الأربعاء، أبريل 30، 2008

الحب... الجن... الخيال الخرافي في قصص سناء كامل

د. عدنان الظاهر

القسم الثاني

(( كتاب أرض الحكايا / منشورات نادي الجسرة / قطر 2007 )).

تمهيد لا بدَّ منه /
قرأت يوماً بحثاً مطوَّلا للدكتورة سناء كامل شعلان منشورا ً في موقع
( عود الند ) تناولت فيه موضوع النساء في كتاب ألف ليلة و ليلة . مذ ذاك إستنتجتُ أن القاصّة سناء جدَّ متأثرة بما حوى هذا الكتاب من خيال قصصي مثير في أغلب جوانبه . مع فارق كبير من بين جملة فوارق : تضمنت قصص ألف ليلة وليلة أحاديث جنسية وألفاظاً بذيئة ً سوقية وجنساً مكشوفاً رخيصا ً لا يسيغه الكثير من الناس . في حين تناولت سناء في كل ما كتبت موضوعي الحب والجسد تناولاً راقياً نابعاً في الأساس من قناعة وفلسفة أصيلة مؤداها أنَّ الحب والجنس هما في صلب الحاجات الطبيعية للإنسان السوي ذكراً أكان أم أنثى . لا من حياة على كوكبنا الأرضي دون ممارسة الجنس بين الذكر والأنثى وذلك أمر مفهوم . قصص ألف وليلة إستهدفت كما هو معروف التسلية والمجون ودغدغة أبسط المشاعر والنزوات الجنسية وخاصة في صفوف عامة الناس من كسبة وحمالين وتجار وحرّاس ومن لف َّ لفهم . بينما كرّست سناء قصصها ولا سيما القص ٌّ الخرافي منها لخدمة الحب حدَّ تقديسه ورفعه إلى مصاف العبادات . تكتب سناء للمثقفين والمتنورين وما يسمى بطبقة الإنتلجنسيا العالية ... تكتب لهؤلاء مع إصرار يثير العجب لا يضاهيه إلا الإيمان ، الإيمان بالدين والعقيدة ، تكتب لتنير الطريق وتفتح العيون وتشرح الغامض وتيسّر المستعصي على الفهم والإدراك . إنها كاتبة ذات رسالة جليلة الأهداف خطيرة الشأن واضحة النوايا والمقاصد. إنها قائدة بل ونبية جريئة في وضع كأوضاعنا الراهنة التي تفهمها سناء كل الفهم، لذا فإنها تناور أحياناً وتستخدم الرمز والخيال الخرافي من أجل أن تصل إلى لب موضوعها ومركز أفكارها وما تحمل من أهداف نبيلة جليلة الشأن. نعم ، سناء نبية وسناء زرقاء يمامة عصرنا الراهن . لم تقاتل بسيف ( جان دارك ) لكنها قاتلت ولم تزلْ بفكرها الثاقب وذكائها الإجتماعي وسلامة فطرتها وإنسجام جسدها وإستجابته لوظائفه ومهامه الطبيعية التي خُلِق فيها ولها ... فأحسنت البلاء وأجادت فيما كتبت ونشرت فأخذت مكانها ومكانتها التي تستحق بجدارة بين أشرف وأنبل المناضلات والمناضلين في سبيل إعلاء شأن ومقام الحقوق المدنية وأحوال المرأة العربية الشخصية ومساواتها بالرجل العصري المثقف لا المستثقِف. رغم تحفظ سناء وتدينها العميق ... أثبتت للعالمين قدرات لا حدودَ لها في إقتحام هيبة الممنوعات وخرق سُتر المحظورات وهتك سخافات المحذورات بشجاعة الذين وهبوا حياتهم وأنفسهم للدفاع عن مُثل الإنسانية وأحلام وحقوق البشر في أن يمارسوا أنفسهم كما وجدوها وما جُبلوا عليه من طبائع . نعم ، تمضي سناء شاقة ً السُحب َ السودَ كضوء البرق الدائم الذي يجوب الأكوان والمجرات مجترحا ً الخوارق بما تملك من مواهب في فن الكتابة والسرد وما لديها من فهم عميق للتأريخ والنفس البشرية وحاجاتها الطبيعية . إنها كاتبة شجاعة وإنْ جنحت أحياناً للخرافة وعالم الجن والشياطين وقماقم سليمان الحكيم وسواها مما قرأنا في كتاب ألف ليلة وليلة . مُبرر ٌ هذا الجنوح لأنه جنوح تُقية وتورية إضطرارية لكي تمرر ما لديها من أهداف خطيرة الشأن لا يتقبل ناس اليوم مواجهتها الصريحة ولا يجرأون ولكنهم قد يقبلون مثل هذه المواجهة في حال ٍ ووضعيات قد تشابه حالات ساعات الحلم والوهم والخدر. يهربون من عالم عقلهم الواعي تحت نور الشمس إلى ظلام سراديب ودهاليز ومغارات وكهوف عقلهم الباطن . يتقبلون في الباطن والسر ما يرفضون في العلن وتلكم إزدواجية مقيتة رافقتنا منذ أقدم الأزمان . يشربون الخمور ويمارسون الزناء سراً لكنهم يحرمونها في العلن . حتمَ في بعض الأحيان هذا الواقع على كاتبتنا المبدعة سناء أن تنتقل بنشاطها الكتابي وسفر رسالتها الإنسانية من الصراحة العارية إلى اللف والدوران وإصطناع الخرافة ونسج أخيلة طريفة تحاكي فيها ما قرأت وإستوعبت في كتب الخيال القصصي ولا سيما كتاب ألف ليلة وليلة . مع ذلك ، ورغم المداورة والمناورة الذكيتين يتلمس القارئ الفطِن أهداف سناء الحقيقية ويضع عليها اليد ليكتشف جوهر هذه الإنسانة الشابة التي تحمل في صدرها إقدام مشاهير مصلحي الأمم وثوارها وتحمل في روحها ما حمل الأنبياء والرُسل من رسالات سماوية ... لكنَّ رسالة سناء رسالة عصرية نبتت في زماننا هذا وأخذت منه الكثير وعكست الأكثر ولا من عجب فإنها نتاجه وخلاصته الأمينة .
سأتناول مضامين أربع من قصص سناء كامل في كتاب ( أرض الحكايا ) محاولاً بذل جهدي في التركيز على مفردات عنوان مقالي هذا : الحب / الجن / الخيال الخرافي . سنرى كيف عالجت دكتورة سناء قضايا بالغة الخطورة من قبيل رتابة الحياة في جنات الخلد ومهزلة سكون الزمن وهو أمر مستحيل ثم خواء الروح إنْ جُردت من التمنيات والأماني فهذه ليست جنات إنما قبور وموت وأموات فمن يطمح ترى بدخول الجنة ( قصة مدينة الأحلام ) ؟ ثمة َ مثال ٌ آخرُ على براعة سناء وقدرتها على إدانة وفضح الأجهزة السرية من أمن ومخابرات وإستخبارات وسواها من أجهزة سرية متعددة الأسماء والغايات والواجهات وكيف تحصي أنفاس الناس وتلاحقهم حتى في عقر بيوتهم . أعطت سناء هذه التشكيلات من الأجهزة السرية إسم البللورة ( قصة البللورة ) . أما في قصة ( الشيطان يبكي ) فلقد فضحت الكاتبة فساد البشر وإنحرافاتهم الخطيرة عن الجادة السوية حتى أصبحوا هم الأبالسة والشياطين فإختفى دور إبليس الشيطان إذ ْ لم يعد لوجوده من معنى فغدا يشكو أمام رب العزة ويتشكى ...[ أصبح عاطلاً عن العمل ] !! . قد يقول قائل إنَّ أهداف الكاتبة واضحة في هذه القصص فأضطر إلى القول : قد تبدو لك واضحة ولكني أؤكد لك أنك إن ْ دخلتَ عوالم وخفايا قصص سناء كامل فإنك لم تدرك منها إلا الأقل من القليل وما يطفو على السطوح من سراب وما يهيءُ لك خيالك الذي يعجز عن الغوص في لجج الأعماق السحيقة . بكلمة مختصرة : الدخول في عوالم قصص سناء دخول سلس سهل ولكنَّ المعضلة هي في الخروج منها بإستنتناجات صحيحة كما خططت الكاتبة لها وكما شاءت أن تكون . كتاباتها متعددة المستويات كثيرة الزوايا متشعبة الأركان منوَّعة المغازي لكنها تظل تدور حول محور واحد رئيس لا يفوت فطنة القارئ الجاد .
القصص الأربع هي :
أولا / ملك القلوب { حول الحب وقوته السحرية }
ثانياً / مدينة الأحلام { فردوس غير مرغوب فيه }
ثالثاً / البللورة { قصة بوليسية تدين الأجهزة السرية للحكومات
المعاصرة }
رابعاً / الشيطان يبكي { ذم الزمان الراهن وأهله وتدهور القيم } .
قصة " ملك القلوب "
لا أدري لِمَ إختارت دكتورة سناء رجلا ً مغربيا ً ليلعب دور رجل السحر الأسود الأعظم [ السحر الذي يحزن القلوب ويُدمي الأنفس ويفرِّق المحبين / صفحة 72 ] أي لاعب الأدوار الشريرة في حين أناطت بأحد تلامذته دور ووظيفة ساحر السحر الأعظم ، ساحر الأعمال الصالحة التي تقرِّب المحبين وتؤلف القلوب أي إنه رجل صالح من الأولياء ذوي الكرامات . لعب الساحر الصالح أدوراً رسمتها له سناء فنجح في طرائق ووسائل سحره وكسب أموالا ً طائلة تكدست في بيته المغارة . ولكونه رجلا ً وليا ً صالحاً طلب بحراً في مغارته فكان له ما أراد . جواهر وذهب في كل مكان من مغارته وحتى في قيعان البحر . خلاف هذا صاحب السحر الأعظم لم نجد أية فعالية شريرة لأستاذه المغربي خبير السحر الأسود . وضعتهما سناء أمامنا كقطبين متضادين طبيعة ً وتخصصاً . ملك خير وملك شر، ولكنَّ الفكرة العميقة في رأس سناء تقول إنَّ الخير يأتي من أو بعد الشر . أي بعبارة أخرى : لا من شر بدون خير ولا من خير بدون شر ، لا من ظلام بدون نور يسبقه أو يليه . ساحر صالح ذو كرامات تتلمذ وتخرج على يدي ساحر شرير لا يفعل إلا الشر والدنيء من الأمور . لقد شق ساحرُ السحر الأعظم عصا الطاعة على مربيه ومعلمه فقلب الظاهرة وجهاً لبطن ورأسا ً على عقب . صيَّر الأسودَ أبيض َ والشرَّ خيراً . أليس في هذه الفكرة حث ٌ وتحريضٌ للأجيال الفتية الناشئة على التمرد على أولياء أمورهم ومن هم أعلى منهم من مربين ومعلمين بل وحكام وأنظمة حكم ؟ معلوم أنَّ لكل جيل أحكامه وأوضاعه وقوانينه وحالاته ولقد أصاب من قال قديما ً (( ربوا أولادكم على غير عاداتكم فلقد خلقوا في زمان غير زمانكم )) . لم يلعب أمير السحر الأسود أي دور أمامنا على خشبة المسرح الذي أعدته سناء لنا كمتفرجين لكنه قام بزيارة مفاجئة صاعقة لتلميذه المنشق عليه آملاً أن يُشفي إبنته من مرض ألم َّ بها. هنا تصطاد سناء بؤرة الموقف وتفجر المشهد والمسرح والمشاهدين جميعا ً. وافق الساحر الصالح أن يُشفي علة إبنة معلمه الشرير أو أمير السحر الأسود ولكن ... بشرط أن يُشفي هذا ما في قلب التلميذ من علة . الخلاصة : همسَ ثم جاهر الساحرُ الصالحُ بنطق كلمتين لا أكثر في أذن الصبية العليلة { أنا أحبّكِ } فإنتعش قلبها وإرتفعت دقاته فتجاوب قلبه على الفور وشرع بدوره يدق وينبض بشكل طبيعي . الحب أو حتى كلمة الحب أحيت فتاة ً على وشك الموت فإنتقلت الحياة بالحب من قلب الصبية إلى قلب الساحر الصالح الذي عالجها بالطب النفساني وهو به خبير : الحب . الحب ينتقل ما بين القلوب فيشفيها من علاتها . إنتقلت الحياة من قلب إمرأة إلى قلب رجل فإنتعش الإثنان معاً ولكنَّ الأولوية تبقى للمرأة ... لقلب المرأة ... ففيه يحيا الرجال وفيه طبهم ودواؤهم أي حياتهم . أبدعت دكتورة سناء إذا كان هذا هو مرامها وهدفها في تخطيط وتنفيذ هذه القصة التي نسجتها من خيوط خيال خرافي صرف له قواعد وأسس في مجتمعاتنا هذا اليوم . فالساحرات والسحرة منتشرون من المحيط إلى الخليج وفي الغرب مختصون بقراءة الهوروسكوب والكف وفنجان القهوة. بدأت سناء من واقع موجود ( السحر عامة ً ) لكنها طورته كأرضية وأساس لكي يخدم جملة أفكار وأهداف عالية السمو مركزها وبؤرتها الحب . بنت خيالات طريفة ممتعة خرافية التفاصيل والمنعرجات فوق أرضية واقعية موجودة مألوفة . الحب هو شغل سناء الشاغل ، مذهبها ودينها وربّها الأعلى . الحب يُشفي المرضى ويحيي الموتى . هل سبقها أحد الفلاسفة في هذا المضمار ؟ كان المسيح يدعو للمحبة بشكلها العام ، كذلك تكلم نبينا في هذا الموضوع في حديثه الشهير ( أحبّ َ لغيرك ما تحبُّ لنفسك ) .
ثمة َ أسئلة تظل تراوح في رأس القارئ من قبيل : ما سبب إختيار الكاتبة لساحر مغربي ؟ هل أهل المغرب معروفون بهذه الصنعة ؟ أعرف أنَّ كثيرين من المغاربة والجزائريين كانوا يمارسون < صنعة الكيمياء > أي محاولات قلب المعادن الرخيصة إلى ذهب وكان من مشاهيرهم المغيربي والمجريطي ( مغاربي أندلسي منتسب إلى مدينة مدريد الأسبانية / مجريط = مدريد ) وكثرة سواهما . لقد تكلم إبن خلدون في مقدمته في هذا الموضوع وذم َّ هؤلاء القوم ووصفهم بالشعوذة والحيلة لغرض كسب المال الرخيص السريع . ثم ... ما سبب إختيارها لجبل ( قاف ) مقراً لأمير السحر الأسود ؟ ولا أحسب هذا الجبل من جبال المغرب . ثم ... لِمَ أعطت أستاذ السحر الأسود عباءة ً سوداء في حين أعطت تلميذه عباءة ً حمراء ؟ إذا كان اللون الأسود لعباءة المعلم يتطابق وينسجم مع طبيعة سحره فعلام اللون الأحمر لعباءة التلميذ الصالح ؟ قالت سناء في مطلع هذه القصة [[ ... البعض همس إنه لا يصلي أصلا ً ... همس فضوليون ضاحكون إنه على دين عجيب تدين به مَرَدة الجان ...إنه من ذراري الغجر وبقايا بني ساسان ... ]] . لا يصلي ومن بقايا بني ساسان أي إنه مجوسي يعبد النيران . فهل اللون الأحمر قرين الشر أو مجلبة له ؟ أم في هذا اللون شذوذ خاص ؟ أم لآنه مرتبط بالثورة والثوار منذ كومونة باريس وثورة أكتوبر البلشفية عام 1917 في روسيا القيصرية ؟ رغم ذلك كله ، ورغم كل هذه الدلالات والأطر الموحية منحته سناء صفات الخير وجلبه لأهله وإنه يُحب ُّ كباقي البشر حدَّ سقوطه عليلاً يشفى من علته لحظة شفاء من يحب . الحب في عرف سناء أقوى وأنبل من كل مثالب البشر وما نحسبه مثالبَ فيهم أو في بعضهم . إنه إنسان خيّر ما دام يرتعش قلبه بنبضات الحب . يصنع الخير للناس ودينه وتدينه له سواءً أكان مجوسياً أو بوذياً أو نصرانياً أو من أية ملة أخرى ودين ومذهب . هذه رسالة سناء ، رسالة أممية كونية .
قصة مدينة الأحلام
تعالج الدكتورة سناء في هذه القصة مسألة السأم من الرتابة في أنماط الحياة التي يتخذها البشر ديدناً ودأباً لهم . السأم والملل القاتلان في حياة سكنة جنات الخلد إذ يسكن الزمن ولا يتحرك فلا البشر يتقدمون في أعمارهم ولا يتغيرون . لا يكبرون ولا يهرمون ولا يموتون . كل ما يتمنون يأتيهم على الفور طعاما ً أو شرابا ً أو نساءً ... كل شئ متوفر مجاناً . شرابهم في الجنة من أنهار العسل واللبن والخمرة التي لا تُسكر المؤمنين . هل فيها كحول لا يؤثر في أعصابهم أم إنها خمرة بدون كحول ؟ أما الفاكهة فدانية قطوفها تصل الأفواه بمجرد التفكير والرغبة فيها ، أي تأتيهم طوعاً بالروموت كونترول . أما النساء فحدث ْ ولا حَرج ... كلهن أبكارٌ حورٌ عين ٌ بكاراتهن أبدية لا تزول ولا تتغير ولا تنبثق ... من نسيج خاص (( ضد الكسر )) !! . هل هذه حياة أم موت ؟ لا من طموح ولا من كد أو كدح أو عمل . التفكير معطل والحوافز لا وجودَ لها . نمط واحد لا يتغير . مسالة واحدة لم تُعالج بعد : هل ينجب سكنة الجنان بعد التناكح ؟ وهل هناك قابلات مأذونات ( حبوبات ) ومستشفيات للولادة ؟ مَن يقوم بمهمة توليد الحوامل ، أطباء أم طبيبات متخصصات أم أن الحوامل يلدن بالروموت كونترول بكلمة من مَلك خصي ٍّ [[ لكي يقاوم إغراء الشيطان ]] مختص بمهمات التوليد والقبالة ؟ هل هذا الخصيُّ مخوَّل في أن يظهر على عورات النساء ؟ أم إنه [[ ليس من ذوي الأرَبة ]] ؟ لا أريد هذه الجنة . لا أريد هذه الحياة . ليست الحياة نعيماً دائماً ولا شقاء ً مقيماً ، إنها بين بين . دوام الحياة في الصراع بين الخير والشر ، بين النعيم والشقاء ، بين الدين والدنيا ، بين الحياة والموت . السأم والرتابة والملل أعداء سناء الألدّاء وإنها لعلى حق كل الحق . هل تستطيع أن تقولَ سناء ما قلت أنا قبل قليل وهي في عمان ؟ كلا ، بالطبع كلا . فليقله غيرها تطوَّعاً . سبق الفيلسوفُ نيتشة القاصة َ الذكية َ سناء كامل فعالج هذا الموضوع في كتابه
" هكذا تكلم زرادشت " معالجات شتى ساخرة قال في بعضها [[ إنَّ الله عبارة عن إيمان ينكسر به كل خط مستقيم ويميد عنده كل ُّ قائم . فالزمان لدى المؤمن وهم ٌ وكل فان ٍ في عينيه باطل وخداع ... كل هذه التعاليم تقيم الواحد المطلق الذي لا يناله تحوّل ولا تغيير / ص 112 ]] . إذا كان الله نفسه لا يتغير فكيف تتغير أحوال وأوضاع وزمان جناته وسكنتها من عباده المؤمنين الذين كانوا على الأرض مؤمنين ؟ هل يظلون هناك على أنماط إيمانهم الأرضي أم أنهم يتبنون في الجنة أشكالاً أخرى من الإيمان ؟ ليس في الجنة تحديد ٌ لعدد الزوجات ولا قواعد للطلاق أبداً لأنه لا وجودَ له أصلاً ، أي إباحية جنسية مطلقة ( تعدد أزواج وتعدد زوجات ) كما كانت أحوال البشر في الأزمنة السحيقة الغابرة أو كما هو عليه واقع الحال اليوم بين الحيوانات . لا كلامَ عن المواليد الجُدد ولا عن مدراس وجامعات وثقافة وألعاب رياضية وغيرها من الأنشطة الإجتماعية المعروفة على الأرض . خدر وكسل وخمور وآنية من ذهب و ( سكس ) وإتكاء على أرائك من سُندس وإستبرق وتحيتهم فيها سلامٌ . لا دين في الجنات العالية ولا من عبادة ولا حج ولا زكاة ولا وضوء ولا صلاة . أي كفر وإلحاد وتجديف !! الدين أرضي لا يصلح إلا لأهل الأرض . أين يستحم الرجال بعد مضاجعتهم لحور العين وأين يغتسلون الجنابة وبأية مساحيق غسيل وتنظيف وصوابين ؟ ليسوا بحاجة إلى الإغتسال ، الجنس في الجنة عمل طهور لا يتنجس منه ممارسوه . جنس خاص مغلف برقائق الألمنيوم وموانع الحمل ( الكوندوم المطاطي ) . هذه هي الرتابة القاتلة التي تعانيها سناء كامل وتحذرنا من عواقبها المميتة . ليس لنا إلا حياة واحدة نحياها ثم نفقدها بالموت . جناتنا وجحيمنا على أرضنا وليس فوق رؤوسنا . نساؤنا على الأرض هنَّ الحور العين ، نكتفي بواحدة منهنَّ إليها نسكن وهي َ لباس لنا ونحن ُ لباس ٌ لها فهي الجنة وقد تكون النار أحياناً !! أقتطف للقارئ الكريم بضعة جمل مما قالت سناء في مدينة الأحلام ، ولا يختلف ما قالت عما قلتُ قبل قليل [[ ... لكن ماذا بعدُ ؟ لم يعدْ تحقيق الحلم بمستحيل ولا تجديده بممنوع ، ولا استبداله بمرفوض . كل شئ كان موجوداً حتى المستحيل . ولم يعد هناك معنى ً للحياة ولا للزمن ولا للعمل . بل لم يعدْ هناك معنى للوجود . وغرق الزمن في رتابة لم يُعرف لها مثيل ولا لسلطانها حدود . وغدا حُلم البشرية أنْ تجدَ حُلما ً لا يتحقق لكي تلهثَ وراءه باشتهاء . وأخيراً شعر البشرُ بأنَّ مدينةَ الأحلام قد حطمت أحلامهم وحرمتهم من متعة ممارسة التمني ومن دبيب سعادة الجري وراء الأحلام ... وفي صوت واحد ومن جديد تمنى البشرُ أنْ تختفي مدينة الأحلام ]] . هذا هو حال الجنة الموعودة ، مدينة الأحلام . مدينة أحلام سناء الميؤوس منها قد نفهمها على أنها مدينة الفارابي الفاضلة أو جمهورية أفلاطون أو حلم البشرية في قيام نظام سياسي ـ إقتصادي ـ إجتماعي عادل خالٍ من الطبقية والطبقات وإستغلال طبقة أو فئة لأخرى . وربما أختلطت لدى سناء هندسة بناء مثالية مدينتي أفلاطون والفارابي بما عاصرت من أنظمة حكم إشتراكية طبقت النظام الإشتراكي لعقود طويلة من الزمن ثم كانت شاهد عيان ٍ على سقوطها المروِّع الذي أدار عقول البشر !!
قصة البلورة
قلت إن َّ هذه هي قصة بوليسية أحداثها مزيج بين الحلم والواقع ، بين الحقيقة والخيال . ما دور الخيال الذي قد يبدو عاجزاً أو تعجيزياً في رسم وتتبع أحداث القصة ؟ إنه يتساوق بالتساوي مع واقعية الكثير من تفاصيل وحيثيات موت البطل إنتحارا ً أو إغتيالاً . جرائم القتل والإغتيالات كثيرة ومعروفة والعجز عن كشف الجناة كذلك من المسائل المالوفة خاصة ً إذا كانت جريمة إغتيال سياسي فالفاعل يبقى مجهولاً مغيباً تماما ً كحوادث القتل بالسيارات التي لا تحمل أرقاماً أو تحمل أرقاماً مزوَّرة . أين العقدة المركزية في هذه القصة ؟ الأجهزة السرية التي تشكلها الحكومات المستبدة وغير المستبدة ( الديمقراطية !! ) تحت أسماء وعناوين شتى : أمن داخلي ، أمن خارجي ، مخابرات ، إستخبارات ، مخابرات القصر الجمهوري أو مخابرات القوة الجوية ، مخابرات الأمن الصناعي وغيرها الكثير . هذه الأجهزة الأخطبوطية التي تلاحق الناس وتحصي الأنفاس وتتدخل في أدق الشؤون الشخصية للمواطنين .. . تنصب أجهزة التصوير والتنصّت والرادارات في أمكنة سرية غير معروفة وغير متوقعة وفي كافة الأماكن حيث يتجمع الناس للفرجة أو الفرح أو للتسوق . إنها حقا ً تمثل دولة داخل دولة . وجدت الشرطة موظفا ً في أحد المصارف منتحراً وبجانبه قصاصة من الورق كتب بخطه فيها [[ إننا محبوسون دون أن ندري ]] . هل كان موت هذا الموظف إنتحاراً أم نتيجة حادثة قتل ؟ لم يستطع المحقق ضابط الشرطة البت في هذا الأمر رغم ما بذل من جهود وتحقيقات وإستجوابات وما جمع من وثائق ومستندات . نستمر مع سناء في قراءة أحداث القصة فنقتنع أنَّ حادث قتل أو مقتل موظف الحسابات في أحد المصارف ليس ذو أهمية سوى في أنه والحادث المأساوي نفسه قد لعبا دوراً ذا خطورة في مجمل تطور الأحداث سواء ً على صعيد السرد العام أو على الصعيد الشخصي لضابط الشرطة . نجحت سناء في جعل حادث موت موظف المصرف قضية فلسفية كبيرة الخطورة . لقد غيَّرهذا الحادث نفسية ومسلك الضابط وهو أحد عناصر قمع وإرهاب الدولة ... حوله إلى إنسان آخر مغاير ... من عنصر تهديد وعسف بيد الدولة إلى رجل مسالم يتعاطف مع الضحايا إذ إكتشف أن َّ القتيل أفلح وقد سرق مالاً من مصرفه في بناء حجرة سرية خاصة لا تنالها ولا تصلها عدسات كاميرات الفيديو المخصصة لمراقبة المواطنين . "البللورة " عاجزة عن الوصول . قال الضابط مخاطبا ُ نفسه [[ إذا ً على بناء هذه الغرفة أنفق صديقي المنتحر كل مدخراته ، يا له من شقي !!! أراد أن يملكَ ولو مكاناً واحداً على هامش الحرية . حوقل طويلاً ووجد نفسه يفكّر إنْ كان قادراً على أنْ يملك َولو مكاناً واحداً على هامش الحرية ]] . حدثت الإنعطافة الخطيرة في حياة ضابط الرجل وحدث التحول الجدلي ( الدايالكتيكي ) كما يقول الفلاسفة . إنقلب الضابط من عنصر إرهاب وإخافة وترويع إلى رجل مسالم يحس بعمق أنه هو كذلك ضحية النظام الذي يستخدمه لخنق أنفاس المواطنين . الجلاد مجلود ... الجلاد في نهاية المطاف في خندق ومصير واحد مع باقي الناس ... مع الضحايا . كتبت سناء [[ في اليوم التالي كان قد قدّمَ تقريره النهائي الذي أرفقه بإعتراف أحد زملاء المنتحر في العمل بإختلاسه النقود المنسوبة سرقتها إلى المتوفي . وفي طيه إتهام صريح للبللورة بدفع مواطن شريف للإنتحار بعد ممارسة أبشع وسائل القمع والتجسس عليه . لم يُناقش تقريره أبداً كما كان يتوقع ، بل عُلق عليه بعبارة سرّي للغاية ]] . فهم الضابط المحقق دوافع السرقة ... سرق المتوفى نقوداً لكي ينقذ نفسه من ملاحقة عيون جواسيس السلطة إذ إبنتى بما سرق غرفة سرية لا تطالها عيون ومخبرو وكتبة تقارير السلطة الحاكمة . سرق على أمل الخلاص من عسف وجبروت السلطان . [[ في المساء تسلّم الضابط قرار نقله إلى دائرة عسكرية أخرى في أقصى بقاع البلاد مُذيّلا ً بختم البللورة !! ]] . لا ناج ٍ من سلطة هذه البللورة ... لا من خلاص من متابعات الأجهزة السرية التي وصلت حتى إلى أحد الرجال المحسوبين عليها والخادمين في صفوفها . الكل مراقبون والكل يراقب الكل ويتجسس عليه كما كان حال العراق زمن حكم صدام حسين وحزب البعث . كيف كانت خاتمة هذا الضابط الشريف ذي الضمير الإنساني والحس العالي الذي تجاسر فقال الحقيقة وثبت في تقريره دواعي السرقة ولام البللورة ولم يلم القتيل ؟ [[ في الصباح وُجد الضابط منتحراً في غرفة نوم صديقه المنتحر ]] . لم يترك الضابط قصاصة ورق كما فعل المنتحر الأول مكتوب عليها { إننا مسجونون دون أن ندري } ... لأن هذه العبارة كان قد قالها رجل آخر منتحر كبير الأهمية [[ قيل إنه صاحب بللورة سحرية تتجسس على الناس وإنه إكتشف بمحض الصدفة أنه أيضا ً مسجون مع المسجونين الذين يطاردهم ببللورته مع فارق بسيط أنهم مسجونون داخل البللورة وهو خارجها ، لذا فقد إنتحر تمرداً على السجن أياً كان وترك بللورته لشخص لا يعرف عن لعنتها إلى أنْ عرف ]] . خدم الجلادين وأدوات بطشهم يفيقون أخيراً وقد أدركوا أنهم كذلك مراقبون وأنهم الآخرون ضحايا مَن خدموهم ... ضحايا ماكنة البطش الجهنمية . أبدعت دكتورة سناء في متابعتها لعملية التحول هذه خطوة فخطوة وحسب تسلسل منطقي تتداعى الحوادث خلاله وفق جدلية ثنائية السبب والمسبب . سناء لا تهدر وقتها وجهدها في كتابة زخارف وشكليات فارغة لا هدفَ إنسانياً لها كما يفعل الكثيرون والكثيرات من الكتاب والكاتبات . إنها تركز على الجوانب الإنسانية الصرفة وتعالجها بأساليب فنية راقية المستوى . ما كان أساس ودافع فكرة تحول الضابط المحقِق المستجوِّب إلى رجل يتعاطف مع ضحايا النظام ؟ كيف ولماذا شغلت هذه الفكرة حيزاً مرموقاً في تفكير وهموم سناء ؟ كيف إنتبهت إلى هذه الظاهرة وجوهرها تعاطف الجلاد مع ضحيته ؟ هل قرأنا شيئاً من هذا في التأريخ ؟ نعم ، تحوَّل قائد إحدى كتائب أمير العراق الحجاج بن يوسف الثقفي المدعو الحرُّ الرياحيّ من خصم وعدو ٍ للحسين بن علي قبيل واقعة الطف في كربلاء عام 61 للهجرة ... تحوّل إلى حليف له وقاتل مع مَن قاتل دفاعاً عنه وآل بيته حتى قُتل . لمثل هذه التحولات شروط تابعتها بذكاء سناء منها الظاهر الملموس ومنها الخفي المحسوس . سناء ضد أنظمة الحكم البوليسية الشمولية ... أنظمة التجسس على المواطنين وسجن أو إغتيال المعارضين منهم . قالتها من خلال حادث إنتحار ضابط شرطة يمثل واحداً من هذه الأنظمة .
قصة الشيطان يبكي

في هذه القصة مزج ما بين خيال الخرافة ورمزية واضحة المقاصد والمرامي إ ذ ْ تشفُّ بقوة ووضوح عن الهدف المركزي لمجموع القص الذي يطلع القارئ عليه . بدأت القصة بقمقم سليمان وشيطان مارد جبار يتمنى أن ْ لو سجنه سليمان هذا في قمقمه الشهير ولكن لماذا ؟ من يتمنى سجن نفسه وتقييد حريته وهو أمر مخالف لطبائع الأشياء ؟ إحتجاج ... يحتج الشيطان هذا على أمر لا يصدقه ... فلقد تحول ناس هذا الزمان إلى شياطين وأشرار فماذا تبقى له وما عساه أن يصنع بمواهبه الإبليسية وقدراته الخارقة وعلى مّن تنفق تجارته وألاعيبه وبقية مواهبه المجبولة منذ آدم فيه وقد خلقه ربه من مارج من نار وغيره من طين فانقلب الوضع ليجدَ نفسه قبضة طين طري والآخرين ناراً ؟ إنه عاجز عن الإيقاع بفرد واحد مما يرى من بشر وقد سبق له وأن ْ خدع وأوقع في حبائله سيدَ وأبَ هذا البشر . قصة فيها يأس غريب فقد طالما عودتنا سناء أن نستلهم العزم والقوة والتفاؤل في قصصها منها فعلام هذا الإغراق في نزعة التشاؤم الأسود ؟ ما زالت الدنيا بخير نصفاً نصفاً في أسوأ أحوالها وهذا حسبنا في هذا اليوم ونحن تحت مثل ظروفنا الراهنة . فقد الشيطان وظيفته فأصبح عاطلاً عن العمل يرى السجنَ أفضل من حياة البطالة . نقرأ بعض ما قالت دكتورة سناء بشأن هذا الشيطان ( المسكين ) الذي فقد قدراته في أن يوسوس في صدور الناس ويغريهم ويغويهم ويزين العصيان لهم والتمرد حتى على مشيئة خالقهم .
[[ ...ماذا حدث للبشر ؟ إنه الشيطان فكيف يغدو في أيديهم لُعبة ً خرقاء ترجو الخلاص والرحمة ؟ ألم تسمعوا عني ؟! أنا الشيطان ، أنا عدو الرب ، أين جبروتي ؟ ... تمنى من قرارة نفسه ـ وكاد يتمنى من أعماق قلبه إلا أنه تذكر أن ْ لا قلبَ له ـ أن يجدَ أحدا ً يُرثي له ، هو في حاجة إلى الحب ، نعم ، الشيطان لأول مرة ٍ عَبرَ تأريخه الوحشي يحتاجُ إلى الحنان حتى إنه فكّر َ في أنْ يقبِّلَ أعتاب َ عرش الرحمن ويطلبَ مغفرته ويقلب بذلك تأريخ الديانات كلها ]] . كيف يتذلل هذا العاصي الشقي العنيد فيتنازل أمام العرش ساجداً مقبِّلا ً وما تنازل قبل ذلك أبداً ؟ كيف ينحني وما انحنى يوماً قبلاً ؟ اليأس ... من إستعادة دوره والقيام بما خصّه ربّه ُ به من عناد ومشاكسة وعصيان مدني من غير أسلحة وقتال . لم يعلمه خالقه كيفية إستعمال آلات الحروب ولا غيرها من آلات . كلامه آلته وحجته في لسانه وهو بارع في إستخدام الإثنين معاً . مقاتل شجاع بالحجة والمنطق . في ذله وتنازله ثورة وإنقلاب خطيرين : قلب تأريخ الديانات !
في منهج سناء وفكرها وروحها الكثير من الثورات قد يستطيع القارئ الكشفَ عن كنه وطبيعة البعض منها لكنه يبقى عاجزا ً عن فهم وكشف أغلبها . نتابع ما قالت سناء عن هذا الشيطان المغلوب على أمره وقد هرم فبالت عليه الثعالبُ [[ ... كان شيطاناً عندما كان البشرُ بشراً ، لكنه الآنَ يجهلُ ما تراه سيكون بعد أنْ غدا البشرُ شياطينَ ؟ ... حاول جاهدا ً أنْ يجدَ له مكاناً في عالم الشر لكنه بدا تلميذا ً غرّا ً في جامعة عريقة ، لقد لهى الناسُ به وحار في ألاعيب شرّهم وعجب : أنى لهم كل هذا الشر وهو لم يلقنهم إياه ؟ ... شعر الشيطانُ بأن َّ زمنه قد ولى من دون رجعة وقد جاء زمن البشر الشياطين ]] .
هذه هي خلاصة وأصل محنة الشيطان : درس زمانه إذ إنقلب ناسنا إلى شياطين . إنتهى دوره فأصبح عاطلاً عن العمل يعيش على هامش (( المساعدات الإجتماعية )) مثل باقي اللاجئين المنتشرين في كافة أرجاء المعمورة !!

صباحكم أجمل \ زهرة الجنوب


زياد جيوسي
من حديقة "رؤى" في عمان
بعدستي الشخصية


كان من المفترض أن أكون في صباح اليوم متجها إلى رام الله، عائدا إليها بعد شهر من الغياب، لكن مجمل مستجدات أخرت من عودتي إليها، أطالت من لقائي عمّان الهوى، رام الله معي أحملها في كل زاوية من عمان، أزرعها ياسمينة وهوى، أجول كلما أتيح لي الوقت في أنحاء المدينة التي اتسعت بشكل كبير، لكن عماننا التي عشقنا وعرفنا منذ الطفولة ما زالت تمتلك الكثير من سمات الماضي الأقرب، وليس الماضي الأبعد الذي عشناه في طفولتنا، وعبق عمان القديمة ما زال في كثير من الزوايا، ففي زيارة لأسرة رائعة بمناسبة عيد الفصح كانت ماركا تهمس لي كما كانت في تلك الفترة من سبعينات القرن الماضي، فما زال دوار المطار فيها يعج بالمتنـزهين والراغبين في السير، وما زالت حركة المشاة تعج بالطريق الواصل بين الدوار والمشفى العسكري القديم، فأعادتني الذاكرة إلى تلك الفترة من أواخر ستينات القرن الماضي وأوائل السبعينات، حين كنا في بداية الشباب وأواخر الطفولة ونذهب للتجوال هناك، فقد كانت المنطقة التي أتحدث عنها من المطار والدوار حتى المشفى العسكري، قبلة للمتنـزهين والراغبين بالتجوال في منطقة تعج بالحياة، فبعد المشفى العسكري بمسافة ليست بالطويلة كانت حدود عمان، وحين انتهاء الزيارة تجولت بالسيارة في وسط المدينة وشوارعها، وأجزم لو أني من كان يسوق لكنت صيدا سهلا لرجال شرطة السير المنتشرين في كل أنحاء المدينة رغم الوقت المتأخر، فمعظم الشوارع قد تغيرت اتجاهاتها وما تبقى في الذاكرة فهو كيف كانت حين غادرتها قبل أحد عشر عاما من الزمن، لكني كنت اشعر بالنشوة وأنا أنظر الأمكنة وأستذكر الكثير من الذكريات فيها، وإن طال التغير النسبي الكثير من الساحات والأبنية، ولم تعد عمان تلك المدينة الهادئة ليلا، بل أصبحت تعج بالحركة في كل الأوقات، مما أفقدها الكثير من السمات التي عايشناها وعشقناها فيها، هي سنة الحياة والتغير والتطور، لكن آمل أن يكون التغير في المراحل القادمة يحافظ على روح المدينة في قلبها وحشايا القلب، حتى تبقى لعمان نكهتها التي عرفناها ونقلناها لأبنائنا وأحفادنا.
من أجمل الجلسات في الفترة الأخيرة هي جلسة حوار أدبي جميل جمعتني وصديقي د. أسامة المجالي، فقد اختطفني من بيتي وتجولنا سيرا على الأقدام لوقت طويل، ومن ياسمينة متعربشة على سور منـزل، اقتطف لي بعض من أوراقها ووردة جورية وقال لي: كي لا تفتقد الياسمين يا عاشق ياسمين رام الله، فحدثته عن أنواع ياسمين رام الله وأصولها مستذكرا ما كتبه صديقي الجميل د. تيسير مشارقة عن ياسمينها، كل هذا قبل أن نستقر على مقهى الفاروقي الشهير، المتميز بقهوته وقطع البسكويت المعجونة بالقهوة، والتي تقدم بجوار فناجين القهوة، والفاروقي بفرعيه في جبل الحسين وشارع الثقافة في الشميساني، له في الذاكرة ما له إبان إقامتي في عمان، ففي فرع جبل الحسين كنا نلتقي مجموعات الأصدقاء نتحدث بالأدب والفن والسياسة، وفي فرع الشميساني كنا نلتقي أصدقاء ندوات مؤسسة شومان، فما أن ننتهي من الندوة الأسبوعية، إلا ونتجمع لمواصلة الحوار في فاروقي الشميساني، أو نلتقي في تلك الفترة في مجمع النقابات الذي كان قلب الحركة السياسية في مرحلة ما قبل الديمقراطية وترخيص الأحزاب، وكان المجمع يشهد ندوات أدبية ومعارض فنية ونشاطات كثيرة، وكنا نتنقل ما بين الفاروقي وما بين المجمع، لذا كان لجلستي الجميلة مع د. أسامة ما لها من إثارة الذاكرة وجمالها، إضافة لجمال الحوار الأدبي والثقافي، فهو يكتب الكثير عن الذاكرة وهذا ما يشد من أواصر الصداقة بيننا، إضافة لأصدقاء مشتركين لهم عنده وعندي كل جمال وذكرى طيبة، ومساء الأمس كنت سعيدا بلقاء في مركز "رؤى، لبعض المهتمين الذين دعتهم السيدة سعاد مديرة المركز، من أجل المشاركة بالفكرة والعمل من أجل انجاز معرض يضم المقتنيات التي تعود لما قبل الهجرة من فلسطين اثر النكبة، مما جعلني أعتز بهذا النشاط وهذا الاهتمام، وتحويل الذكرى إلى شواهد تؤكد حق العودة.
ما أن أجلس إلى حاسوبي وقلمي في شرفتي المغطاة بأوراق دالية العنب، إلا وتكون رام الله هي الحاضر الأكبر، وفي كل جلسة مع أصدقائي تكون رام الله لها حصة الأسد من الحديث، ويكون لأصدقاء الصومعة الدائمين حضور طاغ أيضا، فترافقني مقاطع من دوثان للعطاري الجميل، وبعض من ترانيم أميرة السراب للدكتور هاني الحروب، ولا بد من تذكر الجميل جميل حامد وزاويته على الطاير، وجلساتنا تحت شجرة الجوز وأضواء ساحل يافا المغتصبة تواجهنا، وزياد خداش ونساءه الغريبات في قصصه المتميز والخارج عن المألوف، وأصدقاء الصومعة من الجزء الأقدم بالاحتلال عام 1948، وأصدقاء غزة المحاصرين بين الحديد والدم والجوع، كل ذلك يرافقني وأنا أتابع ما يستجد في رام الله يوميا بشكل خاص، والوطن بشكل عام، وغزة زهرة الجنوب التي تقدم الشهداء كل يوم وتعاني الحصار والقتل والجوع، والتي قدمت أما وأبنائها الأربعة بمجزرة واحدة على درب الحرية، ومنذ أيام كانت رام الله والبيرة وبيتونيا تتعرض للاقتحامات والعبث والتخريب، في نفس الوقت الذي تصر فيه أن تجعل من الثقافة والفن وسيلة من وسائل المقاومة واستمرار الحياة، فتحتفل بلدية رام الله بمرور مائة عام على تأسيس البلدية، وتحتفل سرية رام الله بالمهرجان السنوي الثالث للرقص المعاصر، ويشهد القصبة والسكاكيني والثقافي الفرنسي الألماني العديد من الفعاليات، وكالعادة أيضا لا يخلو الأمر من هجوم على المهرجانات ممن لا يروق لهم ذلك، متناسين أننا ومنذ ستون عاما ونحن نقاوم الاحتلال، وفي كل يوم هناك مجزرة يرتكبها الاحتلال، يوميا ينـزرع في الأرض شهداء كالسنديان، يوميا تسيل الدماء الطاهرة، وفي نفس الوقت لم نتوقف عن الفرح، ولم نتوقف عن خلق الحياة من قلب الموت والدمار، ولم نتوقف عن زرع الزيتون واللوز الأخضر، وكان الفن والفرح عبر هذه السنوات وقبلها في فترة الانتداب البريطاني، جزء لا يتجزأ من حياتنا، وأن الثقافة والفن كانت وما زالت بعض من وسائل المقاومة والمحافظة على الحياة.
هي عمان ترافقني ورام الله والذكريات، ففي تجوالي في عمان تقفز دوما صورة عمان التي عدت لها بعد هزيمة حزيران من رام الله، ففي تلك الفترة كانت حدود عمان الغربية هي القصور الملكية ما بين الدوار الثالث والدوار الرابع الذي لم يكن موجودا بتلك الفترة، وكان آخر ما في الذاكرة بناء كان يعرف باسم قصر الطباع أو الصباغ، فالذاكرة لا تذكر بدقة، وكان مبنى مميز بجماله والفسيفساء التي ترصع لوحة على جداره، وفي مرحلة لاحقة بني قصر الشريف الذي أصبح فيما بعد مقرا لرئاسة الوزراء، والطريق من هناك حتى معهد وكالة الغوث في وادي السير كانت خالية من السكان، وفي غالبيتها بيادر للقمح والشعير والعدس، وكانت منطقة البيادر في وادي السير تحمل اسم البيادر نسبة لبيادر القمح، فالمنطقة سهلة ومشرفة تصلح لزراعة القمح، وأما بلدة وادي السير فقد كانت في الوادي الواقع خلف معهد التدريب، ومن ناحية جبل الحسين فقد كانت حدود المدينة ما عرف باسم دوار فراس لاحقا، نسبة للشهيد الطيار فراس العجلوني، ومن هناك حتى بلدة صويلح كانت أراض مزروعة أو جبال صخرية، ولم تبدأ حركة البناء على هذا الشارع الذي بنيت فيه الجامعة الأردنية إلا متأخرة، فالجامعة كانت في بداية عهدها تعتبر بعيدة، واذكر أنه في عام 1969 أو 1970 أن الثلوج هطلت بغزارة، فعزلت الجامعة عن العالم الخارجي، وقامت آليات الجيش العربي بشق الطريق لفك الحصار الثلجي عن الجامعة، والإفراج عن المحاصرين من الثلج الأبيض، وأذكر صورة للمرحوم الملك حسين وهو يقفز عن آلية مجنـزرة أمام بوابة الجامعة، نشرت بالصحافة آنذاك وان لم تخني الذاكرة فقد كانت منشورة في صحيفة الدفاع، أما حدود عمان الجنوبية فلم تكن تتجاوز مقبرة الشهداء، والتي كانت تعتبر بعيدة عن العمران بتلك الفترة، وفي الشرق كان جبل النصر هو أقصى امتداد لعمان، بينما الآن أعجز عن وصف امتداد عمان واتساعها بكافة الاتجاهات، هذا الاتساع الذي لم يترك من أراض كانت تقينا غائلة الاستيراد شيئا.
صباح آخر من صباحات عمان، أجالس شرفتي ودالية العنب وحيدا مع فنجان قهوة، أستذكر أحبة يسكنون القلب والروح رغم الغياب، أحلام ترف في صباحي مع كل رشفة قهوة، أشعر بالحنين والشوق المتجدد، أستمع لشدو فيروز:
"اسوارة العروس مشغولة بالذهب وأنت بقلوب يا تراب الجنوب، رسايل الغياب مكتوبة بالذهب وأنت بالعز مكتوب يا تراب الجنوب، وبتولع حروف وبتنطفي حروف وبتظلك حبيبي يا تراب الجنوب".
صباحكم أجمل.

السؤال الساخن!!

عادل عطيه

على هدى الحكمة الخالدة: "فتشوا الكتب"..
- حيث حياة المعرفة ومعرفة الحياة –
أخذت أبحث في الكتب المقدسة عند أصحابها: التوراة.. والإنجيل.. والقرآن.. ، عن: سر تواجد اسرائيل على أرض فلسطين!!!ففي القرآن الكريم ، آيات بينات ، تتحدث عن أن الله أعطى الأرض المقدسة لليهود:"وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحد من العالمين.. يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين" (سورة المائدة 20 ، 21).
وفي التوراة ، نبوءات عدة ، منها:"ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتنى بقية شعبه التي بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ومن كوش ومن عيلام ومن شنعار ومن حماة ومن جزائر البحر ، ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربع أطراف الأرض" (سفر إشعياء 11:11 ، 12).
ويتحدث إشعياء نفسه في رؤياه ، عن وسائل النقل التي ستستخدم في هذا الرجوع كالطائرات مع أنها لم تكن موجودة في تلك الأيام ، فتقول النبوة:"من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها. إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الأول لتأتى ببنيك من بعيد" (سفر إشعياء 60 :8 و9).
ونأتي إلى حديث السيد المسيح النبوي عن هذا الرجوع ، بتمثيله بإفراخ شجرة التين وخروجها بذلك من موت الشتاء إلى حياة الصيف: "فمن شجرة التين تعلموا المثل متى صار غصنها رخصاً وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب" (متى 32:24).فشجرة التين ترمز إلى الأمة اليهودية ، حيث شبه هوشع علائق الرب مع بنى اسرائيل بالتين الباكوري إذ يقول: "رأيت آباءكم كباكورة على تينة في أولها" (هوشع 10:9).
وها هي الشجرة قد أفرخت قدام عيوننا ، وأصبح لليهود كيان سياسى ، ودولة تسمى باسمها القديم: "إسرائيل" ، ومعترف بها من هيئة الأمم المتحدة ، وصار لها حكومة منظمة ووزراء وسفراء ومركز في المحيط الدولي. ولكونها أخرجت أوراقها فقط ، فإن ذلك يعنى أن رجوعهم رجوع سياسي لا ديني ، وهو رجوع جزئي بدليل أن غصناً واحداً لها هو الذي صار رخصاً وليس كل الأغصان ، وأوراق فقط دون ثمار أي في عدم إيمان ، وفي غير اكتمال.. ويشار إلى ذلك بتجميع العظام اليابسة قبل أن يهب عليها الروح!!
،...،...،...
هذه الآيات ، تفرض علينا سؤالاً ساخناً:هل نقاوم النبوءات الموحى بها؟.. هل نقاوم معرفة الله السابقة للأحداث؟ ؛ لأن ما يتحقق منها على أرض الواقع لا يتوافق وأمنياتنا ورغباتنا البشرية؟!...
أما الإجابة ، فقد يكون لها وجوها متعددة.. بعدد وجهات النظر والآراء وتنوعها.
إلا إجابة واحدة من الصعب تجاهلها!
ومن الأصعب الإقرار بها!

عبد الواحد براهم ويوسف رزوقة في مسرحيّة "أصوات قرطاج"



ما لم يقله مؤرّخو روما
من العناوين اللاّفتة والصّادرة عن دار" تبر الزّمان" والّتي ضمّها معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الـسّادسة والعشرين عنوان جديد هو "أصوات قرطاج" ، مسرحيّة شعريّة التقى في تأليفها الرّوائيّ عبد الواحد براهم والشّاعر يوسف رزوقة ، جاءت في إخراج فنّي، باذخ، في 144 صفحة .

قدّم الكتاب الدّكتور محمّد حسين فنطر، مختصّ في دراسة الحضارات الفينيقية وحضارات ما قبل الميلاد في شمال إفريقيا وهو إلى ذلك، رئيس كرسيّ بن علي لحوار الحضارات والأديان و صاحب عديد المؤلفات في مجال اختصاصه وممّا جاء في تقديمه قوله " هذه ملحمة شعريّة من سبك أديب وشاعر رأيت فيها أثرا لأثر فطربت وغمرتني سعادة من يؤمن أنّ التّراث يثري الخيال ويخصب المبدعين وكم يسعدنا التّاريخ إذا زفّ إلى خيال خصيب يمجّد دون كبرياء بل يجعل من الحبّ والوصل والتّضامن قيما تغذي النّاس" ليضيف " ثمّ لا ننسى ما تسعى إليه أصوات قرطاج من اندساس في سمك العالم الّذي نعيش فهي تنويه بالحرّيّة وتنديد بالخنوع وبمن لا يؤمن بالذّات".

من جهته، أوضح عبد الواحد براهم في تصديره الغاية من هذا التّأليف المسرحيّ بقوله:" ظلّت قرطاج ردحا من الدّهر رافعة لواء الدّولة الأعرق والأعظم في البحر المتوسّط فتصدّت بحكم مركزها هذا، وبدافع من مبادئها، لنوايا روما التّوسّعيّة وحاربتها قرونا.(...) لقد هزمت قرطاج فأحرقت ومسحت أرضها مسحا.

ظلمت من مؤرّخي روما المأجورين أو المتملّقين. ذاقت بعد سقطتها الغبن ونسيتها السّعادة زمنا. لكنّ اسمها لم يندثر وظلّت أصوات رجالها ونسائها عالية، محفورة في ذاكرة التّاريخ . في هذه المسرحيّة، إبراز لملامح مختصرة من ذلك الصّراع النّاتج عن تعارض طموحين: طموح قرطاج الرّامي إلى تأمين أسطولها البحريّ وحرّيّة تنقّله وإلى الحفاظ على ازدهار اقتصادها وحسن تعاملها مع الأجوار وطموح روما الّذي تجاوز مرتبة الصّلف والاستعلاء وطلب الغنم إلى مرتبة التّوسّع القاهر الضّاغط المستعدّ لسحق أيّ دولة تعارض مخطّطه الامبرياليّ وتعطي الرّواية في نفس الوقت صورة للخنوع السّائد بين ملوك ذلك العهد وكيف أخضعتهم سياسة روما التّأديبيّة وجعلتهم مستعدّين دوما للتّنازل عن كلّ شيء، ما عدا التّاج والصّولجان حتّى ولو كانا من ورق".انطوت هذه المسرحيّة على تسع لوحات متواشجة هي كالتّالي:اللّوحة الأولى جاءت تحت عنوان "الأطلال" وفيها صوتان هما للشيخ محرز بن خلف والمؤرخ.

اللّوحة الثّانية تمحورت حول "علّيسة" التي غادرت صور فرارا من بطش شقيقها بيغماليون وعلى جلد ثور بنت قرطاج الملاذ.اللّوحة الثّالثة تدور حول إنيوس في مواجهة مع علّيسة التي أكرمته وأسبغت عليه من عطائها، وقد رأت فيه ضالّتها أخيرا.لكن إنيوس كان جحودا إزاءها إذ ارتأى الرّحيل نزولا عند نداء الآلهة ليدمر برحيله ذاك امرأة اسمها عليسة.

اللوحة الرابعة بعنوان "ريقولوس" وتلويح روما بشن الحرب على قرطاج.

اللوحة الخامسة تحمل عنوان "عبدملقرت" الذي علّم حنبعل فن القتال والذي بفضله استوى حنبعل قائدا عظيما.

اللوحة السادسة حول شيبيون في مواجهة حنبعل ، انتصار وانكسار .

اللوحة السابعة حول صفونيبة ابنة عزربعل وأثرها في المشهد القائم بين الطرفين.

اللوحة الثامنة تتمحور حول حنبعل في منفاه.ا

للوحة التاسعة جاءت مفتوحة على الأفق تحت عنوان"لا بدّ من أمل" وفيها تشخيص لمسيرة قائد زلّت به حكمته.

وتنتهي المسرحية بتداخل أصوات تدين نمطا جائرا لهيمنة هي زائلة لا محالة وإن طالت:انظري أيتها الآلهةلا ضمير لهم هؤلاء الملوكعبيد وإن توجوهموهم خدم طيعون لروما أذلاّء أنفسهم قبل أن يفرض الذل فرضا عليهمتموت المدائن لكنّ نبع المبادئ لا، لن يموت.

ويذكر أنّ عبد الواحد براهم ، واضع النّصّ الأصل لهذه المسرحيّة هو كاتب روائيّ، عمل سنوات في مهنة التّعليم ، في وزارة الثّقافة ثمّ بالألكسو، أرسى قواعد عدّة مؤسّسات للنّشر كما ترأس اتّحاد النّاشرين لثلاث سنوات و ترأس شركة تصدير الكتاب التّونسي لمدّة ست سنواتنشر على مدى 40 سنة عددا لا يحصى من البحوث والقصص والرّوايات.

من مؤلفاته: في بلاد كسرى، ظلال على الأرض، مربّعات بلاستيك، حب الزّمن المجنون، بنزرت تاريخ وذاكرة، بحر هادئ سماء زرقاء، تغريبة أحمد الحجري كما حاز على العديد من الجوائز الأدبيّة منها الجائزة الأولى لمسابقة مدينة "المدينة" للرّواية لسنة 2002 عن رواية " قبة آخر الزمان ".

أمّا الطّرف الثّاني، مسوّغ هذا التّأليف المسرحيّ شعريّا فهو الشّاعر يوسف رزوقة، باحث في الشّعريّات وأمين عام شعراء العالم بأمريكا اللاّتينيّة وصاحب العديد من المؤلّفات الشعريّة نذكر منها: أمتاز عليك بأحزاني ، برنامج الوردة ، إسطرلاب يوسف المسافر، الذئب في العبارة، بلاد ما بين اليدين ،أزهار ثاني أوكسيد التاريخ، إعلان حالة الطوارئ، الأعمال الشعرية (الجزء الأول)، يوغانا : كتاب اليوغا الشعرية، الفراشة والديناميت ، أرض الصفر والأعمال الشعرية في جزئها الثاني إلى جانب مؤلفات أخرى بالفرنسية والإسبانيّة والبرتغاليّة.

الثلاثاء، أبريل 29، 2008

7 أيّار

زياد الرحباني
ما بْعِمرو كان معاشُن عا قدّنا
منشِدّ طْلوع بشدّو عا أدنى
حسَمنا الأمِر صمّمنا وعقدنا
بسبعة أيّار نمشي بالإضراب.
**
إنتو رعيان سابقها قطيعا
خَلقتو ظروف مش ممكن أطيعا
ودولة بالنصّ حاكمها قطيعا
لكنِ الفقر مكتمل النصاب.
**
الأخبار

أَسَى السَّـنَوَات


صلاح الدين الغزال


أَذَاكُمْ آهِ مَا أَقْسَاهْ
فَمَاذَا تَبْتَغُونْ ؟!
فُؤَادِي مِنْ دَمٍ خَالٍ
وَنَبْعِي ظَامِئٌ لِلمَاءْ
وَصَخْرَتُكُمْ وَقَدْ أَلْقَى
بِهَا سِيزِيفُ إِعْيَاءً
سَأَحْمِلُهَـا بَدِيلاً عَنْهْ
لاَ حَطَّتْ نُسُورُكُمُ
عَلَى كَبِدِي
أَغِيثُونِي ..
فَلاَ أَحْدَاقَ فِي الحَيِّ
سِوَى أَحْدَاقِ
ذُؤْبَانِ العَشِيرَةِ
وَهْيَ تَسْتَعْدِي
وَتَبْحَثُ عَنْ بَقَايَايَ
كَأَنَّ مَنَابِتَ الزَّيْتُونِ
قَدْ عَقِمَتْ
وَلَمْ تَتْرُكْ ..
عَلَى صَهَوَاتِهَا أَحَداً
تُظَلِّلُهُ هُمُومُ الكَوْنْ
وَالأَحْزَانُ إِلاَّيَ
أَنَا نَبْعُ الخَطَايَا
رُبَّمَا قَدْ كَانَ
إِبْلِيسٌ سَلِيلِي
.. فَاحْذَرِينِي
قَبْلَ أَنْ تَتَّقِدِي
أَيَّتُهَا الرَّقْطَاءُ
وَلْتُصْغِي مَلِيّـا
فَأَنَا وَالحُبُّ خِلاَّنِ
وَأَغْلَى مَا لَدَيَّ
لَوْ تَقَصَّيْتِ ..
شُمُوخِي
كِبْرِيَائِي
رَايَةُ المَجْدِ
إِذَا مَا أُلْقِيَتْ ..
ذَاتَ يَوْمٍ
فِي الوَغَى خَوْفـاً
لَشُدَّتْ بِيَدَيَّ
أَسْهُمُ الذُّلِّ تَكَبَّدْتُ جَنِينـاً
مِنْكِ مِنْ فِيكِ المُشَاكِسْ
قَبْلَ مِيلاَدِي
وَبَعْدَ المَوْتِ لَمْ يَسْلَمْ
مِنَ النَّبْشِ رُفَاتِي
قَدْ حَبَاكِ اللهُ سَيْفـاً
مِنْ لِسَانٍ فِي فَمٍ
سُمُّهُ يُفْنِي قَبِيلَهْ
يَكْسِرُ العَظْمَ وَيُجْلِي
نَسْمَةَ الصُّبْحِ العَلِيلَهْ
كَمْ عَجِبْنَا ..
إِذْ أَبَى اللَيْلُ انْتِحَارا
عِنْدَمَا مَرَّ عَلَى
بَيْتِكُمُ بَعْدَ الغُرُوبْ
وَتَسَاءَلْتُ ..
كَمَا النَّاسِ جَمِيعـاً
كَيْفَ مِنْ بَعْدِ ..
تَنَائِيهِ يَؤُوبْ !!
رُبَّمَا قَدْ ظَنَّكِ مُتِّ ..
كَمَا مَاتَ سِوَاكْ
حَيْثُ أَنِّي مِثْلُهُ
لَمَّا أَعُدْ
أَيَّتُهَا الرَّقْطَاءُ
أَسْتَجْدِي لِقَاكْ
فَارْفَعِي عَنِّي يَدَيْكِ
وَانْبُذِينِي ..
كَيْ أَسُدَّ الأُذُنَيْنْ
قَبْلَ نَبْسٍ مِنْ شِفَاهٍ
ضَمَّهَا الحِقْدُ الدَّفِينْ
وَاحْذَرِي ..
مِنْ وَثْبَةِ التِّنِّينِ
مِنْ قَلْبِي المُدَمَّى ..
بِالوَعِيدْ
آهِ لَوْ يَنْفَكُّ ..
مِمَّا سَامَنِي
مِنْكِ إِسَارُهْ
.. لِيُلْقِيَ مِنْ عَلَى كَتِفِي
أَسَى السَّنَوَاتْ
وَيُقْصِيكِ ..
بَعَيداً دُونَمَا إِشْفَاقْ
عَنِ البَيْتِ الَّذِي
لَمْ تَذْكُرِي اللهَ
عَلَى عَتَبَاتِهِ يَوْمـاً
مِنَ الأَيَّـامِ
أَوْ تَرْعَيْ جِوَارَهْ

حوار مع الشاعر محمد الفوز


حوار/حسين الجفال


المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم
المؤسسات الرسمية تموت ببطءٍ بسبب البيروقراطية
أردنا أن نؤسس مناخاً إبداعياً مغايراً عن السائد
الأندية الأدبية في المملكة فشلت في ردم الهوة بينها وبين المثقف
الناقد العربي كاتب أحمق بل فاشل لأنه هدام وثرثار ويجلب الكآبة

محمد الفوز ، شاعر وجد ذاته في الشعر رغم تعدد مواهبه في ضروب أدبية وفنية عديدة ، هرب من التشكيل والخط إلى القصة ثم عاد للشعر الذي يراه مصدرا يمد روحه بالسحر والجمال ، متوتر من المجهول ويبحث عن غدٍ محتمل ، أسس مع زملاء له ( ملتقى الوعد الثقافي ) وقاد جماعة الشعر في أدبي الشرقية بنجاح ، عمل في الصحافة منذ زمن طويل ، ديوانه المرتقب ملحمة كبيرة ( ليل القرامطة ) يأخذ طريقها للنشر قريبا ، إليكموه..


1. محمد الفوز ، بدأت قاصا وتحولت للشعر وكان لك حضورا إعلاميا أيضا ، إلى أين تركن روحك ؟

المبدع كائنٌ نزقٌ يتماهى في كُل شيء من حوله ، بعض الرهانات خاسرة ، و التعدد في الاتجاه مثارُ العزلة ، لقد بدأتُ تشكيليا و خطاطا كأولِ عبثٍ أبرهنُ من خلاله وجودي أو بالأحرى اكتشافُني للآخر و هو تحريضٌ على الدهشة التي تتجاوزُ المكانَ إلى أبعاد واهمةٍ لا تنكفئ ، ثم كتبتُ القصة و مارستُ ارتجالَ الحكايا و الشعر الشعبي ، و لم أجدْ ذاتي إلا في الشعر حيثُ تورطتُ به مع أولِ ارتعاشةٍ في جسدي بالمراهقةِ الأولى طبعا ، لمْ ينبشُ أحاسيسي المرتبكة آنذاك إلا الشعر ..... وحده طاقة سحرية تشد الروح من أقصى الخفقان ؛ أما روحي الآن ؟!!!
أكادُ أهتك ستر القلق الذي يختطفني كل لحظة من مباهج المدن و تيار الحداثة/ أشتغل كثيرا ، و لدي خبرة جيدة على المستويين المعرفي و الابداعي لكنني متوتر من المجهول/الغد المحتمل هو شماعة آلامي و قيامة اللعنات التي أخلعها برهافةِ النوايا .

2- تجربتك الشعرية بها من النضج الكثير ، لماذا لم يصافح المتلقي ديوانك بعد؟

أمارسُ الكتابة الشعرية بوعي مغاير ، أدركُ –تماما- أن اللحظة سريعة الالتقاط و التحول معا ، لذلكَ أحتاجُ للانعتاق من المفردةِ و التجلي في مخيالٍ محض لذلكَ أنأى عن الشعر و أقترب/بلا موعدٍ و بلا صُدفةٍ أيضا ، أودُّ التخفف من وطأةِ الزمن للتماس مع ذاتي التي أخونُها كثيرا بالأرق/ الأرق هو ما يحتلني ، لا أودُّ الكتابة المصطنعة أو المنسابة إنما أسلوبي هو الكتابة في منتصف الهذيان/و في منتصف الوعي لأكونَ هادئا بوجعِ النبيذ و غارقا بسؤال اللغة ..... أما ديواني ؛ فأظنه سيكونُ انتحاري إنْ لم يخرج مني بين يدي مفتونا بحريته التي ضاقتْ بي كما ضِقتُ بها .

3- جئت من الأحساء وسكنت الخبر وأقمت حتى ظن الجميع انك مغترب عنها ، كيف تقيم المشهد الأحسائي الطارد لكل ما هو حداثي في ضوء ولادة نادي يضم شتات المثقفين رغم تباين ثقافاتهم؟

الأحساء كأيِّ ريفٍ لا يحظى بالتعدد و الاختلاف ، عشتُ بالأحساء طفولتي الأولى و كانتْ روحي محلقة/كنتُ أحلمُ ، و الأحلامُ جريمة –هناك- إنْ لم تكن مُباركةً من رجالِ الدين ، الشيوخ أفسدوا الأحساء ، و أهانوا كل جميلٍ فيها بخلافاتهم و قمعهم لاختلاف الآخر ، الحرية مفقودة ، و الوعي يتشكل بصمتٍ ، لذلكَ لم أستطع التعايش كثيرا مع الفوبيا و اللغط الاجتماعي و التوتر الطائفي و ما إلى ذلك من سياقات التشتت التي كانتْ تسود الأحساء آنذاك ، رغم أني عشتُ آخر منعطفات التحول الحضاري في الثمانيات إلا أنني أعترفُ بعُمقِ التجربة و متناقضاتها جعلتني أكونُ واعيا بحجم الرهان الثقافي الذي أراهُ مشوها في الآونة الأخيرة ، رغم ولادةِ "نادي الأحساء الثقافي" الذي أظنه سيكونُ هدَّاما لرؤى الحداثة المنكوبة بفِعلِ الأحادية في التلقي ، هناكَ نُخبة ثقافية و لكنها لم تؤثر شيئا في مشهد الفكر إزاء التمترس الديني الذي يسحق كُلَّ اختلافٍ أو تصادمٍ على مستوى النظرية و الحراك الثقافي أيضا ، رجل الدين هو قالبُ الحياة هناك ، و هذا سببٌ كبير في طرد المثقفين الجادين إن لم أقل هروبهم بحثا عن حريةٍ مستلبة و واقعٍ مدني يصقلُ الإنسانَ الوثني الذي يسكننا .....

4- أسست مع الأصدقاء ( ملتقى الوعد الثقافي ) وكان المنتدى الأبرز من حيث التنوع والحضور في العامين الماضيين على مستوى المنطقة ، على ماذا تراهنون في المشهد الثقافي المحلي؟

ملتقى الوعد الثقافي كانَ حلما و مايزالُ حلما غاويا ، بلا أيدلوجيا استشرفنا المشهد الثقافي السعودي و بحساسيةٍ عالية أردنا أن نؤسسَ مناخا إبداعيا مغايرا عن السائد/ أنْ نكسِرَ حدةَ الفوبيا بين المثقفين و المثقفات ، أنْ نُعيد تشكيل الجيل الشاب برؤى منفتحةٍ على الآخر ، و أنْ نُزجي حِسَّا هادئا عفويا على الساحة التي تئنُّ تحتَ وطأة التعالي و الغرور ، ثمةَ مسافة ودِّ استطعنا خلقها بلا وصايا ، و كانتْ رهاناتُنا مرتبكة أو حالمة بمعنى آخر ، و الآن بوعي لا تنقصه الخبرة أستطيع أن أراهنَ على قدراتِ الجيل المعاصر الذي اختزلَ ثقافة النت و تحولات الحياة في نصٍ قابلٍ للسمو/ المثقف الحديث يتلقى بسرعةٍ و يتفاعلُ بسرعةٍ و يفنى بسرعةٍ في لحظة الكتابة ، الكتابة ليست مصيرا أو قدرا للمثقف إنما أداة تعبير تزفُّ الوعي للقارئ ، و حينما يتماهى الوعي بين رؤيتين مختلفتين –بالضرورة- تكونُ القيمة أكثر جدوى في حوارٍ يُسيِّره الإبداع لأجل الإبداع و مهما تكن النزعة مثاليا إلا أنها تركت وشما في الذاكرة ، و الرؤى تنمو في ذواتٍ خصبةٍ لا يقمعها الخوف/السلطة .

5- خرجتم من إقامة الفعاليات محليا وانطلقتم في عمان كتجربة أولى على مستوى الوطن العربي ثم توجتم ذلك الشهر الماضي بأسبوع ناجح بالبحرين ، كيف تقيمون مردود ذلك ثقافيا على الساحة السعودية؟

نحن نتوجس كثيرا من المشهد المحلي الذي لا يثق بمنجزه و يتكل في ألقه على ثقافة الآخر ، كانت فعالياتنا في "مسقط" و "البحرين" محاولة لترسيخ مفاهيم الوعي المشترك و تجاوز حساسية المنجز كما أننا نختبر قيمة النص من خلال مستويات التلقي التي تحيلنا إلى المجاهرة أكثر بنصوصنا و توطيد التواصل مع باقي الدول العربية التي نقف على أبوابها بحيرةٍ فائضة ، لابد أن نكون جادين في عطاءاتنا و ألا ننتظر الآخر حتى يقف لدينا بنصف أثر بل علينا أن نتبادل المعرفة ، و هذه الخطوة بادرةٌ واعية من "ملتقى الوعد الثقافي" كأول ملتقى أهلي عربي يتجه بوفدٍ متعددِ الخبرات و الإبداعات لإقامةِ فعالياتٍ مشتركة تُضيءُ المشهد السعودي ، و يُعيدُ وهج المثقف السعودي و تُفرز للساحةِ أسماءً جديدةً تُغربل الوجع و تفتحُ أفقا رحبا لحريةِ الكلمة ، كما توجه صفعة ً محترمة للمؤسسات الثقافية الرسمية التي تموتُ ببطءٍ بسبب البيروقراطية أو لأكن صريحا بسبب تسييس الثقافة و ارتهان المثقف العاجز إداريا إلى كُرسيِّ بليدٍ لا يقوى على الفِعلِ/التأثير في مجريات الواقع .

6- بصفتك منسق النشاط الشعري في أدبي الشرقية ، كيف تقيم الأنشطة المقامة في الأندية ، أليس الأسماء تكرر نفسها ؟ مع العلم أن هناك اتهام يقول أن العلاقات بين الأصدقاء تكرس الأسماء ، بمعنى ( شيلني وأشيلك)؟

الأنشطة جيدة و متنوعة ، و لكنها كلاسيكية و لا تبني جيلا ثقافيا يتصدى للمستقبل ، أنا ضدّ النشاط التقليدي الذي يعتمد على المنبرية و الخطاب ، إذا لم تتحول الفعاليات في النادي إلى أشبه بالطقوس أو بالممارسات الناقدة لذهنية المثقف و إعادة تأسيس دوره في المجتمع أظن بأننا نُعيد ذواتنا في ملامحَ بائسة ؛ أي تتغير الوجوه و القيمة واحدة ، أما الشللية فلابُدَّ منها مادمنا نتكئُ على بروتوكولاتٍ مؤسساتية لا تضعنا أمام خياراتنا و بالتالي ثمة حُريةٌ ناقصة ، و لكن إنْ استعرضنا تجربة أدبي الشرقية في العهد الجديد فإنَّ معالم التغيير واضحة و متجلية عموما ، و كما يقول الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس «كل شيء يجري، فأنت لا تغتسل في نفس النهر مرتين» .

7- محمد الفوز أنت قارئ جيد بحسب تتبعي لما تنشر وتكتب في النت والصحف ، كيف ترى هذا الإسهال المهيب في هطول الرواية السعودية ؟ وهل هو جانب صحي يؤدي بالضرورة للفرز بين الجيد والرديء ويبقي هذا ويطمس ذاك؟

الرواية المحلية تتدفق بشكلٍ جميلٍ ، و لستُ مع الإسهال إلا أننا في مرحلة ماقبل الرواية إن صحَّ التعبير ، إذا كانتْ الرواية أنتجتْ جيلا قارئا ، و أسستْ لحريةٍ مدنية فإنها ضمنْ اشتراطات الحداثة التي تفترض احتمالاتٍ عدة و تبثها في صيغة أسئلة أو مفاهيم صادمة تجتذب المفكر أو المتلقي للإجابة عنها أو النقاش فيها ، الرواية أحدثتْ صدمة اجتماعية فيما تطرحه من أفكارٍ مستلبة و قيمٍ مستورةٍ و نبشِ للمسكوت عنه ، الاقتراب من التابو في الرواية المحلية هو اتجاه للحرية ، و قطع الاغلال ، و التمرين على نقد الذات في العلن و إعادة تكوين العادات التي استمرأنا وجودها رغما عن التحول الاجتماعي في عصر التكنولوجيا و قيامة الأسطورة من جديدة ، كل هذه العوامل يجب أنْ تكونَ حافزا أكبر للكتابة و التمرد على الخيبة .

8- سؤال يطرحه المثقفون دائما ، لماذا يعزف الناس عن طبع كتبهم في الأندية ، اهو الإخراج ؟ أم التوزيع ؟ أم أمور تخفى على الكتاب؟ ما هو رأيك؟ مع التنويه أن أدبي الشرقية وهب كتاب الأحساء باكورة الكتب التي طبعها في مجملها ؟

الأندية الأدبية في المملكة فشلتْ إلى حدِّ ما في ردم الهوة بينها و بين المثقفين إجمالا ، لايوجد نادي أدبي بالمملكة استطاع لَمَّ الشتات ، أسبابٌ كثيرة تدعو للمراجعة و الإفصاح عما ينبغي فِعله و تجذيره في الوسط الثقافي ، و بالنسبة لعزوف الناس عن الطباعة يعود لعدم الجدية في تسويق الكتب بالفترة الماضية إلا أنَّ تجديد مجالس إدارة الأندية الأدبية و إعلان وزارة الثقافة و الإعلام عن لائحة تنظيمية جديدة لإدارات الأندية الأدبية هو ماسوف يغربل المشهد و يختبر صلاحيته أيضا ، أما باكورة إصدارات أدبي الشرقية جاء من نصيب الأحسائيين فهو مصادفة جميلة و ليسَ تحيزا .

9- ما الذي يؤرق محمد الفوز كمثقف ؟
ثمة مقولة للروائي الروسي ليوتوليستوي "المفكرين الأحرار هم أولئك المستعدون لاستعمال عقولهم بدون حكم مسبق، وبدون خوف، لفهم الأِشياء" و هو يتناص مع غاستون باشلار في مسألة عدم الحذر في استقبال المعرفة أو إعلانها ، كنتُ أتصفح كتاب (دوائر الخوف) لنصر حامد أبو زيد و قد أرقني حظر الحرية و قمع المفكر و إبعادِه عن زوجته و وطنه ، أيُّ ثقافةٍ و أيُّ إبداعٍ ندعيه و الفكرةُ نُمارسها بالتورية و الغموض ، أعتقد أن سبب الغموض في الإبداع العربي هو الخوف من الرقيب ، هناكَ رقابة مزدوجة و إحساس مزدوج في عقليتنا و حياتنا معا ، و أتذكر حديث الروائي السعودي أحمد بودهمان حول إصدار رواية "الحزام" باللغة الفرنسية ثم ترجمتها للعربية إنه تحدث بشهقةٍ عن أفول الحرية و عدم احترام العقل المبدع ، بعكس الغرب الذي يحتفي بالكتب الجادة و يضع المثقف في مرتبة عالية ، المثقف في أوطاننا مشبوه و متهم و غير معترف بقدراته ، بل و مضطهد ، هكذا نعيشُ بإرادةٍ ناقصةٍ ، و المشكل الأكبر هو أنَّ المثقف عندما يتولى منصبا في مؤسسةٍ ثقافية أو غيرها يكونُ أقسى على الآخرين من غيره ، بمعنى يتحول الاستبداد إلى حالة مرضية كاستعادة الكرامة أو لنقل لإثبات الذات و لذلك تتفشى لدينا مركزية العمل ، و جفوة القرار ، مايؤرقني هو ألا نجد للشباب متسعا ، الكبار استغلوا كل شيء في مجتمعنا ، إذا لم تَكُنْ كهلا و لم تُداهمكَ الشيخوخة فانتظرْ نصيبكَ في زمنٍ ما ، و في حُلمٍ آخر ، للأسف أننا نتربى على قيمٍ جاهلية ، و لا نتطور بل أننا نُحاصر كُلَّ دُعاةِ التغيير ، و هذه عقلية جماعية تتصف بالبطش و الغباء المادي لا أكثر .

10 - كيف ترى متابعة النقاد للمنجز الإبداعي في المملكة ، ولماذا يؤكد الكتاب ان بينهم وبين النقاد مسافة كبيرة ، هل الناقد إنسان فوقي؟
بالتأكيد ، الناقد العربي كاتبٌ أحمق بل فاشل لأنه هدَّامٌ و ثرثارٌ يجلبُ الكآبة و الغثيان و هذه ظاهرةٌ محليةُ و عربية ، و لكل ظاهرة قلائلٌ حريصونَ على الحُلمِ كما يُشير سارتر " الإنسان خُلق ليقضي على الإنسان في داخله ، وليفتح روحه لجسد الليل المظلم" ، و مهما يكُن فالنقدُ مثل المراجيح التي تعبثُ بأفياء المكان ، للنقدِ اشتراطاته و جنونه أيضا ، و سيظل النقد العدو اللدود لكل النصوص المغايرة و هو العدو/الحميم الذي ألفناه رغم ضغينةٍ خابية و فرحٍ مخاتلٍ أحيانا ..........

الاثنين، أبريل 28، 2008

كشف المآذن !!

عادل عطية

عندما يفاجؤنا احد اولادنا – على غير طبيعته وعادته – بهدوئه ودعته وطاعته ...ننظر إليه بارتياب ، ونقول له : " يبدو أنك اقترفت شيئاً معيباَ "..
وكثيراً ما يصدق حدسنا ، وينكشف القناع !فلقد تعلمنا أن التحوّل المفاجئ :من الحركة إلى السكون ، ومن العناد إلى الطاعة ، ومن الطلاح إلى الصلاح ...
ماهى إلا أقنعة مزيفة ، نرتديها عندما نشعر بخطئنا ، وخوفنا من رد الفعل .تصدق هذه التجربة لتشمل احوال أمة بأكملها !
أنظروا إلى تزايد ارتفاعات المآذن، وعددها ، وفخامتها ..بعدما كانت فى الماضى على شكل يوحى بالرصانة والتقشف كأول مئذنة بنيت فى الديار الاسلامية !
هاهى تظلل ملايين الرجال الذين يطيلون لحاهم، فيطلقون عليهم: شيوخ !والنساء اللاتى يلبسن الخمار، ويرتدين الحجاب ، فيطلقون عليهن : نساء فاضلات !ولابد أن نتفرس فى هذه الظاهرة.. ونعلن ادراكنا بأننا فى ورطة .
فكلما ارتفع النداء الى الصلاة ،لابد وان نتذكر قول الله عن بنى اسرائيل،وكل امة تتمثل بها : " يقترب إلىّ هذا الشعب بفمه ،" ويكرمنى بشفتيه ." وأما قلبه فمبتعد عنى بعيداً." وباطلاً يعبدوننى ." وهم يعلمون تعاليم هى وصايا الناس ".
وكلما أدّعى حاكم بأنه يحكم بالشرع ،نجد غياب العدالة الاجتماعية ،والحكم الديكتاتورى مقطوع الصلة بمبدأ الشورى الاسلامى !لقد اشتهرت القاهرة ، قاعدة الديار المصرية ، فى الماضى ، بأنها : مدينة الألف مئذنة !
ولكن تلكم المآذن ، والتى صارت اليوم بالملايين ..كانت ولاتزال شاهدة على تاريخ طويل من الظلم والظلام المغلّف بأدعياء التدين !
وكم من مآسى خلقها ، قادة وحكام ، أضافوا إلى اسمائهم اسم : الله ..كالحاكم بأمر الله ، والعاضد لدين الله ، والحافظ لدين الله ، والعزيز بالله ،...
وآخرون زيّنوا ألقابهم ، بكلمة : الدين ..كصلاح الدين ، ونور الدين ، وشرف الدين ، وسيف الدين ،...وبعضهم وصفوا أنفسهم بصفات لم يتمثلوا بها ..كالملك الصالح ، والوالى العادل ، والرئيس المؤمن ، الذى صنع "الفتنة الطائفية ، وأضافها كتعبير فى القاموس اللغوى المصرى!
وهاهى ذا شذرات من كتب التاريخ ، الذى لايزال يكتب حتى يومنا هذا بمداد فسفورى ،كل ما يكشف قناع المآذن ، والتدين الزائف ،والاسماء التى ليست على مسمى :.. فقد خلّف احمد بن طولون بعد وفاته من ذهب ولؤلؤ وجواهر ويواقيت وتحف وضياع واملاك وبساتين وعبيد مالا يحصى عدده !
.. وخلّف ابنه خمارويه الذى زوّج ابنته قطر الندى بجهاز اسطورى ، كان له اثره على بيت المال !.. اما كافور الاخشيدى ، فقد ترك فى خزانته بعد وفاته ما قيمته نحو مليون دينار من الجواهر والثياب والسلاح والامتعة !..
أما فى عهد الخليفة المنتصر بالله الفاطمى ، فقد عانى سواد الشعب المصرى من المجاعات الرهيبة والطواعين والقحط وإختفاء المواد الغذائية ، حتى اضطر الناس إلى أكل الكلاب والقطط ، ثم إلى أكل جثث من يموت من البشر !..
أما الخليفة الظافر بالله ، فقد أنكبّ على اللهو والطرب وشرب الخمور ، بل كان يهوى ابن وزيره " عباس " وينزل إليه ويبيت عنده فى غالب الأوقات .
ثم أهداه صينية من ذهب فيها ألف حبة لؤلؤ !.. و فى عهد " العاضد بالله " كثرت الفتن و المذابح والحوادث الشنيعة ، زادها بحريق مدينة "الفسطاط" بمشورة خرقاء من وزيره ، حيث استمر الحريق واحداً وخمسين يوماً، حتى صار الدخان يرى من مسيرة ثلاثة أيام !..
أما فى عهد العزيز بالله ابن الناصر صلاح الدين ، فحدث ولاحرج من فرض الضرائب الثقيلة ، وانتشار دورالدعارة واللواط وأماكن القمار و الحشيش والخمور ، وانعدام العدل ، وتفشى الرشوة وتحكمها فى كل شىء !،...،...،...
فبدلا من ان تكون الديانة هى الاخلاقيات فى صلتها بالله كمشرع،ومعرفة واجباتنا كأوامر الهية ،- على حد تعبير المفكر عمانوئيل كانت - .صارت بأفعالهم الرديئة :" كالافيون " ، - كما قال كارل ماركس- .
ولكن هل يمكن ان تكون الديانة :مجرد مادة مسكنة..تذهب بالعقل ،وتخدر الاحاسيس ،وتطهر الضمير الملوث بالجرم وتحرره من ثقل المذنوبية ؟!...
adelattiaeg@yahoo.com

تـلاواتٌ في محراب الجراح

عبدالله علي الأقزم
قـُمْ لـلـصَّـلاةِ و حيِّ الواحدَ الأحـدا

واغزلْ ليـومِكَ مِنْ شمس ِ الصَّلاةِ غـدا

و اغسِلْ ضميرَكَ بالأنوارِ مُصطحِباً

إلى المعاني الحِسَان ِ الطيِّبينَ هُـدَى

واعـرجْ بروحِكَ لـلـعـليـاءِ مُشـتــعـلاً

و كُـنْ لـمسعـاكَ في بحرِ الجَمَال ِ نـدى

و أثـِّثِ الليلة َ الظلماءَ في وهج ٍ

و أطفئ ِ الليلَ في المحرابِ مُتـَّقِـدا

واقرأ كـتـابَـكَ عـنْ قـانـا التي اتـَّحدتْ

مـعَ الدمـاء ِ و كـانــتْ لـلـدمـاءِ صـدى

و انظرْ إلى سطرِها المذبوح ِ ِفي أفـق ٍ

قـد فاضَ في الـذبح ِ مِن هول الخطوبِ عِدا

واكتبْ على الـنـورِ لا حـقـداً سـيُـركعُها

و لا إبـاءً لـهـا أعطى الـخـنـوعَ يـدا

معي نداؤكِ يـا قـانـا يـُذوِّبُـنـي

يُجيِّشُ الهمَّ و الأحـزانَ و الـنـَّكـدا

نـزفُ العراق ِ على عـيـنـيـكِ أقرؤهُ

و مِنْ صمودِكِ نُحيي ذلك البـلـدا

و فـيـكِ غزَّة ُ قـد فـاضـتْ مصائـبُـهـا

و كـلُّـهـا فـيـكِ أضحى اليـومَ مُـنـعَـقِـدا

قـانـا أيـا وجعي مـا كنتُ أزرعُهُ

إلا و نـزفـُـكِ ما بـيـنَ الـقصيدِ بـدا

إنِّـي حمـلـتـُـكِ و الأوجـاعُ تحملُني

فـلـمْ تـدعْ ليَ لا روحـاً و لا جسَـدا

كم ذا ضمـمـتـُـكِ في صدري سطورَ دم ٍ

تُحْكَى و وجهُكِ ما بيـن السطورِ شـدا

هذي جراحُـكِ ما ماتتْ بطولـتـُهـا

و فيكِ أحلى وجودٍ أحرزَ الأبـدا

قـومـي إلى النـَّدبِ أمواجـاً و عاصفـةً

و أخرجي مِن حروفي الصَّمتَ و الزبدا

كلُّ الصهاينةِ الأرجاس ِ قد قتلوا

بقتل ِ خيرِ بنيكِ الماءَ و البـردا

تـفـتـَّقَ الجرحُ مرَّاتٍ و أنتِ هـنـا

فـوق الجـراحـاتِ لا أهـلاً و لا ولـدا

على شموخـِك لـمْ تـطمسْكِ كـارثـةٌ

مِنَ الـرَّمـادِ نـهـضـتِ الـطـائـرَ الـغـرِدا

صـبـراً على الألم ِ الملغوم ِ إنَّ يـدي

صـارتْ لكِ النهرَ و الأهلينَ و البلدا

نـهـضـتِ في الـقصفِ مرآةً مُعذبـَـةًً

و مـا نـهـوضُـكِ يُـرْمَـى للمحيط ِ سُدَى

لبنانُ أنتِ و في أقـوى تـوحُّـدِهِ

صرتِ المشاعرَ و الأعصابَ و الكبـِدا

و كيفَ يـُخـلـعُ إيـمانٌ بـعـاصـفـةٍ

خطاكِ في العصفِ أضحى ذلكَ الـوتـدا

و فيكِ كلُّ جراح ِ الخلق ِ مورقةٌ

حـبَّـاً و مشرقة ٌ في جانبيكِ نـدى

أزلـتُ كـلَّ مدى لمْ يـشتـعـلْ بدمي

إنْ لمْ تكوني لناري في الهُُيـام ِ مدى

نبضي لـقـلـبـِكِ لم تـتـعـبْ رسـائـلـُهُ

على امـتـدادِكِ نبضي ضـاعفَ المددا

كم ظلُّ حـبـُّكِ في الأحضان ِ يـُغرقـني

شعراً و مسكاً و إيمانـاً و مُـعـتــقـدا

هـذا اتـصـالُـكِ في قلبي يُسافرُ بي

وصلا ً و كـلُّـكِ في كـلِّ الهوى اتـَّحدا

و كلُّ كون ٍ أبى يُعطيكِ مشرقـَهُ

يُمسي بمغربِـهِ في الـذل ِ مُـضطهَـدا

دعي العروبة َ للأعراب ِ و انتصبي

كجملة ٍ أشرقـتْ بـيـن الرُّكام ِ هُـدى

الأحد، أبريل 27، 2008

الوفاء

زكية علال
من مكرهم ... كانوا يعرفون عني كل شيء .. كانوا يعرفون أن طبيعتي العربية تعشق الجمال .. وأن قلبي الذي تنتفض نبضاته غضبا .. قد يسترخي ويتهاوى نبضه أمام سحر الكلام .. ولهذا أرسلوه إليّ ..
جعلوه يتسلل إلى خيمتي المغروسة في غزة .. ظِلُّه سبق وقع خطواته إلى مضجعي .. كان شابا وسيما .. وشاعرا !!! الكلمات العذبة تتراقص على شفتيه ..ويسكن السحر ضوء عينيه .. أفقت مذعورة .. فإذا به يقترب مني واضعا قلبه على راحة كفه وهو يهمس لي: - هذا قلبي أقدمه قربانا لعينيك الساحرتين ..
حاولت أن أتدثر بغطاء يتمرد على جسدي وسألته : ماذا تريد مني ؟!! قال لي وابتسامته الصفراء تتربص بغطائي الرمادي : كم أنت جميلة ، وفاتنة ! قلت له وأنا أتمسك بغطائي الذي يدثرني من خبث نظراته : كيف وصلت إلى خيمتي وهي محاصرة بالنار والجوع ؟!! رد بمكر فاضح : من عشق سحر عينيك لا يُسأل كيف وصل إليهما ..
سألته : ماذا تريد ؟ قال : أحبك ... قلت : ثم ماذا ؟ قال : إنك أملي ومحجتي ...أقضي الليل كله أعدُّ النجوم قطعة قطعة ... أرتبها .. أتسلى .. ليطلع الصبح فأراك .. إنك شمسي التي تشرق من مشرق قلبي المتعب..
قلت : ثم ماذا ؟ قال : لا أستطيع أن أحيا بدونك .. إنك قطعة مني .. بعض دمي .. أراك فيك قلبي يمشي على الأرض .. إن شئت أن أظل ساجدا العمر- كله - عند قدميك ، سأفعل. - وبخبث – امتدت يده لتكشف عن شعري .. انتفضت بجنون ، وصرخت : ماذا تريد ؟!!
قال وأنفاسه تكاد تعانق أنفسي : أريد أن أتحسس شعرك الفحمي .. فيه دفء يقتل كل إحساس بالغربة والشقاء و ... وصفعته .... لست أدري من أين جمعت قوتي التي جعلتني أصفعه ليتدحرج مهزوماً خارج الخيمة... كان لابد أن أفعل ذلك يا عبد الله ... فقد كانوا يريدونني أن أقع أسيرة حبه وكلماته الدافئة .. يريدونه أن يستولي على مشاعري ليسهل امتلاكهم لي .. هم يدركون أن هزيمة الأم هي بداية النهاية .. لكن .. لن أنهزم يا عبد الله ... لن أستسلم .. لن أدعهم يصلون إلى بوابة قلبي التي ظلت مقفلة منذ غادرتني وحملت معك نبضي !! كم كانوا أغبياء وهم يعتقدون أن الغزل مفتاح القلوب .. وجهلوا أن ما أغلقه الوفاء تستعصي عليه كل مفاتيح الغزل المباح .. وغير المباح .. جهلوا .. أنه تربطني بك حكاية حب .. قصة وفاء .. وحرقة عذاب أكبر !! ولهذا سأظل وفية لك ... في زمن الخيانات الرسمية .. وغير الرسمية ، سأظل قائمة على وفائي لك .. فقط – لأنك عبد الله ... ولأنني فاطمة ..

قـد أكمـل

عـادل عطيــة


" قد أكمل "
قالها الاب بابتهاج ، وهو يزف ابنته العروس إلى زوجها !
" قد أكمل "
قالها الطفل الضاحك ، عندما اتم والده اصلاح لعبته المفضلة !
" قد أكمل "
قالها الفنان ووجهه يفيض بشراً ، وهو ينظر إلى التمثال الذى نحته مزهواً !
" قد أكمل " ، قالها بارتياح المؤلف ، عندما انتهى من كتابه الجديد !
**
ولكن أروع : " قد أكمل " ، قيلت
تلك التى صدرت عن ذلك الذى استوى على عرش صليبه ،
محتملاً قصاص العدل الالهى ، حتى " أكمل " كل شئ !
" قد أكمل "
قالها مرتين ، ذلك الذى جاء ليقوم بخدمتين :
الأولى : نشر الانجيل
والثانية : عمل الفداء
فلما أتم الأولى ، خاطب أباه ، قائلاً : " العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته "
ولما أتم الثانية ، قال : " قد أكمل " !
" قد أكمل "
نطق السيد بهاتين الكلمتين ،
بنغمة الانتصار لا الانكسار
فقد أتم كل ما كان عليه اتمامه مما كتبه عنه الانبياء :
فالسلطة التى كانت للشياطين على البشر ،
قد أنتهت بموته
كما انتهت مهمته فى هذا العالم ،
وهى التى كانت تسبب له الجوع ، والعطش، والتعب ، والآلام
" قد أكمل " نغمة النصرة التى يجب أن تكون فى أفكارنا كل حين ،
فارادة الله أطيعت
والسماء فتحت للانسان
وظلام القبر تغير إلى مجد القيامة والصعود مع المسيح !
" قد أكمل "
تعبر عن رجاء أفضل للعالم أجمع
وكل من يؤمن بهذا القول ، وبقائله ، يحصل على السلام مع الله !
adelattiaeg@yahoo.com

حُلْمُ أُمَّـة

صلاح الدين الغزال
هَلاَّ انْتَفَضْتِ كَمَا قَدْ كُنْتِ فِي القِـدَمِ
أَمَا مَلَلْـتِ مِـنَ الأَغْـلاَلِ وَاللُجُـمِ
إِنَّ الأُلَى غَدَرُوا بِالأَمْـسِ قَدْ قُـبِرُوا
وَأَصْبَحَ الصُّبْـحُ بَعْدَ النَّزْفِ وَالأَلَـمِ
قَدْ نِمْتِ دَهْـراً طَوِيلاً كَـادَ يَجْرُفُنَـا
سَـيْلُ الطُّغَاةِ إِلَى القِيعَانِ وَالحِمَـمِ
يَا أُمَّتِي حُلُمِي فِي الصَّحْـوِ مُشْرِقَةً
حَتَّى أَرَاكِ بِهَذَا العَصْـرِ فِي شَمَـمِ
أَرَى الحِـدَادَ الَّذِي قَدْ كَـانَ جَلَّلَنَـا
بِثَوْبِ حُـزْنٍ تَرَدَّى دُونَمَـا وَصَـمِ
يَا تُحْفَةَ الشَّرْقِ كَمْ غَنَّـتْ حَنَاجِرُنَـا
أُهْزُوجَةَ النَّصْرِ فَارْتَاعَتْ دُنَى العَجَمِ
يَا لَلآلِـئِ .. هَـلْ خَيْـطٌ يُنَضِّدُهَـا
خَـوْفَ التَّشَتُّتِ وَالتَّشْرِيـدِ وَالظُّلَـمِ
إِنَّ المَقَـادِيرَ قَـدْ مَالَـتْ لِتَرْفَعَنَـا
مِنْ بَعْدِ إِجْحَافِهَا رَدْحـاً إِلَى القِمَـمِ
لَكَـمْ تَرَدَّتْ وَكَـمْ مَالَـتْ بِهَامَتِهَـا
تَرْجُو اللِئَـامَ وَتَشْكُو عُقْدَةَ الصَّمَـمِ
لاَ البَحْرُ أَفْضَى بِسِرِّ البَوْحِ أَوْ سَلِمَتْ
مِنْ رِبْقَةِ الأَسْـرِ وَالأَحْدَاقُ لَمْ تَنَـمِ
فِي لُجَّـةِ الجَهْلِ بِالأَحْقَـادِ تَرْمُقُهَـا
تَرْجُو انْقِضَاضاً عَلَى الأَخْلاَقِ وَالقِيَمِ
لَكِنَّهُ الصَّحْـوُ قَدْ جَـاءَتْ بَشَائِـرُهُ
مِنْ بَعْدِ لأْيٍ مَعَ الإِصْبَـاحِ بِالدِّيَـمِ
فَابْتَـلَّ مِنْهَا وَكَـادَ الجَـدْبُ يَغْمُرُنَا
سَهْلُ اليَبَابِ وَأَوْهَتْ قَبْضَةَ السَّقَـمِ
وَاهْتَزَّتِ العِيـسُ فِي إِقْبَالِهَـا طَرَباً
وَاجْتَازَتِ البِيدَ رَغْمَ الحَظْـرِ بِالهِمَمِ

طائرٌ يسبقُهُ جناحاه

سامي العامري


كان غِناء
-----------


نايي يسيحُ وراءَ الجبالِ
قَنالاً الى الغدِ
عَوَّلتُ دوماً عليهِ
ورفيفاً نجا
من خرابٍ سجا
فَأَومأَ قلبي اليهِ
ومنقارُ طيرٍ أطلَّ كَلهبةِ شمعهْ
وتلفَّتُّ : كان غِناءٌ وقرعُ طبولٍ
تساءَلتُ : ماذا ؟ فقالوا : خميسٌ* تَزَوَّجَ ,
آهِ , ضَحِكْتُ :
خميسٌ تَزَوَّجَ في يومِ جُمعهْ !
هكذا طائرٌ هَجَّرَتْ غابةٌ دمعتيهِ
-------------

خميس : إسم راعٍ كردي .

بنجوين - كولونيا
1985- 1999
**

المُسجّى
----------

في الأزِقَّةِ مُستَلَباً ظَلَّ , طَيَّ السآمةِ , مُزْدَهِرَ العثراتْ
وشاهدةٌ دونَهُ لإمامٍ
تقولُ : المُسجّى هنا طاهرَ الذيلِ عاشَ وماتْ
فَصَحَّحَها , خَطَّ :
عاثَ وماتْ !
وإيرانُ كانت كذَقْنِ الخمينيِّ
مدهونةً بالفتاوى ,
حُسينيَّةً وحدَها !
ولياليكَ تعدو بها إسوةً بالنهاراتْ
مَذبحةُ التابواتْ !
----------

طهران - كولونيا
1985- 2000

السبت، أبريل 26، 2008

نزار قباني في قصيدة الديك

لمى: قصيدة من معدن وحجر

زياد جيوسي

الصور بعدستي الشخصية
لمى حوراني شابة في عمر الورود، تحمل على محياها دوما ابتسامة رقيقة ناعمة، تشع عيناها بالذكاء ومحياها بالجمال، روحها محلقة في عالم آخر متجسد بالفن، كنت أتابع صفحتها الالكترونية منذ فترة فأرى الجمال فيما تبدع روحها، والأناقة فيما تصنع يديها، كنت أقضي اوقاتا جميلة وأنا أتأمل إبداعاتها عبر الشبكة العنكبوتية، فخلقت في روحي رغبة قوية بأن أحلم بأن أرى بنفسي ومباشرة هذا الفن المتميز من الجمال والإبداع، ولكن هذا الاجتياح من الرغبة لروحي لم يكن يخرج عن إطار الحلم، فأسري الذي طال في الوطن المحتل وفي أحضان رام الله الحب والجمال، كان يقف في مواجهة تحقيق الحلم كما يقف الجدار الأفعى في مواجهة الحلم بالحرية.
كنت أؤمن دوما أن الأحلام التي تجتاح الروح وتحملها على التحليق بأجنحة الأمل لا بد أن تتحقق يوما، لذا لم يكن لدي شك أبدا أنني سأنال حريتي وأعانق عَمّان الهوى والذاكرة ذات يوم، وان الحلم بأن أقف أمام إبداع لمى سيتحقق ذات يوم حين أعانق عماني الجميلة، فلم ينتابني اليأس يوما وبقي الحلم بلقاء عمان يرافقني طوال السنوات الطويلة التي مرت وقاربت الأحد عشر عاما على فراق حضن عمان.
حين كنت أتأمل إبداع لمى عبر موقعها الالكتروني، لم أكن أعرف ما الصلة التي تربط بين الحلم بزيارة عمان وبين الإبداع الذي يتجلى في فنها، حتى كان اللقاء مع عمان بعد الغياب، وحضور معرض لمى "حجوم أكبر" ربيع وصيف 2008، فوجدت نفسي أقف أمام جمال وذاكرة وقصيدة منقوشة من معدن وحجر، فوجدت السر الذي كان يربط بين عمان التي أهوى وأتوق لقياها، وبين إبداع لمى حوراني، ففي إبداعات لمى وجدت التمازج بين التراث والمعاصر وزينة البداوة والفلاحين والغجر والمدينة، كما مازجت عمان الأصول المختلفة لسكانها، فكانوا جميعا عمانيوا الهوى.

قد يكون ما أقوله لا يخرج بالنسبة لمن لا يرى من خلال روحي إلا تهويمات فراشات كاتب، ولكني أراه عشق الأمكنة والشوق لمدينة شهدت من حياتي طفلا وشابا عقود من الزمن بحلوها ومرها، ففي إبداعات لمى وجدت نفسي أقف بدهشة الطفل متأملا الإبداع، تمازج الحجر والمعدن بروح واحدة، وحين وقفت أمام قطعة فنية يتدلى من سلسلتها مفتاح فضي، رأيت فيه المفتاح الذي حملته واحتفظت به منذ طفولتي وما زلت، رمزا لبيت جدي بمقربة من شاطئ يافا، ووجدت في المفاتيح الصغيرة الأخرى الرمز لتجوالي الطويل بين مدن وأمكنة مختلفة، ومفتاح بيتي في عمان الذي كنت أحلم بزيارته، رأيت في مفاتيح لمى حق العودة لشعب مشرد عن أرضه، ولعاشق يحلم أن يفتح بوابة بيته بعد غياب ويلتقي بذاكرة عمان والهوى، فما زلت وسأبقى ذاكرة عمان وضمير رام الله.
كل قطعة أنتجها إبداع لمى وروحها المحلقة تحمل من المعاني الشيء الكثير، لذا حين كنت أقف متأملا كنت أرى في العيون جمالا وأسمع همسا يلقي في أذناي قصيدة من معدن وحجر، فكل قطعة فنية حملت في داخلها مجموعة من قطع المعدن محفورة بإبداع كبير، وكل منها يحمل في ثناياها رموزا من إشارات غريبة وحروف أغرب وطيور وكلمات وأوراق شجر، تثير كل منها أكثر من علامة سؤال، وحين أتأمل الربط بين المعدن والحجر بأشكاله المختلفة وتلاوينه التي تجتاح الروح كنت أسائل نفسي: ترى حين كانت لمى تنـزف من روحها إلى أصابعها ما الذي كان يدور في خُلدها مع كل قطعة تنتجها حتى تجمعها بتناسق هائل من الجمال لا تكاد ترى فيه إلا أن الحجر والمعدن روح واحدة خلقت معا منذ بداية الطبيعة فتمازجت بقصيدة تعلق على جيد الحسان، وإن كنت أضن بهذا الجمال أن يعلق إلا على جيد أبدع بخلقه الخالق.
سلاسل طويلة وقصيرة وأحجام مختلفة، نقوش ورموز جميلة مثيرة للدهشة والسؤال، وكأنها التعاويذ التي حملها من سبقنا لتقيهم الغضب وتحميهم، حجارة بألوان وأشكال وأحجام مختلفة، كلها تحمل بتناغمها لوحة الطبيعة البكر وجمالها، روح الإنسان الذي يبحث عن الجمال منذ وجد في هذا الكون، فزّين السواعد والأعناق بالحجارة التي وجدها بألوان تبهره، ضمها بالمعدن والخيوط المجدولة وتزين بها، فأعادت لمى التاريخ منذ عهد الكهوف في إبداعها، لتعلقه إبداع من جديد بروح جديدة على جيد القرن الحادي والعشرون.
في اللغة اسم لمى يعني الشامة الصغيرة التي تزين الشفاه المكتنـزة، وفي ابداعها وروحها كانت لمى الشامة التي تزين أرواحنا وعمان بالجمال.

أيّ شقاق نحيى يا وطني .. أيّ نفاق ؟؟!!

ممتاز الشريف

كل الأعياد اجتمعت في هذا البرزخ لكن ..
ما فلحت واحدة منها في كسر سوار الحزن ,
و إضاءة شبر من ليلك وطني ..
يااااااا غزة ..
لا الأضحى , لا الميلاد ..
لا رأس السنة الهجرية ,
لا الميلادية لا ..لا عيد الثورة ..
لا عيدا انسيا , جنيا , ربانيا
أفلح في كسر سوار العتمة يا وطني ..
سبحانك صاحب أعظم عرش ..
( كل عروش الدنيا زائلة يا شعبي )
فلماذا نفني هذا العمر ,
مصرين على هذا القهر ,
و هذا العهـــ ...؟؟
لعمري هدم الكعبة حجرا حجرا
أهون من قتل فتى ؛
أو حتى فتوى بالقتل ,
فكيف إذا نقتل إرثا ,
و ننكل بتراث و قضية ؟!!
و كيف نقطع وطنا ,
و ندمر إرثا خط بشلالات الدم ؟؟؟
و نشرذم شعبا, يا شعبي ,
و نلوث تاريخا و هوية ؟؟؟
...
أأبكيك بلادي ..؟
لا .., ..
بل أبكي جزءا ميتا من شعبي
كنت أظن به روحا ,
فإذا بالروح ..
هيهات الروح فقد رفضت هذا البهتان ,
و هذا الزور و هذا الذل ,..
وانتفضت هاربة من أجساد
رضيت أن تصبح سلعا في سوق النخاسين ,
و تجارا أفاقين أحالوا الوطن عوالم سفلية ..
... ...
يا وطني من قال بأن دواء المرضى,
و حليب الأطفال و خبز الجوعى ..
هما يقلق تجار السم و حفّار الأنفاق ؟!!
يا شعبي أيّ شقاق نحيى ..أيّ نفاق ؟؟!
إن بقي الحال بهذا الحال ..
فأي جحيم ننتظر.. و أي هلاك ؟؟؟
آآآآآآآآآآآآآآه ...أرثيك زمان الود ..,
زمانا كان المفتي فيه ضميرا جمعيا ,
والخارج عنه لعين ....
زمانا كان به الدم صراطا ..,
و الكل على " ركبته " أمين !!
فالفتوى كانت دينية ..,
لا شرقية لا غربية ..,
لا صفوية لا علوية ..,
فبئس فتاو لا يمهرها بيت المقدس ,
تصون دمانا..,
وتحمي وحدتنا الوطنية .

من مكة إلى المدينة


عادل عطية
كانت انطلاقة السرب الاسلامى من مكة إلى المدينة ، أكثر من هجرة !
فقد تحوّلت النواة الاسلامية تحولاً خطيراً ، حتى جاز لنا القول : إن إسلام مكة ليس هو إسلام المدينة !
فكفّار مكة ليسوا هم كفّار المدينة!
وأولياء مكة ليسوا أولياء المدينة !
والهالكون فى جهنم حسب نص القرآن المكى ليسوا هم هالكى جهنم فى القرآن المدنى !
فمن والاه المسلم فى مكة أصبح يعاديه فى المدينة
ومن عاداه فى مكة أصبح أشد عداوة فى المدينة
فالكفّار المشركون عبدة الأصنام والأوثان هم هالكو جهنم فى مكة ،
وهم محط اللعنات القرآنية طوال أكثر من ثلاثة عشر عاما فى مكة
بينما أهل الكتاب هم " المسلمون " الذين أمر محمد أن يكون معهم من المسلمين ،
وهم الذين قال فيهم القرآن : " أولئك الذين هدى الله ، فبهداهم اقتده " ( الأنعام 6 : 90)
أما أهل الكتاب فى المدينة فهم الذين حرفوا الكتاب ليّاً بألسنتهم ،
وهم الذين أخفوا نعت محمد واسمه من كتابهم ،
وهم عبّاد الثالوث الذين ألّهوا المسيح وأمه واتخذوهما إلهين من دون الله
فاستحقوا جهنم خالدين فيها أبداً !
**
إن من يقرأ القرآن يدرك أنه لم ترد آية واحدة طوال أكثر فترات العهد المكى ،
تنذر أهل الكتاب بالعذاب الأليم فى جهنم ،
بل إن آيات التبشير بالعذاب كانت موجّهة فى جملتها إلى المشركين من قريش وما حولها ،
الذين صدّوا عن سبيل الله ،
والذين استكبروا ورفضوا دعوة المساواة التى أطلقها الإسلام بين الطبقات
لكن الأمر يختلف كثيراً عندما نقرأ ما نزل من القرآن فى المدينة :
فهى لا تفرق بين مسيحيين ومسلمين لله ،
لا يشركون به إلها آخر ،
مسيحيين يقرّون له بالوحدانية
وبين آخرين ضالين اتّخذوا من المسيح وأمه إلهين ،
أو الذين اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله !،
**
حتى أولاد المشركين والكتابيين نالوا نصيبهم فى هذا التغيير !
فقد سألت " خديجة" ، زوجة محمد طوال العهد المكى ، محمداً عن مصير أولاد المشركين ،بمافيهم أهل الكتاب ،فقال : " ولا تزر وازرة وزر أخرى " (الأنعام 6 : 164)
" هم على القنطرة "
وفى رواية أخرى : " هم فى الجنة"
وقد روى أبان عن أنس ، قال :سئل رسول الله (ص) عن أولاد المشركين ، فقال :" لم يكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة
ولم يكن لهم سيئات فيعاقبون عليها فيكونوا من أهل النار فهم خدم لأهل الجنة "
هذا الموقف الصريح من أولاد المشركين وأهل الكتاب ،نراه يختفى ويتغير إلى موقف آخر يتبناه القرآن تجاه الكفار بما فيهم أهل الكتاب ، وأولادهم
فقد سألت " عائشة " ، زوجة محمد فى العهد المدنى ، محمداً عن ذرارى غير المسلمين ،فقال : " هم مع آبائهم "
قالت : " بلا عمل ؟!"
قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين ، والذى نفسى بيده لئن شئت أسمعتك تصاغيهم فى النار "
ففى مكة أولاد أهل الكتاب فى الجنة خدام لنزلائها ،ولكن بعد أن اتخذ الإسلام موقفاً مستقلاً من مصدره الأول ،بل معادياً من هذا المصدر ،الذى ظل يمدّه بالعقائد والتشريعات طوال أكثر من ثلاثة عشر عاماً ،كانت النتيجة إلقاء هؤلاء الاطفال فى الجحيم ، بلا ذنب سوى انهم جاءوا من صلب كتابيين
**
قد يتصوّر أهل الكتاب ،أنه لامبرر لوجود الآيات المكية المتسامحة ،بعدما نسخت فى المدينة !
ولكن وجودها ،سيسمح لبعض المسلمين الذين لم يتحجّر قلبهم بعد ،أن ينحازوا اليها ، لصالحهم !
**
لمشاهدة صورة عادل عطية بإمكانكم الرجوع الى فيلم كتّاب مجلة ليلى

الجمعة، أبريل 25، 2008

أضلع الطريق


سامي العامري
--------
طريقيَ مقلوبةُ الضوء بل لا ضياءْ
يمدُّ جناحيهِ من فوق أضْلُعِها المتعرِّجةِ ,
يمشي عليها ,
يورِّطها بالشقائق أو بالحرائق أو بالحِداءْ
عن شمال طريقي
صفوفٌ من العاطلين عن الحُبِّ ...
عن يمين طريقي
هِمَلايا من الأدعياءْ
تداعوا لعزفي
وقراصنةٌ ينهبونَ عذابيَ وَضْحَ النهارِ وشَسْعَ البحارِ
ولا يعرفونَ دروبَ التَخَفّي !

****

كيتْ وكيتْ
شعراءُ يحدّونَ الأسنانَ
على طَبَقِ الإنترنيتْ !
وماذا بَعْدُ ؟
عَقمَتْ هِنْدٌ
ونأَتْ دَعْدُ !
لَو عرفوا الشِعرَ لَقُلْنا : طوبى
لكنْ ما حيلةُ سَبّاحٍ رِعْديدٍ
وجَدَ البحرَ أميناً
إلاّ أنْ يَبْليَهُ رُكوبا !؟


****

يا مُشتهىً للمُشتهى
يا مُطلِقي من أسرِ روحيَ
انتَ أسرُ الروحِ , محرابٌ لها
عُدْ بيْ اليها إنّما
انا واعتناؤُكَ باعتلالي
ليس إلاّ ....... وانتهى !

****

النجمُ يرى أنْ أسكرَ حَدَّ النجمِ
لكي أنجوَ مِن نجواكْ
ولَعَلّي أعلِنُ باسم إلهِ العُتْمهْ
ما من نجمهْ
إلاّ كأسُ نبيذٍ أحمرَ
تترَجْرَجُ في كفِّ مَلاكْ .
فوداعاً لي ولكم ولها
ذبتم عجباً
وهي دلالاً
وانا وَلَها !

****
كولونيا
alamiri84@yahoo.de

الخميس، أبريل 24، 2008

أَشْجَانُ قَلْبِـي

صلاح الدين الغزال
دَعِي القَلْبَ يَنْفُضُ عَنْهُ الغُبَارَ
فَلَنْ يَنْشُدَ الوُدَّ رَغْمَ انْدِحَارِهْ
بِرَغْمِ السُّهَادْ
بِرَغْمِ الأَسَى وَافْتِرَاشِ القَتَادْ
بِرَغْمِ مُرُورِ اللَيَالِي الشِّدَادْ
سَأُبْعِدُ عَنْ كَاهِلِي ..
عِبْءَ هَذَا الشَّجَنْ
وَإِنْ حَاوَلَ الدَّمْعُ مِنِّي انْهِمَارا
سَأَفْقَأُ عَيْنَيَّ قَبْلَ انْحِدَارَهْ
وَلَنْ أَنْثَنِي
أَدُوسُ عَلَى القَلْبِ حَتَّى يَئِنّ
وَلَنْ أَنْحَنِي
فَمَا كُنْتِ أَوَّلَ إِنْسَيَّةٍ
قَدْ سَرَتْ فِي دَمِي
فَقَبْلَكِ يَا قُرَّةَ العَيْنِ
قَاسَى كَثِيرا
وَلَكِنَّ مِثْلَكِ لَمْ تَكْتَنِفْهُ
وَلاَ أَرَّقَتْهُ لَيَالٍ طَوِيلَهْ
لِمَاذَا ؟
لأَنَّ دِيَارَكِ لَيْسَتْ دِيَارِي
وَسُورُ العَقِيدَةِ سَدٌّ مَنِيعٌ
يَحُولُ ..
إِذَا مَا اشْتَهَيْتُ التَّلاَقِي
لِذَلِكَ أَصْبَحْتُ فِي نَاظِرَيْكِ ..
عَدُوّاً يُنَاوِئْ
لَقَدْ صَادَرُوا ..
الشَّمْسَ قَبْلَ الشُّرُوقْ
وَحَتَّى السَّحَابَ الكَثِيفَ انْدَثَرْ
تَسَاءَلْتُ أَيْنَ أَرِيجُ الزُّهُورْ ؟
وَأَيْنَ الضِّيَاءُ وَأَيْنَ الأَمَلْ ؟
وَأَيْنَ صُدَاحُ البَلاَبِلِ فِي الأُفْقِ ؟
بَلْ أَيْنَ حَتَّى حَفِيفُ الشَّجَرْ ؟
إِذَا مَا عَبَسْتِ ..
يَسُوءُ السَّمَرْ
وَأَشْعُرُ أَنَّ الدُّرُوبَ الرِّحَابْ
مِنَ الضِّيقِ بَزَّتْ ثُقُوبَ الإِبَرْ
وَأَنَّ المِيَاهَ العِذَابَ النَّقِيَّهْ
صَارَتْ أُجَاجـاً
كَأَنِّي حَيَاتِي الَّذِي قَدْ جَنَيْتُ
وَأَنْتِ الضَّحِيَّهْ
رُوَيْداً سَأَسْلُو وَلَوْ بَعْدَ حِينْ
بِرَغْمِ السِّهَامِ الَّتِي تَقْذِفِينْ
لِتُصْبِحَ ..
أَشْجَانُ قَلْبِي الحَزِينْ
مَعَ الصَّبْرِ ذِكْرَى
وَيُصْبِحَ ..
كُلُّ الَّذِي قِيلَ عَنْكِ
مِنَ الشِّعْرِ
رَغْمَ التَّفَاعِيلِ
نَظْماً مَقِيتاً وَنَثْرا


بنغازي/ ليبيا

العنصرية الزاحفة !!

عادل عطية


فى ظل الكوكبية ، والعولمة ، والعصرنة ،...
امتدت أياد عابثة فى عتمة ظلام الماضى ،وفكت قيود أفعى العنصرية ؛لتزحف بيننا ،ولتكتب برقطها على أرض المواطنة ،عبارات تنهش فى هوية الغير ومن احترام ذواتهم ، من قبيل :.. " مخصص للمحجبات " !.. " يمتنع المسيحيون " ! وتبث سمومها عبر الفضائيات :.. باحتجاجات على أن يقوم ممثل مسيحى بدور خالد بن الوليد !.. وبتهديدات بالقتل لممثل مسلم بسبب لعبه دور القديس بطرس !.. وبفتوى مثيرة للتعجب والسخرية معاً ،وتعطى درساً جديداً فى العنصرية للاجيال القادمة ، تقول :" لا يجوز للمرأة المسلمة ، شرعاً ، أن تكشف شعرها أمام مسيحية " ! ،...،...،...
أنها اياد لجانحين متحجرين قساة يتحدّون المجتمع الدولى ، ولا يحترمونه . ويفتقرون إلى بعد روحانى حقيقى فى حياتهم .أنهم يريدوننا أن نكون كشواهد للقبور . وشواخص للعزلة . فإلى متى نستمد قراراتنا من عنصريين ولدوا من رحم التعصب والاستعلاء ؟!.. وألا نعلم أن الكبرياء هو العروة الوثقى بأخوية الشيطان ؟!..
يجب على الذين يحبون أن يضموا ايديهم ،لتكملة دائرة التحريض والفصل والعزل العنصرى باسم : " الدين " .. أن يدركوا : أنه لا يوجد دين سماوى يحارب دين سماوى ! ولا يمكن أن تكون هناك شرائع سماوية أقل سمواً من شرائع وقوانين ومواثيق الأمم المتحدة !
نحن لا نعيش حياتنا فقط بل نعيش فى حياة الآخرين .. وحتى لا نموت مرتين .. يجب أن نقضى على جميع اشكال التمييز العنصرى ، وعلى الافكار العنصرية المهيمنة على الثقافة الدينية . وننتصر فى حربنا المشروعة ؛ لاسترداد المستقبل من شيطان يريد دفنه فى الماضى !
adelattiaeg@yahoo.com

عينان في إطار ماس وعقيق أخضر

د. عدنان الظاهر

(( بعض ُ قصص سناء كامل شعلان تلهمني ما تلهم ... شكراً للسناء )) .

إختطفها إذ غاب زوجها ليلاً عنها ...
ما رآها قبل ساعة الإختطاف . رآها قبل ذلك مرّاتِ عدة ولكن ، محتواة في إطار من فضة مُلقى ً على منضدة زوجها طبيب الأسنان الوحيد في القرية النائية . لم يرَ في سجنها الفضي ذاك إلا عينيها تشعان فيخترق الشعاع معدن الفضة البارد . تسخن الفضة فتنتقل الحرارة إلى قلب الشاب الباحث في علم حشرات الفاكهة . يلتهب القلب ويتقد . يشتعل العصب في الجسد فتتوهج الرغبة العارمة فيه . غاب زوجها الغيور عنها لفترة قصيرة أتاحت للباحث في علم الحشرات فُرصة إختطافها بعد عذاب وصراع وجرعة قوية فوق العادة من مخدّر أدمن تعاطيه درءاً لآلام أسنانه المزمن . العشق قتال في بعض الأحايين وغريب النشأة والتفاصيل.
ألم الأضراس يقويه ويزيده غرابة ً ووحشية ً وإصراراً على نوال مَن سببته . ألم الجوى والحرمان منه لا يضاهيه إلا ألم الأسنان القاسي . الألم هو الألم ، وعصب السن واحد من أعصاب الجسد المسربل بالعشق المتوحش الضاري . إختطف معشوقته وأدخلها كوخه الصغير ليلاً . عرّاها وتعرّى . مارسها فإستمرأته . وجدته أكثر فتوة ً وشباباً وجبروتاً من زوجها العجوز الخالي العظم . نامت وقد إرتوت حباً وجنساً فلم يدعها عاشقها تواصل النوم . تذكَّر أنها أعرضت عنه مرة ً ، طردته وقد باح لها بحبه .
عاودته فجأة آلام أسنانه . ألَمان متساويا الدرجة والعنف والسيطرة. ألم ذل الطرد وألم أسنانه . تسلل عاريا ً رويداً من فراش ضجعتها الأخيرة ... تناول الساطور الضخم الذي إستعاره من فلاح البساتين المجاورة المستخدم في قطع وتشذيب أطراف وفروع الشجرغير المرغوب فيها ولتكريب جذوع النخيل . أهوى به على رقبتها العاجية وكانت غارقة في أحلام النوم وهي مخدرة الجسد لكثرة ما مارست من جولات الجنس مع مَن سيذبحها بضربة ساطور معد ٍّ لا لقطع رؤوس البشر ولكن لقطع أغصان الشجر .
أما أنا ... (( أنا وقد لا أكون أنا )) ... فلقد رأيت عينيها في إطار من ذهب خالص عيار 24 قيراطاً . نادتني عيناها قبل أن أبادر للنداء . أشارت لي تعالَ فما مضيتُ . ظللتُ واقفا ً أنتظر (( وقوفا ً بها صحبي ... )) . ذاك لأني بطبعي أخشى العواقب غير المحسوبة أو غير المتوقعة . هل سيذبحني زوجها ؟ أهي متزوجة أم لم تزل عزباء في إنتظاره ؟ طال وقوفي وطال إنتظاري فمللت ولم أتشكَ . تقحّمت خوفي وإخترقت الجُدُر الزجاجية (( قصة زاجر المطر / كتاب قافلة العطش لسناء كامل )) وأُطر الذهب الخالص وحواجز الفضاء والزمان لألتقيها هناك في دارها . ما طردت أحداً قبلي .
ألفيتها غير متزوجة ... إحدى حوريات الجنان ... لم يمسسها ولم يطمثها إنس ٌ ولا جان . لم تسأل أو تستوضح سبب زيارتي المفاجئة . قدّمت لي ـ كعادة قبائل الطوارق ـ الطعامَ ، وما كنتُ لأستطيع تحويل بصري وما فيه من هيام وعشق عن زمرّد عينيها وسحر جسدها وما إختارت من ملبس وألوان . خبيرة في اللون وتصاميم ملابسها . لم تتكلم كثيراً . كلامها بعيون الزمرّد والعقيق . أحياناً توظِّف أناملها في توضيح ما تود توضيحه . تتكلم بأصابع كفيها . تأمرها فتطيع وتستجيب . لم أكنْ جائعاً فأكلت أقل من القليل . رفعت الصحون وجاءتني بالشاي المهيّل والمخدّر بمسحوق القرفة ( الدارصيني ).
قلت لها قد فقدت شهوتي للطعام وللشراب . سألت بعقيق محجريها لماذا ؟ أطرقتُ ولم أجبْ . أعادت السؤال بسبابة كفها اليمنى فلم أجب . أرسلت لي حزمة من موجات غامضة عاتبة تحمل لي ذات السؤال . شعرت برهبة حقيقية فوقعت تحت طغيان قوة روحها السحرية . قوة غريبة في سحرها ومفعولها . جثوتُ على ركبتي ووضعتُ رأسي في حضنها مقبِّلاً معتذراً . رفعت برقة ِ يد ملاك ٍ أو إله ٍ أسطوري ٍّ رأسي وطلبت مني أن أنهض . قالت لايليق هذا الوضع برجل مثلك . قلت كذا المحب ... هذا هو شأن مَن يعشق .
لا تأخذك سيدتي الدهشة (( أردتُ لكني لم أجرؤ. أردتُ أن أقولَ لها : أهوى أن أقبِّلَ مزيج منصهر الذهب وعسل جنات الخلد في ثغركِ . في شفتيك . من بين شفتيك . مخلَّقا ً مع رضابك ... )) أفلم تقرأي قصة الباحث في علم حشرات أشجار الفاكهة وإلى أي مصير إنتهى به عشقه لزوج طبيب الأسنان العجوز ؟ قالت كان ذاك باحثا ً في علم الحشرات أمضى جُل َّ عمره يجمع ويدرس ويصنّف حيوانات صغيرة تُسمى حشرات ، لكنك باحث ٌ في علم الكيمياء والمعادن ... والبشر كما قد تعلم معادن شتى .
ثم إنك لست حشاشا ً كذاك ولستَ مجنوناً . ثم إني إستقبلتك ضيفاً كريماً ولم أطردك . ثم إنَّ مَن أحبَّ صاحبُ الحشرات والحشرجات إنما أحب صورةً مؤطرة ً في إطار من فضة ، لكنك وجدتني في إطار من الذهب الإبريز والعسجد النقي الصافي من أعلى عيار وميزان ، والذهب غير الفضة . ذاك قد وقع في غرام إمرأة متزوجة وأما أنا فكما تراني لم أزل ْ في دار وعصمة أبي أنتظر الرجل الذي يستحقني وأستحق. قلتُ لها ـ وقد رفعتُ رأسي بضراعة ٍ نحوها ـ دونما إبطاء : ها إني أتيتُ إليك ماشياً على قدميِّ الجريحتين من أقصى أصقاع الدنيا ... إليك في دار أبيكِ فهل ترينني أستحقك وتستحقينني ؟
إبتعدتْ قليلاً عني مبتسمة ً في حياء فتاة بكر ٍ شرقية أصيلة سليلة أصائل . وضعت كفها على رأسي فشعرت بنشوة وقعت عليَّ من أعالي السماوات . غبتُ عني وعنها وحين عدتُ لنفسي وجدت كف َّ المرحومة جدتي لوالدتي العلوية فهيمة بنت ناصر ، أم خالي الوحيد رزوقي الذي سقط من شجرة السدر العملاقة التي تتوسط دارهم القديم ففارق على الفور الحياة ، وجدت ُ كفها المرتعش على رأسي تتعوّذ وتبسمل وتقرأ شيئاً من آي القرآن الكريم وتنقر بالكف الأخرى على أرض الغرفة نقرات ٍ متتتالية ً رتيبة الإيقاع . كان هذا دأبها معي ومع باقي إخوتي كلما شعرتُ بألم في رأسي زمان طفولتي .
أحببت هذا الطقس حد َّ الإدمان حتى لقد كنتُ أفتعل صداع الرأس لتمارس المرحومة فهيمة معي ذات الطقوس الغامضة في أغلبها . تراتيل دينية وأدعية وشفرات شديدة الغموض ودفء حضن الجدّة وصمت الأهل خاشعين متضامنين مع هيبة العجوز الطاعنة في السن ومع طفلهم المتمارض الصغير . ما أن ْ وضعت عقيقية العينين ذهبية الإهاب والهيبة كفها فوق رأسي حتى عدتُ لطفولتي المبكرة محمولاً على بُراق لا يعرف حكم الزمن ... بُراق يطير بسرعة البرق ضد مسار الزمن .
يقول الشعراء إنَّ الحب سُكر ٌ ومَن لا يسكرُ لا يعرف معنى الحب ولا يتذوق طعمه حلواً أكان الطعمُ أو مرّا ً . سكرتُ بالفعل بين يديها وغبت عن الوعي والزمن . لم أسال نفسي عن سبب وسر تجاوبها معي حتى تذكرتُ ما قالت لي قبل قليل : إنك كيميائي تتعامل والمعادن والبشر معادن . معها كل الحق . إنها فيلسوفة . الذي يتعامل مع المعادن يجيد التعامل مع البشر . ثم إنَّ الكيمياء سحر مُذ ْ عهود فراعنة مصر الأقدمين . هناك بدأت الكيمياء في معابد الفراعنة حيث أفلح كهّان هذه المعابد في تحضير مستلزمات التحنيط وكيمياويات حفظ الأجساد والأنسجة القطنية والصوفية والكتانية من التلف والرطوبة . فضلاً عن تحضير الألوان الثابتة التي تتحدى الزمن وتبقى محافظة ً على رونقها وبقيت لآلاف السنين .
أنا كيميائي إذا ً حسبما قالت ساحرتي الفرعونية ورائحة الكافور ومسحوق القرنفل والمسك والحناء تفوح من بدلتها الكتانية الطويلة ومن بين خصلات شعرها المدلاة على كتفيها ومن خلل أناملها الدقيقة التكوين المطلية الأظافر بمزيج معجون الند والزعفران وخلاصة أندر الأزهار والورود . (( أنتَ كيميائي )) ... قالت ، والكيمياء سحر ...
إذا ً سأسحرها أو أسحر لها فعسى ان تعشقني كما عشقتها ... عسى أن تحبني كما أحببتها ... وإلا فلسوف أطلب منها أن تقتلني ... أن تحز َّ رقبتي بساطور الحشاش خبير الحشرات . لم يقتل ذاك الخبير حشرةً لكنْ قتل بشراً ، قتل إمرأة ً حية ً من لحم وعظم ودم . فهل ترى أمسخ نفسي حشرة ً صغيرة ً لكي تقتلني بإصبعها صاحبتي الفرعونية الشديدة الرقة أو أن تدوس عليَّ ولو من باب السهو بأحد قدميها لأترك عليها تذكارا ً لحبي شيئا ً من دمي ، ودمي يحمل إسمي وجيناتي وتوقيعي الذي تعرف ؟ الموت تحت أقدام الحبيب أفضل وأهون من الموت بساطور تكريب جذوع النخيل ... لا ريبَ .
ما أن فرغتُ من قول هذا الكلام حتى تناهي لمسمعي صوت ٌ قوي ٌّ جَهوري ٌّ أتاني من البرية صارخاً : كلا كلا ... سأعيرُ حبيبتك ومليكتك الفرعونية ساطورَ تكريب جذوع نخيل [ دقلة النور ] في واحة وصحراء [ توزر ] التونسية لكي تقصفَ به رقبتك لأنك جبان ٌ خانع ُ وذليل... ليس فيك شئ من رجولتي . لا تركع أمام مَن تحب . لا تطأطئ رأسك حتى لكف جدتك لأمك . كنتُ أشجعَ منك فحولة ً ورجولة ً وأشد َّمضاء ً . إختطفت التي أحببتُ ... قدتها كقطة ذليلة جائعة لكوخي عنوة ً ... عريتها ... مارستها دون حساب حتى خارت قوايَ وقواها فنامت كما لم تنم ْ من قبلُ ... ثم تعرف ما جرى بعد ذلك !! الحب مقتلة تنتهي في جولة واحدة ميدانها الفراش . تخرج منها إما قاتلاً أو مقتولاً . أفلم يقل الفيلسوف نيتشة إنَّ في الحب حقدا ً أسودَ وكرهاً لا حدودَ لهما ؟ أفلم يقلْ هذا الرجل ُ المعتوه إن َّ في الحروب والغزوات حباً وعشقاً مخفيين دفينين عميقاً في أعماق نفوس البشر منذ أزمنة وعصور الصيد ؟ من غير حب لا تستطيع أكل صيدك .
تجري كأي عاشق حقيقي سريعاً وراء صيدك حتى تتمكنَ منه فتقتله لكي تتناوله طعاماً سائغاً نيئاً قبل إكتشاف النار أو مشوياً بعد إكتشافها ؟ الحرب قتل وفي القتل حب شاذ سادي ولكنه يبقى حباً رغم آناف البشر . توقف صوتُ أو صدى القاتل ِ حبيبته ِ فأصابني صُداع في رأسي وآلام ٌ مبرِّحة ٌ في أسناني : أحقاً ما قال هذا الرجل خبيرُ الحشرات الذي حذا حذو َ الشاعر ديك الجن الحمصي الشامي إذ قتل حبيبته غيرة ً عليها ثم َّ أحرق جثتها وجبل من رمادها قدحاً لخمرة سكره ؟ هل عرف هذا الشاعر أو قرأ عنه ؟
هل زار مدينة حمص أو واحةَ توزر حيث نخيل تمور دقلة النور ؟ هل كان سيقتل الصبية البربرية السمراء التي تحمل ويا للصدفة إسم ( دقلة النور ) لو كانت صدته وأعرضت عنه ولم تستجبْ لنداءات إغوائه وإغراءات ما عرض عليها من دولارات أمريكية ومما أغدق عليه شيوخ الخليج من أموال كي يسمسر َ لهم ويعرِّص ويزرعَ في رأسه شتلتي قرنين إثتين من قرون القوادين بدل َ فسيلتي نخيل ؟ هل كان سيحز رأسها كما يفعل الجزارون مع رؤوس الضأن والغنم والماشية ؟
أتاني صوت الصبية دقلة النور صافياً رقراقاً قوياً حيث قالت : لا تنسَ أيها العاشق النبيل أنَّ وجودَ شبح الشاعر أبي القاسم الشابي فوق التلة الترابية التي تشرف على ما نصب على مسطّح الرمال شيوخ الخليج من خيام وفساطيط هائلة وما نضدوا فيها من زرابي َ ونمارق ... مجرد ظهور هذا الشبح أذاب الشيوخ وخيامهم وسياراتهم الباذخة وسمسارهم ذا النظارة السوداء طويل القامة فتبخروا سوية ً مع تجار تهريب فسائل نخيل دقلة النور المشبوهين القادمين من ولاية كالفورنيا الأمريكية خصيصا ً لتهريب سيد الشجر النخيل والبشر المتواضع من فلاحي الواحات .
إختفى صوت الصبية البربرية الشريفة العفيفة فأتاني صوتُ أبي العلاء المعرّي جهورياً يشق عنان صحراء توزر مادحاً ومبجلا ً النخيل في شعر يتذكر فيه إقامته في بغداد :

شربنا ماءَ دجلة َ خيرَ ماء ٍ
وزُرنا أشرفَ الشَجر ِ النخيلا

إشارة ً منه للنخلة التي ورد ذكرها مرتين في سورة مريم ، المرة الأولى في الآية [[ فأجاءها المخاض ُ إلى جذعِ النخلة ِ ... / الآية 23 ]] والثانية في الآية [[ وهُزّي إليكٍ بجذع ِ النخلة ِ تُساقط ْ عليكِ رُطباً جنيا / الآية 25 ]] .
أنتهى الفيلم المعروض أمامي على شاشة التلفزيون فصحوت من رقدتي وحلمي العميق << أنام عادةً أمام شاشة التلفزيون ونظارتي على عيني َّ والكتاب في حضني !! >> . فتحت عينيَّ المتعبتين الحمراوين باحثاً عن تفاصيل ما قد رأيتُ في حُلمي فلم أعثر على أي أثر ٍ منها سوى لوحة هائلة القياسات بدون إطار لصورة وجه لا أروعَ منه ولا أجمل تغطي أحد جدران شقتي كاملاً .
تفحصت ُ وجه َ وعيني صاحبة الصورة فعدتُ لنومي مسحوراً بتعويذة ٍ سحرٍ مصرية ٍ فرعونية ٍ غيرَ مصدق ٍ ما ترى عيناي : صورة سناء كامل الشعلان كما رأيتها قبل يومين في موقع الصديق الفنان الناقد الجزائري محمد بوكرش . ركزتُ بصري فرأيت في أسفل الصورة إسمَ الفنان الغريق الذي رسم الصورة : طارق العسّاف !!

ملاحظة هامة : في هذه القصة الخيالية تفاصيل أخذتها بتصرف من قصص كتاب { أرض الحكايا / منشورات نادي الجسرة الثقافي الإجتماعي ، قطر ، 2007 } للدكتورة سناء كامل شعلان . القصص التي عنيت ُ هي حسب تسلسل ورودها هنا : الصورة / دقلة النور / اللوحة اليتيمة .

الأربعاء، أبريل 23، 2008

ميراندا ديفاين


ـ شوقي مسلماني
ميراندا ديفاين كاتبة في صحيفة صن ـ هيرالد الأستراليّة ... معروفة باتّجاهاتها المحافظة وتشدّدها ضدّ اليسار الأسترالي بتلاوينه كافّة والماركسي تحديداً ... وهي تجد في سياسات أستراليا الموالية للولايات المتّحدة الأميركيّة حكمة ...
ولا تجد غضاضة في الإصرار على الحافز الديمقراطي خلف اجتياح العراق سنة 2003 ... لكن ماذا عن ادّعاء جورج بوش أنّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل؟ وماذا عن أنّ نظام صدّام حسين مرتبط بتنظيم القاعدة؟
ميراندا ديفاين يطيب لها أن تتجاوز ذلك وأن تصرّ على وجوب محاربة الإرهاب الإسلاموي وتجد سندها في دانيال بايبس الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط والمحافظ بدوره والذي يزور أستراليا حاليّاً ...
وهذا قال في محاضرة أخيرة له أن العالم في حرب أيديولوجيّات ... فالحرب العالميّة الثانية كانت حرباً لمواجهة الفاشيّة والحرب الباردة كانت لمواجهة الشيوعيّة واليوم فإنّ المواجهة هي مع الإسلامويّين.
وفي مقالتها الأخيرة تحت عنوان: "لماذا الإسلامويّون يحتاجون اليسار واليسار يحتاج الإسلامويين" تنحو منحى بايبس ذاته ... فاليساري هوة ضدّ أميركا وضدّ كلّ حليف ديمقراطي لأميركا كأستراليا ...
ولأن المثل يقول: "عدو عدوّي هو صديقي" ... ولأنّ الإسلامويين هم ضدّ أميركا وضدّ أستراليا فهذا يعني أن تحالف اليسار (يقصد بايبس اليسار حول العالم وتقصد ديفاين اليسار الأسترالي) مع الإسلاميين قائم ... وبالتالي لا بدّ من التكاتف لمواجهة "الحلف الماركسي المحمّدي".
إذا أميركا تزج بالإسلاميين في سجن غوانتانامو السيء الصيت فهل تدعو ديفاين أستراليا لتزج باليساريين في معتقل شبيه؟ أخيراً تسكت ديفاين عن الكلام المباح.
Shawki1@optusnet.com.au

برافو يا سوسو

مريم الراوي
سوسو ياسادة ياكرام..
بطلة من هذا الزمن الأغبر,الذي يكشف لنا إن ليس معنى الصمت في حضرة الأخرين أدب واحترام..
لكنه قد يكون نوعا من التكتيك ونوع من الانبهار..
تكتيك يوصل الى قمة الهرم العالي,وانبهار بالكرسي الذي علقت على مسنده جميع الرغبات والأمنيات..فبات من الصعب ترك الغالي لأجل حفنة قمح بالي..

سوسو ياسوسو

سوسو بدأت حياتها ملتزمة,ولاتتحدث الا بوقار,وهكذا ادعت طوال حياتها,ما إن تتحدث عن الله حتى تبدأ بالبكاء,والإستغفار..
ياسوسو,إهدي..
ولكن سوسو لاتكل ولاتمل من النحيب على احوال بيتها البائس,فالخبز لايكفي للصغار,والماء لايشفي الظمأ,ولادواء للكبار..ياويلتــي الدخلاء دخلوا الدار..
سوسو ياسوسو

سوسو,كانت من اهل الدار,ونشهد لها انها كانت هكذا يوماً,تخاف عليه ,تدفع بالرياح عن وجهه,ولاتخشى سوى غضب الله واليتامى الموجوعين..
كانت لاتنام الليل حتى يطفأ اخر قنديل في الدرب الحزين..
لاتأكل حتى يشبع الجائعون,,
لاترتاح حتى يبتسم المتعبون..
سوسو,كانت على خلاف مع فوفو,وفوفو هذه كانت تؤام سوسو,كان يطلق عليها" فوفو المناضلة",وفوفو حملت السلاح يوماً بوجه الكلاب السائبة..وقدمت ماقدمت حتى اكل الدهر من صبرهاوتركها عجوزا ناحلة, إلا أنها وبعد ان اتخمتها الموائد الزائفة والوعود الكاذبة تحولت الى شمطاء,فاسدة,خرجت عن دستور الدار وقوانين الأرض,فلم تعد تهتم باليتامى,وماعادت تصاحب سوى الذئاب,معللة هذا العبث بالسبيل الأقوم للنيل من قطاع الطرق المتوحشين..
فوفو,كشفت عن عورتها بعد ان صافحت أشباح الليل..
وهؤلاء لامكان لهم,جاؤوا من اقاصي الكون وتدفقوا غرباناً الى مدينة الحلم الجميل..
لكن فوفو,لها" نظرتها الثاقبة"هكذا كانت تؤمن"لذا باعت اعمدة الدار مقابل كومة من خشب يسند سورها الخارجي..وبدأت فوفو ترقص وتتعرى يوما تلو يوم,فوفو تكرشت..فوفو تزينت,فوفو تملك السيارات الفارهة,فوفو جاءت,ومن خلفها المطبلون..لكن فوفوفقدت هيبتها التي كانت تعلو ملامحها وكلماتها..القي في قلب فوفو الكثير من الحقد وماعادت تهتم سوى لجسدها المترهل المشبع بالطعام الفاسد والذهب المزيف الرخيص..
وسوسو الزاهدة,كانت ترفض أحااديث الليل,وتنتفض غضباً إذ ماسمعت نداءا يجمعها والدخلاء في ذات البيت..
سوسو ياسوسو

لكن سوسو,ظهرت يوماً في ساحة المدينة تتجول بردائها الطويل الأنيق..تحمل كتاباً مقدساً وتطوف المدينة المنكوبة بصمت عميق...
ومع هذا كان الجميع يسمعها,ويدرك حزنها,ف فوفو كانت قد أتت على كل شئ جميل بتخليها عن أشجارها ومفاتيح بساتينها..
كان لوقفة سوسو في الميدان وحيدة, الأثر الأقوى في نفوس اليتامى,,مع انهافي الحقيقة لم تكن وحدها في الميدان,فهنالك جوجو الاحمر,وجوجو الأخضر..لكنهم لم يكونوا كما سوسو,ف سوسو كما هو معروف عليها"مكرها"فهي تعرف ان الميدان كبير لكنها تدرك اي من الزواياتلك التي ستجعل عين الشمس تلقي عليها بضيائها وتلمّع من ملامحها القابعة خلف ستار..
سوسو,ياسوسو..

كان يومها حين اعلنت انها تريد ان تترك الصمت وتواجه بطش شقيقتها فوفو..
فوفو يافوفو
هاجت,وماجت,وصرخت
حتى ضُربت على أم رأسها..
فكانت سوسو هي الفائزة هذه المرة..
هاج اليتامى بخطى واحدة صوب سوسو,مهنئين لها هذا الفوز العظيم..
بل فوزها الساحق الماحق..
سوسو ياسوسو
خلعت وشاحها الأخضر,والقته على المدينة,معلنة تأريخ جديد بإنتظار هذا الشعب العتيد..
سوسو ياسوسو

سوسو رقصت,سوسو جلست على الكرسي,سوسو تكرشت,سوسو لعبت,سوسو اعجبها الوضع فراحت تتمسك بالكرسي أكثر,سوسو أستعانت بأصحاب الحجج المتلونة, وعمائم أكبر من اطار العجلات التي تركبها سوسو..
سوسو ياسوسو

تعلمت التملق,بدأت تنطق,اتقنت الرقص على نوتة الكلمات والحان الخطب المدوية..
سوسو ياسوسو,
بدأت تشلح,تتغنج,ولاتخجل..
سوسو أضحت راقصة تعري ..
سوسو هي راقصة البلد الاولى..لامنافس لها,كسرت سوق فوفو..فالأخيرة كانت تعاني المرض,والسرطان بدأ ينخر مايطاله ومالايطاله يتركه للهواء المتعفن,كي يقوم بسلخ الجلد وينثره فسادا في الأرض..
فوفو..انقلبت على ذاتها ,ليس اصلاحاً ولكن حقدا..
بدأت تأكل بعضها البعض..
فوفو,مصابة بلعنة الغدر..
فكما غدرت بالأرض أخذ التأريخ يومه وبدأت بقتال الذات..
و سوسو..سيدة الرواية ال"طاهرة"..المتمنعة,
"التقية",اول ماكشفت عن فخذيها حين ركلت ابنائها اليتامى,ودحرجت رؤوسهم من اعلى السلم حتى غياهب الجحيم..
أذاقت المدينة ويلات واحزان جمة,تفوق مافعلته فوفو..
حتى فوفو كانت أشرف منها,لم ترتد زياً لايخبر عن هويتها,لم تتفنن بإنتزاع الاحاديث ولا الأيات وتلصقها بألسنة المتحدثين على المنابر..
ومع هذا,فإن سوسو وفوفو سيان في الكذب والخداع وزيف المبادئ..
فوفو الملعونة وسوسو المسخ الهائجة..
سوسو,الان تستهبل,وتتفنن في ايقاع نفسها بالمقالب..
يضحكني غبائها,وتصميمها على كلمة مبادئ..
سوسو الأن تطالب بنصف التركة!!
سوسو تريد ان "تتفشخر" بذكائها الرباني فتلقي عن غير قصد اجمل نكتة قيلت على مدى القروووون المنصرمة والاتية منها"
إن سوسو توافق على قيام دولة فلسطينية في حدود عام 1967 إذا وافق الشعب الفلسطيني على ذلك من خلال استفتاء. لكن سوسو تقول إن المصالحة الوطنية مع حركة فوفو ضرورية قبل إجراء ذلك الاستفتاء"..

هل رأيتم سوسو ديمقراطية,
سوسو تؤمن بالشورى,
لكن سوسو فقدت"مكرهاوقدرتها على التمثيل" منذ ان اعتلت منصة التعري,ومنذ ان ازاحت الستار عن مكتشف مواهبها الخلاقة!! ومنذ ذلك الحين بدأت بألقاء نكاتها السمجة وبدأ مشوارها مع الفن الهابط..
"سوسو ياسوسو"
عقل سوسو العوراء,منقاد كما الحملان خلف العباءات السوداء الطويلة..
مقيد بلحى العجائز الآتين من فوهة جهنم..
سوسو العوراء عارية الان..
لاتلتحف حتى بقطعة ورقة رسمية تثبت هويتها العربية..
سوسو الشمطاء,يظلها اكاذيب عن الشجاعة والقوة المستمدة من عباقرة الخداع والزيف..
سوسو ياسوسو
اوف منك ياسوسو,طوال تلك السنوات,وكنتِ تنامين على طلسم من كتاب اعجمي,تلقي بارواح اليتامى في الهواء وتخبري المتسألون "إننا عن أرضنا لمدافعون وان عز السلاح"!!
فعلاً ياسوسو, أنتِ إخت ذلك المتعمم بالفتنة والقبح "نص زلمة"
الراقد كالبغل في جنوب البلد الحزين..
سوسو.ياسوسو

تعري فاليوم يومك..كما كان لفوفو أيامها..
سوسو يا سوسو,
استمري,وتاجري,واكذبي واكتمي صرخات المعذبين,أقتلي بكلتا يديك اخر النبضات واولى علامات الحياة..
احثك على القتل ,فإستمري..
أستحلفك أن تبيعي ماتبقى من فتات وطن..وارجوك ان تقتلي الصبية المتواجدين خلف مقاعد الدراسة,والفتاة الذاهبة نهاراً لملاقاة حبيبها..
خذي الرجال جميعهم,الى محرقة لا نجاة منها..كسري نوافذ المدينة,هشمي القبور..استجدي الدموع وانتِ صانعة الحزن..
تتبعي اوامرالمجرمين حرفاً بحرف..
وتذكري,وليس انت فقط,بل جميع حكوماتنا البغيظة والتي تقتلنا كل يوم,من خليجها المترع بالعمالة حتى محيطها النائم في احضان الغريب:
"وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين"..