محمد علي سعيد
- طمره
الطفولة مرحلة البراءة في عمر الإنسان... براءة صادقة ودافئة الألوان وعميقة الصدى وأسطورية الجمال. وبعيدة الخيال.. ونظامها فوضى جميلة. وعفويتها خلاقة.
وكل طفل فيها شاعر مطبوع..(تولستوي) يمتطي العصا حصانا ويتمطى فوق السحابة فراشا أبيض.. ويختبئ تحت جناح الدوري ليخبئ ارتباكه في ظل الغيمة.. ويسافر في بحر خياله ليجمع النجوم حبات أرز في صحن القمر.. متناصا مع شاعرنا ابن الصف الثامن الذي وقف على المنصة في احتفال المدرسة في عيد الاستقلال.. وقال: " لماذا يا أبي، يعتقد الفقراء بأن القمر رغيف خبز والنجوم حبات أرز" وكان أول اعتقال له.. وصاح المختار: خرّبت بيتنا .
الأطفال هم الملائكة الصغار وهم عصافير الجنة.. عالمهم يختلف عن عالمنا نحن الكبار.
هم يحلمون لأنفسهم.. ونحن نحلم لأنفسنا ولهم من خلال أنفسنا. نحن نبادر لنكتب لهم أو عنهم.. أو لهم وعنهم في آن واحد..
ولماذا نكتب؟ هل نكتب لتشكيل شخصيتهم وبلورتها بالتصريح المباشر أم بالتلميح، وفقط لنساعدهم..
وما المانع في أن تكون كتابة الكبار هي للكبار أيضا، فهي تساهم في بلورة شخصيتهم من خلال التعويض النفسي والتطهر النفسي/ الكاتارازس.
تطور مفهوم الطفولة من النقيض إلى النقيض حتى جاءت الباحثة السويدية آللن ووصفت القرن العشرين بعصر الطفل. والسويد جنة عدن للأطفال.. وكان قد سبقها جان جاك روسو بصرخته المشهورة "أعرفوا الأطفال".. وتغيرت النظرة وتغير التعامل مع الطفولة.. بعد أن اعتبرها القديس أوغسطين وعاء للخطيئة.. وبوسي ماثلها بحياة الحيوان.. وأرسطو اعتبرها مستودعا للنفس الشهوانية.. صورة سلبية للبالغ.. وديكارت خجل من طفولته واعتبرها تجربة ضلال.. وفي القرن الثامن عشر رأوا بالطفولة الرجل الصغير.. وجاء جان بياجيه واعتبرها كائنا في صيرورة بلوغ.. وجاءت الدراسات الحديثة لتؤكد على وجود موهبة طفولية خلاقة.. فاللساني تروبتسكوي أكد على أن النضج الطفولي المستجيب للمنظومة الثقافية والبيئة الاجتماعية، ليست إلا نوعا من الإنحطاط قياسا إلى القدرة العفوية التي يولد بها الطفل.
وقال بودلير " إن العبقرية ما هي إلا العودة الإرادية إلى الطفولة"
وقال الرسام بيكاسو " لقد قضيت خمسين عاما من عمري لأتعلم الرسم كالأطفال.. هل عادت إليّ الطفولة أم عدت إليها"
الكبار والأطفال عالمان مختلفان.. حلمان مختلفان ..
أين يحدث التعايش الجميل بينهما.. بين جمالية الأسطورة الطفل العفوية والخلاقة والطليقة والصادقة وبين الكبار المقيدة بالمنطق وبالتعويض النفسي والمثاليات والمجاملات ومركبات الهوية.
يستجدي الكبير طفله ليقرأ : إقرأ يا حبيبي هذا الكتاب الرائع، لقد أعجبني جدا جدا، حين قرأته وكنت في مثل عمرك.
ويقرأ الطفل صفحة وصفحتين وقبل أن يصل الخامسة يرميه.. وينام..
ويستغرق في حلمه ويصرخ بصوت غير مسموع " دعوني أحب ما أريد.. ومتى أريد؟
دعوني أضحك وأبكي متى أشاء ومما أشاء وأين أشاء؟
دعوني أشاء ما أشاء .. وأرى وأحلم ما أريد... فأنا طفل فريد
دعوني أكون أنا ولا أكون أنتم .. أنا أساوي أنا.. وأنا لا أساوي أنتم
لماذا تصادرون طفولتي المستقلة والمغردة خارج سرب منطقكم.. وتقترحون طفولة بديلة هي في الحقيقة واقع طفولتكم أو مجازها
كلّ ذي شأ، كبير كان من قبل صغيرا
فاحترم كلّ صغير إن للدهر ضميرا
دعوني أتسفع بهذه الفوضى المنظمة والخلاقة من التأملات المسموعة تحت شمس الأسئلة، التي تنقض على السائل.قبل المسئول .. وأعدكم أن لا أحترق.. وأعدكم أن لا أكتب أدب الأطفال إلا إذا أجبت عن الأسئلة بدرجة عالية.
* من نص الكلمة التي ألقاها الكاتب محمد علي سعيد (المحرر الأدبي لصحيفة مع الحدث) في مؤتمرأجناس أدب الأطفال – إعداد المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في بيت بيرل الذي يديره بروفيسور لطفي منصور، وقد أشرف أحمد عازم مدير مركز كامل كيلاني لأدب الأطفال في المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في بيت بيرل على اليوم الدراسي الذي شارك فيه أدباء الأطفال نادر أبو تامر و نبيهة جبارين و حياة أبو شميس والدكتور رافع يحيى والدكتور بطرس دلة وذلك يوم الإثنين 12-5-08.
الطفولة مرحلة البراءة في عمر الإنسان... براءة صادقة ودافئة الألوان وعميقة الصدى وأسطورية الجمال. وبعيدة الخيال.. ونظامها فوضى جميلة. وعفويتها خلاقة.
وكل طفل فيها شاعر مطبوع..(تولستوي) يمتطي العصا حصانا ويتمطى فوق السحابة فراشا أبيض.. ويختبئ تحت جناح الدوري ليخبئ ارتباكه في ظل الغيمة.. ويسافر في بحر خياله ليجمع النجوم حبات أرز في صحن القمر.. متناصا مع شاعرنا ابن الصف الثامن الذي وقف على المنصة في احتفال المدرسة في عيد الاستقلال.. وقال: " لماذا يا أبي، يعتقد الفقراء بأن القمر رغيف خبز والنجوم حبات أرز" وكان أول اعتقال له.. وصاح المختار: خرّبت بيتنا .
الأطفال هم الملائكة الصغار وهم عصافير الجنة.. عالمهم يختلف عن عالمنا نحن الكبار.
هم يحلمون لأنفسهم.. ونحن نحلم لأنفسنا ولهم من خلال أنفسنا. نحن نبادر لنكتب لهم أو عنهم.. أو لهم وعنهم في آن واحد..
ولماذا نكتب؟ هل نكتب لتشكيل شخصيتهم وبلورتها بالتصريح المباشر أم بالتلميح، وفقط لنساعدهم..
وما المانع في أن تكون كتابة الكبار هي للكبار أيضا، فهي تساهم في بلورة شخصيتهم من خلال التعويض النفسي والتطهر النفسي/ الكاتارازس.
تطور مفهوم الطفولة من النقيض إلى النقيض حتى جاءت الباحثة السويدية آللن ووصفت القرن العشرين بعصر الطفل. والسويد جنة عدن للأطفال.. وكان قد سبقها جان جاك روسو بصرخته المشهورة "أعرفوا الأطفال".. وتغيرت النظرة وتغير التعامل مع الطفولة.. بعد أن اعتبرها القديس أوغسطين وعاء للخطيئة.. وبوسي ماثلها بحياة الحيوان.. وأرسطو اعتبرها مستودعا للنفس الشهوانية.. صورة سلبية للبالغ.. وديكارت خجل من طفولته واعتبرها تجربة ضلال.. وفي القرن الثامن عشر رأوا بالطفولة الرجل الصغير.. وجاء جان بياجيه واعتبرها كائنا في صيرورة بلوغ.. وجاءت الدراسات الحديثة لتؤكد على وجود موهبة طفولية خلاقة.. فاللساني تروبتسكوي أكد على أن النضج الطفولي المستجيب للمنظومة الثقافية والبيئة الاجتماعية، ليست إلا نوعا من الإنحطاط قياسا إلى القدرة العفوية التي يولد بها الطفل.
وقال بودلير " إن العبقرية ما هي إلا العودة الإرادية إلى الطفولة"
وقال الرسام بيكاسو " لقد قضيت خمسين عاما من عمري لأتعلم الرسم كالأطفال.. هل عادت إليّ الطفولة أم عدت إليها"
الكبار والأطفال عالمان مختلفان.. حلمان مختلفان ..
أين يحدث التعايش الجميل بينهما.. بين جمالية الأسطورة الطفل العفوية والخلاقة والطليقة والصادقة وبين الكبار المقيدة بالمنطق وبالتعويض النفسي والمثاليات والمجاملات ومركبات الهوية.
يستجدي الكبير طفله ليقرأ : إقرأ يا حبيبي هذا الكتاب الرائع، لقد أعجبني جدا جدا، حين قرأته وكنت في مثل عمرك.
ويقرأ الطفل صفحة وصفحتين وقبل أن يصل الخامسة يرميه.. وينام..
ويستغرق في حلمه ويصرخ بصوت غير مسموع " دعوني أحب ما أريد.. ومتى أريد؟
دعوني أضحك وأبكي متى أشاء ومما أشاء وأين أشاء؟
دعوني أشاء ما أشاء .. وأرى وأحلم ما أريد... فأنا طفل فريد
دعوني أكون أنا ولا أكون أنتم .. أنا أساوي أنا.. وأنا لا أساوي أنتم
لماذا تصادرون طفولتي المستقلة والمغردة خارج سرب منطقكم.. وتقترحون طفولة بديلة هي في الحقيقة واقع طفولتكم أو مجازها
كلّ ذي شأ، كبير كان من قبل صغيرا
فاحترم كلّ صغير إن للدهر ضميرا
دعوني أتسفع بهذه الفوضى المنظمة والخلاقة من التأملات المسموعة تحت شمس الأسئلة، التي تنقض على السائل.قبل المسئول .. وأعدكم أن لا أحترق.. وأعدكم أن لا أكتب أدب الأطفال إلا إذا أجبت عن الأسئلة بدرجة عالية.
* من نص الكلمة التي ألقاها الكاتب محمد علي سعيد (المحرر الأدبي لصحيفة مع الحدث) في مؤتمرأجناس أدب الأطفال – إعداد المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في بيت بيرل الذي يديره بروفيسور لطفي منصور، وقد أشرف أحمد عازم مدير مركز كامل كيلاني لأدب الأطفال في المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في بيت بيرل على اليوم الدراسي الذي شارك فيه أدباء الأطفال نادر أبو تامر و نبيهة جبارين و حياة أبو شميس والدكتور رافع يحيى والدكتور بطرس دلة وذلك يوم الإثنين 12-5-08.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق