‏إظهار الرسائل ذات التسميات أمجد نجم الزيدي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أمجد نجم الزيدي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، مارس 17، 2010

قراءة في مجموعة (مدونة الصمت) للشاعرأحمد الشطري

أمجد نجم الزيدي

قراءة في تدوين الصمت

كتابة الشعر هي محاولة للأقتراب من مناطق الحلم وتداعيات الذاكرة، محاولة لبناء ذاكرة جمعية جديدة، تكسر بها إستكانة الدلالات القاموسية وارتباطاتها المتواضع عليها تأريخياً، وتتخذ هذه المحاولات عدة تلوينات ربما تكون مجازية أو استعارية، في عملية الانزياح عن تلك المواضعات التي تأصلت بفعل قوة الزمن، ليعيد بها القارئ/ المتلقي بناء شخصيتة القرائية، وذلك بأندماجه بالنص متمردا على الحيادية التي فرضتها عليه المواضعات التقليدية، ويصوغ بتلك التلوينات نصه الذي ولدته حساسية القراءة لديه، لتتلبسها الذات القرائية متخذة من التناصات المضمرة جسرا تعبر به الى الضفة الاخرى، وهي التي يكون فيها الشعر هوية كونية، تضيع فيها الحدود المقدسة للدلالات لتندمج مع الجوهر الحقيقي للوجود، فيخرج الشعر من توصيفه البدئي الى رؤية تختزل الكون وتعيد تشكيل دلالاته بروحية جديدة.

فلو قرأنا في ديوان (مدونة الصمت ) للشاعر أحمد الشطري، الذي ضم 19نصاً، توزعت بين القصائد العمودية والتفعيلة، هذا البيت من القصيدة التي تحمل عنوان الديوان:

هل تسمع الصمت، سال الصمت من شفتي

حين استبد سعال الحرف في رئتي

والذي يرينا ذلك التلاعب أو تخريج الكلمة ومحاولة تخريب عقدها الاتصالي، لادخالها في فضاء تكويني جديد يعطيها هوية جديدة ومعنى من المعاني الجديدة، والتي ربما ترفضها القواميس التقليدية، بيد انها تفرض وجودها من خلال التأثير وتحريك الاطياف الشعرية الكامنة في العالم والوجود والذاكرة، فقول الشاعر ( هل تسمع الصمت)، يخرق قاعدة السماع التي تنبني على ( صوت) الى سماع الصمت الذي تنعدم فيه اللغة، وبالتالي ينعدم الاتصال، والتي يؤكدها بقوله (سال الصمت من شفتي)، بيد ان المقابلة بين صمت صدر البيت وصدح العجز الذي فيه يقول (حين استبد سعال الحرف في رئتي)، ترينا بأن ( الصمت واللغة ) هنا في هذا البيت، أو ربما في القصيدة كاملة، يخلعان ازيائهما القاموسية، ليلبسان لغة الشعر، بأستخدام اللعبة البلاغية وهي المجاز، الذي يصفه أدونيس في كتابه ( الشعرية العربية) بأنها وليدة ( حساسية تضيق بالواقعي، وتتطلع الى ماوراءه)، أو كما يقول في نفس المكان (المجاز تجاوز، وكما ان اللغة تجوز نفسها الى ماهو ابعد منها، فأنها تجوز الواقع الذي تتحدث عنه الى ماهو أبعد منه. كأن المجاز، في جوهره حركة نفي للموجود الراهن، بحثا عن موجود أخر)، فهذا البيت يحاول ان يتجاوز لغته والتي هي وجوده القاموسي الى بعد سيميائي أكثر بعدا اوايحاءا.

أما البيت:

كل المسافات ضاعت، بينما جملي

لازال يحمل اسفارا بأوردتي

فنلاحظ بأنه يستند على تناص قرأني مع الآية الخامسة من سورة الجمعة، بسم الله الرحمن الرحيم ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) بيد ان هذا التناص يفترق عن النص القرأني، إذ ان دلالة الآية القرأنية تدل على فعلي ( حركةـــــ ثبات)، بينما البيت يدل على فعل واحد وهو (حركة)، وإن كان يشترك مع النص القرأني بتأكيد الضياع المباشر بالبيت والمضمر في الآية القرأنية، وهناك ابدال للحمار بالجمل، وذلك انزياحا عن المعنى العام للآية القرأنية، بأن البيت يعيد تكوين دلالاته على الايقاع المخالف للآية القرأنية للخروج من النطاق الدلالي الذي توحي به، واستنادا للقيمة الاشارية المختلفة بينهما، بسم الله الرحمن الرحيم ((أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)) (الغاشية: 17).

أما في البيت التالي من قصيدة (رماد الندم):

لي سيف صبر وبي يستهتر الوجع

وفي غضون جروحي يورق الفزع

فسنلاحظ هذه المقابلة والتي تظهر من خلال بناء مشهد درامي بطليه ( الصبر والوجع)، حيث يظهر الاول بالاستناد على دلالة (الصبر)، والتي ربما أختزنتها الذاكرة الجمعية، على انها فعل سكوني مسالم، بينما يظهره النص يحمل سيفا يحاول به ان ينحت له وجودا مفارقا، بتخليصه لدلالة حركية جديدة حيث أصبح يقف بمواجهة درامية جميلة، مع الدلالة المضادة والمرافقة له دوما وهي (الوجع).

أما البيت:

كم طار فوقي عصفور البكا..مرحا

لكنه في جفوني راح يقعُ

ونلاحظ هذا البيت الذي يتماها بصورة تناصية مع احد الامثال الشعبية وهو (ماطار طير وأرتفع، إلا كما طار وقع)، بيد انه ينحى نحو تغريب هذا المثل، اذ أننا لو حاولنا تحليل المثل الشعبي، واظهرنا مرتكزاته لظهر لنا بأن الفعل المتمثل بالطيران هو فعل هروب من الفعل الاخر وهو (الوقوع)، بينما البيت الشعري يظهر ان الفعل الاول وهو ( الطيران) كان فعلا استعراضيا خاليا من القصدية ، و انه يرتبط ارتباطا حتميا ووجوديا بالفعل الاخر وهو (الوقوع)، عكس المثل المتناص معه، فليس حتميا ان فعل الطيران دائما يرافقه السقوط. وما يحاول المثل من توصيله يرتبط بدلالة محددة، أستخدمت المثل كجسر مجازي تعبر عليه.

أما البيت التالي من قصيدة (مدونة العراة):

هطل المساء على حقول عيوننا

الحلم انثى

والظلام لقاح

وحاولنا تتبع دلالاته، فسنجد بأن دلالة الشطر الاول وهو "هطل المساء على حقول عيوننا"، هي دلالة قائمة على استعارة ليست حديثة، اذ انها تبدو واضحة ومباشرة تقريبا، لأرتباط (هطل) بـ(حقول) و(المساء) بـ(عيوننا)، اما الجز الثاني من البيت فسيظهر فيه ذلك التلاعب الذي يولد للبيت حساسيته الشعرية، فلو أخذنا كلمتي (الحلم) و(الظلام) لرأينا بأنهما مفردتين تدلان على مذكرين، بيد ان النص ربط الحلم بالانثى وربط الظلام بالذكر الذي يمثل اللقاح، فلماذا اختار ان ان يجرد الحلم من صفته الذكورية وليس الظلام مثلا، ان الجواب يكمن في هذه المزاوجة التي اوجدها النص، والتي اخرجت كلا الدلالتين (الحلم والظلام) من ارتباطاتهما اللغوية والشفرية، الى ارتباط جديد يتولد بالمجاورة، حيث ان الظلام مثلا لو اخذ بعيدا عن هذا النص، وافرد جانبا، فمن المستحيل – ربما – ان يرتبط باللقاح، فالظلام دائما كان رمزا للعقم، ولكن ارتباط الحلم بالانثى هو الذي سيجيب عن هذا التساؤل، فهناك علاقة سببية بين الاثنين، فالحلم لن يأتي الا بوجود الظلام/ اللقاح لخصب الحلم ليلد احلاما اخر.

اما البيت التالي من قصيدة (بعد الرمال):

كل احتراقاتي (العذراء) معجزة

وكل حرف اتى بعد الرماد صبي

فسنلاحظ بأنه يحاول ان يلغي ارتباطاته التي ربما تقسرها الذاكرة والبناء اللغوي المتحكم، بدلالاتهما واشاراتهما، ويتمثل هذا الالغاء من خلال المجاورة بين فعل الاحتراق والعذرية، فربما – وهذا رايي بالتأكيد – ان فعل الاحتراق هو فعل نفي والغاء لأي عذرية، فالنار دائما فاضة لبكارة الاشياء، واللغة التي تأتي بعد هذه الاحتراقات الانثوية العذرية هي لغة ذكورية، ممكن ان تؤرخ لهذا الاحتراق بعيدا عن مصدرها الكوني الاول الممثل بالنار، الانثى، الذاكرة.

وترينا هذه القصيدة ايضا مجموعة أخرى من التضمينات والتناصات، وان لم تخرج بعيدا عن مصدرها الاشاري وهي التي تظهر بالابيات التالية:

القيت في البحر الواحي فقد فتنوا

بالعجل واستهزءوا بالمعجزات وبي

ماذا سأفعل اني واحد وهمُ

كثر واسيافهم قد مزقت قربي

وايضا بيت أخر:

البحر تحتي والطوفان يتبعني

ولات منجى إذا فاضت سوى خشبي

حيث ان البيت الاول يظهر تضمين قصة النبي موسى (عليه السلام) مع بني أسرائيل، وقد جاء هذا التضمين على وفق مبدأ القياس، ، اذ استعيرت القصة للدلالة على هذه التجربة، وكذلك البيت الثاني الذي ضمن قصة سيدنا العباس (عليه السلام) مع انزياح بسيط عن القصة المعروفة المقترنة بـ(القربة)، والتي جمعت الى (قرب) ارتباطا دلاليا مع (اسيافهم)، وعزفا متناغما مع دلالة (الجمع) في الابيات التي جائت قبلها وخاصة مع البيت التالي:

هذا ارتقاء المتخمين وقد

عروا البطون ولفوا العقل بالحجبِ

أما البيت الثالث والذي يستند على تناص مع قصة الطوفان القرأنية، لكنه يفترق عنها في صدر البيت، اذ يقول (البحر تحتي والطوفان يتبعني)،والذي يرينا استمرارية الطوفان، الذي يولد انزياحا دلاليا للبيت، بخروجه من ربقة المصدر.


الأحد، فبراير 28، 2010

قراءة في ديوان (فوضى المكان) للشاعرة رسمية محيبس زاير

أمجد نجم الزيدي

المثيرات الكتابية وافتراضية القراءة


عندما نقرأ اي نص في المجالات المختلفة للكتابة، نكون قد عبرنا منطقة افتراضية بين متنين هما الوجود الفيزيائي للكتابة كمدونة بصرية الى وجود قائم في ذهن القارئ، وهو متشكل انعكاسي يأخذ مداه من التداعيات التي يولدها فعل القراءة، وهذه المنطقة ترتكز على المثيرات الكتابية التي يولدها النص، حيث تكون عبارة عن (مجال شبحي/مخلق) كما يصفها محمد علي النصراوي في كتابه (طيف المنطقة المقدسة)، (فأنها في حالة الكشف عنها تعد الذخيرة الحية مادة اولية خام بيد مكتشفها القارئ وهي هنا بمثابة مراكز / أو بنى افتراضية لتدعيم الحدث وتحريكة داخل نسقه الاشاري اللغوي)* وتختلف هذه المثيرات تبعا للاختلاف نوع الكتابة، وقدرة القارئ على الوصول الى تلك المراكز الكامنة، والتي تحتاج الى قارئ استثنائي ليتمكن من استنفاذها، من خلال التفاعل مابينها وبين مايحمله من خزين معرفي وخبرة بالتعامل مع النصوص، وخاصة النصوص الابداعية من شعر وقصة وغيرها..
فالشعر -على سبيل المثال لا الحصر- عندما يتخلق كمدونة كتابية، ينتقل من حضور افتراضي تشكله ذات خلاقة الى حضور عياني وفي قالب خطابي اجناسي محدد ومعين، بيد ان النص الشعري يختلف ربما عن باقي الاجناس الكتابية، بأن دلالاته أو مراكزه الاشارية تتمرد على وجودها الكتابي المقولب ضمن النسق اللغوي، وتخرق طبيعتها كعلامة لغوية اتصالية، بأن تتشكل خارج اطار اللغة فضاءات هلامية، تتفاعل وتقترن مع الفضاءات التي يقترحها القارئ، لا لأكتشاف تلك المراكز أو الدلالات وانما لتوليد نص أخر وفضاءات اخرى، بمديين: مدى اقتراني يستبدل نص سلطة الكتابة بسلطة القراءة، ومدى طيفي يستعصي على تلك السلطة، ليظل سابحا خارج تلك الانساق ليكون حاضنة لتشكلات افتراضية قرائية اخرى، تبقى كامنة لقراءات جديدة..
ولنأخذ ديوان (فوضى المكان) للشاعرة رسمية محيبس زاير، الصادر عن مؤسسة الفكر الجديد2008 ،نموذجا تطبيقيا للأفتراضنا السابق وتفحصنا نصوصه كنص (من عبث بأبجدية الجمال) وأخذنا منه المقطع التالي:

أنا النجمة تشظيت. أنا مكتظة بعويل أخرس
الغيمة تحجبني. وزخة مطر تسد علي الطريق
أنا غارقة في التأملات بينما القمر،...
يطوف على الاشجار والبنايات
على الادغال والبحيرات

فبقراءة هذا المقطع نرى بأن العلاقات المتحكمة، والتي يحاول النص ببنيته الكتابية من وضعها وهي الاندماج مابين عناصر الطبيعة والتي هي: (النجمة، الغيمة، المطر، الاشجار، الادغال، البحيرات)، وهي تعبير عن الوجود الخارجي أو الاطار الكوني اللام، والنفس البشرية والتي تظهر من خلال (التشظي، العويل، الأخرس، الحجب، سد الطريق، التأمل) والذات المتكلمة وهي (أنا)، وساعدت هذه العلاقات النص الكتابي بزرع عدة مثيرات في المقاربات القرائية للنص، تحيل الى انتاج عدة علاقات افتراضية جديدة، ربما تندمج مع مقاربات الكتابة الاولية أو تعارضها، أو ربما تنتج لها وجودا مستقلا ومفارقا، حيث تكون تلك المقابلة مابين (أنا) كوجود مؤسس للنص على اعتبار انه عتبة تقود الى داخل (أنا النص)، بمنلوج يعكس صورتها البدئية المقترنة بالنجمة التي تتفاعل و تتشكل صورتها من خلال التماهي أو الوقوف أمام أو بالضد من الافعال التالية ( تشظيت، تحجب، تسد)، وما توحيه الكلمات الاتية من أفعال او صفات (مكتظة وغارقة) لتنتج لنا مفهوما مغايرا وذلك يتضح من خلال المقابلة بين (أنا النجمة ) و(القمر) والاختلاف مابين حركتيهما المستند على تداولية تلك الدلالات، اذ ان حركة القمر هي حركية خارجية من خلال الفعل (يطوف) بينما (النجمة) ساكنة وحركيتها داخلية تظهر من خلال (غارقة في التأملات)، ولكن النص يقلب تلك العقدية التداولية ، اذ تأخذ (النجمة) بأرتباطاتها السابقة، بكسر مرجعيتها التداولية، وان حافظت على سكونيتها الخارجية، الا انها استبدت داخل النص بحركية باذخة، حتى انها صادرت الحركية الفاعلة (للقمر)، التي ربما كان يوحي بها المقطع السابق:

يتأملني الراحلون في الحيرة
يفترشون معي الطرق والسطوح المهجورة
يتصورني صياد حفنة عقيق
اجمع النجوم، اروي لهن ما على الارض

وأيضا:

كان الاولاد يسهرون وقد استبد بهم القمر
يزحفون اليه بعد ان تكون المدينة قد رقدت
والبنات دخلن واغلقت الابواب
كنت اسمع شعرا وأغان بيض مجنحة

اما لو أخذنا نص ( أنا بحاجة للبكاء) وأخذنا منه المقطع التالي:

لقد كان الورد يتفرس في جراحنا ويضحك
كان دمنا يضيء
دون حدود ولا مخافر او شرطة
منه امتلأت الجرار
وفاض العبير
وترملت القوافي

لرأينا بأن هذا المقطع يقوم على علاقات كتابية بين عبارة (الورد يتفرس في جراحنا ويضحك) والتداعيات التي تأتي بعدها، وهي علاقات تفسيرية مبنية على مايعرف بالسرد/شعري من خلال التزامنية التي يوحيها الفعل الناقص (كان) في (كان الورد) و (كان دمنا)، وينتج ايضا علاقات قرائية افتراضية مبنية على عدة مثيرات ربما تقود الى ايجاد تناصات مضمرة، ربما تقودنا لربطها مع شخصية الشاعر الشهيد (لوركا)، وذلك بالعلاقة مابين (الورد) و (الدم)، وعبارة (دون حدود ولا مخافر أو شرطة) ، وايضا (ترملت القوافي)، وتستند هذه المثيرات على الايحاء الذي تولده عبارة (الورد يتفرس في جراحنا) وهي بأعتقادي التي ولدت تلك التقابلات المقترحة والتي ذكرناها قبل قليل مابين (الورد والدم ...الخ)..
أما نص (يقظة متأخرة) فيقوم ببنيته الكتابية على الربط مابين العنوان وهو ثريا النص والمتن من خلال الارتباط المحوري مابينهما والمتمثل بعبارة (لم يوقظني احد في بهو المنتظرين)، والتي تعتبر ركيزة النص وسداه، بينما القراءة تقسم النص الى بنيتين قرائيتين هما بنية (الحلم) و (الواقع) حيث يكون فعل الاستيقاظ هو المحرك والمولد للدلالات، اذ تتجسد تداعيات الحلم مع حصيلتها التداولية، على اعتبار ان (الحلم)، تعويض لواقع ما، اذ يظهر المتن الاول في المقطع التالي:

هذا ليس آوان ندى
أو مطر يلثم أوراق الروح
الدرب هنا اضيق من حلم
والاشجار...
صارت كنساء بمظلات خضراء
يتأملن مرور اللحظات
قامات نخيل مثقلة بالطلع جسور تختصر الكون
مقهى يستيقظ فجأة

والمتن الاخر (الواقع) فيظهر من خلال المقطع التالي:-
ها اني استيقظ
واحس برائحة الصيف الفائت
تعبق في روحية
أتذكر أن قطارا
غادر في منتصف الليل
ولم يوقظني أحد في بهو المنتظرين
ولهذا
ولأجل نهار أخر يأتي
سأحرض الف ربيع في قلبي
وأغني
أم أني سأواصل أحلامي
حتى يأتي من يوقظني

وهذا لم يأتي لتعزيز الافتراضات التي قام عليها النص الكتابي الاولي بعلاقاته التداوليةن بل انه غاير تلك العلاقات، بأن جاءت لتنقض ذلك الافتراض، مما ينقض بنية الحلم من خلال نقض هذه الدوال ومغايرة نسقها اللاظم الحلم (هذا آوان ندى) و ( الدرب هنا اضيق من حلم)، وايضا التأكيد الذي يأتي في الفضاء الاخر المقابل والمقترح وهو الواقع:

ولأجل نهار اخر يأتي
سأحرض الف ربيع في قلبي
وأغني
أم اني سأواصل أحلامي
حتى يأتي من يوقظني

اما نص (هكذا تنطفئ النجوم) المهدى الى روح الشاعر رعد عبد القادر، يحاول ان يتمثل رؤيته الكتابية من خلال التماهي مع جملة الاهداء وذلك بالتشكيل الصوري، الذي يرسمه النص وايضا التوجه المباشر نحو تلك الدالة بـ(أما رأيت النهر كم كان/ وادعا)، حيث تضعنا القراءة في مواجهة افتراضية بين هذه التشكيل الصوري الذي يحيل الى الاهداء، والمثيرات القرائية التي تظهر خالقة جوا مشحونا للنص، وذلك يظهر من خلال المقابلات مابين ( أما رايت النهر كم كان /وادعا / وهو يستمع الى غيابك) و(بك امتلأ وقد كان فارغا) وايضا المقابلة الاخرى مابين (ما انضر هذه الورقة/ ما ارق هذا الصوت وهو يتسلق الاغصان/ منذ سنين وانا اصطفي الماء/ واصطفي الغيوم)، وبين هذا المقطع ( لكني انطفئ في عتمة المساء / وخضرتي تندحر الى صفرة تحاكي الذهب)، وهذا الجو الذي تخلقه هذه المقابلات يتعزز ويتشكل كمثير قرائي افتراضي، ويصنع خيطا يلظم دلالاتها الكتابية (النهر الوادع)، (الرنين الخافت يتصاعد كلما انطفأت الريح) ليمر بـ (نضارة الورقة) و (الصوت الذي يتسلق الاغصان) الى (النجمة التي اسرتها الافاق القصية) و (الصرخة التي تمزق جسد السكون) الى اخر الافتراضات المتقابلة بين تشكيلات النص التي تقود الى انتاج نص القراءة، بعد ان تحتك تلك المثيرات التي هي رؤية كامنة داخل النص مع فعل القراءة الذي ينتج تلك الاطياف..

اما نص ( العندليب) الذي نأخذ منه المقطع التالي:

حين مات عبد الحليم
خيل لي ان عقربا
لدغ القمر
فسال الدم الابيض
حتى غطى السماء

فنلاحظ تلك المجاورة الكتابية بين (عبد الحليم) و (العقرب) و (القمر) والتي تولد عدة افتراضات قرائية تتولد من العلاقة الغرائبية بين العقرب والقمر كمثير ينتج افتراضات تبنى على الاحالات المرجعية لكلا الدلالتين بمدياتهما القرائية، حيث يكون ( عبد الحليم) هي الدالة اللاظمة والموجهة لفعل القراءة كأجراء، ومثير مرتبط بعبارتي ( حين مات) و (خيل لي)..


* طيف المنطقة المقدسة-حفريات مابعد الحداثة .مجمد علي النصراوي. دار الشؤون الثقافية العامة. طـ1 بغداد2006 ص11

السبت، أغسطس 15، 2009

البنية السردية وتجاور المتضادات

أمجد نجم الزيدي
قراءة في نص (اسرار الطائر الغريب) للقاص سلام حربه

جنحت الكثير من التجارب القصصية الى فك نظامها السردي، ومحاولة تحطيمه، ولكنها حتى في محاولتها تلك كانت تخفي نظامها السردي الخاص، فأقتربت التجارب القصصية من مناطق اخرى مجاورة، ومالت الى تحميل النص الذي كان يمثل هوية ايدلوجية أو موقف معلن للقاص، بعدة الشعرية التي تميل الى الاختزال والتلميح، لفتح النص على الاحتمال، فكل شيء من وجهة نظر القاص كان محتملا ولايقينيا، بيد ان تجارب اخرى حاولت ان تحافظ على ذلك التوصيف الاولي للقصة، بأن استعانت بشبكة دلالية سعت الى تعميق موضوعتها القصصية، فبدت كأنها خلفية تدور كل الاحداث على سطحها وتعود كل الاشارات اليها، لكنها ايضا تعتمد في بعض الاحيان على اسلوب الكاتب ولغته، الذين يقودان المتلقي الى استشعار وجودها بتلميحات واشارات متفرقة ربما تتراكم بالقراءة لتصنع لها جسدا معلنا، وذلك ربما يعتمد على قدرة القارئ على فك تلك الاشارات واستشعار وجهتها، كيف ذلك هذا ماسنراه ان نحن قرأنا نص( اسرار الطائر الغريب) للقاص سلام حربه، المنشور في جريدة طريق الشعب، العدد (140) 12 اذار 2008 ،حيث سنلاحظ بأنه يموضع بنيته السردية على موضوعة واحدة مرتكزة كدلالة توليدية، وهي دلالة العنوان (الطائر الغريب) حيث تستولي هذه الدلالة على مقاليد النص، وتأخذ بالتطور والتصاعد من خلال تعميق تلك الدلالة المولدة لفعل السرد، حيث تأخذ البنية السردية بالتنامي معتمدة على عدة مثيرات مبنية على تلك الدلالة، وإن كان اكثرها تركيزا ووضوحا هو (السؤال) الذي يحاول المكان الافتراضي لدلالة (البرج) من كسر ايهامه المبني على كشف الاسرار، ومنها سر الطائر الغريب( صحونه العريضة الدائرية والتي تبدو كالأذان تتنصت لأسرار، همسات العوالم البعيدة) بيد انها وان كانت أداة لكسر مغاليق الاسرار البعيدة، اصبحت الان هي المرتكز الذي بني عليه سر الطائر الذي (قدم من احد اليلدان المجاورة)، اذ ان الاداة التي كانت مفتاحا لحل الاسرار، اصبحت أداة مغايرة ومتوائمة مع نقيضها وهو الطائر الغريب،وبهذه الطريقة يعتمد النص على مجاورة المتضادات، بأن ترتكز الثيمة القصصية التي بنى عليها السرد على مضادها على اعتبار ان (البرج) هو القاعدة بمحمولاته التي يظهرها النص، والطائر على اعتبار انها دلالة مغايرة، اذ حملت كل المتضادات التي تقف بصورة تقابلية ضدية مع تلك المحمولات التي وضعها النص للبرج ولكنها لا توازيها، بل ان دلالة (الطائر) زحفت الى بناء دلالتها من تلك التضادات على اعتبار انها دلالة وافدة على الدلالة الاخرى التي يحاول النص من ابراز رسوخها وتداخلها ببنية المكان، ولكن اين هي الشبكة الدلالية التي وظفها القاص، هل انه استعان فقط بالبرج ووظف دلالته بمزجها بموضوعة الطائر، ام ان النص استعان بدلالات اخرى، اراد بها تعميق ثيمته القصصية وتحميلها بأشارات وعلامات تعطيها زخما وثقلا، ليخرج النص من مباشرته ويدخله في فضاء التوليد للمعاني والدلالات، بأندماج الابعاد الاشارية وفق رؤية واحدة وخط شروع واحد هو الموضوعة الاساسية للقصة وعلاقتها بالطائر الغريب وتمثلاته والتي نهضت على اعتبار انها دلالة توليدية للنص كما اسلفنا، حركت البناء السردي لكي يتوزع ويأخذ مديات بنائية اخرى، حاول النص منذ البداية ان يؤسس لها بربطها بدلالة الطائر، ليس ربطا مباشرا انسياقيا بل جاءت كركائز، او دعائم للدلالة المركزية، تحاول ان تفتح فضاءا اخر يسعى الى تعميق تلك الدلالة، واعطائها قيمة أكبر وانفتاحا اوسع، ولو عدنا الى النص وبحثنا عن ما قد اشرناه سابقا، لرأينا بأن ثيمة النص(الطائر الغريب) هي التي تحدد وتلون جميع فضاءات النص الاخرى.
وبقراءة النص بصورة دقيقة واستشعار التغيرات التي تطرأ على ملامحه وحركته السردية، والتي تظهر بالتغيرات التي ترافق تنقلات السرد، فلو أخذنا( البرج) مثلا فسيظهر في البداية (البرج يبدو عن قرب كحيوان خرافي...) وفي نهاية النص (جسد البرج النحيل الضامر اظلاعه الصدئة وقمته الموحشة المقفرة)، وايضا (المدينة) في بداية النص (الزحام يتعاظم والمدينة تختنق في مركزها) ولكنها تتغير لتصبح (المدينة تبدو كبركان متفجر)، الحقيقة ان هذه التغيرات التي طرأت على النص هي نتيجة الدلالة المركزية وهي (الطائر الغريب)، والتي يؤدي ظهورها داخل النص الى الانقسام بين حالتين متضادتين كما في حالة البرج والمدينة، وايضا دلالات اخرى مثل اللازمنية التي طغت على المقطع الذي يسبق ظهور الطائر، الذي اكتفى بالوصف كأداة للتلوين، ستظهر تدرجاتها بالتوافق مع العنوان (اسرار الطائر الغريب) لاحقا، اذ اشرنا الى الهيئة التي ظهرت بها دلالة البرج و المدينة بين طرفي النص، اما المقطع التالي لظهور الطائر فهو مقطع حركي، نرى فيه الدلالات التي رصفت في المقطع الاول، قد فعلت في المقطع الثاني كما في (البرج) و(المدينة) وتشكيلاتهما حيث تظهر(لوحة طويلة دائرية متصلة تظهر تاريخ المدينة، قلاعها الشاهقة، زهوها وبطولاتها..) ولكنها تخرج من سكونيتها الوصفية الى حركية مشاركة في تفعيل دلالة النص (الملوك التاريخيون، في اللوحة الفنية، الممتطون لجياد مطهمة ينظرون بذهول واسى صوب الزحام البشري الكبير.. الفرسان المتوحشون في تلك اللوحة المسورة للساحة يعيدون السيوف الى اغمادها) وهذا الجزء من النص هو الذي يرسم الحركة السردية ويفعل دلالته المبنية كما اسلفنا على (اسرار الطائر الغريب)، حيث تكون هذه الدلالة التي لم تظهر في المقطع الاول للنص قد تحركت في فضاء ما اسس له النص في البداية ، واذ اردنا ان نقدم مخططا لحركة النص فسنرى بأن دلالته المركزية هي (الاسرار)، والتي قد كسرت الصيغة التوافقية المباشرة، التي وضعها النص في البداية ، لتحرير الدلالة وجعلها تلعب دورها المحفز على توليد المعاني، وهي كسر دلالة (البرج) بين ان يكون وسيلة لفك الاسرار(همسات العولم البعيدة) وغموضها الى ان يكون قاعدة الاسرار (العيون مصوبة نحو الطائر الغريب الذي يحط على قمة البرج) ، وايضا المدينة الراكدة والمنطوية على نفسها ( لوحة طويلة دائرية متصلة تظهر تاريخ المدينة (...) عيونها المطلة بها على حاضرها فجوات تظهر هنا وهناك من تاريخها المتساقط بفعل الاهوال والظروف كتساقط الاسنان من فم هرم)، وايضا بأن يكون (الطائر الغريب) محفزا لتوليد الاسئلة والامنيات، اي فعل الوجود بعد ان كانت الاسرار مرتبطة بالعوالم البعيدة، (همسات العوالم البعيدة، الاشارات والشفرات الخفية للمكائد والفواجع والحروب، والتي ترسم خفية في الاقبية والقصور المسورة والمحصنة)، مما يظهر بأن حركية النص التي ولدها ظهور الطائر الغريب كسرت الايقونية الوصفية اللازمنية، التي وظفها النص لخلق ارضية بنائية، بأن اسس على اثارها متنا جديدا، ولد لدينا قناعة بأن زمنية النص وارتباطه بفعل الوجود نتج عن ظهور هذا الطائر حيث اصبح الزمن (انسانيا) على حد تعبير بول ريكور، والذي فتح الاسئلة والامنيات داخل النص، والتي هي مولدة للمعاني والدلالات، لتربط بين النص وخارجه على اعتبار انه واجهة تخفي تلك الدلالات التي حاول اظهارها والاخرى التي عززتها الشبكة الدلالية التي رسمها النص (الرؤوس المشوشة تمتلئ بالهواجس والاوهام ... سكون حذر يعم الحشد الهائل..الاذان متحفزة ..القصص والحكايات تغزو الرؤوس كما تضرب النار الهشيم)، (اجبرنا اطفالنا وزوجاتنا بعد تناول الغداء على مشاهدة الطائر الغريب..حيث يحظى من يراه بسعادة دائمة..لن تطاله الشرور والنكبات وسيصحو يوما وبين يديه كل امانيه واحلامه المؤجلة).

الأربعاء، مارس 18، 2009

مقترح قرائي لنص (ومضات) للشاعرة ضحى بوترعة

أمجد نجم الزيدي

الذات / الكون
نص الكتابة / نص القراءة


عندما تتشظى الدلالات في مدار الشعر، يكون الانسان مجبرا على لم وجوده في خيط دلالي يتمحور حول الذات، ذات الانسان/القارئ الذي يجيء في غفلة من زمن الكتابة، ليوطن له زمنا اخر هو الزمن القرائي، اي الذات القارئة التي تتشقق بهدوء لينساب دم القصيدة بين ثناياها محيلة الذات الى مستودع يجمع تداعيات النص، الذي أسس على مديين هما مدى الكتابة المقترن بالكاتب في لحظة زمنية مفارقة أدت الى انتاج النص، والقارئ الذي اعاد انتاجه برؤية جديدة منطلقا من القاعدة الاساسية لتشكيل وعيه وهي الذات، ثم لينفتح حول العالم بدلالاته الكونية، لمحاولة فك الارتباط المبهم بين الانسان الكاتب و الانسان القارئ والعالم.
بيد ان السؤال الذي ربما يعري قناعاتنا المماحكة، هو كيف تتجسد تلك الروح الكونية بعبارات ارضية، ربما تبدو طارئة في ذهن كاتبها ومتمردة في ذهن القارئ. الأجابة ربما تكون متسرعة وغير مضبوطة ان استسلمنا الى الايقاع الرتيب لعلاقات الحضور والترادف والتوازي المباشر بين دلالات النص، واغفلنا تلك الروحية التي تعتمل خلف تلك الدلالات.
نص (ومضات) للشاعرة ضحى بوترعة، بعناوينه الفرعية او بومضاته الثلاث، يضعنا بمواجهة النص ككائن كتابي، اكتسب وجوده الزمني منذ لحظة الكتابة، ليدخل فضاءا زمنيا ودلاليا جديدا هو فضاء القراءة، فالومضة الاولى:

بعد ان اتم واجباته اتجاه الكون اقتنى حديقة ووضعها في الغرفة معه واغلق الباب والنافذة.
.......سيكون الورد أجمل يد تخنق الأكسجين
.......تمدد في فراشه واغمض نبضه.

نرى بان العلاقات الكتابية بين المفردات علاقة سردية، أو هي علاقة سبب ونتيجة، تتجه اتجاها محددا مستقيما يبدأ من نقطة زمنية، اختصرت الزمن السردي ، لينتهي بفعل الاغلاق، أي انهاء ايقاع الافعال السردية، وهي علاقة ناجحة ومرنة بين هذه المفردات وارتباطاتها الدلالية الوظيفية، ولكن لو حملنا نص القراءة ووضعناه في مواجهة النص الكتابي الاولي، لأكتشفنا تلك الصلة الخفية التي تربط بين تلك الدلالات، لتصنع لها جسرا يعبر بالدلالة العامة للمتن القرائي الى فضاء اوسع، وان كان يرتبط بالمتن الكتابي الاولي بعلاقة وجودية افتراضية تأسست من قبل مفردات النص وتمثلاتها ومرجعياتها.
فلو قرأنا هذا الاقتباس من المقطع السابق [ بعد ان اتم واجباته اتجاه الكون اقتنى حديقة ووضعها في الغرفة معه واغلق الباب والنافذة] لرأينا بأن هذا المقطع يؤسس وجوده على أربع ضربات تمحورت حول الافعال(أتم – اقتنى – وضع –أغلق) لفت في زمنية أبتدأت من نقطة مموهة ممتدة في الزمن الماضي، بالاختزال الذي أدته (بعد) داخل المقطع ، لينتهي بالضربة الرابعة وهي فعل الاغلاق، وما نكتشفه من هذه العلاقة مابين مجمل زمنية النص وزمنية الافعال ذات التراتبية المنطقية، بأن هذه الزمنية منقسمة الى قسمين يرتبطان بالدلالة المركبة التي جمعت بين الكون والذات المتموضعة حول نفسها –والتي ستظهر لنا في نهاية النص- ليست علاقة انفتاحية تواشجية بل علاقة استقلالية، إذ يقف كليهما بمواجهة الاخر بعلاقة ندية، تظهر على سطح القراءة من خلال (بعد) المحور والمحرك الزمني داخل المقطع، اذ انها تفصل بين الزمنين، زمن مضى مرتبط بالكون، وزمن اخر مرتبط بالذات الانسانية المتوحدة، وقد تعزز ذلك الانفصام بعبارة ( بعد ان أتم) وايضا التوحد (وضعها في غرفة معه) وايضا (اغلق الباب والنافذة).
أما قول الشاعرة (......سيكون الورد أجمل يد تخنق الأكسجين) نرى بأن الكفة المتوازنة في المقطع الاول جاءت لتختل في هذا المقطع، اذ يقف احد طرفي المعادلة الاولى في المتن الكتابي للمقطع مستحوذا على مجمل المقطع فارضا سلطانه وناشرا دلالاته التي تقود اليه فقط، من خلال الدلالات الكونية المأخوذة من الطبيعة وهي (الورد و الاكسجين)، وكذلك (يد) على اعتبار ان الانسان هو جزء من الكون، وقد جاءت (يد) نكرة غير معرفة، أي ان لها صفة اطلاقية غير مرتبطة بذات محددة وانما هي رمز للأنسان أحد عناصر الكون، وان اطلقت هذه الدلالة على نحو تجسيمي للورد، بيد انها تحتفظ بمرجعياتها الكتابية. يأتي المتن القرائي ليعيد تنظيم تلك الدلالات وبناء النص على نفس الحوارية بين الذات والكون من خلال اكتشاف تلك الصلة الخفية بينهما، والتي اختزلها النص بأن غيب الذات ومموها اياها من خلال النقاط التي ابتدأ بها المقطع والتي تشير الى متن كتابي ممحي، اراد النص ان يسكت عنه، أو ان يحيله الى نص القراءة ليكون خلفية تنظم الايقاع الذي بني من قبل المقطع الذي سبقه.
أما من حيث البناء الزمني، فالزمن الذي رسمه نص الكتابة في المقطع الاول وأوحاه نص القراءة، قائم على زمنين مستقلين لقطبي النص كان الاول وهو الزمن المرتبط بدلالة الكون هو القاعدة، التي انطلق منها الثاني بالعلاقة مابين الافعال الماضية والمضارعة، اذ كان الفعل الماضي وهو الذي يعطي ايحاء التأسيس في متن القراءة (بعد ان اتم) هو القاعدة لأنطلاق الأفعال المضارعة التي أتت بعده وهي افعال أرتبطت بالدلالة الثانية، أو القطب الثاني للنص، بينما هذا المقطع وفي متنه الكتابي استند على زمنية المستقبل الممثل بـ(سيكون)، أما نص القراءة فأنه يحيلنا الى ان هناك زمن مفقود أو مسكوت عنه حاول النص ان يموهه، مرتبط بالدلالة الثانية وهي (الذات)، التي استعيض عنها بالنقاط أو الفراغ في النص الكتابي، وهذا الزمن هو زمن التأسيس لهذا المقطع على اعتبار ان هناك علاقة سببية ربما يوحي بها نص القراءة، من خلال (سيكون)التي توحي بنتيجة الى سبب يبرز في المتن الاخر المموه، وهو متن النقاط أو الذات المموهة، أي انه يقف بالعكس من الذي سبقه، بأن أصبحت زمنية الذات هي القاعدة لأنطلاق زمنية الاخر المستقبل.
ويأتي المقطع الذي بعده [.......تمدد في فراشه واغمض نبضه] ليعكس المعادلة مرة ثانية في المتنين القرائي والكتابي، بأن أخذت كلا الدلالتين مكان الاخرى، أي ان الدلالة الكونية تحتل الفراغ الكتابي الممثل بالنقاط، ودلالة الذات التي تأخذ مدى مستندة في متنها الكتابي على زمن مضارع وهو (تمدد)، بيد أنها في المتن القرائي تستند على الدلالة الزمنية الغائبة للزمن الكوني المرتبط بالفراغ.
أما في الومضة الثانية (عشق صوفي):

يناولني الضوء غرور النوم
ويرتبك الجسد في فوضى الطين
الماء..........والعشب.........يفصل مابيننا الحلم
كنت التي ضج دمها بوصايا العشق في الديانات القديمة
لا........لم اهرع فيك..........غير اني انضج جمرا في طرف قميصك
لا..........لم أقتف أثرك
غير اني تقاسمت مع الارصفة ظلم الاقدام

فنلاحظ بأن ذلك العقد القائم مابين المتنين الكتابي والقرائي، في المقطع أو الومضة السابقة والذي هو عقد زماني، نراه الان في هذا الجزء من النص يتلون أو يتلبس لبوسا اخر، اذ يأخذان هذان المتنان حالة من التماهي مابين الذات والكون، اذ لو أخذنا [يناولني الضوء غرور النوم] للاحظنا الصلة الكتابية مابين (الضوء و النوم)وهي صلة سببية قائمة على الارتباط الذي يخلقه الفعل (يناولني) والصفة (غرور)، أما المتن القرائي فيقترح حالة التضاد، والتي لايظهرها المتن الكتابي، وما يعطي المتن القرائي مبرره في أن يقترح حالة التضاد تلك، هي نفس الصلة التي أوجده المتن الكتابي الاولي، وهي الفعل (يناولني) والصفة (غرور) وايضا تتكشف لنا عندما نربط تلك الدلالات بمرجعياتها حيث الضوء معطى كوني، بينما النوم معطى انساني ذاتوي، تعمقه صفة (غرور) التي اراها صفة تقف بالضد من تسلط الضوء؟، الذي يوحي بالاستيقاظ على دلالة (النوم) المعاكسة.
أما في [ويرتبك الجسد في فوضى الطين] فالنص الكتابي يرينا حالة التداخل مابين طرفي المقطع القائمين على (الجسد – الطين)من خلال حرف الجر (في)، بيد ان المتن الاخر وهو المتن القرائي يقترح علينا ايقاعا اخر للدلالات، بعدما كانت بالمقاطع السابقة متوزعا مابين نقطتين هما (الذات) و (الكون)، نراه في هذا المقطع يدمج كلا الطرفين في كيان دلالي واحد وهو الفضاء الكوني، حيث أن الجسد والطين هما معطيان كونيان، وايضا ما يوحيان به، أو ما يقدمانه كدلالة قرائية حيث الارتباط مع السر الكوني لولادة الذات الانسانية، وهي العلاقة مابين الجسد والطين، تناصا مع الحكاية الدينية للخلق، وكذلك ارتباطه بـ(الماء – العشب).
أما في الومضة الثالثة والاخيرة وهي ( عندما يسقط القلب):

القلب سلم في الريح
............ريعان الفجيعة
القلب يغريه تحرك الرمل
......في يديك
القلب مصيدة العائدين من انكساراته
القلب هو ان اقفل القلب.

فنلاحظ بأن المتن الكتابي لهذا المقطع، يقوم على علاقة تقابل بين الطرفين الذين اجترحناهما كمقولتين للنص وهما (الذات) و (الكون)، اما المتن القرائي فيقترح رأيا مفارقا لما اظهرته المقاطع السابقة، حيث يتداخل الطرفين، إذ تقوم الذات متمثلة بـ(القلب) بالاندماج بالكوني ممثلا بالريح، ويأخذ هذا التداخل نفس الوتيرة في العبارة التي تليه [القلب يغريه تحرك الرمل]، ولكن ما يثير في هذا المقطع وبعد ان تعددت ايقاعات النص بصعود الذات ونزولها في مواجهة الكون، نرى النص يختم مقولته انطلاقا من نفس المصدر بقول الشاعرة [القلب هو أن اقفل القلب]، أي ان هذه الخاتمة تعلن بأن الذات لتأخذ هويتها الذاتوية تكون متجهة الى نفسها بحالة من التوحد وليس الانفتاح على الفضاء الاخر/الكوني الذي اغفلت في هذه الخاتمة أي اشارة اليه..
هذه محاولة بسيطة بأقتراح متن قرائي ربما يلقي الضوء على بعض ما عن لي وانا اقرأ نص (ومضات) للشاعرة المبدعة ضحى بوترعة، واتمنى ان اكون قد وفقت في الوقوف على اعتاب النص ومحاولة استقراء بناه الجمالية، ولي وقفات اخرى مع نصوص المبدعة بوترعة في قابل الايام انشاء الله.

amjednjem@yahoo.com

الأربعاء، أكتوبر 03، 2007

فليحة حسن واختزال التجربة الانسانية

امجد نجم الزيدي
نص العربة للشاعرة فليحة حسن، يقودنا الى تقصي البناء الذي يقوم عليه، بالربط بين الصورة الذهنية التي تتولد بالقراءة ، والصورة المجازية التي تعلن عن نفسها ان نحن عدنا بالنص وربطنا كل المدلولات التي يطرحها بالمرجعيات المحتملة، اذ ان دلالة العنوان (العربة) يعطي اشارة بدئية تأخذنا الى داخل النص الذي يجاري تلك الدلالة، بيد انها تفترق عن المدلول المجرد للعنوان عندما يأخذ النص بالميلان ليس نحو الدلالة البدئية ( العربة) والتي هي ايضا الصورة الذهنية المهيمنة:
اعتلينا العربة
وحده الحوذي
صار يصغي لوقع خساراتنا
وانما يتجه الى تفعيل الجانب الاخر من دلالتها الرمزية. وما يحرض على ترك الدلالة الاولى هو قول الشاعرة:
لم يكن الحوذي نحيلا
ولا الحصان،
ولا رؤوسنا
فقط
كان افق العربة نحيلا؛
والذي يثير السؤال عن ما هو افق العربة، والذي ربما لن يظهر الا ان نحن تقصيناه في ضوء تلك الدلالة وبمدى مفارقته لها، ولنصنع مرتسما بسيطا للنص في ضوء هاتين الدلالتين اي الصورة الذهنية للعربة والافق المقترح ، فدلالات النص التي تقع تحت الاولى هي الفعل( اعتلينا) ، (الحوذي)، (الدرب) و(الحصان) ، اما افق العربة فيرتبط بالدلالات ( وقع خساراتنا)، (سرادق اعمارنا)، ( احزاننا)، ( الخمول) ،(التلاشي) و (نحيلا)، فالدلالات الاولى مرتبطة بالعربة وصورتها الذهنية اي التشكيل المجسم للعربة كوسيلة نقل ،اما الاخريات فهي غير مرتبطة ارتباطا فعليا بالعربة كوسيلة نقل، وانما هي مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالركاب الذين هم داخل العربة، والذين يمثلون افقها لانهم هم الذين يسيرونها ليس بالتسيير الفعلي الذي هو واجب الحوذي بل لان الوجهة التي تقصدها العربة مبنية على ارادتهم بالوصول، والذي هو واجب العربة كوسيلة نقل، اذا هذه الدلالات تمثل افق العربة الذي يسيرها.
ان استخدام الشاعرة للعربة في نصها اخرجها من محدوديتها التداولية كوسيلة نقل بين مكانيين هما مكان الصعود ومكان النزول، الى العربة كمفهوم يختزل التجربة الانسانية، حيث تتجسد هذه التجربة في انها تمظهر لأفق العربة والذي ارتبط بالدلالات السالفة والتي هي دلالات تمثل تجربة انسانية.
ومما يثير التساؤل في هذا النص هو البيت الاول
هكذا
ومثل رجل ادمن خيباته
اعتلينا العربة
حيث ان ( هكذا) في بداية النص تشير الى ان النص بكاملة عبارة عن تقديم تجربة معينه وتدويرها كتجربة انسانية عامة، بيد ان الشاعرة قد قرنت هذه التجربة ب/رجل ادمن خيباته/ ولو ابقت الشاعرة على هذه الفردية الذكورية المقترنة بالرجل لأصبح النص يسير في اتجاه واحد والى وجه واحدة بيد انها اكملت النص بصيغة الجمع /اعتلينا العربة/، وهذا التوظيف ربما يكون اكثر عمق ودلالة، وهذا البيت يرينا ايضا بأن الشاعرة قد اختزلت هذه التجربة بالرجل وكأنها انعكاس له / ومثل رجل ادمن خيباته/ تأتي التجربة، ونسيت بأن الطرف الاخر المختبئ او المختبؤن خلف / اعتلينا/ ، / خساراتنا /،/ سرادق اعمارنا/،/ احزاننا/،و/منتصرين/، مشارك او مشاركون في هذه التجربة / افق العربة/.

الخميس، سبتمبر 20، 2007

انشطارات النص والوحدة الدلالية


امجد نجم الزيدي
للقصة كبنية سردية القدرة على مزج بنيتين متغايرتين من حيث المرجعيات و الجنس الكتابي الذي تنتميان له، بألية تناصية تنحو بالنص الى اعادة تشكيل محفزاته القرائية، بتفاعل البنى الدلالية لهما والبنية الخطابية التي يقدم بها ( انا النص ) نفسه كراوية حاضر ( بضمير المتكلم ) والتي قد تضفي بناءا نفسيا خاصا ، يؤثر ويتأثر بالبنية العلائقية والشكلية العامة للنص ، فلكل نص متناص مع موضوعة معرفية( تاريخية، ميثولوجية.... أو غيرها ) بنى دلالية تنعقد بينها وبين تلك الموضوعة اواصر خاصة لتبقيه يدور في فلكها ، ترسم المتن القرائي الذي يقترحه التواتر المتواصل بين هذه البنى المتناصة، بألية قرائية ادراكية ، تستند الى المدى المعرفي للذات المتلقية، وبأندماج هذه البنى تعطي بنية جديدة مغايرة تظهر البنية العلائقية والشكلانية التي تجسد قالب الخطاب الدلالي العام، بعد ان ارتبطت تلكم البنيتين في بنية خطابية جديدة الا وهي البنية القرائية المقترحة .
ولقراءة نص ( انا.. على رقعة الشطرنج) للقاصة ازهار علي حسين، يجب اظهار البنية العلائقية والشكلانية التي تتجسد من خلال انشطار البنى الدلالية، والتي هي اولاٌ: رقعة الشطرنج والتي هي فضاءين منشطرين /لأحدهما الاحجار السوداء وللاخر البيضاء /، ثانيا: الشخصية الرئيسية المنشطرة الى ذات حاضرة ومنعكسة بالمرآة / شاطرة نفسي نصفين عدوين /، والانشطار الجسدي /مقسمة يدي بينهما / ، والانشطار الروحي / العب بروحين عدائيين /، ثالثا: الشخصية الميثولوجية ( آمو) /اتهيأ ليلة بهيئة رجل لأذهب الى حبيبتي المرآة وأذهب بأخرى بأمرآة الى حبيبي الرجل/، رابعا: انشطار النص الى فضاءين احدهما فنطازي والاخر ميثولوجي.
لو قرأنا النص بتمعن، سنجد ان النص يعيد لم شتات انشطاراته ويدخل في هارمونية تعطيه بنية دلالية متماسكة، تندمج فيها انصاف الانشطارات، بادئة بالشخصية الرئيسية /شعور بالامتلاء بنشوة النصر على النفس بما يعطيني قوة ألم بها شتات انصافي /، / اسمر عيني في عيني مركزة ذاتي / وايضاٌ لَم انشطار الشخصية الميثولوجية من خلال توحدها داخل حجر الشطرنج / قرر حبسي بحجر الشطرنج /، ويتم توحيد شطري النص بواسطة الانتقال من الفنطازيا الى الميثولوجية بأسطرت الواقع الفنطازي عند اندماج الشخصيتين الرئيسية (انا النص ) والميثولوجية ، في الناحية الذاتية / ارى صورة تشبه صورتي وبنظرة غير نظرتي وكلام غير كلامي وحركة غير حركتي/، والروحية / لم تجد لها مستقرا اروع من روحك لتكوني انت انا، وانا انت / ، والجسدية /تدخل جسدي مديرة فيه الدماء /.
والنص وهو يوحد بين الانشطارات ــ البنى الجزئية داخل بنيته الكلية ـــ يسعى الى تمرير ثيمته الرئيسية والتي هي ثيمة هروبية انفصامية يقوم عليها المستوى التأويلي، تنتج من حالة الشعور بالوحدة النفسية والاجتماعية / اجد فيها ذاتي المتهمة بالجنون من الناس /، / يجنبني مرارة الخسارة التي لا استطيع التفكير فيها حتى امام نفسي /، وايضا / بأنشطارك الغريب عن البشر / ، لذلك فأن هذه الوحدة تفرض على ( انا النص ) ان تسعى الى التخلص من واقعها النفسي والاجتماعي بالهروب والانفصام الى واقع افتراضي مغاير عن الواقع الحقيقي، اذ ان هذه الانشطارات هي عبارة عن انشطار العالم الحقيقي الى عالم هروبي واخر انفصامي، وايضا عدم استطاعة ( انا النص) من المفاضلة بين الابقاء على عالمها المنشطر أو الهروب الى الوجود المتوحد داخل حجر الشطرنج / التعرف على الماضي احب لك من الحرية فأختاري ان تكوني سجينة أو ابقى معك نلعب الشطرنج /، / وكان علي الاختيار/ .

منتدى الشطرة الابداعي

الثلاثاء، أغسطس 28، 2007

القصة القصيرة في متنها التشكيلي


امجد نجم الزيدي

استنطاق العمق السردي للّّّّّّّوحة

هناك الكثير من الفنانين من يستعين بالكتابة في رسوماته ومنهم من يجعل لرسوماته دورا ساندا للكتابة بالاستفادة من بنية البياض لورقة النص الكتابي، حيث يعتبر هذا البياض جزءا مكملا ومتمما للنص في الطروحات القدية الحديثة كما في الرسومات التي ترافق النصوص الابداعية، وقد ظهرت هذه الرسومات قديما –كما في رسومات الواسطي لمقامات الحريري- اي ان هناك علاقة تواشج بين النص الكتابي وبخاصة الادبي والرسم، لذلك فقد توظف الكتابة في الرسم او من جانب اخرممكن ان يوظف الرسم في النصوص الادبية ليس من خلال استخدام الخطوط والألوان وانما من خلال استيحاء الرسم من النص الادبي، كما في القصائد التي تكتب عن الاعمال الفنية، والتي قد اورد الكثير منها الدكتور عبد الغفار مكاوي في كتابه القيم(قصيدة وصورة)*، فكلاهما – اي الكتابة الادبية والرسم- تعتمدان على اعمال الابداع واجتراح عوالم جمالية بالاعتماد على الامكانيات الايحائية لكلا الفنين بوسائلهما واشتراطات ادواتهما الابداعية المختلفة، تقول (سوزان لانجر) لايمكن" ان نغفل الثمار التي جناها الادب والفن التشكيلي من التجاوب الروحي والعملي بينهما، ولا شك في اننا مهما ميزنا الفنون بعضها عن بعض وابرزنا الفروق البنيوية التي تجعلها تعبر عن عوالم مختلفة بوسائل مختلفة فأن الوظيفة الرمزية واحدة في كل انواع التعبير الفني"**.
ان علاقة التوازي والتداخل بين الفنون الابداعية تعطي النص قواما اشكاليا بتمازج بنيتين متضاربتين في ادواتهما وتقنية عمل كل منهما، اذ ان توظيف اللوحة التشكيلية داخل النص الادبي وبخاصة القصصي يأخذ في اكثر الاحيان مداه معتمدا على الية الوصف والدخول في حوار مكاشفة ومقارنة واستنطاق للوحة التشكيلية، اذ ان النص القصصي سيمثل اللوحة بما تحمله من ايحائية واشارات تشترك بها مع النص، اذ ستؤثر تأثيرا مباشرا في تنقلات القاص داخل نصه، ان حجم تأثير اللوحة يكون من خلال توزيع الكتل اللونية والخطوط وعلاقتها بدلالة اللوحة بالمقابل مع النص وارتباطه بتلك الدلالة.
نص( اللوحة) للقاص وجدان عبد العزيز، المنشور في جريدة طريق الشعب العدد(209)، تعامل مع اللوحة التشكيلية بأشتراطاتها، حيث قام ببناء نصه على حوار متقابل بين اللوحة وثيمة النص من خلال عقد مقارنة بين متنيهما المختلفين والمتمايزين، فمتن اللوحة يظهر ك/خطوط مستقيمة..متوازية..متعامدة..متقاطعة، تشكل ضلالا من الزرقة المتقرحة على كفبه/ ، بينما يظهر المتن الاخر للنص/الوجوه الغريبة ذوات السحنة السمراء وخطوط غير بائنة من التعب تميل نحو الوان البرونز والرصاصي/، حيث يقوم القاص باستكشاف مجاهيل اللوحة من خلال اعادة قراءتها وباسقاطها على الثيمة بتحري خطوط الظلام والضوء وتجسدهما داخل النص/القلوب المرتجفة في لجة خطوط الظلمة/، وعلاقتها الحوارية ببنية الخطاب التي تجمع كلا المتنين، حيث اصبح السرد عبارة عن منلوج داخلي تردده اللوحة، باعطاءخطوطها والوانها ذلك العمق السردي/كل هذه الاشياء قد تخلق حالات اضافية عن روحه المعلقة بين متاهات الظنون وبحر المسافات التي لا تشكلها اي انواع من الخطوط المتوازية او المتعامدة/ ، والمقترن بالحاجة التي ادتها اللوحة داخل النص ومدى انسجامها وتوحدها مع الثيمة /نحو الخطوط المستقيمة تلك التي توصلني الى حدود والوان الطيف الشمسي لأجعل من الابيض لباسي المحبب(...) بيد ان الخطوط تتوازى وتتعامد وتتقاطع وحينما تكون هكذا، تبدأ حدود الرؤيا تضيع منه/.
قام القاص (وجدان عبد العزيز) بالتقاط العلاقات الدلالية والاشارية التي مكنته من توظيف اللوحة داخل نصه ، وتقدير مدى ارتباطها بالثيمة، حيث ان زاوية نظره للوحة كشفت مقدرته على قراءتها وتأويلها وسردنتها، بما يتلائم مع نصه واتجاه الرؤية فيه ، فحساسية التلقي التي تلقى بها القاص اللوحة انعكست في تعامله مع النص من خلال اعادته لبناء المعطيات الايحائية للوحة بصورة ادت الى اعادة بنائها سرديا من وجهة نظر جديدة استفادت من خلفيتها السسيودينية.
تتعامل اللوحة التشكيلية مع الالوان والخطوط كخطاب دلالي يحمل بين طياته الاثر الجمالي، وتتعامل الكتابة الابداعية ومنها القصصية بالكلمات ليست بصيغتها الشكلية طبعا، وانما بدلالتها وقيمتها داخل الجملة التي تخضع الى لاشتراطات اللغة الادبية، ان اضاءة ثريا النص ( اللوحة) لمدخل النص ترينا انه افتتح بالمبتنى الشكلي واللوني للوحة /خطوط مستقيمة.. متوازية.. متعامدة.. متقاطعة تشكل ظلالا من الزرقة المتقرحة على كفيه/، وهذ المدخل يرمينا في لجة اضطراب العلاقة الدلالية الموتورة ما بين تلك الخطوط المتوازية والمتعامدة وبين/ الجسد المسجى / الذي يمثل البؤرة التي تتجمع وتنطلق وتنطلق منها الخطوط والالوان وايحاءية اللوحة واشارتها، لتصبح كل العلاقات التي يوجدها النص بينه وبين اللوحة وتركزها على / الجسد المسجى / جسرا تعبر عليه دلالة الالم المتقابلة ما بين اللوحة وارتباطها بآلام السيد المسيح وبين الالام التي يبثها النص / ابنتي تتلوى من ألم حاد / وهاتين الصورتين تنمزجان في صورة واحدة او لوحة واحدة يجسدها النص عندما تتداخل الالوان والخطوط وارتباطاتها السالفة بمركز اللوحة وهو / الجسد المسجى / = / السيد المسيح / مع اختلاج افكار ( انا النص) وقلقه وظنونه /اختلاج افكاره حينما تتلاطم والساعات الاخيرة من الليل / ، /القلق المتزايد من صعودها والجسد معا /، محاولا التخلص من هذا الاضطراب باللجوء الى الوان اللوحة وخطوطها وايحائيتها / يا يسوع المسيح خذ بيدي / ، بيد انه يغرق في لجة / الخطوط المتوازية والمتعامدة / وتقوده ظنونه الى المقابلة بين حالته وخوفه من فقدان ابنته واللوحة التي تصور السيد المسيح وصعود روحه الى السماء / ان القلق المتزايد عن صعودها والجسد معا، خلقت هوة سحيقة في علياء فردوسه/ .
اراد نص(اللوحة) من خلال حركية ( انا النص ) واضطراب افكاره ان يعكس ايحائية اللوحة، واقامة بنية تشكيلية تصويرية مقابلة لها، حيث رسم القاص خطوطا واشكالا ووزع كتلا لونية، من خلال استخدامه للوصف كفرشاة يلون بها ثغرات خطابه القصصي المتماهي مع اللوحة التشكيلية / اثواب رثة وأرجل شبه حافية، تبتلع هذه الاشكال ذهنيته ليكون الجوع شهية لعينه تحترق في مسافاتها رغبات عديدة تتقلطع في كثير منها مع خطوط الرحمة والحب /.
ان القاص وجدان عبد العزيز قد سار في سياقات متقاربة ابداعيا، متعارضة من حيث الخامات المستخدمة، باندماج جنسين ابداعيين متغايرين –هما جنس القصة القصيرة والفن التشكيلي الممثل بالرسم- حيث اشتغل القاص بادواته السردية في منطقة التشكيل وانتج لوحة مقابلة للوحة التي استوحاها نصه باثا فيها لغته القصصية التي استنفذت اللون وانعكاساته والخطوط وتشكيلاتها ، الضوء والظلام وتجسيدهما للعمق الانساني في اللوحة والنص.


*قصيدة وصورة- د. عبد الغفار مكاوي ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب ، الكويت 1987
**نفس المصدر ، ص20

الجمعة، أغسطس 24، 2007

قراءة في نص (الستون) للقاص محمد خضير


أمجد نجم الزيدي

يندفع نص(الستون) للقاص المبدع محمد خضير من خلال بوابة تقع عند مفترق طرق حيث تنتصب الستون كمرموز إلى نهاية مرحلة تقف خلفها مرحلة أخرى غامضة، غموض المصير الذي تؤل إليه الساعة المتوقفة في نص (الستون)، دائما تكون الستون بداية أو نهاية أو بيوت استوطنها الوجود الملغز، تحاول أن تصلها الرسائل لفك طوالعها وتشفيراتها المرتبطة بالتاريخ الألفي/أخربش أحلامهم وأشيعهم حتى المنزل الستين من منازل البريد اللانهائي، أتهجى اسم المنزل من فرجة الميزان، وقرني الجدي, وفكي السرطان/، وتظهرمن خلال الزمنية التي توجدها العلاقة الفريدة بين شجرة الجميزة والمقهى المقابل من دائرة البريد وساعتها، إذ إن الزمنية التي يقودنا إليها العنوان منذ البدء وهي (الستون) تربط بين مرموزات النص بعلاقة تنافذية ، إذ تنفذ كل واحدة منها من خلال الأخرى داخل هذه الزمنية / جرس الدراجة المرنان يحت أوراق الجميزة في ظهيرة شباط الباردة، وفئران الساعة تقرض طوالعي المكتوبة على الاصفرار الفاقع للأوراق المتساقطة ، خربشة أيامي المتعرجة سنواتي الستون، أطاح بها جرس الدراجة المصلصل، فيما اسفح يومي على تخت المقهى بمواجهة الساعة العمومية لدائرة البريد/،/ أني رجل الستين أوجه رسالتي إلى رجل الستين الذي سيحتل مكاني على تخت المقهى أمام دائرة البريد/.
إن نص (الستون) يأخذ منحى استكشافي، أو هو غيب يحاول أن يتجسد في أوراق الحظ، أو يتمثل تلك الدائرة الكونية المتجاوزة والتي تصور دائرية الزمن، وهو الذي تظهره الستون كمرتكز أو بؤرة زمنية تقف عند حدودها المتغيرات، إذ تبدأ بعدها مرحلة غامضة، لا يمكن أن يستوعبها الحس السكوني، حيث يأخذ النص تلك الحركية التي تستمر وتمضي في دائرية يلظمها ايضا ايقاع واحد هو نفس البؤرة التي جمعت كل مقتنيات النص من مكان وحدث وشخصيات، وتمثلات الصورة التي يرسمها القاص تقف ظلا خفيفا ضبابيا خلف تشكلات الذات ل(انا النص) ورغم كل هذه الملابسات التي ينثرها النص، تقف (الستون) النص/ الزمن نافذة تربط كل المفردات المتجسدة او المختفية في النص، المختفية خلف اقنعة تضمرفعل التماهي الدلالي بين البؤرة وهي (الستون) وارتباطها السكوني الاول مع المقهى وشجرة الجميزة/تضلل الجميزة تخوت المقهى الامامية، وتريق الشمس لعابها الصافي على ورقاتها الخضر الزاهية(...) ورقات الاعوام الستين/،/أفي اليوم الذي غرست الجميزة في موقعها امام دائرة البريد، قبل ستين عاما/، والثاني الحركي المرتبط بالرسائل وساعي البريد/أراسلهم من موقعي الى جانب الرقعة الضليلة /،/قرأ هؤلاء السعاة نبأ رحلتهم الأخيرة الى ما وراء الالفية الثالثة، غابوا في الضباب/،/تجتاز عربة البريد السريعة منازل اخرى في بلاد الوحدة الضبابية/، والدوران في فلك اللامتوقع والغيبي الذي يحمله سعاة البريد، واكدته الساعة المتوقفة في منتصف النهار الفاصلة بين الصباح والمساء وارتباطها بالستين الفاصلة بين الوجود والغيب/توقفت تروسها عن الحركة في منتصف النهار (...) في الوقت المضبوط الذي كف عنده قلب الساعتي عن الخفقان/،/ قبل دقائق قليلة من انتصاف النهار، قرأ الساعاتي خربشة طالعه في صحيفة الصباح، فأمتطى عربته واجتاز بوابة المنزل الستين/، فالنص الذي يقدم تلك الرؤية الافقية للزمن من خلال السنوات الستين الممتدة/قبل ستين عاما؟/ يوقف جريانه الزمني عند هذه النقطة ليبدأ فعل اللازمن الذي يحاول النص صده/ارسلت الى رجل ستيني طالعه قبل دقائق من موافاة اجله/، ولكن يبقى فعل الغيب الملغز هو المسيطر على المتن الاخر، ما وراء نقطة الستين الفاصلة/ في اي نهار سيدور ظل الجميزة وينجرف الى بالوعة المقهى رنين قطعة النقود فوق طبق القهوجي النحاسي، فيبتلع الحوت اسمي في جوفه الصامت/.
نص(الستون) للقاص محمد خضير، يحاول الربط بين متنين متغايرين؛ الاول واضح يعتمد على الايقاع التنافذي بين(انا النص ) والمحيط كما اسلفنا، والمتن الاخر غامض ضبابي يفتح (انا النص) اليه الابواب من خلال الابراج والطالع، ويظهر ايضا من خلال التناص مع القصص الديني، بالربط بين شجرة الجميزة وشجرة المنتهى في الاسراء والمعراج/فئران الساعة تقرض طوالعي المكتوبة على الاصفرار الفاقع للاوراق المتساقطة/، وايضا الارتباط الغير مباشر بين ساعي البريد وملك الموت المرسل من الله سبحانه وتعالى برسالة الموت، التي تنقل الانسان من متن الوجود الى متن الغيب. وما يربط بين هذين المتنين المتغايرين هو مفردة العنوان(الستون) البوابة التي تفصل بينهما بين الوجود والغيب/الحياة والموت، /اخربش احلامهم واشيعهم حتى المنزل الستين من منازل البريد اللانهائية/.
النص من حيث البناء السردي، يقوم على سرد ذاتي يدمج بين افعال الاستذكار والوصف والتقرير /انا محرر باب الابراج في صحيفة محلية/ ويأخذ النص بالانثيال بين هذه الافعال السردية بسرد منلوجي، ولكن مايوقفها هو الكلام المباشر في /اعود الى ساعي البريد/، وهذا حسب رأيي قطع او اخلال في اسلوب السرد الذي انتهجه القاص منذ البدء، ويبدوا ان القاص قد نسي في هذا الموقع بالتحديد، بأنه قد قدم لنا صورة ساعي البريد المنعكسة وليست الاصلية، فساعي البريد لم يظهر بصورته الحقيقية الظاهرية السطحية، أو كصوت مشارك في بناء النص ، وانما ظهر كصورة منعكسة مرتبطة بدلالات جردت ساعي البريد من خصوصيته الوجودية الى خصوصية اخرى مرتبطة بدلالة الفعل الرمزي، وليس الفعل الوجودي الواقعي، ولكن البناء السردي بعيدا عن هذا ، لم يكن سردا تقليديا محايدا وانما عزز قطبي النص وهما الوجود/ الغيب، فمع الاول كان سردا ذاتيا استخدم الوصف، ليعزز سكونية الفعل الوجودي المترقب/أنا رجل اسفح يومي على تخت المقهى الامامي، اتشمس بعيدا عن ظل الجميزة الوارف، مواجها دائرة البريد، ساعة الدائرة الكبيرة تشير الى الثانية بعد فوات الظهر، موعد عودة ساعي البريد الى الدائرة/، اما في القطب الاخر ؛ فقد اخذ السرد بالتماهي باللازمني، محاولا تعميق الضبابية والتلغيز المرتبط بفعل الغيب/انغمس الساعي، وامثاله من الساعين بين الالفيات، في الاحواض الدافئة، ومددوا سيقانهم على حافات الاحواض، في الضباب، وفي يد كل واحد منهم صحيفة بلاستيكية يطالع فيها طوالع اعوامه الستون/..

الجمعة، أغسطس 17، 2007

القصة القصيرة وزمكانية السرد


امجد نجم الزيدي

ان الكتابة القصصية المنظوية تحت عباءة مدارس ما بعد البنيوية والقائمة على معطيات ابستملوجية مفارقة تجعل النص القصصي محايثا ومنزاحا عن الخطوط القارة لكسر المسلمات المعرفية أي كسر أفق الانتظار للمتلقي وتوسيع دائرة القراءة ورفض الترجيع الارسطي واعادة كتابة النص برؤية تدعو إلى مشاركة تامة للمتلقي في حل العلاقات الدلالية حيث إن التقعيد التقليدي القديم بالمحافظة على الشكل الموضوعي للزمان والمكان رفضته الكتابة الحديثة وتمردت عليه بدعوى عدم التقيد بأسس قارة في كتابة أي نص والانفتاح على التداخل ألا جناسي ان صح التعبير أي توطين منطقة وسطى بين الأجناس الأدبية والاستفادة من الشعرية والتلاعب الشكلي والتخلص من مركزية السرد وغيرها من الاتجاهات التي ظهرت مع ظهور المدارس الحديثة على ساحة النقد العراقي التي أعطت لهذه النصوص جواز المرور وما يهمنا من هذا هو الأبعاد الزمكانية للنص القصصي حيث إن النظرة الموضوعية الخارجية لوجودنا ترينا بوضوح بأننا نسير تصاعديا بدينامية الزمان والمكان المتبادلين بصيرورة بنائية متنامية ومموهة فالمكان وهو المنظور الصوري الثابت تستتر خلفه الحركية المضمرة للزمن الفيزيائي الذي يقوده من لحظة الميلاد إلى الذوبان في التأرخة ولكن النص القصصي قام بتطويع هذه الدينامية من حيث التلاعب بهذين البعدين وهذا لا يعني إلغاء مرجعيتهما الزمكانية وانما إعطائهما الانفتاح الحركي على مستويات التأويل والسيميولوجية0 ففي النصوص السردية ومنها القصة القصيرة يمكن للناص ايقاف الزمن كما في الوصف ( الذي ينتج عنه مقطع من النص القصصي تطابق ديمومة صفر على نطاق الحكاية )* أو اختصاره كما في المجمل ( وهو سرد أيام عديدة أو اشهر أو سنوات من حياة شخصية بدون تفصيل الأفعال أو الأقوال وذلك في بضعة اسطر أو فقرات )** أو الانتقال عبر الزمن عن طريق الذاكرة بالية الافلاش باك ( Flashback ) فالنص القصصي قادر على اتخاذ آليات تتحكم بالزمان وأيضا المكان المرتبط به 0 حيث ان التشكيل الصوري المكاني يعطي هوية زمنية للمكان وأيضا يمكن ان يعقد مقارنة زمنية بين بنيتين سسيوتاريخيتن من خلال التقابل بين بينة الخطاب والمبنى الحكائي المستند على التأريخ الذي هو انعكاس سسيوساكولوجي لذلك المكان وأيضا تهميش الزمان بإعطاء المكان الدور الفعال برسم ملامح النص وانصهاره ببعد اخر يوتيبيUtopian ليكون زمن النص مفتوحا كانفتاح اليوتوبيا Utopia على أمكنة تعويضية انتقالية لا زمنية 0 ان استخدام الأبعاد الزمكانية في النص القصصي يدفع بالنص إلى التحرك على عدة مستويات منها ما يخلق مكانا افتراضيا مبني على موضوعة تاريخية عند استشراف خطوط ونقاط تقابل واتصال بين المكانين الذين هما بالتالي زمنيين مختلفين أو عندما يكون الزمان هو الدال على الانتقال بين مكانين أحدهما افتراضي والزمن بذلك هو الذي يحدد مسار أو نقاط ارتكاز المكانين والتمييز بينهما.
* مدخل الى نظرية القصة ــ سمير المرزوقي ــ جميل شاكر ــ دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد ــ 1986 م ص : 86 ** نفس المصدر

الأربعاء، أغسطس 15، 2007

الذكرى وفعل التذكر.. قراءة على استار المدن



امجد نجم الزيدي


ان اللغة الشعرية وهي تحاول ان تتمرأى في جسد مفارق، ممكن ان يعتمده النص كمرتكز بنائي مشارك في تجسيد عمق الشعرية وحدودها اللامتناهية، حيث من الممكن ان يعتمد النص على البناء الشكلي، والذي تندغم فيه الدلالات ظاهرة ومضمرة مرتبطة بالتوزيع الشكلي للبناء ذاته، حيث ان جدلية الشكل والمضمون ومنذ ازمان سحيقة اخذت في التأثير على التوصيفات التي تلحق بالنص ان كان شعريا او نثريا، وهذه الجدلية التبادلية وضعت النصوص الشعرية في العصر الحديث- خاصة- في نقطة وسطى تجمع هذين الطرفين بعلاقة موائمة وبعلاقة تكميلية ساندة. فلو اخذنا على سبيل المثال نص (على استار المدن) للشاعر والقاص وجدان عبد العزيز، لوجدنا بأن النص يعتمد على ثيمة استذكارية متوزعة بين لحظة التذكر الحاضرة في الزمن المضارع والمدى الطولي للاستذكار المرتبط بالوصف، مقسمة الى ثلاث تشكيلات وصفية مرتبطة بجملة الاستهلال/الذكريات اسمال/، كمرتكز تنطلق منه التوصيفات الاخرى المتمظهرة بالشكلين الاخرين وهما /ذكرياتي اسمال/ المرتبطة بذاتية (انا النص) ، والاخر /ايتها الذكرى، يا اسمال الماضي/ اي الارتباط الافقي بين (الذكرى) التي تخفي فعل التذكر والزمن(الماضي)، وتتوزع هذه التمظهرات الشعرية داخل هذه المقاطع المجترحة المبنية على (فعل ) وهو (يتذكر) مضمر في الاسماء (الذكريات)،(ذكرياتي)،(الذكرى)، واذا اردنا اجتراح ربط ما بين هذا التقسيم الشكلي للنص والثيمة المتولدة من الفعل (يتذكر) المضارع، لوجدنا بأن المقطع الاول يمثل تمهيدا لهذا الفعل، اي المنطقة التي تقع خارجه، عكس المقطع الثاني والذي هو داخل فعل التذكر والذكرى( الأطار اللام لثيمة النص)، اما بشأن المقطع الاخير وهو المقطع الثالث فهو يعتبر بوابة الخروج من الدينامية الداخلية لفعل التذكر الى دينامية خارجية مرتبطة بزمن نسبي .
وللدخول من خلال هذه المقاطع الى النص يجب تتبع التوصيفات السابقة للنص، فلو اخذنا مثلا كلمة (الذكريات) في المقطع الاول، و (ذكرياتي) في الثاني، و(الذكرى) في الثالث، وحاولنا ايجاد نقاط التشابه والاختلاف بينها، لوجدنا بأنها تشترك جميعها بأنها مظاهر أو اوجه لفعل واحد وهو(يتذكر)، ولكن الاختلاف بينها يقع في المستوى الدلالي الذي تنبني عليه المقاطع، حيث ان المقطع الاول :
الذكريات اسمال
اعيد ترقيع اكتافها بتواريخ اللقاء
وحيدا اتكأ على الصبر
والمحطات ملت حيرتي
لكن صورتك الاولى
اتمرأى جمال الملامح فيها
ثم اذوب اخر الليل
بحلم جميل
والذي اعتبرناه سابقا مقطع استهلالي أو تمهيدي لفعل التذكر، والذي يظهر من خلال الاطلاق الغير مخصوص في كامة (ذكريات)، والتي توحي بأن(انا النص) يبحث عن الذكرى من خلال /ترقيع اكتافها بتواريخ اللقاء/ مع المقطع الثاني الذي يظهر (انا النص) /يمسك باخر لقاء/، الى المقطع الثالث والذي يظهر انتهاء الفعل للعودة الى المقطع الاول/فاخيط اخر رقعة في اكتافها/، والذي تحقق من خلال الثاني، وربما قد يثار بأن المقطع الاول لو كان خارج هذا الفعل فما معنى الابيات التالية:
لكن صورتك الاولى
تنبع وسط الروح
اتمرأى جمال الملامح فيها
ثم اذوب اخرة الليل
بحلم جميل
ولكننا لو نظرنا نظرة اكثر تجريدية الى هذا المقطع، لرأينا بأن (انا النص) لم يدخل فعل التذكر بعد، وانما لازال في حدود الفعل الخارجي المضارع، حيث ان العلاقة بين(الصورة) و (انا النص) هي علاقة خارجية عن الفعل ولكنها داخلية بالنسبة للذكرى كاطار لام للثيمة حيث تعتبر هي المولدة لها والتي تظهر في المقطع الثاني بانها تستدعيه في /وتظلين صورة العتب المعتق على استار المدن/، وهذه العلاقة التي يحددها التذكر المضمر في النص تظهر بانها خارجية في المقطع الاول وداخلية في الثاني وداخلية /خارجية في الثالث ، لتعميق الربط الذاكراتي بين (الذكرى)ككائن يستوطن النص والفعل التذكري، حيث ان الاطلاق في كلمة (الذكرى) وارتباطها بفعل التذكر يخرج الفعل من حدوده الداخلية الى ارتباطات خارجية يعيد بها لظم خيوط النص وربطه بالمقطع الاول بعلاقة دائرية من خلال/فاخيط اخر رقعة في اكتافك/ وايضا الانتقال الى عتبة خارج الفعل الداخلي للذكرى كما في:
واجدد فضول الحب في قلبي المسكين
لحظات، ساعات، ايام، لا ادري كل الوقت احبك
سأظل اخر خيط في ذيل الذكرى.

الأحد، أغسطس 12، 2007

قراءة في نص (وساخات ادم) للقاص علي السباعي


امجد نجم الزيدي

التناص واستراتيجية النص

ان ضوء القراءة المتمعنة يكشف مقاربات النص اللغوية والمعرفية والجمالية ويفضح استراتيجياته والعلاقة الموتورة بين دواله، ويقدم اشارات الى جهة قرائية ممكن ان يجترحها النص باليات خطابه، والتي يقوم المتلقي باعادة صياغتها وهو المحمل بأدراكه الشخصي وبناءه السايكلوجي ومتغيرات بيئته الاجتماعية والتاريخية، ولتحديد مرجعيات النص وتناصاته، يقتضى الربط بين الاشارات داخل الخطاب مع ما يقابلها من مرجعيات محتملة يقودنا اليها خزيننا المعرفي كمتلقين، وهذا ما يعطي النص حيوية وزخما حركيا، وانفتاحا على افاق قرائية جديدة.
والنظر داخل نص(وساخات ادم) ضمن المجموعة القصصية(زليخات يوسف) للقاص علي السباعي، والصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة 2005، ترينا اشارات مبنية على تمثل دلالي لمرجعية اطارية، تحتوي النص بعلاقة تناصية تقدم ثيمتها بمستويين(دلالي وزمني) تقدمه سورة (العصر) التي استهل بها النص متمثلة بكلمة (العصر) حيث تشير هذه السورة الى زمانية محددة تحتوي دلالتين تجسدهما صيغة الاستثناء وهما (الذين امنوا) والاشارة الضمنية الى (الذين لم يؤمنوا) بالمقابل مع النص الذي يطرح دلالته /والعصر زمن عقاربه مد وجزر/، ان الدلالة التي تعطيها كامة (العصر) وهي(الدهر) في التفسير القرأني، ترتبط بعلاقة سيميائية مع كلمة اخرى وهي (الحضارة) كما يطرحها النص تقود بالتالي الى كلمة(الحضارة)كما تطرحها مقولة جونثان كولر(ان مشكلة القمامة الحضارية هي الصراع بين انظمة القيمة الخاصة بالزوال والبقاء)*، وهذه السيميائية تتوضح بالعلاقة الدلالية التي تطرحها الاية القرانية، وبالربط الاشاري بين دلالات الاية القرانية ومقولة(كولر) نستطيع ان نعي الدلالات التي يطرحها النص.
وهذه القيم- اي قيم الزوال والبقاء التي تطرحها مقولة كولر- مرتبطة بالدلالتين التي تقدمهما السورة القرانية، اي ان قيم البقاء تقابل الذين امنوا وقيم الزوال تقابل الذين لم يؤمنوا، وهذا الصراع كما يظهر في مقولة كولر يتمثل في صيغة الأستثناء في السورة القرانية حيث ان العلاقة بين طرفي دلالة السورة( الذين امنوا_الذين لم يؤمنوا) ترينا بأن صيغةالاستثناء قد اوجدت صراعا بين طرفي هذه الدلالة واعطت لاحدهما قيمة البقاء واستثنته من الاخر الزائل (الانسان الخاسر ) ويتمثل هذا الصراع داخل النص بين(ادم) ممثلا لكل القيم الاخلاقية بما تحمله دلالة الاسم من بعد ابستملوجي /جامعوا قاذورات يبنون حضارة/، مع الاخر (عمال جمع النفايات) ممثلين لكل قيم الزوال /دعها فانت لست من سلالتنا/، وهذا الصراع يكون بين قيمتين اوحت بهما كلا المرجعيتين التي تناص معهما النص وهما سورة العصر ومقولة جونثان كولر، اللتين افرزتا صراعا بين بنيتين داخل زمنية اطارية هي (العصر) في النص القراني و (الحضارة) في مقولة جونثان كولر، بالمقابل مع ( العصر/الحضارة) في النص، حيث استخدم القاص كلا الدلالتين عندما ضمن ايات قرانية من سورة العصر داخل النص وايضا عندما استخدم الحضارة كما هي عند كولر / من النفايات سنبني حضارتنا/، لكن بالمقابل من كلا المرجعيتين، والتين ارتبطتا باحد الاطراف وهما (قيم البقاء) لدى كولر، و(الذين امنوا) في سورة العصر، كنتيجة لهذا الصراع نرى النص قد قطع علاقته بهذه المرجعيات عندما اخذ طريقا مغايرا في هذا الصراع، اذ لم تكن قيم البقاء ممثلة بأدم هي الرابحة في نهاية المطاف /انطلق لسان يلعق جسد أدم(...) آه..يأدم.. ان الانسان لفي خسر/.
ان القاص (علي السباعي) يكني الحكاية، يصدم الجمال بنص يفوه بالتراجيديا، والوان مكفهرة، لزمن حائر بين مد وجر، بين مدن هاجرت واخرى صنعت زمنيتها بترقيع زمن اخر، طرقات يعيد بها النص تكملة صورته التجريدية في زمن نفتقد فيه طعم الالفة وحوارات الوداعة، في مدن غائمة بالنفايات وتصدع القيم، في مدن قعدت خارج اسوارها تعيد نظم الحكايا ودورة السرد التي خرجت عن محورها الكوني، هي لعبة السرد وهي تجوس الامكنة وتميع الفواصل بربطها بأيقاع الصدام الحاد بين زمن النص ومتن الواقع.
يرينا النص محاولة القاص تقديم ترابط موضوعي بين بنية نصهوالمرجعيات المحتملة، حيث يظهر ذلك الترابط في العلاقة الزمكانية التي يوردها المبنى الحكائي للنص متمثلا بأدم/الانسان في ضوء الانتقال بين التاريخ وقيم التطور.

الأحد، أغسطس 05، 2007

اليوتوبيــــا والمدينة المفارقة


أمجد نجم الزيدي
ان اليوتوبيا تقوم على رسوم المدينة المفارقة عن التشكيل المحسوس الى ايماءات تعويضية او املائية لمكعبات الصرح الفني ، بتوتر الخط الفاصل ، وبتعاضد الطرفين بتراتبية عمودية تنهض بالنص الى تكوين شخصية مغايرة تعتلي الآخر ، لأستشراف نقاط الإشتراك بين البنيتين والبؤرة الإستيطانية للثيمة التي تتمفصل بها .

في نص( قصتان بخيط واحد ) للقاص وجدان عبد العزيز ، تنهج البنى المكانية التوازي والتداخل لخلق يوتوبيا تجنح الى احاطة تلك البؤرة ، وتمييع الحدود الفاصلة بينها وبين النص ، إذ أن المدينة بتشكلاتها الحسية تنمزج بالبنية المتخيلة ، لينتج من ذلك يوتوبيا مدينة مغايرة تحافظ على كيان المدينة السابقة ، بتواتر المحسوسات ، أي الشيئية التي تحافظ على قوامها من أن ينجرف الى خيالية مختلقة ممكن أن تجنح بها الى أن تفقد شخصيتها المكانية ، أن هذه الفنية في تشظية البنيتين المكانيتين داخل النص ، أعطته التماسك المطلوب للحفاظ على كينونته وعدم انفصال اقطابه الدلالية ، كما أراد العنوان ( قصتان بخيط واحد ) والذي حفز المتلقي منذ البدء على الفصل .

يحاول هذا النص المزج بين بنيتين متنافرتين ، إذ أن اليوتوبيا تخلق وكما أسلفنا على رسوم المدينة التي فارقت وجودها الموضوعي ، لبناء بنية أخرى تعويضية أو إنتقادية تصحيحية ، تستفز المتلقي لجمع وتحليل المنظومة الإشارية للنص على وفق النموذج / المثال الذاتي ، أن عدم تفريط النص بأي من قطبيّ البنيتين الوجوديتين المدينة / اليوتوبيا ، أعطى المتلقي نقاط الربط والتواصل لأستشراف العلاقة الموتورة بين هذين القطبين وهي الثيمة ، أذ ان المكان هو ثيمة النص المشحون بوجوده الموضوعي وبنية اخرى متخيلة. والمدينة بتشكلاتها الحسية / الصورية ، تبدء بـ / الرصيف الأول للشارع الممتد وحافة النهر من الجسر الرئيسي الى الجسر الخشبي المتهرئ / ، وأيضاَ / على طول الرصيف الآخرالذي يقابل صف الأشجار / ، / تتبعثر على امتداده البلدية ، المستشفى ، الحديقة العامة ، المكتبة المركزية ، ومدرسة البنات ، /، / الشارع لا يهدء أبداَ /،/ تميل الشمس نحو الأفق الغربي من المدينة /،/ ثمة أسماك عابثة وسط الماء وأسمال من أوراق تداعبها أنامل الأطفال /،/ يبدء الشارع بطقوس الانزواء /،/ تعانق قارعة الطريق أو الرصيف /،/ منصة الإحتفال /،/ ثمة مايكروفون ونخبة من الفتية /،/ امتلأت القاعة /،/ وهذه التشكيلات الحسية /الصورية تنمزج بالبنية المتخيلة أي بتضافر هذه الصورية مع الخيالية تنتج يوتوبيا المدينة ، وهذه الصورة المتخيلة / عالم غير مرئي حسب الضن /،/ عالم مدينة صغيرة تغفو منذ ملايين من وحدات الإنتظار /،/ موجات وطيور وخدود مكتنزة ومساند من الرغبات الباهتة /،/ تتكرر في نقطة مضيئة واحدة وقد تستعير بعض من وقارك الملفق/،/ تلج في عالم ثالث /،/ تخرج كلؤلؤة باستحياء انثوي يكشف عن سحر النهري واضح/،/ لتنتقل انت وهي الى مدينة اخرى تحت سفح النهر /،/ فيها أشجار غير خضراء تماما ممددة/،/ أثمار مبعثرة /،/ فرس حفظت لونها وقوائمها ومسيرها وعثراتها /،/ أمنيات بطيور ألوانها حسب الخاطر /،/ تحتضن فراغاَ لتراقص ريحا شاردة الذهن /،/ النهر في غلوائه حاملا نبؤات قلب /،/ الفتاة بكفيها المحناةلا زالت تصر على ارتداء بدلة بيضاء فضفاضة /،/ فتيات يراقصن الفراغ /،/ تطويه المعزوفة الثالثة في عالم آخر/،/يذوب في تأملات ليلية قادمة/

وبعد اكتشافنا لطوبوغرافية النص نرجع الى العنوان ( ثريا النص ) كما يسميه محمد عبدالوهاب والذي خلق ايهاما بوجود الفصل بين بنيتين ( قصصيتين ) وأيضاَ اكتشاف الخط الواصل بينهما وما ذلك الخيط الا نسغ المدينة الذي يجري في دماء النص بين البنيتين الموضوعية والمتخيلة ناقلاَ الشخصية المكانية والحضور الوجداني للمكان كبنيتين حاضرة ومفارقة .

السبت، أغسطس 04، 2007

النص وموشور التاريخ(قراءة في شارع الزواج في لجش)



امجد نجم الزيدي
إن التفاعل بين ( النص- التاريخ ) يساعد في نماء الشخصية النصية ، أو يدعو إلى التعاقد الشرطي على أساس التقابل المتوافق أي خلق توازن للنص في سيرورته النمائية وعلاقة المتلقي بالنص تقوده الى فك النظام الشفري على وفق الأسس البنائية التي قام عليها ذلك التعاقد 0 أن توظيف الموضوعة التاريخية داخل النص ( شارع الزواج في لجش )1 للقاص محسن الخفاجي ليس توظيفا زخرفيا محضا ولكنه التوظيف الفاعل الحي من خلال النفاذ من موشور التاريخ الى سطح القراءة الحديثة للنص بعد تزاوجه بالبنى الاخرى التي يوظفها الناص حيث ان ( العلاقة التفاعلية / بين النص الادبي والمتلقي/ ناتجه عن كون النص ينطوي على مرجعيات خاصة به يسهم المتلقي في بناء هذه المرجعية عبر تمثله للمعنى )2 0 ينبني نص ( شارع الزواج في لجش) على تزاوج الحكاية التاريخية مع الموضوعة / الثيمة - التي هي ثيمة الحرمان - في المكان ( شارع الزواج في مدينة لجش التاريخية ) الذي يوحد بين طرفي التعاقد النمائي في النص ، وهذا المكان يأخذ بعدا مغايرا عن وجوده الموضوعي عند اندماج البنية التاريخية مع الثيمة ، وتظهر هذه البنى الثلاث كما في النص أولا ˝: الحكاية التاريخية لشارع الزواج ، ثانيا: الثيمة ( قيمة الحرمان) والتي تتجسد من خلال تكرر مفردة (النافذة) التي تمثل الكوة الوحيدة للفتيات في مجتمع الناص لرؤية العالم /ظاهرة وجوه بعض الفتيات من نوافذ الغرف العلوية / ، / كن ساخرات وحانقات ومحتجات على اسرهنّ الدائم وراء قضبان النوافذ /، / دخلت آنا فأغلقت الفتيات غرفهن/، مقارنة بـ ( آنا ) الألمانية المتحررة / يالها من روح متحررة لا تعرف قضبان النوافذ/، ثالثا: المكان الذي يشهد تزاوج البنيتين السابقتين إذ ان ( العلاقة بين الاثنين/ المكان التاريخي والموضوعي / لا تعكسها الكلمات ولا المسميات بل تعكسها تلك اللغة المشتركة والإحساس الدفين )3 وقد صور هذا المكان بأنه/ ارض هشه نبتت في أجزاء منها أحراش كامدة الخضرة / ، / لم أميز أي مكان هو جانب الشارع في هذه البرية القفراء / ، / مكتبة لجش 00 صحائف من فخار اصفر صلب محروق ، وقد زينته كتابات سومرية وخطوط مبهمة وعلامات غامضة / ، / الأرض العارية الجافة / ، لينتج من هذا التزاوج بنية زمكانية افتراضية / معوضه خارج البنية الزمكانية الموضوعية التي شهدت حرمانه ( ان استقراء اشراق الاحداث التاريخية هو الإساس في نشوء الشعور بالذنب امام وهن معاصر لم يستطع مواكبة هذا الإشراق) 4 ،/ بدا لي الزمان كاللولب وخيل ألي في حلم يقظة / ، ومما عجل بهذة الانتقالة هي عدم تحقق رغبته بـ( آنا ) المعوض المحسوس / هل ارمي لك بمنديلي يا آنا / ، / لاتفعل ، وانا ايضا لن ارمي لك بوشاحي / وتكون هذه النقلة الزمكانية الى بنية اخرى معوضة للحرمان / مجموعة من النساء الفاتنات بثيابهن الغريبة / ، / كلهن بملامح آنا/ ، ولكن تبقى عقدة الخوف الحرماني مسيطرة على ( أنا النص ) أو ( ضمير المتكلم ) ، / وراء تلك البرية تختبئ أسلحة تتربص بكل شيء / تولد حالة من ألتا رجح بين السعادة المفترضة والحقيقة ( الحرمان ) تؤدي الى عدم استقرارية ، حيث ان ( الماضي السعيد( 000 ) المقترن بحاضر فاشل مخفق في تحقيق إرادة أبناءه في العطاء إيذان بالشعور بالذنب الذي يعد نواة أولى في شيوع الاكتئاب الاجتماعي ) 5 ، / ما اسعدني وأنا أتجول وسط العالم المفكك والزمن ينسل كالصدى / ، / كأن عشتار ربة الحب والحرب تتقدم نحوي تعطيني تعويذة تفتح كل باب مغلق ما اسعدني وأشقاني / ، وبذهاب ( آنا ) الذات المعوضة يذهب المكان المعوض هو الآخر ، ليعود إلى المكان والزمان الموضوعي،لكن هذا لا يمنع إن لا يكون ( ثمة تحقق خارج زمانية الكائن التي تسمح باندماج الأفق الحاضر بالأفق الماضي ، فتعطي للحاضر بعدا يتجاوز المباشرة الآنية ويصلها بالماضي وتمنح الماضي قيمة حضورية راهنة تجعلها قابلة للفهم )6، /أنها ماتت بالنسبة لي في الأقل ، اذ إنها لن تأتي مرة أخرى إلى وتقرع بابي وتأخذني إلي شارع الزواج في لجش / ، لكنه مع ذلك يبقى يبحث عن (آنـا ) الذات الأخرى المعوضة /هل تعرفين آنـا /0




الهوامــــش
1/إيماءات ضائعة ــ محسن الخفاجي ــ دار الشؤون الثقافية العامة ط 1 بغداد 2001 م ص : 32
2/نظرية التلقي ــ بشرى موسى صالح ــ دار الشؤون الثقافية العامة ط1 بغداد 1999 م ص : 34
3/الرواية والمكان ــ ياسين النصيّر ــ الموسوعة الصغيرة (57) وزارة الثقافة والإعلام ــ بغداد 1980 م ص 184/ علم النفس والتاريخ ــ د . ريكان ابراهيم ــ دار الشؤون الثقافية العامة ط 1 بغداد 1988 م ص : 81 5/ن.م:ص137
6/ نظرية التلقي ــ د . بشرى موسى صالح ـــ ص : 37

الجمعة، يوليو 27، 2007

القراءة.. إعادة لبناء المرجعيات الدلالية ( طعنات أليفة-انموذجا)


أمجد نجم الزيدي
إن الدخول في عملية الكتابة هي مغامرة للكاتب مع إحكامه للحرفة والموهبة ،ولكن الولوج في عملية القراءة هي استكشاف هي حالة انبهار المستكشف لمنجم تغطي جدرانه الإشارات الأولى للحياة والوجود.
القراءة عملية استحضار وإعادة تشكيل للكم المعرفي والجمالي المرتبط بالجنس الأدبي الذي يحيل إلى النص و ذاكرته ,اعتمادا على البناء المعرفي والجمالي للمتلقي، باستشرافه لبنية العلاقات المتوازية والمتشاكلة داخل النص, إن استراتيجية النص والآليات التي يجترحها لتقديم الرؤية الشعرية المنضوية تحت خطابه تخضع بصورة لا واعية إلى اشتراطات خارجية متمحورة حول منتج النص وخلفيته المعرفية والثقافية وحتى إلى التراث الاجتماعي والفكري لبيئته التي تخضع بصورة عميقة إلى بنية اللاشعور الجمعي الذي تنبني على أساسه الشخصية الثقافية مما يؤدي إلى نص تداخلت في تشكيله عدة ذوات ثقافية متنوعة ،والذي يقود بالتالي إلى نص متعدد المرجعيات،ولكن ما يهمنا في هذا المقال هو البناء التشكيلي للنص وتوجيه فعل القراءة والربط المرجعي من خلال استشراف التمايز الابستملوجي الذي يكمن في بنية الخطاب والمستتر بهذه التشكيلة البنائية المفارقة،ليس بمعنى كشف مرجعياته وإنما الاكتفاء بالإشارة إلى الترسيمة التي يقوم عليها النص وترك الربط المرجعي إلى ثقافة القارئ .
ولقراءة نص (طعنات أليفة) للشاعر أمير ناصر المنشورة في جريدة طريق الشعب العدد(36)في 28 أيلول 2006 يجب إعادة توجيه فعل القراءة وفق مرجعية جديدة يفرضها البناء الشكلي ،والتنافذ الدلالي بين المقاطع التي تكون النص، أو حتى بين أجزاء المقطع الواحد.
وقبل الدخول إلى المتن يجب النظر داخل العنوان(طعنات أليفة )الذي يقوم على مفارقة بناه المرجعية،أو خلق توازي بين مفردتي العنوان الغارقتين بدلالتين متناقضتين ,ولكن الحركية في تركيبة العنوان تقوم على الانزياح الدلالي ،فالطعنات ومرجعيتها المستندة على التداولية الشفاهية أو حتى في بنيتها القرائية هي فعل عدائي ,وتأخذ كتأويل (للغدر)مثلا بينما المفردة الأخرى وهي (الأليفة) فهي صفة مرتبطة بدلالة مضادة وهي (السلام),وهذا يوحي لنا بأن النص سيأخذ تقنية المزاوجة والمقابلة بين مفردات متعاكسة داخل متن النص والذي يظهر في (تراسل الحواس)في المقطع الأول:
هكذا/الصورة/
الواجمة في الذاكرة
بطعمها المز
يسيل دهان حروفها
مشرعا عيونا جديدة
لظنون في جيب معطفي
نلاحظ إن النص يحتوي على ثيمتين,أولى فتح بها المقطع وهي (الصورة) وأخرى ختم بها المقطع وهي (الظنون) فالصورة المحللة من قبل (أنا النص) والتي هي بثلاث مستويات حسية :الأولى ذهنية (الصورة الواجمة في الذاكرة), والثانية ذوقية (بطعمها المز) وثالثة بصرية(يسيل دهان حروفها). ولو نظرنا نظرة أخرى إلى المقطع,للاحظنا إن الصورة التي بدأت ذهنية داخلية كذاكرة ثم تحولت إلى ذوقية ,وبصرية خارجية ممهدة للثيمة الثانية التي هي حالة نفسية داخلية , ومع اسم الإشارة(هكذا)في استهلال المقطع والذي يدل في المستوى الدلالي على التكرار يعطي للمقطع صفة الدائرية,أي التحلق في دائرة وجودية سايكولوجية.
إن المحفزات القرائية التي تنهض بفعل القراءة والتي يستدعيها النص لتمتين وتقوية أواصر العلاقات الدلالية المتضمنة, على اعتبار أنها رؤية مؤجلة يستجلبها القارئ بمدركاته, دون التفريط أيضا بالإلية المرجعية الكامنة والمتكونة من تلك العلاقات التي يثيرها ويقدمها البناء الشكلي,إذ إن التحفيز يقوم على آلية استفزازية للقارئ إلى إعادة تنظيم وحدات النص والبحث عن فجواته وغلقها،فالمقطع:
الساقطة من السفح
/المشاعة/
الصفراء والذابلة
يبقى النسر على الربوة
لا يحمل أي سر
يبقى بروح عريقة
ولون حقيقي
فهذا المقطع المتكون من جزئين تربطهما علاقة متقابلة إذ إن الجزء الأول وهو(الساقطة من السفح/المشاعة/الصفراء والذابلة)هو تعداد لصفات،وهذه الصفات المعرفة(بأل)التعريف هي صفات سلبية بالمقابل مع الجزء الثاني من المقطع والذي يعكس هذه الصفات إلى الايجابية،ولو أردنا أن نوجد مقاربة شكلية بين الجزئين فستكون كالتالي:
الساقطة من السفح = يبقى النسر على الربوة
المشاعة = لا يحمل أي سر
الصفراء والذابلة = لون حقيقي
عكس المقطع (6)الذي يقوم على علاقات توازي وتقابل :
تنام المدن وفمها مفتوح
سكين لكل داجن
وقع الخطى/ الغريبة/
وضجيجها
شفرة لذقنك الكث
حيث تظهر هذه العلاقات كالأتي:
تنام المدن = وقع الخطى/ الغريبة/
فمها مفتوح = ضجيجها
سكين = شفرة
نص(طعنات أليفة) للشاعر أمير ناصر يحاول تأسيس شخصية استثنائية بمحاولة ربط التمايز لما وراء المعنى المجرد بأسس تشخيصية، إن كانت معرفية أو توحيد لأشياء متراكمة في الذاكرة بدلالة مركزية تفقدها في بعض الأحيان، تلك المتفصلة بها دلالات متغايرة أو بعيدة عن تلك المركزية عند تقصيها أفقيا ، ولكنها عموديا تمد خيوطا وأواصر مع دلالة المركز وذلك لخلق انكسار أفق الانتظار لمجمل الدلالة المنتظمة أفقيا....

الأحد، يوليو 22، 2007

قراءة في نص(برج النعام) للقاص ابراهيم سبتي




امجد نجم الزيدي

في النصوص التي انتهجت الاسلوب التقليدي في الكتابة القصصية كان العنوان هو المدخل الذي يدل على الثيمة التي ينبني عليها النص،و يكشف عن موجودات المتن ومقارباته، ويكون عادة ملخصا بكلمة واحدة او ربما بكلمات، وفي بعض الأحيان بجملة، وكانت هذه الدالة البدئية مرافقة للقارئ مساندة للنص جامعة ومفسرة له ويبقى القارئ لا شعوريا منقادا ومشدودا لهذه الدلالة وأي إخلال بها يعتبر إخلالا بالنص.
اما بالنسبة للقص العراقي ومنذ نهاية الستينيات اخذ منحى أسلوبيا مغايرا، اثر كما هو الحال مع عناصر القص الأخرى على العنوان، فقد تزحزح العنوان عن وظيفتة الاسنادية واخذ مديات أوسع ليس بالارتباط ألسببي مع النص كما هو الحال في النصوص السابقة، وإنما اخذ بملامسة السطح المضمر للثيمة القصصية ، وارتبط بها بعلاقة تكميلية نابعة من مجمل دلالة النص، وربما كان موجها قرائيا إلى تناصاته المضمرة، ولا يخفى على المتتبع لمسيرة القصة العراقية وفي سياق تتبع الدوال التي ارتبطت بها العناوين منذ نشأتها إلى الوقت الحاضر، ارتباطها وبصورة مضمرة بالخطاب السياسي والاجتماعي والديني المهيمن، وخاصة في مرحلة الثمانينيات بعدما أخذت النصوص القصصية بمحاولة التغريد خارج السرب التعبوي والتمجيدي، لذلك فقد وقعت العناوين في ما وقعت به النصوص القصصية من غموض وتعمية،وتجنب كلمات وإيثار أخرى، وربما بدا العنوان ككلمة واحدة مائعة بعيدة عن أن تؤول إلى كلمة ممنوعة لاتستسيغها ذائقة الرقيب، وبعدما اتجهت القصة العراقية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات إلى توظيف الأسطورة ونهجت أسلوب الشعرية الذي ساعد القاص على التجريب القصصي، فبرزت الكثير من العناوين الغريبة التي لم تستسغها الذائقة العراقية فظهر العنوان المغاير، بعد ان خلعت العناوين أرديتها القديمة وأصبحت ندا مشاركا للمتن في حوارية القراءة، اذ إن العنوان المغاير قد ينتج اسئلة ،او يثير كوامن هامدة في النص، ويفتح القراءات المتعددة له، اذ ان العنوان المغاير لايرتبط بصورة مباشرة بالنص وانما يعيد انتاج النص وفق العلاقة التبادلية بينه وبين والمتن.
لو اخذنا نص(برج النعام) للقاص ابراهيم سبتي المنشور في جريدة طريق الشعب العدد(36) في 28 ايلول 2006 وفككنا ارتباطاته مع عنوانه للاحظنا ان تركيبة العنوان مبنية على تجاور كلمتين لهما مستويين متغايرين من حيث الفهم والتحليل، المستوى الاول وهو المستوى المباشر حيث يقودنا الى العلاقة القائمة بين كلمتي (برج) و (النعام) واللتين تعطيان اشارة الى مكان ما هو العنوان نفسه، والمستوى الثاني يظهر ان نحن تحرينا الارتباطات الدلالية بين مفردتي العنوان ، حيث ان (برج) تدل على مكان مرتفع بالقياسات الدلالية للكلمة او بما تحمله من مرموز، بيد ان (النعام) مع ضخامة حجم الطائر وارتفاع رقبته ، لكنه لايدل في بنية الدلالية او الرمزية على الارتفاع او العلو، اذ يرتبط في دلالته الخارجية بمعنى الهروب ]اذ يدفن راسه بالرمال عندما يرى خطرا محدقا[، اي ان اتجاه الدلالة الى اسفل، وهذا التجاور بين هاتين الدلالتين ( اعلى/اسفل) تقودنا الى ان نلقي نظرة على متن النص واستكشاف ارتباطات العنوان مع هاتين الدلالتين داخل المتن، مع التأكيد على ان الدلالة المركزية هي (اعلى) حيث ان كلمة (برج) هي التي تحمل المرتكزات الدلالية للعنوان، اذ انها جاءت (مبتدأ) وما كلمة (النعام) الا خبرا لها.
لو نظرنا داخل النص للاحظنا على الفور بان الدلالة الغالبة عليه هي (افقي/اسفل) وسوف لانجد اي دلالة اخرى ممكن ان تقودنا الى الى الدلالة الاخرى وهي(اعلى)، حيث نلاحظ بان ثيمة النص تسير بمستوى افقي وعلاقات زمنية افقية وبسرد ثانوي مرتبطة (بماقبل) فعل الروي الذي تنبني عليه ثيمة النص، اما في جانب الدلالات وارتباطاتها فهي تظهر اما في مستوى افقي وصفي /تتماوج امامه وسط السراب المتراقص الواصل حد الافق/، /بلدته التي بدت بيوتها كحبات متناثرة تخترقها سكة الحديدمن وسطها/، /مر القطار مخترقا وسط البلدة/، او التي تشير الى (اسفل)، /عيناه مدفونتان في تجاويف غائرة/،/اصحاب اللحى الشقراء والنظارات البرونزية الذين جاؤوا قبل سنين طويلة ليحفروا هنا/،/قرب السكة ستمسك بالمعول وتحفر/، /كانتالحفرة واسعة وعميقة/،/نزلنا جميعا فيها/،/انا صاحب تلك الحفرة لقد حفرتها بيدي هاتين/،/حملوه ورموا به في الحفرة الشاخصة منذ سنين طويلة/، وهاتين الدلالتين (افقي/اسفل) تسيطران على مجريات السرد بينما نرى الدلالة الاخرى وهي(اعلى) المتماهية مع كلمة (برج) من العنوان ليس لها وجود مؤثر في النص حيث تظهر/جلس فوق تلة صغيرة/،/مدوا رقابهم كالنعام/،/نخيلها السامق/،/الدوي المفزع يتصاعد/، وكما نرى بان هذه التوظيفات لدلالة (اعلى) هي توظيفات ضعيفة لا تؤثر في النص، اذا ماهو دور العنوان المغاير (برج النعام) والذي يجمع كلا المتغايرين (اعلى/اسفل) ، اذ ان اصطلاحنا على العنوان بالمغاير ، يوجب علينا توضيح ماهية المغايرة، والتي تظهر من خلال ارتباط ذلك العنوان بالنص، ليس من العلاقة التي يوحيها، وانما باجتراحه لمديات وارتباطات اخرى، قد تظهر بانها متناقضة في بعض الاحيان من خلال القراءة السطحية، اذ لو تقصينا اثر الدلالة المتضمنة داخل ثيمة النص لوجدنا انها في ظاهرها تسير بدلالة (افقي/اسفل)، ولكنها ربما تكون قد جردت دلالة العنوان التي اتفقنا عليها في السابق من مرموزاتها، ولم يكن العنوان (برج النعام) محركا دلاليا متناميا مع حركة السرد وانما اطارا لاما للنص، تظهر دلالته بعد اكتمال القراءة، ويقودنا من طرف خفي الى تصحيح اتجاه قرائتنا حتى لا تاخذ اتجاها اخر..

الاثنين، يوليو 31، 2006

صفحة أمجد نجم الزيدي


لقراءة جميع مقالات الكاتب انقروا على اسمه الموجود في أسفل هذه الصفحة على الجهة اليسرى: