر الأمور فلا يتبقى له من دنياه إلا الأمور الكبيرة التي يحتضنها بين ضلوعه وعيونه وفي صدره على رأسها عائلته الصغيرة فإنه لَنعمَ الزوج الوفي الشريف ولنعمَ الوالد الرؤوم الحاني . من أيِّ عراقٍ سعد الرجلُ ـ الشاعرُ هذا ؟ نكتشف أصوله وانتماءَه من بين سطور ديوانه : الديوانية [ محافظة القادسية ] مسقطُ رأسه والحلة [ محافظة بابل ] مقص أو مقصلة رأسه فالسيدة أم بناته حلاويّة ... سقطَ رأسُهُ في القادسيّةِ وفقدَ هذا الرأسَ في بابلَ مملكة حمورابي حيثُ (( كوكوكتي / كوكوكتي / وين أُختي / بالحلّة / وشتاكل / باجلةْ / وشتشربْ / ميّ اللهْ // وهي أغنية أطفال شائعة كثيراً في مدينة الحلة ... وقد أشار الشاعر لها من بين قضايا غيرها تخص عالم الطفولة . الصفحة 56 )). إنتصرنا في القادسية على جيراننا قبل الإسلام يوم سقوط رأس سعد ، وفقدنا الحلة وشوارعها ودرابينها بعد مصرع العم حمورابي واضع القوانين الشهير . ما الذي جمعك يا سعدُ بأرض هاتين المحافظتين ؟ نهر الفرات ، أجاب سعد رافعاً رأسه بفخر وكبرياء . هما شقيقتان أبوهما الفرات وماؤه العذب الفرات . وماذا عن تمور نخيل الحلة والديوانية يا سعد المساعيد ؟ تنهدَّ ثم قال : آخ ! لا تنكأ الجراح . طيب ، ومتى تسترد رأسك ؟ قال أيَّ رأس تقصد ، ذاك الذي سقط هناك أم ذاك الذي جُزَّ قريباً من الحلة في طف كربلاء ؟ أشرت إليه أنْ يقلبَ الحديثَ ولا يتدخل في السياسة ! طَيب يا سعد ، وماذا كتبتَ في ديوانك من أشعار ؟ العراق ! أجاب : لا شيء غير العراق صعوداً ونزولاً سيّما فترة السبعينيات من القرن المنصرم . وبالفعل ، قرأت ديوانَ < قيامة البلاد > فاحترتُ أين أضعُ هذا الشاعر وكيف أقوّم ما قد كتبَ ؟
لا من مشكلة في مسألة أين أضعه ...
ذاك لأنه هو أعرب عن إنتمائه لشعراء التفعيلة [ الصفحة 12 ] :
[[ فجرى بخطىً صاهلةْ
ـ من أين جاءت هذه القافية ؟
من عبقر الشيطان ... أم مضارب الهاوية
نطردها ... نهربُ من رويّها
تخلّصاً من تهمةِ البنيوي
والناقد الرؤيوي
بأننا لا نفهمُ الحداثةَ الآتية ...
ما ذنبُنا إنْ كانت القافيةْ
في دمِنا غافيةْ ؟ ]].
هذا إذاً هو سعد ، من شعراء دولة أو مملكة القافية مع نسيج متواضع التماسك من إيقاعات الشعر الحر المعروف الذي طغى وتمدد واستكبر بعد الحرب العالمية الثانية حتى سقوط جدار برلين حيث برز من صلبه بقوةٍ إمتدادُهُ ومنافسهُ الأكبرُ المسمّى بقصيدة الشعر المنثور .
قلتُ إنَّ الشاعرَ متسربلٌ بالعراق متلبّسُ به وإنَّ العراق كذلك متسربلٌ ومتلبّس وملتبسٌ فيه وبه ، ثم إنه رجلٌ من نمط وطابع غريب : أراه ضاحكاً في لحظة بكائه وباكياً إذْ يضحك أي أنه لا يستقر على حال فالأحوال متداخلة فيه ولديه . لا سرورٌ دائمٌ ولا حزنٌ مُقيم ... هذا هو وهذا هو ميزانه وهذا هو سراطه المستقيم الذي يُجيد ضبطه وعبوره متوازناً عليه كما يفعلُ البهلوان في السيرك وهو يمشي على الحبال ماسكاً قضيبَ حديد أو خشب لإقامة التوازن الحرج .
ما مزايا شعر سعد جاسم الأخرى في هذا الديوان ؟
إلتصاقه المحُكم بتراب العراق وبالطبقات الشعبية الفقيرة فإنه رجل مؤدلجٌ ، كما أحسبُ ، ملتزمٌ بخط سياسي ومبدأي واضح لا يحيدُ عنه . إنه مع المسحوقين والمظلومين لا يفارقهم ولا يفارق لغتهم البسيطة المؤثّرة عميقاً في الوجدان . ففي ديوانه الكثير من نماذج هذه اللغة العراقية الشعبية التي كنا نتداولها في حياتنا اليومية في بيوتنا والمدارس والمقاهي ودوائر الحكومة وحتى خلال أعوام الدراسة الجامعية . أسوق بعض الأمثلة خاصةً تلك التي تأثّرتُ بها حدَّ الإختناق بالعبرات :
[[ ... يُمّهْ الوطنْ باكوه
مِن رحتو إنتو
طير بسجن حطّوهْ
زين وخلصتو ـ الصفحة 10 ]] .
هل هناك أحلى وأكثر تأثيراً من مخاطبة الأم لولدها الذي نجا من أحابيل الشيطان والجزّار الأكبر من قبيل (( يمّةْ الوطن باكوه )) ... ولعل الكثير من الأخوة العرب لا يفهمون معنى هذه الجملة وخاصةً فعل الماضي (( باكوه ... أي سرقوه )) . لا أظنُّ أنَّ أحداً يعرف أصل هذا الفعل وهل هو بابلي أم آرامي أم أعجمي ؟ سأسال بعض أصدقائي المندائيين . الوالدة فَرحة ـ رغم حرقة البين وفراق ولدها وفلذة كبدها ـ لأنَّ هذا الولد في مأمن أمين وحصنٍ حصين في منافيه خارج السجن الرهيب الأكبر زمان طغيان جبروت الطاغية الأهوج وإنفلات الضوابط والقوانين ودوس الأعراف وتجاوز التقاليد . يمة الوطن باكوه ... أحسنتَ يا سعد أحسنتَ يا سعد ... ما أروعك وأنت تتلفظ هذه الكلمات ثم تخطها بأناملك النبيلة . أقرأُ هذا المقطع فأتذكرُ حتى نزول الدمعة شعراً شعبياً حفظته منذ سنوات طفولتي المبكّرة يقول فيه قائله : [[ مالج يايمّةْ ليشْ / جبتيني للضيمْ / شوفي عليْ دنيايْ / تمطرْ بلا غيمْ ]] . أحسنتَ يا سعدَ السعود وسعد الصعود أيها العراقي الأبي إبن شعبك . كما أبدعَ سعدُ وأجادَ إذْ نظم شعراً شعبياً باللهجة العراقية الدارجة ، لهجة وسط وجنوب العراق خاصةً ، يُذكّرني ببعض نصوص الملا عبود الكرخي المبثوثة في ثنايا ديوانه المعروف حيث يمتزج الحزن العراقي بالسخرية اللاذعة بأساليبَ فنية بارعة . أنقلُ ما قرأتُ على الصفحة 65 من ديوان سعد :
[[ والمصيبةْ
بهاي دنيانهْ العجيبةْ
بهاي دورات الزمنْ
صرنا نبحثْ عن أمانْ
وعن خبزْ
لو بعمّان الفقيرةْ
ولو ابيبان اليمنْ
ترضه يالله
ترضه يالأسمك
وطنْ ]] ؟
كما لا يفوتني ذكر توظيفات الشاعر الناجحة لبعض مظاهر حياة العراقيين المتأصلة فينا منذ الزمن القديم ... توظيفات تتسمُ بالخلق الإبداعي الناجح في إقتناص اللحظة الحرجة التي تصهر الزمن بالمكان من قبيل إستخدامه فائق النجاح لألفاظٍ من قبيل :
[[ ... والبناتُ أُستبيحت دموعهنَّ وضحكاتهنَّ وسجادات صلاتهنَّ ... حليبُ أثدائهنَّ ... ضفائرهنَّ ... عصّاباتهنَّ وشيلهنَّ ... ]]
...
وأُستبيحت الضمائرُ والمصائرُ
اليشاميغ والعُكلْ
السدارات والعمائم ... الصفحة 26 ]]
العصّابة والشيلة واليشاميغ والعُكل أسماء لا يعرفها إلا العراقيون ولا يتداولها بقية الأخوة العرب . لا يقحمها الشاعر إقحاماً متعسفاً في النص ولا يجعلها تبدو دخيلة مفتعلة إنما نجدها جزءاً هاماً من نسيج النص سداةً ولحمةً تتخلله وتنساب فيه يقرأها العراقي فيحسُّ بصميمة عراقيته وحقيقة إنتمائه لتراب وماء ونخيل وتأريخ العراق ، وهذا بعضٌ من رسالة الشاعر وفضلٌ منه علينا في شدّنا لوطنٍ أضاعنا حتى صرنا ـ مثل سعد ـ نردد ما قال عُقبة بن نافع ، أو رجلٌ غيره لعله محمد بن القاسم ، عزله الخليفةُ عمر قائداً لجحافل الفتح الإسلامي في آسيا الوسطى وما وراء النهر لأسباب تضاربت بشأنها الأخبارُ فقال القول الشهير الذي يتناقله الناسُ جيلاً إثرَ جيل [[ أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا / ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ ]] . لقد قال الشاعرُ سعد شيئاً قريباً من هذا في الصفحة 46 :
[[ يا بلادي التي ضيّعتني ...
ـ وأيَّ فتىً أضاعتْ ـ
ثم ضاعتْ
يا بلادي التي أمرضتني
وتداعيتُ ... تداعتْ ]] .
طبيعيٌّ جداً أنْ يضيعَ الوطنُ حين يضيّع ويشرّد ويقتل بنيه ، طبيعيٌّ جداً .
سعد الشاعر والسياسي القتيل قاسم عبد الأمير عجام
أهدى الشاعر قصيدة " أهذا كلُّ شيء ؟ / الصفحة 24 / إلى الفقيد الراحل قاسم عبد الأمير عجام . أغتيل قاسم بُعيد زوال كابوس حكم البعث وصدّامه جنكيزخان وكان بصحبته رجلٌ آخر من الحلة هو فارس نادر كريدي العزاوي لقي معه مصرعه ولم تُعرفْ هويةُ الجُناة ولا سببُ إغتيالهما وهما في الطريق إلى مشروع المسيب الكبير . أعرف الفقيد قاسم معرفة شخصية وهو من أهالي قضاء المسيب ... عرفته أواسط سبعينيات القرن الماضي رجلاً شهماً شجاعاً عالي الثقافة متنوّع الإهتمامات كثير الأدب عالي الهمّة السياسية . لعل الأستاذ سعد جاسم لا يعرف أنَّ الفقيدَ المرحومَ كان حتى صيف عام 1978 على صلة وثيقة بوكيل وزارة الزراعة اليوم الدكتور صبحي الجميلي . غادرتُ العراق في شهر تموز عام 1978 ولا أدري ما حلَّ بقاسم حتى سمعت خبرَ إغتياله بعد التاسع من نيسان 2003 ! كيف تعرفتَ على هذا الرجل النادر يا سعدُ وأنت من مدينة الديوانية بينما هو من المسيب ؟ أنت فنان شاعر وكان المرحوم مهندساً زراعياً.
لماذا أثرتَ يا سعدُ الشجون ونكأتَ الكثيرَ من الجراح ؟ أيكفي أنْ تُهدي {{ العريّس القاسم }} إحدى قصائد ديوانك وقد أُغتيلَ يوم كان وكان العراق في أسبوع عرس وشهر عسل ؟ هل قدمتَ له أغصانَ الياس والحناء والشموع كما كنا نفعلُ في ليلة القاسم في العراق في عاشوراء كل عام ؟
سعد الشاعر والمسرحي كريم جثير
كرّسَ سعد جاسم لصديقه كريم جثير 24 صفحةً من ديوانه في قصيدة أسماها [ الحداد لا يليق بكريم جثير ] . إنها أطول قصائد الديوان طرّاً فيها نفسٌ ملحميٌّ يعرفه أبناء وسط وجنوب العراق منذ تموز وعشتار وكلكامش وأنكيدو مروراً بطفِّ كربلاء حتى كوارث حقبة حكم حزب البعث الغارقة بالدم والحزن والسواد حيث الرايات السود تعلو سطوح بيوت أغلب العراقيين . أواصل قراءة هذه القصيدة فأتخيله البطل السومري الأسطوري كلكامش يُرثي صديقه أنكيدو . في الصفحات الأخيرة من هذه القصيدة يتنبأ الشاعر بسقوط نظام حكم المعتوه الجبّار فيعبّرُ عن فرحته الطاغية الكبرى بشعر شعبي يتبعه بكلمات مفعمة بروح الأمل والتفاؤل :
[[ ها ... أصدقائي
هذا حلمكم
هذه نبوءتي
ها " مو آني كلتْ
باجر حتماً يطيحْ ويشيع الخبرْ
وَيْ عاصف الريح وبروج الفراتْ ودم المجاتيلْ
تنزاح الصورْ
وكل التماثيل / الصفحات 75 ـ 76 ]] .
ويواصل تفاؤله الحالم كثيرا فيقول :
[[ الآنَ لو أموتُ
بين يديْ إلهي
على ثرى عراقي
لا تحزنوا لا ترحلوا
لمنفىً منافقٍ وباردٍ لئيمْ
اللهُ والعراقُ
كلاهما كريمٌ
و ... يا كريمْ / الصفحة 80 ]]ٍ .
يبدو أن الشاعر قال هذه القصيدة بعد زوال حكم النمرود مباشرةً . إذْ نراه في قصيدة لاحقة تحمل عنوان " عندما الغُزاة " يغيّر لهجته ومجمل مواقفه مما يُسمّى بحملة تحرير العراق . يسميهم بالإسم والنعت اللذين يستحقون : غزاة لا محررون ! قال في هذه القصيدة على سبيل المثال ما يلي :
[[ عندما دخلَ الغُزاةُ
بكت الأمّهاتُ
الأشجارُ والفراشاتُ احترقتْ
وماتت الحماماتُ
هرمَ الأطيفالُ والبناتُ
شاخت البناتُ / الصفخة 85 ]]
كما قال في ختام هذه القصيدة :
[[ عندما دخلوا
ظلّوا وما رحلوا
أيقنتُ أنَّ الغُزاةَ غُزاةُ
إنهم : ليسوا بالمنقذينْ
إنهم : ليسوا بالطيّبينْ
إنهم برابرةٌ وطغاةُ / الصفحة 87 ]] .
هكذا تدرّج الشاعر مع واقع ما يجري على أرض العراق وتابع التحوّلات الدرامية لكأنه شاهد عيانها اليقظ فالتقط عناصر الدراما دقيقة بحسه الفني وإعداده المسرحي فعبّر عمّا رأى ولم يزلْ يرى من كوارث ومآسٍ وفواجع حلّت بوطنه العراق الذي نُكب مظلوماً بنظام حكم قلَّت أشباهه في التأريخ المعاصر ليخلفه نظام حكم فُرضَ عليه بقوة نار محتل خبيث ذكي مُدججٍ بالأسلحة الفتاكة والخبرة وسوء النوايا ... إنهم غزاة ... برابرة طغاة ... جاءوا فظلّوا وسوف لن يرحلوا وإلا لماذا أتوا ؟!
سعد جاسم رجلٌ نادر مثاله في هذه الأيام . لم ينسَ أهلهَ ووطنه وناسه البسطاء الطيبين هناك في العراق . لم يتعالَ على اللهجة العراقية الدارجة ولا الألفاظ الشعبية اللصيقة بروح وتراث وتأريخ العراقيين وأكثر من ذلك : حافظ على لغته العربية السليمة الشفافة رغم أنَّ دراسته وتحصيله العالي هو الفن وليس الأدب .

* قيامة البلاد / ديوان شعر للشاعر سعد جاسم .
الناشر " إصدارات إتحاد أدباء بابل . الطبعة الثانية 2007 . العراق ، بابل .