الأربعاء، أغسطس 08، 2007

صباحكم أجمل \ شمس الأطفال والسينما


زياد جيوسي

صباح الخير يا رام الله، صباحك والوطن أجمل، صباحك النديّ الذي لا يعادله صباح، والغيوم الباردة المنعشة تملأ السماء في هذا الصباح المبكر، تتحرك بسرعة من الغرب للشرق، فتمر معبقة بعبق بحر يافا وذكريات الأجداد، بيارات يافا وذكريات يافا وذكرى جدي لوالدتي هناك.
أجول في شوارع رام الله بدون وجهة محددة، أشعر بالرغبة في التجوال في الأزقة والشوارع الصغيرة، أتنقل بين أكثر من شارع، مارا بين البيوت الجميلة، بعض منها حديث والبعض من تلك البيوت القديمة، تلك البيوت التي بناها الأجداد على نسق متشابه وجميل، فهي مربعة الشكل مع وجود شرفات في أكثر من زاوية، وعادة الدرج الذي يصعد إلى أعلى هو درج خارجي، النوافذ ممتدة بالطول وليست عريضة، تحميها شِباك معدنية أشبه ما تكون بالرماح، إضافة لوجود "الآباجورات" التي تحمي من المطر والشمس، وهي معدنية يوجد بها فتحات صغيرة صنعت بطريقة تسمح بدخول الضوء والهواء، وتمنع تسرب المطر للداخل، وكان هذا هو النمط السائد قبل عصر الألمنيوم والبلاستيك، ويعلو السطح عادة القرميد الأحمر الهرمي الشكل ذو القاعدة المربعة، والذي لم تكن تعدم الحمائم الوسيلة للتسرب في فتحاته وبناء أعشاشها والتفريخ بها، كما تفعل العصافير أيضا وإن كانت العصافير تفضل دوما أشجار السرو والصنوبر العالية الوارفة الظلال.
هذا النمط المعماري يكاد ينقرض، فليست هناك بيوت جديدة تبنى على هذه الطريقة الجميلة والمميزة، فهذه البيوت كانت توجد ضمن مساحة من الأرض تزرع بالأشجار والورود، وعلى الأسوار تتدلى النباتات والورود بأشكالها وأنواعها، وإن كان الياسمين هو الطاغي والأساس وخاصة الصنف البلدي، فتنبعث منه الروائح الجميلة والطيبة صباحاً ومساءاً، فتبعث في روح الساكن للبيت والمار في الشارع جمالاً مميزاً.
كثير من هذه البيوت جرى هدمها وبناء عمارات تجارية ضخمة إن كانت تطل على الشوارع الرئيسة، والبعض هدم ونشأت بدلا منه عمارات للسكن إفتقدت في غالبيتها الذوق والجمال، ولم يحاول المهندسون في الغالب استلهام روح ونمط بيوت رام الله القديمة في التصميمات التي وضعوها، فجاءت كالعلب الإسمنتية، أكلت المساحات الخضراء في الحدائق، وأحالتها إلى شقق أو مواقف سيارات أو غرف خدمات، وان وجد بعض من النباتات فهي بالكاد تبين وتظهر بخجل.
في عودتي لوسط المدينة متجها إلى صومعتي بعد هذه الجولة المنعشة، أمر من أمام قطعة أرض كان يعلوها بيت من هذه البيوت القديمة، وكان البيت مقراً لحزب سياسي، وفي لحظة ما طار البيت وبدأت عمليات حفر ضخمة من أجل الصعود بقلعة إسمنتية أخرى، ويقال أن الحزب تلقى مبلغاً مالياً كبيراً من صاحب الأرض لتسليمه البيت والأرض، فإن صح هذا فيكون الحزب المعني قد أضاع جزءا من تاريخ المدينة، كما سبق له وأن أضاع تراثه الفكري.
أصل لصومعتي متأبطا صحيفة الصباح، أتابع الأخبار متذكرا الفرحة المعبر عنها بفوضى طلاب الثانوية الناجحين بالأمس، فقد أصبت بالصداع من حجم المفرقعات التي أطلقت في الهواء، والرصاص الذي أطلق أيضا، حتى ظننت للوهلة الأولى أن هناك اقتحاماً إسرائيلياً لرام الله كالعادة، إضافة لإطلاق أبواق السيارات وخلق أزمة كبيرة في الشوارع، ورام الله مدينة صغيرة وبالكاد تحتمل حركة السيارات رغم الجهود المضنية من رجال الشرطة، وهي وجهة لكل سكان القرى والمحافظات، ولم يكن هناك تخطيط لأن تستوعب هذا الكم الهائل من الحركة، فمبروك لطلابنا جني ثمار جهدهم، ويا حبذا لو كانت الفرحة يعبر عنها بطريقة أكثر حضارية وهدوء.
أتابع الأخبار وأرى المهزلة الإعلامية لقوات الاحتلال وهي تخلي عدد بسيط من المستوطنين في أحد شوارع الخليل، ويتم التغاضي عن الآف من المستوطنين الآخرين، ومن جرى إخلائهم سرعان ما سيعودون كالمرات السابقة متمتعين بحماية جيش الاحتلال، وأتتبع أخبار عن توجهات لإزالة بعض من الحواجز، فأشعر بالرثاء للمفاوض الفلسطيني، فهو يتلقى منحا لا تنهي احتلال ولا تعيد سيادة، ولو صدقت النوايا الإسرائيلية وهذا من المستحيل، فسيلزمنا مليون عام لإقامة الدولة الفلسطينية، فما زل الاحتلال يتعامل معنا على طريقة وصفة الحاخام لليهودي الذي كان يشكو ضيق العيش والمنزل، فذهب للحاخام فنصحه أن يدخل عنزة معه في السكن ويعود إليه بعد شهر، وحين عاد إليه يشكو من ازدياد ضيق المنزل نصحه بإدخال بقرة والعودة بعد شهر، فعاد وهو يشكو أكثر وأكثر، فنصحه بإدخال جمل إلى المسكن أيضا والعودة بعد شهر، وفعلا عاد وهو يكاد ينفجر من الضيق وازدياد سوء الحال، فقال له أخرج العنزة وعد لي بعد شهر، وحين عاد إليه سأله الحاخام كيف الوضع، فقال: أفضل قليلا من السابق، فنصحه بإخراج البقرة والعودة بعد شهر أيضا، وحين عاد قال أن الوضع تحسن كثيرا ولكنه لم يرتاح تماما، فقال له: أخرج الجمل وعد لي بعد شهر أيضا، وحين عاد كان مسرورا وشكر الحاخام لحل مشكلته، وهو فعليا لم يحل له شيئا وكل ما فعله أنه زاد ضغطه عليه، ومن ثم أعاده إلى نفس وضعه السابق، وهكذا أشعر بما يفعله الاحتلال معنا، يزيل حاجزا فرضه علينا لنشعر بالراحة قليلا، ثم يعيدنا خطوة خطوة إلى أقل ما كنا عليه قبل نهاية عام 2000، فيشعر المفاوض انه حقق انتصارا وينسى الجدار وينسى القدس والقضايا الأساسية والثوابت، وكما قال الشيخ عكرمة صبري خطيب الأقصى أول الأمس: "القادة الفلسطينيون ملهيون في بعضهم، والمشاكل تغطى على الاهتمام بمدينة القدس، فالقدس منسية وغير واردة في أذهانهم، وهذا كله ينعكس سلبا، ونحن نبهنا وحذرنا من هذا، وقلنا إن الخلافات الداخلية والخلافات العربية تعود بالضرر على القدس والمقدسات".
ككل صباح أقف أتنشق النعناع والريحان على نافذتي، أتأمل العصافير والحمائم التي تتنقل ما بين النافذة والرف المقابل، أحتسي كوب الشاي الأخضر بالنعناع، مع بعض من حبات التمر، مستذكرا طيفي البعيد وروحه التي لا تفارقني، أستعيد بعضاً من أفلام سينمائية حضرت عروضها في مهرجان السينما البرتغالية، والذي افتتح في مسرح وسينماتيك القصبة، متمنيا أن أرى سينما فلسطينية بهذا المستوى، بعد أن ازداد عدد المخرجين لدينا بنسبة كبيرة، وقسم منهم لا علاقة له لا بالإخراج ولا بالسينما، وما السينما إلا موجة يركبونها للحصول على تمويل وبعض من شهرة زائفة، وأما رسالة السينما فلا تعني لهم شيئا.
يتسلل صوت فيروز وهي تشدو:
زوري بيوتنا يا شمس الأطفال.. وأضيئيها بيوتنا يا شمس الأطفال
لهم حب الدنيا لهم لعب الدنيا وهم فرح البال..يا شمس الأطفال
صباحكم أجمل

رام الله المحتلة

http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/

ليست هناك تعليقات: