ندوة "محمود درويش في الذّاكرة" وحفل موسيقي
* حيفا - من "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" -
غصّت قاعات "مركز الكرمل" في حيفا، مساء الجمعة الماضي، بالجمهور النوعي والواسع، الحيفاوي بالأساس، ومن الجليل والمثلث أيضًا، حيث شاركت في اختتام التظاهرة الثقافية التي أضفت لونًا ثقافيًا راقيًا وفي الوقت نفسه شعبيًا، على المدينة، مدينة محمود درويش بلا منازع، تظاهرة "١٣ آذار - اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية"، في أماكن عديدة من المدينة، والذي أُقيم على مدى ثمانية أيام، تحت شعار: "سنكون يومًا ما نريد"، وخُتم بالندوة الإختتامية: "محمود درويش في الذّاكرة"، حيث شارك فيها نخبة من الأساتذة والأدباء: د. حسين حمزة - الذي قدّم إضاءة على شعرية درويش، وروفيسور سليمان جبران عن محمود درويش في المرحلة الأخيرة من شعره، والأستاذ فتحي فوراني فتح "شُرفات على الحدائق الخلفيّة"، أمّا الأديب محمد علي طه فتحدث عن محمود درويش - الصديق والشاعر. وتحدّث السيد عبّاس زين الدين من حيفا عن ذكرياته الإجتماعية الحميميّة مع الشاعر في العمل في جريدة "الاتحاد" والحزب الشيوعي.
وكان عريف الأمسية الشّاعر بشير شلش، الذي افتتح الأُمسية بكلمة "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" التي نسّقت وأعدّت وأشرفت على كل النشاطات على مدى أكثر من أُسبوع، قائلاً:
"مرة أخرى تجمعنا فعالية من فعاليات اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية التي ابتدأت فعالياته في حيفا، في يوم ميلاد الشاعر الفلسطيني محمود درويش، في الثالث عشر من آذار، وتحت إشراف "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنية"، والتي تتوزع نشاطاتها على غير مدينة ومكان في الداخل الفلسطيني، تزامنًا مع إحياء هذا اليوم في شتى مناطق وجود الفلسطينيين في بلادهم".
وقال في كلمته الإفتتاحيّة:
"لعلّ أكثر ما يجدرُ بنا فعله، ونحن نحلُّ ضيوفًا على اسم محمود درويش في ذكرى ميلاده، التي أُعلنت يومًا للاحتفاء بالثقافة الوطنية الفلسطينية قاطبة، أن نستذكر المحطّات الأبرز التي ساهمت في خلق هذه التجربة الفلسطينية المتفردة، ذات الحضور والرسوخ غير المتكرر وغير المسبوق في الذّاكرة الجمعية لأبناء شعبه وأُمته، وفي ثقافات العالم الحديثة، بما يساهم في الإضاءَة على حياته وتجربته الأدبيّة المديدة، بمختلف مراحلها ومستويات قراءتها".
وأضاف: "قيّض لمحمود درويش أن يعيش شاعرًا حتى الرمق الأخير. ورغم نجوميّته غير الاعتيادية ، لم يركن إلى منجزه وتصفيق الجمهور، بل اشتغل بدأب يثير الإعجاب وبالغ التقدير على تطوير مشروعه الشعري، وفتح نوافذ فلسطين على العالم، حتى صارت فلسطين استعارة كونية، وسؤالاً عن جوهر العدالة، واختبارًا جماليًّا وأخلاقيًّا لضمير العالم المُعاصر".
وقال: "ببطء، لكن بثبات، تحوّل اسمُه إلى مرادف لبلاده بشجرها وبشرها وحجرها، في جدل متعدِّد المستويات، بين محطّات حياته الشخصية المفصلية، التي شاءَت الظروف التاريخية أن يجد السواد الأعظم من الفلسطينيين صورتهم في مراياها، وأن يتماهوا مع صوت حكايته الشخصية التي وجدوا فيها صدى لأيامهم وأصواتهم، في لعبة لا تني تتفرّع وتغتني بين العام والخاص، والشخصي والعمومي، والذاتي والوطني في آنٍ معًا".
واختتم كلمته بالقول: "باحتفائنا بمحمود درويش وأدبه، إنما نحتفي بحصّتنا من هواء النّهارات وأشعة الشمس، وحقِّنا الطبيعي في الحرّية والحب وتذوّق الجمال وتقديره، وفي الاحتفاء البسيط، وليس الساذج، بإنسانيتنا التي يحاول عدوّنا أن يسلبنا إياها، ليواصل احتلال بلادنا وترويع أحلامنا".
ثم قدّم أول المتحدثين، بروفيسور سليمان جبران، أُستاذ الأدب العربي في جامعة تل أبيب، وأحد الباحثين الجادين في الأدب العربي الحديث عبر مساهمة متواصلة في غير ميدان مهم، في دراسة الأدب العربي، بالإضافة ربطت البروفيسور جبران علاقة صداقة مع الشاعر تواصلت، بشكل خاص، واستعيدت، بعد عودة الشاعر إلى أُمسية حيفا التاريخيّة عام ٢٠٠٧. وقدم البروفيسور جبران مداخلة حول المرحلة الأخيرة في شعر درويش، وهي المرحلة التي شهدت ولادة الأعمال الأجمل والأنضج في مسيرة الشاعر المديدة. فافتتح كلمته بالقول:
"لا أظنّني مغاليًا إذا قلت إنّ محمود درويش هو أكثر الشعراء العرب، بعد الحرب العالمية الثانية، شهرة وانتشارًا. عوامل كثيرة ومتنوّعة تضافرت في تشكيل هذه المكانة المتميزة للشاعر وشعره، في حياته وبعد وفاته أيضًا. هناك أوّلا موهبة شعرية فذّة تجلّتْ بوضوح حتى في "أشعار الصبا" التي بدأ درويش كتابتها ونشرها، وهو ما يزال على مقاعد المدرسة الثانوية، في أواخر الخمسينات من القرن الماضي. هذه الموهبة، أو "السليقة"، كما يسمّيها هو، كفلت للقصيدة الدرويشية، في مراحلها كلّها، انسيابها في طواعية ويسر، مهما كانت القصيدة راقية ومركّبة".
ثم أضاف إلى أن "العامل الثاني أن درويش، بشعره وحياته، غدا "شاعر فلسطين"، أو "شاعر القضية"، أو "شاعر المقاومة"؛ يذكّر بفلسطين وتذكّر به دائمًًا، سواء رغب الشاعر في هذه "الألقاب" أو رفضها. درويش نفسه شكا غير مرة من تناول شعره "فلسطينيًّا"، دونما التفات إلى الجانب الجمالي فيه؛ كأنّما القضيّة الوطنية هي رافعة هذا الشعر ومدعاة رقيّه وانتشاره. بل إن الشاعر، في أحيان كثيرة، كان "يشاكس" جمهوره رافضًا إلقاء قصائده السياسية المباشرة، تلبية لإلحاح هذا الجمهور، عادة، في الأمسيات الشعرية الحاشدة التي شارك فيها . إلا أن ذلك كلّه لا ينفي طبعًا قيام الإيديولوجيا عاملاً آخر من عوامل تقييم هذا الشعر و انتشاره".
وقال البروفيسور جبران، إلى أن "العامل الأخير، والأهمّ في رأينا، في انتشار هذا الشعر، وفي بلوغه مستوى فنّيًا راقيًا، في الأساس، أنّ درويش واصل خلال نصف قرن وأكثر كتابة الشعر دون انقطاع، وفي خطّ صاعد في مجمله. بل يمكن القول إنه كرّس حياته، فعلاً لا مجازًا، للقراءة المتواصلة المتنوّعة، ولكتابة الشعر، والانطلاق به إلى مناطق جديدة على الدوام. كأنّما ظلّ، على امتداد هذه المسيرة الشعرية الحافلة، يطرح على نفسه السؤال/ الطلب ذاته: ماذا بعد؟ فهو لم يقنع يومًا بالجماهيرية الواسعة التي حقّقها شعره الخطابي المباشر، حتى في المرحلة الأُولى من نتاجه، قبل مغادرته إسرائيل سنة ١٩٧٠، ولا بالمديح يُغدق عليه من قرّائه وناقديه في البلاد وفي العالم العربي، بل واصل دائمًا البحث عن الجديد غير قانع بما أنجز".
ثم قدّم عريف الحفل الأديب محمد علي طه قائلاً: أن محمد علي طه عاش مثل محمود درويش مرارة تهدُّم أمكنة طفولته في عام النكبة، وزامل الشاعر الكبير على مقاعد الدراسة، وظل وفيًّا لصداقة امتدت عدة عقود متواصلة، وهو قبل ذلك، قاص فلسطيني مميّزٌ ومتميّز، أغنى المكتبة العربيّة بعدد وافر من المؤلّفات، إضافة الى كونه أحد كتاب المقالة الساخرة المبرّزين في أدبنا المحلي الذي أغنى الجمهور بذكريات من مقاعد الدراسة ومن الفترة الأخيرة من حياة الشاعر، خاصة بعد "عودته" الجزئيّة إلى البلاد.
ثم قدّم بشير شلش المتحدث التالي الأستاذ فتحي فوراني "مربي أجيال، وعاشق للغة العربية، وجار محمود درويش أيام سكن الشاعر في شارعي عباس والمتنبي، طوال عقد الستينات، وناشط سياسي له حضور وافر في حيفا. ثم قرأ الأستاذ فتحي فوراني مختارات من نصوص متنوّعة، كتبت استذكارًا للفترة التي عاشها محمود درويش في حيفا، واحتفاء بصداقة وجيرة لم تنقطع أواصرهما بالرغم من تبدلات الزمن والمصائر طوال العقود الأربعة الأخيرة".
فيُحدث فتحي فوراني الجمهور عن أول زيارة لفدوى طوقان في حيفا:
"فدوى طوقان..في حيفا!
كان لقاء مثيرًا..صاعدًا من دائرة الحلم!
بعد أشهر من الجرح الحزيراني.. يتصل محمود هاتفيًا.. ويأتي صوته سائلاً:
- ماذا عندك هذه الليلة؟
- لا شيء خاصًا..
- أنت مدعو..
- ما الخبر؟
- عندي هذه الليلة..فدوى!
- ومن فدوى؟
- فدوى طوقان!
- فدوى طوقان؟!!
لم أستطع أن أكبت دهشتي.. فقد كانت فدوى طوقان بالنسبة لجيلنا شاعرة فلسطينية عصيّة على اللقاء.. إنها في ذهننا أُسطورة.. وهي أُخت شاعر فلسطين إبراهيم طوقان.. وحفظنا شعرها غيبًا.. ولا سيما "أعطنا حبًّا".. ونسخنا ديوانها ودواوين شعراء الحداثة: عبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي ونزار قباني، بقلم الحبر السائل.. وكنّا نستمتع بعملية النسخ.. ونتفنن في كتابة الخط وتزيين الدفتر.. ولم نحلم في حياتنا أن نلتقي بالأُسطورة.. بفدوى طوقان..
هذه الليلة نلتقي مع الأُسطورة!
ويكون لقاء تاريخي مثير.. مع الشاعرة الفلسطينية التي دغدغت وجدان جيل كامل من عشاق الشعر الحديث..".
ثم يأتي دور السيد عباس زين الدين، الذي زامل الشاعر في صحافة الحزب الشيوعي، حيث قدّمه العريف:
"الشهرة ، كما يكتب درويش نفسه، فضيحة الكائن المحروم من الأسرار، ومحمود درويش كان بشكل ما، كائنًا محرومًا من الأسرار، لكنه قبل ان يصبح نجم القصيدة الفلسطينية الأكثر سطوعًا، وبعد، عاش تفاصيل حياته اليومية بكثير من البساطة. الرفيق عباس زين الدين كان واحدًا من الذين عرفوا الشاعر عن قرب أيام مرحلة حيفا في حياته، وأثناء عمله محررًا لمجلة "الجديد" الثقافية". ثم أجاب عبّاس زين الذين على أسئلة من مثل:
- نحن في حيفا ذاتها، حبذا لو حكيت لنا، اين كانت أمكنتكم الأثيرة، في أي الأمكنة والبيوت كنتم تلتقون، ومن كان أبرز أفراد المجموعة التي عاش محمود درويش بقربها ومعها.
و - كيف استطاع محمود درويش، رغم سنوات الإقامة الجبرية المتواصلة، أن يواصل حضوره الاجتماعي أيضًا في المدينة، كيف تحايل وتحايلتم على حبسه المنزلي؟
وكان آخر المتحدّثين - د. حسين حمزة الذي بدأ علاقته بشعر محمود درويش قارئًا متذوقًا للأدب، وأوصله شغفه بشعر محمود درويش إلى كتابة إحدى رسائل الدكتوراة الأكثر جدّية من التي كتبت عن محمود درويش. والذي عرف كذلك الشّاعر عن قرب عبر عشرات اللقاءات والحوارات التي أجراها معه بهدف الإعداد لرسالة الدكتوراة.
وشارك حسين حمزة الجمهور في مداخلته عن مميّزات شعرية محمود درويش في المرحلة الأخيرة من حياته، وهي المرحلة التي شهدت ولادة أجمل أعمال الشّاعر الإبداعية، وأكثرها تميُّزًا ونضجًا وحضورًا في مسيرته الأدبية.
أمّا الجزء الثاني لهذا النشاط المسمّى "يغنون محمود درويش"، فقد أحيته رنا خوري التي غنّت من قصائد محمود درويش: "ريتا" و"أنّ إلى خبز أُمي" - من ألحان مارسيل خليفة و "أنا الطريدة" و "عن لاجئ" من ألحان سعيد مراد (من فرقة "صابرين") وكذلك من "الجدارية" من ألحان حبيب شحادة حنّا - الذي رافق رنا خوري على العود سويّة مع درويش درويش.
وبين شطري الأُمسية، التي ملأ جمهورها كافة قاعات المركز، افتتح في إحدى القاعات، معرض الحلى الفلسطينية من صنع الفنانة هيام روحانا.
وفي القاعات الرئيسية في "مركز الكرمل" أحاط الجمهور معرض صور محمود درويش، الذي هو عبارة عن ٢٣ لوحة مطبوعة بحجم كبير وبجودة عالية ترصد كافة مراحل حياته، والذي أعدّته ونسّقته سهام داوود، منسّقة كافّة برامج الأُسبوع،
عقدت أمسية "محمود درويش في الذّاكرة" بالتعاون بين "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" وصحيفة "الاتحاد"، و"مركز مساواة" و"جمعية التوجيه الدراسي للطلبة العرب" و"المشغل - الجمعيّة العربية للثقافة والفنون - حيفا". حيث قامت مؤسسات "مركز الكرمل" بتجهيز كافة الإستعدادات لاستقبال المشاركين، وقاموا بنصب شاشة تنقل النشاط من القاعة إلى قاعة ثانية، حيث سمع صوت محمود درويش بقراءات من أُمسية حيفا التّاريخيّة، بالإضافة إلى مغناة "أحمد العربي" بصوت مارسيل خليفة وأُميمة الخليل، وموسيقى التونسي أنور ابراهم المستوحاة من نصوص درويش.
يذكر أنه لوحظ حشد كبير من وسائل الإعلام المختلفة: المكتوبة، والإلكترونية، والتلفزيونية، حيث تعد شركة "الأرز" تقريرًا خاصًا عن هذه الفعاليات بطلب من التلفزيون الفلسطيني.
أمّا "معرض أعلام فلسطين" التشكيلي، بريشة الفنان وليد أيّوب - فقد فتحت مكاتب جريدة "الاتحاد" طوال نهار الجمعة ١٩ آذار خصيصًا، لكي يتسنى لأكبر عدد ممكن من الرواد مشاهدته. وكان التلفزيون الفلسطيني أجرى مقابلة مطوّلة مع وليد أيّوب بين ردهات المعرض.
وكانت أُقيمت ليلة الخميس أُمسية ثانية في "آزاد" ضمن نشاطات "١٣ آذار"، حيث حجزت أماكن الدخول مسبقًا فامتلأ المقهى تمامًا، أحيت الأُمسية الفنّانة تيريز سليمان بأشعار ملحنة لدرويش وخلافها، ورافقتها هلا حمدان بعزف على اليتار . وقدّمت أسماء عزايزة قراءات منتقاة لدرويش من "آن لهذه القصيدة أن تنتهي" (قصيدة: موعد مع إميل حبيبي) وكذلك من نصوص "أثر الفراشة".
وأعلنت سهام داوود، منسِّقة البرامج، إلى أن المعرضين، معرض أعلام فلسطين، ومعرض محمود درويش، سيتنقلا بين البلدان والمؤسسات المختلفة، كما أن "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" ستقوم بإقامة نشاطات إضافيّة في الشهور القادمة بالتنسيق ومشاركة مؤسسات ونوادي ثقافية في البلدات المختلفة، تحت شعار: "أيّام الثقافة الوطنيّة".
«١٣ آذار للثقافة الوطنيّة» - (اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية / يوم ميلاد محمود درويش)
للتنسيق والإستعلام:
13aazhar@gmail.com
972-050-3667180
972-050-5366718
972-04-8222702
الخميس، أبريل 08، 2010
ختام أنشطة "١٣ آذار" الثّقافيّة في حيفا
Labels:
ندوات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق