الأربعاء، أكتوبر 14، 2009

صباحكم أجمل/ رام الله أحبك فأحبيني


زياد جيوسي

رام الله التحتا التراثية
بعدسة: زياد جيوسي

أعود إلى رام الله بعد غياب، فتضمني في حضنها، تسدل عليّ شعرها، أشعر بروعة نسماتها بمجرد أن تعبر المركبة مداخلها، مودّعاً عمّان معشوقة الطفولة والشباب، التي لم تبخل عليّ بحنانها وحنوها فترة إقامتي فيها، فغمرتني بحبها والجمال، وأتاحت لي فرصة حضور عدد جيد من الأمسيات الأدبية والشعرية والثقافية والفنية، فحلقت روحي في بيت الشعر الأردني بأمسية لعدة شعراء من بينهم صديقي الشاعر جهاد أبو حشيش، وفي رابطة الكتاب بأمسية حوارية أدبية، وفي مؤسسة تضامن بأمسية قصصية للكاتبة سناء شعلان والشاعر راشد حسين، وفي رابطة الكتاب الأردنيين حلّقت روحي أيضاً بجلسة جميلة لتجمع (المبادرة) الذي بادرت إليه المخرجة السينمائية والكاتبة هناء الرملي، وتهدف إلى تجميع الكتب التي استغنى أصحابها عنها خصوصاً المختصة بالأطفال والفتية، والتبرع بها إلى المناطق الفقيرة والنائية، بما فيها المخيمات الفلسطينية، وأذكر أني التقيت الصديقة هناء في بداية الفكرة، لأجد في زيارتي الأخيرة عدداً كبيراً من المتطوعين مع فكرتها والمتبرعين، فافتتحوا مكتبة في مخيم غزة، وشدني بقوة الحماس في عيون الشباب والشابات، وأتمنى وأنا أعود إلى الوطن ورام الله أن يكون هناك مبادرات رائعة مثل هذه المبادرة تنقل الكتب والثقافة والمكتبات إلى كل أنحاء وطننا المحتل، لتساهم في خلق جيل مفعم بالقراءة والثقافة، فالثقافة سلاح مقاوم ليس بالسهل، والوعي الذي يخلقه الكتاب لا يجب أن يستهان به.

أعود إلى رام الله والروح تحمل بعضاً من نزف مؤلم، ففي الأردن الجميل كان أسبوع الثقافة الفلسطيني الذي قامت به وزارة الثقافة الفلسطينية، ورغم الجهد المشكور، إلا أن هناك بعض من الملاحظات التي سببت لي النـزف والألم، ناقشتها مع بعض من أعضاء الوفد حين التقيتهم في عمّان الجمال.

الثقافة الفلسطينية ليست مجرد بعض من أمسيات شعرية لشعراء أكن لهم كل الاحترام، وليست مجرد عرض مطرزات وبعض الحرف التقليدية، وليست مجرد فرقة دبكة وبعض المحاضرات، وليست مجرد مسرحية سيكون لها حديث آخر، فهناك في شعبنا كتّاب القصة والرواية والمبدعون والمغنون والمطربون والفنانون أصحاب الرسالة، وهناك فرق فنية متميزة تروي الحكاية الفلسطينية، وهناك الفن التشكيلي بأشكاله، إضافة إلى ذلك هناك السينما الفلسطينية التي أصبحت متميزة ونالت العديد من الجوائز وشهادات التقدير، هذه السينما التي غابت تماماً عن الأسبوع الثقافي الفلسطيني، وكان لي الشرف أني كتبت مقالات قراءات نقدية عن حوالي أربعين فيلماً منها، نشر قسم منها في كتب وصحافة، وقسم ينتظر النور ليخرج في كتاب متخصص عن أفلام السينما الفلسطينية بعد استكمال الكتابة عن عدد آخر من الأفلام، وحين توفر إمكاناتي الذاتية لتحمل تكاليف الطباعة والنشر.

أما حول المسرحية ورغم احترامي للجهد المبذول بها، فكانت مسرحية إيطالية أخرجت ومُثلت من فلسطينيين في الجزء المحتل عام النكبة، تتحدث عن معاناة المسنين في الغرب في خريف العمر، فهل مسرحية مترجمة تمثل التراث الفلسطيني؟ ولمَ لمْ ينتبه أحد إلى الجهة التي دعمت هذه المسرحية مادياً ومعنوياً، علماً أن ذلك مكتوب على الكتيب الذي يُعرّف بالمسرحية؟ ولمَ لم ينتبه أحد إلى أن أول عرض لهذه المسرحية كان برعاية من؟ وهل فات على القائمين دور اثنين من الممثلين في مسلسل أساء للعرب والفلسطينيين عرضته القناة الثانية لتلفاز الاحتلال، وأثار هذا المسلسل ضجة ضده من أبناء شعبنا في الداخل؟ في الوقت الذي توجد به مسرحيات مميزة مثلت المعاناة والواقع والثقافة الفلسطينية، مسرحيات عُرضت في أجزاء الوطن الثلاثة يقف المرء أمامها بكل الاحترام، اعتمدت تاريخ شعبنا ووطننا وقدسنا ومعاناتنا تحت الاحتلال، وكُتبت بأقلام فلسطينية وأنجزت بإبداع فلسطيني.

أعود إلى رام الله التي أحبها وأتمنى أن تمنحني حباً بمستوى عشقي لها، فيدعوني القاص زياد خداش وإدارة مدرسة أمين الحسيني في حي الجنان في مدينة البيرة توأم رام الله الملتصق بها، أقدم عرضاً لفيلم (مفتوح مغلق) للمخرجة الفلسطينية ليانا بدر، فأفاجأ بتجربة متميزة وفريدة، نادي للمبدعين من الطلبة، يناقشون ويسألون بمستوى الكبار رغم أنهم طلاب صغار في الإعدادية، وسبق أن استضافوا كتاب وشعراء، فهل تعلم وزارة التربية والتعليم عن هذه التجربة المنفردة حسب حدود علمي؟ ولماذا لا تعمم وتنتشر في كل المدارس لخلق ثقافة ووعي لدي الجيل الذي يمثل أمل المستقبل؟ لقد ذكّرتني هذه التجربة بجيل عِظام من المدرسين الذين درّسوني وخلقوا في داخلي الوعي والثقافة وعشق الكتاب، فترحمت عليهم وتمنيت طول العمر لمن بقي منهم على قيد الحياة.

وبمجرد خروجي من المدرسة، فوجئت بالعديد من العربات العسكرية التابعة للاحتلال، تمر بالشارع الرئيس لضاحية سطح مرحبا التي شهدت بعض من طفولتي، فزاد احترامي لتجربة مدرسة أمين الحسيني التي تساهم بالوعي والثقافة في جيل المستقبل، الذي على يديه وبوعيه وجهده، لن نرى مشهد جنود الاحتلال وعرباته العسكرية المسلحة تنتهك وجه وطننا ومدينتنا الأجمل.

صباح آخر يا رام الله الهوى والعشق والجمال، تداعبني نسماتك وأنا أجول الدروب في هذا الصباح المبكر، يغمرني ضياء وجهك وروحك بالحب، أعود إلى صومعتي وأحتسي قهوتي مع الطيف البعيد القريب، أستمع لشدو فيروز وهي تشدو: (أؤمن أن خلف الحبات الوادعات تزهو جنات، أؤمن أن خلف الليل العاتي الأمواج يعلو سراج، أؤمن أن القلب الملقى في الأحزان يلقى الحنان)، فأهمس وأنا أنظر من خلف النافذة لرام الله، من خلف أزهاري والياسمينة وحوض النعناع، رام الله أحبك فأحبيني.. وليكن أنت والوطن والحلم.. صباحكم أجمل.

ليست هناك تعليقات: