الأحد، أغسطس 12، 2007

قراءة في نص (وساخات ادم) للقاص علي السباعي


امجد نجم الزيدي

التناص واستراتيجية النص

ان ضوء القراءة المتمعنة يكشف مقاربات النص اللغوية والمعرفية والجمالية ويفضح استراتيجياته والعلاقة الموتورة بين دواله، ويقدم اشارات الى جهة قرائية ممكن ان يجترحها النص باليات خطابه، والتي يقوم المتلقي باعادة صياغتها وهو المحمل بأدراكه الشخصي وبناءه السايكلوجي ومتغيرات بيئته الاجتماعية والتاريخية، ولتحديد مرجعيات النص وتناصاته، يقتضى الربط بين الاشارات داخل الخطاب مع ما يقابلها من مرجعيات محتملة يقودنا اليها خزيننا المعرفي كمتلقين، وهذا ما يعطي النص حيوية وزخما حركيا، وانفتاحا على افاق قرائية جديدة.
والنظر داخل نص(وساخات ادم) ضمن المجموعة القصصية(زليخات يوسف) للقاص علي السباعي، والصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة 2005، ترينا اشارات مبنية على تمثل دلالي لمرجعية اطارية، تحتوي النص بعلاقة تناصية تقدم ثيمتها بمستويين(دلالي وزمني) تقدمه سورة (العصر) التي استهل بها النص متمثلة بكلمة (العصر) حيث تشير هذه السورة الى زمانية محددة تحتوي دلالتين تجسدهما صيغة الاستثناء وهما (الذين امنوا) والاشارة الضمنية الى (الذين لم يؤمنوا) بالمقابل مع النص الذي يطرح دلالته /والعصر زمن عقاربه مد وجزر/، ان الدلالة التي تعطيها كامة (العصر) وهي(الدهر) في التفسير القرأني، ترتبط بعلاقة سيميائية مع كلمة اخرى وهي (الحضارة) كما يطرحها النص تقود بالتالي الى كلمة(الحضارة)كما تطرحها مقولة جونثان كولر(ان مشكلة القمامة الحضارية هي الصراع بين انظمة القيمة الخاصة بالزوال والبقاء)*، وهذه السيميائية تتوضح بالعلاقة الدلالية التي تطرحها الاية القرانية، وبالربط الاشاري بين دلالات الاية القرانية ومقولة(كولر) نستطيع ان نعي الدلالات التي يطرحها النص.
وهذه القيم- اي قيم الزوال والبقاء التي تطرحها مقولة كولر- مرتبطة بالدلالتين التي تقدمهما السورة القرانية، اي ان قيم البقاء تقابل الذين امنوا وقيم الزوال تقابل الذين لم يؤمنوا، وهذا الصراع كما يظهر في مقولة كولر يتمثل في صيغة الأستثناء في السورة القرانية حيث ان العلاقة بين طرفي دلالة السورة( الذين امنوا_الذين لم يؤمنوا) ترينا بأن صيغةالاستثناء قد اوجدت صراعا بين طرفي هذه الدلالة واعطت لاحدهما قيمة البقاء واستثنته من الاخر الزائل (الانسان الخاسر ) ويتمثل هذا الصراع داخل النص بين(ادم) ممثلا لكل القيم الاخلاقية بما تحمله دلالة الاسم من بعد ابستملوجي /جامعوا قاذورات يبنون حضارة/، مع الاخر (عمال جمع النفايات) ممثلين لكل قيم الزوال /دعها فانت لست من سلالتنا/، وهذا الصراع يكون بين قيمتين اوحت بهما كلا المرجعيتين التي تناص معهما النص وهما سورة العصر ومقولة جونثان كولر، اللتين افرزتا صراعا بين بنيتين داخل زمنية اطارية هي (العصر) في النص القراني و (الحضارة) في مقولة جونثان كولر، بالمقابل مع ( العصر/الحضارة) في النص، حيث استخدم القاص كلا الدلالتين عندما ضمن ايات قرانية من سورة العصر داخل النص وايضا عندما استخدم الحضارة كما هي عند كولر / من النفايات سنبني حضارتنا/، لكن بالمقابل من كلا المرجعيتين، والتين ارتبطتا باحد الاطراف وهما (قيم البقاء) لدى كولر، و(الذين امنوا) في سورة العصر، كنتيجة لهذا الصراع نرى النص قد قطع علاقته بهذه المرجعيات عندما اخذ طريقا مغايرا في هذا الصراع، اذ لم تكن قيم البقاء ممثلة بأدم هي الرابحة في نهاية المطاف /انطلق لسان يلعق جسد أدم(...) آه..يأدم.. ان الانسان لفي خسر/.
ان القاص (علي السباعي) يكني الحكاية، يصدم الجمال بنص يفوه بالتراجيديا، والوان مكفهرة، لزمن حائر بين مد وجر، بين مدن هاجرت واخرى صنعت زمنيتها بترقيع زمن اخر، طرقات يعيد بها النص تكملة صورته التجريدية في زمن نفتقد فيه طعم الالفة وحوارات الوداعة، في مدن غائمة بالنفايات وتصدع القيم، في مدن قعدت خارج اسوارها تعيد نظم الحكايا ودورة السرد التي خرجت عن محورها الكوني، هي لعبة السرد وهي تجوس الامكنة وتميع الفواصل بربطها بأيقاع الصدام الحاد بين زمن النص ومتن الواقع.
يرينا النص محاولة القاص تقديم ترابط موضوعي بين بنية نصهوالمرجعيات المحتملة، حيث يظهر ذلك الترابط في العلاقة الزمكانية التي يوردها المبنى الحكائي للنص متمثلا بأدم/الانسان في ضوء الانتقال بين التاريخ وقيم التطور.

ليست هناك تعليقات: