امجد نجم الزيدي
استنطاق العمق السردي للّّّّّّّوحة
هناك الكثير من الفنانين من يستعين بالكتابة في رسوماته ومنهم من يجعل لرسوماته دورا ساندا للكتابة بالاستفادة من بنية البياض لورقة النص الكتابي، حيث يعتبر هذا البياض جزءا مكملا ومتمما للنص في الطروحات القدية الحديثة كما في الرسومات التي ترافق النصوص الابداعية، وقد ظهرت هذه الرسومات قديما –كما في رسومات الواسطي لمقامات الحريري- اي ان هناك علاقة تواشج بين النص الكتابي وبخاصة الادبي والرسم، لذلك فقد توظف الكتابة في الرسم او من جانب اخرممكن ان يوظف الرسم في النصوص الادبية ليس من خلال استخدام الخطوط والألوان وانما من خلال استيحاء الرسم من النص الادبي، كما في القصائد التي تكتب عن الاعمال الفنية، والتي قد اورد الكثير منها الدكتور عبد الغفار مكاوي في كتابه القيم(قصيدة وصورة)*، فكلاهما – اي الكتابة الادبية والرسم- تعتمدان على اعمال الابداع واجتراح عوالم جمالية بالاعتماد على الامكانيات الايحائية لكلا الفنين بوسائلهما واشتراطات ادواتهما الابداعية المختلفة، تقول (سوزان لانجر) لايمكن" ان نغفل الثمار التي جناها الادب والفن التشكيلي من التجاوب الروحي والعملي بينهما، ولا شك في اننا مهما ميزنا الفنون بعضها عن بعض وابرزنا الفروق البنيوية التي تجعلها تعبر عن عوالم مختلفة بوسائل مختلفة فأن الوظيفة الرمزية واحدة في كل انواع التعبير الفني"**.
ان علاقة التوازي والتداخل بين الفنون الابداعية تعطي النص قواما اشكاليا بتمازج بنيتين متضاربتين في ادواتهما وتقنية عمل كل منهما، اذ ان توظيف اللوحة التشكيلية داخل النص الادبي وبخاصة القصصي يأخذ في اكثر الاحيان مداه معتمدا على الية الوصف والدخول في حوار مكاشفة ومقارنة واستنطاق للوحة التشكيلية، اذ ان النص القصصي سيمثل اللوحة بما تحمله من ايحائية واشارات تشترك بها مع النص، اذ ستؤثر تأثيرا مباشرا في تنقلات القاص داخل نصه، ان حجم تأثير اللوحة يكون من خلال توزيع الكتل اللونية والخطوط وعلاقتها بدلالة اللوحة بالمقابل مع النص وارتباطه بتلك الدلالة.
نص( اللوحة) للقاص وجدان عبد العزيز، المنشور في جريدة طريق الشعب العدد(209)، تعامل مع اللوحة التشكيلية بأشتراطاتها، حيث قام ببناء نصه على حوار متقابل بين اللوحة وثيمة النص من خلال عقد مقارنة بين متنيهما المختلفين والمتمايزين، فمتن اللوحة يظهر ك/خطوط مستقيمة..متوازية..متعامدة..متقاطعة، تشكل ضلالا من الزرقة المتقرحة على كفبه/ ، بينما يظهر المتن الاخر للنص/الوجوه الغريبة ذوات السحنة السمراء وخطوط غير بائنة من التعب تميل نحو الوان البرونز والرصاصي/، حيث يقوم القاص باستكشاف مجاهيل اللوحة من خلال اعادة قراءتها وباسقاطها على الثيمة بتحري خطوط الظلام والضوء وتجسدهما داخل النص/القلوب المرتجفة في لجة خطوط الظلمة/، وعلاقتها الحوارية ببنية الخطاب التي تجمع كلا المتنين، حيث اصبح السرد عبارة عن منلوج داخلي تردده اللوحة، باعطاءخطوطها والوانها ذلك العمق السردي/كل هذه الاشياء قد تخلق حالات اضافية عن روحه المعلقة بين متاهات الظنون وبحر المسافات التي لا تشكلها اي انواع من الخطوط المتوازية او المتعامدة/ ، والمقترن بالحاجة التي ادتها اللوحة داخل النص ومدى انسجامها وتوحدها مع الثيمة /نحو الخطوط المستقيمة تلك التي توصلني الى حدود والوان الطيف الشمسي لأجعل من الابيض لباسي المحبب(...) بيد ان الخطوط تتوازى وتتعامد وتتقاطع وحينما تكون هكذا، تبدأ حدود الرؤيا تضيع منه/.
قام القاص (وجدان عبد العزيز) بالتقاط العلاقات الدلالية والاشارية التي مكنته من توظيف اللوحة داخل نصه ، وتقدير مدى ارتباطها بالثيمة، حيث ان زاوية نظره للوحة كشفت مقدرته على قراءتها وتأويلها وسردنتها، بما يتلائم مع نصه واتجاه الرؤية فيه ، فحساسية التلقي التي تلقى بها القاص اللوحة انعكست في تعامله مع النص من خلال اعادته لبناء المعطيات الايحائية للوحة بصورة ادت الى اعادة بنائها سرديا من وجهة نظر جديدة استفادت من خلفيتها السسيودينية.
تتعامل اللوحة التشكيلية مع الالوان والخطوط كخطاب دلالي يحمل بين طياته الاثر الجمالي، وتتعامل الكتابة الابداعية ومنها القصصية بالكلمات ليست بصيغتها الشكلية طبعا، وانما بدلالتها وقيمتها داخل الجملة التي تخضع الى لاشتراطات اللغة الادبية، ان اضاءة ثريا النص ( اللوحة) لمدخل النص ترينا انه افتتح بالمبتنى الشكلي واللوني للوحة /خطوط مستقيمة.. متوازية.. متعامدة.. متقاطعة تشكل ظلالا من الزرقة المتقرحة على كفيه/، وهذ المدخل يرمينا في لجة اضطراب العلاقة الدلالية الموتورة ما بين تلك الخطوط المتوازية والمتعامدة وبين/ الجسد المسجى / الذي يمثل البؤرة التي تتجمع وتنطلق وتنطلق منها الخطوط والالوان وايحاءية اللوحة واشارتها، لتصبح كل العلاقات التي يوجدها النص بينه وبين اللوحة وتركزها على / الجسد المسجى / جسرا تعبر عليه دلالة الالم المتقابلة ما بين اللوحة وارتباطها بآلام السيد المسيح وبين الالام التي يبثها النص / ابنتي تتلوى من ألم حاد / وهاتين الصورتين تنمزجان في صورة واحدة او لوحة واحدة يجسدها النص عندما تتداخل الالوان والخطوط وارتباطاتها السالفة بمركز اللوحة وهو / الجسد المسجى / = / السيد المسيح / مع اختلاج افكار ( انا النص) وقلقه وظنونه /اختلاج افكاره حينما تتلاطم والساعات الاخيرة من الليل / ، /القلق المتزايد من صعودها والجسد معا /، محاولا التخلص من هذا الاضطراب باللجوء الى الوان اللوحة وخطوطها وايحائيتها / يا يسوع المسيح خذ بيدي / ، بيد انه يغرق في لجة / الخطوط المتوازية والمتعامدة / وتقوده ظنونه الى المقابلة بين حالته وخوفه من فقدان ابنته واللوحة التي تصور السيد المسيح وصعود روحه الى السماء / ان القلق المتزايد عن صعودها والجسد معا، خلقت هوة سحيقة في علياء فردوسه/ .
اراد نص(اللوحة) من خلال حركية ( انا النص ) واضطراب افكاره ان يعكس ايحائية اللوحة، واقامة بنية تشكيلية تصويرية مقابلة لها، حيث رسم القاص خطوطا واشكالا ووزع كتلا لونية، من خلال استخدامه للوصف كفرشاة يلون بها ثغرات خطابه القصصي المتماهي مع اللوحة التشكيلية / اثواب رثة وأرجل شبه حافية، تبتلع هذه الاشكال ذهنيته ليكون الجوع شهية لعينه تحترق في مسافاتها رغبات عديدة تتقلطع في كثير منها مع خطوط الرحمة والحب /.
ان القاص وجدان عبد العزيز قد سار في سياقات متقاربة ابداعيا، متعارضة من حيث الخامات المستخدمة، باندماج جنسين ابداعيين متغايرين –هما جنس القصة القصيرة والفن التشكيلي الممثل بالرسم- حيث اشتغل القاص بادواته السردية في منطقة التشكيل وانتج لوحة مقابلة للوحة التي استوحاها نصه باثا فيها لغته القصصية التي استنفذت اللون وانعكاساته والخطوط وتشكيلاتها ، الضوء والظلام وتجسيدهما للعمق الانساني في اللوحة والنص.
*قصيدة وصورة- د. عبد الغفار مكاوي ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب ، الكويت 1987
**نفس المصدر ، ص20
هناك الكثير من الفنانين من يستعين بالكتابة في رسوماته ومنهم من يجعل لرسوماته دورا ساندا للكتابة بالاستفادة من بنية البياض لورقة النص الكتابي، حيث يعتبر هذا البياض جزءا مكملا ومتمما للنص في الطروحات القدية الحديثة كما في الرسومات التي ترافق النصوص الابداعية، وقد ظهرت هذه الرسومات قديما –كما في رسومات الواسطي لمقامات الحريري- اي ان هناك علاقة تواشج بين النص الكتابي وبخاصة الادبي والرسم، لذلك فقد توظف الكتابة في الرسم او من جانب اخرممكن ان يوظف الرسم في النصوص الادبية ليس من خلال استخدام الخطوط والألوان وانما من خلال استيحاء الرسم من النص الادبي، كما في القصائد التي تكتب عن الاعمال الفنية، والتي قد اورد الكثير منها الدكتور عبد الغفار مكاوي في كتابه القيم(قصيدة وصورة)*، فكلاهما – اي الكتابة الادبية والرسم- تعتمدان على اعمال الابداع واجتراح عوالم جمالية بالاعتماد على الامكانيات الايحائية لكلا الفنين بوسائلهما واشتراطات ادواتهما الابداعية المختلفة، تقول (سوزان لانجر) لايمكن" ان نغفل الثمار التي جناها الادب والفن التشكيلي من التجاوب الروحي والعملي بينهما، ولا شك في اننا مهما ميزنا الفنون بعضها عن بعض وابرزنا الفروق البنيوية التي تجعلها تعبر عن عوالم مختلفة بوسائل مختلفة فأن الوظيفة الرمزية واحدة في كل انواع التعبير الفني"**.
ان علاقة التوازي والتداخل بين الفنون الابداعية تعطي النص قواما اشكاليا بتمازج بنيتين متضاربتين في ادواتهما وتقنية عمل كل منهما، اذ ان توظيف اللوحة التشكيلية داخل النص الادبي وبخاصة القصصي يأخذ في اكثر الاحيان مداه معتمدا على الية الوصف والدخول في حوار مكاشفة ومقارنة واستنطاق للوحة التشكيلية، اذ ان النص القصصي سيمثل اللوحة بما تحمله من ايحائية واشارات تشترك بها مع النص، اذ ستؤثر تأثيرا مباشرا في تنقلات القاص داخل نصه، ان حجم تأثير اللوحة يكون من خلال توزيع الكتل اللونية والخطوط وعلاقتها بدلالة اللوحة بالمقابل مع النص وارتباطه بتلك الدلالة.
نص( اللوحة) للقاص وجدان عبد العزيز، المنشور في جريدة طريق الشعب العدد(209)، تعامل مع اللوحة التشكيلية بأشتراطاتها، حيث قام ببناء نصه على حوار متقابل بين اللوحة وثيمة النص من خلال عقد مقارنة بين متنيهما المختلفين والمتمايزين، فمتن اللوحة يظهر ك/خطوط مستقيمة..متوازية..متعامدة..متقاطعة، تشكل ضلالا من الزرقة المتقرحة على كفبه/ ، بينما يظهر المتن الاخر للنص/الوجوه الغريبة ذوات السحنة السمراء وخطوط غير بائنة من التعب تميل نحو الوان البرونز والرصاصي/، حيث يقوم القاص باستكشاف مجاهيل اللوحة من خلال اعادة قراءتها وباسقاطها على الثيمة بتحري خطوط الظلام والضوء وتجسدهما داخل النص/القلوب المرتجفة في لجة خطوط الظلمة/، وعلاقتها الحوارية ببنية الخطاب التي تجمع كلا المتنين، حيث اصبح السرد عبارة عن منلوج داخلي تردده اللوحة، باعطاءخطوطها والوانها ذلك العمق السردي/كل هذه الاشياء قد تخلق حالات اضافية عن روحه المعلقة بين متاهات الظنون وبحر المسافات التي لا تشكلها اي انواع من الخطوط المتوازية او المتعامدة/ ، والمقترن بالحاجة التي ادتها اللوحة داخل النص ومدى انسجامها وتوحدها مع الثيمة /نحو الخطوط المستقيمة تلك التي توصلني الى حدود والوان الطيف الشمسي لأجعل من الابيض لباسي المحبب(...) بيد ان الخطوط تتوازى وتتعامد وتتقاطع وحينما تكون هكذا، تبدأ حدود الرؤيا تضيع منه/.
قام القاص (وجدان عبد العزيز) بالتقاط العلاقات الدلالية والاشارية التي مكنته من توظيف اللوحة داخل نصه ، وتقدير مدى ارتباطها بالثيمة، حيث ان زاوية نظره للوحة كشفت مقدرته على قراءتها وتأويلها وسردنتها، بما يتلائم مع نصه واتجاه الرؤية فيه ، فحساسية التلقي التي تلقى بها القاص اللوحة انعكست في تعامله مع النص من خلال اعادته لبناء المعطيات الايحائية للوحة بصورة ادت الى اعادة بنائها سرديا من وجهة نظر جديدة استفادت من خلفيتها السسيودينية.
تتعامل اللوحة التشكيلية مع الالوان والخطوط كخطاب دلالي يحمل بين طياته الاثر الجمالي، وتتعامل الكتابة الابداعية ومنها القصصية بالكلمات ليست بصيغتها الشكلية طبعا، وانما بدلالتها وقيمتها داخل الجملة التي تخضع الى لاشتراطات اللغة الادبية، ان اضاءة ثريا النص ( اللوحة) لمدخل النص ترينا انه افتتح بالمبتنى الشكلي واللوني للوحة /خطوط مستقيمة.. متوازية.. متعامدة.. متقاطعة تشكل ظلالا من الزرقة المتقرحة على كفيه/، وهذ المدخل يرمينا في لجة اضطراب العلاقة الدلالية الموتورة ما بين تلك الخطوط المتوازية والمتعامدة وبين/ الجسد المسجى / الذي يمثل البؤرة التي تتجمع وتنطلق وتنطلق منها الخطوط والالوان وايحاءية اللوحة واشارتها، لتصبح كل العلاقات التي يوجدها النص بينه وبين اللوحة وتركزها على / الجسد المسجى / جسرا تعبر عليه دلالة الالم المتقابلة ما بين اللوحة وارتباطها بآلام السيد المسيح وبين الالام التي يبثها النص / ابنتي تتلوى من ألم حاد / وهاتين الصورتين تنمزجان في صورة واحدة او لوحة واحدة يجسدها النص عندما تتداخل الالوان والخطوط وارتباطاتها السالفة بمركز اللوحة وهو / الجسد المسجى / = / السيد المسيح / مع اختلاج افكار ( انا النص) وقلقه وظنونه /اختلاج افكاره حينما تتلاطم والساعات الاخيرة من الليل / ، /القلق المتزايد من صعودها والجسد معا /، محاولا التخلص من هذا الاضطراب باللجوء الى الوان اللوحة وخطوطها وايحائيتها / يا يسوع المسيح خذ بيدي / ، بيد انه يغرق في لجة / الخطوط المتوازية والمتعامدة / وتقوده ظنونه الى المقابلة بين حالته وخوفه من فقدان ابنته واللوحة التي تصور السيد المسيح وصعود روحه الى السماء / ان القلق المتزايد عن صعودها والجسد معا، خلقت هوة سحيقة في علياء فردوسه/ .
اراد نص(اللوحة) من خلال حركية ( انا النص ) واضطراب افكاره ان يعكس ايحائية اللوحة، واقامة بنية تشكيلية تصويرية مقابلة لها، حيث رسم القاص خطوطا واشكالا ووزع كتلا لونية، من خلال استخدامه للوصف كفرشاة يلون بها ثغرات خطابه القصصي المتماهي مع اللوحة التشكيلية / اثواب رثة وأرجل شبه حافية، تبتلع هذه الاشكال ذهنيته ليكون الجوع شهية لعينه تحترق في مسافاتها رغبات عديدة تتقلطع في كثير منها مع خطوط الرحمة والحب /.
ان القاص وجدان عبد العزيز قد سار في سياقات متقاربة ابداعيا، متعارضة من حيث الخامات المستخدمة، باندماج جنسين ابداعيين متغايرين –هما جنس القصة القصيرة والفن التشكيلي الممثل بالرسم- حيث اشتغل القاص بادواته السردية في منطقة التشكيل وانتج لوحة مقابلة للوحة التي استوحاها نصه باثا فيها لغته القصصية التي استنفذت اللون وانعكاساته والخطوط وتشكيلاتها ، الضوء والظلام وتجسيدهما للعمق الانساني في اللوحة والنص.
*قصيدة وصورة- د. عبد الغفار مكاوي ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب ، الكويت 1987
**نفس المصدر ، ص20
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق