الخميس، مايو 29، 2008

حريات خالية

د. حنان فاروق

مالي أتنقل من قفص إلى قفص..؟؟؟أجننت؟؟؟تخيلت أنى سأرفرف بجناحي في فضاء الحب حين ارتبطت بها ..خدعنى الشوق إليها ونبضها يطرق أبواب مشاعري ..بشرتنى بحريتى التي ستحملنى بعيدأ عن قضبان قفص الرباط المقدس..رقتها..عقلها...ضعفها القوي جذبوني إلى عالم من ألوان الطيف أتنقل فيه كيفما شئت.. أتنسم عبير الأالوان..أتجدد...كنت في حاجة إليها.. للاندماج بروحها وعقلها معاً..لكنها ...تغيرت..لا أو ربما.. أنا الذى تغير.. بمرور الأيام وجدتنى خلف قضبان جديدة بلا مبرر...لا أعرف لماذا انطفأ شوقي..

تغيرت ملامح كيوبيد القصة لتتحول إلى أخرى شيطانية تقض مضجعي كلما أعلن جوالي عن صوتها القادم إلي عبر الأثير أو أحسست أني سأقابلها هنا أو هناك..شحوبها المتزايد ونضوب بريقها يستفزني أكثر مما يستثير عطفي عليها..لم أعد أفهمها..ولا أريد..حبستنى دون قصد بين طوفان الحب الذي تصر على تفجيره داخلي وبين الاعتذارات التي لاتنتهي عن الضغوط التي تمارسها علي..أف للنساء...أحاول التخلص منها بهدوء..أمقت القضبان....أشعر بها تفهم مايحدث داخلي ولاتصدق فتخنقنى بأسئلتها المملة...لماذا لاتصدق..؟؟

أوصلت إليها شعورى بكل الطرق..ابتعدت..نفرت..كلمتها بشيء من حدة تصل إليها دون أن تسيء إلى إنسانيتها..لكنها لاتكف عن محاولة الاقتراب والبحث في سطور نفسي..محوت من ذاكرتي كل ماتحاول قراءته كي لاتتسلل في غفلة مني وتقتنصه..لم تهدأ..لو فقط تتركنى بعض الوقت ..ربما عدت إليها ثانية..أو..
..جرس الباب يدق..زوجتى وأولادي..أغرق فى دوامتهم مع سبق الإصرار ..يدق جوالي..ألمح رقمها..أخرجه من نطاق الخدمة ...أفر إلى الجريدة..أزاحم الإعلانات والسطور بحثاً عن حرية خالية..

جوليا ... آلهة الشمس في حمص

د. عدنان الظاهر

(( السوسنة الجامحة / إيلي جابالا ))
توطئة توضيحية :
تركت معبدها في وطنها بعد أنْ غزاه المحتلون وجاءت بابلَ تبحث عن " مشهد الشمس " القريب من مدينة الحلة حيث دأبَ قدامى البابليين على عبادة الشمس في هذا المعبد الذي لم يبقَ منه اليوم إلا الإسم . رأيتها هناك تنظف المكان وترشه بماء الورود وتوقد الشموع وتحرق عيدان البخور وتطرد منه الجان والصيارفة وأولاد الأفاعي وبائعي الطيور. سألتها لِمَ إختارت هذا البلد دون سواه ؟ قالت لأنَّ الناس فيه ما زالوا يقدرون ويفهمون الأديان ويتعبدون لآلهتهم ويوفون بنذورهم ويقدمون قرابينهم ويذبحون أبكار بنيهم كعادات الكنعانيين قومي الذين عبدوني آلهة للشمس وأسموني إيلي جابالا . هززت رأسي بقنوط مع الكثير من الشفقة ثم قلتُ : أخطأتِ القصد يا ربّة الشمس الكنعانية ! توسّعت حدقتا عينيها فتبينت فيهما لونين متداخلين هما البني ـ البنفسجي يحيط كالإسوارة بلون أخضر فاتح سريع التغير عاكساً لون الوسط المحيط . قالت وقد ضاق بؤبؤا عينيها كيف أخطأتُ القصد ؟ تضاعف قنوطي وتضاعفت درجة شفقتي وخنقتني عَبرة ٌ عابرة غالبتها بمشقة وتغلبت على غصتها فقلت لها : يا ربّة الشمس ويا أخت القمر ! يا بنت َ كنعان وفينيق وآمور ! معبد الشمس القديم هذا وهذا البلد لم يعودا آمنين ... غزاهما محتل ٌ أكثر شراسةً وأشد بطشاً من تلك الأقوام التي غزت ودمرت بلدك ومعبدك ! إنهارت الربة آلهة الشمس وأخت القمر فتهاوت على أرض معبدها الترابية ثم غطت بكفيها وجهها وأجهشت بنوبة بكاء مرٍّ لا ينقطع . تركتها لشأنها كيما تصرِّف الأزمة النفسية الحادة وتهفتَ النيران ... ثم لعلها تفكر في حل آخر وبلد آخر تجد ضالتها فيها حيث لا محتلون ولا غزاة ولا مستوطنون .

ما يجمعُ فتنة الرخام الأبيض بناحتها المتوحش ؟
قلت له : هل سبق وأن تعرّفتَ على هذا التمثال النادر المثال الشاخص أمامك ؟ قال وكيف تسألني مثلَ هذا السؤال الأبله ؟ أنا الذي عرفتك عليه ، أو بعبارة أكثر دقة ، بواسطتي كنتَ قد تعرّفتَ عليه قبل فترة قصيرة . هززتُ رأسي موافقاً وقد أُسقطَ في يدي . معه حق . تذكرتُ ... لقد كتبتْ لي ذات يوم صاحٍ جميل (( أنقى من الفجر ِ الضحوكِ وقد أعرتَ الفجرَ خدّكْ / للأخطل الصغير )) إنها مستعدة لأن تذرف دمعتي إعجاب وتقدير لهذا النحّات الرائع . تذكرتُ ذلك فحزَّ في نفسي كيف أنها لا تخصّني بواحدة من هاتين الدمعتين ! هل ألومها أم أحسد صاحبي النحّات الفطري المتوحش ؟ سألتها في حينه فقالت ذاك لأنني لا أعرفك بشكل جيد كما أعرف صديقي النحات . ثم َّـ أضافت ـ إنك لستَ نحاتاً أصلاً ، لا من ثقة لي إلا بالنحت والنحاتين . هل أعيد تثقيف نفسي وتأهيلي بعد خراب البصرة وفوات الآوان ؟ هل أدرس فنون الرسم والنحت من جديد ؟ لم يبقَ في العمر متسعٌ لتحقيق مثل هذه الأماني . مرَّ القطار ... قطار الليل وحَمَدْ وما مرَّ هيهات أن يعود ، هيهاتَ هيهات (( ومن إمتهْ اللي راح بيعودْ / أغنية / كفاية يا عين لفريد الأطرش )) . قطار حَمَد والعشاق والمحبين البطرانين من أهل الهوى والطرب ذاك غير قطار الموت البعثي الشهير عام 1963 ... شتانَ شتان !! فهمتْ السوسنة ُ مقصدي فهي تقرأ الأفكار وتستوحي الغيب وتفك أسرار المغيبات . قالت بصوت عالٍ يسمعه نحات الصخور وطبيب النفوس : لا عليك ... لا تغيّر مواقعك ومواقفك . إبقَ حيثُ أنتَ فأنت تحبُ الثبات . يكفيك أنك تفهم ما تكتب ويكفيك أكثر أني كذلك أتفهم ما تكتب لي ولسواي من الناس . دمعة واحدة لك أو أمامك لا من قيمة عندي لها . سأهديك مصدر دمعي . سأهديك صورة عينيَ اليسرى . تأمّلها ، تملاها ، غرّق فيها ناظريك ، حاولْ أن تكونَ مثلي قرّاء عيون ، العيون تتكلم ، إنها تتكلم بصمت حيناً وبصوتٍ عال ٍ أحيانا . إنْ لم تفهم عيني اليسرى ولم تستطع ْ تفسيرَ غموضها ومجاهيلها فحاول أنْ تفسّر ما فيها من الوان ففي ألوان العيون فلسفات وفلسفات . كم لوناً رأيتَ في عينيَ يا هذا وما حد ُّ فهمك لكل لون من هذه الألوان ؟ خفتَ فجأة ً صوتها لتهمسَ في أذني اليمنى : أرجوكَ أرجوك ... لا تنشر صورة عيني في موقعك ولا في غيره من المواقع . ضحكتُ بصوتٍ عالِ إستفزَّ مشاعر الصديق النحّات الذي كان منشغلاً يخطط على ورق سميك ، ثم قلت لها هامساً بالقرب من عينها ـ الصورة : يا حبيبة ُ، ماذا سأنشر ؟ هل يُعقلُ أنْ أنشرَ صورة عين واحدة ؟ هل رأيتِ في حياتك عيناً واحدة ً بدون وجه؟ ماذا سأقول للناس ؟ هذه عين السيدة سوسنة البهاء اليسرى ؟ سيسألونني وماذا عن العين الأخرى ؟ قالت هامسة ً : قلْ لهم إنها ليست نسخة طبق الأصل من أختها اليسرى ، إنهما متناظرتان كتناظر الكفين ، تناظر لا تطابق . لا تشبه عينٌ في البشر العينَ الأخرى . صمتت السوسنة بينما واصل النحات تخطيطاته ينقّل بصره ما بين وجه وجسد السوسنة وما أمامه من ورق أبيض سميك . إنتبهت الضيفة فإعترضت بعصبية طالبة ً من النحات أن يكف َّ عن مواصلة التخطيط . صرختْ في وجهه الذي غطت لحيته أكثر من نصفه : من سمح لك دون إذنٍ أن تخطط وجهي وهيئة جسدي ؟ أنا إمرأة متزوجة وزوجي حبيبي أكرِّس وقتي له ولفني المشابه لفنك . سقط القلم من كف صاحبه وتطلّع في عينيها ذاهلاً مشدوهاً ثم إستدار نحوي طالباً النجدة . سارعتُ لإنقاذه من الورطة التي أقحم فيها نفسه . قلت لها كاذباً إنه يلهو لا أكثر ، ولا من خطر في لهوه وخطوطه ونقوشه ... إنها محضُ هلوسات فالفنانون كالشعراء سواء بسواء مجانين أو أنصاف مجانين يفعلون ما لا يقولون ويقولون ما لا يفعلون ويهيمون حيثما وكيفما شاؤوا (1) . قالت قد أصدقك قولك لكني أصر ُّ في طلبي منك أنْ لا تنشرَ صورة عيني اليسرى مهما كانت الظروف . حاول صديقنا الفنان أن يلملمَ أركان نفسه التي تهاوت جرّاء صرخة السوسن في وجهه وأمرها له أنْ يكف عن هلوسات التخطيط فتظاهر بالقوة وبشئ من البأس فقال : إذا لم تسمحي لصديقنا أنْ ينشرَ صورة عينك فلا من بأس في أن تسمحي له بنشر صورة وجهك كاملاً بعينين وأنف مستقيم وفم قرمزي الضباب والإستدارة والندى يعتلي جيداً غزاليَ التشكيل . لم أملك صبراً فسارعتُ للقول : شرطَ أنْ يكونَ الرأسُ حاسراُ بدون حجاب ! إحتجت بغضب قائلة ً : ومتى رأيتني يا هذا بحجاب ؟ معها حق . إنها إمرأة أخرى نبتت في أرض أخرى وتربّت على عادات وطقوس مغايرة أخرى . قلت لها طيّب ، سأتخلى عن مشروع نشر صورتك جملة ً وتفصيلاً ولكن بشرط . قرّبت وجهها مني حتى كادت أهداب عينيها السود الطويلة أن تلامس صفحة وجهي قائلة ً : وما هو ترى هذا الشرط ؟ الشرط يا ضيف الشرف أن تسمحي لصديقنا الفنان أن ينحتَ لك تمثالا ً أو صنماً من رخام شديد البياض كرخام تمثال موسى صاحب الطور في سيناء ليتعبّدَ له الملحدون والمشركون من بقايا قريش وعاد ٍ وثمود ٍ وأصحاب الأخدود . تبسّمت السوسنة الضيفة ثم إتسعت بسمتها فبانَ بياضُ أسنانها لكأنما كان قصدها أن تقول ما رأيكم ببياض أسناني ؟ بادرتُ للقول نعم ، هذا هو اللون الأبيض الذي أروم لتمثالك يا ربّة ! فتح الفنان الفطريُ الطيبُ عينيه متسائلاً مستنكراً قولي مردداً : أطلقتَ على ضيفتك لفظةَ ( ربة ) ؟؟ أجلْ يا صديق . إنها ربّة قديمة عمرُ أسطورتها يعود لألف عام قبل الميلاد . إتسعت عينا صاحبي أكثر . سحب الكثير من دخان غليونه ( بايب ) ... نفث بعضه وإبتلع باقيه ثم طلب مني أن أوضح هذا الأمر الشائك . هل أتكلم أنا أم أنتِ يا سوسنة أم ندع تمثالك يتكلم ويفصح ؟ قالت بل أنا مَن سيتولى المهمة . إسمي [ جوليا دومنة ] وكنتُ آلهة ً وربة ً في معبد الشمس في منطقة مدينة ( حمص ) السورية ، فأنا ربة الشمس يوم كان الناس يعبدون الشمس ربما قبل المصريين الفراعنة وقبل قوم بلقيس ملكة سبأ التي عبدت وقومُها قرصَ الشمس كما قرأتم قصتها في القرآن وما جرى لها مع سليمان وزيارتها له في أورشليم وشغب الهدهد وما نقل لسليمان من أمرها (2) . لم يصّدق الفنان النحات ما قالت السوسنة التي كانت تتكلم وهي كالحالمة أو النائمة . كانت مغمضة العينين حالمة الشفتين منكّسة الرأس متهدلة الشعر . هل هي في حلم حقيقي أم ترى إنها واقعة بالفعل تحت تأثير سحر أو قوة منوِّمة ؟ رجعتْ أكثر من ثلاثة آلاف عام ٍ للوراء تستذكر ماضيها حين كانت ربّة ً يعبدها الناسُ ويقدمون لها النذور والأضاحي وكان إسمها ( جوليا أو جولي أو جوليانا ) لا فرق ... فإسم الشهر السابع من السنة ، تموز ، مشتق من أصل إسمها فهو يوليو أو
{ جلاي }
July
بالإنجليزية ، وهو بالألمانية { يولي }
Juli
ولا أعرف كيف يكتب بالفرنسية . خُيلَ لي كأنَّ صاحبي يتابع ما أهمس به لنفسي أو ما كنتُ أقول إذ ْ إختلط الوهم لديَّ بالحقائق . أضاف مغتبطاً منشرحاً إذا ً الفضل لهذه الربة الماثلة بيننا أمامنا شبهَ نائمةٍ حالمةٍ في نور شمسها وحرارة شهر تموز وكل ما يعطينا الصيف من ثمار وفاكهة ومصائفَ وسواحلَ رملية وغير رملية وهذا الشهر هو أحدُ أشهُرِ العطل المدرسية والجامعية في كافة أنحاء العالم . قمْ ـ صرختُ ـ قمْ يا صديق لنسجدَ عند قدميها فإنها هي الربّة وهي آلهة الشمس وإني لا أخجل من إعلاني أني عدتُ لوثنيتي وإني أحد رعاياها وأحد عابديها وهذا أنا أقدم جسدي قرباناً لها ... إنهضْ فوراً وانحرني يا فنان كما حاول إبراهيمُ ذبحَ إبنه (3) ثم َّ انحتْ لها تمثالاً من الرخام الشديد البياض مؤَطراً بخطوط ٍ ونقوش وزخارفَ حُمر ٍ من بعض دمي ثم قدّم ْ ما يتبقى من جسدي طعاماً للنسور . ترك الفنان غليونه شاحذاً سكينه لكنَّ الربة َ التي بخلت عليَّ بصورتها تركت القاعدة التي وقفت عليها كي تمنعه من تنفيذ عزمه على نحري . نهرَته بعنف فتراخى ... جبُن فتراجع وأقعى أمامها كذئب جريح . إلتقط أنفاسه معتذراً أنه كان ينفذ ما طلب منه صديقه ولا أكثر من ذلك . شكرتها وقلت لها إذا ً سآتيكم بكبش تذبحونه قرباناً لك بدل رقبتي ودمي { ذِبح عظيم } (3) ... ثم رددتُ بعض أشعار قديمة من باب العرفان بالجميل أنها أنقذت حياتي من سكين الصديق الفنان النحّات الحوت المنحوت والمنحوس :

يا ربّة َ العرشِ هل في أمرنا عَجَب ٌ
إن ْ كانَ لم يرتفع ْ في ساحِنا عَلَم ُ

كنتُ الذي أبتغي حاجا ً أهم ُّ لهُ
مثلَ المصابيحِ إذ ْ تحمى فتنحطمُ

دارت ْ على محوري المكسورِ في صَخَب ٍ
شتى الرياح ِ وفي تصخابها صممُ

عودي إلى أرضنا العطشى مطاوعة ً
عودي ، ففي نبعنا الفضي ِّ نحتلمُ

قام الإثنان معاً مصفقين فصافحاني وتبادلنا قبلات الصداقة ومحض الود حيث يتلاقح الأدب والرسمُ وفن النحت فضلاً عن الأسطورة والخيال خالق الفن والأدب.
هوامش
(1)
(( والشعراءُ يتَّبعُهم الغاوون . ألمْ ترَ أنهمْ في كل وادٍ يَهيمونْ . وأَنهمْ يقولونَ ما لا يفعلون / سورة الشعراء ، الآيات 24 ، 25 ، 26 )).
(2)
من سورة النمل / الآيات 22 و 23 و 24
[[ فمكثَ غيرَ بعيد ٍ فقالَ أحَطتُ بما لم تحُطْ به وجئتكَ من سبأٍ بنبأٍ يقين . إني وجدتُ امرأة ً تَملِكهم وأوتيتْ من كلِّ شئ ٍ ولها عرش ٌ عظيم . وجدتها وقومَها يسجدونَ للشمسِ من دونِ اللهِ وزيّنَ لهمُ الشيطانُ أعمالهم فصدّهم عن السبيلِ فهم لا يهتدون ]] .
(3)
من سورة الصافات / الآيات 102 ، 103 ، 104 ، 105 ، 106 ، 107
[[ فلما بلغَ معه السعيَ قال يا بُنيَّ إني أرى في المنامِ إني أذبحكَ فانظرْ ماذا ترى قال يا أبتِ افعلْ ما تؤمرُ ستجدني إنْ شاءَ اللهُ من الصابرين . فلما تلّهُ للجبين ِ . ونادينا أنْ يا إبراهيمُ . قد صدّقتَ الرؤيا إنّا كذلكَ نُجزي المُحسنين . إنْ هذا لهوَ البلاءُ المُبين . وقد فدّيناهُ بذِبح ٍ عظيم ]] .

وأسقطُتكَ سهوا

ليلى البلوشي
كنت َ الحضور دوما
وكنتٌني الغياب أبدا
رسمت َ شخصك َ بأصابعي فيك
فأعلنت الطبول عرسك
والدفوف كفني ..

/
/
/

أنت الشمول في كل الفصول
وأنا الاختصار بعقدة فصلك
فأزهر عمرك ربيعا
وَيتُم عمري خريفا ..

/
/
/

تعود لترحل في مسكني الأبدي " قلبي "
وأرحل لأعود في مسكنك المؤقت " قلبك "
فتشتعل شبابا في ّ ،
وانطفئ شيبا فيك ..

/
/
/
ترتشفني قدحاً
ولا تكف عن عادة التخمة مذ عرفتك
ولا أكف عن محاولة رشفك
فيرتعش قدحي جوعاً مذ عرفتني..

/
/
/

تتلبسني ذنبا يغتفر
واتلبسك خطيئة تعفر وجهي التراب
فيدفع جسدي ثمن ديتك
وتدفع جسدك عني امرأة أخرى ثمنا ..

/
/
/

لفظت َيوما : أحبك ِ
ويقينكَ : أكرهك ِ
ولفظتُ يوما : أكرهك َ
ويقينيِ : أحبك َ
فكذّب السنين يقينك
وخمّنت السنون صدق يقيني ..

/
/
/

احتضننا موعد مع الكرز
قطفت لي وقطفت لك
هبت ريح فاصلة
كيت وكيت ....... ،
فأسقطتني عمدا وأسقطتك سهوا ً..

Lailal222@hotmail.com

الأربعاء، مايو 28، 2008

فن الإعتذار

على جبر
فى كثير من الأحيان يكون الأعتذار حلا لمشاكل كثيرة جدا ويحمى الأنسان من الدخول فى جدال بل ومشاحنات فكلمة (( اعتذار )) تحل معظم المشكلة وتأسر الطرف الأخر بكرم اخلاقك وهى تدل على سمو نفسك ومدى رقيك وتقدمك وهى لا تكلفنا شىء فلماذا نتكبر ونعاند عندما نخطئ
ان لا نعتذر فهمنا خاطئ ان الأعتذار ضعف ولكنة قمة القوة لأنة ما من احد منا معصوم من الخطاء فلنعتذر هيا بنا نتعرف سويا علي فن..... الإعتذار ربما يكون . لقاءً قصيراً !!ولكنه حمل معه جرحا مؤلما .. وخطأً فادحا وكلمة اعتذار لم تُهديها الشفاه .
ألهذه الدرجة يكون الغرور والتعالي ؟
جميلٌ منا أن نشعر بفداحة أخطائنا بحق الآخرين ولكن الأجمل أن يترجَم هذا الشعور لواقعٍ ملموس اعترافٌ بالخطأ ومن ثم اعتذار من منا حقا يتقن هذا الفن ؟؟؟
** فن الاعتــــــــــــذار **
الاعتذار الصادق المعبّر فعلا عن الإحساس الحقيقي بالخطأ والندم عليه الاعتذار الذي هو جواز المرور لمشاعر أفضل بين القلوب المتحابة .
**
إن أثمن مافي الحياة هو القدرة على ملامسة قلوب من نحب ولكن يبقى الأسوأ هو جرح هذه القلوب دونما
**
اعتــــــــذار
من علّمنا أن الاعتذار ضعفٌ وإهانةٌ ومنقصة ؟؟
من علّمنا أن نقتل بداخلنا هذه الصفة النبيلة ؟؟
من علّمنا أن في الاعتذار جرحٌ للكرامة والكبرياء ؟؟
الاعتذار من أنبل الصفات الانسانية .هو دليل نقاء القلب وصفاء النفس .وحلاوة الروح .
وليتنا نكن متسامحين مع أنفسنا ابتداءً ومع الآخرين انتهاءً .عندها لن نجد في عالمنا هذا ذرةٌ من خلاف
** فاصلة **
قد أخطئ أنا أو تخطئ أنت وقد نتقاسم الأخطاء ولكن خيرنا من يبدأ بالسلام
وختاما
من أكرمك .. فأكرمه ومن استخفّ بك .. فأكرم نفسك عنه
gabr189@yahoo.com

الثلاثاء، مايو 27، 2008

صباحكم أجمل/ سفر بليلة ريح

زياد جيوسي
رام الله
بعدستي الشخصية

صباح آخر لرام الله، صباح أكثر جمالا وبهجة، صباح ياسمينات تتبرعم وتتعربش الجدران، تعبق الدروب بعبقها والجمال، نسمات الغرب تداعب مني الروح والجسد، عشقي الخاص، فصباحك اشراقة شمس يا رام الله.. يا حبيبتي.. أحن إليك فأقطف زهرة ياسمين أزرعها مفرق شعرك، كل يوم أكتب إليك، فهل يا ترى سيكفي الورق لكتابة قصة عشقنا الضاربة الجذور، معا نحن، إلى الأبد يدا بيد، قلبا بقلب، انصهار أرواح، إدنغام إلى درجة الذوبان، رقة الحبيب، دمعة تسكن المآقي أخشى عليها من الانفلات، فابقي معي نواصل ما فاتنا في سنوات الغياب، عشق روحي يسكننا فلا نمتلك للمشاعر دفعا، دعيني التقيك بلا فراق، أمسك بيدك تحت ظلال القمر، أداعب شعرك الناعم المنسدل على الكتفين، نتذاكر قصص العشاق، فهل من عشاق رسموا قصة عشق كقصتنا؟
صباحك أجمل يا مدينتي، صباحك أجمل وأنا أجول متأملا كل ما أراه فيك، أهمس بأذنك: أحبك كما يليق بك أن تُحَبي، كمليكة الجمال على عرشها، يا مليكة البراعم والياسمين والصنوبر، يا حبيبة الماضي والحاضر والمستقبل، معا أبدا.
ما زال عيسى يحتل زاويته، ينادي بصوته الأجش على الكرز والجرانق، العم إيليا يجلس إلى مقعده يتمتع بالشمس، التوأم يخرجون بضاعتهم للشمس، التقط بعض حبات الكرز بعد إلحاح عيسى، أتذوقها بهدوء، فأنا لم أتناول فنجان قهوتي بعد، فقد صحوت مبكرا وخرجت لأرافق حبيبتي الناعسة صحوة الفجر، أتنشق نسماتها البكر، فكالعادة لا يمكنني أن أترك الشمس تفتقدني بلحظة نزعها سدل العتمة، ولا يمكنني أن لا أشارك المدينة صباحها قبل أن تنفلت عيون المارة من نومها.
أيامي ورام الله لم تخلو من أمسيات جمال طيبة في الأيام الماضية، ففي مساء الخميس الماضي كنت أحضر مسرحية ابن خلدون في القصبة، والسبت وفي نادي القراءة في بلدية البيرة، كنت في مناقشة أدبية جميلة لرواية ذاكرة زيتونة للكاتبة سهاد عبد الهادي، وكانت جلسة حوار جميلة، أجادت السيدة سهاد العرض والمناقشة، فأضافت للرواية جمال آخر بالعرض والحوار، وفي مساء الاثنين تنقلت من معرض الزيتون في المركز الثقافي الفرنسي الألماني، بدعوة من اتحاد المزارعين الفلسطينيين، فإلى دعوة من دار الشروق لحضور لقاء مع الكاتب والروائي الكبير، الصديق يحي يخلف وتقديم روايته "ماء السماء"، لأجول بعدها مع صديقي القديم الكاتب آصف قزموز في المدينة بعد أن قدمنا واجب عزاء، وأعود لصومعتي وأقرأ في الرواية حتى غفوت وأنا أحتضن "ماء السماء"، وما أن جاء مساء الأمس حتى كنت قد التهمت من الرواية كل الحروف، فذاكرتي بكتابات يحي يخلف تمتد جذورها إلى روايته التي لا تنسى "نجران تحت الصفر"، لأتناول بعدها مباشرة مجموعة قصصية للكاتبة الصديقة مليحة مسلماني، تحمل اسما غريبا هو 1 2 3 ، أهدتني إياها مذيلة بأناقة حرفها، فأتمتع بهذا العدد من القصص القصير جدا، والذي يحمل بصمات مليحة التي لا تخفى على عين قارئ.
لا أعرف ما الذي يجعلني كلما سرت في دروب رام الله أذكر الماضي وأخوض ببعض من شذراته، فاذكر عمان الهوى والجمال وتلك الفترة من عمري، فترة تلت حرب حزيران والهزيمة، وتلت معركة الكرامة والانتصار، واستقرارنا بذلك الحي من الاشرفية لسنوات، فكانت بداية النمو في العمر والانتقال من الطفولة للشباب، ولعل انتسابي للثورة في ذلك العمر المبكر لعب دوره في نمو شخصيتي، وما زلت أذكر أول محاضرة لنا في مكان غير معلن تحت عنوان: الثورة أخلاق، وإن ذهب بعدها الكثيرون بالثورة وبالأخلاق معا، فبدأت أقضي وقتي بالقراءة المكثفة، وتفتحت عيناي على شعر سميح القاسم ومحمود درويش، وكنت أنسخ ما يصلني من شعر بدفتر ما زلت أحتفظ به، فلم أكن أملك ما يكفي لشراء كل ما أريده من الكتب، فأنسخ الشعر لأنه الأقل حجما، وأشتري بمقدار ما يتوفر معي، فقد كنت الجأ للقيام ببعض الأعمال للحصول على بعض من المال، أجمعه وأشتري به كتابا، متحملا النـزول لوسط المدينة والعودة سيرا على الأقدام، أجلس في شرفة المنـزل أقرأ وأقرأ، فكان شعر نزار يتملكني، وروايات الأدب العالمي والعربي تجتاح مني روحي الطفلة، وأنا ما زلت في الإعدادية، متنقلا من مدرسة إعدادية الاشرفية إلى مدرسة صلاح الدين، وكانت ليست بالبعيدة عن البيت الذي اكتراه والدي من رجل طيب رحمه الله، وفي تلك الفترة تفتحت روحي على قصة حب عشتها ببراءة وجمال، تركت في الروح ما تركت من أثر، فأذكر ولا أنسى تلك الشقراء الناعمة التي قدمت لها أول زهرات الياسمين، أقرأ على مسامعها الشِعر، حتى فرقنا الزمان، وفي تلك الفترة بدأت عمان تعيش بعض من أسوء الفترات في تاريخها، فالمظاهر المسلحة بدأت تملأ شوارع المدينة وأحيائها، وبين الوقت والآخر ينفلت عقال الجنون، فيترك ما يتركه من ضحايا بريئة، منهم أصدقاء وأقران بالعمر، فأصبحت الحياة مضطربة، وبدأت تبرز مظاهر سلبية تعكس نفسها على المجتمع ككل، وقد بدأ يلوح في الأفق نُذر الشر وسيطرة الجنون.
أعود للصومعة أهمس لها: ليكن صباحك هديل حمام وبوح ياسمين، أتصفح صحيفة الصباح، أعد فنجان قهوتي، أتمتع بزقزقة العصافير الفرحة، أتأمل رسما لحروف خمسة، فأنت أنا كلانا عشق تجاوز الزمان والمكان، شدو فيروز يرافق صباحي:
"هيلا يا واسع، مركبك راجع، بسمتك ليلة، عبستك ليلة، سافر بليلة ريح، ودار الدفة جنوبية، حنت عليه الريح، وصل عا المينا الغجرية، وانقظت ليلة وأشرقت ليلة، شد الشراع وسير، بلد الحبايب ما هي بعيدة، بحر و قول يا كبير و تبقى سفريتنا سعيدة".
صباحكم أجمل.

تغريم الكاتب الكويتي د. البغدادي مبلغ مئة دينار بحريني

قبل عدة اشهر رفعت جمعية "المنبر الاسلامي" – الفرع البحريني للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين – قضية امام المحاكم البحرينية ضد الكاتب والاكاديمي الكويتي المعروف الدكتور أحمد البغدادي، حول مقال كتبه الأخير في صحيفة "الأيام" البحرينية، ووجدت الجمعية الاسلاموية فيه مسا بالدين مثلما اعتادت في تعاملها مع القوى الليبرالية والعلمانية وفي اساليبها القمعية من اجل اسكات اصوات من يخالفونها الرأي – وما قضية القيادي الاخواني المصري المطرود من البحرين المدعو وجدي غنيم، المنظور فيها حاليا امام محاكم البحرين، الا واحدة من امثلة عديدة على صحة ما نقول. واليوم فقط أصدرت المحاكم البحرينية حكما في القضية المشار اليها ومضمونها تغريم الكاتب الكويتي د. البغدادي مبلغ مئة دينار بحريني.

اللغة العربية وإثنية الدولة


علي حيدر

" أنا لغتي.
أنا ما قالت الكلمات".
محمود درويش، قصيدة بعنوان "فرس للغريب"


لم نفاجأ من مشروع القانون الذي تقدمت به عضو الكنيست ليمور ليبنات (وزيرة التربية والتعليم سابقاً ومن حزب الليكود) ومجموعة من أعضاء الكنيست، الذي طُرِح على جدول أعمال البرلمان، حيث تُسقَط بحسبه اللغة العربية كلغة رسمية، بينما تبقى اللغة العبرية هي "اللغة الرسمية الوحيدة" في البلاد.
إن عدم تفاجُئنا لم ينبع من معرفتنا بالرصيد الواسع للوزيرة السابقة ليبنات، من الكراهية تجاه الشعب الفلسطيني بشكل عام، والمجتمع الفلسطيني في الداخل بشكل خاص فحسب، بل من كون ظاهرة العنصرية، الكراهية والإقصاء أصبحت التوجّه البارز لدى الكثيرين من أعضاء الكنيست اليهود. كما أصبحت ميزة التيار المركزي في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام.
لقد برّرت الوزيرة السابقة سلوكها هذا كردّ على وثائق "التصوّر المستقبلي" التي كانت قد نُشِرت في العام المنصرم، من قِبل مثقفين وناشطين وسياسيين فلسطينيين في الداخل، أرادوا الإجابة على سؤالين: من نحن؟ وماذا نريد؟
باعتقادي، لم تكن الوزيرة ومن انضم إليها، بحاجة إلى هذه الوثائق لتقديم مثل هذه الاقتراحات، إذ سبقتها في الماضي غير البعيد، محاولات عديدة. على سبيل المثال لا الحصر، قام عضو الكنيست السابق ميخائيل كلاينر قبل حوالي العقد، بتقديم اقتراح شبيه، كما أن المركز الإسرائيلي للديمقراطية ومن خلال مسودة "دستور بالإجماع" كان قد نهج نهجًاً مماثلاً. ليبنات لا تعتبر مجددة لكن من خلال تبريرها هذا، نلحظ تجسيدًا للنهج والأسلوب الذي يستعمله المضطهد، القامع والقاهر (كما يظهر في كتابات فرانس فانون، باولو فريري وإدوارد سعيد)- اتهام المقهور بأنه هو السبب فيما يقوم به القاهر ضدّه.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، ما الذي يدفع بليمور ليبنات وآخرين قبلها إلى المبادرة لمثل هذه الاقتراحات؟
إذا أردنا أن نقتصر ونعزو السبب لكون ليبنات مدفوعة باعتبارات حزبية انتخابية، تكون قراءتنا جزئية. أما إذا حفرنا عميقًا في أرضية ومصدر هذه التوجهات، فإننا نصل إلى خلاصة مفادها أن السلطة والغالبية اليهودية يرَون بوجود العربي الفلسطيني في المستويين التاليين، تهديدًا يقضّ مضاجعهم: الوجود الجسدي والوجود المعنوي-النفسي المتمثل في اللغة. إنّه وجود رابض ونابض أمام أعينهم وعلى مسامعهم. الكثيرون منهم كانوا يفضّلون أن يختفي العربي حاملاً معه لغته وتراثه وذاكرته، بمعنى أن تسيطر الحركة الصهيونية على كلّ هذه الأرض ولكن مع تواجد أقلّ للعرب، هذا بعد أن فشلت في تهجير كامل الشعب الفلسطيني والاستيلاء على كامل وطنه.
أضف إلى ذلك، أن المعنى الحقيقي لتجريد اللغة العربية من رسميتها ، لا بل تهميشها، هو رفض الاعتراف بمن ينطقون بها ويعتزّون فيها كهوية. اللغة في المفهوم الحداثيّ ليست وسيلة للاتصال والتواصل وكسب المعرفة فحسب، بل لها مدلولات رمزية وتعبّر عن هوية سياسية ممكن أن تؤدّي في نهاية المطاف إلى تقاسم رموز السيادة في دولة ثنائية القومية.
بالرغم من أن اللغة العربية هي لغة رسمية (وذلك نتيجة لتطورات تاريخية وسياسية أثّرت على المكانة القانونية لها فور انتهاء الانتداب البريطاني، وليس من منطلق وعي وإدراك وسياسات منهجية وفاعلة) إلاّ أنّ هناك فارقًا كبيرًا بين المكانة الرسمية للغة في الوقت الراهن، وبين الواقع الفعلي الذي نتعايشه، والذي بحسبه تتعرض اللغة لعملية تهميش مستهدفة من قِبل المؤسسة، وذلك يلاحظ بشكل دائم في التعاملات الرسمية، وسائل الإعلام، الاستمارات والأوراق الرسمية، المواقع الإلكترونية، أسماء المواقع والشوارع وإلخ.. إنّ اللغة العبرية هي اللغة المهيمنة في كافة مجالات الحياة، ومحاولة إسقاط اللغة العربية وطمسها، ما هو إلاّ إتمام لمشروع السيطرة والهيمنة على المجتمع الفلسطيني في الداخل، ولمشروع تثبيت وتأكيد يهودية الدولة ومنح الغالبية الإثنية أفضلية، وفي المقابل إسكات كل ما هو ذو قدرة على تحدّي الهيمنة اليهودية وتحدّي رموزها.
بما أن اللغة تعتبر، في حالات الصراع، أداة ممانعة ومقاومة، يحاول الطرف القاهر والمضطهِد تجريد المقهور من كل وسيلة قد تتيح له التحرّر.
يترتب علينا أن نعيَ أيضًا أن ليبنات، ومن خلال هذا الاقتراح، تطمح إلى تغييب اللغة العربية من الحيّز العام، وخصوصًا أنه، وبحسب استطلاع للرأي العام أجري في السنة الأخيرة من قبل المعهد الإسرائيلي للديموقراطية، هناك 50% من المجتمع اليهودي ينتابهم الخوف والقلق الشديدان عندما يسمعون اللغة العربية في الأماكن العامة.
بالإضافة الى ذلك, ما يقع في صميم سلوك ليبنات ومن يحذو حذوها، هو رفض كل ما هو مختلف، وخصوصًا عندما يُنعت الآخر ويُعتبر "عدوًّا". هذا التوجه نفسه، هو الذي أدى إلى التحقيق مع المفكّر نورمان فنكلشتين وطرده نهاية الأسبوع الماضي، لكونه ينتقد السياسة الإسرائيلية، ويُبدي تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني ولأنه يؤيد المقهورين في المنطقة.
على غرار هذا الوضع، يترتب علينا، كمجتمع فلسطيني، ألاّ نعفي أنفسنا من المسؤولية لما آلت إليه اللغة العربية من تردٍّ وتراجع (خصوصا وأن المقهور يتأثر بالقاهر فيترك لغته أو يقلّل من مكانتها بعدم استعمالها). علينا الاعتماد، في البداية، على أنفسنا، وأن نؤكد وجودنا ونعزّز لغتنا. لن يتسنّى ذلك إلا إذا فكّرنا وعملنا بشكل جماعي لحماية اللغة العربية، ولتنشيط دورها وفاعليتها، من خلال إقامة المؤسسات التي تُعنى بالثقافة واللغة والتواصل مع محيطنا العربي. نقترح بعض الاقتراحات العملية التي من الممكن الشروع بتنفيذها: رفع مستوى الكتابة في الصحافة العربية، تشجيع القراءة والكتابة والتحدّث باللغة العربية. استحداث كلمات جديدة وبدائل للكلمات المتداولة باللغة العبرية، المطالبة بتقديم الطلاب لعدد وحدات أكثر في امتحانات إنهاء المرحلة الثانوية، طباعة الكتب العلمية باللغة العربية، إرسال رسائل السلطات المحلية باللغة العربية، وأيضاً رسائل البريد الإلكتروني، كذلك التعليقات في مواقع الإنترنت، المبادرة لحملة توعية شاملة تشمل إصدار ملصق "أنا عربي أتكلّم العربية". ومن ثم المطالبة بتطبيق كامل الحقوق اللغوية التي تحميها القوانين المحلية والمواثيق الدولية.

رسالة إلى حبيبي الأوحد

محمد محمد على جنيدي
يَا مَنْ أنْتَ
حَبِيبِي الأوْحَدْ
دَقَّ نَاقُوسُ الشَّوْقِ
يُرَدِّدْ ..طَالَ بِعَادُكَ
لَيْتَكَ تَشْهَد
قَلْباً عَاشَ
هَوَاه يُؤَكِّد
إنْ لَمْ تَأتِ
فَقَدْ أسْتَشْهِد!
يَا مَنْ أنَتَ
حَبِيبِي الأوْحَد
حُلْمِي
صَوْبَ سَمَاكَ تَبَدَّد
سَاقَ الحُزْنُ ضُحَاه
تَنَهَّد
طَالَ عَلَيْهِ
اللَيْلُ الأسْوَدْ
ثُمَّ أرَاكَ
بِقَلْبِكَ تَجْحَد
يَا مَنْ أنَتَ
حَبِيبِي الأوْحَد
ذَهَبَ العُمْرُ
فَلا تَتَرَدَّد
اطْرُقْ بَابِي
قُمْ وَتَمَرَّد
عَلَّ بِوَصْلِكَ
يَوْماً تَعْقِد
بَيْنَ هَوَانا
حُبّاً يَخْلُد

الاثنين، مايو 26، 2008

مسلمة سابقة تواصل تحريض المسلمات على "التخلص من العذرية"

العربية نت
دبي- حيان نيوف
يعرض تقرير "العربية.نت" هذا الأسبوع لمجموعة من الإصدارات العربية والأجنبية، منها كتاب "العذراء السجينة" الذي توصف مؤلفته بأنها مناهضة للإسلام، وهو من أكثر الكتب مبيعا في العالم. ومن الكتب الأخرى رواية جديدة في السعودية، وعمل أدبي جديد للروائي صنع الله ابراهيم.

هيرسي تدعو للثقافة العذرية
ذكر موقع "أمازون" العالمي أن كتاب "العذراء السجينة" من أكثر الكتب مبيعا في العالم رغم صدوره منذ سنوات، مشيرا إلى صدور طبعة جديدة من الكتاب بداية هذا الشهر، فيها بعض المقالات والأفكار الجديدة.وتدعو الناشطة الهولندية الصومالية الاصل المناهضة للإسلام، أيان هيرسي علي، المسلمات للتخلص من "العذرية".
ووفق قراءة لبعض العروض لأفكار هيرسي التي جاءت في هذا الكتاب، يتبين أنها وقعت في أخطاء لغوية وفكرية تكشف عدم اطلاعها العميق في الدين الاسلامي.
وطالبت أيان هيرسي علي المسلمات في العالم التخلص من "ثقافة العذرية" والتي تمثل "قمعا" للنساء في الثقافة الإسلامية في كتاب يتم اعادة نشره في امريكا اسمه "العذراء السجينة"، والذي تدعو هيرسي علي فيه الدول الغربية كذلك الى مساعدة النساء المسلمات في التخلص من العذرية. وتقول الكاتبة التي تتبناها حاليا دوائر المحافظين الجدد في امريكا:ان اية امرأة مسلمة تهرب من قفص العذرية توصف فورا بأنها عاهرة.
وتوحي هيرسي علي في كتابها، الذي اطلعت عليه وكالة انباء امريكا ان ارابيك، ان غير المسلمين مثل المسيحيين الشرقيين من يرحب بفقدان نسائهن العذرية، وهو ما يخالف الواقع لكثير من الديانات.ويتضمن كتاب "العذراء السجينة: بيان لتحرير النساء والإسلام"، نص فيلم "خضوع"، الذي ألفته هيرسي علي وتتهم فيه الإسلام باستعباد المرأة، وهو الكتاب الذي تحول إلى فيلم وأدى إلى مقتل مخرجه الهولندي ثيو فان جوخ على يد شاب مسلم في ٢٠٠٤، إضافة إلى عدد من المقالات واللقاءات الحديثة مع هيرسي علي.
ويعدد كتاب هيرسي علي المظاهر التي تعتبرها تمثل "قمعا للمرأة" في الثقافة الإسلامية، ومن بينها الختان، والزواج المبكر للفتيات، والعنف المنزلي.ويعد هذا الكتاب الجزء الثاني من كتاب "العذراء السجينة: صرخة مسلمة من أجل العقل"، حيث يتضمن الكتاب الجديد عددا من المقابلات والخطابات والمقالات التي نشرتها هيرسي علي مؤخرا، إضافة إلى نص فيلم "خضوع".
يذكر أن الكتاب تنشره دار نشر سايمون اند شوستر المتخصصة في الكتب المحافظة التابعة لليمين الامريكي المتشدد ويباع بحوالي 20 دولار تقريبا.

"أخطاء" الكاتبة "هيرسي علي"
بداية، حاولت الكاتبة أن تربط بين الاسلام و" النظام البطريركي" ( الأبوي المرتبط بسيطرة الذكور على المجتمع)، وهذا ما اعتبره "الغارديان" خاطئا لأن هذا النظام ليس مقياسا للأديان وإنما يعبر عن السيطرة والرقابة على مجتمع بداية من القبلية وحتى المجتمع الحديث ولا يمكن ربطه بدين محدد.
وبناء عليه، يسقط اللقب التي تطلقه الكاتبة على نفسها بأنها "ناشطة نسوية"، وذلك لأنها حددت حركتها وانتقادها لدين محدد -وليس للنظام البطريركي الذي تناهضه الحركة النسوية- وبالتالي فهي "كاتبة مناهضة للإسلام".
إضافة إلى ذلك، تصر الكاتبة على عدم السماح بإبراز أي فوارق ثقافية داخل المجتمعات المسلمة، معممة تجاربها الشخصية إلى حالة عالمية تشمل كل المسلمين. وهي - سواء أكانت في سيدني أم مقديشو- يمثل فشلها في اكتشاف التنوع الثقافي داخل الاسلام نفسه عيبا من عيوب كتابها- وفق صحيفة "ذي استراليان" الاسترالية.وتضيف الصحيفة أن الكاتبة تبني كتابها منطلقة من تجربة شخصية؛ فهي ابنة معارض سياسي لحكومة سياد بري في الصومال عام 1969.
وعندما كانت في الخامسة من عمرها قامت والدتها بختانها دون علمها، وهذه عادة ذات اصول قبلية موجودة قبل الاسلام ويمارسها القبيلون من مختلف الأديان. وتتساءل الصحيفة عن ماضيها المثير للجدل وخاصة عندما هاجرت إلى هولندا ومارست العمل السياسي لتتحول فجأة من ديمقراطية اجتماعية إلى محافظة.
وفي الصحيفة الاسترالية، ينتقد الكاتب عرفان يوسف حديث الكاتبة عن أن " علاقة المسلمين مع الخالق مبنية على الخوف"، ويقول "هذا يشير إلى جهلها بالدين الاسلامي وإذا أشرنا فقط إلى كتابات جلال الدين الرومي المعروف لدى الغرب وهو مسلم متصوف سنجد معاني الرحمة والحب". ويضيف " المراجع التي ذكرتها من آيات القرآن قليلة جدا في كتابها ".

بُكَائِيَّةُ المَخْذُول

صلاح الدين الغزال
تَدَاعَتْ سُيُولُ الدَّمْعِ تَحْبُو عَلَى خَـدِّي
وَخَيْلُ الأَسَى وَالمَقْتِ قَدْ أَزْمَعَتْ رَصْدِي
وَهَذَا اجْتِيَاحُ العَسْفِ مَا انْفَـكَّ شَاهِراً
عَلَى اللَحْـظِ أَسْيَافـاً مِنَ الهَمِّ وَالسُّهْدِ
رَثَيْتُ لِحَـالِي مُنْـذُ أَنْ كُنْـتُ مُضْغَةً
بِرَحْمِ التَّـلاَشِي أَحْتَسِي حُرْقَـةَ الفَقْدِ
أَرَى كُلَّ آمَـالِي عَلَى النَّزْفِ أُجْهِضَتْ
وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الذَّرْفِ أَلْهُـو بِهِ وَحْدِي
عَلَى الجَمْرِ مَخْـذُولاً أَسِـيرُ بِفَاقَتِـي
أَجُوبُ وِهَـادَ الرَّسْفِ مُسْتَسْهِلاً بُعْدِي
لَجَـأْتُ إِلَـى إِيقَـادِ نَهْجِـي لَعَلَّنِـي
أُزِيلُ فُلُولَ اليَـأْسِ عَنْ أَوْجُـهِ الحَشْدِ
وَأَدْلَجْتُ بِالأَصْفَـادِ فِي البِيـدِ وَالِجـاً
فِجَاجـاً أَذَاقَتْنِـي المَـذلَّةَ فِـي المَهْدِ
رَدِيفَ المَآسِي بَائِسـاً مُنْهَـكَ القُوَى
سَفِيرَ المَـرَاثِي مُعْدِمـاً بِـزَّتِي جِلْدِي
أَضُنُّ بِنَفْسِي أَنْ أُرَى اليَـوْمَ مَانِحـاً
وَمِيضِي لِمَنْ خَـانَتْ دَمَاثَتُهُـمْ عَهْدِي
سَبَـانِي لَدَى الإِيصَـادِ غِـلٌّ مُؤَمَّـلاً
قُبَيْـلَ تَدَاعِيهِ عَلَى الرِّسْـغِ أَنْ يُرْدِي
وَسَالَتْ دِمَـائِي فَـوْقَ نَعْشِي وَمَلَّنِـي
مُقَامِي مَعَ الأَحْيَـاءِ مُسْتَصْحِبـاً لَحْدِي
نَبَشْـتُ رُفَـاتِي دُونَ إِذْنِـي مُجَابِهـاً
سِيُوفـاً أَرَاقَتْنِـي وَمَا أُغْمِـدَتْ بَعْدِي
لأَشْقَى كَسِـيرَ النَّفْـسِ أَعْـدُو بِلَوْعَةٍ
أَثِـيراً لَدَى الإِعْيَـاءِ مُسْتَعْذِبـاً وَأْدِي
وَمَنَّانِيَ السَّيْـرُ الحَثِيثُ عَلَى الطَّـوَى
إِلَى أَهْلِنَـا فِي مَـرْوَ إِنْ جِئْتُ بِالشَّهْدِ
فَعُدْتُ أَسِـيرَ الغَيْـظِ يَصْفَعُنِي النَّـوَى
بِخُفَّـيْ حُنَـيْنٍ وَاجِمـاً دَامِـيَ الخَـدِّ
نَحِيبِـي عَلَى نَجْـلَيَّ قَدْ جَـذَّ مُقْلَتِـي
وَكَمْ حَـاوَلَ الإِدْلاَجُ تَدْلِيسَ مَا أُبْـدِي
لِهَـذَا قَصِيدِي أَجْهَـدَ الجَفْـنَ ذَارِفـاً
عَلَى الشَّجْوِ أَنْهَاراً مِنَ الدَّمْعِ لاَ تُجْدِي
وَلاَ شَيْءَ غَيْرَ المَـوْتِ يَجْتَثُّ مَاجِـداً
سَبَتْهُ سِيَـاطُ الجَـدْبِ لِلْغَيْثِ يَسْتَجْدِي


بنغازي/ ليبيا

الأحد، مايو 25، 2008

الزرافة صاحبة العنق القصير


نادر أبو تامر

تفاجأت الزرافات الطويلات عندما وُلدت زرافة غريبة. كانت هذه الزرافة ذات عنق قصير. وبما أن كلّ الزرافات لهن عنق طويل فقد كان هذا الأمر غريبا على الزرافات.

ذهبت الزرافة القصيرة "ظريفة" لكي تلعب مع صديقاتها الصغيرات، لكنهن رفضن اللعب معها.

ثم ذهبت لتأكل بعض أوراق الأشجار مع زرافات أخريات في المنطقة، لكنها لم تستطع الوصول إلى الأوراق الزاكية بسبب عنقها القصير وعندها ضحكت عليها الزرافات فشعرت بحزن شديد.

وعندما طلبت "ظريفة" الانضمام إلى الزرافات الكبيرات في رحلة البحث عن الطعام لأطفالهن الصغار قالت لها إحدى الزرافات: يا ظريفة اللطيفة، أنت لا تستطيعين، لأن عنقك قصير.

ثم ذهبت إلى أبيها وسألته:
لماذا يهرب مني الجميع ولا يوافقون على اللعب معي؟
فقال لها: هم الذين سوف يخسرون، وليس أنت يا عزيزتي.
سألته: لكن، ألست جميلة يا أبي؟
فقال لها والدها "زروف": بل أنت أجمل الأطفال يا زرافتي الصغيرة...

وذات يوم اشتدّ الحر، وشعرت جميع الزرافات بالعطش.
وبدأت الزرافات يبحثن عن الماء، فلم يجدن.

حاولت الزرافات أن تأكل بعض أوراق الأشجار بدلا من الماء، لكن الأوراق كانت صفراء يابسة.

جاعت الزرافات وعطشن وقررن السفر إلى الوعر المجاور للبحث عن الماء.

وقفت زعيمة الزرافات تفكر بحل لكي تنقذ الزرافات الأخريات.

تقدمت الزرافة ظريفة إلى الأمام فمنعها الزعيم من التقدم.

قالت له: دعني فربما أساعدكم.

فقال لها: أيتها الزرافة ظريفة، هذه نكتة لطيفة. صحيح انك امرأة ظريفة، لكن، كيف تنقذيننا وأنت أقصر الزرافات... فحزنت الزرافة ظريفة حزنا شديدا وكادت تبكي، لكنها لم تستطع بسبب الجفاف والحر الشديد.

بعد قليل شاهدت الزرافات من بعيد نبعًا فيه ماء يلمع وشاهدن فيه صورة السماء الزرقاء.
فسارت الزرافات على الأقدام باتجاه الماء لكي يشربن منه، وإلا فسوف يسقطن على الأرض من شدة التعب والعطش والجفاف.

وصدمت الزرافات عندما وجدن قبل النبع بقليل جسرا منخفضا.
حاولت الزرافات الكبيرات المرور من تحته، لكنهن لم يستطعن. فالزرافات صاحبات الأعناق الطويلة لا يستطعن الدخول من تحت الجسر المنخفض.

تقدمت الزرافة ظريفة ودخلت من تحت الجسر بسهولة، لأن عنقها الطويل لم يمنعها من الدخول.
وصلت الزرافة ظريفة إلى المياه النظيفة وأخذت دلوا كبيرا وملأته ماء ثم عادت إلى الزعيم وأعطته الماء.

الزعيم الذي كان حلقه جافا ولسانه أبيض من شدة العطش وجلده يكاد يسقط عنه من الجفاف سألها: الزرافة ظريفة، ألا تريدين أن تشربي أنت أوّلا...
أجابته: أنا أحضرت الماء لأهلي وأصدقائي وأحبائي.
حتى الذين لم يلعبوا معك؟
نعم.. كلهم أهلي وأحبابي...

اقتربت جميع الزرافات من الزرافة ظريفة وشكرنها لأنها أنقذت حياتهن.
نظرت الزرافة ظريفة إلى والدها زروف وغمزته بعينها ثم عادت إلى النبع وشربت حتى ارتوت.
وعندما عادوا إلى البيت صار الجميع يلعبون مع الزرافة ظريفة ولم ينتبهوا بان لها عنقًا قصيرًا.

بقلم نادر أبو تامر
لمزيد من قصص نادر أبو تامر يمكنكم الدخول إلى الموقع على العنوان:
nader.bettna.com
للمراسلة naderabutamer@gmail.com

السبت، مايو 24، 2008

جَمْرُ الجَلِيد

صلاح الدين الغزال
قَدْ جِئْتُ أَرْسِفُ بِالأَصْفَـادِ يَحْمِلُنِي
بُؤْسِي وَقَدْ أَوْهَنَ الإِيصَـادُ أَنَّاتِي
فَلَـمْ أُلاَقِ لَـدَى الإِيمَـاضِ بَارِقَةً
يَلُوحُ مِنْهَا بَصِيصٌ عِنْـدَ إِنْصَاتِي
عَلَى النَّحِيبِ بِجُـرْحٍ لَنْ أُضَمِّـدَهُ
أَوْجَزْتُ بِالنَّزْفِ لِلحَـادِي حِكَايَاتِي
بَنَيْتُ عَرْشاً مِنَ الأَوْهَامِ مُخْتَرِقـاً
جَمْرَ الجَلِيـدِ عَلَى أَشْـلاَءِ أَمْوَاتِي
وَجِزْتُ دَرْباً مَدَاهُ الخَوْفُ مُلْتَحِفـاً
ثَوْبَ الهُمُومِ عَلَى نَعْشِ المُسَـاوَاةِ
فَرَرْتُ بِالجِلْدِ لَكِـنْ دُونَ شَـاهِدَةٍ
مُذْ هَـيَّجَ الزَّجُّ باِلأَحْيَـاءِ آهَـاتِي
وَصِرْتُ فِيـهِ أَسِيّـاً أَقْتَفِي شَجَنِي
مُحَطَّمَ النَّفْسِ مِنْ هَـوْلِ المُعَـانَاةِ
وَنِلْتُ بَعْدَ نَفَـادِ الصَّبْـرِ مُغْتَرِبـاً
جَوَازَ عُسْرٍ بِهِ جُـبْتُ المَتَـاهَاتِ
أَضَعْتُ مَأْوَايَ عِنْدَ النَّبْشِ مُهْتَرِئـاً
وَالجَدْبُ أَوْهَنَ قَبْلَ الدَّفْـنِ أَقْوَاتِي
فَصِرْتُ أَرْكُضُ بَعْدَ البَعْثِ مُقْتَحِمـاً
ثَلْـجَ الجَحِيمِ لإِخْمَـادِ احْتِرَاقَاتِي
أَنَا الغَرِيقُ بِشِبْـرِ المَـاءِ مُعْتَكِفـاً
عَلَى المَرَاثِي تَلُوكُ الغَـيْظَ مَأْسَاتِي
اللَـيْلُ يَعْلَـمُ أَنِّـي نَجْـلُ بَجْدَتِـهِ
خُضْنَـا الدَّهَـالِيزَ مُذْ حَبْوِ البِدايَاتِ
عَلَى الكَفَـافِ أُقَاسِي دُونَمَا عَمَـلٍ
أَرْعَى التَّعَطُّـلَ فِي قَفْـرِ المَنَاحَاتِ
بَحْرَ الأَكَاذِيبِ أَطْوِي لَيْسَ لِي أَمَلٌ
أُسَامُ خَسْفـاً وَلَمْ يُعْـثَرْ عَلَى ذَاتِي
أَعُودُ مِنِّي إِلَى الإِرْهَـاقِ مُكْتَئِبـاً
وَالدَّهْرُ يَعْـدُو وَرَائِي بِالمَشَقَّـاتِ
أَعِيشُ بِالبَيْـضِ فِي خُـمٍّ أَلُوذُ بِهِ
بَعْدَ العَـرِينِ وَقَدْ شَاخَتْ دَجَاجَاتِي
كَدِيكِ جِنٍّ قَبِيحِ الصَّـوْتِ أُفْزِعُهُمْ
فِي كُلِّ صُبْـحٍ وَمَا أَجْدَتْ نِدَاءَاتِي
لاَ طِفْـلَ يَهْتِفُ بِـي بَابَا فَيُطْرِبَنِي
وَلاَ خَلِـيلَ أُنَـادِي فِي المُلِمَّـاتِ
وَصِرْتُ أَحْيَـا أَسِيرَ النَّحْسِ بَيْنَهُمُ
لاَ دَمْعَ تَحْبُـو بِـهِ لِلبَـثِّ ثَارَاتِي
أَشْهَرْتُ سَيْفِي مُغِيراً بَعْدَمَا اكْتَهَلَتْ
تَحْتِي الجِيَـادُ وَلَمْ تُغْفَرْ إِسَـاءَاتِي
عِشْرُونَ عَامَاً بِجُبِّ الضَّنْكِ مُنْتَظِراً
بِأَنْ أُشَيَّعَ فِي إحْـدَى الجَنَـازَاتِ
كَمْ مِنْ هَجِـينٍ غَزِيرِ الرَّوْثِ أَمَّلَنِي
عِنْدَ النِّـزَالِ وَلَمْ تُجْـدِ اسْتِغَاثَاتِي
وَكَمْ أَمِيـنٍ كَبِيـرِ الكَّرْشِ عَاهَدَنِي
بِأَنْ أُعَيَّـنَ فِي إِحْـدَى القِطَاعَاتِ
أَذْوِي وَقَدْ زَفَرَ الدَّيْجُورُ مُمْتَعِضـاً
مُنْذُ اسْتَلَمْتُمْ مَلَفِّي فِي المَمَـرَّاتِ
مَا كُنْتُ أَحْسِبُ بِالخِـذْلاَنِ نُصْرَتَهُمْ
مَنْ بَيَّتُوا النَّكْثَ لِي عِنْدَ المُـلاَقَاةِ
فَإِنْ نَسِيتُـمْ فِإنِّـي لَـنْ أُذَكِّـرَكُمْ
تَذْكِيرَ مُنْتَكِسٍ مِـنْ دُونِ رَايَـاتِ
وَلَـمْ أَلُمْكُـمْ لأَنَّ المَـاءَ مَقْـدِمُهُ
يُلْغِي التَّيَمُّـمَ رَغْمـاً عَنْ حَمَاقَاتِي
وَذَاكَ صَوْتِي لَعَـلَّ الأَرْضَ تَرْفَعُهُ
عَنِّي إِلى اللهِ فِي أَعْلَى السَّمَـاوَاتِ
إِلَيْكَ أَشْكُو هُطُولَ الجَدْبِ فِي عَدَنٍ
وَطُولَ نَحْبِي عَلَى بَـابِ المُحَابَـاةِ
فَجُدْ عَلَـيَّ بِبَعْضِ الغَيْـثِ يَنْشُلُنِي
مِمَّا أُلاَقِي لَـدَى طَـيِّ المَفَـازَاتِ
حَتَّى أُزِيلَ فُلُولَ النَّـزْفِ عَنْ بَدَنِي
مِنْ بعْدِمَا نَكَـأَ الآسِـي جِرَاحَاتِي
وَمَنْ سِوَاهُ إِذَا مَا اللَـيْلُ دَاهَمَنَـا
أَرْدَاهُ بِالصُّبْحِ وَاجْتَثَّ الأَسَى العَاتِي

ربيع براغ

د. عدنان الظاهر


(( لعيد ميلادها الحادي والثلاثين ))

كنتُ هناك عام 1968 طالب َ دراساتٍ عليا وقد أوشكتُ أنْ أُنهي دراستي وأبحاثي حين إنفجرت حوادث عصيان مدني لم يخلُ من عنف في العاصمة الجيكية براغ سمته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون (( ربيع براغ )) . أّجهض العصيانُ أو الثورة بالأسلوب الذي يعرفه العالم من قبل قوات حلف وارشو بقيادة الإتحاد السوفياتي يومذاك .
إذا ً ... نحن نواجه اليوم َ أحداث أواسط عام 1968 ونواجه ربيع براغ بعد مرور أربعين عاماً بالتمام والكمال . ما علاقتي ببراغ وربيع براغ ولم يكن في الحق ربيعاً عادياً بل كان ربيع َ دماء ٍ سالت وأبنية دُمرت ودبابات أُحرقت وخراب وأهوال ما زالت تعرض بين حين وآخر على شاشات التلفزيون والفضائيات العالمية ؟؟ لقد رأيت بعيني موكب الرئيس الجيكي [ الأسير ] السيد دوبجك ماراً وسط مظاهر التكريم والحفاوة في واحد من شوارع موسكو الرئيسة التي تربط مطار موسكو بالكرملين والساحة الحمراء . {{ كنت قبل ذلك رأيتُ موكباً مماثلاً للراحل جمال عبد الناصر وهو يمر خلال نفس الشارع }} .
ربيع دموي في العاصمة براغ وحفاوة مبالغ فيها في قلب موسكو . إنه الربيع إذا ً ؟ ولِمَ لا يكون هذا الربيع ربيعي أنا دونما ثورة وعصيانٍ ودماء تصبغ الشوارع ؟ سأحمل اللون الأحمر القاني زهوراً حُمراً من القرنفل وأوراد الجوري إكليلاً ضخماً تتوسطه باقة ٌ من ورد الجوري الأصفر ، ورد الحب وأعياد الفالنتاين . سأحمل هذا الأكليل على صدري وأقطع المسافة َ بين مدينة ميونيخ الألمانية والعاصمة الجيكية براغ مشياً على قدميَّ لأساهم في الإحتفال بيوم مولدها الذي سيصادف الحادي والعشرين من شهر مايس ثالث أشهر الربيع . ربيع ٌ دام ٍ مرَّ قبل أربعين عاماً وربيع حب سيأتي عما قريب . هل الحب ثورة أو فيه شئ من الثورة ؟
أحسبُ أنَّ الجواب نعم ! المحبون ثوارٌ ومغامرون عالميون أحبوا وعشقوا الثورة ودوافعها الإنسانية وضحوا من أجلها بأرواحهم الغالية وبكل غالٍ ورخيص . المحبون ثوارٌ والثوار محبون من قمة الرأس حتى أخمص القدم ولا شئ يفصل الرأس عن القدم إلا التضحية حتى الموت فداء ً للمحبوب ولمن نحب ... ثورة ً أو سيدة ً حبيبة . ألمْ يعشق سبارتاكوس الثورة وقاد عبيد روما ضد طغاتها فمات مصلوباً على خشبة بعد أنْ لم يحقق النصر المطلوب على أعدائه وأعداء العبيد ؟
ألم يعشق علي ٌّ بن منصور الحلاج ربّه فقاده هذا العشق للموت مصلوباً على نهر دجلة في بغداد ؟ كم قائداً وغيرَ قائد ٍ من عامة الناس تورط في إدمان عشق الثورة فكان رأسه وحياته ثمنا ً لهذا العشق ؟ ألم يعشق جيفارا الثورة وكان من أمره ما كان قتيلاً في غابات بعض أقطار أمريكا اللاتينية ؟ إذا قال بعض الشعراء
[[ إنَّ من لايحب ُّ لا يسكرُ وإنَّ مَن لا يسكرُ لا يحب ُ ]] وقال آخرُ [[ الحب سكر ٌ ]] ... إذا كان هذا موقف بعض الشعراء المترفين من الحب فإني أضيف مطمئنا ً أنَّ [[ الحب َّ ثورة ٌ ]] وأنَّ أفضلَ وأشجع َ المحبين هم الثوار .
نعم ، الحب ثورة قد يقدِّم فيها المحب رأسه أو جسده عليلاً لا شفاء يُرجى له . فإذا سلم جسده إختل َّ عقله ولنتذكّر قيسَ بني عامر مجنون ليلاه ومثله كثيرون . هل أشعر أني ثائر ؟ نعم ، فإني لا أشذ ُّ عن القاعدة رغم أنَّ لكل قاعدة شذوذاً . إني أحب لكنًَّ ثورتي ثورة هادئة تليق بمقامي والطور الحياتي الذي أمر ُّ به اليوم . محب ٌّ ـ ثائر ٌ ولكن دون عصيانٍ وسلاح وتظاهرات ٍ في شوارع العواصم الجميلة . ثائر ٌ سلاحه أكاليل ورود القرنفل الأحمر والجوري الأصفر .
لونُ القرنفل ِ يغنيني ويبعدني عن منظر الدم ومسيله في الطرقات . أما اللون الأصفر فإنه يبقى رمزاً للحب بنوعيه الثائر والهادئ ، الجسدي والعُذري . سأحمل لها هذا الأكليل قاطعاً المسافات الشاسعة مشياً على أقدامي حتى وإنْ تشققت الأقدامُ وسالت منها الدماء كما سالت دماء الثائرين في ربيع براغ منتصف عام 1968 . المحب هو الآخر ثائر لا يبخل بإراقة دمه أضحية ً وقربانَ الحب والحبيب. على المحب أن يدفعَ الثمن إذ ْ لا من حب ٍّ بدون ثمن باهض جداً. ما قيمة دم يسيل على الطرقات الدولية التي تربط بلدا ً ببلد وشعباً بشعب ومحبا ً عاشقا ً بحبيب معشوق ؟ أفلم يقلْ شاعرٌ آخر [ٌ[ قد ماتَ شهيداً من مات على درب أو دين المحبوب ]] .
ما قطعُ هذا الممر الدولي البري بأشقَّ من ركضة (( طويريج )) إلى كربلاء في وسط العراق . سأكونُ إنْ نفقتُ على الطريق شهيداً ترفع الأمم الثائرة تصاويري ويطبعها الشباب على قمصانهم لتحملها صدورهم وستستفز ُّ هذه الصور الكثير من جندرمة وشرطة الكثير من دول العالم الرأسمالي لأنها ستذكّرهم بأسطورة ثورة ومقتل سبارتاكوس وجيفارا وآخرين غيرهما ممن يعرف الناسُ .
سأحمل إكليل عيد ميلادها على صدري ملاصقاً لقلبي وإنْ تعب الصدرُ من حمله وضعته على رأسي فإذا شعر الرأس بالجهد تنحيتُ جانباً وجلستُ على قارعة الطريق لأستريحَ قليلاً ولأستنشقَ أريج ما أحمل من ورود الحب كي تهدأ أنفاسي التعبى ويخف َّ وجيب قلبي المتعب الذي أضناه حبها . إنه ساعة ألكترونية تضيءُ دقاته أرقاماً ملونة ً فأعرف منها نهاية شوطي في الحياة . أكاد أسمع أحياناً أصوات موسيقى ساحرة تأتي مباشرة ً بعد العد الضوئي . ضوءٌ ملوّنُ الأطياف تماماً كنور عينيها . نور في عينيها ولكن لا من عد ٍّ فيه ولا معدود . نور ثابت ٌ متصل مثل الزمن من الأزل للأبد .
سرمدٌ كالحب المنصهر بالرب فهما واحد ٌ أَحد ٌ صَمدٌ يقول : الحب هو الله والله هو الحب . هذه هي فلسفة حبيبتي وإنْ خالفتها في الكثير من التفاصيل . سأخفي خلافاتي معها عنها لأنني أود أنْ أموتَ على دينها وفلسفتها ففي َّ أمل ٌ وتوق ٌ عظيمان لأن أقضي شهيداً حسب وصفة الشاعر آنف الذِكْر . مَن سيسقيني قطرة ماء إذا ما سقطتُ ميتاً في الطريق قبل وصولي إليها ؟ ماتَ إبن عمتي الحاج فخري هلال حمّادي السريراتي عام 1965 في ركضة كربلاء تحت الأقدام ولم يسقهِ أحدٌ قطرةَ ماء .
لم يصلْ هدفه فهل سأصل هدفي ؟ لم يلتمسْ شباك الحسين فهل سألتمس ُ كفيها وشفتيها وأداعبٌ خصلات شعرها الذهبية وأسكر بسحر عينيها الخضراوين تشعان أطيافَ ماس ٍ وعقيق ٍ أخضر ؟

الجمعة، مايو 23، 2008

النهرُ الأوَّل قبل الميلاد


سامي العامري

كيف لو يُصبِحُ هذا الخَطْوُ ذكرى ؟
كُلَّما غابتْ بِلادٌ
جاءتْ الريحُ بأُخرى
وسؤالُ الوقتِ دَوّارٌ
وماذا لو رمى الشاعرُ كُلَّ الأسئلهْ ؟
ورأى أنْ أقْتُلَهْ ؟!

-----------
مُشْعْشِعَةً تسحَبُ الشمسُ
خيطَ قِلادَتِها مِن إسارِ الغيومِ
وتَهْتَزُّ فوق رُبىً صافيهْ
يا ضياءاً تُرى
هل تَرى
ما أرى
في التَأَلُّقِ
واللَّحظةِ الساميهْ ؟

---------
لِرؤايَ أجنحةٌ
وللنجمِ اصطفاقْ
وإذا دعوتُ
فإنَّ في كَفيَّ ياقوتاً بِلونِ دمٍ
ومِنْ آياتهِ أنْ لا يُراقْ !
------
نسائمُ دائرةٌ
إنّما لم أسَلْ نَحوَ أيِّ الشِتاتِ تَرومُ
أزِنزانةٍ أم قصورِ بلابلَ آيلةٍ للعراقِ !
استغاثتْ كما قِمَمٍ للكرومْ
والفضاءُ بأنجُمِهِ
هالةٌ خَرَّمَتْها ابتهالاتُ كُهّانكِم
إنّها تنتَفي ,
قلتُ : أي ... لا
وكنتُ عَنيتُ فضاءاً جديداً
يليهِ انعتاقٌ , يليهِ جنونْ
يصِفُّ تماثيلَهُ دون آخِرةٍ
مِثْلَ عشقٍ يخوضُ عُبابَ الجفونْ

---------
كذلك ديدنُ الأشياءِ ,
باسمِ الماءْ
انا المُتَعَطِّشُ الداعي لكلِّ خَطيئةٍ مَقموعةٍ
مِن بينها الإِسراءُ
غامِرْ بيْ
فأتبع بَغْشَةً غَنّاءَ
ثوبي رحلةُ العصفورِ
مِن نَبعٍ الى نبعٍ ...........
سرابُ العالَمِ المحفورُ نيراناً بِذاكرتي
فهل عادت ولو سهواً ببهجهْ ! ؟
أثيرٌ أيُّها النهرُ المُكَبَّلُ بالرواءِ
أَلا ....
أَلا ....
أَفديكَ مِن نهرٍ بِمَوجَهْ !

-------
أُمّي
ها هو إبنُكِ يسألُ
مَن راحَ ومَن عادْ
مَن يحملُ خَبَراً عن نَجدادْ (*) !؟

---------
واحةٌ لاحَ منها شهيداً فَرَحْ
لاح منها غزالٌ بقُرْنينِ مُنْحَنيَينِ
كقوسَيْ قُزَحْ
وانا تحتَ غيمٍ صَدَحْ
نازِلٌ مِن مَراقي البُزاةْ
مُفْعَمٌ بالدهاليزِ ,
بالشرقِ ,
بالحَرْقِ ,
بالخَنْقِ ,
بالكَيل من عَطَبِ الذكرياتْ !

-------
رؤيا عن نهرٍ لازْوَرْديٍّ دَنِفٍ عاشقْ
أودى بِثوانيهِ الحُبُّ
دقائقَ إثْرَ دقائقْ !
وقروناً إثْرَ قرونْ
نَهرٌ جُنَّ
وثانيةً جُنَّ بهِ المجنونْ
لا أعشقُ ما فيهْ
إلاّ كُلَّ أغانيهْ
نهرٌ من خفْقِ البانْ
بضفافٍ تَتَعرّى كالجانْ
وهو بِبالي الآنْ
يتَشفَّون بِأنْ صار يُشايعُ أدواءَهْ
لا أرثيهِ ولا آلاءَهْ
بل أتشفّى بالمُتَشَفّينِ ,
بِشِعري أخلقُ عَنْقاءَهْ !

----------

(*) نجداد : كلمة منحوتة من نجف وبغداد .
----
كولونيا

في الظِّلالِ الزينبيَّة

عبدالله علي الأقزم
ماذا تـألـَّقَ في يـدي و فؤاديِ

كيفَ استحالَ النبضُ ضمنَ جيادي

كيفَ استنارَ الحرفُ بيـنَ فـراتِـهِ

و أقامَ في هذا الهوى أعيادي

و أقـامَ في عشق ِ النبيِّ و آلــهِ

غيـثـاً و فـاتـحـةً لـكـلِّ جوادِ

كمْ ذا أزاحَ الـغيثُ فـقـرَ قصيدتي

بـلـطافـةٍ و بــشـاشـةٍ و رشـادِ

ما زالَ يُغرقـُني ثـراءً مُـورقـاً

بـصدى الـتـُّـقى و حلاوةِ الإنشـادِ

كـيفَ الوصولُ إلى تـصـفـُّح ِ فـهـمِـهِ

كيفَ الـتـصـفـُّحُ بينَ سـبـع ِ شدادِ

ماذا أضافَ إلى تـفـتـُّـح ِ فـيضِـهِ

و على إضـافـتِـهِ يُضيءُ مـدادي

و على الـدُّجى أضواءُ وجِـهِ نـضـالِـهِ

روحُ الحسين ِ و ساحة ُ استشهادِ

مـا ذلك الـعُـرفـانُ إلا زيــنـبٌ

فــيـضُ الـهـدى و شـريـكـة ُ الأمـجـادِ

بـنتُ الهداةِ الـطَّـيِّـبـينَ و سُبـْحةٌ

بيمين ِ نجم ٍ مؤمن ٍ وقـَّــادِ

في ماء ِ أدعـيـةِ الـخشوع ِ تجذرتْ

ألـقـاً و أجملَ ما احـتـوتـْـهُ أيـادِ

خطُّ الصباح ِ بهديها لم يـنـخـسفْ

بـسـمـوِّهـا لمْ يخـتـلطْ بسوادِ

ما زالَ ضمنَ يمينِهـا و شمالِـهـا

مُتـنـسِّكاً في هذهِ الأبـعـادِ

يـنـشـقُّ مِنْ ألـق ِ النبيِّ كـيـانُـهـا

بـبـلاغـةٍ و طـلاقـةٍ و جـهـادِ

في وجهِ حيدرةٍ قرأتُ خصالَهـا

و خصالُهـا الـفـردوسُ أطـيـبُ وادِ

و تـلاوةُ الـزهراء ِ في فـمِـهـا غـدتْ

نـبـعـاً لمولـدِ هذهِ الأطوادِ

أحـبـبـتـُهـا و البحرُ يدخلُ حبَّهـا

عـذبـاً و ما هوَ في الدخول ِ حيادي

إنـِّي السَّماءُ بحبِّـهـا أعلو بـهِ
و الأرضُ لن تـقوى على إبعادي

منها إليها طلَّ أروعُ عالَـم ٍ

ردَّ الـوجـودَ لـنـبـلـهِ الـمُـعـتـادِ

مِنْ كعبةِ الأحرارِ جاءَ ربـيعُـهـا

و مضـى كـبـسـمـلـةًٍ بدربِ رشـادِ

ما زالَ في معنى الفراتِ و زمزم ٍ

يـُثـري الـجَـمَـالَ بـأجمل ِ الأورادِ

كم ذا أمـاتَ على الـثـبـاتِ رذائـلاً

و أدارَ واجهة ً لكلِّ سدادِ

و أنـارَ في الأرواح ِ بصمةَ زيـنـبٍ

لم تـرتـهـنْ يوماً لأيِّ فـسـادِ

هيَ زيـنـبُ النوراءُ مـا كـانـتْ لـنـا

إلا لإصـلاح ِ الـدجـى الـمُـتـمـادي

صنعتْ على قمم ِ العراق ِ بطولةً

لم تـنـحـسِـرْ بـتـآكـل ٍ و كـسـادِ

أختُ الحسين ِ و أخـتُ كلِّ فضـيـلـةٍ

و الكشفُ نحوَ بـقـيـِّةِ الأوتــادِ

كم ذا أقـامَ الـحقُّ في خطواتِهـا


بـتـواصـل ِ الأعيـادِ بـالأعـيـادِ

هذي الظلالُ الـزيـنـبـيَّة ُ أشرقـتْ

فـكراً و لـم تـغـربْ لأيِّ نـفـادِ

الفكرُ يسطعُ حينما كتبتْ لـهُ

بـنـتُ الـنـبـيِّ شـهـادةََ الـمـيـلادِ

عشقُ النبيِّ و آلِهِ في أضلعي

سـفـنُ النجاةِ و رايـتـي و عـمـادي

إنـِّي بذرتُ على الجوارح ِ حبَّهـم

و وصـالُـهُـمْ زرعي و فجرُ حصادي

بهمُ أضأتُ جواهري و معادنـي

و على محـبَّـتـِهمْ يـذوبُ فـؤادي

الخميس، مايو 22، 2008

أربعة + واحدة = خمسة

د. عدنان الظاهر

(( كرنفال الأحزان / إحدى قصص كتاب الهروب إلى آخر الدنيا للدكتورة سناء كامل شعلان . منشورات نادي الجسرة في قطر 2006 )) .

وشهد شاهدٌ من أهلها فقال : سناء تبحث عن جسدها سُدىً . يضيع منها فلا تلقاه . هل لها أكثر من جسد ؟ هي تتوهم ذلك فما أساس هذا الوهم ؟ هل لها جسدٌ بشريٌّ من لحم وعصب وعظم مثل باقي البشر وأخر تتصوره مجسَّداً ربما من لا مادة أو من مادة غير معروفة في الطبيعة بعدُ . من مادة أو معدن متوفر في كوكب آخر . ما الجسد في نظر سناء ؟ أهو الجسدُ الرمزُ ، الرمز التأريخي ... الرمز الأسطوري أم الرمز الذي ورد ذكره في سورة طه إذ صنع السامري ُّ ( أو هرون أخو موسى كما في التوراة ) عجلاً { جسداً } له خوار ؟ [[ فأخرجَ لهم عجلاً جسدا ً له خوارٌ فقالوا هذا إلهكم وإلهُ موسى فنسيّ / الآية 88 ]] . ما معنى العجل الجسد ؟ جسّدَ يُجسِّدُ تجسيداً ... أي تصويراً أو تشكيلاً مجسداً ذا ثلاثة أبعاد . صنع السامريُّ تمثالاً أو صنماً مسبوكاً من ذهب مصهور تماماً كما ينحت ُ الفنان تمثالاً من حجر صلد أو من خشب أو حديد وسواه من المعادن .
إنها عملية تجسيد أي تكييف المادة بحيث تخرج منها هيئة تشابه جسداً معروفاً كالإنسان أو الحيوان أو الطير . محاكاة بثلاثة أبعاد فضائية وليس كالرسم ببعدين على الورق . واصل الشاهدُ من أهلها حديثه ، حديث الجسد ، جسد سناء أو أجساد سناء فقال : أحسبُ أنها تتوق علناً وسراً لعالم آخر غير عالمنا فقد برمت سناء بعالمنا فضاق بها . زهدت فيه بل واشمأزّت مما فيه فطاب لها التجوال في عوالم آُخرَ لا تمتُّ لعالمنا بصلة [[ قصة مدينة الأحلام / كتاب أرض الحكايا . منشورات نادي الجسرة ، قطر 2007 ]] . إنفصلت سناء عنه وعنا وراحت تقضي زمانها في ( يوتوبيا ) من تصميمها أرضاً وبشراً وسماءً .
من يجرؤ ـ تساءل الرجل من أهلها ـ على إقتحام عالمها هذا الذي له قدسية خاصة في فكر وقلب سناء لا تضاهيها أية قدسية تعارف البشر عليها منذ حواء وآدم . سألها أبو الطيب المتنبي وكان ثاني مَن حضر : هل أنتِ متزوجة يا سناء أو كنتِ يوماً متزوجة ؟ لم تجبه ُ . أعرضت عنه وعن سؤاله لكنها لم تعترض ولم تمتعض . إكتفت بالإشارة برأسها المبرقع بشال حريري وردي ناحية أبي العلاء المعرّي فالتقط المتنبي الإشارة وفهم مغزى سناء !! سألها هل كتبت يوماً شعراً ؟ قالت أجل ، قرأت شيئاً يسيراً من شعرها فواصل المتنبي هزَّ رأسه متعجباً مما يسمع . أنشدت سناء بصوت أسمهان الدرزية ولهجة فيروز المارونية اللبنانية :

أريدُ أنْ أركبَ معك
ولو لمرةٍ واحدة
قطاراً ينسى أرصفته وقضبانه وأسماءَ مسافريهِ
أُريدُ أنْ تلبسَ
ولو لمرة ٍ واحدةٍ
معطفَ المطر
وتقابلني في محطة الجنون .

تمايل الحضورُ حتى سكروا .

ما سبب حزنك يا بنيتي الجميلة سناء ؟ سألها أبو العلاء المعرّي فأجابت على الفور : محبساك أولاً منعاني ثم َّ عزوفك أنت عن الزواج قد ألهمني عزوفي عنه وزهدي فيه فأنتَ المعلم الرائد وأنت الكبير . إحتج َّ المتنبي بعنف قائلاً : يا سناء ، لا من مجال للمقارنة بينك وبين أبي العلاء . شيخنا هذا ضرير يتيم نكبه زمانه بعلتي اليتم والعمى فما الذي يشبهك فيه ؟
هل لديك في بيتك مرآة تُريك روعة سحر وجهك لا سيما شفتيك القرمزيتين وعينيك اللتين وصفهما أحد معارفك يوماً بعيني عقيق أخضر ؟هل رأيتِ يا سناء الزمرّد الأخضر الصافي ؟
إعترض المعري فقال : يا أبا مُحسّد ! قلْ زبرجد ولا تقلْ زُمرّد . لقد كتبته في كتابي ( رسالة الغفران ) زبرجد لأننا لا نعرف هذا الزمرد في بلاد الشام . جاء صوتُ الفنان محمد بوكرش جهوُرياً ملعلعاً من أقاصي جنوب الجزائر وفي كفه حفنة ٌ من تمر دقلة نور : أهل العراق يسمونه زُمرّد ولا يقولون زبرجد . سكت المسكين المسالم أبو العلاء ولم يكابر ولم يجادل وشعاره { إدفعْ بالتي هي أحسنُ }.
إنتبهتُ ... كنتُ نائماً أو كالنائم . تساءلتُ أين أنا من أنا أين كنتُ ؟ مَن هؤلاء القوم من أتى بهم إلى بيتي كيف عرفوا عنواني كيف دخلوه بدون إذن ٍ مني وهل كان الباب مفتوحاً على مصراعيه أم كان البابُ موارَباً ؟
هل إخترقوا كالأشباح والموتى جدران بيتي ؟ عجيب ! أتساءل ولا من مُجيب . لا مَن يهتم بسؤالي لا من يسأل عني فمن أنا وما قيمة أن يكونَ البيتُ بيتي ؟ أهؤلاء صحابي وهل كانوا يوماً من صحبتي وصحابي ؟
الأجوبة جميعها لدى الفنان محمد بوكرش عاشق التمر واللون والحجر . كان يزورني أحياناً لكنه حين يغادر بيتي يترك كرشه الكبير جالساً على أحد الكراسي وحيداً لا يقرأ ولا يأكل ولا يدخن . أهملني الجميعُ وهم كالضيوف غير المدعوين في بيتي . أما يحق لي أنْ أسأل أو أستوضح أو أستفهم أو أعترض ؟ أليس في فمي لسانٌ ومزمارٌ وشفتان وهداني ربي النجدين ؟ عم َّ أسأل ؟ قهقه َ المتنبي الذي قرأ أفكاري في رأسي الغائب عني وعن الجميع . قال سل ْ يا رجل ... سلْ ولا تخفْ فنحنُ أصدقاؤك وإنْ كنا ضيوفك الثقلاء . سلْ ولا تتهيبْ الموقف . هل أسأل ؟؟
هل أتجاسر وبمن أبدأ سؤالي ؟ أدرتُ رأسيَ ونظري بين الحضور فتعلق بها ... بها هي دون سواها . سحرتني عيناها بما تراكم فيهما من معادن مناجم العقيق الزمرّد والزبرجد وسحرني حد َّ الخَبال سرابُ مرايا ماس أسنانها وقرمز الحزن في شفتيها فهل فيهما عَلَق ٌ يترشف دم عشاقها المهووسين بحبها والهائمين على وجوههم في طُرقات البحث عنها في المدائن والعواصم ؟ ما حكمُ الذي تصرعه العيون في دين الإسلام ؟ أموته شهادة أم جنون وتهور ونقص عقل وعقوبته نار جهنمَ وبئس المصير ؟؟
لم يطلْ بي تجوالي بين المدائن والعواصم فلقد عقدتُ عزمي أنْ أغادرَ المكانَ الذي أذلني وأضاع قدري . أنْ أبحثَ عن مكان لي بين المجرّات خلاصاً من تأثير سحر عقيق العيون وزمرَّدها المسحور بألف تميمة والذي يتقد فيه السناءُ ويتوهج ُ فيشتعلُ حتى كمال نضوب النار . إنسحبتُ من داري فكيف أمضى الضيوفُ الأربعةُ الباقون وقتهم أثناء غيابي ؟
المتنبي :ـ
تغرَّب َ لا مستعظِماً غيرَ نفسهِ
ولا قابلاً إلا لخالقهِ حُكما

ـ المعرّي :
في اللاذقيةِ ضجّة ٌ ما بين أحمدَ والمسيحْ
هذا بناقوس ٍ يدق ُّ وذا بمئذنة ٍ يصيحْ
كل ٌّ يعززُ دينه يا ليتَ شعري ما الصحيحْ ؟

محمد بوكرش :

ينحت نخلة تمر دقلة نور في واحة قريبة من مدينة تيزي وزّو الجزائرية .

سناء كامل شعلان :

كانت منهمكة ... تنفق مداخيلها على ملابسها والصور الجميلة ولا تتخلى عن محاولات البحث عن جسد ثالث يمثل حالة المادة الرابعة أو البعد الرابع بعد أن نجحت في تصنيع الجسد الثاني : فينوس آلهة الفتنة والسحر والجمال وربّة العقيق والياسمين والأرجوان .

غادر الضيوف منزلي فوقفتُ في حجرة الإستقبال وحيداً مشدوهاً مشتت الفكر مردداً قول فارس العرب الزنجي عنترةَ بن شدّاد العبسي (( هل غادر الشعراءُ من مُترَدمِ ... )) : هنا جلس المتنبي وهذا مقعد المعري . هنا ظلَّ بوكرش واقفاً ينحتُ بأصابعه العارية في جذع نخلته ويجبلُ من شعر لحيته الأحمر ليفاً لها مَسَداً . أدرتُ رأسي متسائلاً أين سناء ؟
أين كان مجلسها ؟ أجابني جسدها الثالث الذي لم تجده بعدُ : ما كانت سناء خامستكم . ما كانت معكم أبداً وسوف لن تكون . إنها جد َّ منشغلة تساعد صديقاً عزيزاً عليها حلَّ في العاصمة فاستنزف َ جُلَّ وقتها . كانت هناك ولم تكن معكم .
هل أنا في حُلم ؟ أجاب ضيوفي جميعاً وبصوت ٍ واحد : أجلْ يا نائم ... كنتَ في حُلم فمتى تصحو ، متى الصحوة يا رجل ؟ .

ملاحظة : للدكتورة سناء كامل قصة مستقلة بعنوان ( الجسد ) وهي إحدى قصص كتاب قافلة العطش / منشورات مؤسسة الورّاق للنشر والتوزيع / عمان 2006 .

الأربعاء، مايو 21، 2008

أحنُّ إليكَ يا وطني

مفيد نبزو
لكلِّ مهاجرٍ عانقَ الأرضَ
لأنَّها قبرُ أمِّهِ التي لم يرهاعندَ عودتهِ
أحنُّ إليكَ يا وطنَ الجلالِ ويا وطنَ السَّعادةِ والجمالِ
أحنُّ إليكَ أسرحُ باشتياقٍ إلى الزَّمنِ المعطَّرِ في خيالي
فما أحلى على العاصي لقانا وعندَ الكرمِ ما بين الدَّوالي!
وما أشهى إلى قلبي الأماني وصوتَ العودِ في أزهى الليالي!
أحنُّ إليكَ هلْ يجدي حنيني؟ سؤالي كاد يخنقني سؤالي
أنا مِنْ موطنٍ للشمس يعلو فَسَلْ إنْ شئتَ عن وطني المعالي
تعانقهُ النجومُ بكلِّ فخرٍ وَتُنْثَرُ عند أكتافِ الجبالِ
أحنُّ إليكَ يا وطني وقلبي يؤرِّقُهُ التَّذكرُ بالغوالي
ترابٌ طاهرٌ ، شعبٌ عريقٌ خصالٌ آه من سحرِ الخصالِ!
أحنُّ إليكَ يا وطني وإنِّي رمادُالشوق يشعلُ باشتعالي
فأشدو مثلَ عصفورٍ غريبٍ أنا يا موطني إلاك مالي
على العاصي أتذكرُ يوم كنا؟! تذوبُ حلاوةُ الذكرى ببالي
فأنت العمرُ، أنت الشِّعرُ مني خيوطُ الشمسِ تخفقُ في ظلالي
وأرضي لهفة الدُّنيا بوجهي إليها راجعٌ بعدَ الضَّلال
أعانقُها، وأهتفُ أرضَ أمِّي تعالي جئتُ يا أمِّي تعالي
المطبخ الثقافي

تأملات في الحياة للشاعر الدكتور وجيه البارودي

من ديوانه: كذا أنا- الذي طبع منه عشرة آلاف نسخة في غرة كانون الثاني من سنة1971 – وشمل القصائد من عام 1950 لنهاية 1970 –وهذه آخر قصيدة في الديوان مؤرخة في- 1- كانون الثاني عام1971 –وكان قد طبع من ديوان :بيني وبين الغواني عشرة آلاف نسخة، وشمل القصائد من تاريخ 1925 لنهاية :1950 – وهذه باقة وفاء لذكرى ضمتنا من خلال سهرات عديدة في ملكوت الشعر مع الشاعر الدكتور الذي قال عنه الشاعرالأستاذ سعيد قندقجي : لا يوجد شاعر في الوطن العربي عاش مراهقة الشيخوخة إلا وجيه البارودي:
شخصيةُ المحبوب تأسرني وما
التجسيدُ إلا قالبٌ وقشورُ
وجمالهُ المنظورُ بعد جلالهِ
لا شيء لولا حسنهُ المستورُ
سحرٌ وإغراءٌ ولست بعالمٍ
من أين هذا السحرُ والتأثيرُ
سحرٌ وإغراءٌ هما السرُّ الذي
فيه الحياةُ مع الزمان تدورُ
كم حاول الخيَّامُ حلَّ رموزها
فتعقَّدتْ فاحتارَ وهو بصيرُ
ولحانةٍ في نيسبورَ أوى يعاقرها
ليهدأَ قلبهُ المدحورُ
وأبو العلاء بعقله وخياله
أسرى بركب العلم وهو ضريرُ
فرأى الحياة من الجماد تولَّدت
وتوالدتْ وإلى الجماد تصيرُ
فارتدَّ بعد تشكُّكِ وضميره
لله أصفى ما يكون ضميرُ
وفصولهُ شهدتْ بها غاياتهُ
فكأنها عن شكِّهِ تكفيرُ
عَمِيتْ على العلماء فهي عجيبةٌٌ
يفنى الزمان وكهفها مهجورُ
ما أرشق الأسماكَ في حركاتها
ما أسعد الأطيارَ حين تطيرُ
ما أبهجَ الأزهارَ في قيعانها
هبَّتْ عليها الريحُ فهي عطورُ
هل هذه الأحياء عفواً أقبلت
من ذاتها أم خلقها تقديرُ
آياتُ خّلاق رشفنا قطرة
من بحرها فإذا هناك بحورُ
من عقله الجبَّار أودع ومضةً
في عقلنا فإذا الغريرُ قديرُ
تحت التراب عوالمٌ نامت فإن
هلَّ الربيعُ فللنيام نشورُ
في الذَّرَّة الصغرى شموسُ كهاربٍ
دارت كواكبُ حولها وبدورُ
ولقد نفجِّرها فتنشأُ طاقةٌٌ
عظمى فيسحر عقلنا التفجيرُ
الكونُ لولا أننا في أرضه
نحيا، ركامٌ ضائعٌ وصخورُ
عدمٌ إلى عدمٍ يؤول على المدى
سيَّانَ فيه النورُ والديجورُ
أزليةٌٌ هذي الحياة وأرضنا
المهدُ الوثيرُ وبيتها المعمورُ
ولسوف ينتظمُ السلامُ بها فلا
حربٌ ولا هلعٌ ولا تهجيرُ
وسيمَّحي الفقرُ البغيضُ فليس في
دنيا السعادة بائسٌ وفقيرُ
حدَّثتُ أهلَ الأرض عن تلك الرؤى
شعراً فقالوا: شاعرٌ مخمورُ
وتضاحكوا هزءاً فرُحْتُ متمتماً
عيشُ الفهيمِ معَ البهيمِ مريرُ
ولجأتُ للعلماء أنشدُ عونهم
فالأمرُ إن طالَ الركودُ خطيرُ
يا أيها العلماءُ هيَّا أسرعوا
فالعمرُ في طورِ البناءِ قصيرُ
*من مزهرية المطبخ الثقافي*
*محردة*

صباحكم أجمل / مدينة القمر


زياد جيوسي

دير قرنطل في مدينة أريحا
بعدستي الشخصية


كيف كان يمكن لعيناي أن تعانقا الكرى، بعد أن انسكب في روحي في مساء الأمس دفق من براعم الياسمين مخترقة حجب الزمان والمكان، فتملأ تلافيف الذاكرة وأروقة الروح بأكوام من الحنين والشوق والجمال، فيأبى النوم أن يزورني بعد أن عدت من أريحا مدينة القمر، كما أسماها جدي الكنعاني الأول بعد جولة جميلة ورائعة، فأستعد بعد رحلة امتدت من الثامنة والنصف صباحا حتى السادسة والنصف للذهاب لمسرح القصبة، فأجلس إلى مقعدي في صومعتي لأغط في نوم عميق بلا شعور، أضاع علي فرصة مناقشة أدبية مع الكاتب الصديق وسيم الكردي، لأصحو من النوم بعد ساعة على دفق برعم ياسمينة يداعب مني الروح والنفس، فأغادر الصومعة إلى فندق في أطراف المدينة لأودع قريب صديق عائد لعمان الهوى، وأعود من هناك سيرا على الأقدام مستذكرا ماض وحاضر، ويأبى النوم بعدها مجرد الزيارة إلا عابرا قبيل اشراقة الفجر، لأصحو حين يبدأ الفجر يلقي عن أكتافه عباءة الليل ويمزق سدل العتمة، فيشرق الفجر وروحي تشعر بسلام الروح، كروح راهب معتزل في "دير قرنطل" في ذلك السفح في الجبال المرتفعة والمطلة على مدينة القمر، فأحتسي قهوتي الصباحية على نغمات هديل الحمام، وأغادر إلى دروب المدينة لتعانق روحي ياسمينات رام الله، بعشق كان منذ الطفولة وما زال لبرعم الياسمين وعبق هوى، وياسمينات تتعربش على الجدران، مطلقة بوحها وعبقها الجميل.
في صباح الأمس اتجهت لأريحا بعد هذا الغياب الطويل، كنت برفقة أخي جهاد توأم روحي، وزملاء له عاملين معه، متأملا الطريق التي أعبرها للمرة الثانية بعد أن فك اسري، حتى دخلنا بوابة أريحا متجهين بزيارة إلى مصنع للرجال في أحد معسكرات الأمن الوطني، فكانت فرصة جميلة للقاء مع رفاق درب طويل، منهم من أعرفه سابقا ومنهم لم تجمعنا الأيام، وأن ألمس عن قرب الجهد الهائل في إعداد جنود الأمن الوطني، إعدادا جسديا وتوعية وطنية، مما أعاد للذاكرة دفق كبير من مسيرة خضناها منذ نعومة أظافرنا، لأغادر بعدها تاركا شقيقي وزملاءه لمتابعة عملهم، وأذهب لمعانقة مدينة القمر مع الشاب اللطيف والمهذب شادي، هذا الشاب الذي كان له الفضل بالتجوال معي في دروب المدينة ومناطقها، متيحا لي الفرصة الكبيرة بالتقاط عشرات الصور للمدينة الجميلة والرائعة والتاريخية، فشادي يعرف المدينة بأفضل من معرفة دليل سياحي، وكانت لاقتراحاته الجميلة باختيار المناطق للتجوال، فضل كبير في التقاط صور أعتقد أنها كانت متميزة.
أريحا مدينة القمر، المدينة والتي يجمع غالبية علماء الآثار أنها المدينة الأقدم في التاريخ، أعتقد أني زرت الكثير في جولتي فيها، ولكن بالتأكيد أن زيارة واحدة لا تكفي، فمن المساحات المزروعة على الأطراف إلى الحدائق والشوارع الجميلة، ومنطقة دير جبل قرنطل، متأملا ومفكرا كيف تمكن الرهبان في الماضي من بناء هذا الدير على هذا الارتفاع وفي سفح جبل أجرد، حيث لا شجر ولا ثمر ولا بشر، مكتفين بالعبادة والتأمل، معانقة عيونهم من بعيد القدس بكل ما تحمله من قدسية لدى المسيحيين والمسلمين، يرنون بعيونهم إلى المغطس حيث تم تعميد سيدنا المسيح عيسى عليه السلام، حتى أنهيت الجولة في قصر هشام الأموي، وكم آلمني الإهمال في هذا الموقع الهام والتاريخي، فالطريق إليه ضيقة ومهملة، ولا توجد يافطات إرشادية واضحة، إلا حجر لعب الزمن فيه بمحو كتابته، وموضوع بزاوية مهملة عن مدى الرؤيا، وساحة المدخل الخارجي غير معبدة وممتلئة بالأتربة، والمساحة الداخلية التي تتناثر عليها أطلال القصر تعاني أيضا ما تعانيه، إضافة أن أريحا منطقة حارة جدا، فهي أخفض بقعة في العالم، لذا جدير أن تهتم الجهات المعنية بإنارة الشارع والمنطقة بأكملها، حتى يتمكن الزوار من التجوال هناك في المساء، حين تخف وطأة الحر وقوته، وأعتقد أنه يجدر التفكير بمتنـزه سياحي قرب القصر، فلا يؤثر سلبا على الموقع، وفي نفس الوقت يكون نقطة جذب للزوار، ومن الضروري أن تضع وزارة التربية في أولويات اهتماماتها تطوير فكرة الرحلات الطلابية، لتصبح تحت شعار اعرف بلدك، ومن الضرورة أن تهتم وزارة السياحة بتوزيع نشرات عن القصر للزوار باللغة العربية أيضا، وعدم الاكتفاء بما هو موجود بلغات أجنبية.
لرام الله في القلب ما لها، وأجمل ما فيها أنني حين أجول دروبها، أشعر بها تهمس في أذني تحدثني عن أخبارها وصباحاتها وأمسياتها، ففي ياسمينات رام الله ما يداعب مني الروح ويثير العشق والهوى، ولحكاياتها دوما جمال ينقلني بين ماض وحاضر، ففي مساء الاثنين أو الأمس كنت في احتفالية إعلان التصميم الفائز لميدان الشاعر الكبير محمود درويش، وكان لبلدية رام الله السبق بتكريم شاعرنا الكبير في حياته من خلال إطلاق اسمه على ميدان حديث وهام في رام الله، رغم رفضه وتمنعه حين ابلغ الفكرة واعتبره نعيا مبكرا، لأن العادة أن يكرم الأموات لا الأحياء، لكن إصرار المجلس من خلال رئيسته جانيت خوري، أسقط قلاع التمنع لدى محمود درويش وإن لم يسقط حرجه وخجله أمام الحضور، وقد القى الدكتور سعيد أبو علي محافظ رام الله والبيرة،كلمة جميلة ومؤثرة تركت أثر كبير في النفوس، فأبو علي المثقف والكاتب، بمقدار ما هو مكسب للمحافظة بمقدار ما هو خسارة لعالم الحرف والكتابة، فالدكتور سعيد المثقف والكاتب يجيد تطويع الحرف، بمقدار قدرته على التعامل مع المواطن بقضاياه المختلفة بروح ايجابية وطيبة، وللحقيقة يكون لمبادرة البلدية بتكريم درويش، الذي كانت قصائده خير سفير للوطن في أصقاع الدنيا، هو تكريس لنهج مميز وتكريم للحرف المناضل والكلمة المحلقة.
ومن مقر البلدية إلى مقهى رام الله للقاء توفيق العيسى وزياد خداش، لنكمل من هناك الطريق إلى المجلس الثقافي الفرنسي الألماني لحضور مهرجان سينما الشباب، لنحضر أول فيلمين قصيرين ونغادر هاربين إلى شوارع المدينة دون أن نكمل العرض، فما رأيناه أثار أعصابنا بطريقة غير طبيعية، وأعجبني تعليق الخداش حين قال: جميل أن يكون هناك في أي عمل بعض من العبث، لكنها مأساة أن يكون كل ما نراه عبث.
أجوب شوارع المدينة وأستمع لبوح الياسمينات وهمس الصنوبر، أعود لصومعتي متأبطا صحيفتي المعتادة، أجدد فنجان القهوة كما يتجدد الشوق لحروف خمسة تسكن الروح والنفس، ترافق صباحي فيروز كالعادة في شدوها:
"حبيتك تا نسيت النوم يا خوفي تنساني، حابسني براة النوم تاركني سهرانه، أنا حبيتك حبيتك، بشتاقلك ما بقدر شوفك ولا بقدر أحكيك، بندهلك خلف الطرقات وخلف الشبابيك، بفتكر إني لقيتك برجع إلي كان، جرب إني انسى بيهرب النسيان".
صباحكم أجمل.

الثلاثاء، مايو 20، 2008

خرافات ومعتقدات عن الأقباط

عـادل عطيــة

كتب صحفى مصرى معروف ، هذه الكلمات :
" ان بعض الأقباط المتعصبين يكرهون اللغة العربية ،
ولا يستخدمونها فى حياتهم الخاصة ،
بل ترى ألسنتهم تجرى باللغة الفرنسية ،
أو الإنجليزية
- رغم اجادتهم الكاملة للغة العربية -
والسبب معروف ، فهى لغة القرآن
وهم يكرهون كل ما يمت للاسلام بصلة !!"
000 000 000
ان مثل هذا الكلام – فى حد ذاته - ، قادر على جرح مشاعر أبناء الوطن الواحد !
كما يوحى للقارئ ، بأن للقبطى عقلية تضاهى عقل عصفور صغير !
أنها كلمات بعيدة كل البعد عن الصدق ، وعن المنطق
فنحن الأقباط ، نعى جيداً :
أن اللغة العربية – وقبل أن يكتب بها القرآن - ،
هى واحدة من لغات العالم الكثيرة ،
التى أوجدها الله
وكل ما هو مصدره إلهى ، جدير بالتعظيم والاحترام
كما أن كتابنا المقدس ، مطبوع باللغة العربية
وفى حياتنا العامة :
إذا اختلف انسان مع آخر ، فأنه قد لا يتكلم معه
ولكنى لم أسمع قط عن انسان :
استخدم لغة أخرى غير لغة المختلف معه ،
أو لم يعد يتكلم البتة ؛ لأنه لا يعرف سوى لغته !
وكلمات الصحفى عن الأقباط ،
ماهى إلا واحدة من معتقدات خاطئة عديدة عنهم ، أذكر منها :
فقد قابلت شاباً جامعياً يقطن فى إحدى القرى التى ليس بها مسيحى واحد
وعرفت منه ، أنه ، وأهل بيته ، وكل سكان قريته ، يعتقدون :
أن المسيحى لا يغتسل
ولايغسل ملابسه
ولا أوانيه
إلا مرة واحدة كل سنة ، وبالتحديد فى يوم عيد الغطاس !
وتخيلت سذاجة هذه الفكرة من خريج احدى ما يسمى بكليات القمة !!
فكيف تكون حالة شخص لا يستحم إلا مرة واحدة كل اثنتى عشر شهرا ؟!
وكم من النقود ،
والمساحات الشاغرة بكل منزل ،
تلك التى تستوعب هذا الكم الهائل من الاوانى التى نشتريها يومياً ،
ولا أقول كل وجبة ،
ولمدة عام كامل ،
حتى يأتى اليوم السنوى الموعود للتغسيل والتنظيف ؟!
- إن لم يكن يعتقد البعض أيضاً ، أننا نأكل من نفس الأطباق بحالتها القذرة ! –
كما أن هناك فكرة أكثر سخافة ، تقول :
بأن رجال الدين المسيحى ، يرتدون الزى الأسود ، حزناً وحداداً على دخول العرب مصر !
والذى يجهله هؤلاء ، أو يتجاهلونه :
أن السلطان الحاكم بأمر الله ،
هو الذى أصدر حكمه على رجال الدين المسيحى بأن يتزيّوا بالزى الاسود !
وقد تحوّل هذا الحكم إلى ميراث تتناقله الاجيال ؛
لأنهم وجدوا فى اللون الأسود ، لون الوقار ،
ولأنه جزء من تاريخنا ،
الذى يحكى عن قدرة المصريين النبيلة ، على استخراج الجمال البهى من طين الأرض !
ثم أن هناك بعض الطوائف المسيحية التى لا تتقيّد بهذا الزى ،
وأخرى ترتدى الزى الأبيض !
000،000،000
ان مثل هذه الأفكار الخاطئة – ولا أقول المغرضة - ، هى نتاج القصور فى المعرفة الصحيحة
وهى مسئولية اعلامنا ،
الذى يجب أن يكون اعلام كل مصر ، وكل المصريين
حتى لا يعتقد اخواننا فى الوطن الواحد ، وكأننا غرباء عنهم !
adelattiaeg@yahoo.com

الاثنين، مايو 19، 2008

الثقافة لا تدخل إلى البيت الأبيض

شوقي مسلماني
كثيرة هي الأقلام التي تصول وتجول في عالم الكتابة ويدّعي أصحابها الثقافة الرفيعة، وأكثر من ذلك كثر هم أولئك الذين يطبّلون ويزمّرون لتلك الأقلام ولأصحابها فيما الوقائع الحيّة تشير إلى حفل طنين وجعجعات بلا طحين، هذا إذا لم نقل أن الوقائع تُشير إلى ضمائر فاسدة جاهزة في كلّ حين للمتاجرة بالأوطان والشعوب، وإذا أحسنّا الظنّ فنشير إلى خفّة في النظر إلى دور الثقافة باعتبارها مرجعيّة ومعالم طريق من أجل إنسان حرّ سعيد عزيز كريم في أرضه وفي أي صقع من أصقاع العالم.
لا يهم أن نورد أسماء فالكتب الكثيرة التي تصدر ونقرأها أو نقرأ عنها تكفي للإشارة إلى البلاء المتفشّي في العالم العربي، والمقالات الثقافيّة الكثيرة في الصفحات الثقافيّة لصحف كثيرة تفضح أيضاً أصحابها واتّجاهاتهم التي أقلّ ما يُقال فيها أنّها تؤبّد للغباء وتنتصر للّصوص والفاسدين والظالمين.
الثقافة ليست وجهة نظر بل موقف دفاعاً عن الروح. الثقافة فعل وعي. الثقافة أخلاق نبيلة.
الثقافة تشير إلى رأس الأفعى بالإتّهام وليس إلى الذيل. الثقافة لا تدخل البيت الأبيض.

Shawki1@optusnet.com.au

الأحد، مايو 18، 2008

سراب: محطات في الذاكرة


زياد جيوسي
منذ عدت لرام الله منذ أيام معدودة بعد غياب أربعين يوما، كان معظم وقتي في استقبال أصدقاء الصومعة، فكانت أمسياتي معهم في أحاديث الشوق والأدب والشعر، فلم يتاح لي أن أحضر أية أمسية من أمسيات رام الله الجميلة والمتنوعة، حتى كان اليوم الخميس، حين فوجئت باتصال من الفنان فؤاد فينو يدعوني لحضور أمسية سراب على مسرح قصر الثقافة، وقد سعدت بالدعوة لسببين، الأول أن أعود لممارسة حياتي الطبيعية في رام الله بمتابعة النشاطات الثقافية والفنية كعادتي، والثاني: أن التقي فرقة جديدة تقدم عرضها الأول، وقد تشجعت كثيرا حين عرفت أن موسيقى باسل زايد وشقيقه يوسف ستكون مرافقة للعديد من الأغاني والعرض، فمعروف مدى إعجابي بموسيقى باسل وأداءه الجميل، الذي دفعني لأن أكتب عنه فيما مضى دراسة متكاملة، وأنا من تابع نشاطه الفني منذ البدايات حتى أصبحت أعتبر باسل كواحد من أبنائي.
دوما كنت أقول لكل الفرق الجديدة والفنانين الذين يبدعون في بداياتهم، أن البداية صعبة دوما، لكن المهم أن نحافظ على زخم الانطلاقة الأولى ونطورها، ومن معرفتي بخبرة الفنان فؤاد فينو في مجال تصميم لوحات الرقص وخاصة التراثية منها، كان إحساسي أني سأجد أمامي عرضا متميزا ومختلفا، ولم يخني هذا الإحساس فما وجدته أمامي من جمال اللوحات الراقصة والأداء الجميل كان مشجعا للبقاء مدة ساعة ونصف تقريبا بدون أي شعور بالملل أو الشعور بأن ما أراه هو تكرار لما قدمته فرق أخرى وتميزت به.
العرض كان بمناسبة ذكرى النكبة الفلسطينية، ومترافقا مع احتفالات مئوية إنشاء بلدية مدينة رام الله، ووجد الدعم من مجلس البلدية، مما كان يثير بذهني التساؤل إن كان العرض سيكون مميزا أو استنساخا لما سبقه من تجارب، وللصدفة وحين جلست إلى مقعدي المعتاد الذي يندر أن أغيره في قصر الثقافة، جلست بجانبي طفلة لا أظن أنها تجاوزت العاشرة من العمر، رسمت على وجنتيها مفتاح العودة على وجنة وعلى الوجنة الأخرى العلم الفلسطيني، مما جعلني اشعر بالتفاؤل أن العودة حق لن يذيبه الزمن، ولن تنساه الأجيال، وأن العرض الذي سأراه يحمل روح الأمل والتفاؤل بتحقيق الحلم القادم بالصباح الأجمل.
بدأ العرض بعد إلقاء كلمات مقتضبة من رئيسة البلدية الأخت جانيت ميخائيل، وكلمة باللغات الثلاث العربية والانكليزية والفرنسية تُعرف عن الفرقة والنكبة، وهذه نقطة ايجابية لصالح العرض، فزيادة الكلمات الملقاة وتعدد الأشخاص الذين يعتلون منصة الخطابة تسبب لي وللجمهور دوما انزعاجا وشعور بالنعاس، ليبدأ العرض بعدها بفكرة مستحدثة اعتمدت على خمسة عناصر فنية كانت تشكل معا بوتقة متكاملة، لكنها أعطت التميز للعرض عما عداه من العروض، وهذه العناصر هي:
الأول: أن العرض اعتمد أسلوب الراوي الذي يحمل اسم ياسين نسبة لدير ياسين، هذه البلدة التي ارتكب بها الصهاينة المجزرة المعروفة باسمها إبان حرب التهجير والاقتلاع للشعب الفلسطيني من جذوره، فالراوي وهو يمثل دور الشيخ يروي على خلفية موسيقية قصة الشعب الفلسطيني من البدء حتى اللحظة، المقاومة والقتال والمجازر واللجوء والشتات والنـزوح والمقاومة.
الثاني: عرض الفيديو على الشاشة في خلفية المسرح، مما أعطى للرواية على لسان الراوي التمازج بين الحديث والصورة، فظهرت صور الهجرة والمجازر ومخيمات اللجوء في الشتات، بطريقة متناسبة تماما مع أداء الراوي.
الثالث: الموسيقى الجميلة التي ناسبت العرض بشكل كبير، فلم تفقده التواصل بين رواية الراوي والرقصات التي توزعت على ثلاثة عشر لوحة.
الرابع: تصميم اللوحات الراقصة، والتي تميزت بأنماطها المختلفة، ومازجت بين الدبكة والتراث، وبين أغاني فيروز وأغاني التراث والأغاني الوطنية.
الخامس: قوة الأداء والإتقان فيه، فرغم أن عدد المشاركين بالرقصات والدبكة قد وصل إلى أربعة وثلاثون شابة وشاب، إلا أنه لم يكن هناك من خلل بالأداء، وهذا يدل أن الفنانين خضعوا لتدريبات مكثفة ودقيقة، ولم يستعجل القائمون على العمل انجازه قبل أن يكونوا على ثقة بنجاحه، ورغم أن الفنانين من جيل الشباب في أعمار بين ستة عشر وعشرون عاما، إلا أنهم تمكنوا أن يجيدوا ويتقنوا العمل والأداء بطريقة ملفتة للنظر.
هذه العناصر وانصهارها معا في بوتقة واحدة، أعطت لسراب انطلاقة طيبة آمل أن يحافظوا عليها ويطوروها، وللحقيقة تمكنت الفرقة من خلال الراوي أن تعطي وبأسلوب الحكاية القريبة من النفس حكاية الشعب الفلسطيني منذ البداية، ولم يفت العرض الإشارة إلى محطات مشرقة لدى الدول العربية الأخرى، فقد أشير لدور الجيش العربي في الأردن في معركة الكرامة، ودور الجيش المصري بتحطيم خط بارليف، ودور العراق في رعاية اللاجئين الفلسطينيين في ظل غياب دور وكالة الغوث عنهم، ودور المرحوم الملك فيصل باستخدام النفط كسلاح في حرب تشرين، إضافة لإشارات أخرى سواء بايجابية التعامل أو سلبيته مع المهجرين من الوطن.
اختتام العرض كان بثلاث لوحات أثارت حماس الجمهور، لوحة راقصة على أنغام أغنية "جايين" وتناشد العرب الوحدة والاصطفاف مع أبناء فلسطين، وعرضت على خلفية المسرح صور الأعلام العربية جميعها، وأكد الراوي بحديثه أنه لا إمكانية للنصر بدون الوحدة، واللوحة الأخرى التي تمثل المقاومة بالحجر على أنغام أغنية "ثوري ثوري" لتكون الخاتمة نشيد "موطني" والتي وقف لها الجمهور وغنى معها بحماس.
وفي النهاية أعتقد أن البداية كانت موفقة في رحلة "سراب" التي آمل أن تمتد وتبدع، وإن كان لا بد من تسجيل ملاحظة صغيرة على العرض الجميل، ففي رواية الراوي لبدء النضال قبل هزيمة حزيران، أورد اسم فصيلين محددين كانا يتبعان حركة سياسية معينة، علما أن هناك فصيلين آخرين مارسا الكفاح المسلح في الأعوام 1965 و1966، فكان الأجدر واحتراما للتاريخ، إما ذكر الجميع أو الاكتفاء بإيراد أن الشعب الفلسطيني بدأ كفاحه المسلح قبل الهزيمة الحزيرانية بدون تحديد أسماء فصائلية بعينها، والملاحظة الأخرى أنه كان يجب اختصار الحديث بحديث الراوي قليلا، مما كان سيعطي العرض فترة أقل وزخما أجمل.
"سراب" لخصت أهدافها في: "المحافظة على تاريخ الشعب الفلسطيني والمساهمة في إيصال للأجيال اللاحقة بأسلوب فني جديد، خلق جيل واع منتمي لقضيته الفلسطينية محافظا عليها، قائدا، مبدعا، متفوقا، تنمية وتعزيز روح الانتماء للوطن والتاريخ ولفن الشعب الفلسطيني وتراثه والمحافظة عليه، تنمية الشباب والمساهمة في بناء وصقل شخصيته بالعمل على استنهاض طاقته وتطويعها في خدمة المجتمع"، فهل يتمكن القائمون على الفرقة من مواصلة الطريق والصمود في وجه الصعاب وتحقيق أهدافهم؟ آمل ذلك وأشد على أياديهم..

رسائل اليهم

مريم الراوي
-1-
لااريد ان اكتب عن النكبة التي سلبت رمح الفجر من كف المحارب الإسطوري..
أريد ان احيا من جديد على ذكرى تلك الليلة التي حملتني عاشقة صوب فلسطين..
لأهزم كل الأقاويل والأكاذيب،التي تتحدث عن موت الوطن في الروح،
سأغبط اليوم مدينتي مابين النبضة والنبضه..مابين الشهيق والزفير،نسمة إسمها غزة..
ياذكراي التي لاتهدأ...ياحنيني الذي لايخجل ان يسقيني من خمر الأشواق حتى أثمل ولا أثمل!!
يا "يافطة"البداية وبوابة الميلاد المبجل..
"رفح"..العروس النائمة على تخت من اشواك وأغصان ليمون بلوري..
ياأضواء محطة الوقود انتشليني من ظلامي..
يا"بهلول" المرحب بالآتي،
لاتغفو على أحلام المنتظرين ولا تقسو على الفقراء الحالمين
غزة..
أكانت تلك الليلة حلم؟أكانت أمنية أم ماذا؟!
قلبت"جواز سفري"فلم أر أي ختم يشير الى وجودي في حضرتك.
فأذكر حينها،إني دخلتك دون إذن من أهل الدار،تعمدت من رحيق أنفاسك رغماً عن البنادق،وعن الجيوش المتمترسة خلف خوفها،ركعت عند محراب حزنك رغماً عن جميع الخونة،والظالمين والكروش المتخمة..
دلفت بستان قلبك الرحب دون خوف ولاوجل،من جراحك العظيمة،لم تلفضي أحداً،كنت قديسة اللحظة بل قديسة جميع الأزمان ..
ياغزة،وانت الان الشاهد على النكبة لم نعد نكتب الى القدس..
بدأنا نستبدلها باألف مدينة ومدينة..
نسينا من ضحوا ومن إنتظروا ومن حلموا ومن غادروا الى السماء مسرعين..
نسينا كل هذا في خضم الصمت المفجوع بالأنين..
نسيناك بكل بساطة أيتها الحزينة,,
هكذا بدون ان نذرف دمعة عند أحد أبوابك الشاهدة على يتم أبنائك..
لاتخجلي من تشرذمهم،
فقط إصفحي عن عذابات اولئك المتسمرين في ساحات الفجر بإنتظار الله!!
فهؤلاء قد ملوا كل شئ، الا الحلم بالرجوع اليكِ ولقائكِ..
-2-
عن ماذا سنتحدث اليوم؟؟
لاادري!!
حسناً,,دعونا في البدء نلقي التحية على الله..
أيها الرب..
نسأل كثيراً عنك هنا في الأرض,وخاصة في بلادنا التي انهكتها الدماء وأسلحة الأقرباء قبل الغرباء
نفتقدك كثيراً حين النهار,ونحن نرى أشلاء أطفا لنا تواريها بقاية صحف الأمس
نشتاقك حين ندلف الليل,وحين يهمس أبني"وطن"لماذا ياامي ليس لنا وطن ننام فيه بهناء؟
أليس أحرى بنا ان نتوجه الى الجنة الآن,لنسعد كما من سبقونا؟
وفعلاً ياإلهي,كثير هم من إلتحقوا بقوافل العائدين الى السماء..وكل يوم يرتفع عدد المهاجرين والمهجرين الى منفى لارجعة منه مخلفين لنا الويلات والخوف والإنتظار..
وقيل لنا يوماً,إننا سنلحق بهم,ولكم تمنينا هذا صدقني,ونحن نطالع الأشباح المتعطشة للموت,وهي تتلقف رؤوس نسائنا ورجالاتنا واطفالنا وشيوخنا ككرات البيسبول بين يديها..لم يتركوا ياالهي,شئ هنا,وكل جميل صنعته,دمروه بإقدامهم ورصاصاتهم الهوجاء
لذا ارجوك,أن لاتنعم علينا بأكثر من الهواء,وقليل من الماء,فلم يعد بوسعنا تحمل نعمك..فهي وبال علينا وبلاء
لانرغب سوى ان ننام بأمان,ونشعر بأننا أصحاب الدار من جديد,لاغرباء
لانريد سوى ان نتجول في شوارعنا التي لطالما رافقت احلى ايامنا وذكرياتنا
أيها المبجل..
طا لت صلاتنا اليك,وطال صبرك عليهم
فأعد عقول الأسوياء حيث موضعها,واجعلهم يمسكون الزناد بيقين,صوب ذلك الأحمق
أخبرهم مجدداً,إنك أنت وطن,وزهرة جميلة,وحلم نقي,وفكرة طاهرة,وبسمة ترتسم على شفاه اليتامى والمساكين
إلق عليهم وصاياك أيها الرب,لايضر إن تعلمنا ابجديات الحياة من جديد,فقد فقدنا الكثير,واتعبتنا المواوويل,والصمت المصلوب في اروقة الأفواه والقلوب.
ولم يزل لدينا بعض الوقت للموت والتعلم..فلقد علمنا الوطن,أن نحتفظ بألحزن والوجع.

-3-
همس إبني وطن في إذني ظهيرة هذا اليوم..
أمي...لم نحن غرباء عن هنا؟؟وأين أبي؟؟ولم البكاء عند اللقاء والفراق؟؟
فأجبته: إسا ل الله,فقد تعبت الإجابة والإنتظار...
وبعد خمس دقائق,أمطرت السماء بوجع مفرط..
بكى وطن عندها,واحتضن العلم..وقال:
ياامي مالنا سوى سواعدنا,فحتى السماء لاتقوى ان تغيير مواعيد السفر!!

-4-
أيها الغرباء في بلادكم,,إحملوا رؤوسكم وحدكم
فلا ثائر غيركم على ظلم حكامكم
وعلى الخوف ان يسقط من افئدتكم,ليحل اليقين بالوطن والفكرة
, راية نبضها الغد وساريتها الصمود على اوجاعكم
اجرم من يؤمن ان تحرير الشعوب يأتي بالصبر على بلائهم
بل هو التمرد بداية الحرية والثورة على الخائنين وطغيانهم..
-5-
أي نوع من التشرذم هذا الذي أصابنا؟!!
غريب, جدا كيف أصبحنا نتخبط حتى في ظلنا,ولانكاد نعرف من يمسك بإيدينا ومن يلق بحجارته على رؤوسنا..
قد يخيل للبعض إن هذا نوع من التشاؤوم او البؤس ان لم يكن ضرباً من اليأس..لكنه ليس من كل هذا بشئ,بل إنه الواقع الذي نفقأ عيوننا كي لانكون الشواهد على جراحنا وهي تصرخ ساعة الظهيرة حين يلامس جلدهاالممزق لهب المتفجرات او يقضي على أخر لمحة جمال في هذه الأجساد شظية عابثة حمقاء عند المساء او حتى حين الفجر المتوشح بالدم المراق من عيون المدينة المصلوبة..
لكن إنتظروا,من قال إن هذه الشظية غير موجه؟؟ومن قال إنها لا تعرف أين وجهتها؟؟بل من المحتم إنها لاتخطأ أبداً وتعرف دربها الناري,هذا ان لم تكن تتلذذ برائحة اللحم المحترق والجلود المسلوخة.
ياوطني..
كل هذه السنوات العجاف التي تقف كما الغربان على جثث الفقراء اللاجئين بلا مأوى هي سنوات عمري أنا..
كل تلك الأشلاء المحترقة والمترامية على أرصفة الطرقات وفي الشوارع والمتكدسة في المحال المهجورة اوالقابعة في ثلاجات الموتى في (الطب العدلي)هي جزء من جسدي..
فأخبرني ياوطني,ما تبقى من هذا الجسد البالي,سوى عظام نخره,تخاف ان تحتك إحداها بالأخرى فتصدر صوتاً وتعتذر,من الأوباش الواقفين على حافة الحياة,والمتصدرين ميدان الموت !!
ماالذي يمكن أن يدثر هذه البقايا سوى سمائك ياوطني!!
أنت كل مالدي,وكل ماذهب وكل ماتبقى,أنت..
-6-
مااقبح الشاشات وهي تلفظ لنا الأشلاء والدماء بلا رحمة..
مااروعنا ونحن نأكل غدائنا امام جراح الوطن،غير مبالين بعيونه وهي تناجي ضمائنا!!
ضمائرنا،هذا المسخ البشع النائم في صدورنا،متى يتحرك؟!!
متى يخرج صارخاً،هائماً،باحثاً عن الوطن؟!!
أي صخرة تلك التي تقبع في أجسادنا؟!
أهذا هو مايسمى القلب؟!
أهذا هو الذي يجعلنا نعشق،ونصاب بالغيرة،ونكتب الشعر ونذوب ونحزن ونبكي؟!
ماباله إذاً والوطن يأن وحيداً غريب؟!!


السبت، مايو 17، 2008

الطفولة مرحلة البراءة والعالم المغاير


محمد علي سعيد

- طمره

الطفولة مرحلة البراءة في عمر الإنسان... براءة صادقة ودافئة الألوان وعميقة الصدى وأسطورية الجمال. وبعيدة الخيال.. ونظامها فوضى جميلة. وعفويتها خلاقة.
وكل طفل فيها شاعر مطبوع..(تولستوي) يمتطي العصا حصانا ويتمطى فوق السحابة فراشا أبيض.. ويختبئ تحت جناح الدوري ليخبئ ارتباكه في ظل الغيمة.. ويسافر في بحر خياله ليجمع النجوم حبات أرز في صحن القمر.. متناصا مع شاعرنا ابن الصف الثامن الذي وقف على المنصة في احتفال المدرسة في عيد الاستقلال.. وقال: " لماذا يا أبي، يعتقد الفقراء بأن القمر رغيف خبز والنجوم حبات أرز" وكان أول اعتقال له.. وصاح المختار: خرّبت بيتنا .

الأطفال هم الملائكة الصغار وهم عصافير الجنة.. عالمهم يختلف عن عالمنا نحن الكبار.
هم يحلمون لأنفسهم.. ونحن نحلم لأنفسنا ولهم من خلال أنفسنا. نحن نبادر لنكتب لهم أو عنهم.. أو لهم وعنهم في آن واحد..
ولماذا نكتب؟ هل نكتب لتشكيل شخصيتهم وبلورتها بالتصريح المباشر أم بالتلميح، وفقط لنساعدهم..
وما المانع في أن تكون كتابة الكبار هي للكبار أيضا، فهي تساهم في بلورة شخصيتهم من خلال التعويض النفسي والتطهر النفسي/ الكاتارازس.
تطور مفهوم الطفولة من النقيض إلى النقيض حتى جاءت الباحثة السويدية آللن ووصفت القرن العشرين بعصر الطفل. والسويد جنة عدن للأطفال.. وكان قد سبقها جان جاك روسو بصرخته المشهورة "أعرفوا الأطفال".. وتغيرت النظرة وتغير التعامل مع الطفولة.. بعد أن اعتبرها القديس أوغسطين وعاء للخطيئة.. وبوسي ماثلها بحياة الحيوان.. وأرسطو اعتبرها مستودعا للنفس الشهوانية.. صورة سلبية للبالغ.. وديكارت خجل من طفولته واعتبرها تجربة ضلال.. وفي القرن الثامن عشر رأوا بالطفولة الرجل الصغير.. وجاء جان بياجيه واعتبرها كائنا في صيرورة بلوغ.. وجاءت الدراسات الحديثة لتؤكد على وجود موهبة طفولية خلاقة.. فاللساني تروبتسكوي أكد على أن النضج الطفولي المستجيب للمنظومة الثقافية والبيئة الاجتماعية، ليست إلا نوعا من الإنحطاط قياسا إلى القدرة العفوية التي يولد بها الطفل.
وقال بودلير " إن العبقرية ما هي إلا العودة الإرادية إلى الطفولة"
وقال الرسام بيكاسو " لقد قضيت خمسين عاما من عمري لأتعلم الرسم كالأطفال.. هل عادت إليّ الطفولة أم عدت إليها"

الكبار والأطفال عالمان مختلفان.. حلمان مختلفان ..
أين يحدث التعايش الجميل بينهما.. بين جمالية الأسطورة الطفل العفوية والخلاقة والطليقة والصادقة وبين الكبار المقيدة بالمنطق وبالتعويض النفسي والمثاليات والمجاملات ومركبات الهوية.

يستجدي الكبير طفله ليقرأ : إقرأ يا حبيبي هذا الكتاب الرائع، لقد أعجبني جدا جدا، حين قرأته وكنت في مثل عمرك.
ويقرأ الطفل صفحة وصفحتين وقبل أن يصل الخامسة يرميه.. وينام..
ويستغرق في حلمه ويصرخ بصوت غير مسموع " دعوني أحب ما أريد.. ومتى أريد؟
دعوني أضحك وأبكي متى أشاء ومما أشاء وأين أشاء؟
دعوني أشاء ما أشاء .. وأرى وأحلم ما أريد... فأنا طفل فريد
دعوني أكون أنا ولا أكون أنتم .. أنا أساوي أنا.. وأنا لا أساوي أنتم
لماذا تصادرون طفولتي المستقلة والمغردة خارج سرب منطقكم.. وتقترحون طفولة بديلة هي في الحقيقة واقع طفولتكم أو مجازها
كلّ ذي شأ، كبير كان من قبل صغيرا
فاحترم كلّ صغير إن للدهر ضميرا

دعوني أتسفع بهذه الفوضى المنظمة والخلاقة من التأملات المسموعة تحت شمس الأسئلة، التي تنقض على السائل.قبل المسئول .. وأعدكم أن لا أحترق.. وأعدكم أن لا أكتب أدب الأطفال إلا إذا أجبت عن الأسئلة بدرجة عالية.

* من نص الكلمة التي ألقاها الكاتب محمد علي سعيد (المحرر الأدبي لصحيفة مع الحدث) في مؤتمرأجناس أدب الأطفال – إعداد المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في بيت بيرل الذي يديره بروفيسور لطفي منصور، وقد أشرف أحمد عازم مدير مركز كامل كيلاني لأدب الأطفال في المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في بيت بيرل على اليوم الدراسي الذي شارك فيه أدباء الأطفال نادر أبو تامر و نبيهة جبارين و حياة أبو شميس والدكتور رافع يحيى والدكتور بطرس دلة وذلك يوم الإثنين 12-5-08.

مِن خمريات سامي العامري

تعامُد
*****

كَما لو تهاديتُ تصحبني الخطواتْ
والتَقَيتُكِ لكِنّما آهِ بَعْدَ فواتْ
تَعامَدْتُ والشمسْ
إنّي لأَعْجَبُ كيفَ سَكِرتُ
ولمْ أرتَشِفْ غَيرَ عشرينَ كأسْ !

----------

تفاهات

أمضي الى المكتبهْ
بخُطى امرأةٍ راهبهْ
فاكهةٌ في طريقي ألَذُّ من الخوخِ والتينْ
يقطفُها الكلُّ إلاّ انا
دونما سببٍ لإمتناعيَ حتى ولا لَذَّةَ الإختلافِ !
لذا فهيَ مُمْتَنَّةٌ ليَ دوماً
إمتنانَ المكائنِ للمُضْرِبينْ
إمتنانَ الخنازيرِ للمسلمينْ !
طويتُ الجريدهْ
وكأنيَ تُمْلي عليَّ عقيدهْ
أجَّلْتُ خمرَ الكتابِ
تَصَفَّحتُ متْنَ الشرابِ
سطراً وحيداً قرأتُ فَغَنَّيتُ
حتى رأى السطرُ أنْ أستزيدَهْ !

----------------

عسف الصحراء

أحتاطُ
وروحي بَعد الحنقِ الساطع والإحباطِ
تطُلُّ كأجمل مقتولٍ فالصمتُ وصيّهْ
وشبابٌ عَرَكَتْهُ كؤوسٌ زَحلاويَّهْ !
ها هيَ تَتَهَذَّبُ , تُصبِح جيرمانيَّهْ !

----------

ماذا أتلو ؟

ظِلّي يتبعني كغيمهْ
ماذا أتلو ؟
هل من نغمهْ ؟
أنا يا زيدُ ويا عَمْرُ
إبتكرتْني الخمرُ
لكنْ لو يُجْدِي أمرُ
فيُعزِّيني ويُلهمُني
أنْ لا أحدَ بتاتاً يُشبهني
لا أحدَ ولا شيءَ
وذاكَ رِهاني مع الزَمنِ !

---------------

أَوَّلاً بِأَوَّل
لقد ذَبُلَ الصباحْ
أَيا ذاتَ الأَكيراحْ ! (*)
وجوريٌّ تَوَعَّكَ صَدْرُهُ
فَشَكا الى القِدّاحْ !
غُبارَ الطَلْعِ نادمْني
وضاعفْ في مَعيَّتيَ الهباءَ
وإنْ شَكَكْتَ فَصَهْ
لأَحكيَ سِيرَتي راحاً بِراحْ !

----------------

مِن سمائي الأُولى

ثَمِلاً سُرتُ أَسأَلُ :
أينَ تُرى ألتقيها ؟
ضَحكَ الجمْعُ , قالوا :
دَعِ الشوقَ في وِكْرهِ نائماً واحتسِ مَرَّةً ثانيهْ
فَإنْ كانَ عُمْرُكَ في الحُبِّ يوماً
فَفي الكأسِ ليسَ سِوى ثانيهْ !

-----------------

بين مروج لاهاي

مَرعىً فمرعىً
وحاضِرةً حاضِرهْ
يقظَتي قارّةٌ واختفَتْ مِثْلما باخرهْ
كان قاعُ المحيط كما الريفِ أخضرَ
والأفقُ أحمرَ كالآخِرهْ
أَضُمُّكِ ذكرى شبابٍ بَهيٍّ مُعَنَّىً
وأُشْهِدُ أقداحيَ الهادِرهْ !

---------------------

مدائحي
أحِبّائي سلاما
جِناني رَهْنُ جانيها
فلا قَلَقٌ على آتٍ ,
إذا استَسْقَيتُمُ في المَوسمِ الآتي
سأُسكِنُكُم قصيداتي
وأُغْرِقُكم مُداما
وحينَ تُحَلِّقونَ بها
سأَقْنُصُكُم حَماما !
أحبائي سلاما .

-------------
هَمْسُ الأمس

قالَ :
ثُقاتي ,
أسراري عَدَدُ مساماتي
إني أتَجَدَّد دوماً كالأشجارْ
أغصاني أذرعُ نُسّاكٍ
وسكوني دُوارٌ بدوارْ
فأراني أبَداً مَخموراً ,
مَخموراً بوميضٍ دافقْ ,
بشعورٍ يرحلُ أنساماً
ومساءاً يرتَدُّ حرائقْ .

----------------------

(*) لأبي نؤاس :
يا ديرَ حَنّةَ في ذات الأكيراحِ
مَن يصحُ عنكَ فإني لستُ بالصاحي .

***********
alamiri84@yahoo.de
كولونيا

الجمعة، مايو 16، 2008

لن تُسامِحَكُم بيروتُ!

سعيد علم الدين
لن تُسامِحَكُم بيروتُ!
وإن عَضَّتْ على الجراحْ
الزمنُ طويلٌ
والحياةُ أزهارٌ وكِفاحْ
وأزهارُ بيروتَ البيضاء
لها عبيرُ كَفَّيْ أبي بهاء
عشيقُ وطنٍ مُسْتَباح
وشعبٍ أثْخَنَتْهُ الجِراح
هوى من أجلِ خلاصِهِما إلى العلاء
مع رفاقٍ في عيد العشاق
..
وسِجِلُّ بيروتَ في المقارعَةِ والعروبة والنضال
يا صغار!
علَّم الشعوبَ ألوان الكفاح
..
وجهادُ أبي بهاء من أجلِ استعادةِ الاستقلال
سَيُكَلَّلُ حتماً بهمَّةِ أحرارِ ثورةِ الأرزِ
بأكاليل النصرِ والنَّجاح
..
لن تُسامِحَكُم بيروتُ
بعد ان استبَحْتَم كرامَتِها في ذاك الصباح
وحولتُم أفراحَها إلى أتراح
فاتحةٌ ذراعَيها كعادتِها في استقبالِ الأحباء
وأنتم يا لبشاعتِكُم يا أوغاد
كنتم عليها ألدَ من ألدِ أعداء
ترمونَها بالنبالِ
عاريةَ الصَّدِرِ
تَطْعَنونَها بالرماح
في مَطْلَعِ الفجْرِ
تُقَطِّعون شوارِعَها والأوصال
بحقد دفينٍ وغَدر
وهي تتساءلُ مدهوشةً ملهوفةً مرعوبةً متوجعةً:
ماذا يفعلُ هؤلاء الأولاد؟
هل سيقولون غدا "لو عرفنا ما فعلنا !"
أم حولَهُم المالُ النظيفُ إلى أوساخ !
سياستكم كلها مبنيةٌ على الخدع والكذبِ والاحتيال
وهل الإضرابُ كان لتحقيق مصالِحِ العمال
أم انقلاباً لإسقاط الحكومة الشرعية بالإرهاب
وجر البلاد إلى الفوضى والفتنة والخراب؟
..
لن يسامِحَكُم أهلُ بيروتَ!
بعد أن خنتُمُ الأمانَةِ
ووجَّهْتُم إلى صدورِهم السلاح
أرعبتُموهم ذاك صباح
وهم في الأسرَّةِ نيام
قتلتم الأمَّ والإبن والطالب
تبا لكم ، بيروت لم تحارب!
فقائدُها سعد الحريري فارسُ سلامٍ
وعِلْمٍ وحُبٍ وأدبٍ وعطاءٍ وعطفٍ وكرمٍ وبناء
كوالده أبي بهاء
الذي جمعَ ديوكَ القومِ في الطائف
على كلمةٍ بين اللبنانيين سواء
وهو كوالدِهِ قلبا وقالب
وخيرُ خلفٍ لغيرِ سَلَف
يرفضُ القتالَ بين الأهلِ والأقارب
أما أنتم فقد خنتُمُ الخبزَ والمِلْح
وأظهرتُم وجَهَ القُبْح
في سويعات الصُّبْح
وتحولتُم إلى أفاعي تَلدَغُ وعقارب
قبَّحَ الله وجهَكُم أيها اللئام
حتى دارُ الأيتام
لم تسلَم من شرِّكُم الغارب!
..
وكيف ستُسامِحُكُم بيروتُ
بعد أن قتَلتُم البريئةَ والمحامي والمجتهد
وأرخصتُم الدماءَ بين الأشقاء
إلى ماء
حَلَّةَ عليكُم لعنةُ أهلِ بيروتَ
إلى الأبد
يا من جلبْتُم لها الدمارَ والخرابَ والموت
..
أتستبيحون كرامةَ بيروتَ أيها الأوغاد
مدينةٌ عظيمةٌ لؤلؤةُ البحرِ الأبيض
درةُ العربِ في الآفاق
فتَحَت لكم قلبها الوديع
فدسْتُم عليه بلا أخلاق
مزقتُم ثوبَها الأبيضَ الجميل
هجرتُم الملائكةَ والعصافير
حرقتُم الكلمةَ الحرةَ وأسكَتْم الكاتب
أوقفتم الصحافَةَ وهددتم الإعلام
لتثبتون للبنانيين والعرب والآنام
أنكم أبناء سراديبَ الظلام
وترقصون رقصة نصر الأقزام
وتحطمون صور الشهيد الضحية يا أوغاد
وترفعون فوقَها صورَ القاتِلِ الجلاد !
ويلٌ لكم من هذه الأفعال
بيروتُ لن ولن ولن تُسامِحَكُم
على أفعالِكُمُ النكراء
وتطرحُ عليكم السؤال: هل شاركتم في الاغتيال؟
وإلا لماذا كلُّ هذا الجنونِ والعربَدَةِ والاختيال !
..
ويبقى الماضي لكم
ولبيروتَ المستقبل
ثقافةُ الموتِ لكم
هذا إذا كان للموت ثقافة!
وثقافةُ الحياةِ والأمل
لقوى 14 آذار
وتيار المستقبل
لن يسامِحَكم شعبُ لبنانَ أيها الانذال
ويلٌ لكم !
هو يكافحُ ويقدمُ الشهداء
من أجل حريتِهِ وسيادتِهِ والاستقلال
وانتم تكبلونَهُ كالأعداء بالأغلال !
..
بيروتُ لن تغفرَ لكم !
الجبلُ لن يغفرَ لكم !
لبنانُ لن يغفرَ لكم !
لقد أرهَقْتُم شعبَهُ بالحروب والكوارث والوبال
وتفوقتُم بوحشيتكم ضد أهلكم حتى على جيش الاحتلال
هذه ليست بطولة وشجاعة وانتصار
هذا جبن ودناءة وانحطاط وانحدار
هذا عارٌ عارٌ عار
ولعنة بيروت ستلاحقكم على مدى الأجيال
هذه ليست مقاومة وثورة ونضال
هذه خيانة عظمى للخبز والمِلْح والمقاومة
تبا لكم ، كم أنتم على ضلال !
والمحكمة آتية لا محال
ومهما طال المطال

مع إخوان الصفا.. موقفان : الأول معهم والثاني ضدهم

د. عدنان الظاهر

الموقف الأول / مع إبن خلدون

بلغ إبن خلدون ما بلغ من شُهرة ٍ وعلوِّ صيتٍ بما قال عن العمران والفساد ، أي نشوء وتطور الدول أو أنظمة الحكم أو الأمم ثم تدهورها فزوالها . عمران فتفسخ . لقد أسبغ بعض المؤرخين على هذه الفكرة صفة أو إسم ( نظرية ... نظرية إبن خلدون في نشوء وإرتقاء الأمم ... ) فما كان حظ إبن خلدون منها وما مقدار نصيبه من تفكير وجهد في صياغتها بشكلها المعروف في مقدمته ؟ لا شئ ، لا شئ البتة ! إنها كنظرية أو فكرة موجودة فيما خلّف أخوان الصفا من رسائل . نعم ، موجودة بحذافيرها ونصها الذي كرره إبن خلدون في مقدمته علماً أنَّ هؤلاء كانوا قد سبقوا إبن خلدون بأكثر من الخمسة قرون من الزمان حيث تذهب ُ التقديرات إلى أنَّ رسائل إخوان الصفا كانت قد وضعت ما بين القرنين الهجريين الثالث والرابع ... بينما توفي إبن خلدون عام 808 للهجرة . ما فحوى هذه
( النظرية ) الحرفي ؟ قال إخوان الصفا (1) :
أَعمار الدول / دولة أهل الخير ودولة أهل الشر [[ ... وأعلمْ يا أخي بأنَّ أمورَ هذه الدنيا دُول ٌ ونوَب ٌ تدورُ بين أهليها قرنا ً بعد قرنٍ ومن أمّة ٍ إلى أمّة . . وأعلمْ بأنَّ كل َّ دولةٍ لها وقتٌ منه تبتدئ ، وغاية إليها ترتقي ، وحد ٌّ إليه تنتهي . فإذا بلغت إلى أقصى غاياتها ومدى نهاياتها تسارعَ إليها الإنحطاط والنقصانُ وبدأ في أهلها الشؤم والخذلان وإستأنف في الآخرين من القوة والنشاط والظهور والإنبساط ، وجعلَ كل َّ يوم ٍ يقوى هذا ويزيد ويضعفُ ذلك وينقص إلى أنْ يضمحل َّ الأول المُقدَّم ويستمكن الآتي المتأخر ]] . هذا كلام إخوان الصفا فما قال بعدهم بأكثر من خمسة قرون عبد الرحمن بن خلدون حول نفس الموضوع ؟ أفرد الرجل فصلا كاملاً لهذه الموضوعة هو الفصل الثالث
(2) قال في مقدمته (( من الكتاب الأول في الدول العامة والمُلك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات )) . يهمني من هذا الفصل الأجزاء الثلاثة 13 ، 14 و 17 رغم طرافة باقي الأجزاء وعلاقتها الوثيقة بالموضوع الرئيس . حمل الجزء الثالث عشر (1ـ2) عنواناً يقول ( فصلٌ في أنه إذا استحكمت طبيعة ُ المُلك من الإنفراد بالمجد وحصول الترف والدِعة أقبلت الدولةُ على الهرم ) . أما الجزء الرابع عشر (2ـ2) فكان عنوانه ( فصل ٌ في أنَّ الدول لها أعمار ٌ طبيعية كما للإشخاص ) ، بينما (3ـ2) كان عنوان الجزء السابع عشر ( فصل ٌ في أطوار الدولة واختلاف أحوالها وخُلق أهلها باختلاف الأطوار ) .
ليس وارداً في مشروع بحثي هذا عرض أو مناقشة آراء إبن خلدون بالتفصيل فيما يخص موضوعة نشوء الدول وإرتقائها ففنائها . لقد أشبع المرحوم البروفسور علي الوردي هذه المسألة بحثاً وإستقصاءً ثم أفرد لها كتاباً مستقلاًً أظن أنَّ إسمه ( مع إبن خلدون ) ! كنتُ قرأته قبل عدة سنين . سبق علي الوردي وجاء بعده العديد من الكتاب والباحثين ممن عنوا بهذا الشكل أو ذاك بتراث إبن خلدون وخصصوا الكثير من جهدهم ووقتهم لموضوعة نشوء الدول وإضمحلالها حاسبين خطأ ً أن إبن خلدون هو أول من وضع أسس هذه الموضوعة التي تعارفوا على تسميتها ( نظرية ... نظرية إبن خلدون ) . كل هؤلاء كانوا من كبار المؤرخين أو من المختصين بعلم الإجتماع أو الفلسفة أو من مشاهير الكتاب والكاتبات مثل السيدة بنت الشاطئ . فليس من المعقول ولا من المتوقع منهم أن لا يكونوا قد درسوا رسائل إخوان الصفا ليكتشفوا أن َّ هؤلاء القوم كانوا قد سبقوا إبنَ خلدون في وضع الأسس الأولية الأولى لما سمي َّ فيما بعد ب ( نظرية إبن خلدون ) . بل ، وأكثر من ذلك وأشد مرارةً ... أنَّ الأسس الأولى لهذه الأطروحة التي رفعت إبن خلدون إلى ما لا يستحق من مقامات ... إنها موجودة بأروع أشكالها وأكثرها تركيزاً وإختصاراً في القرآن الكريم (3) [[ وإذا أردنا أنْ نُهلكَ قرية ً أمرنا مُترَفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمّرناها تدميرا ]] . نرى هنا شروط هلاك المدن أو فنائها . وهنا نجد أن سبب أو مسبب هذا الهلاك هو الترف . وهذا ما رآه وأكد إبن خلدون عليه في مجمل أطروحاته حول فناء الدول . رسم الرجل خطاً بيانياً حسابياً لصعود ونهوض الأمم يبدأ من الصفر ليرتقي صُعُداً حتى يبلغ سمتاً معيناً محدداً يمثل ( أقصى درجات الترف والنعيم وغضارة العيش ) ثم يبدأ بعد ذلك مرحلة الهبوط التدريجي نزولاً بإتجاه خط أو إحداثي الصفر الأفقي أي الموت . (( أمرنا مترَفيها )) كلام بالغ الدلالة ... أمرنا مترفيها ففسقوا ... لكأنَّ المترفين وحدهم القادرون في الأرض على ممارسة الفسوق !! في طوق كل مخلوق إتيان الفسوق ولكنَّ فسوق الأثرياء والحكام والملوك والسلاطين والمتجبرين في الأرض يفوق كل فسوق بما يتوفر لديهم من مالٍ وسلطان ٍ زمني ٍّ وجوارٍ وغلمان وكافة وسائل العهر والرذيلة وممارسة المنكرات والمحرمات . يأتي الخراب على أيدي هؤلاء المترفين وعن طريقهم وبواسطتهم هم لا غيرهم من باقي أفراد رعيتهم . وهكذا بالضبط أتى الخرابُ العراقَ على يد الكثير التجبر والغطرسة والترف صدام حسين وبطانته من أهل بيته وغيرهم من الحزبيين البعثيين . الترف هو طريق زوال النِعَم فإياكم يا بشر والترف َ الباذخ َ . قريب من هذه المواضيع ما قاله الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور <<>> (4) ذات يوم وقد قدموا له مائدةَ طعام فيها { عجّة من مُخ وسكّر فاستطابها فقال } [[ أراد إبراهيمُ أنْ يحرمني هذا وأشباهه ]] . إبراهيم هو أخ محمد ذي النفس الزكية وهما من أولاد عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ... وهما كانا قد إنشقا على أبي جعفر المنصور وقادا عصيانات وتمردات عسكرية لا حصرَ لها ضد جيوش الخلافة في بغداد . معنى كلام أبي جعفر المنصور أن خصومي من بني طالب أرادوا حرماني من نِعم وترف الحياة ولذيذ الطعام ! الخلافة والمُلك ترف ٌ في نظر خليفة المسلمين . كان بعض معلمي الدراسة الإبتدائية أواسط أربعينيات القرن الماضي يرددون أمام تلامذتهم الصغار قولاً ما محته الأعوام المتطاولة من رأسي يقول (( الترفُ يُزيلُ النِعَم )) . قد يكون هذا القول أحد الأحاديث المنسوبة للنبي محمد ... فأين إخوان الصفا وأين إبن خلدون من هذا الكلام إذا صحّت نسبته للرسول ؟؟
تعقيب عَرَضي : لا تنطبق وجهات نظر إخوان الصفا و ( نظرية ) إبن خلدون حول نشوء ودمار الدول على إمبراطوريات القرن العشرين . كانت الإمبراطوريات القديمة تنهض الواحدة منها على أنقاض الأخرى لكنَّ الإمبراطوريات الحديثة لا تفنى ولا تزول إنما تتقلص سلماً أو حرباً . تنكمش داخل حدود معقولة ترتضيها لنفسها ويرتضيها لها المجتمع الدولي وخاصةً المنتصرون عليها . كالإمبراطورية العثمانية مثلاً ... ثم إمبراطوية هتلر الألمانية واليابان بل وحتى الإمبراطورية البريطانية التي ما كانت الشمسُ لتغربَ عن مملكاتها . تقلصت هذه حتى رضيت بأسكتلندا ومقاطعة ويلز وشمال آيرلندا التي لم تزلْ تطالب بالإنفصال عن بريطانيا. كانت إمبراطورية عظمى تسمى
Great Britain
فغدت المملكة المتحدة لا غير
United kingdom
ام تخسر بريطانيا العظمى حرباً ولم تتعرض لكارثة غزو ودمار إنما إنكمشت بعد الحرب العالمية الثانية تحت ضغط حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا فتمددت واحتلت مواقعها الولايات المتحدة الأمريكية أكبر رابحٍ بعد الحرب . لم تفقد بهاءها الإمبراطوري ولا ثراءها الفاحش الذي جنته من إستغلالها لشعوب وخيرات مستعمراتها فأين مقولة أو ( نظرية ) إبن خلدون من هذا المثال ؟! يواجه العالم اليوم إمبراطورية أسطورية الثراء والجبروت العسكري والعلمي والتكنولوجي والغطرسة غير المسبوقة حدَّ الرعونة والإستهتار بالأعراف والقوانين الدولية، إمبراطورية العولمة والقطب الأوحد ... فمتى تبدأ مسيرة العد العكسي لإنحطاطها وتدهورها وتصفية قواعدها العسكرية الواسعة الإنتشار وإنكماشها داخل حدودها الجغرافية المعروفة ؟ كيف ستكون نهاية أسطورة أمريكا وهي في قمة ثرائها الخُرافي ؟ هل سينهيها هذا الثراء حسب وجهات نظر إبن خلدون ؟ بالطبع كلا . (نظرية ) إبن خلدون ساذجة ومتخلفة وغاية في البساطة ... طبقها على بعض النماذج التي كانت سائدة يومذاك دون تعمق كاف ٍ . تكلم عن البداوة والحضارة وأخلاق البدو والحَضر بشكل جيد . وتكلم عن تبدل سمات وأخلاق الحكام كذلك بشكل جيد لكنه أخفق أيما إخفاق في تصوراته عن مصير الدول وأسباب زوالها أو زوال النعمة عنها .
أما الإمبراطورية السوفياتية السابقة فلها ظروفها الخاصة بحيث أنها تقلصت داخل حدود روسيا دون أن تدخل حرباً ومن غير أن تخسر حرباً سوى ما كان يُدعى (( الحرب الباردة ونفقات سباق التسلّح )) . إنهارت هذه الدولة الشاسعة المترامية الأطراف دون أن تبلغ حالة الترف القصوى حسب نظريات إخوان الصفا وإبن خلدون . بالعكس ... قيل في حينه إنها إنهارت ـ بين أسباب كثيرة أخرى ـ بسبب قلة المتوفر من الطعام والملابس والتضييق على حريات المواطنين في التعبير عن الرأي المخالف والسفر . إنها العازة إذا ً وليس الترف ، الجوع وليست التخمة... العازة هي التي أسهمت في تدهور تلك الإمبراطورية الهائلة المساحة والقدرات .
الجفاف كذلك ونقص الغلات الزراعية يا ما تسببا في إنهيار حضارات قديمة كان من بينها بابل . يحضرني مثال طريف من التأريخ القديم إذ ينقلب جوع الشعب بسبب الجفاف لا إلى إندثار الدولة بل إلى تركز السلطة في أيدي حكامها المستبدين ليزدادوا تعسفاً وإستبداداً . أقصد حالة مصر الفرعونية أيام ما كان يوسف بن يعقوب هناك . نعرف قصة الجوع في مصر الذي دام سبع سنوات ٍ عجاف ٍ كما قرأنا في القرآن والتوراة . كيف عالج يوسف وكان مسؤول خزائن مصر تلك الأزمة وكيف حولها من كارثة أحاقت بالشعب المصري إلى نعمة كبرى للفرعون حاكم مصر المستبد ؟ خزّن غلات مصر قبل الجفاف وشرع بعده يببيع الشعبَ ما يحتاج من قمح مقابل الفضة كسلعة للتبادل التجاري . وحين نفدت فضة الناس صار يبيعهم القمحَ مقابل ما يملكون مواشٍ . وحين إستمرَّ الجفافُ وعانى الناس من الجوع أتوا يوسفَ شاكين قائلين ها قد نفد ما معنا من فضة ومواشٍ ونحن لا مَحالةَ هالكون . ثم عرضوا عليه أنفسهم وأراضيهم مقابل قمح يدرأ عنهم غائلة الجوع فقبلَ يوسفُ الصفقة . وهكذا أصبح المصريون عبيدا ً لفرعونَ وأراضيهم أراضيَ له . الجوع والخوف من الموت أجبر البشر على أن يبيعوا أنفسهم ويغدوا عبيداً لحاكمهم المطلق . (5) . مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ (( للمتنبي )) . الشعب يقاسي من محنة الجوع والجفاف والفرعون يزدادُ ثراءً وتصبح كل مصر ملكاً خالصاً له : أرضاً وبشراً وعقاراتٍ وفضة ً . في هذه القصة وجه ٌ آخرُ لا يخلو من طرافة هو أنَّ قدامى المصريين أيام حكم الفراعنة كانوا أسياداً على أراضيهم يفلحونها ويزرعونها بكامل حرياتهم وإختياراتهم ولا سلطانَ لفرعونهم عليهم ، أي ما كانوا مجرد فلاحين لهذا الفرعون كما كان حال فلاحي العراق مثلاً زمن عهود الإقطاع المعروفة . وما كانوا عبيداً يباعون ويشترون مع عوائلهم وما يملكون ( وهم عادة ً لا يملكون شيئا ً من دنياهم ) كما كان الحال في العديد من الأقطار في عهود العبيد الغابرة ومنها روما على سبيل المثال زمان العبد الثائر سبارتاكوس. لكن ... وقد جاء الجفاف وجاء الجوع معه ومع الجوع تأتي الأوبئة هُرعَ الناس في مصر الفرعونية لبيع أنفسهم عبيداً درءاً لخطر الموت ... فالحياة مع العبودية أفضل من الموت جوعاً . تبقى الحياة في العبد لكنها لا تبقى فيه حُرّا ً مع الجوع والمسغبة . تحوّلُ الإنسان من إنسانٍ حرٍ إلى عبد هو بكل تأكيد إنحطاط ونكوص في سُنة وأطوار سلم تطور المجتمعات البشرية المعروف ، لكنه تدهور أو تفسخ أو إنحطاط سببه الجوع لا الترفُ . ثم إنه حفظ الجنس البشري من الإنقراض . إذْ ما أن مات الفرعون ومات يوسفُ مدبّرُ شؤون مملكته أو وزير ماليته وحافظ خزائنه حتى تحرر عبيد مصر وعادوا أسيادَ أراضيهم كما كانوا قبل محنة الجوع والجفاف . أي أنَّ الطبيعة قد إنتصرت وبقي ناموسها حياً يفعل أفعاله خارج نطاق إرادات الحكام والجبابرة .

الموقف الثاني / نساء أخوان الصفا
لهؤلاء الإخوان مواقف جدَّ غريبة من المرأة شذوا فيها حتى عن مواقف أسلافهم الخوارج والقرامطة من بعدهم حيث وضعوا المرأة في مكانها الصحيح فكانت تقاتل معهم ويشركونها في أمورهم . وقد نالت النسوة الخارجات على سلطان بني أمية ما نالت من ظلم وجور زياد إبن أبيه (6) ثم إبنه عبيد الله بن زياد من بعده إذْ قتل الأول منهما إمرأة ً ثم عرّاها ، أما إبنه عبيد الله فقد ظفر بإمرأة تُدعى ( البلجاء ) من جماعة أحد مشاهير زعماء الخوارج يُدعى مرداس بن حُدير أبو بلال (( فقطع يديها ورجليها ورمى بها في السوق )) . كان الخوارج يقدرون المرأة حق َّ قدرها حتى أنهم قد إستعظموا فِعلة مُصعَب بن الزبير إذ أقدم على قتل زوج المختار الثقفي ، بنت النعمان بن بشير الأنصارية ، وأنكروه [[ غاية الإنكار ورأوه قد أتى أمراً عظيما ً إنه أتى ما نهى عنه رسول الله في سائر نساء المشركين ]] (6) فقال في ذلك أحد الشعراء :

إنَّ من أعاظمِ الكبائرِ عندي
قتلُ حسناءَ غادة ٍ عُطبول ِِ

قُتلتْ باطلا ً على غيرِ ذنب ٍ
إنَّ للهِ دَرُّها من قتيل ِ

كٌتبَ القتلُ والقتالُ علينا
وعلى المُحصَّنات ِ جر ُّ الذيول ِ

وضع إخوان الصفا المرأة في مرتبة واحدة مع الأطفال والجهّال وكانوا في الأصل يحضون جماعتهم على العزوف عن الزواج !! غريبٌ أمرهم من رجال مسلمين !! ثم كانوا على وجلٍ منها شديدي الحذر في معاشرتها زوجاً لهم وكثيري الريبة في مسلكها فقالوا في ذلك أموراً لم يقلها أحدٌ لا من قبلُ ولا من بعدُ من قبيل (1ـ1) ما يلي [[ إنَّ الأحب إلينا والآثر عندنا الإنفراد الوحدة ( أي ترك الزواج ) ولكن لا يكادُ يتهيأُ ذلك لجميع إخواننا ولا نأمرهم به أيضاً لئلا ينقطع الحرث ُ والنسلُ . فإذا تزوجتَ فعليكَ بتفقد المرأة دائما ً فإنها تتلون مع الساعات . وراقبها من غير أنْ تشعر هي بذلك . ولا تغترّ بها إذا بدا لك منها صلاح ٌ حقيقي ٌّ ، فإنَّ تقلبها كثير ٌ وفسادها سهل ٌ إلا من عصمها اللهُ تعالى وقليلٌ مت هم ]] . هل حقاً هذا كلام صادر عن رجال يدعون العلم ويتكلمون في الفلسفة والمنطق وأمرهم بينهم شورى أي كانوا يأخذون بمبدأ العمل الجماعي أو فريق العمل الجماعي ؟! ما سبب هذا الحذر من المرأة وما كان يدعوهم لمراقبتها أي التجسس عليها
(( وراقبها من غير أنْ تشعر هي بذلك )) !! هل سألوا أنفسهم عن مدعاة وعن أسباب تلوّنها كما كانوا يزعمون ؟ هم بحثوا في مبدأ العلة والمعلول والسبب والنتيجة فكيف فاتهم أمر تفسير ما زعموا من سرعة تقلب أو تلون المرأة ؟ وأي زواج هذا الذي لا يقوم إلا على الشك والريبة وأنْ يكون الزوجُ شرَطي َ أمن ٍ وعنصر مخابرات يراقب زوجه وأم أولاده سراً ليلاً ونهاراً ؟ (( إنها تتلون مع الساعات ... تقلبها كثير ... وفسادها سهل ... )) !! التلوّن التقلب والفساد !! ألا قبحكم الله من إخوة تناديتم لا على صلاح الأمة بل إجتمعتم على فسادها والإخلال بنواميسها الطبيعية فأي بشر أنتم وبمن تشبّهتم ومن كان في ذلك مثلكم وإمامكم ؟ خالفتم السَلف وخالفتم الخلف فبئس الرجال أنتم ... تصافيتم فيما بينكم لكنكم أفسدتم شؤون غيركم وخالفتم دينكم وعادات ملتكم وإعتبارات قومكم .
أين وضع المرأة َ إخوانُ الصفا ؟ لنقرأ ما قالوا بهذا الصدد [[ ... وإعلمْ يا أخي أنَّ هذا الرأي والإعتقاد جيد ٌ للنساء والصبيان والجُهال والعوام ومن لا ينظر في حقائق العلوم ولا يعرفها ... ثم إعلمْ أنَّ الناسَ على طبقات ٍ كثيرة ٍ ... فمنهم العامة من النساء والصبيان والجُهّال ، ومنهم الخاصة من العلماء والحكماء البالغين فيها الراسخين ، ومنهم متوسطون بين ذلك ]] .
لو كانوا سكتوا ولم يتطرقوا لموضوع المرأة لكان خيراً لنا ولهم ولزينة الحياة الدنيا : المرأة ... الأم ... الأخت ... الزوج ... البنت ريحانة الوجود.
يقال عنهم إنهم كانوا إسماعيليين ، لكن َّ الكل يعرف أنَّ الدروز إسماعيليون وأنَّ الطائفة الدرزية تحترم المرأة إلى حدود بعيدة فما بالهم شذوا شذوذاً كبيراً عن أخلاق وتقاليد أصولهم ورفاقهم في العقيدة
والمعتقد ؟ أكان جو البصرة الإجتماعي يومذاك هو ما أوحى لهم بمثل هذه الأفكار والمواقف من المرأة ؟ إنهم عاصروا القرامطة والكوفة إحدى عواصمهم وكان وضع المرأة القرمطية في أحسن حال كما نقرأ في تأريخهم . أفلم يقرأوا ما كتب التأريخ عن نساء ملكات منذ الزمن القديم حيث ملكت بلقيس( أو كنداكة بالحبشية ) مملكة سبأ و ملكت كيلوباترا مصر الفرعونية وقادت الجيوش ضد روما ثم الزبّاء أو زنوبيا ملكة تدمر التي كانت هي الأخرى ملكة مقاتلة شجاعة ؟؟ هم قرأوا بكل تأكيد تأريخ الخنساء الشاعرة أخت صخر وعرفوا السيدة زينب بنت علي ٍّ وشجاعتها في وقوفها بوجه يزيد بن معاوية في دمسق بعد فاجعة مقتل أخيها الحُسين في كربلاء . أليست الخنساء وزينب من النساء ؟
المصادر /
1ـ الدكتور عمر فرّوخ / إخوان الصفا . دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الثالثة 1981 . الصفحة 171 .
2ـ مقدمة إبن خلدون / دار العودة ، بيروت 1981 .
2ـ1 / صفحة 132
2ـ2 / صفحة 134
2ـ3 / صفحة 138
3ـ القرآن / سورة الإسراء ، الآية 16
4ـ المسعودي / مروج الذهب ومعادن الجوهر / دار الأندلس ، بيروت ، الطبعة الرابعة 1981 ، الجزء الثالث ، الصفحة 298
5ـ التوراة / قصة يوسف في فصل " التكوين " / الإصحاحان 47 و 48 ، الصفحات 80 ـ 77
1ـ1 / كتاب إخوان الصفا مار الذكر / الصفحة 140 6ـ الكامل في اللغة والأدب / للمبرّد / مكتبة المعارف ، بيروت ، الجزء الثاني { بدون تأريخ }، الصفحات 182 ـ 180 .