السبت، أكتوبر 31، 2009

سيّدةُ السلام

عدنان الظاهر
( ومّنْ غيرُ سناء كامل الشعلان سيدةٌ للسلام ) ؟
وصلني كتابها " مذكّرات رضيعة " * قبل أكثر من عام لكني تشاغلتُ عنه بأمور أخرى كثيرة فنسيته تماماً مع كتب أخرى قابعاً فوق الأرفف القديمة . وشاءت الصدفُ أنْ أنتبه ، أو أنْ يُنبّهني إليه ، حادث طارئٌ أعادني لصحوي فقررتُ ـ بعد تردد ـ أنْ أقرأَ هذا الكتاب خاصةً وقد مرّت فترةٌ زمنيةٌ ليست بالقصيرة لم أكتب خلالها عن الدكتورة سناء الشعلان شيئاً يُذكرُ وهي أهلٌ لكل ذِكْرٍ جميل عَطِرٍ . شوّقني هذا الكتاب لما تكتب الدكتورة من جميل الكلام وما تقصُّ وتسردُ من روائع قصصها الباذخة التي يتضوّعُ منها إبداعُ فكرها ومخاضات روحها الإنساني الفذ الذي عزَّتْ نظائرُهُ في أيامنا هذه . نعم، سناء كامل سيدةٌ شابّة متميزة بين سيدات الفكر والقلم والإبداع الأدبي . لها خصائصها التي لا تفارقها لكأنها طبعات أصابع كفيها وجمال وجهها وما في عينيها من سحر يخالطه ذكاء فطري وذوق فني رفيع ومُكنة لغوية واضحة المعالم . في لغتها ـ كما في شخصيتها وخلقها ـ مرونة القوة والإستعداد التام لمطاوعة فن ورغبات صاحبة هذه اللغة وخدمة أفكارها وخيالاتها المحلّقة في أكثر من سماء وفوق أكثر من كرةٍ أرضية عرفها وما زال يعرفها إنساننا المعاصر . حضرت هذه الصور جميعاً أمامَ عينيَّ فعقدتُ العزمَ ، متهيباً ، أنْ أخوض مجدداً تجربة الكتابة عن أثرٍ جديد لعزيزة الجميع سناء . إنه كتابٌ جديد فيما ضمَّ واحتوى ، ولعله جديد على ما ألِفنا من نصوص أدبية منوّعة الأساليب والطروحات والمعالجات . كيف ولماذا ؟ لأنَّ الموهوبة سناء كرّست محتوياته لفاجعة تفجيرات عمان الإرهابية المعروفة يوم 19.11.2005 . لا أحسبُ أنَّ أحداً قبل سناء قد تطرق وعالج هذا الموضوع كما فعلت سناء . لقد حوّلت هذه الفجيعة إلى أدب إنسانيٍّ رفيع المستوى وعلى الصُعُدِ كافة . كتبت 23 موضوعاً كل واحد منها يخصُّ أحد ضحايا هذا التفجير أو يخص عائلة بأكملها أو أكثر من شخص . لم تميّز سناءُ سيدة السلام وعدوة الإرهاب بين أردني وعربي وزائر أجنبي . هذه شيمتها وهذه أخلاقها وهذه طبيعتها الإنسانية ، فلقد كتبت عن مأساة هؤلاء جميعاً فتارةً هي الصديقة والصديق ، وتارة أخرى هي الأخت أو الأم أو حتى العروس التي قتلها الإنفجار المدوي الذي دمّر فندق [ كراند حياة عمّان ] وسط العاصمة الأردنية عَمّان التي تعشقها سناء . كتبت بوعي عالٍ بتبعات مسؤولياتها الأخلاقية والأدبية ومتطلبات الموضوعية فيما يكتب الأدباء واضعةً نُصب عينيها إنسانية الإنسان مهما كان وضعه الإجتماعي ومكانه في مدارج سلّم الطبقات . كتبت عن ناس عاديين وعن خادم الفندق وكتبت عن عوائل أردنية مرموقة وعن سياح أجانب وعن ضابط مخابرات كما كتبت عن مأساة المخرج السوري ـ الأمريكي مصطفى العقاد الذي كان أحد ضحايا ذلكم الإنفجار . الإنسان هو الإنسان في عيني وفلسفة سناء بصرف النظر عمّا يمتهنُ أو يرتدي ومقدار مكسبه أو مدخوله الشهري أو السنوي . تأثّرتُ كثيراً بما كتبت تحت العناوين التالية :
صانع الأحلام / قصة مقتل المُخرِج مصطفى العقاّد ، الأمريكي السوري الحلبي الأصل والمولد ، مخرج فيلمي الرسالة وعمر المختار المعروفين .
مذكّرات رضيعة / قصّت فيها قصة طفلة ، إسمها تولين ، في شهرها الثالث قُتلتْ والدتها وتولين على صدرها . هزّتْ قصة تولين الطفلة أعماقَ أعماقي حتى وجدتُ نفسي منخرطاً في نوبةٍ حادّةٍ من بكاء مر .
أحلام المساء / قصة مقتل أحد عمال نفس الفندق مسرح عملية الإنفجار الرهيب ... وكان هذا العاملُ المسكين " سلطان محمد " يتأهب للزواج من خطيبته بعد شهر من وقوع الحادث .
الهاربة من الموت / روت سناء كيف نجت سائحةٌ أو زائرة أجنبية وصديقتها من الجحيم والدمار اللذين نزلا على الفندق ونزلائه ومرتاديه والمدعوين لحفل زفاف العروسين نادية وأشرف .
المقاتل / قصة الشهيد عماد نافع العميد في الجيش الفلسطيني في الضفة الغربية . كتبت سناء مأساة هذا الرجل بدموع عينيها مختلطة بدم قلبها الفلسطيني الأصل . رثته كأنها تُرثي أباها أو نفسها أو شعب فلسطين المنكوب . إستدرجها مقتل هذا العسكري لأصلها ومنبتها وتراب أهلها وأجدادها فاندمجَ الكلُّ فيها وحلّت هي فيهم جميعاً فكانت الروعة بعينها وكان الفن القصصي الفذ وكانت شعلة وأُبّهة الشرف الإنساني الذي يتوّجُ هامةَ سناء ورفيقها بوصلةً ومناراً تستهدي بهما مسلكاً وكتابةً .
الباحث عن الشمس / حسين الجبوري رجلٌ عراقيٌّ شاء حظهُ العاثرُ أنْ يكون أحد نزلاء فندق ( كراند حياة عمّان ) وأنْ يكون هناك في الصالة التي أُعدّتْ خصيصاً لحفل وزفة العروسين مساء الأربعاء المصادف التاسع من شهر نوفمبر عام 2005 . مهدّتْ سناءُ الفلسطينية الأصل ـ الأردنية بالتجنس والإنتماء / العربية ثم الأممية ... مهدت لحادث مصرع هذا المواطن العراقي تمهيداً ملحمياً لا يلتقطُ دقائق تفاصيله إلا نظرٌ ثاقب وفكرٌ مبدع خلاّق وحسٌّ إنسانيٌّ عميق الدلالات ... وهذه هي سناء كامل وهي كلها فيها دونما إستثناء . هرب الجبوري من الحروب والخراب والحصار الظالم الذي ضرب العراق في تسعينيات القرن المنصرم ليلاقي مصرعه في عاصمة عربية جاءها هارباً من إحتمالات الموت هناك في عاصمته العراقية بغداد ! أينما تولون تواجهون الموت أو الموتُ يواجهكم فإلى أين المفرُّ ؟
لا من عيبٍ أو خلل في باقي القصص لكني آثرتُ الإختصار فانتقيتُ نماذجَ مما قرأتُ ومما كتبتْ العزيزةُ السيدةُ سناء من روائع نادرة كافية لإلقاء المزيد من النور على إمكانياتها الأدبية وطبيعة ممارساتها للفن القصصي ويكفيني ويكفيها ويكفي جمهور قرّائها والمعجبين بها أديبةً وامرأةً وخصالاً فأضافت لكل محاسنها الطبيعية منها والمصقولة بالتدريب والثقافة والأستاذية الجامعية ... أضافت نعمةً أخرى لمجموع نِعمها وفضائلها المعروفة وهي فضيلة كونها نصيرةَ وسيّدةَ وأميرةَ السلامِ ونصيرةَ المظلومين والمستضعفين في الأرض ومَنْ لا ناصرَ لهم في هذه الدنيا فطوبى لك سيدتي دكتورة سناء كامل الشعلان وطوبى لمن أنجبكِ وسوّاكِ وطابت التربة التي إحتضنتكِ ونموتِ فيها ومباركٌ الحليب الذي رضعتِ وغذّاكِ .
· * كتاب مذكّرات رضيعة لسناء كامل الشعلان . الناشر : نادي الجسرة الثقافي الإجتماعي ، قطر . بدون تأريخ

ليست هناك تعليقات: