أنطوني ولسن
تحذير: هذه القصة للكبار فقط
ساد الصمت من جديد، لكن روجينا قطعته بصوت متردد:
- مدام.. معلهش سامحيني.. رايحه تعملي ايه مع فريد؟!
تطلعت بها المدام وأطالت النظر.. ثم قالت:
- إيه رأيك انت؟.. أعمل فيه ايه؟
- طبعاً تعاقبيه يا مدام.. لكن.. لكن..
- لكن ايه يا روجينا؟
- ما تموتهوش يا مدام..
- يا سلام.. بالبساطة دي يخون ويسرق وأعاقبه بس؟!
- علشان خاطري.. تعاقبيه ولو حتى ترميه في الشارع زي ما جبتيه..
- رأيك كده يا عبيطة بعد ما عرف كل اسرارنا؟
- طيب نحبسه إحنا مدة طويلة..
- ما تشغليش بالك بالموضوع ده.. المهم عندي الاحتفال بانضمام عفاف اللي حيكون اسمها فنيسا.
- تحت امرك يا مدام.. دا حتى اسم فنيسا جميل ولائق عليها..
- الاحتفال عايزاه في هول المعبد.. احتفال تدربيها انت عليه، وتفهميها ايه الخطوات اللي تتبع.. عايزه مفاتن جسمها تبان، وتحطوا رقبتها داخل حبل المشنقة، وعينيها عليها عصابة سودا، وما تشوفش منها حاجة خالص.. تفهميها وتحفظيها سر اللي ينضم لينا.. الطاعة العمياء.. حتى لو طلبنا منها تقتل نفسها.. أو اي انسان مهما كان عزيز عليها.. اعملي اتصالاتك مع كل اللي بيعملوا معانا انهم يكونوا حاضرين قبل الساعة تسعة مساء، انا محضرة لها فستان جديد تلبسه بعد الانضمام وقسم الولاء والطاعة.. اعملي حسابك شخصيات كبيرة ورجال الشرطة اللي بيتعاونوا معانا.
- مفهوم يا مدام..
- طيب روجينا.. روحي انت ونفذي اللي قولته لك..
خرجت روجينا وفي داخلها صراع مرير، لا تعرف الحب، لكنها تميل الى فريد. وعندما وهبته نفسها، كان الدافع الى ذلك اعجابها به كرجل من خلفية اثنية تختلف عن خلفيتها، وكان من أنشط الرجال وأكثرهم حركة وولاء للمدام، ولية نعمتهم، التي انتشلتهم من حالة التردي والضياع التي وصل اليها كل فرد منهم في ظروف وإن اختلفت، تعتبر متشابهة.
ما عرفته عن فريد حبه للقمار، طلقته زوجته وطردته من البيت وصدر حكم يقضي بعدم التعرّض للزوجة وللأولاد. تلقفته أيدي زبانية الشيطان، عمل على ترويج السموم بين الناس، احتياجه للمال جعله يضاعف نشاطه. قبض عليه مرة، ووضع في قسم الشرطة، قام الكونستابل النوبتجي بالاتصال بالمدام، بعد ذلك صار واحداً من رجالها، بل أحد الاركان الاربعة للمنظمة.
لكنه خان القسم والوعد اللذين أخذهما على نفسه ليلة الاحتفال بانضمامه الى المنظمة. انه قسم واضح لا لبس فيه «الموت لمن يفشي أسرارنا.. الموت لمن يخون.. الموت لمن يعمل لحسابه دون اخبار الآخرين بذلك.. والطاعة العمياء للمنظمة التي ترأسها المدام.
رغم العبء الذي سببه لها الاستعداد للاحتفال كما طلبت منها المدام، إلا أن روجينا كانت تفكر في أمر فريد، وما آلت اليه.. انه ميت.. ميت.. المدام تكره الخيانة، وتكره الطعن في الظهر.. رأسها مدبر ومخطط، كبار رجال الدولة كالخاتم في اصبعها، تحركهم كيفما تشاء وساعة تشاء. نفوذها واسع وطريقتها بسيطة للغاية. تضع عينها على الرؤوس الكبيرة، تقيم الأحتفالات بأسم مؤسسات وشركات تسيطر عليها، وتقدم الشيطان لهم في امرأة جميلة وكأس خمر مخدر. تسلط كاميرات التصوير.. وتأمر المرأة، الطعم، بإذلال أصحاب النفوذ جنسياً وأخلاقياً وهم في حالة من الوعي واللاوعي.
بعدها تبدأ بفرض سيطرتها عليهم عن طريق الهدايا والاعتبارات الشخصية فإن تجاوبت الضحية وتعاملت معها، فهذا ضمان لتسيير امور المنظمة، وإن رفضت او اعترضت تبدأ في اظهار أوضاعهم المخزية التي صورتهم بها، وكانت تخزن كل ذلك بكومبيوتر خاص بالفضائح.
روجينا تعلم علم اليقين ان كل من يعمل مع المدام هو تحت المراقبة، تسجل تحركاته حتى في داخل الحمام وهو يقضي حاجته او يستحم. نظام الكتروني تجسسي عجيب، لا تعرف هي او غيرها كيف تستطيع المدام مراقبة الناس بهذه الدقة. لهذا يخشاها الجميع، وتتعجب أشد العجب كيف فعل فريد ذلك!! كيف تجرأ وأحضر هذه الكمية الهائلة من الحشيش والألماس.. الصور تظهر كل شيْ بالتفصيل، رغم ذكاء فريد، الجيوب السرية التي رقدت بها الحقائب، مع كتابة اسم زوجته عليها. إن ضبطت الحقائب يقبض على صاحبتها، ولا غبار عليه هو. فلسوف يؤخذ الجمل بما حمل كما يقول المثل.
الآن تريد المدام منها الاستعداد للاحتفال. معنى هذا ان عفاف ستنضم اليهم بصورة رسمية ودائمة. ستقسم يمين الولاء والطاعة.. تُرى، هل ستكون عفاف هي أداة الانتقام من فريد؟!!
أقلقها هذا الخاطر.. لكن ماذا عن الحضور والجمع الكبير؟ وهل ستسمح المدام بمثل هذا الحدث أن يحدث؟! وإن سمحت فعفاف امرأة رقيقة، تصلح لأن تكون شاعرة حالمة لا قاتلة.. فكيف تنفذ ما تأمرها به وتقتل فريد أمام الحضور؟!
هول المعبد كبير وله مداخل سرية لا احد يعرفها غير المدام، والحالة التي يكون عليها الحضور وقت الاحتفال تجعلهم بمنأى عن التفكير والوعي.. الكل في نشوة حقيقية عارمة. وهذا ما يعطي المدام حرية الحركة وتنفيذ كل ما تبغي. إن لم تنفذ الخطة على يد عفاف فسوف تنفذ على يد أي انسان آخر غيرها. هذا الانسان قد يكون أنت يا روجينا..
أنا اقتل فريد؟!.. أقتل من عطيته جسدي لأول مرة ودون أن أفكر لماذا؟ّ.. هل هو الحب يا روجينا؟.. امثالنا لا يكتب لهم أن يحبوا، ولا يعيشوا حياة المحبين.. نحن أبناء الشيطان، نعرف اللذة والشهوة والشر والجنون فقط، وفكرة قتل فريد، ان نفّذت، هي خير دليل على ذلك..
امتلأت الصالة الكبرى بالمدعوين الذين جاءوا من كل حدب وصوب. الرجال العاملون في المنظمة يلبسون بذلاتهم السوداء، وفوق رؤوسهم اقنعة تخفي الرأس كله والوجه.. ما عدا الفم.. وحده الفم بقي دون تغطية. وفوق الرأس يعلو قرنان بارزان يشبهان قرني شيطان وحرملة لونها سماوي فاتح تحيط خاصرة كل رجل مرسوم عليها رمز الجماعة، وهو عبارة عن حبل مشنقة والى جواره كأس وامرأة عارية. اما النساء العاملات ايضا كن يرتدين نفس القناع فوق رؤوسهن، الظهر عار من فوق والصدر تلفه قطعتا قماش رفيعتان، واحدة بلون البرتقال والثانية سوداء مربوطتان في العنق، ولاشيء يغطي النهدين.. وبقية الرداء عبارة عن قطع متعددة الألوان، على شكل شرائط مربوطة في الوسط ومتدلية الى أسفل.
أما الضيوف فكانوا بملابس السهرة العادية. وهكذا أصبح من السهل جداً معرفة من يعمل في المنظمة التي تديرها المدام ومن هم الضيوف في تلك الليلة.
قبيل الساعة التاسعة مساء اختفى العاملون في المنظمة، ثم أعلن البدء بالاحتفال. دخل الضيوف الى قاعة المعبد، فوجدوها على شكل حدوة الفرس، فتحتها ناحية الشرق، وبها كرسي كبير مطعم بالذهب.. كانت روجينا واقفة عن يمين الكرسي، وسوسو عن يساره. باب الدخول كان من ناحية الغرب وكانت المقاعد على شكل يحدد مجلس الاعضاء كل حسب مركزه. أما الضيوف فقد جلسوا في الناحية الجنوبية للقاعة.
مع دقات الساعة التاسعة مساء، دخلت المدام من ناحية الشرق، وسط حراسة من رجال ونساء المنظمة. ثلاثة فقط كانوا غير مقنعين.. المدام في اجمل زينتها، وروجينا وسوسو.
استقبل الجميع المدام بالوقوف، فأشارت لهم بأصبعها بالجلوس، فجلسوا بعد ان جلست. طلبت من روجينا بنظرة من عينيها أن تبدأ الاحتفال، انحنت روجينا امامها وحيّت الحضور، ثم صفقت بيديها، ففتح الباب الغربي.. استدارت ناحية المدام، وطلبت من سوسو أن يتفضل ويحضر المحتفى بها.
أحضر الحراس عفاف وهي معصوبة العينين، ترتدي فستاناً ممزقاً متسخاً، يظهر عورتها، وحول رقبتها حبل مشنقة، يمسك بطرفه أحد الرجال، تقدم سوسو ناحية الرجل، انحنى له انحناءة خفيفة، وأمسك بطرف الحبل وقاد عفاف، كالبهيمة خلفه.. وهي تمشي دون أن تدري الى أين، او دون ان ترى شيئا حولها. كانت خطواتها متعثرة، ويداها تضربان في الهواء بحثا عن الطريق.
أعضاء المنظمة واقفون والضيوف الذين لم يروا احتفالاً كهذا من قبل، كانوا في دهشة من امرهم، ولا يعرفون ماذا سيحدث للمسكينة.
وقف سوسو أمام المدام، فأشارت بطرف اصبعها الى روجينا كي تستلم منه عفاف. انحنى سوسو لروجينا وسلمها طرف الحبل الملتف حول رقبة عفاف. في وحشية وغلاظة شدت روجينا الحبل، فأندفعت عفاف الى الأمام، وكادت ان تقع، لكن روجينا بحنكتها وخبرتها، امسكت بعنقها من الخلف، ومنعتها من السقوط وان كانت قد أجبرتها على السجود امام المدام.. ثم صرخت بصوت عال عبر ميكرفون صغير معلق بفستانها:
- سيدتي، سيدة هذا الكون والاركان الأربعة.. سيدة الشرق حيث مجلسها، وسيدة الغرب حيث موضع قدميها.. وسيدة الشمال حيث يخضع ليدها اليسرى، وسيدة الجنوب حيث يخضع ليدها اليمنى.. أقدم لك سيدتي، خادمتك وعبدتك عفاف، التي اخترت ان يكون اسمها من اليوم وصاعداً فنيسا، لتظهر ولاءها وطاعتها العمياء لك امام الجميع.. وفي هذا الحفل البهيج الذي اضيء بأشراقة طلعتك علينا، ستردد القسم خلفي، كما رددناه جميعاً من قبل، يوم قبلتينا أعضاء بجسدك الجميل النابض بالحياة.
أرخت روجينا قليلاً من قبضة يدها على رقبة عفاف، وطلبت منها ان تردّد خلفها قسم الولاء والطاعة العمياء للمدام وللمنظمة، وأنها لا تتردد في تنفيذ ما تؤمر به دون أسئلة أو رفض، عليها القبول والطاعة والتنفيذ.
ما أن انتهت عفاف من ترديد القسم، حتى تقدمت منها ثلاث نساء من المنظمة، واحدة خلعت العصبة السوداء عن عينيها والثانية ازاحت حبل المشنقة والثالثة مزقت ما تبقى من ثيابها، فبدت عارية أمام الجميع، وبدأت الموسيقى الصاخبة تتعالى في أرجاء القاعة.. والنساء الثلاث يرقصن مع عفاف رقصات جنونية ثم انضمت لهن عضوات المنظمة. الموسيقى تصرخ والأضواء المختلفة الألوان تتراقص.. وفنيسا وسط الدائرة تتلقفها ايدي النساء ويدرن بها كيفما شئن.
فجأة صفقت المدام، فتوقف كل شيء عن الحركة. لا اضاءة ملونة ولا موسيقى ولا رقص مجنون. تطلعت المدام الى الجميع، وحديثها موجه الى فنيسا:
- ابنتي الحبيبة فنيسا، إنه لشرف عظيم لك ان تنضمي الينا وتصبحين واحدة منا. واحدة مميزة ومقربة الَيَ شخصيا. وبما انك اقسمتي على الولاء والطاعة وتنفيذ كل ما يوكل اليك من اوامر نصدرها.. وكما تعرفين ان جزاء من يخوننا الموت.. ها الوقت قد حان لاثبات ما اقسمت عليه.
أشارت المدام بيدها ناحية الشمال، فتح باب، ودخل حراس ممسكين برجل ربطت يداه خلف ظهره، وأعصبت عيناه حتى لا يرى شيئاً، وتابعت القول لفنيسا:
- واحد بيننا خائن، إنسان وثقنا به لكنه خان الثقة، وعليك انت تنفيذ حكم الموت به.. احضروا المجرم الخائن.
دفع الحراس بالمجرم الخائن، حتى اصبح قبالة فنيسا التي لم تعرف من هو ولا ماذا ستفعل.
نزلت المدام الىحيث تقف فنيسا والمتهم، فأفسحوا لها المجال، ثم جاءت روجينا حاملة صينية من الفضة عليها ثلاثة خناجر سلمتها للمدام.. جاء الحراس بطاولة وضعوها قبالة المدام، التي أمرت بكمّ فم المتهم، وتمديده على الطاولة، وتقييد جسده حتى لا يتحرك. ثم تقدمت الى فنيسا وهي تحمل الصينية وقالت لها:
- فنيسا.. الآن وقت امتحانك.. فأما ان تكوني موضع ثقتنا، وإما ان تكوني الى جواره، وأقوم أنا بنفسي بتنفيذ الحكم عليكما.. هذا زوجك الذي جاء بك بريئة ساذجة وأراد استغلالك واستغلالي.. رجل وثقنا به وانتشلناه من الفقر والضياع، وها هو يخونك ويخونني.. وعقوبة الخيانة..
تعالت الأصوات مجلجلة:
- الموت.. الموت.. الموت..
أمسكت المدام احد الخناجر الثلاثة، وقدمته الى فنيسا وهي تقول:
- بهذا الخنجر.. إطعنيه الطعنة الأولى في قلبه..
بيد مرتعشة وعينين زائغتين امسكت عفاف الخنجر وهي لا تدري ماذا تفعل.. شذرتها المدام بنظرات شرسة مهددة، وبدأ الأعضاء يتحركون ويشكلون دائرة صغيرة بدأت تكبر وتكبر حتى احتوت المكان.. والكل يهتف في صوت واحد:
-اقتليه.. اقتليه.. الموت للخائن..
اقتربت روجينا وسوسو من المدام، وقفت هي من جهة وسوسو من الجهة الثانية.. بينما وقف أحد اعضاء المنظمة المقنعين وراء المدام مباشرة، واخرج مسدساً رفعه الى أعلى، وأطلق عياراً نارياً في الفضاء.. فساد صمت مفاجئ.. بسرعة ازاح الرجل قناعه ومثله فعل عدد كبير من النساء والرجال المقنعين، بعد ان اخرج كل واحد منهم مسدسه. ثم توجه رئيس المباحث الواقف خلف المدام نحو روجينا وسوسو وقال لهما:
- شكراً لكما علىمساعدتكما خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة.. لو لم تكن مساعدتكما، ما كنا قد استطعنا ان نختفي بين أعضاء المنظمة.. اما أنت يا مدام فسألقي القبض عليك بنفسي.. لأنك انت الخائنة.. ولا احد غيرك.
طلبت روجينا من احد الحراس احضار ما يستر عري عفاف وزوجها فريد، وهي تنظر الى المدام بعينين دامعتين وتقول:
- سامحيني.. لم أعد احتمل هذا العذاب، انني افضل السجن على هذه الحياة.
بصقت المدام على وجهها ومشت في عزة وكبرياء وسط حراسة الشرطه، التي القت القبض على كل الموجودين. وتم إحالتهم للمحاكمة بعد إثبات إدانتهم، فقد وجدت عند تفتيش القصر على كميات كبيرة من الممنوعات كالمخدرات والمسروقات والاسلحة النارية.
حكم على المدام بالسجن مدى الحياة ومصادرة ممتلكاتها وأموالها، وعلى فريد بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً ولم يكن لديه شيء يمتلكه فقد كان البيت الذي كان يعيش فيه ضمن أملاك المدام.. وحكم على روجينا وسوسو بالسجن لمدة سنتين مع وقف التنفيذ لتعاملهما مع رجال الشرطة ووضع خطة محكمة للتواجد اثناء الاحتفال.
أما عفاف فقد أودعت في مصحة للعلاج من الادمان الذي فُرض عليها..وتم تطليقها من فريد، كما انها حصلت على تعويض مالي كبير نتيجة الاذى الذي لحق بها. وقد خيرت بين البقاء في أستراليا واحضار والدتها واشقائها الثلاثة ، وخاصة وان اباها قد مات.. وبين العودة الى وطنها الأم.. فقررت البقاء.. والرجوع لتسهيل سفر العائلة وإحضارها معها، بعد زيارة قبر الوالد الحبيب.
(تمت).
الاثنين، أبريل 12، 2010
الضياع ـ الحلقة الأخيرة
Labels:
أنطوني ولسن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق