نادر أبو تامر
1 –
كنت أحبه كثيرا. وما زاد حبي له هو أستاذ عماد معلم الموضوع الذي كان يضحك معنا ويروي لنا قصصا كثيرة جعلتنا نحب الدرس. وخصوصا أنه كان في كلّ مرة يدخل إلى الصف وهو يحمل مجسم الكرة الأرضية. ويطلعنا على البحار والمحيطات والتلال والجبال.
2 –
لكن ما حدث في الدرس الأخير لن أنساه إلى آخر يوم في حياتي. فقد دخل أستاذ عماد إلى الصف بدون مجسم الكرة الأرضية. فقلت في نفسي إنه سوف يروي لنا الكثير من القصص اليوم. لكنني كنت خائفا.
3-
وارتجفت فعلا عندما رفع صوته باتجاهي قائلا: "لؤي! إذهب إلى غرفة المديرة دلال وأحضر الكرة الرضية!".
- نعم يا أستاذ.
- أقصد، أحضر مجسم الكرة الأرضية.
- حاضر.
4-
كنت أحب أرضية البلاط بين صفي وغرفة المدير. ركضت قليلا ثم تزلجت على البلاط وكأنني على أتزلج على الجليد. نظرت إلى الخلف فرأيت التلم الذي حفرته في الغبار على البلاط. وعندما وصلت إلى غرفة المديرة دلال. قرعت الباب ولم أسمع إجابة. فتحت الباب قليلا. لم يكن مقفلا. لكنني ترددت في الدخول.
5-
عندما عدت إلى غرفة الصف، سألني أستاذ عماد؟
- هل زرت القطب الشمالي.
- لا.
- ترغب في زيارته؟
- لا أدري.
- ولماذا كنت تتزلج على البلاط..
لم أعرف ماذا أقول..
6-
وواصل أستاذ عماد:
- إذا كنت ترغب في التزلج على الجليد، فابحث عن مكان آخر سوى المدرسة...
فضحك بعض الطلاب، وخصوصا لمى التي تنافسني على المرتبة الأولى في الصف.
كانت كلمات أستاذ عماد تمزق قلبي وروحي. تألمت من كلماته الحادة ولهجته الساخرة. وأسفت بيني وبين نفسي على ما فعلت. ثم أمرني:
- إجلس مكانك.
7-
جلست مكاني. إلى جانب الطاولة الأولى وأنا اسأل نفسي لماذا قمت بهذه الفعلة؟ لماذا تزلجت على البلاط؟
وفجأة، اقترب أستاذ عماد مني وقال:
- وهل نسيت أن تحضر مجسم الكرة الأرضية؟
- لا.
- إذن، لماذا لم تحضره؟
- لأن المديرة دلال ليست في الغرفة.
- لكنك فتحت الباب. هل فتحت الباب بدون إذن؟
انكمشت في مكاني والتصقت بظهر الكرسي الذي أجلس عليه من شدة الخجل. وكانت لمى تنظر إليّ وكأنها تقول لي:
- أنت لست على مستوى التنافس معي.
8-
وبينما كنت أفكر بردود فعل طلاب الصف على تصرفاتي، وضع أستاذ عماد يده على رأسي ولفه باتجاه الطلاب الذين يجلسون خلفي. وقال:
- لؤي رأسه مدوّر، يشبه الكرة الأرضية. تعالوا أشرح لكم اليوم درسا عن الغابات...
امسك خصلة من شعري وشدّها إلى أعلى وقال: الغابات قد تكون خضراء وقد... ثم بدأ يشرح عن المحيطات...
9-
نظرت إليّ لمى ساخرة ووجهت كلامها إلى الأستاذ:
- أستاذ عماد، بالنسبة للدرس السابق عن جبال الألب، لم أفهم ما هو شكلها؟
تأمل الأستاذ راسي ثم وجهي، ويبدو أنه وصل إلى أنفي وأجابها:
- هل ترين أنف لؤي. جبال الألب لها نفس الشكل تقريبا..
وعندها شعرت بغضب شديد وكدت أغادر الصف.
10-
وقبل أن يعيد راسي إلى مكانه عاد يتحدث إلى لمى وقال لها:
أنظري يا لمى... المشكلة على الجبال هي البرد القارس في ساعات الليل. فإذا سافرت إلى هناك. عليك أن تأخذي ملابس دافئة.
11-
وإذا لم آخذ ملابس دافئة يا أستاذ؟
أشار أستاذ عماد بأصابعه إلى فتحتي أنفي وقال لها:
إذا لم تأخذي ملابس دافئة، فيجب أن تختبئي من البرد في مغارة.
ضحك الطلاب طوال دقائق عليّ. وكانت أعلى ضحكة هي ضحكة لمى.
ومنذ ذلك اليوم لم أعد أحب درس الجغرافية.
موقع نادر أبو تامر
1 –
كنت أحبه كثيرا. وما زاد حبي له هو أستاذ عماد معلم الموضوع الذي كان يضحك معنا ويروي لنا قصصا كثيرة جعلتنا نحب الدرس. وخصوصا أنه كان في كلّ مرة يدخل إلى الصف وهو يحمل مجسم الكرة الأرضية. ويطلعنا على البحار والمحيطات والتلال والجبال.
2 –
لكن ما حدث في الدرس الأخير لن أنساه إلى آخر يوم في حياتي. فقد دخل أستاذ عماد إلى الصف بدون مجسم الكرة الأرضية. فقلت في نفسي إنه سوف يروي لنا الكثير من القصص اليوم. لكنني كنت خائفا.
3-
وارتجفت فعلا عندما رفع صوته باتجاهي قائلا: "لؤي! إذهب إلى غرفة المديرة دلال وأحضر الكرة الرضية!".
- نعم يا أستاذ.
- أقصد، أحضر مجسم الكرة الأرضية.
- حاضر.
4-
كنت أحب أرضية البلاط بين صفي وغرفة المدير. ركضت قليلا ثم تزلجت على البلاط وكأنني على أتزلج على الجليد. نظرت إلى الخلف فرأيت التلم الذي حفرته في الغبار على البلاط. وعندما وصلت إلى غرفة المديرة دلال. قرعت الباب ولم أسمع إجابة. فتحت الباب قليلا. لم يكن مقفلا. لكنني ترددت في الدخول.
5-
عندما عدت إلى غرفة الصف، سألني أستاذ عماد؟
- هل زرت القطب الشمالي.
- لا.
- ترغب في زيارته؟
- لا أدري.
- ولماذا كنت تتزلج على البلاط..
لم أعرف ماذا أقول..
6-
وواصل أستاذ عماد:
- إذا كنت ترغب في التزلج على الجليد، فابحث عن مكان آخر سوى المدرسة...
فضحك بعض الطلاب، وخصوصا لمى التي تنافسني على المرتبة الأولى في الصف.
كانت كلمات أستاذ عماد تمزق قلبي وروحي. تألمت من كلماته الحادة ولهجته الساخرة. وأسفت بيني وبين نفسي على ما فعلت. ثم أمرني:
- إجلس مكانك.
7-
جلست مكاني. إلى جانب الطاولة الأولى وأنا اسأل نفسي لماذا قمت بهذه الفعلة؟ لماذا تزلجت على البلاط؟
وفجأة، اقترب أستاذ عماد مني وقال:
- وهل نسيت أن تحضر مجسم الكرة الأرضية؟
- لا.
- إذن، لماذا لم تحضره؟
- لأن المديرة دلال ليست في الغرفة.
- لكنك فتحت الباب. هل فتحت الباب بدون إذن؟
انكمشت في مكاني والتصقت بظهر الكرسي الذي أجلس عليه من شدة الخجل. وكانت لمى تنظر إليّ وكأنها تقول لي:
- أنت لست على مستوى التنافس معي.
8-
وبينما كنت أفكر بردود فعل طلاب الصف على تصرفاتي، وضع أستاذ عماد يده على رأسي ولفه باتجاه الطلاب الذين يجلسون خلفي. وقال:
- لؤي رأسه مدوّر، يشبه الكرة الأرضية. تعالوا أشرح لكم اليوم درسا عن الغابات...
امسك خصلة من شعري وشدّها إلى أعلى وقال: الغابات قد تكون خضراء وقد... ثم بدأ يشرح عن المحيطات...
9-
نظرت إليّ لمى ساخرة ووجهت كلامها إلى الأستاذ:
- أستاذ عماد، بالنسبة للدرس السابق عن جبال الألب، لم أفهم ما هو شكلها؟
تأمل الأستاذ راسي ثم وجهي، ويبدو أنه وصل إلى أنفي وأجابها:
- هل ترين أنف لؤي. جبال الألب لها نفس الشكل تقريبا..
وعندها شعرت بغضب شديد وكدت أغادر الصف.
10-
وقبل أن يعيد راسي إلى مكانه عاد يتحدث إلى لمى وقال لها:
أنظري يا لمى... المشكلة على الجبال هي البرد القارس في ساعات الليل. فإذا سافرت إلى هناك. عليك أن تأخذي ملابس دافئة.
11-
وإذا لم آخذ ملابس دافئة يا أستاذ؟
أشار أستاذ عماد بأصابعه إلى فتحتي أنفي وقال لها:
إذا لم تأخذي ملابس دافئة، فيجب أن تختبئي من البرد في مغارة.
ضحك الطلاب طوال دقائق عليّ. وكانت أعلى ضحكة هي ضحكة لمى.
ومنذ ذلك اليوم لم أعد أحب درس الجغرافية.
موقع نادر أبو تامر
للمراسلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق