امجد نجم الزيدي
ان اللغة الشعرية وهي تحاول ان تتمرأى في جسد مفارق، ممكن ان يعتمده النص كمرتكز بنائي مشارك في تجسيد عمق الشعرية وحدودها اللامتناهية، حيث من الممكن ان يعتمد النص على البناء الشكلي، والذي تندغم فيه الدلالات ظاهرة ومضمرة مرتبطة بالتوزيع الشكلي للبناء ذاته، حيث ان جدلية الشكل والمضمون ومنذ ازمان سحيقة اخذت في التأثير على التوصيفات التي تلحق بالنص ان كان شعريا او نثريا، وهذه الجدلية التبادلية وضعت النصوص الشعرية في العصر الحديث- خاصة- في نقطة وسطى تجمع هذين الطرفين بعلاقة موائمة وبعلاقة تكميلية ساندة. فلو اخذنا على سبيل المثال نص (على استار المدن) للشاعر والقاص وجدان عبد العزيز، لوجدنا بأن النص يعتمد على ثيمة استذكارية متوزعة بين لحظة التذكر الحاضرة في الزمن المضارع والمدى الطولي للاستذكار المرتبط بالوصف، مقسمة الى ثلاث تشكيلات وصفية مرتبطة بجملة الاستهلال/الذكريات اسمال/، كمرتكز تنطلق منه التوصيفات الاخرى المتمظهرة بالشكلين الاخرين وهما /ذكرياتي اسمال/ المرتبطة بذاتية (انا النص) ، والاخر /ايتها الذكرى، يا اسمال الماضي/ اي الارتباط الافقي بين (الذكرى) التي تخفي فعل التذكر والزمن(الماضي)، وتتوزع هذه التمظهرات الشعرية داخل هذه المقاطع المجترحة المبنية على (فعل ) وهو (يتذكر) مضمر في الاسماء (الذكريات)،(ذكرياتي)،(الذكرى)، واذا اردنا اجتراح ربط ما بين هذا التقسيم الشكلي للنص والثيمة المتولدة من الفعل (يتذكر) المضارع، لوجدنا بأن المقطع الاول يمثل تمهيدا لهذا الفعل، اي المنطقة التي تقع خارجه، عكس المقطع الثاني والذي هو داخل فعل التذكر والذكرى( الأطار اللام لثيمة النص)، اما بشأن المقطع الاخير وهو المقطع الثالث فهو يعتبر بوابة الخروج من الدينامية الداخلية لفعل التذكر الى دينامية خارجية مرتبطة بزمن نسبي .
وللدخول من خلال هذه المقاطع الى النص يجب تتبع التوصيفات السابقة للنص، فلو اخذنا مثلا كلمة (الذكريات) في المقطع الاول، و (ذكرياتي) في الثاني، و(الذكرى) في الثالث، وحاولنا ايجاد نقاط التشابه والاختلاف بينها، لوجدنا بأنها تشترك جميعها بأنها مظاهر أو اوجه لفعل واحد وهو(يتذكر)، ولكن الاختلاف بينها يقع في المستوى الدلالي الذي تنبني عليه المقاطع، حيث ان المقطع الاول :
الذكريات اسمال
اعيد ترقيع اكتافها بتواريخ اللقاء
وحيدا اتكأ على الصبر
والمحطات ملت حيرتي
لكن صورتك الاولى
اتمرأى جمال الملامح فيها
ثم اذوب اخر الليل
بحلم جميل
والذي اعتبرناه سابقا مقطع استهلالي أو تمهيدي لفعل التذكر، والذي يظهر من خلال الاطلاق الغير مخصوص في كامة (ذكريات)، والتي توحي بأن(انا النص) يبحث عن الذكرى من خلال /ترقيع اكتافها بتواريخ اللقاء/ مع المقطع الثاني الذي يظهر (انا النص) /يمسك باخر لقاء/، الى المقطع الثالث والذي يظهر انتهاء الفعل للعودة الى المقطع الاول/فاخيط اخر رقعة في اكتافها/، والذي تحقق من خلال الثاني، وربما قد يثار بأن المقطع الاول لو كان خارج هذا الفعل فما معنى الابيات التالية:
لكن صورتك الاولى
تنبع وسط الروح
اتمرأى جمال الملامح فيها
ثم اذوب اخرة الليل
بحلم جميل
ولكننا لو نظرنا نظرة اكثر تجريدية الى هذا المقطع، لرأينا بأن (انا النص) لم يدخل فعل التذكر بعد، وانما لازال في حدود الفعل الخارجي المضارع، حيث ان العلاقة بين(الصورة) و (انا النص) هي علاقة خارجية عن الفعل ولكنها داخلية بالنسبة للذكرى كاطار لام للثيمة حيث تعتبر هي المولدة لها والتي تظهر في المقطع الثاني بانها تستدعيه في /وتظلين صورة العتب المعتق على استار المدن/، وهذه العلاقة التي يحددها التذكر المضمر في النص تظهر بانها خارجية في المقطع الاول وداخلية في الثاني وداخلية /خارجية في الثالث ، لتعميق الربط الذاكراتي بين (الذكرى)ككائن يستوطن النص والفعل التذكري، حيث ان الاطلاق في كلمة (الذكرى) وارتباطها بفعل التذكر يخرج الفعل من حدوده الداخلية الى ارتباطات خارجية يعيد بها لظم خيوط النص وربطه بالمقطع الاول بعلاقة دائرية من خلال/فاخيط اخر رقعة في اكتافك/ وايضا الانتقال الى عتبة خارج الفعل الداخلي للذكرى كما في:
واجدد فضول الحب في قلبي المسكين
لحظات، ساعات، ايام، لا ادري كل الوقت احبك
سأظل اخر خيط في ذيل الذكرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق