الأحد، أبريل 13، 2008

شرفة نادرة للطفل



فاضل علي

يسلك الأديب نادر أبو تامر طريقا ذا اتجاهين حين يطرح أجندته الطفولية في أعماله الأدبية، حيث يستوحي مضامينه من واقع الأطفال المعاش، مضيفا إلى ذلك الطرح اختيارات سابقة الإصرار نابعة من تجربته الشخصية، واضعا الطفل في الخط الأمامي لجبهة الحياة، لكي يتعامل مع تجاربها الوعرية من خلال أعماله الأدبية التي تخفف على الطفل شدة الصدمات، وتمهد له السبيل لخوض تجاربه الحياتية التي تصقل شخصيته، وتطلق له عنان التطور والتحليق...
إن أعماله الأدبية تعكس تجربة تربوية مميزة كأب يجيد احترام الطفل، غير مفرط في الدفاع عنه من ناحية، ومن جهة أخرى، فهو يعلن موقفه المناصر له، والذي يتيح للطفل مساحة التجربة الذاتية التي تثري قاموسه ووعيه المعرفي والوجداني بالعبر الحياتية، التي هي بمثابة الأسهم والدلالات في طريقه إلى المستقبل. وقد قال الكاتب غارسيا ماركيز: "إن الحياة لا تُعَلَّمُ!"، وما هو الإنسان إلا حصيلة تجاربه في الحياة حتى الآن...
والكاتب في هذا المنحى، يبتعد عن الخطاب الوعظي، دون التخلي عن إبراق وجهات نظره، والمغلفة بحبكات شيقة بعيدة الأثر... والإبداع كما نعلم هو فكر ولغة، وقد تبلورت فلسفة أدب الأطفال بوضوح بعد مجيء جان جاك روسو في القرن الثامن عشر ومناداته بأن هدف التربية هو أن يتعلم الإنسان كيف يعيش، وأن تُترك للطفل فرصة تنمية مواهبه الطبيعية، وأن تقدم له المعلومات التي يحتاج إليها. أضف إلى ذلك آراء الفيلسوف البريطاني جون لوك في التربية والفلسفة، والخلاصة هي أن فلسفة أدب الأطفال تستمد مقوماتها من فلسفة المجتمع وعاداته وتقاليده مع التشديد على التعبير عن مشاعر وأحاسيس الطفل.
ونحن نلاحظ ذلك جليا حين نتحدث عن النضوج العاطفي لدى الطفل، وتمكينه من التأقلم بقوة وإيجابية مع اطر الحياة المختلفة...
وقد رجعت ست قصص من إبداع الكاتب نادر أبو تامر بشغف كبير في محاولة لسبر أغوارها الجمالية والفكرية، فنراه في قصة "شجرة الأصدقاء" يعلن حكمة أسيل السارية المفعول للصغار وللكبار أيضا، ومروجا على لسان أسيل ضرورة استثمار المزيد من الحب في العلاقات الإنسانية، وقد تحدث اريكسون عن أهمية هذه المسألة في تطوير شخصية الطفل، والعلاقة كما نعلم هي كالجسر الذي يحتاج صيانة دائمة...
وفي قصة "أجنحة الملائكة" يعالج الكاتب موضوع الموت بجرأة، ويأتي مجددا بعض الشيء حين يضع الأب شريكا في المحادثة بدل الأم، كاسرا بذلك حاجزا تقليديا (نمطيا بعض الشيء).
ويطل علينا في قصة "اصغر سائق في العالم" باحتجاج حاسم داعيا إيانا – الأهل – إلى تجنيب الطفل تجارب ليست محمودة العواقب، وليست بانية للأمان والثقة بالكبار، الذين لا يجتهدون كفاية في ممارساتهم الوالدية التي تحمل في طياتها العميقة تجاهلا صارخا لحاجات الطفل الأساسية!
وفي قصة "ساعدني يا أبي" يعالج الكاتب قضية العنف ضد الأطفال، والموجه إليهم من ذويهم، الذين لا يمنحون الطفل شرعية الخطأ، وهم بذلك يغرسون في نفس الطفل الشعور بالذنب، والإحجام المحبط في إقدامهم على خوض تجارب جديدة...
ثم كتاب "نبوح" وكتاب "المارد والأقزام" حيث يعرض الكاتب قيم العدل والوفاء، وعدم الإذعان أمام الظلم والاستبداد، وأن لكل مشكلة أكثر من حل واحد، إذا استعملنا العقل المبدع للخروج من المآزق والاشراك التي ينصبها لنا الأشرار...
إضافة إلى المضامين التربوية والفنية، فإن الكاتب يراعي نمو الأطفال الإدراكي واللغوي، حيث يحرص كلّ الحرص على استعمال اللغة السليمة ، رانيا إلى تبنيها على يد المتلقين الصغار.
ولأني لا أتوافق مع "أمر مبكياتك ولا أمر مضحكاتك" إلا في النقد الأدبي البناء، فقد عملت جاهدا في البحث عن نقاط ضعف الكاتب أو هفواته، وقد كانت عملية صعبة خرجت منها بملاحظة واحدة فقطن حيث يستعمل الكاتب كلمة "كفة" بدل كلمة " كف يدها في قصة "ساعدني يا أبي"، بينما جاء استعمال "حملت بي" جائزا من الناحية اللغوية، وفي كلتا الحالتين يلاحظ تأثير ربما للهجة المحكية على النص، وقد يكون ذلك مقصودا من الكاتب لتقريب المعنى للطفل...
إن رسومات القصص، بريشة الفنانين ايرينا كركبي و أيمن خطيب، بأسلوبهما المختلف والمميز، هذه الرسومات تضيف أبعادا جميلة لهيكل العمل الأدبي وتساعد الطفل في عملية الوعي القرائي، ومنه إلى التعاطف مع بطلات وأبطال هذه القصص، وإلى تذويت القيم المهمة، وللإجمال: لا أجد تناقضا في قولي إن الكاتب نادر أبو تامر هو ظاهرة نادرة ولكنها متواجدة وحاضرة في مشهدنا الثقافي الذي يتعرض لتهافت آني قصير النظر والرؤيا، يعرقل أحكامنا وموازيننا في معادلات الكيف والكم...

ليست هناك تعليقات: