‏إظهار الرسائل ذات التسميات هدلا القصار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هدلا القصار. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، أغسطس 31، 2009

رَغَبـَات النُّبـُُوْءَة

هدلا القصار


(1)
اِكْتَمَلَتْ عُذْرِيَّتِي وَلَمْ تَكْتَمِلَ النُّبُوْءَة
فِي عُتْمَةِ وُضُوْحِ الغَيْمَة
الّتِيْ تُظَلِّلُ بُؤْرَةَ العَيْنِ
(2)
قَيْدُ اللَّحْظَةْ !!!
ثِمَةُ رَغْبَةٍ مُوْجِعَةٍ
تُوْمِضُ بِآْثَارِهَا بَيْنَ ما
يَصْعِدُنِي
يَهْبِطُنِي
فِيْ قَلْبِ اللاّوَعْي
كَالْفِكْرَةِ المُحَبَّبَةِ
(3)
وثِمَةُ حَشْدٍ مِنَ المَلائِكَةِ المُجَنَّحَةِ
مُسَرْبِلَةً بِالحَجْبِ
تَتَبَرَّجُ بِالفَحْمِ الأزْرَقْ
تَهْبِطُ عَلَى قَافِلَةِ أفكاري
وبِيَقِيْنٍ!! تَحْمِلَ أَلْفَ مَارِدٍ
بِلاْ أَسْمَاءْ
بِلا أَشْكَالْ
دَاخِلَ سُؤَالٍ يَطْلُبَ البَصَر
مِنْ لُعَابِ النَّصْ
(4)
لتَوهّجَ حُرُوفَ النُّبُوءّة
مِنْ سُلالةِ الكَلِمَاتْ
وَنَوْبَاتِ جُنُونِ الرُّوْحْ
فِي قَلْبِ الخُلْجَاتِ الغَافِيَةِ
وقَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ فِي عَرْشِهَا
تَرْتَجِفَ...
تَبْكِيَ...
تَقْتُلَ....
وُلاَ تَبُوْحَ ...
تُغَادِرَنِي
تُغَادِرَ
سرُّ الأصابِع وَالقَوَافِي العَنِيْدَة
وَلاَ تَبُوْحَ
(5)
والنَظَرَاتُ الرَطِبَة !!
تَركَت الصّوْتُ فِي بَحَّةِ الطُيُور
وترياق الحَنِيْنْ فِي المَهْدِ
تَعْصِفَ بَعِيْدِةً عَنْ هَنْدَسَةِ الآَلِهَةِ
لأقَنِع المَعْنَى فَي حِجَابِ الاكْتِمَال
وَأُهَدْهِدهُ فَوْقَ الصَلاة
(6)
رَبَّمَا كَانَ يَجِبْ أنْ أَعُوُدَ إِلَيْ
وَانْفَض بَكَارَة الوَقْت
اهْمِس
وَأَطُوْف
فَوْقَ سَبْعَةِ كَلِمَاتٍ
قَبْلَ بُزُوغَ الفَجْرِ
لتَكْتَمِل النُّبُوءَة..... كَمَا أُرِيْد
(7)
ربما كَانَ يَجِبْ
أَنْ أَتَمَسَّكَ بِمُصْحَفِي وَصَلِيْبِي
وَأَنَفُض الأَرْوَاحُ مِنْ اِهتِزَازِ الجَسَدْ
وَاَخْتَرِع مَسَاحَة اَمْسِكَ بِهَا
صَوُتِي
اِسْمِي
وَمَا تَبَقَّى مِنِّي
لاَقِفَ عِنْدَ بَوَّابَةِ الشِّعْرِ
فِي لُجَّةِ الاِكْتِمَالِ

السبت، مارس 14، 2009

انتصاب الرؤية

هدلا القصار
كاتبة وشاعرة لبنان


أيها الصديق الآتي من حبر القلم

فلتعذر شهقتي

حين تمارستني مشنقة الرؤية

من زوايا الهمس

لإفرازات الزمان

وبراري النداء

القادم من الجماجم المجهزة

لدفن عذابات الوتر

المخمر بالأحلام


أيها الآتي على سفوح أصابعي

كعابر سبيل مبلل برغبات النبيذ

ولحظات الرجفة المهزومة

على جسد يهرب من نظرات مشارب الأمكنة

فلتعذر الماضي إذ لم يدق باب الواقع

لرياحك الدافئة بانفعالاتك

وكبرياء غضبك

لأخرج من قطرات النبض

وانفض عنك خجل الشتاء

وغبار صحرائك

من صيف قد لالالالا يعود


أيها الطائر الوليف

أتوق إلى من يمسك يد الحلم

ويدخلني رغبة الحياة

يرشدني إلى الدرب المجهول

حين تصرخ الأوتار التي لا صوت لها

قبل تخترق أصابع الأمطار آثاري

فخذ بيدي لأنهي شعلة ابتكار الحلم

بلغة اليقين

وترطيب جرح الوريد

حين أترك راسي بين الكتفين

لتهدأ الأجساد في مكانها

قبل أن نعود إلى الطرقات المالحة

ونترجم السر بأقلام القهر

المخصب داخل الحروف

حين تشتعل قناديل الليل

بانتظار خروج الروح

من خلف القضبان الباردة

لنطلق ورقة فالنتين

التي مزقتها مرارة الصمت

على تسكع الوهم

"لعرس بلا رقص"

انتصاب الرؤية

هدلا القصار
كاتبة وشاعرة لبنان


أيها الصديق الآتي من حبر القلم

فلتعذر شهقتي

حين تمارستني مشنقة الرؤية

من زوايا الهمس

لإفرازات الزمان

وبراري النداء

القادم من الجماجم المجهزة

لدفن عذابات الوتر

المخمر بالأحلام


أيها الآتي على سفوح أصابعي

كعابر سبيل مبلل برغبات النبيذ

ولحظات الرجفة المهزومة

على جسد يهرب من نظرات مشارب الأمكنة

فلتعذر الماضي إذ لم يدق باب الواقع

لرياحك الدافئة بانفعالاتك

وكبرياء غضبك

لأخرج من قطرات النبض

وانفض عنك خجل الشتاء

وغبار صحرائك

من صيف قد لالالالا يعود


أيها الطائر الوليف

أتوق إلى من يمسك يد الحلم

ويدخلني رغبة الحياة

يرشدني إلى الدرب المجهول

حين تصرخ الأوتار التي لا صوت لها

قبل تخترق أصابع الأمطار آثاري

فخذ بيدي لأنهي شعلة ابتكار الحلم

بلغة اليقين

وترطيب جرح الوريد

حين أترك راسي بين الكتفين

لتهدأ الأجساد في مكانها

قبل أن نعود إلى الطرقات المالحة

ونترجم السر بأقلام القهر

المخصب داخل الحروف

حين تشتعل قناديل الليل

بانتظار خروج الروح

من خلف القضبان الباردة

لنطلق ورقة فالنتين

التي مزقتها مرارة الصمت

على تسكع الوهم

"لعرس بلا رقص"

انتصاب الرؤية

هدلا القصار
كاتبة وشاعرة لبنان


أيها الصديق الآتي من حبر القلم

فلتعذر شهقتي

حين تمارستني مشنقة الرؤية

من زوايا الهمس

لإفرازات الزمان

وبراري النداء

القادم من الجماجم المجهزة

لدفن عذابات الوتر

المخمر بالأحلام


أيها الآتي على سفوح أصابعي

كعابر سبيل مبلل برغبات النبيذ

ولحظات الرجفة المهزومة

على جسد يهرب من نظرات مشارب الأمكنة

فلتعذر الماضي إذ لم يدق باب الواقع

لرياحك الدافئة بانفعالاتك

وكبرياء غضبك

لأخرج من قطرات النبض

وانفض عنك خجل الشتاء

وغبار صحرائك

من صيف قد لالالالا يعود


أيها الطائر الوليف

أتوق إلى من يمسك يد الحلم

ويدخلني رغبة الحياة

يرشدني إلى الدرب المجهول

حين تصرخ الأوتار التي لا صوت لها

قبل تخترق أصابع الأمطار آثاري

فخذ بيدي لأنهي شعلة ابتكار الحلم

بلغة اليقين

وترطيب جرح الوريد

حين أترك راسي بين الكتفين

لتهدأ الأجساد في مكانها

قبل أن نعود إلى الطرقات المالحة

ونترجم السر بأقلام القهر

المخصب داخل الحروف

حين تشتعل قناديل الليل

بانتظار خروج الروح

من خلف القضبان الباردة

لنطلق ورقة فالنتين

التي مزقتها مرارة الصمت

على تسكع الوهم

"لعرس بلا رقص"

الاثنين، ديسمبر 01، 2008

المرأة والرجل -2

عبد الكريم عليان/ هدلا القصــــار
نداء ـ المرأة المزواجة
هدلا القصار :
هل ننصف النساء في تعدد الأزواج بعد كل طلاق وتبادل الأدوار؟؟
قد يكون الكلام قاسيا في البداية، لكنه يحمل بين طياته سطور الصدق الذي سنكتشفه، فكلما اقتربنا من حياة الأزواج، كلما اكتشفنا أنه ما زال غير مكتمل النمو والنضج الاجتماعي والنفسي، وكلما قلّ التفاهم بين الزوجين، كلما تفاقمت الخلافات بينهما، مما ينتاب كلا الطرفين انه بحاجة إلى تجربة ثانية وثالثة ورابعة، وكثيرا ما نقرأ أو نسمع من الزوج شكواه ومبرراته وأسبابه، منها: إهمال الزوجة، كثرة متطلباتها، أمراضها، التقصير في واجباتها المنزلية، عدم الاهتمام بمظهرها، فقدان لغة الحوار، سيطرة الزوجة على الزوج، تبادل الأدوار والشخصيات، عدم التكافؤ، فقدان الثقافة الأسرية والاجتماعية، عدم احترام الزوج، عدم الاكتراث به، تجاهل متطلباته، وو... الخ، لكن المجتمع لا يكترث لشكوى الزوجة، ولا يطلب التوضيح لأسبابها ودوافعها وأخذها بعين الاعتبار، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.
من هذه البداية الساخنة نتطرق اليوم بإيجاز عن أسباب وتكرار الزواج عند النساء بعد الطلاق، أو الترمل، هذا الموضوع الذي لم ينفرد به الإعلام على نطاق واسع، ولم ينل أيُّ اهتمام في مجتمعنا الذكوري، كما وأنه لم يتطرق أحد للظروف الإنسانية والنفسية والمرضية والاجتماعية المصاحبة لحالات الطلاق المتصدعة التي تدخل بطريقة أو بأخرى في مبررات تكرار الزواج، وصارت حالات الطلاق التي أصبحت في هذا الزمن خبر روتيني بـارد في مجتمع ذكوري لا يتعاطف مع نساء لا ينصفهن الحظ في اختيار الزوج المناسب ؟ ولم يسال أحد: لماذا تنتهي حياة الزوجات خاصة والأزواج عامة بالطلاق وإعادة التجربة بعد كل فشل، كما وأنه لم يتساءل الزوج الذي يريد الارتباط بمطلقة يوما، أو يبحث عن الدوافع والأسباب التي قد تكون معنوية، أو إنسانية، أو عقائدية مما تؤدي إلى هذا الفشل، ولو من باب حرص الزوج لتلافي أو لمحاولة إصلاح وحل المشكلة قبل أن تتكرر تجربة من سبقه من الأزواج ؟ وليحصر لنا أو نحصر معه مبررات الزوجة وأسبابها الكامنة، والتي تدخل الزوجة بعد فترة من الارتباط بمشكلات لا حصر لها . ولا أنكر أن هناك بعض النساء لا يكتفين بتجربة واحدة بعد كل طلاق أو ترمل، بل لديهن استعدادا تاما لخوض التجربة أكثر من مرة كالـسيدة (نــداء)، وربما نداء لا تستطيع الاستغناء عن وجود رجل في حياتها، ولا ضير في ذلك، لكن هل نتلمس لها العذر ونتفهم ظروف ودوافع هذه السيدة؟ وإذ كان يمكننا الدخول إلى عمق تجاربها المتكررة ومبرراتها التي دفعتها للتنقل من زوج إلى آخر؟! فربما تكون) نــداء( بحاجة إلى طبيب أو معالجة خاصة ؟ أو أنها ما تزال بحاجة إلى إشباع عواطفها وشعورها بأنها ما زالت مرغوبة من الجنس الآخر ؟؟ وهذا احتمال.
(نـداء) التي طلقت من ثلاثة أزواج بعد طلاقها من الزوج الأول الذي كان يكبرها بعدة سنوات وكانت ثمرة ذلك الزواج أربعة أبناء، منذ ذلك الوقت وهي ما زالت تبحث حتى الآن عن الرجل الآخر الذي ينسجم مع رغباتها بالحب الرومانسي الجامح في عشقه لها. لم تجد (نـداء) هذه التركيبة الفطرية المنقرضة في مجتمع تسيطر عليه الخشونة، إلا من الأشهر الأولى للزواج كل مرة، وهذه الفترة هي بالأصل دائما منبع الحب والشهد لتفريغ غرائز الشهوة المكبوتة منذ البلوغ حتى النضج. بعد مضي الزمن تشعر (نـداء) بأن هذا الحب الأفلاطوني الذي كانت تعيش فيه قد أصابه البرود وتبعثر، ليبدأ جرس الإنذار لديها بإعلان الخطر! ومن ثم تبدأ الغيرة والشكوك تحتل صدرها، وتسيطر على تفكيرها بدون تدبر منها لتستبدل الحب والملاطفة الودية والألفة، وتتجمد رغباتهما.. إلى أن يتجه سيف الجفاف نحو صدور الزوجين بالسيطرة المتبادلة، والعناد، ليستحيل بعد ذلك استمرارية العيش معا في جو يسوده التوتر النتاج من تبادل الاتهامات والتراشق بالألفاظ المقززة والبذيئة التي تعجز عنها أجناس الأدب والثقافة الأخلاقية التربوية من كلا الطرفين، يستحيل استمرار التعايش في ظل هذه الهتافات اللفظية التي تؤدي بهم في نهاية المطاف إلى الاشمئزاز من بعضهم البعض، وإلى طريق مسدود من لتفاهم بينهما، وتنتهي علاقتهما بتكرار الطلاق. ماذا يعني لنا: أن السيدة (نـداء) ما زالت تبحث عن الحب؟ وتصرخ بصمت الألم النفسي والمعنوي لعدم إيجاد الزوج الملائم لها؟ بخلاف الصديقتان (نادرة) و(حنان)..

عبد الكريم عليان:
ما لم تقله ـ هدلا في حالة نداء
لنبدأ من السؤال الرئيسي في أن بعض النساء لا يكتفين بتجربة واحدة بعد كل
طلاق أو ترمل، بل لديهن استعدادا تاما لخوض التجربة أكثر من مرة كالـسيدة " نــداء ". ألا يقودنا هذا السلوك إلى سؤال رئيسي هو: ماذا يريد الإنسان من الزواج ؟ وهل سلوك نداء في تعدد الأزواج أمر طبيعي؟ أم هناك خلل في شخصية نداء؟ ومن مثلها؟ من منا يختلف على ما نريد من الزواج غير الاستقرار والاطمئنان والمتعة بدون مشاكسات سواء من الذكر، أم من الأنثى؟ أليست هذه هي فطرة الحياة؟ من يستطيع الاستغناء عن الآخر؟ سواء الذكر، أم الأنثى؟ كبيرا كان، أم صغيرا؟ الأمر لم يعد مقتصرا على ذلك فقط ! بل إن درجة الاطمئنان والاستقرار لها متطلباتها كي تستمر الحياة..
نعتقد أن حالة نداء تحتاج منا اهتماما أكثر من الاهتمام بحالة صابرة، لأن نداء استطاعت كشخصية نادرة أن تتخطى كل التقاليد والأعراف السائدة في المجتمع، ولا نعرف إن كان هذا النموذج هو المطلوب في (كل حالاتها..) تحت مظلة مجتمعنا المحافظ؟ أو كيف يمكننا تنميط هذا النموذج بشكل يقبله المجتمع. ربما المسحة الجمالية لنداء وتحررها من التقاليد أعطاها فرصة تغيير الأزواج بشكل يرضي فضولها ولو مؤقتا؛ لأنها لم تنجح في زواجها الثاني، وكذلك الثالث، وقد لا تنجح في غيرهما أيضا. ولو بحثنا في شخصية نداء لا نجد أية مشكلة، إنما المشكلة الرئيسية هي الزوج الذي يكبرها بكثير إلى درجة أصبح فيها لا يستطيع ملء فراش زوجته إلا ما ندر إن لم يكن عاجزا تماما، أو أصبح لديه مشكلة بات من الصعب على نداء تقبل معاشرته، وهي الفتاة الشابة الشبقة دائما حسب ما ورد في القصة، ولنذهب لأبعد من ذلك في عصر التكنولوجيا والفضائيات وما تبثه يوميا من أفلام ووثائق لا أحد ينكر أثرها على الرجال الذين يتهافتون على مشاهدة تلك الأفلام بحيث يرون فيها ما لا يرونه في زوجاتهم، أو أن زوجاتهم لا يمكنهن من القيام بتلك الأدوار لإشباع رغباتهم الجنسية.. فماذا لو عكسنا الصورة عند "نداء" المتحررة؟؟
نعتقد أننا أمام ظاهرة منتشرة بشكل سري في مجتمع لا يجرؤ على مناقشتها.. وفي كثير من الحالات أوصلت الزوجين إلى الطلاق بدون البوح عن هذا السبب المهم، أو تحميله إلى أسباب ثانوية.. إذن نحن أمام مشكلة تحتاج إلى تكثيف في الثقافة الجنسية للجنسين تتلاءم مع ظروف العصر والرغبات الإنسانية التي لم تنتهي، ومن يعتقد أن هذه المشكلة هي مشكلة شرقية قائمة في المجتمعات المحافظة فقط ، يكون مخطئا أيضا..! بل هي قائمة في المجتمعات المتحررة، لكن في هذه المجتمعات يتم معالجتها من خلال البرامج الإعلامية والتلفزيونية والمؤسسات المتخصصة في ذلك.. كل هذا يحدث أمام أعيننا وكلنا يعرف ذلك، ولن نجرؤ على مناقشته خوفا من سوط التقاليد والأعراف المتحجرة المصبوغة بالدين، وما يؤسف أكثر هو القائمين على المنابر المختلفة، هم أيضا يعيشون نفس المشكلة ويتهربون منها بشكل، أو بآخر ولا يجرؤ حتى الشيخ مناقشتها مع أولاده، أو مريديه... إذن نحن أمام معضلة تربوية ثقافية تحتاج منا تغيير كبير في منظومة التربية السائدة بدء من البيت والمدرسة والشارع ووسائل الإعلام المختلفة وانتهاء بالجامعات...
كيف يتم الزواج في مجتمعنا؟ وعلى أي أسس؟ هل هناك معيار يمكن أن نقيس به إن كان الزواج ناجحا؟ أو غير ذلك..؟ في الحقيقة أن غالبية حالات الزواج في مجتمعاتنا تتم من قبل الأهل، أو بمساعدتهم في تحديد الزوجة ولا يكون للعروسة مفر آخر، سوى الموافقة والثقة التامة بما يفرضه الأهل عليها.. ولا يكون لها رأي في ذلك، كذلك العريس لا يتعرف على عروسته سوى بالشكل الظاهري دائما، وحالات قليلة جدا من الزواج تتم عبر قصص من الحب يكون فيها الطرفان قد تعرفا على بعضهما عبر الرسائل، أو مقابلات سرية قليلة.. فهذه "نداء" بعد الخمسين من عمرها وثلاثة أزواج تبحث عن الحب المفقود لديها منذ أكثر من عشرين سنة.. الشيء المهم الذي يجب ذكره هنا هو: غالبية عظمى من الشباب والشابات في مرحلة ما قبل الزواج يعيشون أحلاما وردية ويرسمون في مخيلتهم أشياء لم تتحقق لهم بعد الزواج ويصطدمون بواقع آخر لم يتحقق.. ولم يتفاهم الطرفان على تحقيقه، أو لم يجدا الوسائل التي تساعدهما في تحقيق ما يحلمان به، وحتى يفقدان طريقة الحوار الهادئ التي من المفترض أن توصلهما إلى حياة سعيدة بقدر ما.. يشاركان في خلقها بشكل يرتضياه الطرفان، بدلا من القطيعة التي قد تؤدي إلى الطلاق.
إن "نداء" كإنسانة من حقها أن تبحث عن سعادتها وتعمل على تحقيقها ضمن تقاليد المجتمع والأعراف السائدة فيه، لكن هل تجد ما يحقق لها ذلك.. إلا من الطامعين (كزوج صابرة) وأصحاب النزوات المارة في مجتمع ينظر إلى (المطلقة) أنها امرأة سيئة، أو شاذة؟؟ نعتقد أن المشكلة تكمن في المفاهيم الخاطئة السائدة في المجتمع والتي تتناقض مع النصوص الدينية، حسب قول الرسول (صلعم): "تنكح المرأة لأربع: جمالها، ومالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.." إذن ما دام الأمر واضحا بهذه الصورة، لماذا لا يقبلها المجتمع؟ عندما يتزوج رجل امرأة طمعا في مالها، أو جمالها..؟

الأحد، نوفمبر 23، 2008

صابرة وزوجها الثاني


عبد الكريم عليان
وهدلا القصــــار
المرأة والرجل (1 )

هدلا القصار : لا يغركم النقمة في ظاهرة الطلاق فقد تكون نعمة في ابتلائها ...
أيها الأصدقاء الأعزاء: يا من لمستم وعرفتم معنى الآلام، اعلموا أنه حينما تجتاحنا أمواج المتاعب لكل حادث جديد ينتابنا فزعاً شديدا، وتفكيرا عميقا في كل ما حولنا .وعندما تهب علينا رياح الحظ رقيقة، نفكر في التمتع بروح نستمد منها سعادتنا .وحين تنتابنا المخاوف، نرى غضب السماء في كل تهديد، وتطن في آذاننا نغمات لا تحوي أية تعويذة شافية .إن هذه التأملات والاستنتاجات هي التي دفعتني اليوم للكتابة بعد أن توقفت لعدة أشهر في تأمل عميق عن مسببات الطلاق، وما ترتب عليه من معاناة وقسوة وظلم بحق المرأة.. قابلت حالات كثيرة من الطلاق، تأثرت بها كثيرا.. سنحاول عرض بعضها لاستخلاص العبر، والخروج بتوصيات أو نصائح عسى أن نساهم في تخفيف المشكلة، أو الحد منها..
ربما تأثرت بعض العائلات والأزواج تحديدا من الوضع الاقتصادي والسياسي السائد في غزة . من معاناة نفسية ومعنوية بسبب الحصار، والبطالة المتفشية، وتعطيل الحركة التجارية التي سببت الغلاء الفاحش، والوضع المعيشي عامة، مما أدت هذه العوامل إلى الاختلال في العلاقات، وخاصة بين الأزواج في بقعة جغرافية لا تحتمل! كل ما يحصل فيها من خلافات عائلية، أو زوجية تؤدي في النهاية إلى الطلاق.
فالبعض من هذه الخلافات قد يكون محقا، أو منصفا، أو قد يكون ظلما وعدوانيا، والبعض منهم يكون لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم مدفوعين ومجبرين على أشياء لم تكن في الحسبان. ولا أنكر أن بعض من هذه المشكلات قد مستني بشكل أو بآخر.. وعايشتها بسبب اقترابي من بعض النساء اللواتي يجمعني بهن غربة الوطن، أو من خلال علاقاتي المهنية والإعلامية من جهة، والأدبية من جهة أخرى، ناهيك على أن الطرفين بالأساس من شريحة الموظفين والمثقفين، واليوم يلتزمون منازلهم بسبب الوضع السياسي المفروض على غزة تحديدا.
لن أطيل على القارئ في بعض التفاصيل لكنني قصدت أن أشير عبر هذه المقدمة محاولة (جوجلتها) والبوح بها بصوت مرتفع، ربما أتمكن أو نتمكن من التقاط حل لبعض هذه المشكلات .كما أحب أن الفت نظر القارئ إلى أن الأسماء التي ستذكر هي بالطبع ليست حقيقية وإنما هي مجرد أسماء وهمية لتسهيل السرد إن السيدة "صابرة" هذه المرأة التي طلقت قبل عشرة سنوات بعد زواج فاشل بسبب هجرة زوجها إلى دولة عربية شقيقة في مهمة عمل رسمية ثم قرر البقاء هناك والزواج من امرأة أخرى .فقررت هذه السيدة التي ما تزال في العشرينات من عمرها عدم الزواج من آخر والإبقاء على حضانة طفليها والتفرغ لوظيفتها في السلطة الفلسطينية، لكن شاءت الأقدار بعد هذه السنوات العشر الطويلة من هذا الزواج أن تصادف رجلا آخر وتتفق معه على الزواج.
اندفعت السيدة "صابرة" في عاطفتها لدرجة أنها تكلفت معه في جميع نفقات زواجهما وصداق مهرها؛ لان الرجل كان متزوج من أخرى ووافقت أن تعيش في غرفة واحدة في بيت هذا الزوج وأرسلت ولديها للعيش مع عائلتها بشكل مؤقت، لكن ما حدث فيما بعد أن هذا الزوج بعد مضي شهرين فقط ! أصبح يمارس عنفا جسديا ولفظيا على الزوجة ضدها حتى وصل به الحد إلى طرد أطفالها خلال زيارتهم لها، وأن يعتدي عليها بالضرب المبرح ولم يتوارى من طردها وإخراجها من منزله ليلاً، وكما تعلمون وجدت هذه المرأة المصدومة بزواجها الثاني في مأزق حين علمت أنها حامل، عدا عن ذلك فقد كانت تخشى إدانتها بسبب قرارها بالزواج للمرة الثانية، وأن تجد نفسها أيضاً مطلقة للمرة الثانية من رجلين، فقررت أن تتحمل وأن تصبر، ولعلي سميتها "صابرة" بسبب ذلك، فقررت إقناع زوجها أن تنتقل للعيش هي وولديها إلى المنزل التي تملكه هي بالأصل قبل زواجها من الثاني، إلى أن بلغت معاناة هذه المرأة ذروتها حين اكتشفت أن زوجها أصبح يلاحقها بطريقة ماكرة أحيانا، وعنيفة أحيانا أخرى، وذلك للضغط عليها حتى تبيع شقتها التي هي من حق أبنائها وهي آخر ما تملكه بعد أن نفق كل مالها ومدخراتها على هذا الزوج الطماع والقاسي، لأجل ذلك اخذ يضيق عليها الخناق بعزلها عن جميع صديقاتها وعائلتها بشكل أو بآخر، كما تعلم السيدة "صابرة" أن زوجها يحاول الآن إقناعها ببيع شقتها، لكنها لا تعرف ماذا تفعل بعد كل هذه المعاناة.. "على عكس السيدة نداء" التي سأتكلم عنها فيما بعد.. ترى ما هو الخيار الذي تواجهه صابرة في مثل هذه الحالة ؟ أليس الطلاق هو الحل وهو بمثابة النعمة؟
للتنويه: حتى لا يعتقد البعض أنني بهذه الأطروحات أحصر سلبيات الرجل وحده، أو أحمله نتائج الطلاق، بل هناك نساء تتحمل مثل هذه الأخطاء، وربما أكثر، وهناك الكثير من الأزواج يجهلون حسن التصرف في فوضى المشكلات التي تجتاحهم وهي ساخنة، حتى لو كانوا أطباء أو فلاسفة.
(ملاحظة بهذه السطور اعترف أنني ربما اختصرت أشياء كثيرة واختزلت أشياء أخرى، وأعتقد أنني أبرزت أهم ما في الموضوع).

عبد الكريم عليان : ما لم تقله ـ هدلا في حالة ( صابرة )
قبل أن نبدأ بعرض رأينا وأفكارنا حول زوج " صابرة " لا بد أن نقدم الشكر للشاعرة " هدلا " التي فاجأتنا برؤيتها وأفكارها .. فاجأتنا برقة مشاعرها تجاه قضايا المرأة والمجتمع في غزة، بعدما ظننا أنها تعيش اغترابا لا حد له في المجتمع الغزي، وإذ بها تنبش قضايا اجتماعية عميقة تعزز صدق انتمائها، وتؤكد لنا حقيقة: أنها لن تتخلى عن قضاياها التي هي قضايانا جميعا..
عندما نتحدث عن زوج " صابرة " لا بد أن نذكر أن شاعرتنا لم تعش في غزة مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ولا شك أن الحياة كانت مختلفة أدواتها وقيمها، وكما يقولون: "وسائل الإنتاج هي التي تحدد سلوك البشر.." فحياة الصحراء مثلا تختلف عن حياة القرية، وكذلك حياة المدينة تختلف عن الاثنتين، وأيضا حياة المجتمعات الصناعية تختلف عن حياة المجتمعات الزراعية، وما يهمنا هنا هو: أن المجتمع الغزي يعيش منذ عشرين عاما في حالة غير مستقرة نوعا ما إذا ما قورنت بالسابق، حالة يسودها العنف بكل أشكاله وفي شتى المجالات، وكذلك التناحر السياسي وما يسوده من عنصرية وتفكك في النسيج الاجتماعي، وما أفرزه من تدمير في منظومة القيم والمفاهيم التي كانت سائدة إلى أن توجت أخيرا بمحاولة أدلجة المجتمع الغزي بفكر جديد بعدما فقدت الكثير من الزوجات أزواجهن بفعل الاحتلال، أو بفعل الهروب من واقع غزة الذي أصبح لا يطاق خاصة من فئة الشباب الذي أفادتنا آخر استطلاعات الرأي: " أكثر من 45% منهم يرغب في الهجرة من غزة.."
حالة " صابرة " هي حال الكثيرات وإن كان لها مشكلتها الخاصة حسب ظرف زواجها الأول والثاني، لكن كثيرات هن الصابرات اللواتي يعانين من ظروف حياتهن.. وإن كانت صابرة الصغيرة والجميلة قد وجدت لها زوجا يكبرها بعشرين سنة تقريبا؛ فغيرها وربما أصغر منها لم تجد إلا كهلا.. هذا يدفعنا إلى التساؤل عن مورثونا الثقافي والديني الذي كان على صابرة وغيرها أن تفهم في أي وسط تعيش؟ من حق صابرة وغيرها أن يكون لهن طموحهن العالي في حياة هادئة وهانئة، وحتى يتحقق ذلك لا بد من ثورة على المفاهيم والتقاليد الاجتماعية المصبوغة بطابع ديني تتباين حوله المذاهب الشرعية.. وما تريده الشاعرة هدلا وغيرها من المناضلات في نعمة الطلاق هو: أن يكون طريقا لزواج ناجح، بحيث لا تعيش المرأة بعدها فريسة لذئاب المجتمع..
الغائب في حالة صابرة هو الزوج الأول، والذي لا نعرف كيف سمحت صابرة لنفسها أن تقبل بأن يغادر زوجها الوطن في رحلة عمل كما ذكر في المقال، وهي تعرف أن زوجها الشاب لا يستطيع الحياة بدون زوجة خاصة إذا كانت هذه الرحلة طويلة، ونعتقد أن صابرة هي التي طلبت الطلاق منه، أو قامت هي بتطليقه بعدما غاب عن فراشها المدة الشرعية، هل كانت تعتقد أن بإمكانها أن تتزوج الرجل الذي تريد؟ وفي غزة التي يعتمد فيها الزواج على الحظ ؟ وواضح أنها كانت واهمة تماما في زواجها من الرجل الثاني الذي لم تتعرف إليه فترة لم تتجاوز الشهر، فأخطأت حين اعتقدت أن هذا الرجل بثقافته المزيفة والتي ساهمت هي بتزييفها أنه الزوج المناسب، والذي يمكن أن يسعدها ويحميها... خصوصا أنها كانت تعرف أنه رب أسرة كبيرة، وتدور حوله مشاكل عديدة أهمها المال كما ذكر، حيث تكلفت هي بكل تكاليف زواجها منه بما في ذلك مهرها.. هي قررت ذلك تماما، ولو كلفت نفسها وأهلها برهة من التفكير والبحث عن هذا الرجل لما وقعت في هذا الخطأ، لكن المسكينة وقعت ضحية قلبها الذي طغى على تفكيرها.. أما هذا الزوج الذي وجد في صابرة طريقه إلى المجد والشهرة وأنها مناسبة تماما لحالة ( البريستيج ) الجديدة قد اصطدم بواقع أسري جديد لا يمكنه الاستمرار بين صابرة التي تخلت عن أولادها من الأول وتريد منه أن يتخلى عن أسرته الكبيرة، وبين زوجته الأولى التي تقوم على تربية أبنائه.. فذهب إلى محاولة ابتزاز صابرة ليجبرها على بيع شقتها حتى يجمع الاثنتين في منزل واحد يعيش فيه مستقرا.. هل يمكن لصابرة أن تتكيف مع هذا الواقع الجديد وتتخلى عن طموحها الغير واقعي، وغير منطقي في مجتمع بطريركي مازالت فيه العائلة الممتدة متجذرة؟!
لنسأل أنفسنا إن كانت الحالة السابقة مبنية على أسس لزواج سليم؟ وما هي مفاهيمنا عن الزواج؟ هل الزواج هو علاقة جنسية؟ وإن كانت كذلك، ما هي متطلباتها حتى تكون ناجحة؟ أو أن الزواج مؤسسة لها أسسها وقوانينها ونظمها وتحتاج منا إلى تأهيل وتدريب جيدين بشكل يدفعنا إلى النجاح والتقدم؟ ماذا يمكننا أن نفعل حتى نخفف، أو نحد من ظاهرة الطلاق؟ هل نحن بحاجة إلى تشريعات قانونية تلائم الظروف والحياة المستجدة في واقعنا؟ أسئلة كثيرة منها ما يتعلق بالمجتمع ومنها ما يتعلق بالدولة لكن الإجابات عليها تساهم إلى حد كبير من حل المشكلة والتخفيف من حدتها...
إلى اللقاء في الحلقة القادمة مع قصة أخرى ورأي جديد ...

الأحد، سبتمبر 07، 2008

الفلسفة والحب عند ـ هدلا القصار ـ في ديوانها: نبتة برية



عبـد الكــريم عليــــان

قد يقرأ المرء آلاف القصائد والنصوص الأدبية منها الغث ومنها السمين ، وقد يستمتع بالقراءة ، أو يلقي بالكتاب جانبا ، أو يهمله بلا رجعة .. إلا أن ديوان " نبتة برية " يفتنك منذ البداية ، ويختلي بك ، لتتنزه في عوالم النفس الإنسانية والفلسفة ، ومكنونات الطبيعة ، وموقع الإنسان في النسيج الاجتماعي ، وحركة الحياة ، في صور من الفانتازيا إلى لغة الحكمة والشعر .. وإذا كان معيار الأدب هو : نسيج من الكلم خارج عن المألوف لدى الناس ؛ فنحن أمام " ديوان شعر " فريد في قصائده وصوره ، لشاعرة تمردت على اللغة .. وتمردت على كل ما هو مألوف ! فهي تقتحم القارئ لتحتل عقله وتفكيره .. وحيث إن الشاعرة ذهبت بعيدا عن المألوف ، فيحلو لنا تقديمها بعيدا عن مألوف النقد ومدارسه المعروفة ، مباشرة لقصائد الديوان :

الكلام أولا والقصيدة فيما بعد
تبدأ شاعرتنا ديوانها بالسؤال الرئيسي عن ماهية الشعر ، ولماذا يكتب ؟ فتؤكد لنا أن ( الشعر ) لا يقبل الكذب ، ولا يؤكد الحقيقة .. منذ اللحظة الأولى تبدأ بالأسئلة الفلسفية تمهيدا لحقيقة وجودها كشاعرة حائرة مندهشة متأملة ذاتها وكيمياء حركتها في هذا الكون :
العاقل يفكر ويكتب
ليكسر صور الحزن بالحقيقة
نفسي لا ترضى بمكانها تبقى
ولا ترضى أن تكتب الشعر وحدها
ماذا أفعل ؟
تتجلى هنا شاعرتنا بأسئلتها التأملية لتقارب شاعرنا الأممي " محمود درويش " عندما أجاب الأطباء حينما طالبوه بالابتعاد عن المنبهات ـ في ذاكرة للنسيان قائلا : " الحمار هو الذي لا يشرب القهوة ولا يدخن ولا يكتب ..."
لم تتركني للتفكير وحدي
إذن سأسلك الطريق التي أريد
وأطلق الكلمات تحكم بين الخيال والحقيقة
فيه أنسج الحزن بالحقيقة
الشاعرة هنا توضح لنا أهمية الشعر والفن وتقرر أنها ستسيطر على القصيدة حتى آخر عمرها ؛ لأنها تعرف أن الشعر سيبقى ولن يموت ... بالضبط كما أنشد الشاعر محمود درويش في جداريته : يا موت هزمتك الفنون جميعها ، يا موت هزمتك الأغاني ..
وهناك بين الأرواح والكلمات تكمن السعادة
لترعد أصابعي القصيدة
كأن الحياة ليست سوى حبل يشدنا للوراء والأمام
سأسيطر على القصيدة
حتى لو وضعت السنون على رأسي قبعة الشيب

نزهــة
نزهة الشاعرة " هدلا القصار " ليست نزهة ترفيهية ، بقدر ما هي نزهة في التفكير بعذاباتها ووحدتها وغربتها . إذن هي نزهة مع الذات حينما تحدد موعد سفرها إلى موطنها الأصلي لتلتقي الأهل والأحبة والأرض بكل تضاريسها ومناخها وما عليها من تراب وهواء وماء وشجر ...
أتاني الحنين والشوق إلى بيروت
أصوات الأخوة تخاويني
وأنا أفكر
في هذه القصيدة يتجلى الزمان والمكان والهوية لدى شاعرتنا ، فهي إذن بيروتية الأصل غزية الوطن قدمت إلى غزة مع زوجها الفلسطيني لتعيش غربتها وعذاباتها مثل كل الغزيين الذين يرغبون بالسفر خارج غزة ( السجن ) وما يواجهونه من عذاب حالما يخرجون من بوابة غزة إلى أرض التيه في سيناء المنفذ الوحيد لها إلى العالم الخارجي :
أحتاج شهرا لتفتح بوابة غزة
أحتاج يوما لأصدق نفسي
أحتاج يوما لأحضر الشنطة
أحتاج يوما لأشتري البهجة
يوما لأشحذ البسمة
ويوما لألملم الشوق
ويوما لأصل المعبر
ويوما لأقطع الصحراء
ويوما لأتوه في أرض مصر،
أية نزهة حوارية هذه التي تمارسها الشاعرة مع ذاتها ؟ إنها تسافر مع كينونتها متوقعة كل ما سيحدث لها ، كأنها الحقيقة المؤكدة ساعة ركوبها الطائرة تعرف أنها بعد ساعة أو ساعتين ستصل بيروت وتكون بين الأهل .. كيف لها أن تقطع الشوق الذي يزداد متسارعا في هذه اللحظات ليصل الحنين ذروته :
وساعات لأقطع الشوق بين بيروت وغزة
يوما .. لأصدق أنني بين الأهل
كيف للشاعرة أن تختصر الزمن والمسافات في حوار مع النفس؟ كيف لها أن تروي ظمأها للقاء الأهل والوطن ؟ وماذا ستحتاج لكي تحقق ذلك ؟ وكأنها سافرت لهناك :
على الأقل
أحتاج شهرا لأقبل الأخوة
وشهرا لأفرغ الغربة
أحتاج عمرا لحضن أمي
شهرا لأرى بيروت والجبل

حنين إلى لبنان
مع أن شاعرتنا تعيش في غزة منذ أكثر من عقد ، إلا أن لبنان يعيش فيها لحظة بلحظة ، لا بل هي تعيش فيه .. مستبعدة غزة من كينونتها ، كيف لا ؟ وغزة مات فيها كل شيء .. مات الحب ، ومات الفن ، وانتصر فيها الموت ..! الشاعرة تتصدى لاغترابها المقيت بالاستحضار الدائم للبنان في مخيلتها :
أجلس كل يوم أذرر نهر اغترابي
داخل حدود ملعبي
لأفجر معاناتي المخبأة
.......
هنا تموت كل الأشياء حولي
كالمنازل التي لا تشرع نوافذها
كالمراكب التي لا تبحر
أحاول مقاومة الحياة
كالعشبة التي لا تموت
في قسوة غربتها مناجاة كبيرة لكل شيء في لبنان من التاريخ إلى الطبيعة إلى الأهل
تصرخ أشجار الأرز
ضميني بين أغصانك
وبين أوراقك خبئيني
وفي صفحات تاريخك ضعيني
وبين حروفك الفينيقية ابحثي عن غيابي
وتؤكد مرة أخرى أن غزة ليس بوطنها وأنها تعيش غربتها مع الشعر والمهدئات الدوائية
هنا لا السماء خيمتي
ولا الشوارع وطني
ولا الكواكب عائلتي
وليس الزمان مأمني
ولا الشواطئ مرفأي
........
قبل أن تبتلعني أقراص الشعر المهدئة

نبتة برية
قلّما نجد شاعرا من الشعراء المعاصرين يتماهى مع الطبيعة كما تماهت شاعرتنا الرقيقة " هدلا " حين تنازلت عن كبريائها الأنثوي إلى عشبة في الطبيعة لتغوص متشابكة في الأدغال مرة مع الشجر ، وأخرى مع نباتات الأرض ..!
" هدلا " الشاعرة ذهبت بعيدا عن المألوف لتحاكي النباتات البرية ، والأشجار ..
أنسنة النباتات عرفناه من على شاشة التلفزيون في الأفلام الكرتونية عندما تقدم النباتات بشكل أناس يتحدثون ... أما أنسنة النباتات في الحالات الشعرية يعتبر تصويرا جديدا لم نعهده عند الشعراء .. هنا انفردت " هدلا " الشاعرة في ( نبتة برية ) وسيقف النقاد ومتذوقو الشعر حائرين مندهشين لهذا التصوير الفريد والنادر ..
استطاعت شاعرتنا أن تكون نبتة برية تهرب من أكتاف الجدران تسرع وتسرع لتصل أشجار النخيل الشامخة .. تتوغل في عمق الغابة الكثيفة لتراقص أقدامها العشب ، ويعود العشب ليداعب أسرار الجسد .!؟
وصلتُ سلسلةَ أشجارِ النخيلِ الملتفةِ
توغلتُ في عمقِ الغابةِ،
راقصتْ قدماي العُشبَ
داعبَ العشبُ لغزَ الجسدِ وتنحى
احتضنتُ الأرضَ كالزهرةِ
شعّتِ السماءُ حولي كالنبتةِ.
حاول الشيطانُ إغواءَ خيالي
قـذفَ رِمشي الخطايا ورماها
معاناة الشاعرة المتمردة التي تعيش مغتربة في غزة دفع " هدلا " إلى الهروب من عالم الإنسان إلى عالم آخر .. لا تنتمي له ، وهو : عالم النبات ! هناك تحاور نفسها على أنها ( نبتة برية ) تنتمي إلى الأرض والشمس والماء والهواء ...
ينتفض الجسد ليسأل عن اسمه ؟ يسأل الأزهار ، ويسأل النخيل ؟ لم يأتها الجواب مباشرة .. يعود يسألها ، فتجبه الأشواك بدلا عنه .. وتسأل من جديد : كيف علقت النبتة ( هدلا ) بأوراق الأشجار المتطايرة .. أو قدمت في رجل طائر مهاجر ( رمزية للرجل الذي قد يكون زوجها ...؟ ) تهدأ لتنغرس في أرض جديدة !
مِنْ أين أتيتِ أيُّتُها النبتةُ؟!
كطائرٍ مهاجرٍ لحقتْ بأوراقِ الشجرِ المتطايرِ
هربتْ مني كالرياحِ امتدتِ الأرضُ وهدأتْ
أيّ روعة هذه الأسئلة ( الحوارية ـ السقراطية ) التي تقودنا بها هدلا الشاعرة ؟ كيف تتولد الأسئلة لديها بطريقة مسرحية حوارية عذبة تجذبنا إليها بقوة ؟!
ها هي ( النبتة البرية ـ متمثلة في الشاعرة ـ هدلا ) تعود إلى إنسانيتها حين تسمع ألحانا وموسيقى قديمة تصدر عن خشخشة الأشجار وحفيفها .. تعيدها إلى طفولتها ، لتؤكد من جديد أن الرياح أبعدتها عن موطنها إلى وطن آخر من نفس المناخ ونفس التراب .. لتردد بشكل غنائي ملحمي : أنا منكم .. أنا مثلكم .! مخاطبة وطنها الجديد الذي تشعر وسطه باغتراب شديد ..
أنا منكُم
أنا مثلكُم
أنا إليكُم آتٍ
أنا كشجرةِ النخيلِ تراها في كلِّ الأوطـانِ
وهي لِنفسِها وطنٌ
لكنّ الرياحَ أبعدتني
فَلَمْ أَعُدْ أرى وجوداً لوطني
حتـى أصبحتُ بريةَ النبتةِ
أنا منكُم
أنا مثلكُم
... إليكُم آتٍ
بعد رحلتها الطويلة بين الأشجار والأشواك تتنقل بين تضاريس الطبيعة الجميلة ، ومناخها المتغير .. تعود لتكتشف نفسها بين الجدران تحاور نفسها المعذبة وتعترف بإنسانيتها .. تهدأ نفسها المتمردة لتخلد إلى سرها وتقبل أن تنام في فراشها على أمل أن يأتي صباح جديد يخفف عنها ، أو يعود بها إلى رحلة جديدة !

قرأتْ في عيوني عن ماضٍ قــد ولى
سمعتُ همسَ الليلِ ينادي القمرَ
فانسحبَ النهارُ من جَفْني
وأتاني سلطانُ النومِ
فأهـديتُ سِرِّي لفراشِ الليل .

اعتذارات
عندما يكون النص مرآة الشاعر ! ويكون لوحة فنية أبعد من السوريالية ، وأقرب إلى محاكاة الذات ، وفلسفتها الوجودية لتدور حركتها مع الزمن والأشياء التي تكون الشاعر الإنسان ليتفاعل وسط كيمياء الحياة ... كيف " لهدلا " الشاعرة أن تقدم اعتذاراتها لشيطان الشعر الذي أخرج لغز الكلمات ..؟
أقدم اعتذاري لمن أخرج لغز كلماتي
أقدم اعتذاري للأخطاء الصحيحة التي ارتكبتها
ولأصابعي الخمسة وحسن نواياها
كيف لا ..؟ ومن غير الشاعر يستطيع أن يثور على اللغة ؟ ومن غيره يتمرد على الذات ليقدم الاعتذار لأصابعه الخمسة التي تمسك بالقلم ؟ وتقدم الاعتذار للعقل الذي يخزن الحروف ومعانيها ..؟ كيف لا .. وهي تقدم الاعتذارات لكل الأشياء من حولها ، من أثاث المنزل إلى صيغتها وحليها ، إلى حبيبها القديم .. وصديقها الجديد ..! إلى الجيران الذين يرقبوها ، إلى كل المعجبين والمجاملين .. إلى الشوارع ، ورمال البحر وصخوره ومده وجذره :
في كانون الثاني
قدمت اعتذاري للمحب القديم ... الجديد
ولصديق صوري
للأكاذيب التي عشتها في ملعب الثعابين
اعتذرت من سذاجتي الملحوظة
وضياع عقدي وخاتمي
وخيوط الخيانة المجانية
والأثاث المدمن عى التنازلات
كما قدمت اعتذاري للمنزل الذي تركته
وللجيران الذين حرمتهم مراقبتي
إن " هدلا " تقدم اعتذاراتها في دورية الزمن لتشكل بشهوره زخرفة ، أو مطرزة لقصيدتها فتلبسها زهوا بهيا بكل كبرياء وشموخ .. وتمنحها الدفء ، كأنها عروس تحلت برمزية شهور السنة الجميلة : من كانون الثاني رمزا للعطاء .. إلى نيسان رمزا لكل الزهور ، وكل الألوان .. إلى حزيران وآب تعبيرا عن الحصاد وجني الثمار
في شهر حزيران
اعتذرت من دقات قلبي السريعة
ومن أوردتي المحقونة بالمهدئات
.......
والوجوه المتعددة
والمنازل التي سكنتني
كما اعتذرت من الزهور التي اشتريتها لنفسي
في شهر آب
اعتذرت من اسئلة المخبأة
والخواطر المدفونة
............
ومن الأمواج التي كسرتها الصدمات
واليوم أعتذر من كلماتي التي توهت قصيدتي
تلك هي اعتذارات " هدلا " لأشيائها وذاتها .. وهو تواضع من شاعرة متمردة ، لتبشرنا بانطلاقة في ثوب جديد !

صحو
للمرأة الإنسان أحلامها وتأملاتها ورؤيتها الآخر/ الشريك .. وهل من امرأة لا تريد لها شريكا ؟ يقاسمها حياتها بحلاوتها ، ومرارتها ؟؟ وهل من إمرأة تحقق لها كل ما تريد في مجتمع تسيطر عليه الذكورة ..؟ وكم من النساء استطعن البوح عن ذلك وسط هذا الصمت المؤلم في عالمنا ..؟
ببطء الصمت اليوم أتكلم
حتى كلماتي بصعوبة أدونها عنك ..
ولأنني لا أريد أن يصبح الحلم صنعا أو مطبا
ولأنني لا أريد أن أفتش في وجوه العابرين يوما
ولأن الحرية ليست لهذا الحد سهلة
إذن هي قررت أي رجل تريد ..؟ بحيث تقبله كما هو .. ولا يعطيها فرصة لتصطنع أحلامها ورغباتها التي تريد .. إنها تريد منه الحب بدون حدود وستكون متواضعة حتى لا تموت فيه حبا :
فأنا لا أريدك قبطانا تبحر في البحر
لا أريد لحبي حدودا
لا اريد للحياة حدا
لا أريد النهاية
ولا أريد أن أموت فيك حبا
هذه الآمال جاءت من تجربة الشاعرة في الفعل اليومي للحياة الزوجية .. هي ما تريده كل أنثى ، كل من يقرأ هذه القصيدة يشعر أن الشاعرة تخاطبه هو ؛ فلو كانت أنثى لقالت : إن حالة الشاعرة مثل حالتي ؛ ولو كان رجلا ، لقال : إن هذه الشاعرة توجه لي أسئلتها ، ورغباتها .. إذن المضمون الأدبي يتجلى في هذه القصيدة بأبعاده الثلاثة والرؤية الشمولية للشاعرة : من البعد الذاتي حيث قدمت رؤيتها وأحلامها التي تريد .. إلى البعد الاجتماعي في الفعل اليومي .. إلى البعد الإنساني ، حيث يشترك الجميع في حالتها ... حقا إنها توصل لنا رسالتها الأساسية في أهمية الشعر والفن ، التي قررتها في بداية الديوان ، عندما قالت : بأنها ستسيطر على القصيدة .

هذا الرجل
إذا كان وحي الشعر عند الرجل هو المرأة والحب ، فإن وجد العشق وجد الشعر ، وإن وجد الشعر وجدت فيه المرأة ... لكن إذا كانت المرأة هي الشاعرة ، فهل يكون الرجل وحي للشعر عند المرأة الشاعرة ..؟ يقول نيتشه : " إن الشاعر يلف حول الأنا في القصيدة ككل ، لكن عندما يدخل في المسرح ، فإن الأنا تلف حول الآخر .." ، الآخر عند " هدلا " في هذه القصيدة هو الرجل/الشريك ، وهي تعرض لنا مشهدا مسرحيا يلف فيها الأنا حول الآخر ( الزوج ).. والآخر حول الأنا ( الشاعرة ) ، فالأفكار التي تعرضها في صورة الرجل هي أفكارها وفلسفتها التي تريد ..؟ وهي منذ بداية الديوان عنونت كتابها بمقولة فلسفية للشاعر والفيلسوف الألماني ـ أنجلوس زيلسيوس : " إذا أردت أن أجد بدايتي ونهايتي فلا بد من أن أبحث عن الإله داخلي / وأكون مثله / أكون ضوء في الضوء / أكون كلمة في الكلمة / إلها في الإله .." فهل يكون ( الرجل ) هو الإله داخلها ؟ وتكون هي مثله ..؟ كما احتكمت لشاعرها وفيلسوفها الألماني :
على مدار ضوء النهار يفكر
ويفكر بما يقرأ
ويرى ما يريد أن ير
يذهب في بحور الأساطير
هذا الرجل يحلل في السياسة
يتحدث عن الطب البديل
يحلم بالسفر الجميل
ينجذب للماضي البعيد / يتأمل الحب العذري
يعجب بالآلهة والديانات
.........
ويعود للحاضر المؤلم
ثم يصطدم فيه كالغريب
ونحن نتأمل هذا المشهد الأسري نقرر سريعا ، أن هذه الأسرة هي : الأسرة الفلسطينية التي تنشغل بالفعل اليومي الشمولي ، وهذا هو الرجل الفلسطيني / المفكر ، الذي يفكر دائما بمصيره ، وبالحياة ، والتاريخ ، والسياسة ، والدين ، والفلسفة ، والحب ، والطب ,,, لكنه يصطدم بواقعه الذي لم يتغير ..؟ الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للفلسطينيين لم تعطهم فرصة لممارسة حياتهم بشكل طبيعي ، والحب الذي تبحث عنه الشاعرة يتعطل أحيانا ، أو ليس ما هو مرغوب فيه عند الزوج بسبب الحالة الفلسطينية .. ولهذا جاء السرد الشعري تفصيليا لفعل الزوج اليومي
هذا الرجل
لغروب نهاره نكهة مختلفة
يرتشف قهوته / يشعل سيجارته / يمسد شعر رأسه
يتأمل غروب الشمس
.............
في المساء يستمع لجميع نشرات الأخبار
ويعود للقراءة قليلا
بينما ينادي النوم
والنوم يناديه
الشاعرة تفاجئنا في نهاية القصيدة بمكنون رغباتها المفقودة ..؟ عند شريكها الذي تغير إلى طفل ، بعد أن كان عاصفة لا تهدأ .. جاء هذا البوح طبيعيا دون مبالغة ، أو تصنع من شاعرة مرهفة ، صادقة لا تخبئ ما يمور في صدرها ، دون مجاز أو استعارة .. فالشعر هنا ، وفي أغلب قصائدها يأتي مع الدفق حالة حضوره وتلبسه للشاعرة ، فتلقيه على الورق دونما عناء ، أو تكلف في الصنعة :
في ليلة شتاء باردة استسلم للنوم مبكرا
التحقت به متأخرة / ما أن لامست يداي الغطاء / وجسدي الفراش
حتى زحف إلي مختبئا / منكمشا كالهارب من الخوف
دس رأسه تحت إبطي
نظرت إليه بدهشة !!!
رأيت نوم الطفل في جفنيه / ربت على كتفه بلمسة الأم لطفلها
نظرت إلى وجهه ... لتختفي !! تلك الصورة النهارية كلها !!
دمدمت شفتاي تقول :
إن هذا الرجل لا يمت لذاك الرجل
العاصفة فيه هدأت والأمواج انسحبت / والدوار استسلم

خيالات
رومانسية الشاعرة الحائرة المتأملة ! الباحثة دائما عن الحياة الوردية .. إضافة لصوت المرأة القوي الذي يناضل بالمساواة مع الرجل بطريقة هادئة مستخدمة فلسفتها وعقلها في الوصول لذلك ..! في قصيدة خيالات تبحث عن ذلك الرجل الذي يفهمها ( الأنثى / الإنسانة ) بحيث يتوحد مع جنسها وتتوحد هي مع جنسه لتستقر إليه كما يستقر الإنسان في وطنه ؟
بين عناوين الكتب والمؤلفات
أبحث عن شخص ما ... يسميني كما أريد
شخص ما ... أطلق عليه نعاسي
يخرجني من ثورتي
يطفئني حين أشتعل
.........
يرسم أحلامي بعيون الشعر
يكسر براكين قصائدي المجمرة
يغني أناشيدي
يلاحق ألوان ليلي / أحلم بعنوانه / أطاوع أوراقه
أحتوي كلماته / أنتمي لجنسه / أحتفظ به
أسكنه كالوطن
أي ناي هذا الذي يغني لحن الحزن ..؟ وسيمفونية الحب ..؟ وألم العشق المفقود ..؟ يقول الفرنسيون : الشاعر دوما بطبيعته حزين ولغة الشعر دائما تتميز بنغمة الناي .. و " هدلا " تعزف آمالها على ناي في صمت يلف المكان ، فتخرج نغماتها حزينة كأنها تراتيلٌ للعشق ، وصلاة للمحبين ... ورؤية " زليخا " ليوسف !. إذا كان الشعراء الذكور قد ذهبوا بعيدا في وصفهم الجسدي للمحبوبة ..! فشاعرتنا " هدلا " استعاضت عن كل ذلك في روح المحب ، وسلوكه ، وعقله ..؟! إنها تفضح ما هو مستور في مجتمع ذكوري لا ير من المرأة ، إلا جمالها ..ونجحت في جذب الآخر / الرجل بهدوء وتواضع ليطمح كل رجل يقرأ القصيدة في أن يكون هو الأمل الذي تبحث عنه الشاعرة :
شخص ما .... يراني كل يوم
وكل يوم ينسيني أمسي
شخص .... لا ينخدع بإغراءات الحياة / يقاوم دعوات الرذيلة
يتخلى عن أنانيته واسترسال خسارته
يلملم خطايا مواسمه وبؤس أفكاره
شخص ..... يشهد على أطيافي / يسيطر على سهولي / يكون أكثر من اشتياقي
وأكثر من مساحات قلبي
شخص ما .... يدخل رقعات آلامي
يهز قلعتي وحجرات خيالاتي / يقاتلني بسلاح أبيض
شخص ما ... غير جلدي
وشخصيات الكتب والمؤلفات .

نكتفي بهذا القدر من قصائد ديوان " نبتة برية " ، رغم أنه العمل الأدبي الأول للشاعرة ؛ فهو يبشرنا بشاعرة فذة ،جريئة .. تسبر غور النفس الإنسانية في حالاتها المعقدة عندما تغترب عن بيئتها ، ومجتمعها .. عندما تحب ، وعندما تكره ، وعندما تواجه التقاليد الموروثة ، ووجع الحريات المكبوتة في بيئة تحتاج إلى أن تكون غير ملوثة .. فهي إذن قدمت لنا رسالتها التي تريد ؟ وهذه الرسالة ليست رسالتها عن ذاتها المعذبة فحسب ؛ بل هي رسالة لغالبية النساء في المجتمع ..؟ يقول ريمون في تفسيره للذات وحلم اليقظة - عند جان جاك روسو : " الفنان يكشف عن نفسه في عمله ، وهو أيضا يشكل بواسطته - علاقة مزدوجة تبادلية بين الذات والموضوع ، بين العالم والوعي ، بين المبدع وعمله .." ويقول مونتين : " الفرد لا يملك ذاته إلا من خلال انعكاس علاقته بالآخرين ،كل الآخرين .." إن قصائد " نبتة برية تكشف بوضوح تأثر الشاعرة بالآخرين وبالمحيط ، وأثر ذلك على شخصيتها وعملها ، مستخدمة ثروتها الفكرية واللغوية دون تكلف ، وعناء .. فجاءت جملها وكلماتها الشعرية سهلة وبسيطة ، لكنها تحمل لنا مدلولات فلسفية عميقة مخاطبة المجتمع في وعيه وسلوكه لتضيف لنا صوتا أنثويا جديدا في أرقى أشكال التعبير اللغوي ، وهو : "الشعر" الأسرع وصولا للمتلقي ، والأكثر تأثيرا ... بقي أن نقول : مازال الكتاب الذي عرضناه يحتوي على تسعة عشر قصيدة أخرى هي : ألوان ، من منا يعتذر للآخر ، لن أبوح ، الرصاص والنحلة ، عربي الجد ، سؤال اليوم ، وأسئلة الغد ، ثرثرة ، حذاء الزمن ، مباغتة الحلم ، مسرحيات رجل ، أهاليل الغياب ، الناي ، تعويذة الروح ، المؤامرة الوردية ، ألف لام ميم ، متطلبات الصباح ، شذرات اليقظة ، أتفاءل بتسعة وأربعين احتمالا ... هنيئا للقارئ هذه القصائد ، وهنيئا للشاعرة هذا النجاح ، وننتظر منها عملا جديدا ونجاحا مستمرا ...

الخميس، مايو 15، 2008

خربشات فلسفية لمراهـق

هدلا القصار
قصة صغيرة

قصة من مذكرات /واعترافات/ وهلوسات حوارية متناقضة/ لمراهق خمسيني في لحظات السكينة أمام مرآته الورقية من خلال رؤيته الثقافية :

دخلت التجربة الأصعب في حياتي، حين اتخذت قراراً بالطلاق من زوجتي بعد عشرون عاماً من المعاشرة الزوجة، وحين أقدمت على الدخول في تجربة زواج من أخرى، في ذروة الاضطرابات العاطفية، التي تعصف بنا في نهاية الأربعين، وما يمكن تسميتها بكوارث الأربعينات .
هل أحدا جاء وخرج سالماً من هذا الانقلاب الخريفي ليحدثنا عن هول ما رأي، وليعطي لنا عظته لعلهم يفعلون . إن معشر الرجال الذين ندخل في غمار هذه التجربة دونما فكرة مسبقة نزود بها في امتلاك هذا الحد الأدنى من الذكاء العاطفي، ولكي ندير دقة هذا التحول العاصف الأخير، بأقل قدر من الشعور بالألم .

فنحن لا نملك أي فكرة مسبقة، عما ينتظرنا في الأربعين، في هذا العقد الذي يرمز إليه " البنصر" الإصبع الرابع، والذي يطلق عليه " الفتى الجميل" ويقع تحت سيطرة "ابولو" الحوار، ويشير إلى قوة المشاعر العائدة، والاضطراب العاطفي، كما يمثل رمز الاتحاد والوصال المتجدد .
فكيف تدخلون في هذه التجربة، التي طالما حذر منها السيد المسيح للدخول بها "لئلا تدخلون في التجربة"، عند هذا السن الجميل، وقد فقتم كل مخزونكم، من هرمون ذكورتكم، "ماء الحياة"، الذي استنفذ نموه في دعائكم القديم، لتبحثوا عن وعاء جديد في هذا الصراع البائس لاكتساب تملك آخر .

أن معشر الذكور لا يملون السخرية من أنفسهم، أو تحولهم إلى موضع سخرية، ولا يتوقفون عن ارتكاب الحماقات بتكرار الدخول في التجارب . ويقول "اوسكار وايلد" أن هذه التجارب ليست سوى الاسم المستعار الذي نطلقه على أخطائنا . وقد وقفت هذه الأحداث في ذلك الوقت وبعد متابعتي لما تقوله الأبراج الفلكية، الذي كان يخضع فيه مواليد برج (... ) تحت سيطرة الإله الوثني القديم، "زحل او ساتورن"، الأكثر حداثة، من أن هذا العام هو عام الدخول في التجارب والصعود .
وان الإصبع الوسطى الذي يقع تحت تأثير "زحل"، الأصبع الأطول، وهذا الأصبع الأطول لسبب غير مفهوم يرمز إلى الفحشاء والدعارة، هل ثمة كلمة ألطف من الدعارة؟ الفسق، العربدة . انه عقد الثلاثينات حيث يصل الذكر إلى ذروة قوته الجنسية كما اكتمال الرجولة .

لكنني اعتقد بان المسألة أكثر تعقيداً من هذا التبسيط بكثير . إذ انه في حياة كل منا، ثمة ما يمكن وصفه بتجربة الدخول واجتياز معركته الشخصية الخاسرة، "واترلو" الخاصة بكل واحد منا، فميزة واحدة يجب ان تختبر طعم هذه الهزيمة الكبرى، الهزيمة التي يقول عنها " كلاوزفيبز" ،.
أن من لم يمر في اختبار أهوالها . لا يمكنه أن يعرف معنى الحرب . لم أجد أمامي سوى أن اتحد نفسي وادخل المعركة واخرج منها منتصر وهذا ما قمت به .
وأنا في الواقع كان كل همي حتى ألان هو محاولة شرح تكتيكات رجل دولة، الأكثر دهاءاً ومراوغة . فقط لأجل الحصول على الانتصار في هذه المعركة وربما تكون خسارة .

أن معركة "واترلو" الخاصة بي كانت في مواجهة امرأة . وهي المعركة التي تقررت بطلقة واحدة، حين وقفت إمام القاضي في المحكمة، التي طالمه كنت انظر إليها من بعيد، بخوف ووجل، ورددت أمام القاضي وشاهدان اثنين لم أكن اعرفهم مسبقاً: أنني يوم أمس الثلاثاء قلت لزوجتي أنت طالق" لسبب ما زلت اجهله حتى الآن، شعرت كما لو أني ممثل يؤدي دوراً في مسرحية، وقد كان شعوري بالسعادة لكوني أديت الدور أو المشهد بنجاح، وأكثر منه لأنني كنت أقوم بعملية تحرري أو انتقائي الخاص، من ثقل هذا القيد، قيد الزواج والمسؤولية الذي طالما شعرت بوطأة طوال الوقت، ولعدم استطاعتي تحمله والعيش والارتباط فيه، . شعرت بذاك الشعور الصبياني الساذج، بأنني أصبحت قادراً على امتلاك روحاً بين يداي .

وعلى أعتاب عقد الخمسينات: سالت نفسي وأجبت أن هذا الأصبع الخنصر، ماذا يقال بشان هذا الخنصر الذي كان لسبب آخر غامض، يظل أصغره، انه أصبع الحكمة، وهو الانعكاس لعلاقتنا الداخلية مع الآخرين . أي لسلوكنا الجنسي، وعلاقتنا مع الأقرباء بشكل غامض: انه على كل من تقدم به العمر حتى هذه العينة يجب أن يعلم أن حياته غير سائرة صعداً أو قدماً، فالشمس بعد أن تكون قد أراقا ضياءها سجينة على العالم، عليها أن تقود ليلنا أشعتها حول ذاتها لكي تعنيني هي نفسها، وأنا بالذات، حيث اكتشاف تفاحة الجنس الذي يعقب اكتشاف النار، في المرحلة الطفو ليه التي تسبق المعرفة الجنسية، كما قيل في الأساطير القديمة لتقول لنا أن الالهه وزعت عقابها على البشر وعلى نحو متوازن يقوم على قاعدة ذهبية قوامها عدم الرضي، أو الرضي المفوض، ولذلك نحن معشر الرجال غالبا لا نفكر بما نملك ولكن بما لا نملك وهذا هو منشأ عدم القناعة والشجع والنزعة العدوانية لاكتشاف ملكية جديدة وأنا منهم .

الثلاثاء، مايو 06، 2008

عـراف الـذاكرة

هدلا القصار
شاعرة وكاتبة / لبنان

أضاعني الليل وسط العواصف
أبعدني لشاطئ الوطن
وأدخلني سر الأزمنة الأولى
لأرافق الأمنيات
فوق رصيف البحر
كخيال سراب هارب

همست لشيخ لورك عما نقلني
لسر عراف في باكورة امرأة
حين كاشف هواياتي المنزلقة
تحت حمرة الشعر المغطي خصر الصدر
عن عروسة البحر
ونداهة الشواطئ
عن قصيدة فقدت برعمها
في قناع الحقيقة
فوق قراءات تراب الفجر
وفتح وميض البصيرة
من عزلت الذات/ وانغمار الغابات

حين سمع عراف .... شاعري
صوتاً يهمس وحيي !!
كصراخ ملاك قتيل
هارب من لعنة التأويل
ورائحة الحبق النازف

لم تمنعه مروج الزمااااان لقائي
لم يمنعه هروب الشوق عني

هنا في حديقتي الأليفة
همس صوته في بحت وجهي
مع قهوة الشاطئ في لحظات التماهي
المنسوجة بخيوط حبال الذاكرة

كالسحر!!
استحضره الخيال
كأسرار شعيرات الطبيعة
فوق كرسي لحنه السرمدية

ثم
اح ت ل ن ي
بسرقة تجلى الحواس
على صحوة طفلة نامت على زند خبث عراف
خلف زجاج السديم المعجون بهديل اليمامة
يروي مسااافة ليلة الحاضر

برغبة تثير لذة لقاء الرؤية
بأنفاس حمق الساعات/ وشوائب الأحلام
فوق الشرفة المطلة على أودية سماوية
تظللها أشجار الجوز
تبلل الجسد برداً ..... ورجفة

تحمل عناق الملح في ضجيج الملامح
برغبة مخملية تفيض النرجس
تمزق لوعة الأثير
بصمت يترنح إلي
بعزفه اللازوردي
فوق ارتعاش ومضة الدفء
يطلق خيول الشوق الجامحة
ليمارس نشاط الحواس
ب ن ب ا ت
حلم على حافة ليل
لعلى النسيم يجمع قصده .....
وقصيدتي

الثلاثاء، يناير 01، 2008

أهاليل الغياب


هدلا القصار
لبنان

تذكرني أناي بحليب كلماته ....
حين دعوته ليجفف الغياب من علاماتي
ويغلق ثقوب الغيبوبة
التي أنسلها في غاباتي
واحتبس الغيث دوني
كم كان له من أذن الهديل
أوراق كتبها كالاها ليل
وكم من قميص نافر سرقت
عروة المحبين
آه
كم أحبه ..... حين أحبه
وكم قرأته مرات ومرات
ومرات التقطت هلالات مساؤه
التي تركت آثاره
لأخطئه المواعيد المدللة
فوق جليد الصفحات
ليشعل الجفاف المبلل باليقين
بعد أن غنيته أسفي
وتعطرت برائحة طيفه
دون أن تحمر عيناه على سرد كلماتي
ودون أن افتح باب صدري ليلامس الشمس
أو حتى أمدد وجودي المتكسر
كيف ابلل الغياب الآن
وامحوا رزنامة الأشهر
كيف اقفز من خيانات أسواره
وانهل التراب دونه
بحلم مريض
ما زال الجفاف يبتلع حبات الصدى من جبيني
وأتغذى بأنفاس الفجر
ربما أحببته حتى الاختناق
وربما لن أحبه لأنني أحبه
وقد لا يكون في مخيلتي
حين بعثر أوراقي المخبئة
لأصبح كغيمة ترتدي سواد الثوب
وقد أكون
مازلت أدفء ثلجً ازرق من عواصفه
لأرطب أيام الحصاد
بعتمة شاهدين
يا الهي
كم أحبه ...... حين أحبه
وكم دونته مخيلتي
وانتظرت أن يأتي ليفرغ سلة حاضر الماضي
قبل أن تكبر طفولتي
وتشيخ أنوثتي
وقبل أن أتفقد غلافات كلماته
وأطبقها على صدري
ليزهر نبضه من جديد

الجمعة، نوفمبر 23، 2007

شاعر لم تقولبه القصيدة ولم تصنفه الكلمات: الشاعر منير مزيد


هدلا القصار
يتوجب علي أن أوجه شكري الشبكة ألعنكبوتيه التي أتاحت لي فرصة الاطلاع الواسع على النتاج الشعري الحديث بصورة لا سابق لها .
ساقني البحث عبر هذه الشبكة للتعرف على تجربة الشاعر الفلسطيني منير مزيد، المهاجر كارتحال السنونوات وهواجس العصافير التي تبحث عن موطنها في فضاءات السماء، يتنقل بممارسات أجنحة الفراشات التي لا تسيطر على ألوانها .
اعتدنا في الزمن الجديد أن يعري بعض الشعراء أبيات قصائدهم المحملة بتاء التأنيث، بينما بالكاد يلفظون الضاد، على عكس الشاعر منير مزيد فهو من يتعرى أمام قصائده ومن ثم يعري أبياته حرفا حرفا حتى يلبس حروفها ثيابا من صنع هذيانه الشعري حيث يبحر بصوره الشاعرية منفردا بها بين الواقع والخيال يروض المتلقي لإمكانياته دون أن يكشف لنا عن عورات جسد القصيدة التي تبلل القارئ بالتهام الشهوات .
شاعر لم تصنعه القصيدة ولم تصنفه الكلمات، يهرب من اللغة المعسكرة يرفرف تحت جناح مخيلته يحلق كالنوارس في يقظات السماء يرسم اله العشق يحلم بمرضعاته الثلاث، الأم الأرض الأنثى، حيث يوطنهم على أوراقه يوزع جيناته على أجساد القصيدة يحملها تاريخ الأساطير التي تتشابه مع مفهومه الفلسفي من خلال وجوده يرسم تضاريس الانصهار في يقظته يحول الأرض والأشياء والطبيعة إلى كائنات تتحرك أمامه تعتمد صوره الشعرية على علاقته بروح الومضة التي تنبثق من حواسه وتفاعله مع الحدث الإنساني يحمل رؤيته بكل عفويتها وانبثاقها يغوص في محتواها يستنهض القصيدة من غفوتها ليرمم صور الوطن المهملة على الخرائط، يخاطب كل أنواع الوجود يحاكي الإنسانية السياسة الديانات الآلهة والمعابد ويجسدها كطفل فقد نهده فهو بالأصل يعني الأرض التي لا تشبع لهفته منها، فلا شك أن هذه الإنسانية السوسيوثقافية المرتبطة بمعايشته للعاطفة التي منحته مرآة ذاته تجمع بين الرجل والمرأة والكون في شخصية الشاعر منير وهم الاناء الموحد في مجموعاته التي استخدام فيها ساحته السردية المتعددة الجدال والحركة داخل مفهومه الكينوني .
انه يسعى لإعادة المس الإنساني كاملاً وبديلا عن التشعب الذي مارسته السلطة الاجتماعية والأخلاقية بإزاحته من الزمان والتاريخ للدخول في زمن الجسد الآتي من انطولوجيته . كما يفرض علينا الشاعر إيديولوجيته على استلهام التراث العربي بشكل ثابت دون ان يسقط الحداثة الشرقية . يشكو غربته بانين خافت دون بكاء يتساجل مع روح مخيلته يلعن /يشتم/ يتساءل، يتخيل، يلاعب أقلامه الملونة، يتكلم عن نفسه، كالساحر يطوع القصيدة كما تشتهي مخيلته الأثير فمن رحلاته السردية عبر المجموعة الأولى " وجود" من قصيدة من رحلات منير مزيد:

تبعاً لمشيئة القدر /أتيت/ بزغت من الفيضان/ روحاً حيية... /ذاكرتي مزقها الليل /الملفع بالظلمة /وأنا أجوب هذا العالم /وحيداً ... /أبحث عن معنى /كنت أريد أن أشرب نخب السعادة /فهل من أحياء...؟
/ها أنذا اتجرع نخب الموت /أنادي /ليس سوى الريح تداعب أعشاب قبور صامتة
/ريح الصيف اللاهبة /والعالم يغرق في الوهم... .
وفي قصيدة " مرثية فلسطينية" يستسلم للواقع :
ترقد في أعماق النسيان/ممددة تحت إبط ألليل/يلفها الحزن و الإنتظار /ولا أحد منا بات يتذكرها ..... /تنتظر بزوغ الفجر/من نهد الحرية/وأن تخرج الشمس/من أحشاء التنين
على سيوف الثوار..... .
أما في مجموعته الثانية " صور في الذاكرة" فهي بالفعل صورا مسترسلة لا تتوقف فكلما حاولت الاصطياد في صور مخيلته ينقلني إلى أخرى أكثر جمالاً أتمسك بها يحلق يهبط مستعين بحرف الواو ليلاحق صوره المتلاحقة، فالشاعر منير مزيد له لغته الخاصة التي يشكلها كريشة الماء على ذاته حين يطلق الابيل الذي يعاني منه، كالكاهن يكشف صور حورياته المحببة والمرتبطة برؤيته نحو الوجود ومعايشته العاطفة التي تمنح مرآة وجوده كاملاً . فالقصيدة بالنسبة للشاعر مزيد هي الايروسي تنساب لهويته الإنسانية، يشكل رغباته وسرير الأحلام من ثقوب أصابعه بألم الوحشة ليلقي علينا رمادها يهمس لنا نار إله وحدته وغربته يسرب لنا عناوين الكهوف التي تسكنه في الظلمات، يترجم حالته في تحلقه كالفراشات لا يعترف بالاحتمالات ولا ترسي صوره على كائن وكأن قدماه لا تطأ الأرض يعلو بجناحين يتخطيان حجم الواقع :
أذكُرُها طِفلَةً/ تَحْبو على سَلالِمِ السَّماءْ/ ترْتَعُ وتلعبُ في مُخِّيلَتي
أبْكي .. تتَعرَّى بيَ الذاكر/ فأبْحَثَ عنْ ألَمْ ....... !/ ألم ٍ يتغلْغلُ في روحي
ويصْلبِنُي في اللغة ...... !/ لُغة ٍتُعيدُ للحَياةِ الألوان/ ما أخْطأَ النَّهْدُ
حينَ أرْضَعَ الطِّفلَ/ شَهْداً.... في كأسِ / صَديقيَ الوَحيدْ .....!
كُلِّفَ بِحِفْظِ أسرار الوجودْ/ وجُه مرآةٍ وفي المرآةِ/ تنْعكِسُ صورةُ الكونْ ......
أما من مجموعته الثالثة " فصل من الإنجيل" يسبح كالإله فوق أمواج السماء يصلي للإله للرب، يتغني بالإنجيل، يسخر من العبودية يسجل الشعر بمقولات المسيح، يصرخ كالنداهة في ملكوته الشعرية تلاحقه الحروف والكلمات بينما يلاحق الصور يحاكي الإله / الرب/السماء/الكائنات/ الحورية / الغجرية الماء الرياح/ويتكلم كالمسيح . يحلق بين النجوم يحاكي الأنبياء/ يقرأ عليهم اعترافاته بما أنزلته مخيلته/ يلعن من لا يقدس الإله بغير الحب لم يترك كائن يمر في مخيلته ألا وتوقف أمامه لحظات عابرة حتى آخر المجموعة .
…وإذ أوحى لي الشعر بالنبوءة/يتراءى لي ملكوت الله.../ فأنا نفحة من روح الله/ لن تفنى
و لن تذق طعم الموت/ تصعد إلى السماء/ عائدة إلى ربها/تستظل تحت العرش
و تبقى في ملكوته الأبدي/ راضية مرضية...
من ارتعاشات الروح / ولهفة الجسد الملتهب/ من وشوشة السماء للأرض
وهمس الماء للصخور والرمل/ فأنا نفحة من روح الله/ لن تفنى/ و لن تذق طعم الموت/ تصعد إلى السماء/ عائدة إلى ربها / تستظل تحت العرش/ و تبقى في ملكوته الأبدي/ راضية مرضية.../ الحق الحق أقول/ الشمس في الزورق/ يبحر في الروح/ بين خيالين
أحرقت الأنوار القديمة/ حقا إني أرتل آيات النور...
أما في مجموعته الرابعة " جداريات الشعر"
فيعود ويسترسل متوغلاً في الغابات التي تلامسها مخيلته المحملة بثلاثة أزمنة، الممزوجة بين الحاضر والماضي والمستقبل، في تصوراته في جداريات شعره وتصوراته العابرة في إلهامه الذاتي وعفوية الخاطرة حيث يفتح مجالا للمحاكاة في لغته الخاصة برسم جدارياته من منطقة البياض وإيقاعه الداخلي وينبوع أفكاره ورؤاه سنرى ما خلفه بالوناته المعبأة بدخان جدارياته
جدارية النبؤة/لماذا تنطلق الروح إلى السماء/تحلق ترفرف فوق البحر/فكل ما يُرى:/خداعٌ على خداع/وهمٌ يعتلي وهماً../أغلق نافذة الأحلام/وأستمع لصوت مخاوفك/لا مأوى سوى روحك البالية.../فهل الخلود حكاية شرقية/خرافية ينسجها نبي/ مغامر حالم عاشق شاعر/لست أدري...
جنون الشعر/ للشعر رائحة وطعم الجنون…/فألمس وجه القمر/وأغازل النجوم/الليل السماء والبحر/وأرتع في فضاء الأغنيات../يا إلهة الشعر/أوجدي لي مأوى/مأوى في كهف القصيدة/حتى أمارس هذا الجنون/هذا العبث .. وأرضعيني ../أرضعيني لبن الشعر/لعلي أصير إلهاً
وهنا يأتي الشاعر منير ليغربل لنا في مجموعته الأخيرة التي لا تحمل سوى عنوان واحد
" كتاب الحب والشعر" حيث يبحث عن الحب الذي يبحث عنه كما يشتهي، بين الأرواح والحرائق الملتهبة في نهد الخيال وفردوس الشعر بلغة العصافير وبالونات العاطفة بين النجوم وعذوبة المطر وحليب الشعر في فضاءه الواسع وعبر بوابات الأحلام . يقف ليعترف بمتطلباته على الورق يخترق لحظات الوحدة البعيدة عن العشق المدفون برغبة الاكتشاف والتحول إلى الحياة الأبدية، يستريح في هذه المجموعة من التناقضات بين الحاضر والنفس :
تعرف أولا على ذاتك/وعلى المرأة التي تهدهد القلب/القلب الذي يحملك
فالذات بلا قلب وامرأة/كومة من خراب.../نزل القمر إلى البحر /سكراناً/باحثاً/عن مراكب الغجر/يستحلي/عذوبة الملوحة الزرقاء/وتمرد الموج.../في المراكب/غجرية البحر/تغني آة لو أن للغناء مخالب/تقلع أشواك الحزن
حبيبتي/يحزنني أنك بعيدة عني/وما يحزنني أكثر /أن يطال مقص الرقيب قصائ
أحبّك أكثر من/الحبّ/إليك أكثر من وأشتاق/*الشوق/أحبيني/ بما يكفي/
لجعلنا نكون مثل الآلهة/بجانب بحيرة القمر/ ترقد حورية الشمس/ملاك يجيء
مصحوبا بجوقة من العصافير المغردة/وبصوت نحيب /يغنّي/فيفرد الليل جناحيه
في هذه المجموعات الخمس التي أغلق فيها ركن الهذيان والقيا علينا أسلحته واستراح على كفوفه الراعشة بطعم الفرح والتأملات والتساؤلات حول التكوين والوجود وجداريات صوره الشعرية مستنهضاً فصول أبيات مجموعاته التي تنبض بالحياة والسلام في سرد خيوله الممطرة ليكشف لنا أسرار الوجود الذي يسكنه .
ومن ثم حرك النجوم والكائنات باهتزاز السديم المتفجر في أعماقه وهو يعانق خرائطه الإنسانية بابتهالات القديسين في تراتيل الهمس خارج أنفاق الثقوب الظلاميه . كما أدخلنا في عمق المعاني الصور السماوية التي تبحث عن روح السلام ليترك القارئ يراقب مراكبه الراقصة بين أمواج هواجسه وهي المرأة في ثقوب طفولته، بعيداً عن زمجرة الطائرات في وطنه وسقوط البشر كأوراق الخريف في صرخات جدلياته الموجعة في خاصرة الأرض .
في لغة أنيقة وسرداً مكثف داخل موسيقى متسارعة وظفها خياله بشكل ملحمي بدون أن تتحكم فيه اللغة ما أعطى لنصوصه متعة القراءة في مساحة تواكب إشعاعاته المنفرد فيها .

الثلاثاء، نوفمبر 06، 2007

امـرأة تشرين

هدلا القصار
شاعرة وكاتبة / لبنان - فلسطين

تخرج امرأة تشرين عن نصوص الأسئلة
حين تجد الدفء في كتاباتها
تصرخ في عتمة البوح
تأتي كصهوات الغيم
لتحفر بين هسيس أصابعها قبر ميلادها
برشفة قهوة تخرج المؤجل
لتلتهم أوراق رنين الحروف
حين تسئم لجة الخداع المزخرف
في قهقهات جنون النبؤات
تسأل
تعاتب
تخاصم أحزانها
حين تستحضر المعنى داخل مسلمات أبياتها
تلعن الكائنات القادمة من الغابات المنسية
يتزاحم الخيال داخل أطيافها
تمشي على قاعدة فينوس
امرأة تصدع أناتها خوفا من الانقراض
بصمت موجع تشهق الأنين
تبعثر مجاهيل العتاب
لتسعل غفوات السنين
تنتظر الحظ من أفلاكها
تمضي لتفرغ ناقوس الصبح
تتعب من نظام الأبدية
تنشد الشمس في مزاجها
وتفتح ترجمات اللغز على بلاطها
تعترف
تخاصم
تكتب اليوميات
تختصر صهيل الماضي تحت دالية السماء
امرأة تشرين
في التاسعة والعشرون من ميلادها
تسرج جيادها في الصحارى
تسبح برغبة قول الحقيقة
حين ينشد البنفسج نشوته
تمسد الطرقات في مناجاة القرنفل
حين تطوقها تعرجات الحنين
وحكمة اليوم المباغتة
امرأة
يترجم صمتها صدى الكلمات
تدخل الفواصل في رياح صدقها
تضع في الوصايا حاجزا للخيانة
داخل التخمينات والتعقيدات
تستجدي الدهشة التي تتجاوز رمش القلب
تعزف إيقاعها بعناد شرس
تنطلق كصراخ الأرواح بلا وطن
حزينة كرقصة فالس
تعزف قدوم القمر على دمائها
حين تلمع في وجهها حدائق الغباء
امرأة
ناعمة كالزمهرير
تسحب الضوء من بطء الماء
تتحرك من خلال أغصانها
عندما ينشق بياضها عن سوادها
هي امرأة الرخام الطري
تراقص تراتيل السكون
كطائر الروح تحلق بنواياها
تلوح الكسل المربوط بإسرارها
تفرد جناحيها المكون برقة الجدليات
تغادر مع القمر حين يزاحم الرزاز صوتها
تخرج حروفها المنسية
تكاشف أعمدة الوهم
تعبر لغات العواطف
لتسكن الشواطئ الموحشة
تنقب سوسنات الخجل
لتتمسك بودرة نافرة على جبينها
الممزوج برائحة نبتتها
في يوم ميلادها

الثلاثاء، أكتوبر 23، 2007

اعتــذارات

هدلا القصار
شاعرة وكاتبة لبنانية


أقدم اعتذاري لمن اخرج لغز كلماتي
أقدم اعتذاري للأخطاء الصحيحة التي ارتكبتها
ولأصابعي الخمسة وحسن نواياها

في كانون الثاني سنة . . . .

قدمت اعتذاري للمحب القديم ... الجديد
ولصديق صوري
للأكاذيب التي عشتها في ملعب الثعابين
اعتذرت من سذاجتي الملحوظة
وضياع عقدي وخاتمي
وخيوط الخيانة المجانية
والأثاث المدمن على التنازلات
كما قدمت اعتذاري للمنزل الذي تركته
وللجيران الذين حرمتهم مراقبتي

وفي شـهر نيسـان

قدمت اعتذاري للمعجبين ... والمجاملين
وللشوارع التي فقدت بعض آثاري
لحوارات البحر الخرساء
ولن أنسى صخور إرادتي كالمد والجزر
للمرأة المنسية
وسخونة الطمأنينة
وقصاصات شعري
واللعب بحصوات الأرض
ومن الدائن والسارق
وللسناء العاهرات/ ومكر الرجال الصامت
اعتذرت منهم لأنني لن أكون ألا سواي

في شهر حزيران
اعتذرت من دقات قلبي السريعة
ومن أوردتي المحقونة بالمهدءات
والدموع الملونة بالغباء
ولقب ابتساماتي
ومن زيارة قبري
ودعوات الأرواح
والحقيقة المعلنة
والوجوه المتعددة
والمنازل التي سكنتني
كما اعتذرت من الزهور التي اشتريتها لنفسي

فـي شـهر آب

اعتذرت من الأسئلة المخبئة
والخواطر المدفونة
وثقوب محبيني
أرقام الهواتف، والمراسلين
وأصحاب الذمم الرخيصة
ومن الأمواج التي كسرتها الصدمات

واليوم اعتذر من كلماتي التي توهت قصيدتي

الخميس، أكتوبر 18، 2007

الرصــاص والنحلــة

هدلا القصار
شاعرة وكاتبة
لبنان / فلسطين



هربت لغرفتي ظهراً
تأففت صوت الرصاص
الآتي شرقـاً وغربـاً
نظرت من النافذة لأرى العصافير والفراشات تهرول
لا تعرف إلى أين تذهب
كان صوت الرصاص أقوى من معرفة
من أين يأتـي

تركت النافذة مفتوحة
وإذ بنحلة على ثوبي البنفسجي تبحث
تبحث متلهفة عن وردة تسكنها
تبحث كطفل لا يعرف المهــد
كان الورد على ثوبي خدعة للنحلة
وطارت

طارت فوق رأسي محلقة
وهبطت متسللة
وضعت رحيق الأفكار زهراًً
وطارت

طارت وفرشت على الصدر جناحيها
وجدت في المكان خوفاً
وفي النفس ألماً
وطارت

طارت وبجناحيها صفقت حزناً
نالت مني مللاً
كانت على جسدي نحلة متطفلة
نظرت إليها بالسقف محلقة
وهبطت

هبطت على جفني وارتشفت من العين دمعة
وطارت

طارت وحطت على الأذن وتراً
فتحولت الأوتار في إذني نغماً
وطارت

طارت ووضعت على شفتي عسلاً
فتلعثمت الكلمات
لم تأخذ إشارات يدي يـأسـاً
وما زالت تطير وتحلق حول الضوء
نالت مني شفقاً
فجأة!!
صحوت على صمت الرصاص
نظرت من النافذة لأتأكـد
سمعت صوت الرصاص يتردد
رأيت النحلة على نبتة النافـذة كـذلك تتـردد
وطارت

طارت وحلقت في كهف السماء واختفت
عاودت الجلوس ابحث عنها ربما تعود
سألت نفسي؟
أكانت لي من الخوف سلـوى
أم من صوت الرصاص لي استسلمتَ

الخميس، أكتوبر 11، 2007

من منا يعتذر للآخر

هدلا القصار
شاعرة لبنانية مقيمة في فلسطين

تلألأت الزهور في الحانات

تذكرتً أن للحب عيـداً

غاب الحب اليـوم

كغياب النحلة عن الزهرة
ربما لم تعد الوردة تذكرني بعيد الحب

ربما لم يعد للمحبين عيداً

غابت ألوان الورود عني

كما غاب لون الحب مني
يقولون للحب جذور ...

ربما

ربما

وربما

سقطت تحت التراب سهوه

وربما غابت عن العين ونست
من منا يعتذر للآخر

نحن أم الوردة

من جفت تربته

نحن أم الوردة
ربما نسيت الوردة الظهور

ربما هذه السنة كتلك أو قبل

ربما نسى الحب الوردة

ربما نسينا وردة الحب
في النهاية كلنا كالوردة

يداس جمالنا تحت الأقـدام

بعد البسـمة

اللـمسَ

الشــمَ

فلا نخسر سوى الثمن والعـمر

ونحن نقول

ربما ربما ربما

الاثنين، أكتوبر 08، 2007

ألـف لام ميـم


هدلا القصار
شاعرة وكاتبة من لبنان
**
هي حروفي الغير مفهومة
ملعون ... من يفكك كلماتي
من ثوب جيوبي
ويدخل نافذة راسي
يغزل خيوط المعاني
يسمع زئير حذائي
عندما ينزف الزمهرير أحبار أقلامي
واعزف الشمس على جبيني
فوق رماد الثلج
أو عند صياح الصبح
وبياض الليل
ملعون... من يطلق أوزار أحلامي
يملاء زرقة عيوني
وجدال جفوني
حين يأخذني الزمان ويواري حنيني
ملعون مثلي من يقف عند مرايا نفسي
وينبوع خصبي
من يمسك محار بحري
أو يخبر طيور النور س عن هجران صوتي
من يغتسل في نهر انفعالاتي
حين تلاحقني الخيبة
وتترك بين أصابعي أقمارها في عتمة حواسي
من يدخل تلافيف مخيلتي
يدق صخور صمتي
وينشد عشقي
شيئاً في الأفق كوكب قسيمة غربتي
جنح جناحه ليفطم حلمي
ويجمع انهار أسئلتي
بإيديولوجية إشاراتي
وانزلاق التنهدات فوق أبياتي
لأعبر جبال الخجل من أقفاص ذاتي
بفريسة الرغبة
وهودج أرواحي
من يوقظ الخطايا من حماقتي
ويعيد صياغة عالمي
يسبح في دهاليز موجي
ثم يخرج من طراوة عشبي
من يزبح وريد الشوق في جسدي
و
ي
ن
ت
ه
ي
بين ضلوعي
لمن ؟!! اسلم صولجان فكري
عندما يطلق الليل صرصاره
أنا لست راهبة
ولا يهوذا
ولا جمرة في فم الإله
انا من تحاصرني أوراق الخريف
ولهيب رغباتي
لأضحك من هول أفكاري
وخيبات العالم في مرآتي

الاثنين، أكتوبر 01، 2007

عـربــي الجــدَ

هدلا القصار
شاعرة من لبنان


لماذا لم أخلق حصاناً؟
ولماذا شعرت بالغيرة؟
وأنا كنت مثله
أحب الركض والرقصَ
وأحب الخفة بالنقلة
ولي شعرُ كالذيلَ

واحدٌ بين الأحصنة عربي الجدَ
عربيٌ ثائرٌ بين العشرة
يقف خلف خط الباب
يتــأملني
بكبريـاء وعـزة
وبحدة يصهل الصوتَ
يرفس الباب ويرفض الوحدة
تجمدت نظراتي أمامه فجأة
هـــا!! هـــا!!

نظرت إليه مرة وأخرى
تجمدت في وجهي الحركة
رويداً رويداً
انسحبت قواي من جسدي
تداركت الأمر
نظرت إليه مرة ومرة
بلمحة أعطاني الود والغنجَ

بدلالً يقف ويتمشى
كالعزف تطقطق حوافره الأرض


مسحت وجهه بكفي والجسد
قاسته عيناي ......
بنصف مترٍ كان وجهه
رفرف قلبي لاضمه تحت أبطـي
لكنه كان أعلى
لو ساعدني الوقت
لاحتضنت نفسي في صدره
ساعة أخرى
يا ليتني أعطيت الحارس قرشاً
لكتبت الكلمات أجمل

عذراً يا عربي الأصل
لم يساعدني الوقت أكثر

هناك طفلاٌ في الجانب الآخر
حديثاً ترك ثدي أمه
يطلب الحنان
ويخاف صهيل العربي الصوت ..
..............
........
تمنيت أن أرى الطفل حين تلد المهرة
لأرسم العربي منذ الصغرَ

الجمعة، سبتمبر 28، 2007

لـن أبـوح

هدلا القصار
شاعرة لبنانية / فلسطين

ولن أقص حكايتي
لم انس الماضي
ولن اذكر الحاضر
ولن أعود للبداية
ولن اصف رقصة اغتيالاتي
ولن أقول كيف غـفى بين أصابعي

ومتى همست في أذنيه رغباتي
وكيف سبل جسده بين ضلوعي
ولماذا صحا على كلماتي

لن أبوح بساعة الصفر
ولن أقول كيف مارس حلمه معي
ولماذا اختفت تجاعيد وجه
واختزل شيخوخته

لن أقول لماذا عاد لماضي أيامي
وكيف تخطى مراهقته
وملاءة فراغات

ولماذا قيدني بتحولاته
ومشاكسة مداعباته

ولن أقول لماذا أغرتني تساؤلاته
وكيف سلمني جميع أوراقه
ودثر نفسه بخصلات شعري
ولماذا يشتهيني كسيجارته

لن أقول لماذا مزق رزنامة يومياته
وكيف أصبح غير قابل الاختراق

ولن أقول كيف دفئني جسدي
ولماذا يسأل كل مساء عن اسم عطري

ولن أقول أنني ما زلت أنام على صدره
وأسجل مخطوطات أفكاره
واليوم أتغنى بصحبته

الاثنين، سبتمبر 24، 2007

المؤامرة الوردية

هدلا القصار

اخضع اليوم لمؤامرة حين تسوقني الأفكار
نحو القراءة أو الكتابة
لتغرقني السطور بمفارقات رغباتها

وثالثهم
يلهثني بنشوته الشعرية / يشدني لأطلق نار قصيدتي
اهرب منهم جميعاً ومن خلف ساعات النهار/ إلى حديقتي الوردية /
لالتقط دقات قلبي في اقانيمه السرية

اهرب كامرأة ضلت الطريق /حين يلفني الليل في مستنقعاته الموحشة
لأسال عن الحب المتورم في الصدر/ وبين أرقام الشوارع والمحطات
تدفعني القصيدة لإشراكها / كشعرةِ تلتف شعري
كقبلة تتدفق تلوى القبلة
كلهب لا توقفه لحظة عشق
تتسلل تضاريس عظامي المتأججة
تشع موجة الرغبة فيها
تملاني برائحة أنوثتها
تمتد كطبقات السماء السبع في جسدي

ثم تصحو القصيدة كعشق الجسدين
حين يتجردان من الكلمات
تتكسر السطور في أهاب هياكلها
تأتي بذروتها البيضاء المتوحشة / توقظ نبضات القلب الراكض
تفرغ شحناتها الليلكية
كأمسيات وعرة لجنسين

تنساق معي كالزمن / وبدون ضجر
كالجسور تسند أقدامي المتعبة
تنساب بعيدة كالنهر في الأفق
كالقلب المستقل بساعاته الوردية
تستسلم أمامي راخيا شفتي موسيقي حبها
لتسبقني وتسافر في دفق الزمن المؤجل

تخرج كدم النهر / وتهوي أمامي جريحة أساطيري
حين تمد يداها وراء كتاباتي لتقاسمني الفناء/
كالقطط الضالة تسترخي بين جفوني /
كصمت التراب الملتهب/
تعود وتتأهب لي ثانياً / كالعاشق تطرق باب دروبي
أتوه في جيوشها
اعشق جاذبيتها
موتها حين تأتيني / دون ثياب ودون هدف
وكأنها ممتلئة لحد الانسكاب / بسائل حمضها الصاخب
الذي لا يكف عن الآلام و الإلهام

أيتها القصيدة الغامضة في لحظات رغباتك /
الملتفة كلون الماء القادم من الجسد/
ألمتوجهة لهامات براكيني
كطفلة الشتاء تختبئين بين أوراقي
كابنة الربيع تلهي في عرشك المورد
تأتيني
بحروف شمسية
بجمل قمرية
بأسطر هلالية
تلاحقي مزامير خطواتك
وبين أصابعي تتوهجين

ها أنا أقلبك ألمي لتبكي وتنزفي نزقي
لتتعرفي على كل رغباتي/ لتخترقي عالم حزني وجنوني
وتسجلي تاريخ ميلادك ...

ربما لم تطاوعك أقلامي
وربما لم تكوني لتعرفي الوجود إلا من لحظات انتشائي ... ونشوتي
ساعة تلفي يدك حول زهدي لتنتزعي رائحتك /
وكأنك تكبرين بدمائك المدونة من زمني
وساعة تنفجرين بنضجك كوردات حديقتي/
التي تنشر رائحتها مستهزئة بانتظار فراشات النهار

فيما أتبع ضوئك لأعانقك واصدر حكمي عليك
لأهديك اسمي /حين تصدر ين إشارات أنفاسك الأخيرة/
كمد البحر وجذره / كالفراش مكسوة بساعاتك /
الممددة برعشتها الأخيرة
تواصلين التحديق في ملكوتي
تنزلقين كوريقات شجونك
الواحدة
تلو الواحدة
تلو الأخرى
بألوانك القزحية
تنتشري كالرمال في صحراء قلمي
وفي شظايا ناري تغلي جذورك
تتألقين في كوكبك

وفي زرقتك الحمضية ترممين الوجوه
تسجلين علاماتك على كلماتي الهوجاء
وأنتي بخواء الألم والعشق ... تمكثين
كبدرً ... مــا
شهد رهيف صنيعه

الثلاثاء، سبتمبر 18، 2007

تنوع الأسلوب الشعري في قصائد هدلا القصار



حازم حداد
باحث وناقد أدبي
تتميز قصائد الشاعرة اللبنانية هدلا القصار، بتنوع لافت في تجربتها كما في أسلوبها الشعري، الذي يبدو " كنبتة برية" لا يطرح تساؤلات حول مصدره بقدر ما يدفع إلى التأمل في تكنيكها الخاص . فهي تهيمن على القارئ منذ اللحظة الاولى وحتى النهاية، تحرك صورها بحذاقة بارعة، لتستعيد خلق وتفاصيل علاقاتها بالازمنة واللحظات، والامكنة، واصعة القارئ بين الحقيقة والالم والسخرية،
لنا أن نرى في هذه التجربة المميزة، فرادة اشتغال على القصيدة، كتفوق الشعر على نفسه، فالشعر هنا مأخوذاً في لحظته، أو حالته، اقتحامه، وتفجره، دونما عناء أو تكلف في الصنعة، حتى ليبدو كما لو أن القصيدة هي التي تلد ذاتها دونما تعسر يستدعي تدخل القابلة . أنها تخيط فكرتها بالخوض في الواقع الخاص وإيقاعاته وكأنها، ترخي الهام أصابعها لتتغنى بنبضها . فهي تدخل صهيل كلماتها في لحظات عالمها بصور رؤيتها الجمالية على ايقاع لحظاتها في الحياة الي لا تبحث عن حذاقة احداثها .
انها شاعرة تنطلق من الواقع المتناقض مع مثالياتها ونبضها الساخر الغنائي فتكتب قصيدتها بتناغم محسوس تربط بين شكل القصيدة ومضمونها، دون المبالغة في تأليف الجمل، وتكتفي بتدوين كلماتها من إيقاعها الخاص والمتنوع، ما يمنح أسلوبها قدراً واضحاً من الأناقة .
وهي بهذا المعنى شاعرة خارج النسق، أو السرب إذ نلاحظ أنها دائما تبدءا قصيدتها بجملة حركية مفتوحة، لتسرد علينا فحواها، ثم تختمها بحركة او بحكمة فلسفية نقدية أو بسخرية . وكانها تقامر على مفرداتها البسيطة لتهبها تلك الكلمات التي تضعها داخل قطعة فنية مميزة . تقص علينا قصة قصيدتها " الكلام أولاً والقصيدة فيما بعد" تروي قصيدتها كما لو أنها تحكي لنا قصتها، وتترك نفسها شاعريتها تنساق وراء غريزة الشعر نفسه، باعتباره ضد كل القوالب، وخارج عن كل القوانين فهي تسأل:
ما معنى الشعر يُكتب وهو لا يقبل الكذب ولا يصدق الحقيقة؟كيف أطرق أبواب القصيدة .
ثم تنهي قصيدتها بتحد صارخ، كما لو أنها تحاكي مرآة ذاتها في مواجهة فلسفة الحياة والمجتمع والأقاويل في عمل القصيدة بتحدي يطال وجودها كشاعرة :
لترعد أصابعي القصيدة وفي نفسي خوف وكأن الحياة ليست سوى حبلاً يشدنا للوراء والأمامسوف أسيطر على القصيدة حتى لو وضعت السنين على رأسي قبعة الشيب
ان لحظتها الشعرية مضخمة بالنضج، كما بالنشوة، الذي يصعب طرح التساؤلات ، انها لا تمل من طرح الاسئلة على ذاتها والتي لا يمكن الاجابة عليها . فهي اكتب عند تلك اللحظة من الغسق، لحظة انبثاق طائر "أثينا" طائر الحكمة، بحيث تعثر في كل مرة على تكنيكها واسلوبها الشعري الخاص، بوصفه اللعبة . لعبتها الطفولية الأثيرة .
انها ترهص لنضوج هذا الشعر الذي يجيء على شكل طفو، دفق من الحالة الشعرية المباغتة، المهاجمة، المقتحمة، دونما أن تجد في ثنايا هذا الشعر أثراً ما لأي شيخ في طريقتها، سوى طريقتها الشعرية الطيعة، التي تشكل عجينتها من طينتها الخاصة، لتعيد تشكيل نفسها في كل مرة بنسق جديد .
أن ما يدعونا للتوقف حقا في هذه التجربة هو الإبحار في إبداعها والتجاوز الذي تقيمه تجربة هذه الشاعرة للقالب المتكرر، كنوع من التقليد والمحاكاة أحياناً، بحيث نجد غالبا لدي الجيل الحديث من الشعراء والتي تنتمي القصار إليهم نوعاً من الاصطفاف في تقليد نمط القصيدة عند جيل الرواد الكبار بحيث تتحول هذه التجارب الوليدة إلى نوع من المحاكاة للشعراء الكبار غير ان قصائد القصار تبحث عن ذاتها فقط ولا تحاكي الا نفسها .
هنا مع هذه الشاعرة ثمة روح واحدة، وصوت واحد، هو صوتها الذي يجمع بين خيوطها، التي تسبح على أمواجها كما لو أنها فنان تشكيلي بارع لا تحب استخدام ذات اللون مرتين وهي في كل مرة تدعونا لاكتشاف هذا التنوع في تركيب النغمات المتناسقة مع الكلمات كالسلم الموسيقي .
هكذا هي تحمل سمات الحداثة الشعرية بامتياز، وهي أنثى تحلق في فضائها الطبيعي، حيث الشعر كما الفن عموماً، أنثوي، في شعرها الذي ينبض بالانفعالات أسرارها الحياتية .
تستوقفنا قصيدتها "نزهة" منذ البداية بافتتاحيتها المباغتة، حين تقول "لحظة أنا أفكر" تجعلنا في حالة سؤال بماذا تفكر وماذا ستقول وتعرض علينا:
لحظة أنا أفكر
أنا وحدي أفكر
لا احد في المنزل يتنزه
آتاني الحنين للوطن
والشوق لبيروت
وأصوات الأخوة يخاويني
وأنا أفكر
وتغوص في فضاءات تجربتها التي تتألم من أحاجي الزمن والأيام وانتظار اللحظات فضلا عن شفافيتها وغربتها التي تشركنا في ألآمها، لتتجلى على أزمتها تدمج الدراما بسرد ساخر، وكأنها أنثى تخرج من بين أوراق الغيوم وهي تختم قصيدتها بسخريتها الخاصة وتقول بعد أن فشلت أحلامها من التحقق :
" إذاً إنا والقلم ذهبنا بنزهة ".

أما في قصيدتها الجميلة نبتة برية، فتسرد لنا قصة يوم، في بحثها عما يحاكي اغترابها، بين أشجار النخيل والبحر، لكنها في هذه القصيدة تصطحبنا لمشاركتها في البحث عن ذاتها بينما تصرخ بين اشجار النخيل :
صرخت أشجار الغابـة سكانها .... تسأل؟
سمعت لحـناًً قـديمـاً من خلف التاريخ ينادي
سمعت لحـناً جـديـداً يذكرني بطفولة تاهت
سمعت لحـناًَ بعيـداً يصرخ ... ارجع هنا
سمعت لحـناً من خيوط الـذاكـرة يتأرجح
كطائر النورس التقطت تلك الأصوات
خشيت الصوت ... كالخيل وفـزعت

وفي نهاية رحلتها تترك غربتها بين الطبيعة لتعود إلى واقعها المعاش، سرير غرفتها، خزانة أسرارها، وتسلم نفسها لسلطان النوم .

أما في قصيدة "ألوان" التي تشبه نمنمات العزف الموسيقي المنفرد على البيانو ترسم لنا من خلال قصيدتها لوحة فنية رائعة، لصباح يومها، ثم تختم قصيدتها بعد ان عرضت علينا مشاكسات او نمنمات صبحها ،
عيناي تلون النهار
أم النهار يتلون
خيوط أفكاري لا تلائم اليومَ
أو ككل يوم

وفي قصيد من منا يعتذر للآخر" تشم رائحة الورد في الحانات الذي يذكرها بعيد الحب لتعالج نسيانه بطريقة غنائية عذبة :
يقولون للحب جذور ... ربماربماوربما سقطت تحت التراب سهوهوربما غابت عن العين ونست
من منا يعتذر للآخرنحن أم الوردةمن جفت تربتهنحن أم الوردة
ان شكل الفني لقصائد القصار ونصوصها، هو شكل يتجاوز المحتوى في كل مرة، دونما التدخل لتقرير ذلك كما لو ان القصيدة هي التي تلاعبها، كما قالت في مقابلة مع صحيفة الزمان, فهي تكتب قصائدها الشعرية كنوع من الاليهات الطفولية كما لو أن الشعر أو التجربة الشعرية هي صنو الطفولة، الساذجة، المتميزة بذاتها ولعبتها الفنية .
فهل هي صانعة حاذقة، ماكرة، هذه الشاعرة أم أنها هاوية فقط وهاوية أبدا ؟
لذا هي لا تركض وراء التحميلات الحاذقة المكثفة كما الفذلكات المعجنة اللغوية، التي تفقد الشعر بساطته، كما رهافته ورقته، وهي تبتعد في قصائدها عن هذه التحميلات الذائدة التي تثقل على الشعر وتحوله إلى نوع من الاحجيات المصطنعة، ولكن التي تحيل الصور في القصيدة، إلى بناءات خشبية متصلبة .
وبهذا التصور المنفرد بذاته نصل إلى بنية القصيدة عند الشاعرة القصار التي تتميز بقوة الصدق الواقعي الذي لا يخل بالشكل الفني كما في حذاقة الصنعة بحيث نجد في قصائدها هذا التوازن المرهف والشفاف الذي يمنح قصائدها هذه السمة الفنية المميزة، بغرابة أسلوبها ويجمع بين الصدق الواقعي والصدق الفني .
فهي لا تنتمي إلى مدرسة شعرية محددة كما يبدو لي، ان مدرستها الوحيدة هي صدقها ورهافة إحساسها في التعامل مع قصيدتها التي تأتيها كحالة أشبه بالحلم المباغت، وهي تكتب بهذا المعنى كقصيدتها الرشيقة الحالمة التي تحمل ذات العنوان " مباغتة حلم" تتكلم فيها عن حلم راودها وامتزاج ما بين الخيال والواقع حين وصلت به إلى نقطة مغلقة وهي تقول في نهاية الحلم :
أغمست أصابعي بماء الحلم
وبجناح الشوق لامسته
هاج كدوار البحر
سبح في حدود زهدي
قذف بي لحبً طعن وهمي
وشوقَ كسر صدر
ولدمعة فرحة تنسج مخيلتي
قبل أن يذهب الحلم في حداد .

ربما نستطيع من خلال نصوصها الشعرية الدخول في تجربتها التي تشبه البناء السنفوني كما في قصيدة "قصة شجرة" هنا قطعة فنية تكشف عن جانباً من إصرارها على إثبات وجودها في واقع الحياة الذي تصوره لنا من خلال تجسيد نفسها بشجرة فهي لحظة كشف حازمة في تجربتها، وربما يعتبر هذا نصا نادرا من الناحية التعبيرية والفنية عدا عن كونها تجربة أنثوية بامتياز .
نظـرت إليه بصمـت بــارد:
حـاورتـه نظـراتي عـاتبـة، عـن مـا فعـل بتـلك الشجـرة
الصغير قبل أن تصبح يانعـة،
وجـدت نفسـي استحضـر صـوراً وصـوراً
لـذلك الـرجل لطالما استرقت النظر إليه،
يرعى شجرته، كعاشق يرويها/ يتلمسها براحـة كفيـه
يحتضنها/ ويغنيها/
تميل إليـه أغصانها/ وكأنها في حالة من النشوة .

أنها شاعرة مسكونة بالتمرد والتقلبات والرفض لكل ما يدور حولها والذي يصعب هضمه بالنسبة لها، كما لا تخلو قصائدها من مسحة ساخرة حين يقفز المفهوم عن المألوف بالنسبة لها، فوق كل ذلك فهي لا تتردد في أن تسمح لنا بالاقتراب من عوالمها الخصوصية .
وهكذا في قصيدة صور تعرض علينا الشاعرة هدلا القصار ألبومها الخاص وتواريخ قصصها كما لو أننا نجلس معها في جلسة عائلية حميمية وهي تروي لنا قصص ألبومها وتقلبات الزمن فيه لتظهر لكل صورة تناقضها مع الواقع وعن تغير العالم من حولها، ثم تجمع قصة ألبومها بصورة واحدة ساخرة من تلك الصور .

وهنا صور للقيم التي درسناها
وهذه صورة نتغذى بذكراها
صورة للصداقة ... قبل أن تتبدل
وهذه للأناقة ... فيها كنا نتجمل
وصورة للحياة قبل أن نموت فيها
وللألم بركان من الصور
وللموت صور
للمشاعر المستعارة .....
للأفراح المغبرة .....
للبسمة المعكوسة ......
وهذه صورة أجمع فيها الزمن

أما في قصيدة " اعتذارات" التي تبدو كما لو انها تصفي حسابها مع الزمن فإنها تكشف عن لحظات حاسمة انثناء جلستها مع النفس تسخر من آلامها بطريقة تقديم "اعتذارتها للاخطاء الصحيحة التي ارتكبتها اصابعها الخمسة" هنا تبرز عن براءتها التي لا تنسجم مع العالم ومع من حولها وكأنها تطلب من الزمن استرداد طفولتها الأولى .

قدمت اعتذاري للمعجبين ... والمجاملين
وللشوارع التي فقدت بعض آثاري
لحوارات البحر الخرساء
ولن أنسى صخور إرادتي كالمد والجزر
للمرأة المنسية
وسخونة الطمأنينة
وقصاصات شعري
واللعب بحصوات الأرض
ومن الدائن والسارق
وللسناء العاهرات/ ومكر الرجال الصامت
اعتذرت منهم لأنني لن أكون ألا سواي

وكذلك في قصائد أخرى كثيرة فهي تكشف لنا بصدق واقعي نادر جانبا من حياتها الخاصة وهي قصائد يمكن النظر إليها مجتمعة كمقطوعات متناثرة في لوحة متكاملة وجميلة حين نستطيع أن نشعر بأغوار أعماق سرها كما نشيدها النثرية الذي ينبثق منه نبرة الصدق الشعري إلا أنها بين الصدق والواقع والصدق الفني على نحو نادر الحدوث وهذا هو سر وسحر لمساتها الإنسانية الجميلة التي تحملها قصائد القصار ، فأنت تكاد أن تعرفها او تعايشها كما تستطيع ان تخيط هذه المعرفة بغلالة بيضاء ونتعرف إلى عالمها عالم هذه الشاعرة .
فلعل هذه الشاعرة المبدعة تعي أن الاحتراف في الشعر هو خطر على الشعر وان الشاعر ينتهي حالما يقطع هذا الحبل السري ولكن غير المرئي في الزمن بين الهواية والغواية والاحتراف .