الزمان
حوار: بسام الطعان
هيثم البوسعيدي كاتب وقاص وباحث عُماني،أبحاثه تتناول المواضيع الفكرية والأدبية والنفسية،وقد بدأ يسير علي طريق الإبداع بخطوات بهية،حاصل علي ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كوفنتري البريطانية، ينشر نتاجه في الصحف والمجلات العُمانية والعربية
û من أين تشكل عالمك القصصي، وما دور البيئة المحيطة بك في ذلك؟
- عدة عناصر تساهم في تكوين عالمي القصصي فمن القراءة المكثفة إلي التجربة الحياتية الزاخرة بالأحداث الصعبة والمشاهدات الحية والتنقلات المتكررة من المدينة إلي القرية، أضف إلي ذلك وجود نعمة التأمل وملكة التفكير العميق والقدرة علي التخيل في تطوير المواضيع والأحداث وتحويلها بسهولة إلي نصوص أدبية تمزج بين الواقع والخيال، كما إن جلب الصور الراسخة في الذاكرتين المختزنة والمتخيلة إحدي الخطوات الهامة في تشكيل النواة الأولي للقصة ثم تأتي أدوار اللغة والثقافة في إنتاج القصة وتقديمها بشكل مميز ومؤثر للقارئ العربي، أما البيئة فهي مصدر خصب في حياة القاص ودورها هام جدا فالمدرسة والقرية والمدينة والجامعة وبيئات العمل المختلفة تعتبر في ذاكرتي أماكن متفرقة استطعت من خلالها معايشة كثير من التجارب واللحظات والقضايا التي أفادتني كثيرا في تجربتي القصصية.
ûما هي إنجازات القصة العُمانية، وماذا أضافت للقصة العربية؟
- القصة العمانية قدمت اسماء جميلة وحققت بعض المنجزات مثل الفوز بجوائز عربية ومسابقات خليجية،كما إن تزايد أعداد الكتاب يبشر بأن القصة العمانية بخير وعطائها قادم بقوة...ولكن حتي اللحظة لا زالت القصة في السلطنة ترواح المنطقة المحدودة وتخشي الخروج من الأبواب المغلقة بحيث إنها لم تتطرق للقضايا المهة والمواضيع الحساسة التي تلامس هموم الانسان وقضايا المجتمع ولم نشهد لمسيرة القصة العمانية في العقود السابقة مواكبة حقيقية لمختلف الظروف والأحداث التي مرت بها منطقة الخليج وعمان خصوصا، وربما يرجع ذلك لوجود قطيعة بين فئة القاصين وشرائح متعددة من المجتمع.
كما أن هناك حلقة مفقودة بين من يكتب في الصحافة الورقية ومن يكتب في الصحافة الرقمية، أضف إلي ذلك كسل القاص العماني عن المشاركة بفعالية وقوة في المواقع الإلكترونية والمجلات الورقية العربية .
أما ماذا قدمت القصة في عمان للقصة العربية؟ فأقول قدمت القصة العمانية أعمال جيدة ونصوص مميزة ولكن علي الرغم من ظهور ملامح التميز ووجود أقلام متميزة فالقصة العمانية ينقصها دعم المؤسسات الإعلامية ودور النشر، كما أن الجرأة في طرح المواضيع وحضور قضايا الإنسان الحقيقية سيسهم في إعلاء مكانة القصة العمانية وبروز موقعها بشكل أوضح في خارطة القصة العربية.
û هل تفضل أن يكون البطل في قصصك الفكرة أم اللغة؟
- القارئ يحتاج دائما إلي موضوع ممتع يجذب انتباهه ويجبره علي القراءة حتي آخر جملة في القصة، وهذا الأمر يتطلب اختيار فكرة جميلة ومؤثرة، كما إن القارئ تهزه المفردات وتبهره الكلمات التي تدخل إلي قلبه بدون استئذان فتجده يستمتع في ظل وجود لغة شاعرية وعبارات رشيقة تنساب بين جداول الكلمات وأنهار الحروف.
لذا فإنني أري أن الفكرة واللغة يتقاسمان البطولة فهما عنصران رئيسان في بناء القصة المميزة فاللغة مهمة لإيصال الفكرة فهي بمثابة القلب النابض والرئة التي تتنفس من خلالها القصة، كما أن ابتكار الأفكار واختلاق المواضيع لن يكون سبب رئيس في نجاح النص الأدبي مالم يرافقه لغة ماتعة ذات أثر انطباعي في نفسية القارئ.
û تنشر نتاجاتك في المطبوعات العربية اكثر مما تنشر في المطبوعات العُمانية، ما السبب في ذلك؟
انشر بعض نصوصي في بعض الملاحق الثقافية في الصحافة العمانية، ولكن اطمح دائما لنشر نصوصي في أماكن متفرقة وأتمني الوصول إلي أكبر شريحة من الناس وذلك من أجل تعزيز التواصل مع القراء والأدباء والمثقفون العرب لذا فأنا أشارك بإستمرار في العديد من المواقع والمنتديات والجرائد الالكترونية العربية.
û مة اقرأ ، هل مازالت تقرأ، أم تخلت عن ذلك؟
- وضع القراءة مأساوي جدا كما تشير الإحصائيات كما أن أعداد القراء في تناقص، وهذا يعود لعدة عوامل منها قصور مناهج التعليم ودخول وسائل اعلامية آخري علي الخط سهل وجودها الحصول علي المعلومة بطريقة سريعة وتقديمها علي طبق من ذهب، كما إن ظروف الحياة العامة وما يتخللها من صعوبات وعوائق ساهمت في تقليص فترات القراءة لدي الفرد.
لذا نحن بحاجة لمشروع ضخم يعيد القراءة لمكانتها الحقيقية في حياة الأمة حتي نعود مثلما كنا " أمة أقرأ "، وبطبيعة الحال فإن المثقفين رغم ما يواجههم من صعوبات وعوائق هم الأحق بقيادة المشروع الذي لابد أن يبدأ أولا بإصلاح مناهج التعليم مرورا بتوجيه أفراد الأسرة نحو القراءة الفاعلة والمطالعة المفيدة حتي ننتهي بمعالجة القصور الواضح من قبل وسائل الاعلام تجاه القراءة.
û الأدب العربي لا يطعم خبزا، بينما المبدع في الغرب يجني الملايين من إبداعه، لماذا؟ هل نحن أمة لا تقدر الإبداع والمبدعين؟
- هذا الرأي صحيح، وربما يعتبر صورة من صور الانحطاط والتردي الذي تعيشه الأمة منذ قرون، فالمبدع في عالمنا مغيب ومهمش ومبعد، قد فرضت عليه نوع من العزلة أو القيد، بل إن كثير من أصحاب القرار والسلطة والمال والاعلام في عالمنا العربي اليوم لا يريدون مثقف واعي أو مبدع مرفه، أنما يجتهدون في توجيه الناس نحو اتجاهات أخري قد تكون بعيدة عن عوالم الثقافة والأدب والعلم لأنهم يدركون تأثيرات الابداع وعمق نتائجه فهو الشرارة الأولي نحو الإصلاح والتغيير وهو إحدي العوامل المهمة في تشكيل الوعي الفردي والجماعي في كثير من المجتمعات.
أما علي الصعيد الشخصي فممارسة الأدب مصدر متعة ووسيلة رائعة لتفريغ الأفكار ولم أري الكتابة يوما ما مصدرا للراحة المادية.
û غالبا ما نري إقبال الناس في عالمنا العربي علي الكوميديا والتراجيديا أكثر من الإقبال علي الثقافة الحقيقية ، بماذا تفسر ذلك؟
- الاتجاه نحو الكوميديا والتراجيديا وأصناف اللهو وأشكال التسلية هروب من الواقع وبحث غير مجدي عن حلول جاهزة، بل هو أشبه بإبر المخدر، في حين أن ممارسة الثقافة الحقيقية هي عملية مكاشفة لما نمر به من ظروف ، نستطيع من خلالها البحث عن حلول جذرية لكل مشاكلنا وأوضاعنا حتي لو تطلب الأمر فترات زمنية وجهود جبارة عندئذ سنصل لما نريد وما نطمح وسنكون اقرب إلي الصلاح والتغيير الذي يهدف في النهاية إلي الكمال في التصرفات والسلوكيات.
û المحسوبية والشللية موجودة كدمّلة قبيحة في وجه المشهد الثقافي العربي، هل توافق علي هذا الرأي؟
- لا أنكر أن الشللية ساهمت في تلميع كتاب هم بالأصل كتاب متواضعين ثقافة وفكرا وإنجازا، كما أن الشللية أدت إلي إهمال أعمال إبداعية وأدت في نفس الوقت إلي الاهتمام بإعمال دون المستوي، ولكن ليست العبرة بالعلاقات أو تقاطع المصالح الشخصية أو امتلاك مهارة العلاقات العامة وليس المهم للأديب فقط الظهور في وسائل الإعلام أو اكتساب الشهرة، ولكن السؤال الأهم: كيف بإمكان الكاتب المحافظة علي مكتسباته الأدبية لفترة أطول؟ هنا تتضح حقيقة الكاتب الحقيقي والكاتب المصطنع.
û يلاحظ أن القصة المكتوبة بلغة شعرية عالية لها جمهور لا يستهان به عكس القصة المكتوبة بلغة السرد البسيطة، فهل تكتب باللغة الشعرية المكثفة أم باللغة البسيطة؟
- فعلا أتفق معك حول أهمية اللغة الشعرية وأنا شخصيا أسعي نحو إتقان اللغة الشعرية فهي مخزن للعبارات المؤثرة والصور الخيالية ومحفز قوي لظهور عنصر الإبهار وتفعيل خاصية السرد عبر نسيج القصة المترامي الأبعاد، وبالتالي قد يحقق القاص بامتلاكه أدوات اللغة الشعرية جزء من مهمته في إمتاع القارئ وإشباع ذائقته.
û كباحث وكمنتج للنص الأدبي، هل لك غني عن فعالية النقد، وكيف تصف الحركة النقدية في سلطنة عُمان؟
- أعتقد أن العلاقة بين الكتابة والنقد علاقة مطردة وتفاعل النقاد يأتي نتيجة وجود نصوص راقية وأعمال إبداعية، لذا ليس بمقدوري شخصيا الاستغناء عن عملية النقد الهادف.ولكن دعني أتسائل أين هم النقاد الحقيقيون؟ للأسف النقد هو الحلقة المفقودة في منظومة الأدب العربي، أما بالنسبة للحركة النقدية في السلطنة إن صح تسميتها بهذا الاسم فرغم بعض الكتابات النقدية المتواضعة والندوات القليلة التي أقيمت عبر فترات زمنية مختلفة فإن تزايد أعداد الكتاب في السلطنة لا يعادله حركة نقدية فاعلة أو اطراد في أعداد النقاد، وربما الغالبية من فئة الأدباء والمثقفين تغرد نحو سرب الكتابة استسهالا للفعل الكتابي، أما عدد المتخصصين في مجال النقد قليل لا يتعدي أصابع اليد الواحدة.
أما إذا أردنا تشريح سلبيات النقد في السلطنة لوجدنا أن الساحة لا تخلو من المجاملة أو التعاطي بشكل شخصي مع الأعمال الإبداعية، كما إن التعامل مع النصوص ينم بعض الأحيان عن المستويات الضحلة التي لا تتطرق إلي الأبعاد الفنية والفكرية في الأعمال الأدبية ويتضح الخلط بين النقد وعنصر الانطباعية، ولا أنسي التذكير أن المحظوظ من كتاب السلطنة هو من تقع نصوصه بين أعضاء المنتدي الأدبي أو النادي الثقافي في مسقط ، فيجد من يقدم دراسة نقدية عن نصوصه أو مجموعته القصصية، ولكن حتي هذه الدراسات تعتبر دراسات قاصرة غير متكاملة ليست ذات أثر في المستوي الأدبي المنثور في الصحافتين الورقية والرقمية في السلطنة، بل لا نشهد لها أي أثر ملموس في مسارات أو اتجاهات القصة العمانية أما المتبقي من الكتاب وإن صح تسميتهم باللامحظوظين فإن مصير كتاباتهم إلي الإهمال والنسيان وسلة المهملات.
û الأدب العربي من المحيط إلي الخليج هل يعاني من أزمة، أو حالة من الفوضي؟
- في الحقيقة هناك أزمة أدباء لا أزمة أدب في العالم العربي وهذا الأزمة جعلت الأديب العربي يعيش علاقات متوترة غامضة المعالم مع أطراف عدة كالسلطة السياسية والسلطة الدينة والسلطة المجتمعية التي تدعي الدفاع عن الموروث الأخلاقي وبالتالي لا زال الكاتب العربي يجد نفسه أمام ثالوث محرم لا يستطيع تجاوزه أو تخطي عقباته لأنه سيصبح عند ذلك متمرد علي الأخلاق والقيم والقانون وهنا تبرز القيود والحدود التي صنعت بالأساس هذه الأزمة المستمرة.
حوار: بسام الطعان
هيثم البوسعيدي كاتب وقاص وباحث عُماني،أبحاثه تتناول المواضيع الفكرية والأدبية والنفسية،وقد بدأ يسير علي طريق الإبداع بخطوات بهية،حاصل علي ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كوفنتري البريطانية، ينشر نتاجه في الصحف والمجلات العُمانية والعربية
û من أين تشكل عالمك القصصي، وما دور البيئة المحيطة بك في ذلك؟
- عدة عناصر تساهم في تكوين عالمي القصصي فمن القراءة المكثفة إلي التجربة الحياتية الزاخرة بالأحداث الصعبة والمشاهدات الحية والتنقلات المتكررة من المدينة إلي القرية، أضف إلي ذلك وجود نعمة التأمل وملكة التفكير العميق والقدرة علي التخيل في تطوير المواضيع والأحداث وتحويلها بسهولة إلي نصوص أدبية تمزج بين الواقع والخيال، كما إن جلب الصور الراسخة في الذاكرتين المختزنة والمتخيلة إحدي الخطوات الهامة في تشكيل النواة الأولي للقصة ثم تأتي أدوار اللغة والثقافة في إنتاج القصة وتقديمها بشكل مميز ومؤثر للقارئ العربي، أما البيئة فهي مصدر خصب في حياة القاص ودورها هام جدا فالمدرسة والقرية والمدينة والجامعة وبيئات العمل المختلفة تعتبر في ذاكرتي أماكن متفرقة استطعت من خلالها معايشة كثير من التجارب واللحظات والقضايا التي أفادتني كثيرا في تجربتي القصصية.
ûما هي إنجازات القصة العُمانية، وماذا أضافت للقصة العربية؟
- القصة العمانية قدمت اسماء جميلة وحققت بعض المنجزات مثل الفوز بجوائز عربية ومسابقات خليجية،كما إن تزايد أعداد الكتاب يبشر بأن القصة العمانية بخير وعطائها قادم بقوة...ولكن حتي اللحظة لا زالت القصة في السلطنة ترواح المنطقة المحدودة وتخشي الخروج من الأبواب المغلقة بحيث إنها لم تتطرق للقضايا المهة والمواضيع الحساسة التي تلامس هموم الانسان وقضايا المجتمع ولم نشهد لمسيرة القصة العمانية في العقود السابقة مواكبة حقيقية لمختلف الظروف والأحداث التي مرت بها منطقة الخليج وعمان خصوصا، وربما يرجع ذلك لوجود قطيعة بين فئة القاصين وشرائح متعددة من المجتمع.
كما أن هناك حلقة مفقودة بين من يكتب في الصحافة الورقية ومن يكتب في الصحافة الرقمية، أضف إلي ذلك كسل القاص العماني عن المشاركة بفعالية وقوة في المواقع الإلكترونية والمجلات الورقية العربية .
أما ماذا قدمت القصة في عمان للقصة العربية؟ فأقول قدمت القصة العمانية أعمال جيدة ونصوص مميزة ولكن علي الرغم من ظهور ملامح التميز ووجود أقلام متميزة فالقصة العمانية ينقصها دعم المؤسسات الإعلامية ودور النشر، كما أن الجرأة في طرح المواضيع وحضور قضايا الإنسان الحقيقية سيسهم في إعلاء مكانة القصة العمانية وبروز موقعها بشكل أوضح في خارطة القصة العربية.
û هل تفضل أن يكون البطل في قصصك الفكرة أم اللغة؟
- القارئ يحتاج دائما إلي موضوع ممتع يجذب انتباهه ويجبره علي القراءة حتي آخر جملة في القصة، وهذا الأمر يتطلب اختيار فكرة جميلة ومؤثرة، كما إن القارئ تهزه المفردات وتبهره الكلمات التي تدخل إلي قلبه بدون استئذان فتجده يستمتع في ظل وجود لغة شاعرية وعبارات رشيقة تنساب بين جداول الكلمات وأنهار الحروف.
لذا فإنني أري أن الفكرة واللغة يتقاسمان البطولة فهما عنصران رئيسان في بناء القصة المميزة فاللغة مهمة لإيصال الفكرة فهي بمثابة القلب النابض والرئة التي تتنفس من خلالها القصة، كما أن ابتكار الأفكار واختلاق المواضيع لن يكون سبب رئيس في نجاح النص الأدبي مالم يرافقه لغة ماتعة ذات أثر انطباعي في نفسية القارئ.
û تنشر نتاجاتك في المطبوعات العربية اكثر مما تنشر في المطبوعات العُمانية، ما السبب في ذلك؟
انشر بعض نصوصي في بعض الملاحق الثقافية في الصحافة العمانية، ولكن اطمح دائما لنشر نصوصي في أماكن متفرقة وأتمني الوصول إلي أكبر شريحة من الناس وذلك من أجل تعزيز التواصل مع القراء والأدباء والمثقفون العرب لذا فأنا أشارك بإستمرار في العديد من المواقع والمنتديات والجرائد الالكترونية العربية.
û مة اقرأ ، هل مازالت تقرأ، أم تخلت عن ذلك؟
- وضع القراءة مأساوي جدا كما تشير الإحصائيات كما أن أعداد القراء في تناقص، وهذا يعود لعدة عوامل منها قصور مناهج التعليم ودخول وسائل اعلامية آخري علي الخط سهل وجودها الحصول علي المعلومة بطريقة سريعة وتقديمها علي طبق من ذهب، كما إن ظروف الحياة العامة وما يتخللها من صعوبات وعوائق ساهمت في تقليص فترات القراءة لدي الفرد.
لذا نحن بحاجة لمشروع ضخم يعيد القراءة لمكانتها الحقيقية في حياة الأمة حتي نعود مثلما كنا " أمة أقرأ "، وبطبيعة الحال فإن المثقفين رغم ما يواجههم من صعوبات وعوائق هم الأحق بقيادة المشروع الذي لابد أن يبدأ أولا بإصلاح مناهج التعليم مرورا بتوجيه أفراد الأسرة نحو القراءة الفاعلة والمطالعة المفيدة حتي ننتهي بمعالجة القصور الواضح من قبل وسائل الاعلام تجاه القراءة.
û الأدب العربي لا يطعم خبزا، بينما المبدع في الغرب يجني الملايين من إبداعه، لماذا؟ هل نحن أمة لا تقدر الإبداع والمبدعين؟
- هذا الرأي صحيح، وربما يعتبر صورة من صور الانحطاط والتردي الذي تعيشه الأمة منذ قرون، فالمبدع في عالمنا مغيب ومهمش ومبعد، قد فرضت عليه نوع من العزلة أو القيد، بل إن كثير من أصحاب القرار والسلطة والمال والاعلام في عالمنا العربي اليوم لا يريدون مثقف واعي أو مبدع مرفه، أنما يجتهدون في توجيه الناس نحو اتجاهات أخري قد تكون بعيدة عن عوالم الثقافة والأدب والعلم لأنهم يدركون تأثيرات الابداع وعمق نتائجه فهو الشرارة الأولي نحو الإصلاح والتغيير وهو إحدي العوامل المهمة في تشكيل الوعي الفردي والجماعي في كثير من المجتمعات.
أما علي الصعيد الشخصي فممارسة الأدب مصدر متعة ووسيلة رائعة لتفريغ الأفكار ولم أري الكتابة يوما ما مصدرا للراحة المادية.
û غالبا ما نري إقبال الناس في عالمنا العربي علي الكوميديا والتراجيديا أكثر من الإقبال علي الثقافة الحقيقية ، بماذا تفسر ذلك؟
- الاتجاه نحو الكوميديا والتراجيديا وأصناف اللهو وأشكال التسلية هروب من الواقع وبحث غير مجدي عن حلول جاهزة، بل هو أشبه بإبر المخدر، في حين أن ممارسة الثقافة الحقيقية هي عملية مكاشفة لما نمر به من ظروف ، نستطيع من خلالها البحث عن حلول جذرية لكل مشاكلنا وأوضاعنا حتي لو تطلب الأمر فترات زمنية وجهود جبارة عندئذ سنصل لما نريد وما نطمح وسنكون اقرب إلي الصلاح والتغيير الذي يهدف في النهاية إلي الكمال في التصرفات والسلوكيات.
û المحسوبية والشللية موجودة كدمّلة قبيحة في وجه المشهد الثقافي العربي، هل توافق علي هذا الرأي؟
- لا أنكر أن الشللية ساهمت في تلميع كتاب هم بالأصل كتاب متواضعين ثقافة وفكرا وإنجازا، كما أن الشللية أدت إلي إهمال أعمال إبداعية وأدت في نفس الوقت إلي الاهتمام بإعمال دون المستوي، ولكن ليست العبرة بالعلاقات أو تقاطع المصالح الشخصية أو امتلاك مهارة العلاقات العامة وليس المهم للأديب فقط الظهور في وسائل الإعلام أو اكتساب الشهرة، ولكن السؤال الأهم: كيف بإمكان الكاتب المحافظة علي مكتسباته الأدبية لفترة أطول؟ هنا تتضح حقيقة الكاتب الحقيقي والكاتب المصطنع.
û يلاحظ أن القصة المكتوبة بلغة شعرية عالية لها جمهور لا يستهان به عكس القصة المكتوبة بلغة السرد البسيطة، فهل تكتب باللغة الشعرية المكثفة أم باللغة البسيطة؟
- فعلا أتفق معك حول أهمية اللغة الشعرية وأنا شخصيا أسعي نحو إتقان اللغة الشعرية فهي مخزن للعبارات المؤثرة والصور الخيالية ومحفز قوي لظهور عنصر الإبهار وتفعيل خاصية السرد عبر نسيج القصة المترامي الأبعاد، وبالتالي قد يحقق القاص بامتلاكه أدوات اللغة الشعرية جزء من مهمته في إمتاع القارئ وإشباع ذائقته.
û كباحث وكمنتج للنص الأدبي، هل لك غني عن فعالية النقد، وكيف تصف الحركة النقدية في سلطنة عُمان؟
- أعتقد أن العلاقة بين الكتابة والنقد علاقة مطردة وتفاعل النقاد يأتي نتيجة وجود نصوص راقية وأعمال إبداعية، لذا ليس بمقدوري شخصيا الاستغناء عن عملية النقد الهادف.ولكن دعني أتسائل أين هم النقاد الحقيقيون؟ للأسف النقد هو الحلقة المفقودة في منظومة الأدب العربي، أما بالنسبة للحركة النقدية في السلطنة إن صح تسميتها بهذا الاسم فرغم بعض الكتابات النقدية المتواضعة والندوات القليلة التي أقيمت عبر فترات زمنية مختلفة فإن تزايد أعداد الكتاب في السلطنة لا يعادله حركة نقدية فاعلة أو اطراد في أعداد النقاد، وربما الغالبية من فئة الأدباء والمثقفين تغرد نحو سرب الكتابة استسهالا للفعل الكتابي، أما عدد المتخصصين في مجال النقد قليل لا يتعدي أصابع اليد الواحدة.
أما إذا أردنا تشريح سلبيات النقد في السلطنة لوجدنا أن الساحة لا تخلو من المجاملة أو التعاطي بشكل شخصي مع الأعمال الإبداعية، كما إن التعامل مع النصوص ينم بعض الأحيان عن المستويات الضحلة التي لا تتطرق إلي الأبعاد الفنية والفكرية في الأعمال الأدبية ويتضح الخلط بين النقد وعنصر الانطباعية، ولا أنسي التذكير أن المحظوظ من كتاب السلطنة هو من تقع نصوصه بين أعضاء المنتدي الأدبي أو النادي الثقافي في مسقط ، فيجد من يقدم دراسة نقدية عن نصوصه أو مجموعته القصصية، ولكن حتي هذه الدراسات تعتبر دراسات قاصرة غير متكاملة ليست ذات أثر في المستوي الأدبي المنثور في الصحافتين الورقية والرقمية في السلطنة، بل لا نشهد لها أي أثر ملموس في مسارات أو اتجاهات القصة العمانية أما المتبقي من الكتاب وإن صح تسميتهم باللامحظوظين فإن مصير كتاباتهم إلي الإهمال والنسيان وسلة المهملات.
û الأدب العربي من المحيط إلي الخليج هل يعاني من أزمة، أو حالة من الفوضي؟
- في الحقيقة هناك أزمة أدباء لا أزمة أدب في العالم العربي وهذا الأزمة جعلت الأديب العربي يعيش علاقات متوترة غامضة المعالم مع أطراف عدة كالسلطة السياسية والسلطة الدينة والسلطة المجتمعية التي تدعي الدفاع عن الموروث الأخلاقي وبالتالي لا زال الكاتب العربي يجد نفسه أمام ثالوث محرم لا يستطيع تجاوزه أو تخطي عقباته لأنه سيصبح عند ذلك متمرد علي الأخلاق والقيم والقانون وهنا تبرز القيود والحدود التي صنعت بالأساس هذه الأزمة المستمرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق