السبت، أبريل 26، 2008

لمى: قصيدة من معدن وحجر

زياد جيوسي

الصور بعدستي الشخصية
لمى حوراني شابة في عمر الورود، تحمل على محياها دوما ابتسامة رقيقة ناعمة، تشع عيناها بالذكاء ومحياها بالجمال، روحها محلقة في عالم آخر متجسد بالفن، كنت أتابع صفحتها الالكترونية منذ فترة فأرى الجمال فيما تبدع روحها، والأناقة فيما تصنع يديها، كنت أقضي اوقاتا جميلة وأنا أتأمل إبداعاتها عبر الشبكة العنكبوتية، فخلقت في روحي رغبة قوية بأن أحلم بأن أرى بنفسي ومباشرة هذا الفن المتميز من الجمال والإبداع، ولكن هذا الاجتياح من الرغبة لروحي لم يكن يخرج عن إطار الحلم، فأسري الذي طال في الوطن المحتل وفي أحضان رام الله الحب والجمال، كان يقف في مواجهة تحقيق الحلم كما يقف الجدار الأفعى في مواجهة الحلم بالحرية.
كنت أؤمن دوما أن الأحلام التي تجتاح الروح وتحملها على التحليق بأجنحة الأمل لا بد أن تتحقق يوما، لذا لم يكن لدي شك أبدا أنني سأنال حريتي وأعانق عَمّان الهوى والذاكرة ذات يوم، وان الحلم بأن أقف أمام إبداع لمى سيتحقق ذات يوم حين أعانق عماني الجميلة، فلم ينتابني اليأس يوما وبقي الحلم بلقاء عمان يرافقني طوال السنوات الطويلة التي مرت وقاربت الأحد عشر عاما على فراق حضن عمان.
حين كنت أتأمل إبداع لمى عبر موقعها الالكتروني، لم أكن أعرف ما الصلة التي تربط بين الحلم بزيارة عمان وبين الإبداع الذي يتجلى في فنها، حتى كان اللقاء مع عمان بعد الغياب، وحضور معرض لمى "حجوم أكبر" ربيع وصيف 2008، فوجدت نفسي أقف أمام جمال وذاكرة وقصيدة منقوشة من معدن وحجر، فوجدت السر الذي كان يربط بين عمان التي أهوى وأتوق لقياها، وبين إبداع لمى حوراني، ففي إبداعات لمى وجدت التمازج بين التراث والمعاصر وزينة البداوة والفلاحين والغجر والمدينة، كما مازجت عمان الأصول المختلفة لسكانها، فكانوا جميعا عمانيوا الهوى.

قد يكون ما أقوله لا يخرج بالنسبة لمن لا يرى من خلال روحي إلا تهويمات فراشات كاتب، ولكني أراه عشق الأمكنة والشوق لمدينة شهدت من حياتي طفلا وشابا عقود من الزمن بحلوها ومرها، ففي إبداعات لمى وجدت نفسي أقف بدهشة الطفل متأملا الإبداع، تمازج الحجر والمعدن بروح واحدة، وحين وقفت أمام قطعة فنية يتدلى من سلسلتها مفتاح فضي، رأيت فيه المفتاح الذي حملته واحتفظت به منذ طفولتي وما زلت، رمزا لبيت جدي بمقربة من شاطئ يافا، ووجدت في المفاتيح الصغيرة الأخرى الرمز لتجوالي الطويل بين مدن وأمكنة مختلفة، ومفتاح بيتي في عمان الذي كنت أحلم بزيارته، رأيت في مفاتيح لمى حق العودة لشعب مشرد عن أرضه، ولعاشق يحلم أن يفتح بوابة بيته بعد غياب ويلتقي بذاكرة عمان والهوى، فما زلت وسأبقى ذاكرة عمان وضمير رام الله.
كل قطعة أنتجها إبداع لمى وروحها المحلقة تحمل من المعاني الشيء الكثير، لذا حين كنت أقف متأملا كنت أرى في العيون جمالا وأسمع همسا يلقي في أذناي قصيدة من معدن وحجر، فكل قطعة فنية حملت في داخلها مجموعة من قطع المعدن محفورة بإبداع كبير، وكل منها يحمل في ثناياها رموزا من إشارات غريبة وحروف أغرب وطيور وكلمات وأوراق شجر، تثير كل منها أكثر من علامة سؤال، وحين أتأمل الربط بين المعدن والحجر بأشكاله المختلفة وتلاوينه التي تجتاح الروح كنت أسائل نفسي: ترى حين كانت لمى تنـزف من روحها إلى أصابعها ما الذي كان يدور في خُلدها مع كل قطعة تنتجها حتى تجمعها بتناسق هائل من الجمال لا تكاد ترى فيه إلا أن الحجر والمعدن روح واحدة خلقت معا منذ بداية الطبيعة فتمازجت بقصيدة تعلق على جيد الحسان، وإن كنت أضن بهذا الجمال أن يعلق إلا على جيد أبدع بخلقه الخالق.
سلاسل طويلة وقصيرة وأحجام مختلفة، نقوش ورموز جميلة مثيرة للدهشة والسؤال، وكأنها التعاويذ التي حملها من سبقنا لتقيهم الغضب وتحميهم، حجارة بألوان وأشكال وأحجام مختلفة، كلها تحمل بتناغمها لوحة الطبيعة البكر وجمالها، روح الإنسان الذي يبحث عن الجمال منذ وجد في هذا الكون، فزّين السواعد والأعناق بالحجارة التي وجدها بألوان تبهره، ضمها بالمعدن والخيوط المجدولة وتزين بها، فأعادت لمى التاريخ منذ عهد الكهوف في إبداعها، لتعلقه إبداع من جديد بروح جديدة على جيد القرن الحادي والعشرون.
في اللغة اسم لمى يعني الشامة الصغيرة التي تزين الشفاه المكتنـزة، وفي ابداعها وروحها كانت لمى الشامة التي تزين أرواحنا وعمان بالجمال.

ليست هناك تعليقات: