نبيل عودة
كانوا ثلاثة أصدقاء لا يفترقون، يدخلون يومياً الى البار ويحتسون بضع كؤوس من الخمر.. حتى حفظ البارمان عاداتهم، ونوع مشروبهم وساعة دخولهم، وكأنهم مربوطون بعقارب ساعة مضبوطة تماماً.. لدرجة انه كان يبدأ بتجهيز الكؤوس الثلاثة، قبل ظهورهم، وما ان يظهروا في مدخل البار الا والكأس الثالثة قد جهزت.. فيجلسون الى طاولتهم المفضلة وقد وضعت كؤوسهم أمامهم فور جلوسهم.. حتى أضحوا جزءاً من أجواء البار ووجوهه المعروفة.
ومرت الأيام دون ان يتغير نظامهم...
وفي أحد الأيام حدث أمر غريب لفت أنظار البارمان وسائر رواد البار.. كانت مفاجأة مطلقة.. دخل صديق واحد من الأصدقاء الثلاثة.. كان يبدو حزينا وكئيباً... لم يجلب البارمان الكؤوس التي ملأها للأصدقاء الثلاثة.. بدل ذلك اقترب من الصديق الوحيد المتبقي من الثلاثة وقال مفتعلاً الحزن:
- أقدم التعازي باسمي وباسم صاحب البار.. كيف فقدت صديقيك؟
- لا يا سيدي، ليس الأمر كما يبدو.. صديقاي هاجارا، وهما بخير والحمد لله.. واحد هاجر إلى أستراليا والأخر الى أميرِكا.. وبقيت لوحدي كما ترى..
- هل أجلب لك كأسك يا سيدي؟
- ليس كأسي فقط، بل الثلاث كؤوس، وكأننا ما زلنا ثلاثتنا نأتي كل يوم، لقد أقسمنا ان ندخل باراً في نفس الساعة، حيثما نكون في أرض الله الواسعة، وان يشرب كل واحد منا كأسه وكأسي صديقيه، وكأننا نجلس سوية لم نفترق. لذا يا عزيزي.. أجلب لي الكؤوس الثلاثة وكأننا ما زلنا ثلاثتنا نشرب سوية...
وهكذا استمر الوضع.. يدخل يومياً بنفس التوقيت، ويجلس ليحتسي ثلاث كؤوس وكأن صديقيه يشاركانه الشرب.
ومرت سنة أو أكثر.. والصديق محافظ على برنامجه، ويخبر من في البار عن أخبار صديقيه، وكيف انهما يتصرفان بنفس الشكل وفي الساعة المشابهة في بلادهم الجديدة.
ولكن، في يوم ما، حدث ما لفت انتباه رواد البار وأثار تهامسهم.
دخل الصديق كعادته.. وطلب كأسين فقط رافضاً الكأس الثالثة.. البعض راهن انه فقد أحد صديقيه.. البعض قال ان الجيل يفرض علية التقليل من الخمر.. والبعض قال ربما وضعه المادي لا يسمح له بشراء ثلاث كؤوس...
جلس كعادته يحتسي الخمر من الكأسين، ولم يطق البارمان الصمت، وعدم معرفة ما جرى، اقترب منه وسأله:
- ماذا مع كأس الصديق الثالث.. هل وقع لأحدهما مكروه؟
- أبداً أبداً.. الصديقان بصحة جيدة ويشربان الخمر يومياً.. ولكني عدت الى ديني وصلاتي ولم أعد أشرب الخمر.. وأشرب فقط كأسين عن صديقي حتى يهديهما الله ويكفان عن الشرب.. تماماً كما هداني!!
**
كانوا ثلاثة أصدقاء لا يفترقون، يدخلون يومياً الى البار ويحتسون بضع كؤوس من الخمر.. حتى حفظ البارمان عاداتهم، ونوع مشروبهم وساعة دخولهم، وكأنهم مربوطون بعقارب ساعة مضبوطة تماماً.. لدرجة انه كان يبدأ بتجهيز الكؤوس الثلاثة، قبل ظهورهم، وما ان يظهروا في مدخل البار الا والكأس الثالثة قد جهزت.. فيجلسون الى طاولتهم المفضلة وقد وضعت كؤوسهم أمامهم فور جلوسهم.. حتى أضحوا جزءاً من أجواء البار ووجوهه المعروفة.
ومرت الأيام دون ان يتغير نظامهم...
وفي أحد الأيام حدث أمر غريب لفت أنظار البارمان وسائر رواد البار.. كانت مفاجأة مطلقة.. دخل صديق واحد من الأصدقاء الثلاثة.. كان يبدو حزينا وكئيباً... لم يجلب البارمان الكؤوس التي ملأها للأصدقاء الثلاثة.. بدل ذلك اقترب من الصديق الوحيد المتبقي من الثلاثة وقال مفتعلاً الحزن:
- أقدم التعازي باسمي وباسم صاحب البار.. كيف فقدت صديقيك؟
- لا يا سيدي، ليس الأمر كما يبدو.. صديقاي هاجارا، وهما بخير والحمد لله.. واحد هاجر إلى أستراليا والأخر الى أميرِكا.. وبقيت لوحدي كما ترى..
- هل أجلب لك كأسك يا سيدي؟
- ليس كأسي فقط، بل الثلاث كؤوس، وكأننا ما زلنا ثلاثتنا نأتي كل يوم، لقد أقسمنا ان ندخل باراً في نفس الساعة، حيثما نكون في أرض الله الواسعة، وان يشرب كل واحد منا كأسه وكأسي صديقيه، وكأننا نجلس سوية لم نفترق. لذا يا عزيزي.. أجلب لي الكؤوس الثلاثة وكأننا ما زلنا ثلاثتنا نشرب سوية...
وهكذا استمر الوضع.. يدخل يومياً بنفس التوقيت، ويجلس ليحتسي ثلاث كؤوس وكأن صديقيه يشاركانه الشرب.
ومرت سنة أو أكثر.. والصديق محافظ على برنامجه، ويخبر من في البار عن أخبار صديقيه، وكيف انهما يتصرفان بنفس الشكل وفي الساعة المشابهة في بلادهم الجديدة.
ولكن، في يوم ما، حدث ما لفت انتباه رواد البار وأثار تهامسهم.
دخل الصديق كعادته.. وطلب كأسين فقط رافضاً الكأس الثالثة.. البعض راهن انه فقد أحد صديقيه.. البعض قال ان الجيل يفرض علية التقليل من الخمر.. والبعض قال ربما وضعه المادي لا يسمح له بشراء ثلاث كؤوس...
جلس كعادته يحتسي الخمر من الكأسين، ولم يطق البارمان الصمت، وعدم معرفة ما جرى، اقترب منه وسأله:
- ماذا مع كأس الصديق الثالث.. هل وقع لأحدهما مكروه؟
- أبداً أبداً.. الصديقان بصحة جيدة ويشربان الخمر يومياً.. ولكني عدت الى ديني وصلاتي ولم أعد أشرب الخمر.. وأشرب فقط كأسين عن صديقي حتى يهديهما الله ويكفان عن الشرب.. تماماً كما هداني!!
**
ملاحظة : في قصصي الأخيرة ، وأغلبها لم ينشر بعد ... اعتمدت مفاهيم فلسفية متعددة ، وقد ساءني ان مثقفين وراء صفات طويلة تسبق أسمائهم وثقيلة القيمة ، لم يفهموا المقروء الفلسفي أو حتى الأدبي البسيط ... وراحوا نحو تفسيرات هرطقية ومواعظ دينية لا علاقة لها بالنص القصصي ، مما يعني ان بينهم وبين الثقافة والرؤية القصصية ، كشكل من أشكال الوعي الثقافي والاجتماعي ، المحيط الأطلسي بكل اتساعه .
حتى في هذه القصة البسيطة ، والساخرة ، هناك فكرة فلسفية بسيطة عن "فشل التفكير المنطقي " لدى بعض الناس ( استمرار بطل القصة في شرب الخمر بحجة انه يشرب عن صديقيه)... وليس مجرد لسعة فكاهية . أو غمز ضد الدين !!
وقد اعتمدت في هذه القصة على فكاهة سمعتها وظلت عالقة بالذاكرة حتى جاء وقتها !!
ليس من المتبع ان يفسر الكاتب أفكاره .. أي ان يقدم اللقمة كاملة الهضم للقارئ ، او لنقاد لا يفهمون فلسفة المقروء .. انا لا أكتب للتسلية كما اتهمني ناقد حصيف . ويبدو ان الكثيرين من حملة القاب كبار المفكرين وكبار النقاد وكبار الكتاب ، لا يختلفون في "فشل تفكيرهم المنطقي " عن القارئ البسيط . على الأقل القارئ العادي يجد ما يضحكة ( وهذا بحد ذاته ضمن شروط اللعبة القصصية وفن القص ).. اما بعض " الكبار" فيدعون ان "قلمهم شرفني " حين كتبوا عن قصة لي وانهم عادة لا يكتبون الا عن "كبار الأعمال" والبعض لم أقرأ ما كتبه لأنه حولها الى خطبة دينية مكررة مستعرضا عضلاته في حفظ الممنوعات حسب تفكيره القروسطي .. وجميعهم بالتلخيص الأخير يثبتون جهلهم الثقافي واللوجي ( العقلي المنطقي ) بمفهوم الأدب وفلسفة الثقافة والقدرة على التفكير بمنطق ثقافي ، وليس بآلية مبرمجة بعقلية قتل الميكي ماوس .
عندما لا أعرف شيئا عن الكاتب وآفاقه المترامية الأطراف ، وتجربته الحياتية والثقافية ، لا أستطيع ان أضعه في خانة وأبدأ باطلاق الأحكام ( الرصاص ) عليه!!
فقط في ثقافتنا العربية هذا الأمر جائز لأننا بصراحة نعاني من أمية مثقفين وانتشار طبقة متثاقفين "يعرضون محاسنهم" مثل بعض نجمات الفضائيات .
آمل ان لا أضطر لمثل هذه الملاحظات في قصص قادمة ــــــــ نبيل عودة
حتى في هذه القصة البسيطة ، والساخرة ، هناك فكرة فلسفية بسيطة عن "فشل التفكير المنطقي " لدى بعض الناس ( استمرار بطل القصة في شرب الخمر بحجة انه يشرب عن صديقيه)... وليس مجرد لسعة فكاهية . أو غمز ضد الدين !!
وقد اعتمدت في هذه القصة على فكاهة سمعتها وظلت عالقة بالذاكرة حتى جاء وقتها !!
ليس من المتبع ان يفسر الكاتب أفكاره .. أي ان يقدم اللقمة كاملة الهضم للقارئ ، او لنقاد لا يفهمون فلسفة المقروء .. انا لا أكتب للتسلية كما اتهمني ناقد حصيف . ويبدو ان الكثيرين من حملة القاب كبار المفكرين وكبار النقاد وكبار الكتاب ، لا يختلفون في "فشل تفكيرهم المنطقي " عن القارئ البسيط . على الأقل القارئ العادي يجد ما يضحكة ( وهذا بحد ذاته ضمن شروط اللعبة القصصية وفن القص ).. اما بعض " الكبار" فيدعون ان "قلمهم شرفني " حين كتبوا عن قصة لي وانهم عادة لا يكتبون الا عن "كبار الأعمال" والبعض لم أقرأ ما كتبه لأنه حولها الى خطبة دينية مكررة مستعرضا عضلاته في حفظ الممنوعات حسب تفكيره القروسطي .. وجميعهم بالتلخيص الأخير يثبتون جهلهم الثقافي واللوجي ( العقلي المنطقي ) بمفهوم الأدب وفلسفة الثقافة والقدرة على التفكير بمنطق ثقافي ، وليس بآلية مبرمجة بعقلية قتل الميكي ماوس .
عندما لا أعرف شيئا عن الكاتب وآفاقه المترامية الأطراف ، وتجربته الحياتية والثقافية ، لا أستطيع ان أضعه في خانة وأبدأ باطلاق الأحكام ( الرصاص ) عليه!!
فقط في ثقافتنا العربية هذا الأمر جائز لأننا بصراحة نعاني من أمية مثقفين وانتشار طبقة متثاقفين "يعرضون محاسنهم" مثل بعض نجمات الفضائيات .
آمل ان لا أضطر لمثل هذه الملاحظات في قصص قادمة ــــــــ نبيل عودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق