الثلاثاء، أبريل 29، 2008

حوار مع الشاعر محمد الفوز


حوار/حسين الجفال


المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم
المؤسسات الرسمية تموت ببطءٍ بسبب البيروقراطية
أردنا أن نؤسس مناخاً إبداعياً مغايراً عن السائد
الأندية الأدبية في المملكة فشلت في ردم الهوة بينها وبين المثقف
الناقد العربي كاتب أحمق بل فاشل لأنه هدام وثرثار ويجلب الكآبة

محمد الفوز ، شاعر وجد ذاته في الشعر رغم تعدد مواهبه في ضروب أدبية وفنية عديدة ، هرب من التشكيل والخط إلى القصة ثم عاد للشعر الذي يراه مصدرا يمد روحه بالسحر والجمال ، متوتر من المجهول ويبحث عن غدٍ محتمل ، أسس مع زملاء له ( ملتقى الوعد الثقافي ) وقاد جماعة الشعر في أدبي الشرقية بنجاح ، عمل في الصحافة منذ زمن طويل ، ديوانه المرتقب ملحمة كبيرة ( ليل القرامطة ) يأخذ طريقها للنشر قريبا ، إليكموه..


1. محمد الفوز ، بدأت قاصا وتحولت للشعر وكان لك حضورا إعلاميا أيضا ، إلى أين تركن روحك ؟

المبدع كائنٌ نزقٌ يتماهى في كُل شيء من حوله ، بعض الرهانات خاسرة ، و التعدد في الاتجاه مثارُ العزلة ، لقد بدأتُ تشكيليا و خطاطا كأولِ عبثٍ أبرهنُ من خلاله وجودي أو بالأحرى اكتشافُني للآخر و هو تحريضٌ على الدهشة التي تتجاوزُ المكانَ إلى أبعاد واهمةٍ لا تنكفئ ، ثم كتبتُ القصة و مارستُ ارتجالَ الحكايا و الشعر الشعبي ، و لم أجدْ ذاتي إلا في الشعر حيثُ تورطتُ به مع أولِ ارتعاشةٍ في جسدي بالمراهقةِ الأولى طبعا ، لمْ ينبشُ أحاسيسي المرتبكة آنذاك إلا الشعر ..... وحده طاقة سحرية تشد الروح من أقصى الخفقان ؛ أما روحي الآن ؟!!!
أكادُ أهتك ستر القلق الذي يختطفني كل لحظة من مباهج المدن و تيار الحداثة/ أشتغل كثيرا ، و لدي خبرة جيدة على المستويين المعرفي و الابداعي لكنني متوتر من المجهول/الغد المحتمل هو شماعة آلامي و قيامة اللعنات التي أخلعها برهافةِ النوايا .

2- تجربتك الشعرية بها من النضج الكثير ، لماذا لم يصافح المتلقي ديوانك بعد؟

أمارسُ الكتابة الشعرية بوعي مغاير ، أدركُ –تماما- أن اللحظة سريعة الالتقاط و التحول معا ، لذلكَ أحتاجُ للانعتاق من المفردةِ و التجلي في مخيالٍ محض لذلكَ أنأى عن الشعر و أقترب/بلا موعدٍ و بلا صُدفةٍ أيضا ، أودُّ التخفف من وطأةِ الزمن للتماس مع ذاتي التي أخونُها كثيرا بالأرق/ الأرق هو ما يحتلني ، لا أودُّ الكتابة المصطنعة أو المنسابة إنما أسلوبي هو الكتابة في منتصف الهذيان/و في منتصف الوعي لأكونَ هادئا بوجعِ النبيذ و غارقا بسؤال اللغة ..... أما ديواني ؛ فأظنه سيكونُ انتحاري إنْ لم يخرج مني بين يدي مفتونا بحريته التي ضاقتْ بي كما ضِقتُ بها .

3- جئت من الأحساء وسكنت الخبر وأقمت حتى ظن الجميع انك مغترب عنها ، كيف تقيم المشهد الأحسائي الطارد لكل ما هو حداثي في ضوء ولادة نادي يضم شتات المثقفين رغم تباين ثقافاتهم؟

الأحساء كأيِّ ريفٍ لا يحظى بالتعدد و الاختلاف ، عشتُ بالأحساء طفولتي الأولى و كانتْ روحي محلقة/كنتُ أحلمُ ، و الأحلامُ جريمة –هناك- إنْ لم تكن مُباركةً من رجالِ الدين ، الشيوخ أفسدوا الأحساء ، و أهانوا كل جميلٍ فيها بخلافاتهم و قمعهم لاختلاف الآخر ، الحرية مفقودة ، و الوعي يتشكل بصمتٍ ، لذلكَ لم أستطع التعايش كثيرا مع الفوبيا و اللغط الاجتماعي و التوتر الطائفي و ما إلى ذلك من سياقات التشتت التي كانتْ تسود الأحساء آنذاك ، رغم أني عشتُ آخر منعطفات التحول الحضاري في الثمانيات إلا أنني أعترفُ بعُمقِ التجربة و متناقضاتها جعلتني أكونُ واعيا بحجم الرهان الثقافي الذي أراهُ مشوها في الآونة الأخيرة ، رغم ولادةِ "نادي الأحساء الثقافي" الذي أظنه سيكونُ هدَّاما لرؤى الحداثة المنكوبة بفِعلِ الأحادية في التلقي ، هناكَ نُخبة ثقافية و لكنها لم تؤثر شيئا في مشهد الفكر إزاء التمترس الديني الذي يسحق كُلَّ اختلافٍ أو تصادمٍ على مستوى النظرية و الحراك الثقافي أيضا ، رجل الدين هو قالبُ الحياة هناك ، و هذا سببٌ كبير في طرد المثقفين الجادين إن لم أقل هروبهم بحثا عن حريةٍ مستلبة و واقعٍ مدني يصقلُ الإنسانَ الوثني الذي يسكننا .....

4- أسست مع الأصدقاء ( ملتقى الوعد الثقافي ) وكان المنتدى الأبرز من حيث التنوع والحضور في العامين الماضيين على مستوى المنطقة ، على ماذا تراهنون في المشهد الثقافي المحلي؟

ملتقى الوعد الثقافي كانَ حلما و مايزالُ حلما غاويا ، بلا أيدلوجيا استشرفنا المشهد الثقافي السعودي و بحساسيةٍ عالية أردنا أن نؤسسَ مناخا إبداعيا مغايرا عن السائد/ أنْ نكسِرَ حدةَ الفوبيا بين المثقفين و المثقفات ، أنْ نُعيد تشكيل الجيل الشاب برؤى منفتحةٍ على الآخر ، و أنْ نُزجي حِسَّا هادئا عفويا على الساحة التي تئنُّ تحتَ وطأة التعالي و الغرور ، ثمةَ مسافة ودِّ استطعنا خلقها بلا وصايا ، و كانتْ رهاناتُنا مرتبكة أو حالمة بمعنى آخر ، و الآن بوعي لا تنقصه الخبرة أستطيع أن أراهنَ على قدراتِ الجيل المعاصر الذي اختزلَ ثقافة النت و تحولات الحياة في نصٍ قابلٍ للسمو/ المثقف الحديث يتلقى بسرعةٍ و يتفاعلُ بسرعةٍ و يفنى بسرعةٍ في لحظة الكتابة ، الكتابة ليست مصيرا أو قدرا للمثقف إنما أداة تعبير تزفُّ الوعي للقارئ ، و حينما يتماهى الوعي بين رؤيتين مختلفتين –بالضرورة- تكونُ القيمة أكثر جدوى في حوارٍ يُسيِّره الإبداع لأجل الإبداع و مهما تكن النزعة مثاليا إلا أنها تركت وشما في الذاكرة ، و الرؤى تنمو في ذواتٍ خصبةٍ لا يقمعها الخوف/السلطة .

5- خرجتم من إقامة الفعاليات محليا وانطلقتم في عمان كتجربة أولى على مستوى الوطن العربي ثم توجتم ذلك الشهر الماضي بأسبوع ناجح بالبحرين ، كيف تقيمون مردود ذلك ثقافيا على الساحة السعودية؟

نحن نتوجس كثيرا من المشهد المحلي الذي لا يثق بمنجزه و يتكل في ألقه على ثقافة الآخر ، كانت فعالياتنا في "مسقط" و "البحرين" محاولة لترسيخ مفاهيم الوعي المشترك و تجاوز حساسية المنجز كما أننا نختبر قيمة النص من خلال مستويات التلقي التي تحيلنا إلى المجاهرة أكثر بنصوصنا و توطيد التواصل مع باقي الدول العربية التي نقف على أبوابها بحيرةٍ فائضة ، لابد أن نكون جادين في عطاءاتنا و ألا ننتظر الآخر حتى يقف لدينا بنصف أثر بل علينا أن نتبادل المعرفة ، و هذه الخطوة بادرةٌ واعية من "ملتقى الوعد الثقافي" كأول ملتقى أهلي عربي يتجه بوفدٍ متعددِ الخبرات و الإبداعات لإقامةِ فعالياتٍ مشتركة تُضيءُ المشهد السعودي ، و يُعيدُ وهج المثقف السعودي و تُفرز للساحةِ أسماءً جديدةً تُغربل الوجع و تفتحُ أفقا رحبا لحريةِ الكلمة ، كما توجه صفعة ً محترمة للمؤسسات الثقافية الرسمية التي تموتُ ببطءٍ بسبب البيروقراطية أو لأكن صريحا بسبب تسييس الثقافة و ارتهان المثقف العاجز إداريا إلى كُرسيِّ بليدٍ لا يقوى على الفِعلِ/التأثير في مجريات الواقع .

6- بصفتك منسق النشاط الشعري في أدبي الشرقية ، كيف تقيم الأنشطة المقامة في الأندية ، أليس الأسماء تكرر نفسها ؟ مع العلم أن هناك اتهام يقول أن العلاقات بين الأصدقاء تكرس الأسماء ، بمعنى ( شيلني وأشيلك)؟

الأنشطة جيدة و متنوعة ، و لكنها كلاسيكية و لا تبني جيلا ثقافيا يتصدى للمستقبل ، أنا ضدّ النشاط التقليدي الذي يعتمد على المنبرية و الخطاب ، إذا لم تتحول الفعاليات في النادي إلى أشبه بالطقوس أو بالممارسات الناقدة لذهنية المثقف و إعادة تأسيس دوره في المجتمع أظن بأننا نُعيد ذواتنا في ملامحَ بائسة ؛ أي تتغير الوجوه و القيمة واحدة ، أما الشللية فلابُدَّ منها مادمنا نتكئُ على بروتوكولاتٍ مؤسساتية لا تضعنا أمام خياراتنا و بالتالي ثمة حُريةٌ ناقصة ، و لكن إنْ استعرضنا تجربة أدبي الشرقية في العهد الجديد فإنَّ معالم التغيير واضحة و متجلية عموما ، و كما يقول الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس «كل شيء يجري، فأنت لا تغتسل في نفس النهر مرتين» .

7- محمد الفوز أنت قارئ جيد بحسب تتبعي لما تنشر وتكتب في النت والصحف ، كيف ترى هذا الإسهال المهيب في هطول الرواية السعودية ؟ وهل هو جانب صحي يؤدي بالضرورة للفرز بين الجيد والرديء ويبقي هذا ويطمس ذاك؟

الرواية المحلية تتدفق بشكلٍ جميلٍ ، و لستُ مع الإسهال إلا أننا في مرحلة ماقبل الرواية إن صحَّ التعبير ، إذا كانتْ الرواية أنتجتْ جيلا قارئا ، و أسستْ لحريةٍ مدنية فإنها ضمنْ اشتراطات الحداثة التي تفترض احتمالاتٍ عدة و تبثها في صيغة أسئلة أو مفاهيم صادمة تجتذب المفكر أو المتلقي للإجابة عنها أو النقاش فيها ، الرواية أحدثتْ صدمة اجتماعية فيما تطرحه من أفكارٍ مستلبة و قيمٍ مستورةٍ و نبشِ للمسكوت عنه ، الاقتراب من التابو في الرواية المحلية هو اتجاه للحرية ، و قطع الاغلال ، و التمرين على نقد الذات في العلن و إعادة تكوين العادات التي استمرأنا وجودها رغما عن التحول الاجتماعي في عصر التكنولوجيا و قيامة الأسطورة من جديدة ، كل هذه العوامل يجب أنْ تكونَ حافزا أكبر للكتابة و التمرد على الخيبة .

8- سؤال يطرحه المثقفون دائما ، لماذا يعزف الناس عن طبع كتبهم في الأندية ، اهو الإخراج ؟ أم التوزيع ؟ أم أمور تخفى على الكتاب؟ ما هو رأيك؟ مع التنويه أن أدبي الشرقية وهب كتاب الأحساء باكورة الكتب التي طبعها في مجملها ؟

الأندية الأدبية في المملكة فشلتْ إلى حدِّ ما في ردم الهوة بينها و بين المثقفين إجمالا ، لايوجد نادي أدبي بالمملكة استطاع لَمَّ الشتات ، أسبابٌ كثيرة تدعو للمراجعة و الإفصاح عما ينبغي فِعله و تجذيره في الوسط الثقافي ، و بالنسبة لعزوف الناس عن الطباعة يعود لعدم الجدية في تسويق الكتب بالفترة الماضية إلا أنَّ تجديد مجالس إدارة الأندية الأدبية و إعلان وزارة الثقافة و الإعلام عن لائحة تنظيمية جديدة لإدارات الأندية الأدبية هو ماسوف يغربل المشهد و يختبر صلاحيته أيضا ، أما باكورة إصدارات أدبي الشرقية جاء من نصيب الأحسائيين فهو مصادفة جميلة و ليسَ تحيزا .

9- ما الذي يؤرق محمد الفوز كمثقف ؟
ثمة مقولة للروائي الروسي ليوتوليستوي "المفكرين الأحرار هم أولئك المستعدون لاستعمال عقولهم بدون حكم مسبق، وبدون خوف، لفهم الأِشياء" و هو يتناص مع غاستون باشلار في مسألة عدم الحذر في استقبال المعرفة أو إعلانها ، كنتُ أتصفح كتاب (دوائر الخوف) لنصر حامد أبو زيد و قد أرقني حظر الحرية و قمع المفكر و إبعادِه عن زوجته و وطنه ، أيُّ ثقافةٍ و أيُّ إبداعٍ ندعيه و الفكرةُ نُمارسها بالتورية و الغموض ، أعتقد أن سبب الغموض في الإبداع العربي هو الخوف من الرقيب ، هناكَ رقابة مزدوجة و إحساس مزدوج في عقليتنا و حياتنا معا ، و أتذكر حديث الروائي السعودي أحمد بودهمان حول إصدار رواية "الحزام" باللغة الفرنسية ثم ترجمتها للعربية إنه تحدث بشهقةٍ عن أفول الحرية و عدم احترام العقل المبدع ، بعكس الغرب الذي يحتفي بالكتب الجادة و يضع المثقف في مرتبة عالية ، المثقف في أوطاننا مشبوه و متهم و غير معترف بقدراته ، بل و مضطهد ، هكذا نعيشُ بإرادةٍ ناقصةٍ ، و المشكل الأكبر هو أنَّ المثقف عندما يتولى منصبا في مؤسسةٍ ثقافية أو غيرها يكونُ أقسى على الآخرين من غيره ، بمعنى يتحول الاستبداد إلى حالة مرضية كاستعادة الكرامة أو لنقل لإثبات الذات و لذلك تتفشى لدينا مركزية العمل ، و جفوة القرار ، مايؤرقني هو ألا نجد للشباب متسعا ، الكبار استغلوا كل شيء في مجتمعنا ، إذا لم تَكُنْ كهلا و لم تُداهمكَ الشيخوخة فانتظرْ نصيبكَ في زمنٍ ما ، و في حُلمٍ آخر ، للأسف أننا نتربى على قيمٍ جاهلية ، و لا نتطور بل أننا نُحاصر كُلَّ دُعاةِ التغيير ، و هذه عقلية جماعية تتصف بالبطش و الغباء المادي لا أكثر .

10 - كيف ترى متابعة النقاد للمنجز الإبداعي في المملكة ، ولماذا يؤكد الكتاب ان بينهم وبين النقاد مسافة كبيرة ، هل الناقد إنسان فوقي؟
بالتأكيد ، الناقد العربي كاتبٌ أحمق بل فاشل لأنه هدَّامٌ و ثرثارٌ يجلبُ الكآبة و الغثيان و هذه ظاهرةٌ محليةُ و عربية ، و لكل ظاهرة قلائلٌ حريصونَ على الحُلمِ كما يُشير سارتر " الإنسان خُلق ليقضي على الإنسان في داخله ، وليفتح روحه لجسد الليل المظلم" ، و مهما يكُن فالنقدُ مثل المراجيح التي تعبثُ بأفياء المكان ، للنقدِ اشتراطاته و جنونه أيضا ، و سيظل النقد العدو اللدود لكل النصوص المغايرة و هو العدو/الحميم الذي ألفناه رغم ضغينةٍ خابية و فرحٍ مخاتلٍ أحيانا ..........

ليست هناك تعليقات: