د. فاطمة قاسم
هناك قرارات عديدة للواقع الاجتماعي والثقافي وبالتالي الحراك المدني في مجتمعنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه القرارات العديدة تشترك في خلاصة وحيدة وهي أن المجتمع الفلسطيني يغلب عليه الانكفاء، والإحباط، والعجز عن إنتاج رؤى جديدة، والدوران في حلقات مفرغة من تكرار الشعارات والعناوين، والمحاولات ذاتها دون حيوية ودون قدرة على كسر الدوائر المغلقة من الأفعال وردود الأفعال المعروفة مسبقاً، سواء على مستوى الفعل الأول المتمثل في المقاومة، مقاومة الاحتلال الاسرائلي، بصفته احتلالاً استيطانياً –احلالياً بعيد المدى، وكيف أن هذه المقاومة تحولت في العقد الأخير إلى فعل خارج الموضوع، يدار بطرق سطحية، ولضرورات ودوافع خارجية، إقليمية، أكثر منها ضرورات وتفاعلات وطنية – وأنا هنا أتحدث عن الشكل والهدف ولا أتحدث عن المشروعية والضرورة الملحة- لدرجة أن الدفوعات التي نسمعها من المقاومين ليل نهار تكاد تكون بالكامل تكراراً لنصوص من الخارج، نصوص نابعة من إلحاح المشاريع الإقليمية،، ومبنية على فرضيات لا نعيشها نحن في الأرض الفلسطينية، بل نعيش فرضيات أكثر سخونة،ن وأكثر تأثيرا في تفاصيل حياتنا واتجاه مستقبلنا، دون أن ننتج منظوماتنا الفكرية والسياسية التي تتفاعل مع واقعنا وأهدافنا.
وعلى سبيل المثال:
فإن المنظومات القادمة إلينا من الإقليم تتحدث عن صراع بين الإسلام والآخرين، وتتحدث عن ممانعة أميركا ومشروعها،وتتحدث عن إزالة إسرائيل من الوجود، وتتحدث عن عناوين كثيرة من هذا المستوى، بينما ضروراتنا الفلسطينية الملحة تتحدث عن العمل لتفهم أكثر من العالم لقضيتنا، ومطالبنا العادلة المزروعة في قلب قرارات الشرعية الدولية، وعن اعتراف إسرائيلي بحقوقنا وانصياعها للضغط الدولي وعن إمكانية أن تلعب أميركا دوراً اقل انحيازاً، بحيث يرى مشروعنا الوطني المتمثل في إقامة الدولة النور ولا يظل هدفنا عادلاً فقط ولكن بعيد المنال.
وهكذا نرى :
أنه في العقد الأخير، ازدادت الهوة الساحقة بين العناوين الصاخبة وسياق الحياة على الأرض، وأن كل تدهور سياسي أو اجتماعي أو ثقافي في حياتنا الفلسطينية داخل فلسطين تتم تغطيته على الفور بمضاعفة غربتنا عن واقعنا، ومضاعفة ابتعادنا عن نقطة الانطلاق الأولى، وانظروا مثلا إلى ما آلت إليه انتفاضة الأقصى التي انطلقت في الثامن والعشرين من أيلول عام 2000، كفعل فلسطيني مضاد لفشل مفاوضات السلام في كامب ديفيد الثانية، ومواجهة مع الانقلاب الإسرائيلي للمرة الثانية على اتفاقات أوسلو، حيث كان الانقلاب الأول عام 1995 بقتل اسحق رابين، ثم جاء الانقلاب الثاني يرفض كل ما أمكن التوصل إليه في كامب ديفيد في ولاية الرئيس كلينتون، والاتفاق بين باراك وشارون على تلك الجولة في باحات المسجد الأقصى إعلاناً صاخباً لوقف محادثات السلام بشكل نهائي. انتفاضة الأقصى حين انطلقت كانت بمثابة الإعلان الفلسطيني بإرادة ورؤية فلسطينية عن خيار آخر حين يقوم الإسرائيليون برفض الخيار الأول، وهو خيار السلام والمفاوضات وقيام الدولة المستقلة.
انتفاضة الأقصى تاهت أقدامها في الطريق أولاً بسبب التعنت الإسرائيلي، وبسبب التدخلات الخارجية الإقليمية التي حولتها من خيار فلسطيني آخر ضد الاحتلال إلى سجال وتفلت ضد الشرعية الفلسطينية، إلى أن وصلت الأمور إلى الوضع الراهن من انقسام وانفصال وصراع دموي بين مشروعين لدرجة أن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بصفته احتلالا يجثم فوق أرضنا تراجعت على الخلف لصالح صراع في المنطقة، صراع نفوذ ومصالح ومجالات حيوية ورؤى يدخل فيها البعد الطائفي بقوة، صراع تستخدم فيه القضية الفلسطينية ولكنه لا يصب في مرجعياتها وأهدافها.
كيف حدث هذا التحول الدراماتيكي في اقل من عقد واحد؟ ومن هو الغائب الكبر في مواجهة هذا التحول الدراماتيكي السلبي؟
بدون أدنى شك:
فإن الغائب الأكبر هو النخب الفكرية والثقافية والسياسية العربية وخاصة هذه النخب في فلسطين التي ظلت منذ انطلاقة الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية في منتصف الستينات تلعب دوراً محورياً، تشكل مساحات الحوار الوطني والثقافي والسياسي، وتحدد الاتجاهات الممكنة، وتخلق توازياً أو تصالحاً أو تنقضاً مسيطر عليه بين هذه الاتجاهات، وأن تلك النخب كانت حاضرة وموجودة في كل أشكال وساحات العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي والإعلامي والثقافي، وأنها لم تقبل لنفسها أن تغيب عن المشهد أو أن تلعب فيه دور الكومبارس كما يحدث الآن.
هذه النخب:
حرصت على أن تظل موجودة في القواعد العسكرية وفي أصعب المواقع، وفي صلب دوائر القرار وفي الساحات كافةً وكان وجودها يعطي شرعية للحوار حول كل القضايا ابتداء من الدين وحتى الدنيا، ومن الأمن والسياسة حتى الإعلام والثقافة. ولكن هذه النخب انداحت في العقد الأخير بشكل سلبي وكبير جداً، فإما أنها أخلت مواقعها أو قبلت بالاستلاب الطوعي، ويكاد الإنسان يشعر بالحزن وهو يرى هذه النخب أو ما تبقى منها تقوم بأدوار هزيلة، وتدافع عن ما لا يدافع عنهن وتحاول إيجاد منظومات كلامية لتغطية أفعال وممارسات وسياسات قادمة من التجاذبات الإقليمية.
عن غياب هذه النخب أو استلابها في أوعية الممارسة الواقعية تحت ضغط السلاح أو ضغط المال، أفقر حياتنا الفلسطينية، وجعل رؤاها تهبط إلى درجات كبيرة، وأصبح الاحتلال الإسرائيلي أكثر تحكماً في نماذج يصممها هو بنفسه لأفعال وردود أفعال محكومة بمدى معين. ولكم أن تتابعوا على سبيل المثال موضوع الحصار وتداعياته التي تجعلنا ننزلق إلى التكيف مع الحد الأدنى مع عجز كامل عن كسر المعادلة، واستمرار الانقسام والانفصال بل والتشبث به كأنه انجاز كبير ومكسب ضخم مع أن هذا الانقسام والانفصال تم تصميمه من قبل الاحتلال الإسرائيلي بخطوات معلنة ومتتابعة وعلى المكشوف. وانظروا أيضا إلى حالة الارتداد ضد الذات، مثل قطعان الذئاب التي تنهش بعضها بدلاً من أن تتقدم لمهاجمة العدو الذاهبة أصلا لمهاجمته. وتكفي عينة واحدة يومياً لمنظومات السجال الإعلامي ومنظومات السلوك اليومي لنتبين المساحة الشاسعة والخطيرة التي قطعناها في الارتداد ضد الذات، وكأننا نتحرك بواسطة "الرموت كنترول" ولا حيلة لنا في تغيير الاتجاه.
كل هذا يحدث وسط موات شاسع على الصعيد الاجتماعي والثقافي والحراك الوطني، بسبب غياب النخب، واستلاب هذه النخب، وضمور الحياة المدنية، وارتفاع الضجيج الداخلي بنفس مستوى الضجيج القادم غلينا من التجاذبات الإقليمية.
هل يطول هذا الغياب؟
هل يستمر هذا الاستلاب؟
وغلى متى؟
أتمنى لو تكون بداية حضور النخب من خلال حوار مفتوح، حوار علني، حوار تفتح له صحفنا ومواقعنا الالكترونية التي هي أكثر حرية واستقلالا، مساحات أوسع، لنبدأ أولا بخلق حالة حوار، لعل هذا الحوار يصل إلى تشكيلات بشروط جديدة لمجتمع مدني أكثر تنظيماً وقدرة، وإلا سنكون في وضع مأساوي إذا استمر هذا الغياب.
هناك قرارات عديدة للواقع الاجتماعي والثقافي وبالتالي الحراك المدني في مجتمعنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه القرارات العديدة تشترك في خلاصة وحيدة وهي أن المجتمع الفلسطيني يغلب عليه الانكفاء، والإحباط، والعجز عن إنتاج رؤى جديدة، والدوران في حلقات مفرغة من تكرار الشعارات والعناوين، والمحاولات ذاتها دون حيوية ودون قدرة على كسر الدوائر المغلقة من الأفعال وردود الأفعال المعروفة مسبقاً، سواء على مستوى الفعل الأول المتمثل في المقاومة، مقاومة الاحتلال الاسرائلي، بصفته احتلالاً استيطانياً –احلالياً بعيد المدى، وكيف أن هذه المقاومة تحولت في العقد الأخير إلى فعل خارج الموضوع، يدار بطرق سطحية، ولضرورات ودوافع خارجية، إقليمية، أكثر منها ضرورات وتفاعلات وطنية – وأنا هنا أتحدث عن الشكل والهدف ولا أتحدث عن المشروعية والضرورة الملحة- لدرجة أن الدفوعات التي نسمعها من المقاومين ليل نهار تكاد تكون بالكامل تكراراً لنصوص من الخارج، نصوص نابعة من إلحاح المشاريع الإقليمية،، ومبنية على فرضيات لا نعيشها نحن في الأرض الفلسطينية، بل نعيش فرضيات أكثر سخونة،ن وأكثر تأثيرا في تفاصيل حياتنا واتجاه مستقبلنا، دون أن ننتج منظوماتنا الفكرية والسياسية التي تتفاعل مع واقعنا وأهدافنا.
وعلى سبيل المثال:
فإن المنظومات القادمة إلينا من الإقليم تتحدث عن صراع بين الإسلام والآخرين، وتتحدث عن ممانعة أميركا ومشروعها،وتتحدث عن إزالة إسرائيل من الوجود، وتتحدث عن عناوين كثيرة من هذا المستوى، بينما ضروراتنا الفلسطينية الملحة تتحدث عن العمل لتفهم أكثر من العالم لقضيتنا، ومطالبنا العادلة المزروعة في قلب قرارات الشرعية الدولية، وعن اعتراف إسرائيلي بحقوقنا وانصياعها للضغط الدولي وعن إمكانية أن تلعب أميركا دوراً اقل انحيازاً، بحيث يرى مشروعنا الوطني المتمثل في إقامة الدولة النور ولا يظل هدفنا عادلاً فقط ولكن بعيد المنال.
وهكذا نرى :
أنه في العقد الأخير، ازدادت الهوة الساحقة بين العناوين الصاخبة وسياق الحياة على الأرض، وأن كل تدهور سياسي أو اجتماعي أو ثقافي في حياتنا الفلسطينية داخل فلسطين تتم تغطيته على الفور بمضاعفة غربتنا عن واقعنا، ومضاعفة ابتعادنا عن نقطة الانطلاق الأولى، وانظروا مثلا إلى ما آلت إليه انتفاضة الأقصى التي انطلقت في الثامن والعشرين من أيلول عام 2000، كفعل فلسطيني مضاد لفشل مفاوضات السلام في كامب ديفيد الثانية، ومواجهة مع الانقلاب الإسرائيلي للمرة الثانية على اتفاقات أوسلو، حيث كان الانقلاب الأول عام 1995 بقتل اسحق رابين، ثم جاء الانقلاب الثاني يرفض كل ما أمكن التوصل إليه في كامب ديفيد في ولاية الرئيس كلينتون، والاتفاق بين باراك وشارون على تلك الجولة في باحات المسجد الأقصى إعلاناً صاخباً لوقف محادثات السلام بشكل نهائي. انتفاضة الأقصى حين انطلقت كانت بمثابة الإعلان الفلسطيني بإرادة ورؤية فلسطينية عن خيار آخر حين يقوم الإسرائيليون برفض الخيار الأول، وهو خيار السلام والمفاوضات وقيام الدولة المستقلة.
انتفاضة الأقصى تاهت أقدامها في الطريق أولاً بسبب التعنت الإسرائيلي، وبسبب التدخلات الخارجية الإقليمية التي حولتها من خيار فلسطيني آخر ضد الاحتلال إلى سجال وتفلت ضد الشرعية الفلسطينية، إلى أن وصلت الأمور إلى الوضع الراهن من انقسام وانفصال وصراع دموي بين مشروعين لدرجة أن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بصفته احتلالا يجثم فوق أرضنا تراجعت على الخلف لصالح صراع في المنطقة، صراع نفوذ ومصالح ومجالات حيوية ورؤى يدخل فيها البعد الطائفي بقوة، صراع تستخدم فيه القضية الفلسطينية ولكنه لا يصب في مرجعياتها وأهدافها.
كيف حدث هذا التحول الدراماتيكي في اقل من عقد واحد؟ ومن هو الغائب الكبر في مواجهة هذا التحول الدراماتيكي السلبي؟
بدون أدنى شك:
فإن الغائب الأكبر هو النخب الفكرية والثقافية والسياسية العربية وخاصة هذه النخب في فلسطين التي ظلت منذ انطلاقة الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية في منتصف الستينات تلعب دوراً محورياً، تشكل مساحات الحوار الوطني والثقافي والسياسي، وتحدد الاتجاهات الممكنة، وتخلق توازياً أو تصالحاً أو تنقضاً مسيطر عليه بين هذه الاتجاهات، وأن تلك النخب كانت حاضرة وموجودة في كل أشكال وساحات العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي والإعلامي والثقافي، وأنها لم تقبل لنفسها أن تغيب عن المشهد أو أن تلعب فيه دور الكومبارس كما يحدث الآن.
هذه النخب:
حرصت على أن تظل موجودة في القواعد العسكرية وفي أصعب المواقع، وفي صلب دوائر القرار وفي الساحات كافةً وكان وجودها يعطي شرعية للحوار حول كل القضايا ابتداء من الدين وحتى الدنيا، ومن الأمن والسياسة حتى الإعلام والثقافة. ولكن هذه النخب انداحت في العقد الأخير بشكل سلبي وكبير جداً، فإما أنها أخلت مواقعها أو قبلت بالاستلاب الطوعي، ويكاد الإنسان يشعر بالحزن وهو يرى هذه النخب أو ما تبقى منها تقوم بأدوار هزيلة، وتدافع عن ما لا يدافع عنهن وتحاول إيجاد منظومات كلامية لتغطية أفعال وممارسات وسياسات قادمة من التجاذبات الإقليمية.
عن غياب هذه النخب أو استلابها في أوعية الممارسة الواقعية تحت ضغط السلاح أو ضغط المال، أفقر حياتنا الفلسطينية، وجعل رؤاها تهبط إلى درجات كبيرة، وأصبح الاحتلال الإسرائيلي أكثر تحكماً في نماذج يصممها هو بنفسه لأفعال وردود أفعال محكومة بمدى معين. ولكم أن تتابعوا على سبيل المثال موضوع الحصار وتداعياته التي تجعلنا ننزلق إلى التكيف مع الحد الأدنى مع عجز كامل عن كسر المعادلة، واستمرار الانقسام والانفصال بل والتشبث به كأنه انجاز كبير ومكسب ضخم مع أن هذا الانقسام والانفصال تم تصميمه من قبل الاحتلال الإسرائيلي بخطوات معلنة ومتتابعة وعلى المكشوف. وانظروا أيضا إلى حالة الارتداد ضد الذات، مثل قطعان الذئاب التي تنهش بعضها بدلاً من أن تتقدم لمهاجمة العدو الذاهبة أصلا لمهاجمته. وتكفي عينة واحدة يومياً لمنظومات السجال الإعلامي ومنظومات السلوك اليومي لنتبين المساحة الشاسعة والخطيرة التي قطعناها في الارتداد ضد الذات، وكأننا نتحرك بواسطة "الرموت كنترول" ولا حيلة لنا في تغيير الاتجاه.
كل هذا يحدث وسط موات شاسع على الصعيد الاجتماعي والثقافي والحراك الوطني، بسبب غياب النخب، واستلاب هذه النخب، وضمور الحياة المدنية، وارتفاع الضجيج الداخلي بنفس مستوى الضجيج القادم غلينا من التجاذبات الإقليمية.
هل يطول هذا الغياب؟
هل يستمر هذا الاستلاب؟
وغلى متى؟
أتمنى لو تكون بداية حضور النخب من خلال حوار مفتوح، حوار علني، حوار تفتح له صحفنا ومواقعنا الالكترونية التي هي أكثر حرية واستقلالا، مساحات أوسع، لنبدأ أولا بخلق حالة حوار، لعل هذا الحوار يصل إلى تشكيلات بشروط جديدة لمجتمع مدني أكثر تنظيماً وقدرة، وإلا سنكون في وضع مأساوي إذا استمر هذا الغياب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق