الأربعاء، يناير 30، 2008

عندما تتكــلم الدمـــــــوع !!

علي جبر
الدموع هي عبارة عن تعبير ما نكنه من مشاعر داخلية سواء كانت مشاعر فرح او حزن وغالباً ما يعجز اللسان التعبير عنها ...
وهي اخراج للكبت الذي يعانية الشخص وغسيل لتلك الهموم ...
وكثير اولئك الذين لا يستطيعون التعبير الا عن طريق الدموع فيخط بدموعه سيلاً من العبرات لا تخطه اليدان .
لحظات كثيرة تعتري الإنسان..يفيض القلب فيها من كثرة المشاعر.. سواء كانت حزينة أو مفرحة..ولكنه حين يصدم بالحقيقة لا يجد تعبيرا يصور بما في دواخله.. فيكتفي بذرف الدموع التي تفوق كل التعابير أحيانا..
فكم من مرة بلغ الحزن في النفس منتهاه..ربما كان لفقد حبيب.. أو فراق عزيز..أو جفاء صديق..ولكن لم يكن هناك ما يعبر عن الألم العميق.. فتكتفي النفس بالدموع..فتحل محل الكلمات..
وكم من مرة أقبلت السعادة إليك..وأصبحت بين يديك..فتحتضنها بين جنبيك.. وتكون في قمة الفرح..ولا تعرف كيف تعبر عن سعادتك.. وتتمنى لو تتكلم وتفصح عن فرحتك..ولكن الدموع تسبقك..
فتتكلم الدموع أحيانا قبل أن تنطق الشفاه..
ــــــــ إضـــــــــاءة ــــــــ
ولـدتك أمـــك يا أبن آدم باكـــياً
والناس حولك يضحكون سـرورا
فاحفظ لنفسك أن تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكاً مسـرورا

صباحكم أجمل \ ثلج ثلج


زياد جيوسي

رام الله ترتدي ثوب زفافها الأبيض
بعدستي الشخصية

رام الله ترتدي فستان زفافها الأبيض، الثلوج بدأت تتساقط منذ الليل، وما زالت تتساقط ندفاً جميلة، أطل من نافذتي في هذا الصباح المبكر قبل صحو الطيور، فأرى الشوارع والبنايات ترتدي حلة بيضاء ناصعة البياض، جميلة رام الله في الشتاء كما هي جميلة في كل الفصول، ففي الشتاء ورغم بردها الشديد يكون لها نكهة خاصة وجميلة، تمازج بين الثلج والمطر، الجبل وهواء الساحل الذي تطل عليه من بعيد، وفي الخريف لها جمال أوراق الذهب المتطايرة، فأراها ابنة الخريف، وفي الربيع تزدهي بحلتها الخضراء وأزهارها المتنوعة الشكل والجمال والعبق، وفي الصيف تكون ذات نسمات ناعمة ترد الروح، فهكذا كانت مصيف فلسطين، جميلة في كل أوقاتها.
أمطار وثلوج، نعمة من المولى بعد انتظار طال، فنحن في "الكوانين" ولم تكن الأمطار حسب المعتاد، ونحن بحاجة لمطر السماء ورحمة المولى، فمعظم الينابيع قد جفت مع الزمن، وأحواض المياه وضع الاحتلال يده عليها، وغالبية الآبار الارتوازية تحت يد الاحتلال، يستولي على مياهنا ويبيعنا إياها بكميات قليلة، بينما المستوطنات القابعة كالسرطان على أرضنا تتمتع بمياهنا، ونحن نعاني من شح المياه في الصيف.
طوال الأمس كانت تهطل الأمطار ويتخللها حبات البرد أو كما كنا نسميها حب العزيز، وكانت الرياح قوية بما يمنع الحركة، فكانت المدينة رام الله شبه فارغة مقارنة بالأحوال العادية، ولعل نشرات الأخبار التي تحدثت عن الثلوج والاستعدادات لمواجهتها لعبت هي الأخرى دورها بخلو الشوارع من المارة باكراً، فالمعروف أن رام الله يتضاعف عدد سكانها نهاراً من خلال حركة القرى المجاورة، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمدينة.
منذ أيام شهدت المدينة كم من المسيرات الشعبية الكبيرة، فوفاة "حكيم الثورة وضميرها"، كان لها وقعها الكبير على نفوس الناس، فالحكيم مناضل تاريخي ومتميز بمسيرته، قد يختلف الكثيرون مع نهجه وفكره، لكن لا أحد يختلف أنه كان مناضل صلباً ونقياً، فتأثرت بوفاته كثيراً، وشاركت بالجنازة الرمزية التي أقيمت له بالتوافق مع جنازته الرسمية في عمّان، وقلت في نفسي: ها هو أحد أنقى المناضلين والقادة قد رحل، فمن يا ترى بقي من هذا الرعيل الأول للثورة الفلسطينية المعاصرة، فالحكيم حظي على احترام الجميع عبر تاريخه، وأذكر أني التقيت به بمناسبات عدة ضمن مجموع من الناس، فترك في نفسي أثراً طيباً، ورغم أني لم أقتنع بفكره العقائدي، إلا أنه بقي في ذاكرتي كأحد العمالقة الكبار الذين لا يمكن نسيانهم بسهولة، والذين يجبرون المرء على احترامهم.
الفن رغم كل الظروف التي تمر على روح المرء يبقى هو من يبث الأمل في الروح، ومن هنا كان"العشاء الأخير في رام الله"، عنوان لعمل مسرحي متميز حضرته على قصر الثقافة الخميس الماضي، وكان من الجمال أني لم أتمالك نفسي حين رجعت أن أنكب على حاسوبي وأكتب عنه نصاً طويلاً، فقد افتقدنا المسرحيات المتميزة منذ فترة، وأول الأمس كنت مدعواً من قبل مسرح القصبة لحضور اجتماع تقييمي لمهرجان القصبة السينمائي الدولي، وإن لم أفاجئ بعدد الحضور الذي لم يزد عن ستة أشخاص بما فيهم من حضر متأخراً، فقد اعتدت على ذلك بأكثر من مناسبة، وفي نفس الوقت لا اسمع في الأحاديث الجانبية من أبناء عالم السينما إلا الشكوى والتذمر، فيا ترى لما لا نجدهم حين يستدعي الأمر وجودهم؟
في الأيام الماضية ورغم البرد وبسبب بعض من الآم نفسية سادت روحي، كنت الجأ للمشي لمسافات طويلة، فليس مثل السير على الأقدام وتنشق الهواء المنعش من علاج للروح، الوحدة صعبة جداً، والأسر في رام الله رغم عشقي الكبير لها بدون حركة متعب جداً، وخاصة حين يكون هناك حدث يتمنى المرء أن يكون فيه، لكن لا يمتلك من أمره شيئاً، فيكبت ألمه وقهره، وحينها الجأ للسير كي استرد روحي المتعبة، وهذا المسير أعادني من جديد لذكريات الطفولة واستكمالها، ففي بيتونيا لصيقة رام الله كانت بداية عشق رام الله، وقد تحدثت سابقاً عن المنطقة التي سكناها وجمالها وأهلها الطيبين، وكانت إجازة الصيف فرصة للتعرف على الحي الصغير والمنطقة المحيطة فيه، الممتلئة بالبساتين والجمال، وما أن انتهى الصيف حتى كنت في مدرسة بيتونيا التي كانت إعدادية بتلك الفترة، وكان ما يسعدني أنني أصبحت وشقيقي الصديق جهاد في مدرسة واحدة، فكان هو في الأول الابتدائي وأنا في الثالث، نذهب سوياً للمدرسة التي كانت بعيدة نسبياً ونعود سوياً، نرتدي اللباس "الكاكي" كجنود في ساحة وغى، نحلق شعورنا على درجة الصفر، وما زلت أذكر كيف بكى شقيقي حين قصوا له شعره أول مرة، لكنه اعتاد على ذلك كما اعتدنا قبله، والحقيقة أنه لم تترك مدرسة على روحي من أثر مثلما تركت مدرسة بيتونيا، ولم يترك مدرسون بصماتهم على شخصيتي كما هم مدرسوها، فكانت خير مدرسة لم أنساها ابداً، وخير مدرسون خالدون في النفس والروح، وخير مكتبة مدرسية كان لها الفضل الكبـير على توجهاتي الأدبية، فمنها كانت البداية وعلى يدي أستاذي الكبير المرحوم أبو حازم، خالد الأسمر مدرس العربية، الذي كان يوجه اهتماماً خاصاً لطلابه بالتركيز على المطالعة الخارجية، وعلى كتابة مواضيع الإنشاء وقراءة الشعر، فقد كان مدرسونا يمتازون بالعطاء والاهتمام بالطالب، فالمدرس بتلك الفترة كان يمثل قيمة اجتماعية وتربوية كبيرة، كان يعيش بوضع مادي مريح نسبياً، وله مكانته الخاصة والمحترمة في المجتمع ويندر أن يرد له أحد طلباً ، لذا كان للمدرس تأثيره في المجتمع المحيط، فهو المدرس والموجه والمصلح الاجتماعي، هيبة واحترام، وليس كما نرى في هذه الأيام من انحدار بوضعه المادي والاجتماعي، حتى أن سمة العمل بعد الدوام لتأمين بعض من احتياجات الحياة، أصبحت سمة منتشرة، مما أدى لتأثر العطاء والقدرة، وتغير المناهج وأساليبها، فأين جيل العطاء الذي عايشناه من اليوم؟، ومن ممن درسوا بفترتي التي أتحدث عنها يمكنه أن ينسى تأثير المدرس وهيبته، من يمكنه أن ينسى الأساتذة الكبار مثل المرحوم خالد الأسمر والمرحوم الشيخ عطا، والأساتذة الآخرين نخلة زيت وإبراهيم الطوبجي وإبراهيم الطرشة وعزمي الخواجا والمرحوم الأستاذ سماره وغيرهم الكثير.
الثلج يتساقط ندفاً جميلة وأنا أقف لنافذتي، التقط بعض الصور لهذا الجمال، أحتسي كوباً من الشاي الأخضر بالنعناع، هذه العادة الجميلة التي علمني إياها أصدقائي المغاربة منذ فترة الدراسة الجامعية، لا صحف وصلتني اليوم ولا مجال لالتقاط بث الفضائيات، تقطع للكهرباء كالعادة بين وقت وآخر، فيضيع بعض ما أكتب إن لم أكن قد حفظته، الحمائم والعصافير لم تخرج من أوكانها وأعشاشها، فلم تمنحني جمال عزفها في هذا الصباح، ترف روح طيفي الجميل في فضاء صومعتي، فيروز تشدو بصوتها المميز:
"ثلج ثلج عم بشتي الدنيا ثلج، والنجمات حيرانين، وزهور الطرقات بردانين، والغيمات تعبانين، عا التلة خيمات مضويين، ومغارة سهرانه فيها طفل صغير ،بعيونه الحليانة حب كتير كتير، ثلج ثلج شتي خير وحب وثلج على كل قلب وكل مرج ألفه وخير وحب مثل الثلج".
صباحكم أجمل.
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/

الثلاثاء، يناير 29، 2008

صدور كتابين نقديين للأديبة الأردنية سناء شعلان



صدر حديثاً للدكتورة سناء شعلان كتابان نقديان جديدان بعنوان: الأسطورة في روايات نجيب محفوظ،و السّرد الغرائبي والعجائبي في الرواية والقصة القصيرة في الأردن من 1970-2003م في طبعته الثانية.
والكتابان صادران عن نادي الجسرة الثقافي في قطر. والكتاب الأول منهما الأسطورة في روايات نجيب محفوظ يقع 429 صفحة من القطع الكبير في 8 فصول، وقد قدّم له الأستاذ الدكتور نبيل حداد،الذي قال في معرض حديثه عن الكتاب:" لقد نجحت الدكتورة سناء شعلان في الوصول إلى معادلة علمية بل منهجية مجدية؛ فقد استخلصت علامات البناء المعماري وحدوده الروائية/ الأسطورية وصولاً إلى تفكيك عرى الرمز والمعنى في هذا العمل استناداً إلى أعمال نجيب أولاً, ثم ثانياً الانتفاع بالمنجز التنظيري حول الأسطورة".
أمّا كتاب السّرد الغرائبي والعجائبي في الرواية والقصة القصيرة في الأردن من 1970-2003م ،فيقع في 282 ورقة من القطع الكبير، ويقع في أربعة فصول،وقد قدّم له الدكتور إبراهيم خليل الذي يقول في تقديمه للكتاب:" وأخيراً فإنّ النتائج التي توصّلت إليها المؤلّفة في هذا الكتاب جديرة بأن يُتنبّهُ إليها من حيث أنّها تلفت النظر إلى إمعان كتّاب القصة القصيرة والرواية في الإلغاز، والتعمية، والغموض،وتجنّب المباشرة والوضوح.
ممّا يدعونا إلى إعادة النظر في سؤال "الحرية" الذي يمهّد لوضوح التعبير.وسؤال "الفنية" الذي يمهّد لذيوع الرمز،والتشكيل،بعيداً عن الأداء الخطابي، والجنوح إلى الإيماء والتلميح عٍوضاً عن البَوْح، والتصريح ".
والكتاب يعرض لدراسة إبداعات كثير من الأدباء الأردنيين مثل: إبراهيم جابر ، وإبراهيم زعرور ، وإبراهيم نصر الله ، وأحمد الزعبي ، والياس فركوح ، وأحمد النعيمي ، وسميحة خريس،وبدر عبد الحق ، وجمال أبو حمدان ، وخليل السواحري ، وزياد بركات ، وسامية عطعوط ، وسعود قبيلات ، وغالب هلسا ، وفخري قعوار ، ومفلح العدوان ، وهاشم غرايبة ، ومؤنس الرزاز، ومحمد طملية،ويوسف ضمرة .
ويأتي صدور هذين الكتابين عبر خطة نادي الجسرة في نشر الثقافة ودعمها، والترويج لها في الوطن العربي عبر خطة لذلك.وفي ذلك نادي الجسرة:" هذه مصافحة أخرى مع الإبداع يبادر إليها نادي الجسرة الذي حرص دوماً على الاحنفاء بالمبدعين من مختلف ربوع وطننا العربي،وفتح مواهبهم وإبداعاتهم على كلّ ما يتوفّر لديه من فضاءات".

لحنٌ للوطن , للشتاء

سامي العامري
--------
منذ زمان لم أحكِ او أكتبْ شيئاً ذا بالٍ عن هذا اللامع في عتمةٍ وسط الضلوع كشمعةٍ بِعِدَّةِ ذُبالات .
رسمتُ يوماً شمعةً بذُبالةٍ واحدة فلم يُقِنِعْني المنظر !
فعدتُ فقرَّبتُ منها منقارَ بلبلٍ فوجدتُ أنَّ هذا حسنٌ ثم قرَّبتُ منها ورقةً من شجرة تفاحٍ خريفية فكان المنظر كثيرَ الشَّجا , فتمتمتُ قائلاً : لو بقيتَ هكذا أيُّها الوطن رَغم صدى المرارة !
واليوم وقد بدأ الشتاءُ هنا بترتيبِ حقيبتهِ الثلجية متهيِّئاً للرحيل الى موطنه الأصلي خلف السنوات والذكرى , أتذكَّرُ شتاءكَ المُتحلِّقَ حول المواقد وتنانيرِ الأمهات ,
أتذكَّر شطراً من قصيدة لشاعر إنكليزي تعلّمناها في المرحلة الإعدادية بصيغة سؤال :
اذا كانت كلُّ الفصول فصلاً واحداً فماذا سيصبح هذا الفصل ؟
وانا أيضاً أسأل نفسي : حقّاً , ماذا سنطلق عليه ؟
أتذكَّرُ هبوط أماسيِّك , لم تكنْ أماسيّ وإنما نجوماً تجلس على أَسِرَّةٍ بَريَّةٍ وتَقطرُ الضياءَ كالقُبَل على أفواه الينابيع !
كانت دموعنا تمنح الصيفَ حرارتَهُ
وتمنح الخريفَ معنى الراحة بعد العمل المثمر
وتمنح الربيعَ فرحَ الولادة واخضرارَ النسائم .
كانت دموعنا نقية صافية ومنها ورثتُ هذا الطبع العجيب فما بكى أحدٌ أمامي ورأيتُ دموعه إلاّ وترقرقتْ دموعي ! دون أن أدري أسبابَ حزنهِ ودون أن أكون تَعِساً أبداً .
إذنْ سيغادر الشتاءُ هنا آخذاً معهُ ما عَلِقَ في جلودنا من بَرْدٍ ويُبقي على غيومٍ متناثرة لكيلا ننساه .
وأشْتِيَتُنا القديمةُ لم تكنْ أشْتِيةً وإنما هي ملوحةُ التراب الآتيةُ من ملوحة الدموع !
وهي تارةً بروقٌ تتصفَّحُ كتابَ الأرض
وفيضٌ من النشاط
لم تكن لدينا حقائبُ مدرسية نحن التلاميذَ الصغار ولكننا كنا نحمل كتبنا ودفاترنا وفقرنا في أيدينا ,
وفيما بعد حقيبةٌ بائسة تحتوي على وعدٍ بغدٍ راسخٍ
ولكننا ما تعلَّمنا واجتهدنا أيها الوطن لنراكَ على هذه الحال .
هل كُنّا نعبث ؟
لا ظنُّ هذا , ولكني مُذْ عرفتُ أنكَ يطيب لك التمسُّحُ بماضيك صرتُ أخشى أنْ أذكرَ منه حدثاً او مأثرة تدعوك للإعتداد الفارغ لا النهوض ,
أناشدك أن تموج في مجرى حاضرك يدلُّ عليك لونُك الخاص
لا مُنكفِئاً على مُثُلٍ مهلهلة كأسمالٍ لا يدنو منها شحّاذ .
كُنْ وطناً مُحدَّداً بين الأوطان وليس عليك أن تكون مثالاً يُحتذى فقد ولّى زمن الشعارات .
كُنْ بيتاً آمناً لأهليك وللغريب ما استطعتَ .
تعلَّمْ أنَّ شعباً بسيطاً يتساوى فيه الرجالُ والنساء من حيث الحريات والحقوق أفضلُ بكثيرٍ من مجتمعٍ تقنيٍّ ثريٍّ .
لا تغصَّ بالجفاف وانت الذي تُشظّي أرضَك الجداولُ والأنهار .
نريد مِن عَلَمِكَ أن تخفقَ عليه صورةُ صَفصافةٍ او نخلة
فتكون المحبةُ أنساغاً لساريتهِ .
ونبضاً يتباعد ويتشذَّر .
إنني أعرف أنَّ في المناشدة هذه مرارةً ولكنْ بالإمكان جعلُها مرارةً لذيذةً كمرارة قهوتك !
-------------
كولونيا - 2008
alamiri84@yahoo.de

السبت، يناير 26، 2008

العشاء الأخير في فلسطين

زياد جيوسي
حين وصلني الإعلان من مسرح عشتار على عنواني الإلكتروني، عن مسرحية "العشاء الأخير في فلسطين"، أثار العنوان في ذهني الكثير من التساؤلات، وكون العرض على مسرح قصر الثقافة في رام الله، وليس على مسرح عشتار كالعادة، شعرت أني سأجد أمامي عرضاً مختلفاً ومتميزاً، لذا قررت الذهاب ومشاهدة العرض رغم البرد وبعد المسافة، وحين وصلت قصر الثقافة فوجئت بأعداد الحضور وكثافتهم، وبعد أن اشتريت بطاقة الحضور من شباك البطاقات وأعطتني الفتاة الشابة النشرة المطبوعة عن المسرحية، سارعت بالوقوف جانباً لقراءة ما هو مكتوب عن المسرحية وعن الممثلين فيها، فوجدت تعريفاً يثير الشوق للحضور حيث يقول:
"ستة ممثلين في "العشاء الأخير في فلسطين"، يعرضون بكثير من السخرية، ومن خلال الرقص والتمثيل والغناء، رؤية نقدية شمولية لحياة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، متخذين من محطات درب آلام السيد المسيح، مقاربة لدرب آلام الشعب الفلسطيني، عبر مجموعة من المشاهد والتساؤلات الفردية والجماعية، والتي تصور حياة شعب بأكمله، يتعرض لمحاولة طمس وجوده.
هي ملحمة تاريخية تراجيكوميدية عبثية، تبدأ برحلة الشتات، وتمر عبر مفاصل تاريخية هامة، ومواقف دولية لا تزال تؤثر وتصوغ حاضر ومستقبل هذا الشعب الذي يأبى الاندثار".
ستة ممثلين هم من قاموا بهذا العرض المميز، فاتن خوري ومحمد عيد وإيمان عون، أعرفهم سابقاً من خلال العديد من أعمالهم المسرحية التي حضرتها، وهم قد وصلوا إلى درجة الاحتراف بالأداء المسرحي، ورشا جهشان ورهام إسحاق وحسن ضرا غمة، أجادوا أدوارهم بشكل لفت أنظار الجمهور، وشدوا اهتمامي بقدراتهم المتميزة، وربما تكون المرة الأولى التي أحضر لهم مشاركات، أو ربما أكون قد شاهدتهم سابقاً في أدوار قد تكون ثانوية فلم أحفظ الأسماء، لكني لا أمتلك إلا أن أشيد بقدراتهم، وبشكل خاص بالممثلة التي أدت العديد من الرقصات التعبيرية، وخاصة الرقصة على أنغام وصوت الفنان المتميز باسل زايد في أغنيته المتميزة "محمود"، فهذه الأغنية التي تتحدث عن الأطفال الذين يقاومون بالحجر، ويكبرون فوق أعمارهم وهم يقفون بصلابة أمام الاحتلال وكأنهم في سن الرجال، تمكنت هذه الممثلة بأدائها من إعطاء الأغنية بالرقصة التعبيرية بعداً وجمالاً آخر، وبدون أن أنقص من قدرة زميلتها وزميلها على الأداء.
المسرحية اعتمدت على الرمزية غالباً في أداء المشاهد، وعلى المباشرة حيناً من خلال الحديث، كما في مشهد المعتقل الذي يروي كيف فجر الاحتلال البيوت، وأدى الدور محمد عيد باحتراف ومهنية عالية، وفي مشهد إيمان عون وهي تسرد مفاصل تاريخية في تاريخ الشعب الفلسطيني، والجدير بالذكر أن العرض مصمم بغالبية مشاهده باللغة الانكليزية، حيث أن المسرحية أعدت للعرض في الخارج، كما أشار لذلك مع الاعتذار الممثل حسن ضراغمة، علماً أن المسرحية اعتمدت على التعبير بالرقص والحركة مما خفف من مواجهة حاجز اللغة، والعديد من المشاهد كانت ناطقة بالعربية، فلم يواجه من لا يتقنون اللغة الانكليزية مشكلة كبيرة بمتابعة المشاهد والاندماج معها.
بدأت المسرحية بمشهد يصف فيه الممثل حسن ضراغمة كيفية قطف الزيتون في بلادنا، ومن ثم يكون هناك مشهد رمزي يمثل الهجرة، حين يغادر الناس بيوتهم لا يحملون إلا القليل من المتاع ومفاتيح بيوتهم، معتمدين على قول البعض من جيش الإنقاذ: أن المسألة لن تتعدى الأيام ويعود الناس لبيوتهم، لكن هذه الأيام طالت وامتدت حتى الآن، امتدت حتى وصلت إلى ستين عاماً من العذاب واللجوء والمنافي، ولعل وجود ستة ممثلين هي إشارة رمزية لسنوات اللجوء، لتتالى المشاهد مصورة ظروف الشعب الفلسطيني والمحطات السياسية التي مرت وتمر عليه، فوجدنا إشارات واضحة لفلسطيني الداخل الذين لم يهاجروا، وكيف كانت النظرة السلبية تجاههم، وعن معاناتهم في الحصول على عمل، رغم ادعاء إسرائيل الديمقراطية والمساومة، ولم تخلوا المسرحية من إشارات عديدة تتراوح بين الجدية والسخرية من العديد من الأحداث، من مؤتمر "أنابوليس" حتى زيارة الرئيس بوش إلى رام الله، والكثير من هذه الإشارات أخذت الطابع الكوميدي مما أثار ضحك الجمهور، مروراً بكذبة المغادرة للوطن لمدة أيام لم تنتهي بعد.
كانت هناك على المسرح أربعة حبال تمتد على عرض المسرح، وخلفية المسرح كانت لوحة مضاءة تمثل الجدار الذي يلتهم الأرض كأفعى ضخمة، وفي مشهد يثير الأسى يحاول الممثلون اختراق الجدار وتسلقه بلا جدوى، فكأنه إشارة إلى استمرار بناء الجدار رغم الرفض الدولي والمحلي وقرار محكمة العدل العليا، وأما الحبال فبين المشاهد قام الممثلون بتغطية الحبل الداخلي بأقمشة كبيرة بيضاء، ثم أقمشة خضراء، وتلا ذلك اللون الأسود وأخيراً اللون الأحمر، وفي هذا إشارة واضحة لمراحل نضال الشعب الفلسطيني ورفع العلم الفلسطيني عالياً كرمز للشعب الذي أعاد شخصيته بعد أن ظن الأعداء أنهم تمكنوا من إنهاء وجود هذا الشعب، إن التتابع بين المشاهد برفع الألوان أعطى رمزية للمراحل النضالية، لكن تبقى هناك ملاحظة مهمة، فقد تم وضع اللون الأبيض في البداية في عمق المسرح، تلاه اللون الأخضر فالأسود فالأحمر، وهذا بتقديري خطأ يجب الانتباه إليه، فعمق المسرح مثل قاعدة العلم التحتية، لذا كان الأجدر أن يوضع اللون الأخضر أولاً ثم الأبيض ويليه الأسود والأحمر بالنهاية الذي يمثل المثلث ببداية العلم، فهكذا هو التسلسل بألوان العلم الفلسطيني، ولا أعتقد أن الألوان ترمز لمراحل سياسية ولا ترمز للعلم.
الحديث عن الحواجز أخذ قسطاً كبيراً في المسرحية، فمحمد عيد يقدم مشهداً مميزاً لمجموعة من السياح يريدون التجوال، لكن الجيش الإسرائيلي ينتشر في كل مكان، وحين يتم اقتراح القدس يفاجئون أن المواطن الفلسطيني محروم من مدينته المقدسة، وفي مشهد آخر تقدمه الممثلة رهام تبرز كيف أن الدخول للقدس يحتاج إلى تصريح خاص، والتأخر عن الموعد لدقائق يجعل حامل التصريح يتعرض لمشاكل غير محسوبة،
حين وضع اللون الأحمر كان العلم الفلسطيني قد أصبح مكتملاً بألوانه، وفي هذا إشارة لرفع العلم رسمياً في الأراضي الفلسطينية، بعد أن كان رفع العلم قبل وجود السلطة الفلسطينية يمثل حالة تحدي تثير جنون المحتل، وتدفعه لزج من يرفع العلم بالسجون، لكن في مشهد تالي ربما يشير لانتفاضة الأقصى وهي الانتفاضة الثانية، والتي تميزت بظهور مصطلح عسكرة الانتفاضة، مما أدى إلى قيام العدو باجتياح الأراضي الفلسطينية التي كانت تحت سيطرة السلطة الفلسطينية أمنياً وإداريا، وانتشار ظاهرة الحواجز الاحتلالية التي تنغص على المواطنين حياتهم وتقطع الأوصال، نجد اللون الأحمر تحول إلى حاجز بلون الدم يمر منه المواطنون ويخضعون للتفتيش، ولا يوجد مع أي منهم سوى الحجر، هذا الحجر الذي أصبح رمزاً للنضال الفلسطيني.
المشهد الأخير بالمسرحية كان يمثل الواقع الحاضر بكل ما يحمل من ألم وأسى، ففي لحظة من اللحظات نجد انفجار الصراع الداخلي، فيتمزق العلم ويتحول لأشلاء، وهذا هو الواقع الذي حصل بعد استشراء الفصائلية وراياتها التي أبعدت العلم الواحد، هذا الصراع الذي سيؤدي في النهاية لخدمة أعداء الوطن فقط، وفي إشارة رمزية تمكنت المسرحية من اختزال المستقبل واستحضاره أمام الأعين، مشهد يصور تقديم "الكوكاكولا" رمز أمريكا للمتصارعين، وقيام من قدم "الكوكاكولا" بتحويل المتصارعين إلى توابع، فيلبسهم ملابس غريبة لا صلة لها بماضيهم، ثم يعلقهم من خلالها على الحبال التي كانت تحمل العلم الوطني، في إشارة لا تخفى عن المشاهد إطلاقا، أن من يمزق وطنه سيصبح مستلباً من قبل المستعمر، يشكله كما يريد، ولا يمتلك القدرة على المقاومة أو الرفض.
الخلاصة أن المسرحية كانت عملاً ناجحاً وأوصلت الرسالة بوضوح، أصابت الهدف بدقة، عرضت الواقع الفلسطيني عبر مراحله التاريخية حتى واقعه الحالي، من خلال مشاهد تعرض واقع الشعب الفلسطيني، بالكوميديا تارة وبالتراجيديا تارة ثانية، بالأغنية المؤثرة والمعبرة، وبالرقصة بين شعبية وتعبيرية، مسرحية رغم كل المأساة لم تصل بالمشاهد لمرحلة اليأس، فأغنية: "لأكتب اسمك يا بلادي"، وصرخة: "أنا راجع لأني لست خائفاً"، والتصدي للمجندة الإسرائيلية بعبارة: "لو أتيتم بكل زبالة الكون سأبقى هنا"، والعديد من اللقطات، كانت تحمل في ثناياها الأمل.
وتبقى ملاحظات لا بد منها حول العرض، فصوت الممثلين لم يكن مسموعاً جيداً في القاعة إلا عبر المايكروفون الوحيد المحمول باليد، إضافة أنه كان من الممكن أن يكون العرض ناطقاً بالعربية بالكامل، وأن يكون هناك نصاً آخر بالانكليزية للعروض الخارجية، إضافة لملاحظتي السابقة حول العلم الفلسطيني، وإن كانت هذه الملاحظات بسيطة مقارنة مع الجهد المبذول، بحيث أني لم أندم أبداً على دفع أربعون "شاقلاً"، نصفها بطاقة العرض والنصف الآخر مواصلات بحكم المسافة وبعد قصر الثقافة، فحضور عرض مميز كهذا يستحق المغامرة بالخروج بالبرد، ودفع مبلغ يعتبر كبيراً لموظف في نهاية الشهر.
رام الله المحتلة
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com

خالتى (ام سهيل )

عيسى القنصل
رفضت فى موت زوجها ان تعانق الحزن والوحدة والالم . ولا زلت اتذكر موت (ابو سهيل ) فى ريعان شبابه فى جلطة ..بل كنت معه فى (الطليانى ) مستشفى فى عمان حين مات واطلقت خالتى صرختها فى دهاليز المستشفى .
كان فى عمرها الزوج الذى يساندها فى كل شىء ويعطيها كا ما تريده وانجبت من الاطفال ..براعما من الزهور فى حديقة حياتها وحين جاء طائر الموت واختطفه وجدت نفسها عارية فى صحراء الحياة ..لا تدرى ما له وما عليه ,,وكيف تتصرف فى حياتها بعد ان كان هو لها كل شىء .
كانت خالتى كمثل كل امهات حارتنا ..نساء بيت فقط فلا وظيفة لتعين عائلتها ..ولكنها كامراة عربيه قوية الايمان بالله والحياه صارعت من اجلهم ..وصارعت مع تيار الحياة فى عناد وايمان ومرارة .
ونمت خالتى فى خاطرة ماساة اجتماعيه ..فقد تناسى الجميع مع الايام روعة المرحوم زوجها وكرم يديه على الجميع ..واصبح كل من اصدقائه يطالبها بدين له عليه مسجلا بدفتر او غير مسجل ..ولعلنى منذ صغرى تعلقت بها وشعرت فى قسوة الحياة عليها وعلى اطفالها ..
مرت الايام ..تزوجت ابنتها الصغرى وهاجرت الى امريكا ..وبعد سنوات قصيره سافر ابنائها ايضا الى امريكا ..وفى صراع مرير مع الحياة هنا ولعل مرارة الامس فى مادبا دفعتهم الى مواجهة تيار الحياه فى كل اصرار وعناد ..
فزال الفقر وبدات بذور صراعهم مع الحياة تنتج لهم ثمارا ..فاقبل الصباح عليهم فى كل عطائه ..واصبح ابناء خالتى من اصحاب الاعمال هنا فى امريكا ..
وحين اصبح المال فى يدهم سيلا قويا لم تنس خالتى ابدا انها ابنة مادبا وانها فى ايمانها وصراع ابنائها صنعت هذا ..فما تعالت ولا اكتست حلة الاغنياء الذين لا هم لهم الا معانقة الحاضر البهى وتناسى مرارة الامس ..وقبل مدة قصيرة زرتها فى نيويورك وكانت فى شيخوخة تحسها بها لكن مرح الطيبة فيها وايمانها فى الحمد لله لم يجعلها سوى امراة بسيطة كما كانت فى بد حياتها .
ورفضت ان تموت فى غربتها ..رفضت ان تموت فى بلاد البرد والثلج فعادت قبل اشهر الى بيتها القديم مريضه فى الفراش بين اولاده واولاد اولادها ..ولعلها طلبت منهم ان تدفن الى جانب زوجها ..
اليوم ماتت خالتى ..هى امراة عادية جدا ..غير معروفة فى عالم الصحافة والسياسه .. وغير مشهورة فى صالونات المجتمعات المخمليه .. لكنها كانت امراة اردنية / مادبيه / اعتمدت على قوة ايمانها بالله والحياة لتصنع من الفشل نجاح ومن حزن الموت الى قصة استمرارية بالصراع للوصول الى الافضل .
ماتت (خالتى ) ام سهيل اليوم ..اعرف ان موتها لن يترك امواجا من الحزن فى محيطات العالم ..انها امراة عاديه لكنها اليوم ادخلت الى قلبى كرة من الذكرى فلعبت بها اقدام افكارى وعدت بها الى ايام طفولتى وايام شبابى حين كنت اتصل معها دائما كلما اصابنى مرض او وعكة صحيه ..فتصف لى وصفة طبيه بدويه .
ماتت خالتى اليوم وفى بلدها وبعد غربة طويلة رفضت ان تموت الا فى مادبا .. لك الرحمة يا خالتى وتلك هى الحياه ..تلك هى الحياة

الخميس، يناير 24، 2008

ورد يبكي


بسام الطعان
قصة قصيرة
ارتفعت صيحات مفاجئة في الشارع الذي لم يرتد كامل يقظته بعد، فانفتحت كل الأبواب والشبابيك ، ثم انتشر خبر هـز البلدة كلها وحولها إلى خلية نحل.
طار النوم من عينيَّ، فخرجت مسرعاً وأنا أرتدي منامتي ثم لحق بي أخي، وأبي و... و... رأيت حركات غير طبيعية، ورأيت الرجال والنساء والأطفال يركضون باتجاه الغرب وقد تشعبت الدهشة في ذواتهم.
"ماذا حصل؟"
لم يكلف أحد نفسه بالرد على سؤالي ، فركضت خلفهم إلى أن رأيت ما رأيت.
وأنت يا عريس ، يا صـديقي الوفي ، كنت مـرمياً بين الأشجار المزروعة في مدخل البلدة الغربي، ترتدي بذلتك السوداء، وقميصك الأبيض، وربطة عنقك الذهبية، وكانت سـكين لئيمة مغروزة بغرور في أقصى صدرك، فتبدو وكأنها إسفين أسود مغروز في كومة من الثلج، أبعدت من في طريقي واقتربت منك ، فرأيت خرائــط الدم مرسومة على رقبتك وصدرك وتسـريحة شعرك ، وكانت البراءة ومعها كل ابتسـامات الأمس ، ليلة عرسك , واضحة على شـفتيك وعينيك المفتوحتين.
بحثت عن عروسك بين الوجوه الكثيرة فلم أجدها.. كثـيرون كانوا يحسـدونك على حبها لك، وعلى جمالها الخارق ونقاء روحها. سألت عنها وأنا أتأبط الهذيان، فلم يرد عليّ أحد.
"هل هربت أم خطفت في عتمة الليل؟"
آه يا صديقي.. قبل ساعات كنا زوجتي وأنا في حفل عرسك وبعد أن رقصنا وغنينا وضحكنا وترنمنا مع المواويل في النادي المكتظ بكل أنواع الفرح،ودعناك وودعنا عروسـك التي كانت تتأبط ذراعك وترش من حولها البسـمات ، وحين سرت معها باتجـاه السيارة لتجمعكما ليلة من أجمل الليالي، لوّحت لنا، وطلبت منا أن نزورك ، فوعدناك مع تلويحة أن نكون عندك في المساء.
" أين العروس؟" صاح أحدهم.
"الكل بحث عنها في البيوت والبراري وعلى ضـفتي النهر، ولكن لا أثر لها وكأنها تحولت إلى نقطة ماء في بحر متلاطم الأمواج. صاح آخر وهو يبكي.
إيه.. إيه يا عريس، يا يتيم الأبوين، هل تتذكر أيام الشقاء؟ وهل تتذكر كيف جمعت من تعبك وسهرك في الليالي، وأيضا من تعب أختك، مهر العروس؟ حيث كنتما تشتغلان في الليل والنهار دون كلل أو ملل ، تجمعان القرش فوق القرش ، وتحرمان نفسـيكما من أشياء كثيرة كنتما بأمس الحاجة إليها والآن ضاع كل شيء، وتركت أختك الوحيدة، لمن تركتها يا مسكين؟ ها هي تفترش التراب، تلعقه، تنثره على رأسها، تنتف شعرها نتفاً عجيباً تذرف الدموع المدرارة، تطبع على وجهك البارد قبلاتها الأخيرة وتتساءل بكل عذابات الأرض:
" من هم القتلة، وبأي ذنب قتلوه؟ فهو كان مثل حمامة السلام"
لا تسمع إجابة من أحد ، فتسقط مغشية عليها ، وحين تفتح عينيها مرة أخرى ، تبقى صامتة للحظات ، تنظر من حولها وكأنها تبحث عنك بين الوجوه ، ثم تنتحب من جديد وقد جف فمها من العطش الطويل:
" والله ليس لي غيره، لا أخ ولا أخت فلماذا قتلوه؟.. يا عالم يا ناس، لأي سبب قتلوه، لماذا تركوني وحيدة؟ لماذا لم يقتلوني قبله؟"
تتوقف عن النحيب وكأنها تذكرت شيئا مهماً ، وبعد لحظات تهز رأسها وتقول مع الشهقات:
" حين عدنا إلى البيت ، باركت زواجهما ، قبلتهما ودخلت إلى غرفتي ، تمددت ، وقبل أن يأخذني النوم ، سمعت صوت ارتطام شيء، لكني لم أخرج من غرفتي، ليتني خرجت، ليتني لم أنم، نمت ولم أشعر بشيء حتى سـمعت دقات عنيفة على الباب، وحين فتحته لم أصدق ما سمعت ، هرولت إلى غرفة العروسين ، فكانت مرتبة كما لو أن أحداً لم يدخلها..."
لم تستطع أن تكمل ، وسقطت على الأرض مرة أخرى.
كغصن جاف تهزه الريح، كنت أسير خلف نعشك في صـباح شبه ميت، أقطع دروب التيه وخطاي تتدثر بالفوضى والهذيان، ومع كل شهقة تخرج من حنجرتي ، كنت أبكي بكل لوعتي وضـعفي، وأزفك إلى عرسك الجديد بمرارة وحزن كبير بحجم الكرة الأرضية.
كنت تســـتريح على الأكتاف ، وأنا أنظر إليك ولا أمّل من النظر، وفجأة رفعت رأسك، أرسلت نظراتك إلى الوجوه المنكســرة، وحين وقعت نظراتك عليّ، قلت بلهفة وكأنك قادم بعد غياب طويل:
" أين أختي وعروسي؟"
مسحت دموعي وقلت بصوت سمعه الجميع:
" ها هي أختك خلفي، إلى جانب زوجتي، وهي محاصرة بالحزن والقهر والعذاب ، ها هي حافية القدمين ، مبعثرة الشعر ، ممزقة الثياب، وها هو الورد الأسود ينبت تحت قدميها ، ورد يبكي يبكي يبكي و مليء بالأشواك، كل من يمر من فـوقه أو من جانبه ، يتألم ويحزن ويمتد حزنه إلى القمر، أما عروسـك يا صاحبي فهي غائبة في المجهول، وربما هي الآن تسأل عنك وتقول أريد عريسي".
عندئذ بكيت بألم فقلت لك:
" لا تبكي أرجوك"
سقطت عليّ النظرات المستغربة ، فلم أبال بها، تابعــت الحديث والرد على أسئلتك، فراحت الرؤوس تهتز بأسف:
" اتركوه يفعل ما يريد"
" كان من أعز أصدقائه"
" لم أر مثل وفائهما"
" سيجن المسكين"
ليتني أجن وأنسى كل هذه الآلام. استعدوا لمواراتك الثرى ، فقلت وأنت تحترق بنار لا تعرف الانطفاء:
" لا تردموا الحفرة ، اتركوها مفتوحة أرجوكم ، فربما جاءت عروسي، وإذا جاءت ورأيتها، عندئذ اردموها بالإسمنت إن أردتم"
لكنهم لم ينتبهوا إليك، انهالت الرفوش على التراب ، فهتفت وأنا أحس بأن كل سكاكين البلدة مغروزة في صدري:
" لن يكون إلا ما تريد يا صديقي"
اقتربت منهم، أبعدتهم بكل قوتي وصرخت بأعلى صوتي:
" ألا تسمعون؟ لا تردموا الحفرة، اتركوها مفتوحة كما يقول لكم"
" بماذا يبرطم هذا؟" صاح أحدهم بغضب تولد فجأة.
أبعدوني عنهم وعادوا إلى عملهم، حاولت أختك أن ترتمي فوقك، لكن رجلاً ظالماً وبلا قلب، أمسك بيدها وأبعدها رغما عنها .
غادر الجميع المقبرة وتركوني وحيداً مع الفجيعة والغياب، وحين لم يبق غير الصمت ، سألتك بصوت ليس فيه إلا الوهن:
" قل لي يا صديقي، من هم القتلة؟"
" هم الذين يعشقون الموت بلا سبب"
بقينا ننظر إلى بعضنا البعض أنت تنظر وتهز رأسك حينا، وحيناً تغمض عينيك وأنا أنظر بحنان الأب والأم والأخ وأتحسر .
" والله العظيم سأزورك في كل الأوقات . قلت حين فاجأني صوتك:
"لا تتركني وحيداً، وكلما اشتقت إليّ تعال إلى هنا"
وحين بكيت وقبلتك، ربتّ على كتفي وقلت:
" يكفي البكاء.. اذهب الآن وابحـث عن عروسي، وإذا وجدتها قل لها أنني أريدها لأمر هام"
ولم تخبرني عن هذا الأمر الهام على الرغم من إلحاحي الشديد ، فنهضت بقلب يقطر دماً ، رجعت أدراجي إلى البلدة ، ولم تنقطع زياراتي إليك، كنت أجلس إلى جانبك، أسـليك وتسليني في النهار أو في عتمة الليل ، وفي كل مرة تسألني عن أختك فأجيب ، وعن عروسك فتموت الكلمات في حنجرتي.
bassamtaan@yahoo.com

الأربعاء، يناير 23، 2008

اجبنى ؟؟؟

عيسى القنصل

اجبنى لماذا تركت سهولى ؟؟

لشمس الجفاف
لريح القهــــر ؟؟

وكنّا سنابل قمح ٍ بارض ٍ

طهور التراب طهور الشجر

وكنّا طيورا بغاب الامانـــى

تعالت لدينا امانى القـــــــدر

وكنت ُ اراك َ خلايا دمائــــــى
حروف كتابى ..ضلوع الصدر

فقلبى اليك بخفق ِ يغنــــــــى

وثغرى صلاة ُ مساء ُ وفجــــر

وكنّا حديث القلوب وكنّـــــــا

جمال الصباح وعطر الزهـــــر

وكنت لعمرى .. شبابا جديــــدا

وكنت لروحى صلاة وطهــــر

لماذا افترقنا ؟؟

لماذا اغتربنا ؟؟

لماذا تركت شبابى بقهـــر ؟؟

اما كنت رفيقا لحلمى ؟؟

اماكنت تناجينى ؟؟

بان الحبيب وانى العمر

لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ اجبنى

اريد الجواب لانهى الامر

تركت َ شبابى بارض انتظار ٍ

تركت الثمار لطير الغـــــدر ؟؟

علام اختلفنا ؟؟

لماذا ابتعدنا ؟؟

لماذا ؟؟لماذا ؟؟

اجبنى ..ارحنى ..كفاك بنا قتلا ونحـــر

اجبنى ؟؟

لماذا تركت سهولى ؟؟

لشمس الجفاف وريح القهــــــــــــــــر

وكنّا سنابل قمح ٍ با ضِ

طهور التراب طهور البــــــــــــــــذر

فقلبى اليك َ بخفق ٍ يغنــــــــــــــــــــى

وثغرى صلاة ُ مساء ُ وفجــــــــــــــــــر

اما كان وجهى بتولا اليــــــــــــــك
اما كان قدّى نحيل َ الخصــــــــــــــــر ؟؟

اما كنت ُ اشكو اليك همومـــــى

وتشكو اليّا ..جليل الامـــــــــــــــــــــــر ؟؟

عرفتك انت ككل الرجال ِ

خداع ُ عنيف ُ وكذب ُ ومكــــــــــــــــــــر

اجبنى ؟؟

واو لا تجبنى

فسيان عندى ..ولن انتظـــــــــــــــــــــر


حوار طفولي عن الشيطان


يوسف فضل
إذا وصل معي القاريء إلى حافة الصدمة والارتعاش والدهشة فهذا تأكيد باننا لا زلنا نحظى بالمشاعر الانسانية الطبيعية والروحانية السامية وهذه مجاملة سخية للذات . وإذا قلت انني احب اولادي فهذا امر اعتيادي لا غرابة فيه لان كافة الاباء مشتركين معي بهذه الاريحية والروحانية ولا نخرج عن قواعد الروتين المقبولة . والأمر الاعتيادي لدي أيضا هو حواري مع طفلتي التي هي في طراوة حبة الفراولة والتي لا زالت تمتعني بطعم حياة المستقبل الذي اهرم فيه يوما بعد يوم .

بعد اول يوم من انتهاء اجازة عيد الاضحى وبينما انا جالس في بيتي في غرفة الجلوس(المعيشة ) اشاهد ما تيسر من غث وسمين الفضائيات عادت طفلتي التي هي في مرحلة التمهيدي من مدرستها ، وكعادتها اندفعت نحوي في فرح وجذالة طفولة اللقاء قائلة :" بابا انا بحبك . هات بوسه " وبما أنني مثل الجندي العربي على اهبة الاستعداد الدائم فانني مهيئ نفسي لاستقبال القصف الدائم من مشاعر وقبلات الطفولة لذا احرص على حلق الذقن تحسبا لحالات طارئة قادمة من اصغر عنصر في البيت (وبصراحة ) لأكبر عنصر . لم تمهلني طفلتي لاتخاذ اي خطوة بل تعلقت برقبتي وطبعت ما تبرعت به من التعبير عن حبها لي بقبلة ممطوطة العزف لأنني الرجل الوحيد في حياتها بعد العابها ورسوماتها المتحركة وتناول كعكتها المحلاة بالشوكولاته (دوناتها) مع الشاي .
* : شكرا . بابا سنذهب إلى البحر الميت .
الطفلة : عشان اسبح وأشوف السمك .
* : البحر الميت ما بعيش فيه سمك لأنه مالح كثير .
الطفلة : طيب خذني على البحر العايش .

ولبث الثقة في نفسها فقد عودتها إما برضاي أو أنها تجبرني على أن تكسب بمنطقها البسيط كل نقاش تدخلني فيه وبأنها الأقوى وفي كثير من المرات اعلن عن هزيمتي السعيدة امام ضرباتها الحوارية الطفولية القاضية .
* : انت لابسه (مرتدية ) ملابس العيد ؟
الطفلة : انا قلت لصاحبتي اني لابسه ملابس العيد وما صدقتني !
* : وليش ما صدقتك ؟
الطفلة : حلفتلها بالله اني لابسه ملابس العيد لكنها ردت علي :" ما تكذبي . بتروحي على النار ".
* : وشو قلت لها ؟
الطفلة : قلت لها :" انا والله ما بكذب لاني مصاحبة الله فوق (اشارت بالسبابة اليمنى الى اعلى) ومش مصاحبة الشيطان لانه تحت (اشارت بالسبابة اليمنى الى اسفل ).
* : وبتعرفي الله والشيطان ؟
الطفلة : انا بعرف الله لانه بحبني وانا بحبك.
* : وانا بحبك . مين قال لك ان الله فوق ؟
الطفلة : المعلمة . مرة صاحبت الشيطان قالت لي المعلمة :" الله بزعل مني " بطلت اصاحب الشيطان .
* : بطلت تصاحبي الشيطان ؟
الطفلة : بطلت لاني بروح على النار .؟
* : وين بدك تروحي ؟
طفلة : بدي اروح على الجنة .
* : ليش بدك تروحي على الجنة ؟
الطفلة : لاني ما بكذب والجنة فيها العاب وشوكولاته .
الطفلة (مستدركه باستفسار شيطاني ) : بابا كيف شكله الشيطان ؟
* : ما بعرف .
الطفلة (بتحد ): فكر ....... ريح اعصابك وفكر ؟!
* : بابا كل شيء سييء هو شيطان .
الطفلة : كيف ؟
* : كل كلام مش كويس هو شيطان وكل عمل مش كويس هو شيطان .
الطفلة (مستفسره ) : بفكر الشيطان لونه احمر لانه مشوي في النار .
* : وممكن يكون لونه ابيض !
الطفلة : بكون شيطان غير مستوي (ناضج في النار ) . والشيطان له قرون مثل الخروف وحامل عصا على راسها شوكة .
* : يا بابا انا بعرف أسماء شياطين كثر في حياتي مثل شيطان اسمه أمريكا وحامل عصا وعلى راسها شوكة وشيطان اسمه إسرائيل .
الطفلة : ولهم قرون مثل الخروف ؟
* : قرونهم مثل السكاكين .
الطفلة : شو بحكوا ؟ بحكوا متلنها (مثلنها )؟
*: شكلهم مثلنا بس بحكوا غير لغتنا .
الطفلة : يعني ما بعرف اتفاهم معاهم لانهم ما بحكوا عربي ؟
* : في شياطين عرب كثير بحكوا عربي .
الطفلة : كم شيطان عربي ؟ كتار (كثر)!
* : أكثر من واحد .
الطفلة : كتار . تف عليهم
الطفلة (على ملامحها امارات الصدمة ) : يعني الشيطان بحكي عربي ؟
* : الشيطان بحكي كل اللغات .
الطفلة : كيف عربي ويكون شيطان ؟
*: لان كل عربي بضرب أخيه العربي شيطان .ولأنه بقتل الأطفال مثل الشيطان الأمريكي والشيطان الإسرائيلي .
الطفلة : يعني إذا بضرب أخي بكون شيطانه .
*: أنت مش شيطانه لأنك شاطرة وما بتضربي أخيك .
الطفلة : وانت الشيطان الأمريكي ما بضربك ؟
* : بضربني وبقتلني إذا أراد . وبقتل آباء الأطفال أو بسجنهم .
الطفلة : يعني الآباء بروحوا على الشرطة وبضربوهم بالعصا الى بحملها الشيطان ؟
* : تماما .
الطفلة : أنت رايح واللا بدو يجينا ناس واللا باقي في البيت ؟
* :باقي في البيت .
الطفلة : طيب البس بيجامة .
* :لازم !
الطفلة : عشان ما تطلع من البيت !
* : وانت روحي بدلي ملابس العيد .
الطفلة : هسه بلبس ملابس البيت . (بتلقائية وبنظره وابتسامة المنتصر ) بس ما جاوبتني كيف شكله الشيطان ؟؟؟؟
*: أنت وأنا جاهلين يا صغيرتي . سأقول لك سر صغير على قدك عندما نتعلم سنفهم الحياة ونعرف شكل واسم الشيطان من تصرفه وساعتها نتمنى أن نحصل على الخير ..

الخير مستمر تواجده في دواخلنا طالما أطفالنا بعفويتهم محفزين لنا لرفض فكرة واسم الشيطان وشكله .

editor@grenc.com

صباحكم أجمل/ يا خوفي من عتم الليل


زياد جيوسي
من بيوت رام الله القديمة
"بعدستي الشخصية"

مطر.. مطر.. مطر.. عيناك غابة نخيل ساعة السحر، هذا البيت من الشعر للكبير الراحل بدر شاكر السياب أول ما يخطر ببالي بعد حمد المولى على تساقط الغيث، فبعد أيام من المطر جاء الرئيس بوش إلى رام الله، جاء وهو غير مرحب به من الفعاليات الشعبية والوطنية، وبسبب الأمطار قدم بموكب سيارات بدل المروحية، ولكنه قبل أن يغادر رام الله، كان المطر قد توقف والغيوم قد انقشعت، فغادرنا بمروحيته التي أزعجت السكان والطيور، حتى أن الحمائم على نافذتي فزعت وهربت لتختبئ، فصوت المروحيات كان بالغ الإزعاج، والحمام رمز السلام، شعر أن الضيف الغير مرحب به شعبياً، ستجر زيارته ويلات على شعبنا بدل السلام، وهكذا كان.. فقد توقف المطر حتى أمس صباحاً، وطغى البرد وموجات من الصقيع، فدمر محصول الخضار وارتفعت الأسعار، وتفهم الرئيس بوش حق "إسرائيل المظلومة" والمعرضة للعدوان الفلسطيني بالدفاع عن النفس، هذه المسكينة التي يحتل شعبنا الفلسطيني أراضيها، ويقيم دولته على أراضيها التي أغتصبها منها، ولا يكف عن قتل سكانها بالمروحيات والمدفعية، ولا تكف قواته عن اجتياح مدنها ومخيماتها وأسر أبنائها واغتيالهم، وأيضا يضرب شعبنا الفلسطيني بكل الاتفاقيات الدولية بعرض الحائط، فيقطع الكهرباء والماء والوقود عن إسرائيل المسكينة، ويترك سكانها بدون أبسط وسائل الحياة، فتفهم الرئيس بوش حقها بالدفاع عن النفس جيداً، وكانت شاشات الفضائيات عبر العالم كله شاهداً على مفاهيم الدفاع عن النفس، حسب المفهوم الأمريكي والإسرائيلي.
غزة وشعبنا هناك غرق بدم الشهداء وأنات الجرحى، غرق بالظلام والجوع وانعدام مياه الشرب وفيضان مياه المجاري، إضافة للبرد القارص الذي يخترق العظام، وكم كانت روحي تشعر بالألم يمزقها، وأنا أستمع لأصدقائي في غزة الذين لا ناقة لهم ولا جمل، وهم يعانون كل هذه المعاناة والألم، وإن خفف عنيّ قليلاً هذه الهبة الشعبية التي انتشرت في الوطن العربي الكبير، متخطية الحكام وأولي الأمر، وتوافقت مع مسيرات ومظاهرات غضب سادت الأرض المحتلة كلها، فالشعب واحد والألم واحد، بغض النظر عن كل الصراعات التي أوصلتنا إلى هذه النقطة.
مطر يتساقط يبشر بخير قادم ومستقبل لعله يكون أجمل، وها هي رام الله تغسل روحها بقطرات المطر وتتطهر من كل أثار خفافيش الظلام، فترتدي حلة جميلة من الغيوم التي تغسل شوارعها ومساكنها، وتساهم بغسل روحي من الآم سادتها خلال الأيام الماضية، فكم شعرت بألم الروح في الأيام الماضية وكم هي قسوة السجن في مدينتي منذ سنوات طويلة، حين علمت من أخي الأصغر أن والدتي التي لم أراها منذ سنوات طوال، قد أصيبت منذ ثلاثة أيام بكسر في عظم الفخذ ونقلت للمشفى، وفي الأمس أجريت لها عملية جراحية، وأنا هنا أسير رام الله وهي أسيرة عمان، ولا أقدر أن أكون بجانبها، ولا أمتلك إلا الهاتف أكلمها دقائق معدودة لا تغني ولا تسمن عن جوع شوق للقاء أمي وقهوة أمي، مضافاً لذلك وفاة شاب بعمر الورود بحادث سيارة، ابن لعائلة كل أفرادها أصدقائي، فغادرنا "وجد زعرور" في لحظة خاطفة، تاركاً في النفوس ألما وفي الروح لوعة، ومساء الأمس في بيت العزاء سالت دموعي التي حاولت أن أواريها، حين قدمت العزاء لوالدته الشاعرة الرقيقة والطيبة، فأمسكت بيدي وهي لا تقوى على الوقوف وتقول لي: "شايف يا خوي يا زياد شو صار"، فأحبس الدمعة في العين محاولاً أن لا تسيل أمامها وأنا أشد من أزرها، وفي لحظة قفزت صورته أمامي حين كنت أشارك بحفل تخريجه من المدرسة قبل شهور معدودة، وأنا التقط له ولأسرته الصور مسجلاً الفرحة في العيون، لأرى الأمس دموع الحزن والألم في عيون أهله ومحبيه جميعاً، فلكم العزاء يا أصدقائي باسم وسوزان وونيس وداليا، والموسيقار عيسى والشاعر عماد، فوجد فقيدنا جميعاً، غادرنا وترك الوجد في النفوس والأرواح، فله الرحمة ولنا جميعاً العزاء.
رام الله تضم حبي وألمي وجراحي بين جناحيها، هي وطيفي فقط من يخفف الحزن الذي يسكن النفس، فغادرت بيت العزاء وجلت قليلا تحت المطر برفقة صديقي الشاعر العطاري بسيارته، لأتركه بعدها وأحتسي كوباً من الشاي بالنعناع في كافتيريا أرتاح فيها مع أصدقاء، ومن ثم أغادر ورام الله المكان رغم البرد الشديد سيراً على الأقدام، رافضاً كل عروض إيصالي بسيارة لصومعتي، فقد كنت بحاجة لأن أعانق برد رام الله ومساء رام الله، فسرت على أقدامي باتجاه الصومعة وأنا أشعر برام الله تحضنني وتبث الدفء في روحي، رأيت رام الله تسير بجواري بشعرها الأسود الفاحم المنسدل على كتفيها، ووجهها الأسمر المشوب بالحمرة وابتسامتها الوضاءة، كما تتجسد مدينة كأجمل النساء، شعرت بطيفي يضمني ويمنحني الدفء والحنان، ما أجملك يا طيفي وفيك "أنا رأيت النور الذي يخرج من معبد".
في مقالي الأربعاء الماضي تحدثت عن شارع النـزهة في رام الله، مناشداً بلدية رام الله أن تدعه لنا للنـزهة وتبعد عنه شر البنايات المرتفعة التي ستخنق منا القلب، وفي نفس اليوم كنت أتلقى من الصديق الوسيم المهندس محمود عبد الله، نائب رئيسة البلدية رسالة يقول فيها: " في البداية شكرا لك على النصيحة وعلى كتاباتك الشيقة، بخصوص المشروع المقترح ليس تجاريا ولكن مكاتب لجميع القطع في المنطقة، في الواقع أن الناس يستطيعون بناء محلات تجارية وشقق سكنية، ويتم تأجير الشقق مكاتب إذا ما أبقينا الحال كما هو حاليا، وتكون لكل شقة موقف لسيارة واحدة، ولا تستطيع البلدية اتخاذ إجراءات خاصة لمواقف السيارات، ويكون البناء غير قابل للتغيير، وعندما نقترح مكاتب يمنع البناء التجاري ويسمح بمكاتب أو سكن في جميع الطوابق بغض النظر عن عدد الطوابق، ويجب توفير موقف سيارة لكل 70 متر مربع وليس لكل شقة، هذا توضيح للوضع وليس دعوة مني لقبول الرأي، فالمعلومة الصحيحة مهمة.. مع الاحترام".. والحقيقة أني ممتن للمهندس محمود ومجلس البلدية سعة صدرهم وتقبلهم للنقد وتجاوبهم مع الملاحظات، إلا أني أكرر ما قلته في ردي على الرسالة وهو: "أخي محمود.. تحية وشكر للتوضيح، وآمل أن لا تكون ملاحظاتي تسبب لأحد في المجلس إزعاجا، فلا مصلحة لي سوى انتمائي لهذه المدينة الجميلة التي أحب، ولا أمتلك لا بيتاً فيها ولا مصلحة تجارية، وبغض النظر عن اسم التصنيف تجاري أو مكاتب، فلست ضليعاً في هذه المصطلحات، إلا أني كمواطن منتمٍ للمدينة، ومن وجهة نظر جمالية محضة، لا أقبل بفكرة البنايات المرتفعة، وأشعر بها تخنق منا الروح والقلب، وأعتقد أنه يمكن للبلدية منع ترخيص أي شقة سكنية تستخدم كمكتب، وأعتقد أن البلدية تقوم أو المفترض أن تقوم بالتدقيق على المكان المطلوب له الترخيص.. دمت بمحبة".
هي رام الله المعشوقة والحب وذكريات الطفولة، منذ وطأت أقدامنا إياها وسكنا في حدود بلدية بيتونيا ولرام الله أقرب، في تلك المنطقة الجميلة التي تحدثت عنها في مقالي السابق، والتي سأكمل الحديث عنها في مقالات لاحقة إن كان في العمر بقية، هي رام الله التي لا يفارق حبها كتاباتي منذ سنوات، وهذه الصباحات التي دخلت عامها الثالث تشهد على ذلك، فلا تلموني في حبها، ولا على أي نقد لا غاية له إلا مصلحة المدينة التي أحب، فأنا كنت وما زلت أخشى على رام الله والوطن كله من عتم الليل.
أقف لنافذتي أرقب قطرات المطر، أحتسي كوباً من الشاي الأخضر المغاربي بالنعناع، أضم روح طيفي البعيد القريب، أستمع لشدو فيروز تشدو:
"أنا خوفي من عتم الليل، والليل حرامي، يا حبيبي تع قبل الليل يا عيني لا تنامي، يا حبيبي لا تغيب كتير، بتتأخر ليليه أنا ما بدي هدايا حرير واسواره عيديه، بدي من عشيه نقعد بالسهرية، صوتك يضحك ملو البيت ويضوي أيامي، وعدوني عيونك بالنوم ورجعوا سهروني، وراح اليوم وميت يوم ما عادوا سألوني".
صباحكم أجمل.

رام الله المحتلة 23\1\2008

الثلاثاء، يناير 22، 2008

هكذا تكلمت مع غزة...

مريم الراوي
أتراها المظاهرات تشفي جراحكِ؟؟
أم ان الشعارات تشابه رغيف الخبز المفقود الذي تنتظرين؟!
وهل تكفيكِ دموعنا؟؟بل هل ستصمد شموعكِ؟؟
وماالذي يمكن ان يدفئ افئدتكم أيها الأحبة في ليل غزة البارد؟؟
الشجب ام التنديد ام الاستنكار؟؟
وجميعها القيناها بوجه صرخاتكم,وأنينكم الموجوع..
وهذا اقصى مايمكن أن نفعله,,فلا تتوهموا بأساطير الأولين..
ولاتراهنوا على المعتصمين من اجلكم..
فهاهو الان يرمي بنفسه عارياً في شوارع عاصمة الصمت,
ليعود الى بيته حاملاً معه صور يوم حافلٍ بالذكريات عن,
نداءات اصواتها اشباح ,ورسائل مختومة بالزيف..
جميعنا كاذبون ياغزة ..
جميعنا شياطين ياغزة..
ونحن ماغيرنا,نلقم صواريخ العدو بصمتنا..
ونحن ماغيرنا,من ندفع به لينقض عليك بلا رحمة..
أما علقنا الحقد والغضب على أبوابك؟؟
وصفعنا المسافات لترتد الاف الأميال نهاراتك؟!
أخبريني ماالذي لم نفعله بكِ,
ولازلتِ تحملين صليب آلامنا ورائك؟!
لا ياغزة..
اقرائي التأريخ,ولاتستغيثي بسجانك...
أحرضك انا على الصمود والإنتفاض معاً على جلاديك وإخوانك..
فليرموني بحجارتهم,وليقولوا مايشاءوا..فأنا دائماً وابداً رفيقة أحزانك..
ياغزة..
وانتبذي مكاناً لاشرقياً ولاغربيا..
إخلدي في دارك الذي كان عليهم عصيا..
وهزي بجذع الوجع السرمدي,يساقط عليكِ الصمود صبراً جنيا..
وغداً...
حين تتلاقى العين بالعين,,ويمشي الجرح تلو الجرح,
صوب مدائن الخالدين,
سنرى من يستطيع منهم ان ينادي على صغارك ياصبيا؟؟!!
ساعتها فقط,,
سيعلم الجناة,والبغاة,والصامتين,واالعابثين,إنهم نسياً منسيا..
وسيعلم الهائمون على اموالهم,
ان هنالك فرقاً بين من يقضي عمره بين الشموع,
وبين من في يديه خبزاً طريا!!
إطمئني ياغزة...
لن يذكرهم اله االحرب بمحبة,
ولن يربت على اكتافهم قمح الدهر الذهبيا..
ياغزة الجميلة..
أخبرك وصايا والتزمي بها ودعكِ مِن مَن كانت امه بغيا:
(عفية) إن استطعت ان تغرسي رماح نزيفك بخاصرة الرياح الغربية..
(عفية) إن أطعمتِ اولادك الصغار خبز من موواويل ومن نار تشتعل قرب الاسوار الكونكريتية..
(عفية)إن تحديتِ وحيدة,حافية,جائعة,تعبة,جيوش الغاصبين,والوحوش البربرية...
(عفية) إن مددتِ الشوق لأولى ايام ربيعكِ,وتجاهلتِ المعاهدات السايكس بيكوية..
(عفية)إن جالستي العقل ولفظتي عن يقين عباس وهنية..
(عفية)أن أزحتِ الوجع عن أطرافكِ وبترتِ الشعارات والخطب الوهمية..
(عفية) أن أنشدتي مع الكنعاني "أناديكم" وجميل أن هز الناي أغصان الزيتون وصحت على وقع أمله القرية..
(عفية)أن عدتي الينا كما عهدناكِ,فيض من رصاصات,ومن رشاش مخبئ بجدائل الصبية..
(عفية)إن نهضت طفلة تغني لأبيها الغائب عنها منذ أمد :
ياأبتي...
اني صامد هاهنا اتجرع الفقر والقهر بسرور
فلتتفضل جميع الصبايا معي,
فغدا" طريقنا موحشه وطويله وموجعه..
ياأبتي...
شموعنا الآن عيون..
وإنتظارنا مدن من نشيج..
حفاة,عراة,يأكلنا الجوع,
لكننا يأبتي لن نحيد..
فلا تقلق عليّ لا تقلق..

السبت، يناير 19، 2008

ثلاث أمنيات


مظفر النواب
مرة أخرى على شباكنا تبكي
ولا شي سوى الريح
وحبات من الثلج على القلب
وحزن مثل أسواق العراق
مرة أخرى أمد القلب
بالقرب من النهر زقاق
مرة أخرى تحني نصف أقدام الكوابيس...بقلبي
أضيء الشمع وحدي
وأوافيهم على بعد وما عدنا رفاق
لم يعد يذكرني منذ اختلقنا أحد غير الطريق
صار يكفي
فرح الأجراس يأتي من بعيد...
وصهيل الفتيات الشقر
يستنهض عزم الزمن المتعب
والريح من الرقعة تغتاب شموعي
رقعة الشباك كم تشبه جوعي
و( أثينا ) كلها في الشارع الشتوي
ترخي شعرها للنمش الفضي...
وللأشرطة الزرقاء...
كل شيء طعمه.. طعم الفراق
حينما ترتفع القامات لحناً أميا
ثم لا يأتي العراق
كان قلبي يضطرب... كنت أبكي
كنت أستفهم عن لون عريف الحفل
عمن وجه الدعوة
عمن وضع اللحن
ومن قادها ومن أنشدها
أستفهم حتى عن مذاق الحاضرين
أي الهي
ان لي أمنية ثالثة أن يرجع اللحن عراقياً
وان كان حزين
ولقد شق المذاق
لم يعد يذكرني منذ اُختلقنا أحد في الحفل
غير الاحتراق
لم يعد يذكرني منذ اُختلقنا أحد في الحفل
غير الاحتراق.

رثاء ُ لقصة حب


عيسى القنصل

وانتهت تلك الحكايــــــــــــــــــــه

لم تعش ْ عمرا طويـــــــــلا

لم يكن للصدق جذرُ بالتمنــــــــــــى



لم يكن للحب غايــــــــــــــــــــــــــه

كان طفلا ,,

ضاع فى الصحراء رمـــــــــــــــــــــلا

لم ير بعض الرعايــــــــــــــــــــــــــــه

كان وهما ..

كان حلمــا

مات من فجر البدايــــــــــــــــــــــــــــــه

كنت ُ مخنوقا بوهمى

كانت الاحلام ُ وهمـــــــــــــــــــــــــــــــــاً

والاكاذيب ُ هوايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

اننى من عمق جرحى ...

ارفع الاحزان رايـــــــــــــــــــــــــــــــــــه


لست ادرى كيف ابكى ..

دمعتى تحكى الروايـــــــــــــــــــــــــــــــه

كل ُشى ٍ قد تلاشــــــــى
واتت نحوى النهايـــــــــــــــــــــــــــــــــه



ونمى بالقلب جرح ُ

وتنامى فى الخلايــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

بعد ان كانت جفونا لعيونى

ودماء فى الحنايـــــــــــــــــــــــــــــــــــا

صار ذكر الاسم ليكفـــــــى

لانتحابى وشقايـــــــــــــــــــــــــــــــــى

+++000+++

يا حبيبا صار ذكــــــــــــــــــــــــــــــــرى

ورمادا ً وحكايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

لم يعد بالعين دمع ُ

قد بكيناك الكفايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

فاترك الاحلام تاتى

نحو عمرى كالهدايــــــــــــــــــــــــــــــه
لا تظن العمر يفنى

بعد ان خنت هوايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

اننى فى كل يوم ٍ

احتسى كاس النهايــــــــــــــــــــــــــــــــــه

فى سرور ٍ وحبــــــــــــــــــــــــــــــــــور

جائنا الهجر ُ لغايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

لم تكن يوما صدوقا ..

لم تكن يوما نقيــــا

كنت تجرى كاذبا تحمل التظليل رايــــــــــه

يا ضلاما فى حياتى

وانكسارا وانهيارا وخفايا للخفايـــــــــــــــا

لم يعد فى القلب خفق ُ

نحوكم يجرى ..كاعماق الصبايـــــــــــــــــــا

قد اتى النسيان ُ غيما ..

غاسلا قلبى ومن كل الرزايــــــــــــــــــــــــا

كن ْ كذكرى فى حياتى

كل ذكرى سوف تفنى

ليس من ذكراك َ غايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

خصي العجل

د.عيسى حاماتي

تلد البقرة,والمولود إما عجلاً أو عجلة.إذا كان المولود عجلة,فإنهم يربونها ويحتفظون بها ,لأنها حين تكبر,ستعطي الحليب وسوف تتناسل وتعطي عجولاً جديدة.أما إذا كان المولود عجلاً,فانهم ,إما يعلفوه ويسمنّوه تحضيراً لذبحه,أو يحضّروه للفلاحة.وإذا كان اللّبط من صفات الكرّ ,فان النّطح من صفات العجل.

ولتحضير العجل للفلاحة ,فانه يجب تكبيسه وقتل العنفوان وحب النطح عنده,وتكبيس العجل أسهل من تكبيس الكر ,لأن تكبيس العجل يتم بوضع النّير على رقبته.
ولكن هل تعرفون النير؟؟؟
هذه الكلمة التي طالما رددتموها دون ان تعرفوا معناها ,فلطالما قلتم ( ترزح تحت نير الاستعمار ,ورزحنا تحت نير الاستعمار).
يوضع النير على رقبتي عجلين معاً وهما بجانب بعضهما ,أحدهما مكبّس ومَخصي والآخر يافع وغير مخصي, فيضطران للسير معاً وهكذا يتم تكبيس العجل ,ولكن كي يصبح العجل طيّعاً وسهل المراس, يتم خصيه, كيف يتم خصي العجل؟؟؟
يتم خصي العجل بطريقة غاية في الهمجية والبربرية ,إنها أشد وأقسى مما يجري في أبو غريب وغوانتنامو.
يتم رمي العجل على الأرض,تُربط أطرافه الأربعة كي لايتحرك ,يؤخذ مخباط ويوضع تحت خصيتيه وتؤخذ ميجنة ( مدقّـة) ويبدؤون بدقّ خصيتيه والعجل يتألم ويتابعون الدّق ويتابعون الدّق ويستمرون بالدّق حتى يتم هرس الخصيتين تماماً ,هل بإمكانكم أن تتصوروا كم يتألم العجل؟؟.
لو تعرّض أحدنا لضغط خفيف على خصيتيه بيطلع من حبال عقلو ,فكم يتألم هذا العجل المسكين ؟؟؟.
لقد قرأنا في كتب التاريخ وسمعنا أن سلاطين بني عثمان كانوا يستخدمون في قصور الحريم الخصيان,,أي الرجال المخصيين,ولقد مررنا على هذه الأمور مرور الكرام ,ولم نفكر ,كيف كان يتم خصي الرجال؟؟؟
إذا كان الخصي يتم بهذه الطريقة,وإني اظن أنه كان يتم بهذه الطريقة ,فلله دَرّهم, كم كانوا قساة, وإني أسأل : أما كان بعض الرجال يموتون أثناء عملية الخصي؟؟؟
عندما تحمل البقرة ,يقال عنها أنها (معَشّرة),وهذا جايي من رقم عشرة ,لأن مدة الحمل عند البقرة هو عشرة أشهر,وعندما تكون البقرة مؤهلة للتلقيح ,يقال عنها : حايلة, وهنا تظهر عليها أعراض يعرفها الفلاحون, ولو كان المرحوم فهد حياً لعددها لنا , وهنا يفتش صاحب البقرة عن عجل غير مخصي , وأحياناً لا يوجد في الضيعة عجل غير مخصي ,فيضرون لأخذها الى ضيعة أخرى.

والآن اسمعوا هذه القصة :
في إحدى القرى ظهرت أعراض على أن البقرة حايلة ,فقالت صاحبة البقرة لزوجها (وكان مقصراً ) يللا يا رجال ,قوم جيب تراكتور كي ناخذ البقرة الى القرية المجاورة ,حيث يوجد عجل غير مخصي..
اجابها زوجها: هلق الوقت بعد الضهر خلينا لبكرا بكير أفضل.
قالت صاحبة البقرة: أخاف أن يفقس حيال البقرة اذا انتظرنا حتى بكرا, قوم هلق جيب تراكتور وخلينا نروح.
امتثل الرجل لكلام زوجته ,وأخذوا البقرة الى الضيعة المجاورة ,وعندما وصلوا الى بيت صاحب العجل ,قال لهم صاحب العجل :العجل تعبان وغير قادر اليوم ,لقد جاءته اليوم 8 بقرات ,لذلك فاليوم غير ممكن,ارجعوا اليوم الى ضيعتكم ,وتعو بكرا الصبح .
قالت صاحبة البقرة: يا عمي الله يخليك,نحنا جايين من محل بعيد ,ودافعين اجرة التراكتور,وكمان بخاف اذا انتظرنا لبكرا ,انو يفقس حيال البقرة.
قال صاحب العجل : يا عمي العجل تعبان ,اليوم جاه سبع تمن بقرات ,العجل روح مانو آلة.
هنا حن قلب صاحبة العجل وقالت لزوجها :اترك الشغلة عليي.
ذهبت صاحبة العجل الى المطبخ ,واحضرت سطلا من الماء ووضعت فيها كمية من السكر ,اذابتها ,وسقتها للعجل ...... فمشي الحال
دفعت صاحبة البقرة ما يترتب عليها وعادوا الى ضيعتهم ,وكانت صاحبة البقرة مسرورة لسببين,أولهما ان البقرة مشي حالا, والسبب الثاني أنها تعلمت شيئاً جديداً .
في المساء ,أحضرت صاحبة البقرة لزوجها كأسا من الماء مذاباً بها ملعقة من السكر ..... فلم تحصل على نتيجة.
تاني يوم مساء أذابت له ملعقتين من السكر وسقته إياها ........... فلم تحصل على نتيجة.
ثالث يوم أذابت له في كاسة الماء ثلاث ملاعق سكر وسقته إياها ........ فلم تحصل على نتيجة
هنا انفعلت صاحبة البقرة وقالت لزوجها :العمى بعيونك ما شفت كيف لما سقو العجل مي وسكر كيف مشي حالو , هنا أجابها زوجها :العمى بعيونك ما شفتي كل مرة بقرا شكل ومو نفس البقرا

تنّورين
وادي النصارى . سوريا

الجمعة، يناير 18، 2008

أقرب إلى اللبلاب

بسام الطعان
قصة قصيرة
بإمكانكم مشاهدة صورة الكاتب عبر الشريط المعروض في أعلى الصفحة
بالأمس، لا أعرف إن كان بعيداً أم قريباً، فهذا لا يهم، المـهم أن سنوات العمر تقصفت تحت ثقل الظلم، وأن نهر الحقد فرّق بين قلبين أخضرين.
قلبان يحملان الحب وشاحاً، ويرتديان اللوعة شالاً، كانا يلتقيان بين المروج، أو بجانب النهر المسافر إلى البعيد، وفي بعض الأحيان عندما تكون العيون الحاسدة التي تسرق البسمة من الشفاه متفتحة، كانا يحتميان في الوادي، خلف صخرة كبيرة تحمل أول حرف من اسميهما، ويتمتعان بالدفء المتولد من عشرة أصابع تعصـر عشرة أصـــابع، بينما أربع عيون مبدعة، لا تتعب من الغزل, تطيّر ملايين العصافير المشتاقة ، وتغزل من خيوط شمس الأصيل كباكيب ملونة بألوان قزحية ، ثم تحولها إلى ثوبين مطرزين بالمرح.
لا هو ولا هي، كانا يظنان أن السدود العالية سترتفع من حولهما، وتتركهما في بحيرة سوداء.
رأتهما بعض العيون الشرسة وهما في وضع يتمناه كل ولهان، وآن انتشر الكلام، تقدم من أوسع الأبواب بمشروع سلام، بنده الأول والاهم طلب يدها، وبنده الأخير نسيان الماضي بكل آلامه وعودة الصفاء إلى القلوب المتخاصمة منذ سـنوات طويلة، لكن مشروعه انهار قبل أن يقدم كل بنوده، حتى أن أكثرهم من الطرفين، سخروا منه بشدة وهددوه بالقتل إن رآها أو حلم بها مرة أخرى.
يا لهم من حمقى، أنهم يصادرون الأحلام وكأنهم أصحابها يوزعونها على من يريدون.
تحدث إليهم بلغة الطيبة فلم يفهموها، تحدث بلغة التهديد ففهموها وبادلوه بمثلها، لكنه غيّر رأيه وانتظر معجزة تطل برأسها وتحول الجمر إلى مرج أخضر يتسع للكل.
تأخرت المعجزة كثيراً، فأرسـل حمامة وحملها غصن زيتون، غير أنهم ومثل كائنات ممهورة بالهمجية، أعادوها إليه بوجه كئيب وغصن مكسور.
خرج من غرفة العناية المشددة، فأبحر نحوهم بقارب من سلام وبمجدافين من أمل، وفي منتصف الطريق المفروشة بالبارود، كسروا القارب على صخور العناد وزرعوا المسافات بأسلاك شائكة.
حاصروها بالخراب وأهانوها، ومن ثم حبسوها بين أربعة جدران لا تعرف ما هي الشمس، أما هو فصادروا حريته, طوقوه بمئات الأشباح، والقوا به في أحضان الاضطراب الأرعن.
ماذا عليه أن يفعل كي يراها، إنه يحن إلى النور الأخضر الطالع من عينيها، إنها مثل اللبلاب تعرش في وجدانه فكيف يبتعد عنها، أو يتركها، لمن يتركها، ولماذا يتركها؟
الأبواب كلها مغلقة بمزاليج من نار، وها سبعة أشهر وعشرة أيام قد مرت، أرسل لها مع عصفور رسالة مكتوبة بحبر اللوعة، بدايتها تصميم على الصمود، ونهايتها رغبة قوية بالهرب سوياً إلى عالم ليس فيه غير الحب والرحمة.
ـ كيف تطلب من حمامة ليس لها أجنحة أن تطير؟
ردها أشعل الحرائق في داخله، فتوسل إلى أمه أن تتوسط وتمده بشي من الراحة المفقودة, لكن صواعق اللامبالاة والتوبيخ أصابته وشـّوشته لأيام طويلة.
آه من الأيام ، حولته إلى مغلوب ومنكسر، ولكي لا يجري نهر الدم المسفوح بلا سبب كما قال أحدهم ، خلع ثوب الأمل وارتدى ثوب الحداد، وهاجر إلى الشمال البعيد.
قال لها مرة عند باب الليل الذي غار من شعرها الطويل:
ـ سأفعل المستحيل لكي يكون هذا الشعر لي.
طأطأت برأسها وانكسرت تعابيرها:
ـ أي ذنب ارتكبناه حتى نعاقب بهذه الطريقة المؤلمة؟
ـ لا تخافي يا (هالة) مهما حاولوا فلن يفرقوا بيننا.
تقلبت شهور الغربة وارتحلت، أخذت منه الكثير ، وبالمقابل عبأت جسده الباحث عن الدفء والحنان بالوهم والأنين ، وحولته إلى غريب لا ينتمي إلى الزمن الذي هو فيه.
ذات صباح دافئ، تزينه حبات مطر ناعمة ، فتح نافذة غرفته في الطابق الثالث, وأمام النافذة تذكر مرابع طفولته، فأرسل نظراته في الاتجاه المؤدي إلى بلده, شاهد عصفورا يرفرف وحيدا ويذهب في الاتجاه نفسه، شعر بأن العصفور حزين ووحيد مثله، ظل ينظر إليه وحبات بلورية تسقط من عينيه، وفجأة صاح بصوت أشبه إلى الهمس:
اذهب أيها العصـفور الحزين، قل لهالة الطهارة والصـفاء، هالة الجمال وبيارات الحنان، هالة التفاح المغمس بالعسل، هالة اللوز وعطر الربيع، قل لها ، اسمك سيظل مكتوبا على قرص الشمس ، ولك وحدك الانتماء وهذا الحب الكلي.
اذهب أيها العصفور الحزين، قل لابناء عشـيرتي الميامين، يا قلوباً بلا صفاء، يا أجساداً بلا أحاسيس ، يا رؤوساً فارغة وبلا أفكار، لماذا أطفأتم الشمس في عينيه؟ والى متى ستبقون في صدفة الحقد خالدين مخلدين؟
اذهب أيها العصفور الحزين ، قل لجحافل الشر, كنتم سعداء وأنتم تحبسونها وتمنعون عنها الطعام ، كنتم أغبياء وأنتم تعتقدون أنه ذهب بلا قلب وبلا عودة، فأنتم لا تعرفون أنه ترك لها قلبه وأخذ قلبها ، وأنها دائما معه، لا تفارقه، شعرها ينسدل على كتفيه، يلعب به في الليالي الطويلة ويتسلى به، صدرها في النهار يمنحه الدفء، وفي الليل يتحول إلى سرير وثير، ينام فيه ولا يصحو إلا لينام من جديد، شفاهها نبع ماء بارد، يشرب منه ولا يرتوي أبدا، أصابعها لا تفارق أصابعه, يداعبها باستمرار ويحكي حكايات حبه التي لا تنتهي.
اذهب أيها العصفور الحزين، قل للجميع، الصغار قبل الكبار، اخرجوا من دوائركم السوداء، جربوا الحب مرة واحدة، عندها ستعرفون كم من قلوب عذبتم، كم من أحلام قتلتم, وكم من حقد زرعتم.
اذهب أيها العصـفور الحزين، قل لكل المحبين، لا تتركوا قلوبكم تعيش مع قلوب لا تعرفها، وإذا فعلتم غير ذلك, ستندمون على العمر الضائع حتى الصمت الأخير، وستقول لكم قلوبكم لماذا امتهنتم الخيانة وحولتمونا إلى مظلومين في الحياة، ولا تنسى أيها العصفور الحزين ، أن تقول لكل العاشقين، لكم المجد وإياكم والاستسلام.
اختفى سفيره فعاد مع حزنه وتناول طعامه بصمت.
بعد ثلاثة أيام، استيقظ في ليلة باردة من نومه مذعورا، فقد رآها أثناء نومه تغرق في بحر أسود متلاطم الأمواج وتناديه باسمه مرات ومرات، كم تألم وكم شعر بالحزن لأنه كان واقفا على الشاطئ ينظر ولا يتحرك حتى اختفت.
ترك الحلم انفصالاً عسيراً يدب في كيانه، شرب حسـوة ماء وحاول النوم من جديد، ولكن كيف يأتيه النوم والوسن طار دون أجنحة وتركه مع الهموم والأوهام، ظل السهد يعاشره بوقاحة، وهرباً من جنون يراوده ، ارتدى ثيابه وخرج دون أن تكون له وجهة محددة، على الدرج سمع صوتاً من داخله يقول:" الجو بارد جداً فأين ستذهب الآن؟" لم يستمع إليه وإنما راح يسير في الشارع الخالي من المارة وهو يحرك يديه باتجاهات مختلفة ويتحدث بصوت مسموع، أكل البرد دفء جسده كله فعاد مثل عصفور منتوف الريش، أشعل المدفأة, الصق جسده بها إلى أن عادت إليه الحرارة، وبتفكير لم يدم أكثر من دقائق، وفرارا من الضياع, حزم حقائبه وكان قلبه يفيض شوقاً للصباح.
حين وصل لم يسأل عن غيرها, فقالوا وهم يبتسمون:
ـ إنها ترقد في سلام.
تخشب جسده من هول المفاجأة، زفت خلاياه إلى الهذيان ، وسرعان ما وقع مغشيا عليه، وحين نهض، دار من حوله كأنه يبحث عنها بينهم، تطلع إلى بعض الوجوه، ثم استدار وسار إلى حيث ترقد بسلام ، صعد التل المفروش بالأشواك وبعض الأزهار اليابسة ، اقترب منها بخطوات مرتعشة، خائفة، باكية، مجنونة, وقف إلى جوارها:
ـ صباح الخير يا هالة الطهارة، ها قد جئت إليك رغما عنهـم ولن يفرقوا بيننــ ..
لم يستطع أن يكمل، انهار فيه شيء ما، رأى الدنيا كلها بيضاء صافية، ولم ير بعدها أي شيء، وكان الآخرون بعضهم يبكي وبعضهم يبتسم.


bassamtaan@yahoo.com

الى ما وراء عاشوراء

د.ابراهيم عباس نــَتــــّو
عميد سابق في جامعة البترول-السعودية
عَبْرَ العصور يجيءُ عاشوراءُ
بَدءاً بموسى،..بَعدَهُ الحُنـَفـاءُ
ثــمّ النبيُ محمـدٌ من بعدهــم
صاموا بهذا اليوم، و الخلفاءُ
يومٌ لـه طَـيَّ العقائدِ قيــمـةٌ
يرعاهُ أهلُ العلم و الفضلاءُ
فيه المعاني و المقاصدُ جَمةٌ
و له العيالُ مع النفوس فداءٌ
عَبرَ العصور و للفداء مواقفٌ
رمزُ الكفاح، أفاحِـلٌ و نسـاءُ
ما بينَ يثربَ و البقيعِ شواهدٌ
يُحصِي أساميها الكَرا و حراءُ
تلك البقاعُ و في القلوب مَلاحمُ
فوقَ الجبينِ و ما عليهِ غِطاءُ
هـذا بأحْـدٍ حـَمـزةٌ فـي عَــدْنـه
و "أبـوعـليٍ" قـبـرُه الوضـّــاءُ
يعلو البطاحَ المسكُ في جنَباتها
تزهو الجنانُ و تخلدُ "الزهراءُ"
كيفَ العـزاءُ على مناقب ثلةٍ
للأكرمين..و هل هناك كـفاءُ
هذا الحسينُ ومن بقى في طـَفـِّه
في يوم كربٍ شـاع فـيه بـلاءُ
مـن حولـه فـرسانُه و رجالُه
رهنَ الإشارة..هاهمُ النُّجَباءُ
و إذا الحوافرُ من وراهُ مُغيلةٌ
لـلعار رمـزٌ، للشنار وعــاءُ
تأبَى الكرامةُ أن تُوارى جانباً
و تظـلُ تاجـاً حيثُما الشُرفـاءُ
إن الحياة لبالدروس وفـيرةٌ
رغمَ الضياءِ يفوتُها الجُهلاءُ
فوقَ الجِباهِ و بالدوام منيرةٌ
كَـيْما يراها الصفوةُ الحكماءُ
نرجو لنا بـين الأنام هـدايةً
ليشـعَ فـينا الخيرُ و النعماءُ
فنرى على مَرِّ الزمان فئاتـِنا
مـصفـوفـةً لا يعـتريهـا جَـفاءُ
حيـثُ الأخـوةُ لـلديار أواصـرٌ
غابَ الأعادي عنْهُمُ أمْ جـاءُوا
تـلـقاهمُ رَمزَ الفِداء سواعداً
فهمُ الدعامةُ للحِمى إن شاءوا!
و بِجدِّهم يرْبُ النماءُ..بِعلمهم
يعلو البناءُ، و يَـكثرُ الإنشاءُ
و همُ شعارُ الناس كيْ تَعلو بهم
هــامُ البـلاد، الغرةُ..العـصماءُ!ا
مكة المكرمة

الخميس، يناير 17، 2008

أفكارٌ في الطابور

سامي العامري
---------
حديثٌ مع رَبَّةِ الشفاء
------------------------
إجعلي من رأسي موطئاً لقَدمكِ أيتها الربَّةُ وانتِ تنزلين الى الأرض ولا يحرجَنَّكِ ما قد يتمخَّض عن هذا النزول المقدَّس من اضطرابٍ في أفكار هذا الرأسِ فهذه الأفكار في النهاية لا قيمةَ لها فقد حفَرَ في رأسي ثغرةً قَدَرٌ مجنونٌ ضالٌّ ثمَّ دسَّها فيه وعاد لينسبَها اليَّ لذا فانني لا أخاطبُكِ من خلال هذه الأفكار فانا سحيق الغربة عنها وإنما أخاطبكِ من خلال روحي التي تتألَّم , التي تتطلَّع ,
وهاتان كفّاي أبسطهما عَتَبةً ثانيةً لسُلَّمِ نزولك وسأجعلُ من رُكْبَتيَّ عتبةً ثالثة .
أمَّا وقد بُتْنا الآن وجهاً لوجهٍ فتعالي معي الى حيث مُستقرّي الجديد في مشفاي لأريكِ شجوني من النافذة .
أُنظري , الحقولُ تزيَّنتْ احتفاءاً بمقدمكِ , وسأسمّيكِ من الآن باسم التي أحبَّتني وأحبَبْتُها ثم استجابتْ بلا وداعٍ لنداء الأبد وباتت تتنفَّسُ في جسد قصائدي ,
سأسمّيكِ باسم الصروح المفقودة : الأملِ , الحرية , الأخلاص , وأقول : الرياحُ مِهما تبلَّدتْ ستجدُ ذاتَ يومٍ غيوماً فتهرعُ لحملِها مبتهجةً ,
والنجومُ مِهما ابتعدتْ عن ناظرينا نحن البَشَرَ ستظلُّ على مرأىً من الآلهةِ , وعلى مرأىً منكِ ,
والزهور مِهما عبثَتْ بألوانها أصابعُ الخريف فعطرُها باقٍ في جدائل النساء ,
والعصافيرُ ... ؟
لا أتذكَّر أني رأيتُ جُثةَ عصفورٍ في طريقي حتى أنني لا أُصدِّق أنها تموتُ , أظنُّ أنها تقطعُ عمرَها اللحظويَّ زقزقاتٍ حتى تستهلكَ جسدَها أيْ تتبخَّر , تتحوَّل الى أصواتٍ تملأ فضاء الدنيا وفضاءَ روحي ,
والينابيعُ مِهما طمَرَها ترابُ العواصف فسرعانَ ما يطلُّ من بين شقوق التراب برعمٌ أخضرُ ساخراً فنعرفُ أنهُ ما زال في الأعماق مرجانٌ ولئالئُ وأصداف وأسماك ,
وهناك الى الشمال حيث المدينة , المدينة !
كم مرةٍ دخلتُها صارخاً في شوارعها الليلية : مَن انا ؟ ما انا ؟ فلا تنحني أسفاً وتعاطفاً إلاّ الجدران !
أقول هناك , كنتُ في أشدِّ ساعات توقي الى الوحدة المطلقة أجلس على أريكتي وكما الآن , أنظر من خلال النافذة , أرى حدود الدنيا بعين القلب , ولكن هل استطعتُ التعبير عنها يوماً ؟
مهما يكنْ فقد كنتُ أقول متمتماً مع نفسي :
الأرصفةُ مِهما امتصَّتْ من نفاياتٍ وعويلِ شاحناتٍ ففي المساء ستزيح عنها هذا الغضبَ العاجز أغنيةٌ خافتةٌ يدندنُ بها عابرُ سبيلٍ مخمورُ القلب .
ومرةً أخرى على الطرف الشمالي , ألا ترين معي تلك الغابة ؟ كنتُ كذلك أرقبها , وفي آخر مرَّةٍ ومن خَلَل الظلام رأيتُ على أحد أطرافها ضوءاً بحجم دُبّوسٍ , إنه منقارٌ أحمر لبلبلٍ من بلابل الدانوب , كان يتحرَّكُ قلِقاً , أكان يكافح للإستيقاظ من حلمٍ مزعجٍ ؟ وكنتُ أقول : حتى ذلك البلبلُ ستنحني ورقةٌ فتربِّتُ على كتفهِ , واستبشرتُ قائلاً عمّا قليل ستطلع أنوارُ الفجر فيُداهمُها بالرفيف .
لا تسأليني أيتها الربَّة كيف عرفتَ هذا ؟ إنني أعرف هذه الغابة بكلِّ تفاصيلها فعلى لحن أوراقها وهي تتمايل نغَّمتُ قصائدي وكان من أنساغها حبري وجنب كلِّ جذعٍ من جذوعها غرستُ زجاجة نبيذٍ حتى أنها كانتْ تورقُ أحياناً قبل الأغصان !
وذلك البحرُ على الشمال أيضاً ,
ألا ترينَ أنه يتحيَّنُ فرصةَ اقتراب الأشرعة , الأشرعةِ البعيدةِ حدَّ الدُّوار ؟ أقول مِهما طالَ أمدُ ابتعادها ورُسوِّها عند السواحل ستناديه في الختام , وكلُّ شراعٍ لسانٌ مائيٌّ بليغ فالبحر لا يفهم إلاّ لغة الرحيل الزرقاء ,
وتلك الجبال السوداءُ الخُضرةِ والمتمايلةُ السفوح حتى لتوشك أنْ تطير , رأيتُ ذات ظهيرةٍ نجمةً تتقافزُ على قممها وعلى كلِّ قمةٍ تنبشُ حفرةً وتغرسُ فيها شيئاً ما لا أدريه , لعلَّهُ دمعة او وعدٌ وكانت تحيط بها خيامٌ تخفق كالغيوم الصغيرة .
أقولُ أيتها الربَّة : كلُّ هذا وجدَ لهُ حَلاًّ إلاَّ دمي الدائر كقلادة براكين , وانا ما كنتُ لأقول هذا إلاّ لأنك تقفين الى جواري وتصغين اليَّ وإلاّ فجرحي أعمقُ من كونٍ مقلوب .
فقالتْ الربَّة :
إبقَ في محيط عذابك فالخروج منه فخٌّ ! قد تتبرَّمُ من سعادة الناس وعبثيتها , وهو كذلك فما جدوى واحةٍ في صحراء غير آهلة إلاّ بالموت وصفير الريح ؟
ولكنَّ أفكارك عناوين يقظتك , والفكرةُ , أيةُ فكرةٍ اذا بقيتْ حبيسةً في داخلك فلن تجد مَن يمَيِّزكَ عن السجّان ! أعرفُ أنَّ في داخلك الكثيرَ من الأفكار التي تمور وتنتظر في الطابور .
إصنعْ من بعضها شراراً .
انا لا أريد لك الشفاءَ العاجل وإنما الحرف القاتل , الحرفَ الذي تقول بهِ بأنك وضعتَ الجبّارَ المناسب في القُمْقم المناسب !
----------------------------------
كولونيا - 2008
alamiri84@yahoo.de

ذبيح الفتح

د. نوري الوائلي

يا صاحبي صارَ سكبُ الدمع تلحيني = وضيقُ صدري مع الآهات تلويني
يا صاحبي ما بقى للعين من وجعي = بعضُ الدموع ولا نامت فترويني
الأفق بؤسٌ وقلبُ الكون منكسرٌ = والبحرُ نارٌ بحزن الماء والطين
الصخرُ والقللُ الصمّاء هاوية = والكائناتُ كحبّ في طواحين
الحزنُ أسمى من الأقلام توصفه = والعسرُ جمٌ فلم يجمعْ بتدوين
هذا ليوم بكت افلاكنا عجبا = واحمرت الأرضُ من نحر القرابين
يومٌ به ذبحت للمصطفى مهج = وأنهزت الزهراءُ من فعل الشياطين
يومٌ جيادُ شرار الخلق واطئة = صدرَ الحفيد وغصنا من رياحين
يومٌ وحقك يُسقي الخلقَ في كرم = عذبَ الينابيع من خلق ومن دين
الظلمُ منه مع التمكين منهزمٌ = والجرحُ صوتٌ علا صوتَ السكاكين
هم علية بزغت بالنور فالقة = عتمَ الظلام كفجر في بساتين
قادوا بعزّ جيادَ الموت تصحبهم = كالعرس أبوابُ فتح للمجيبين
هدوا المظالم والتيجان واقتطعوا = رأسَ النفاق وخدامَ الفراعين
جمعٌ يضمُ من الأصحاب خيرتهم = من أهل بدر ومن فتح وصفين
لم يبقوا للجور ليلا يرتوي نغما = أو يقضي العمرَ في الديباج والعين
ماذا أقول وهل في القول من وسع = في وصف كرب على ذبح الميامين
حزنٌ يخففه الأيمان أنّهمو = بالنصر فازوا وفازوا بالموازين
أبكى الرسولَ حسينٌ قبل مصرعه = فالحزن من سنن المبعوث ياسين
العينُ تدمعُ يا سبطَ الرسول فلا = عيني تجفُ ولا حزني يواسيني
ما ذنب جثته بالرمل عارية = من دون قبر وحال كالمباحين
هبّتْ بسنـّته الأحزانُ تعصرني= والحزنُ فرضٌ على صدق المحبين
يا كربلاءُ اليك الشوق يورقني = والبعدُ عنك سقاني ماءَ غسلين
فيك الشهيدُ وفيك البدرُ منتصبا = كالنار تعلو بجمر من براكين
فيك القبابُ لها في الأفق سارية = تحي الزمانَ بأنوار المناجين
يا كربلاءُ خذيني من لضى ألمي = فالقلبُ ينزفُ من لهب الشرايين
ياكربلاءُ اليك الخلقُ لاهفة = من تؤمين هما سينٌ اخو الشين
في كل عصر بك الأحرارُ اقتبسوا = صدقَ العزائم في رفض الطواعين
أرض وحقك للدنيا منارتها = للتائهين ملاذا دون تلقين
اسألْ لمن شأتَ من بدو ومن عجم = عن كربلاءَ وعن قتل لميمون
الكلُ يعرف إن السبط مأذنة = والقاتلونَ لهم سوءُ العناوين
يا صاحبَ الفتح قد أشرقت في زمن = فيه النفاقُ بنا حكمَ السلاطين
قد قدّت وثبا الى الأصلاح غايته = كالسيف تحمله أيدي المهابين
يأتي اليك على السيقان في ولع = من كل فج وفودٌ من ملايين
مالي بقبر كأن الشمس طلعته = يحوي الحياة ويحوي خيرَ مدفون
قبران شمسٌ وبدرٌ كان نورهما = بالحشد ضموا برغم من زنازين
يا قبة المجد والأصلاح خالدة = طولَ الدهور بنهج للموالين
منك الشموخُ الى الدنيا يوجهها = فكر وسيف على صدر المرابين
تحت القباب عيون من دم وهج = يروي الحياة ويهدي من قرائين
هذا القتيل يعيش الخلد منتصرا = والقاتلونَ ضياع رغم تمكين
هذا القتيلُ قلوبُ الخلق مسكنه = والقاتلون تراب في درابين
ما كنت تخرج للأصلاح في كفن = لولا الفساد ولولا سطو مفتون
فتحا بدأت فيا مرحى لمن تبعوا = صوت النداء وصاروا من منادين
تمشي وروحك للأيتام حاضنة = هذا ذبيح وهذي أم مطعون
من بعد ما قتل الأحباب في عطش = واحمرت الأرض من قتلى الميادين
الأخت تجلب للأيمان في فزع = خيلَ المنايا ودمع العين بالعين
قبل الظهيرة والميدانُ في لهب = الطفلُ يُذبحُ والأعناقُ من سبعين
بين الذبائح والأوصال مرتجلا = فردا وقفت بلا وزر ولا عون
تبكي على قاتليك الدهر في وجع = والرافضين لسبط بعد تبين
هذه الصفات لأهل البيت زينتهم = والكارهون لهم خلق المعابين
طفلٌ بلا لبن قد جفّ من عطش = بالسهم يرمى , فذبح دون تأبين
العرق ينزف والعينان في فزع = كالطير مرتعشا في حضن شاهين
يابنت فاطمة الزهراء صبركموا = قد فاق وصفا بكتب أو دواوين
جأتي بركب وأهل البيت زينته = والفضل فيه كبدر للمباهين
بعد المصاب رجعت البيت خالية = من خير حشد ومن فضل وتمكين
الركب أصبح يا بنت الرسول كمن = في العش بات جريحا دون تحصين
الطف في الأرض بستان وساقية = ملء الثمار , لها أشدو فتحيني
يا نهضة السبط قد غيرت من عرف = السيف يعلو على جرح وتدوين
الجرح فيك خلود ما له سكن = والسيف بال كخرق ساء تكوين
هذا المصاب لنا هدي ومدرسة = أن لا نوالي طغاة ً من فراعين
حزنٌ وحبٌ وأيمانٌ ومنزلة = فيها الجنانُ فيا ربحَ المواسين

الأربعاء، يناير 16، 2008

صباحكم أجمل \ أعود لوطن الموج


زياد جيوسي

رام الله في مشهد شتوي
"بعدستي الخاصة"


صباح حزن ودم وألم
صباح آخر في رام الله، إضراب شامل والمحلات والمؤسسات الرسمية مغلقة، الأعلام منكسة، صباح مجلل بالحزن والألم، صباح بارد جداً بحرارة الجو، لكنه صباح مشتعل بألم القلوب ونارها، فالدم الذي يسيل في غزة يصب في رام الله، والدم الذي يسيل في رام الله وكافة المحافظات الشمالية حسب التسمية الرسمية، يصب في غزة، فالدم واحد، الجرح واحد، الوطن واحد، شاء الساسة أم لم يشاءوا، فالقذيفة التي تسقط في غزة، تدمي القلوب في كل الوطن، والمؤسف والذي يُنـزف الدم أكثر، أن نستمع لتصريحات من بعض الساسة الكرام، يشنون الهجمات على بعضهم، بدلاً من التكاتف في مواجهة الاحتلال، وينسون أن انقسامهم وصراعهم هو الذي أدى إلى استفراد العدو بنا، فيقتل عدد كبير في مجزرة غزة، ويُكمل في قباطية جنين، يحدد أين يضرب ويقتل، ونحن نتلهى بتوجيه الاتهامات لبعضنا، أو إطلاق النار على بعضنا وتعبئة المعتقلات، كفاكم عبثاً بدم الشهداء، كفاكم عبثاً بالوطن، آن الأوان للخجل، وآن الأوان أن تجلل أجساد الشهداء بالعلم الفلسطيني الواحد، لا بأعلام الفصائل وراياتها التي لم تزدنا إلا فرقة وتمزيقا.
الحياة تنبت من قلب الجراح
عبر ما يقارب مائة عام مضت، اعتاد الشعب الفلسطيني أن يقاوم بكل وسائل المقاومة المتاحة من جهة، وأن يدفن قوافل الشهداء قافلة إثر قافلة، وفي نفس الوقت يزرع الزيتون واللوز الأخضر، ويبدع بالميجنا والعتابا والدبكة، يبدع بالفن كما يبدع بالصمود، وأذكر أننا في ظل الاجتياح البشع عام 2002، كنا نستغل أوقات فك حظر التجول القليلة الوقت، لنقف ونمارس بعض الفنون ورسم العلم الفلسطيني على وجوه الأطفال، على بعد خطوات من الدبابات، في إشارة تحد واضحة، فالشعوب الحية وحدها التي تتمكن من أن تعيش الفرح وتبدعه من قلب الألم والدمار، ففي يوم السبت الماضي استفدت من العطلة الأسبوعية بجولة في المدينة، أمتع روحي ببعض من أشعة الشمس رغم البرد، ملتقطاً بعض الصور لرام الله، حين عرجت في طريقي على مركز خليل السكاكيني، التقطت بعض الصور لهذا المركز الجميل والمتميز بنمط بناءه، والتقيت بمدير المركز على فنجان قهوة، تحدثنا عن هموم العمل الثقافي والفني في الوطن، وفاجئني بمفاجئة طيبة، أن المركز سيقوم بالتعاون مع المنتدى الثقافي النمساوي، بافتتاح معرض للفنانة النمساوية العالمية "سوشانا"، هذه الفنانة التي قضت معظم حياتها في التجوال والرسم بأنحاء العالم، وتأثرت بثقافات متعددة ومنوعة، وربطتها علاقات قوية بفنانين على مستوى عالمي، مثل بيكاسوا الذي رسمها بلوحة عام 1954، وحافظت على روح فنية تميزت بها، وتنقلت في معارض كثيرة، ورسمت الكثير، ومن أجمل اللوحات التي رسمتها لوحة لغزة وأسمتها غزة، بمقاس 115\80 سم وذلك عام 1992، وهذه الفنانة التي ولدت عام 1927 والتي ستزورنا لوحاتها بدون حضورها، فهي لن تتمكن بحكم السن والصحة من المشاركة والقدوم من فينا، والحقيقة أجد لزاماً أن أشكر مدير مركز خليل السكاكيني على هذه المبادرة، فالسكاكيني تميز بذلك منذ بداياته، آملاً أن يتاح لنا مرات أخرى الاطلاع على أعمال عالمية مثل أعمال "سوشانا".
لا تخنقوا القلب منا
أيضاً يوم السبت الماضي ورغم برد أمسيات رام الله، شاركت في قاعة القصر الثقافي بلقاء مع بلدية رام الله، وإن كنت أكرر الشكر على هذه السُنة الطيبة والجميلة، التي استنتها بلدية رام الله بدعوة المواطنين والاستماع منهم، فيما يجد من مشاريع تمس المواطن مباشرة، فليسمح لي المجلس أن أسجل وبصوت عال رفضي كمواطن لفكرة تحويل شارع النـزهة والمعروف بشارع المكتبة إلى تجاري، وتحويل قطع الأراضي إلى تجارية، والترخيص لبناية ترتفع أربعة عشر طابقاً فوق الأرض، والاستناد إلى سابقة وجود بناية مخالفة منذ عهد الاحتلال ليس مبرراً، والإشارة إلى أن العديد من الشقق حولت لمكاتب ليس مبرراً أيضاً، فالأولى إزالة المخالفات بدلاً من جعلها ثوابت وأسس نستند إليها، والرجوع عن الخطأ أولى من الاستمرار فيه وتشريعه قانوناً، وهذه المنطقة الهادئة الجميلة ستتحول إن تم مشروع البرج إلى منطقة من الأبراج المرتفعة، هذه الأبراج التي ستمنع الهواء وتكتم الأنفاس، فمجرد تحويل المنطقة من ترخيص سكن إلى ترخيص تجاري، سيرفع أسعار الأراضي، ويدفع أصحاب الأموال لزرع الأرض أبراجا إسمنتية، في الوقت الذي يطالب الجميع فيه بخروج القلب التجاري إلى الأطراف، وتحويل وسط المدينة إلى منطقة مشاة وتسوق وجمال حدائق، فدعوا شارع النـزهة للنـزهة، ولنحول الضواحي إلى أحياء تحوي هذه الخدمات التجارية، بدلا من التكديس في القلب، حتى يكاد القلب أن يختنق.
عودة
أعود من جولتي في شوارع المدينة، فقد سرت في شارع يافا حتى وصلت إلى أطرف بيتونيا، وهناك وقفت انظر لهذه الأراضي التي زرعت بالعمران، فبعد عودتنا لعمان من القدس وأنا في الصف الثاني الابتدائي، وما أن انتهت السنة الدراسية حتى كنا نشد الرحال إلى رام الله، كان ذلك في صيف عام 1963، فقد نُقل الوالد إلى رام الله، واكترى لنا بيتاً في أطراف بيتونيا، هو لرام الله أقرب منه لبلدة بيتونيا الجميلة، في حي كل بيوته لم تزد عن سبعة بيوت، والمنطقة محاطة بالأشجار والبساتين التي انقرضت الآن، وكان كل بيت ملحق به مساحة من أشجار الخوخ والبرقوق واللوز، وكنت أحب أن أقضي وقتي تحت الأشجار على الأعشاب والورود البرية، أقرأ باستمرار وأتمتع بالجمال الطبيعي، وأزور نبع ماء داخل كهف جف مع الزمن، أشرب منه وأتنعم بغسل يداي ووجهي بمائه البارد، وأصعد إلى سطح مبنى مكون من رصف الحجارة والطين، كنا نسميه القصر، وهو بالأصل مكان يلجأ إليه أصحاب الأرض في مواسم القطاف، فالمواصلات كانت صعبة والمسافات طويلة، وكم كنت أشعر بالمتعة وأنا أجلس على سقفه، أنظر لمنطقة بطن الهوى الجميلة المكتظة بالأشجار البرية، والتي كانت تدور حولها الكثير من الأساطير، وأنه لا يسكنها سوى الضباع والجن، وتنبت فيه نبتة تفاح المجنة التي تسبب جنوناً مؤقتاً لمن يأكلها، وهي نبتة ذات رائحة طيبة وشكل أشبه بتفاحة، وبذورها هي التي تسبب هذه الحالة، والتي أصيب بها أكثر من صبي بسبب فضولهم وأكلهم لها، المنطقة كانت جميلة جداً وهادئة جداً، فكنت أتمتع بالسير على الشارع حتى أصل إلى أول طلوع "سلفانا" وأعود حتى مفرق عين عريك، وكنا نقطف الثمر ونأكل بدون تحرج، فأصحاب الأراضي كانوا لا يمانعون، فالخير كثير والأشجار محملة بما لذ وطاب، وكانوا يطلبون منا الدخول مباشرة للبساتين، وعدم التسلل من فوق السلاسل الحجرية حتى لا نهدمها، ولكن الطفل يبقى طفلاً، فكنا نجد المتعة بالتسلل من فوق السلاسل وقطف الثمر، بينما البوابات مفتوحة لنا بكل ترحاب.
أعود لصومعتي متأبطاً صحيفتي أنظر للمدينة التي ترفع أعلام الحداد وتغلق أبوابها احتجاجاً، أعود وفي الذاكرة الكثير عن بيتونيا ورام الله، بعض من ذاكرة فردية وذاكرة وطن، أقف لنافذتي وأشرب القهوة، أنتظر صديقي إيهاب فني الحاسوب لحل مشاكل حاسوبي، هذا الشاب الطيب الذي لا يقدر على الالتزام بموعد أبداً، إلا حين أدعوه لتناول الغداء المتأخر معنا، فمنذ أيام والحاسوب قد أصيب بحالة من البرد أدت لتوقفه، ونحن أصبحت حياتنا ترتبط بالحاسوب والشبكة العنكبوتية كثيراً، بحيث أن كل مشاريعي واتصالي مع العالم توقف خلال هذه الأيام، فشعرت بالعزلة عن العالم مما أعادني للتعامل مع التلفاز لمتابعة تطورات الأحداث، أقف للنافذة متأملاً المدينة المغلقة وطيور الحمام تحط وتطير على نافذتي، أستذكر طيفاً يعيش بروحي رغم سفره للبعيد، كم أشتاقك يا طيفي الشقي الحلو أنت، أستمع لشدو فيروز:
"من يوم اللي تكون يا وطني الموج كنا سوا، ليوم إلي بيعتق يا وطني الغيم راح نبقى سوا، تاجك من الأمس ما بنكتفي شعبك بيحبك لتبرم الشمس، توقف الأيام على رماد اللي راحوا على غابر الزمان ، على الحجار السود إلي بقيوا من الحيطان، على منديلك أمي على أبواب البيوت، عم بكتب يا وطني، الوطن ما بيموت".
صباحكم أجمل.
رام الله المحتلة 16\1\2008
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com

الاثنين، يناير 14، 2008

تجاربنا وخبراتنا

علي جبر
التجربة.
... لفظ قد لا يحتاج الكثير لفهم معناه ... ولكنه يتسع ليحوي كل حياتنا .. ماضينا وحاضرنا .. ومن البديهي أن نبني عليه مستقبلنا ..
الجانب الإيجابي منه يعني النضج في مستوياته المتعددة العقلي والعاطفي .. وبذلك يعد عملية مستمرة ومطرده لا تقف أبداً ولا ينبغي لها ذلك ..
وإستقراره يعني الموت الفعلي أو التبلد العقلي والشعوري .. وهذا هو الجانب السلبي !!! عدم الإستفادة والتعلم من تجاربنا خطاً كانت أم صواباً (( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )) وفي العرف يقال " العاقل من أتعظ بغيره والشقي من أتعظ بنفسه " ...
لا تخلو حياتنا في شتى نواحيها من عقبات قد تتكرر نتيجتها السلبية إذا كنا عقيمين في التعامل معها .. ولا نجد لأنفسنا أية حلول جذرية بل يصل الحال بنا أحياناً إلى اليأس والإحباط ودفع كرة الثلج إلى الأمام لتكبر مع الأيام وندعي المفاجأة إذا رأيناها تملأ الأفق ...لنكن أصحاب أفق أوسع تتلاشى في أنظارنا كرة الثلج ...
لنستفد من تجاربنا ونتمتع بهذه الإستفادة .. ذلك سيزيد من ثقتنا بأنفسنا وبــحلولنا التي نتبناها .. ويدفعنا لنجرب غير ما قد جربناه إيجابياً بالتأكيد لنبني خبراتنا وندعها تتراكم من تجاربنا وتجارب الآخرين ...
نعم
الحياه كلها تجارب وليس بالضرورة ان تكون كلها ناجحه ولكن لابد ان تجرب بنفسك ولا تعتمد على تجارب الاخرين والتجربه خير برهان
يجب أن نخطأ لنتعلم من الخطأ ... بوجوده نعرف الصواب
الخطأ ان نكرر الخطأ مرتين ...!دون الاستفــاده منه بالمرة الأولى ....... تجاربنا هي واقعنا الذي عشناه .. لذا علينا التعلم منها
وأخذ العبرة والعظه مع كل موقف يمر بنا
ولدت التجربة لنتعلم منهافاذا ذهب التعلم اتى الفشل و الفشل ليس فى عدم النجاحبل فى عدم التعلم ... من الفشل !.
فعلا
نعم من منا لم يمر بتجارب في حياتهولكن العبرة فيمن يعتبرويستفيد من كل تجربةليست العظمة في ألا تسقط أبدالكن العظمة في أنك تستطيع أن تنهض من جديد
**
حكمة
: الحياة مليئة بالحجارة فلا تتعثر بها .. ولكن أبني بها سلماً تصعد به نحو النجاح

الأربعاء، يناير 09، 2008

شيء ما فى داخلي

عيسى القنصل

هناك شىء ما يعيش فى داخلى اقوى من شجاعتى واكثر نموا من ثوانى الزمن ..واكثر اتساعا من الفضاء المحيط بى واعمق من ماء فى جوف الينابيع ..
هناك حبال ما تشدنى الى الوراء بعنف وقوة وفى عنف اصرار ..اشعر بكل رياح الارض تعوى فى اعماقى وفى ضباب صباح قاتم معتم هنا يتجول فى اعماقى ..وكانما افعى سوداء تتحرك فى امعائى وتخنقنى الى درجة الاحتضار ..
هناك بركان من الغثيان فى داخلى ..هناك امواج متلاحقة من القلق تتراكض الى شواطىء افكارى وقلبى ..وكانما قلبى كومة من الرمال ايضا تتلاعب بها رياح هذا القلق العنيف الذى يدخل الى كل مسامات عمرى ..
هناك امطار من القلق الغريب تمطرنى ..تكسر كل لحظات الصبر والاحلام التى كنت اعيش بها ..وكاننى طفل فى مركب مات والده فى عمق البحر وبقى وحيدا بلا مجذاف او نقطة ماء ..
لا ادرى اشعر بخوف غريب اليوم ..وكاننى اركض فى ساحات مليئة بالدماء ..فاشرب دما واغتسل من وحى بالدم ..هناك عيون غامضة تحدق بى ..واصوات ضاحكة فى عنف السخرية تتواصل فى صفعى بلا رحمة ..
للمرة الاولى فى حياتى اشعر بالخوف من العودة الى وطنى .. ليس خوفا سياسيا فانا رجل اكره السياسه واحب بلدى لكننى خائف من العودة وكان الموت ينتظرنى هناك او عنكبوت هائل من الالم ..منذ اعموام وانا احلم برحلة سريعة الى بلدى لارى من احب واعانق من احتضر شوقا اليهم ..وحين امتطيت العزم وحجزت للسفر شعرت بالخوف الهائل بالرعب من شىء ما ..وكاننى سوف اغرق فى قطرات مطر الشتاءهناك او سوف اموت من لفحة الهواء البارده ..وقرات عن موجة ضباب فخفت ان اختفى ضياعا فى شوارع عمان او مادبا ..
هناك شىء غريب عنيف مولم دفعنى الى التراجع من السفر ..وكنت احلم فى صحن كنافة او رائحة اللحم المشوى .. او حتى صحن فول او اربع حبان من البرمه فى مطعم للحلوى ؟؟
وفجاة شعرت بالخوف من العودشعرت بالجفاف ينتظرنى هناك .. وباننى سوف لا اعرف احدا فى شوارع المدينة وان وجه اختى (ام مهند) لن تتعرف على ملامحى ..ام بيت اختى الضاحكة (ام راكان ) لن تفتح باب بيتها لى حتى لفنجان شاى ..
نعم اصابنى جنون هائل .. وشعرت بالف خنجر من الخوف والحيرة يتسابق فى طعنى ..فالغيت سفرى الذى كنت نتظره منذ زمن بعيد وعدت الى سريرى وبكيت ثم ارتحلت الى مكتبى وكتبت .. ونظرت حولى لماذا كل هذا الحزن يا فتى ..؟؟ فاصدقائك اعظم غصون خضراء فى شجرة حياتك ..وحسان المدينه سوف تقدم لك الف صحن من المحبة و( الكنافة ) والشارع الغربى فى مدينتك سوف يتعرف على شاعره المغترب ؟؟ لماذا انت خائف لماذا انت خائف ؟
وحين اعتصرت افكارى وجدتنى اننى عرفت الحقيقة ..اننى لن اجد امى فى استقبالى ..لن اسمع صوتها وهذا الهديا فى ضحكتها او صوتها فى صلاتها ودعائها .. بل سوف اجلس فى مقبرة المدينة صامتا وباكيا حول لحدها ... فكيف اعود الى بيتى بلا امى وبلا ابى وبلا خالى ..لقد تراكض الموت الى اجسادهم فى هذه الفترة القصيرة من اغترابى
لذا الغيت سفرى حتى اتماسك شجاعتى من جديد حتى وانا علم ان امراة اخرى من عائلتى على طريقها فى مسار الالم الى مقابلة من افتقدت فى غربتى ..
اخاف من العودة لاننى اكره رائحة الموت التى كانت ..ولا احب ان ارى تواجده ايضا فى وجه امراة كانت غالية ولا تزال على قلبى كامى ..
لا ادرى هل سوف تاتينى الشجاعة مرة اخرى للعودة ومتى ؟؟

لوجه الله، مزيدا من الهجرة


نجوى عبد البر

مساؤكم خير.. هكذا أبدأ حديثى معكم، وما أحسن أن نبدأ عامنا الهجرى ومن قبله كان الميلادى الجديد بأمنية الخير للجميع ، ما أجمل أن نؤمن جميعا ً بأننا نولد ونتواجد فى الدنيا أبرياء لا حول لنا ولا قوة ، لا نملك من أمرنا شيئاً، لا نملك المال ولا الجاه ، ولكن نملك إنسانيتنا، والتى تتشكل وتتلون وتتحور حسب غابات الحياة التى نجتازها.
قد تلد الأرحام ما قد يكون بعد ذلك صالحا أو طالحا ، مسامحا ، كريما أو خلاف ذلك ، الناس فى الدنيا يمشون فى طريقين لا يلتقيان أبدا ً ، طريق الخير وطريق الشر ، طريق الاستقامة أو طريق الندامة ، و ما تلد أرحام النساء إلا الابرياء و من ثم يشكلون أنفسهم بعد ذلك وفقا لما يرونه مناسبا ً لهم ولمصالحهم.
من ظن بالدنيا الخير وإنها المفاز فهو خاطىء ، وعليه أن ينتبه وليعلم أن الفرار إلى الله والهجرة إليه ليست ببعيدة عنه ولا صعبة المنال ، ما زال أمامه طريق العودة مفتوحا ً على مصراعيه ، والله غفور رحيم ، ومن أيقن أنها دار البوار فقد فاز بالدارين ، وهو من الاتقياء والاصفياء ، وكما أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ويؤتى الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ، فهو أيضا ً يهدى لنوره من يشاء.
فكروا فى نشر الخير الصفاء بينكم ، صلوا أرحامكم، تصدقوا بالكلمة الطيبة وتخلصوا من اللفظ الجارح ، حاولوا الخروج من دائرة الآنا والتناثر والذوبان فى الآخر ، حاولوا بث روح الفريق الواحد وإنبذوا الخلافات والأفكار التى تزيد حطب الفتن إشتعالا ً، سخروا أقلامكم فى نشر الفكر الراقى والموعظة الحسنة ، إغزلوا الحياة بالحب والمودة، علموا غيركم كيف يكون الجدال والحوار بالحسنى دون عصبية أو إفتراء أو تصفية حسابات ، حاولوا بأقلامكم وفكركم مداوة جروح الآخرين ، وبحبركم بناء صروح تفيد البشرية وترتقى بها، سطروا الآمان للناس وإنبذوا الفتن ، فليكن القلم فى إيديكم مرققا لدمع الآخرين ومسريا ً عنهم الهم وشظف العيش ودواءا لمن حزن قلبه وثقل همه وقل فرحه، بمدادكم إكشفوا الزيف ، وفرجوا الهم ، وإسعدوا الانسان ، كونوا له القدوة الحسنة ،وبلسم الجروح ، سرابيل تقيه الحر وتورده الظل فى يوم حرور ، كونوا دعاة للتفاؤل ، انشروا الحلم وحسن الخلق ، خلدوا أنفسكم بأقلامكم وأفكاركم وإنقشوا أسمائكم من نور بين ثنايا وأروقة التاريخ. فمهما عمرت الدنيا ومهما كان لك من الحياة فأنت مفارق ، مفارق لا جدال فى ذلك ، فقد جعل ربك لكل كائن كان على وجه الارض أجلا ،ولكلٍ كتابه يومئذ.
الهجرة بمعناها العميق ليست مجرد هجرة أرض وأهل ووطن ، ولكن هى فى القلب والنفس أعمق من ذلك ، فهى بمثابة حد السيف الفاصل من هجرة الباطل وزيف الوجود والمعانى وظلام الفكر إلى نور الحق واليقين ،من خراب النفوس إلى عمار القلوب ،إنه بلوغ الرشد والعقل فى كل شىء ،وقد تكون بلورة لمفهوم أكون أو لا أكون ، أكون الخير أو لا أكون ،قد يكون الباطل مذاقه حلوا ً لكن نهايته العلقم ، فلنحسن الهجرة من الباطل الى الحق فى شتى دروبنا آيا كانت على المستوى الشخصى أو العام.
أعتقد أنه مهما تحبرت الاقلام وتبارت الأفكار لتبين وتسطر عن الهجرة ونفحاتها ومنافعها ، سنظل إن لم نكن جميعا ً كمن يحرث الماء ،لكثرة ما بها من درر المعانى وما فيها من منابع الإلهام العديدة الغزيرة والتى لا تنضب أبداً.فى الهجرة نجد معنى الصداقة الحقيقية والصحبة الخيرة النزيهة ، والتى تخلو من النفاق والرياء الذى يحيط بنا اليوم من كل جانب ، ونجد معنى الايمان بالله واليقين التام بقدر الله بعد الأخذ بالاسباب، والتوكل عليه إن أنقطعت بالمرء الاسباب، أيضا تمدنا باهمية التربية الدينية المقترنة بالحث على الشجاعة والإقدام، وأن أبناءنا ما هم إلا بذورنا ، وأينما غرسناها وكيفما أوليناها العناية سيكون مردود هذه النبتة علينا وعلى شبابنا ، مستقبل هذه الامة ، أمة كان منها يوما الصبى الشجاع على بن إبى طالب ، وكم أتمنى أن تجود بمثله مرة ثانية فكم نحن بحاجة إلى شباب هم الامام على بن أبى طالب رضى الله عنه.
ايضا على سبيل المثال لا الحصر الهجرة فى مضمونها تلخص مضمون هذا الحديث الشريف 0(عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي.
فى نهاية حديثى كما كانت البداية بالخير أختمها لكم بالخير عيد هجرى جديد سعيد وحلم سعيد , أن نكون أبناء لآدم وحواء لا يفرقنا عرق او دين فلكم دينكم ولى دين !!
عام هجرى جديد وأمل ليس ببعيد ولا صعب المنال ولا تحقيقه محال, أن تكون أخوتنا في الوطن فى الحياة فالدين لله والوطن للجميع , وأخوتنا في السعادة والألم السراء والضراء!!
عيد هجرى جديد , وحياة لا تعرف التمييز بسبب الدين والمعتقد والجنس والنوع واللون والعرق , فكلنا مصائرنا بيد الله الواحد الاحد وليست بيد أحد من أبناء آدم وحواء !!
عام هجرى جديد ومستقبل أفقه الإنسانية وشمسه العدل وزاده التسامح وليله منجلى ان شاء الله , وأمنيات بقبول الانسان للإنسان مجرداً من كل الصفات إلا من صفة الإنسان ، دعواتى لكم بمزيد من السعادة والتألق والخير. وصباحكم الشهد وعامكم السعادة

صباحكم أجمل \ الرحيل.. ردني إلى بلادي


زياد جيوسي

الغروب في ضاحية الطيرة \ رام الله
"بعدستي الخاصة"


أسائل نفسي؟ لما أصر أن أوقظ هذه المدينة الساكنة من حضن النوم في الصباح المبكر، ولماذا أصر أن أجول شوارعها رغم البرد وقسوته في الأمسيات، فأدق أبوابها وأقرع جدرانها وأدع الياسمين ينهض من غفوته، أراقص أشجار صنوبرها، وأصر أن أراقص رام الله الدبكة، وأن نستمع سوياً لأبيات من "عتابا وميجنا"، أما يكفي المدينة زيارات خفافيش الظلام لها وإقلاق راحتها ونزع أحلامها واختطاف أبنائها، حتى أصر دوماً وكما قال الصديق الكاتب ناصر الريماوي: "في غمرة الليل، قبيل النوم، تخرج أشباحك، وكل حروفك التي تسلق الماضي في مقلاة الحاضر مدججة بعدستك الخاصة، كلها تخرج لتعربد في طرقات مدينتنا وفوق وسادتنا، وحين نفيق من سكرة النوم العميقة، نسارع لنلتمس منك مرة أخرى، لماذا لا تطرد من مدينتنا أشباحك التي لا تنام، و...و.... من يدري: فلا يعز علينا أكثر من أن تعود رفوف الطيور... ونبقى نحن هنا. "، لكنها يا صديقي ناصر: رام الله الحلم والعشق والجمال، لن أكف عن عشقها وتأبط ذراعيها ومراقصتها كعروس في ليلة الزفاف.
ما زال الاحتلال يصر على التخريب والتدمير والقتل، فمن تزايد الحصار على أبنائنا وأهلنا في غزة، وتزايد عدد الشهداء والجرحى والأسرى، إلى اجتياح شرس استمر عدة أيام لنابلس جبل النار، بعد استتباب الهدوء فيها بعد معاناة، ليصر الاحتلال على إفهامنا أنه لا ولن يلتزم بأي اتفاق أو تفاهم، إنها عربدة القوة أيها المفاوض الفلسطيني، فهل يمكن أن نستفيد من دروس ندفع ثمنها من دمنا.
ثلاثة قضايا شدتني في الفترة الماضية ولعبت دورها في روحي لأكتب عنها، فالقضية الأولى: أنه منذ فترة بسيطة وجهت لنا الدعوة من الصديق الكاتب توفيق العيسى، للإشراف على انتخابات المسرح الشعبي في نادي مخيم الأمعري، لبيت الدعوة وصديقي الجميل الشاعر عبد السلام العطاري وذهبنا، فوجئت بهذه القاعة الجميلة للمسرح، فلم أتوقع قاعة فوق سطح نادي المخيم صالحة بهذا الشكل للعمل المسرحي، وكان الجو بارداً جداً، حضرنا كل خطوات التقديم والعرض وتقديم التقارير من الهيئة الإدارية السابقة، وحضرنا شريطاً يجمل بعض من نشاطات الفرقة التي تميزت بالأداء، وأشرفنا على انتخابات ديمقراطية ونزيهة، وباركنا في النهاية للفائزين، وغادرنا ونحن نرتجف من البرد الذي اخترق منا المفاصل، غادرنا وفي الحلق غصة وفي الذهن سؤال: أين الجهات الرسمية وغير الرسمية من دعم بسيط لهذه الفرقة، يمكنهم من تدفئة القاعة وتكييفها، وكيف يمكن لهذه البراعم أن تتدرب وتبدع في مثل هذا البرد القارص، والذي لا بد أن يليه حر منهك في الصيف.
وأما القضية الثانية فهو لقاء حضرته مع المحافظ بحضور "جماعة السينما الفلسطينية"، هذه الجماعة التي أخذت على عاتقها النهوض بالسينما الفلسطينية، والتي مضى على تأسيسها عدة سنوات، ومن أهدافها: " أن تكون عنوانا لجميع السينمائيين الفلسطينيين العاملين في جميع التخصصات السينمائية، أينما وجدوا. كما تأمل بأن تكون عاملا مساعدا للتعارف والتعاون فيما بينهم، ومنبرا للتعريف بالسينما الفلسطينية التي أنتجها فلسطينيون، والسينما التي أنتجها السينمائيون التقدميون عن القضية الفلسطينية من غير الفلسطينيين، وعاملا لتطوير الإنتاج والتوزيع السينمائي الفلسطيني، وكذلك تطوير الكفاءات والتخصصات المختلفة في المجال السينمائي، وأيضا إرساء الأسس السليمة للتعامل في ما بين السينمائيين أنفسهم، ومع الخارج"، وما أثارني أن هذه الجماعة ما زالت بدون مقر تمارس فيه عملها وتسعى لأهدافها، فهل المطلوب أن ترتمي في حضن التمويل الغربي حتى يكون لها مقر؟ أليس جميلاً دعمها وهي تضم شيوخ السينما الفلسطينية وشبابها، لتكون الخطوة الأولى لإنشاء الأرشيف الوطني للسينما الفلسطينية، وتجميع ما يمكن تجميعه بعد ضياع أرشيف مؤسسة السينما الفلسطينية في بيروت.
وأما القضية الثالثة فهي ملاحظة وصلتني من مشرفي منتدى جامعي يضم طلبة جامعيين وخريجين، عن تعرضهم للضغوط من جهة فصائلية وطنية، لتغيير اسم المنتدى أو الخضوع لإرادة ذلك الفصيل، وكأنه لا يكفينا ما جرى في الوطن بسبب مثل هذه السلوكيات، فيا أيها السادة الوطن لكل من آمن بالوطن، وفلسطين لنا جميعاً، وليست حكراً لفصيل أو وجهة نظر أحادية، فكفى بنا الاحتلال يمزق الوطن كل يوم، والياته ودروعه وطائراته تسقط الشهداء والجرحى وتخطف الأبناء أسرى، حتى تتصارعوا على صغائر الأمور، والجدار يلتهم الأرض على بعد أمتار منكم، فهو أولى بالمقاومة وتوحد جهدكم من أجل مقاومته.
السبت الماضي كنت سعيداً جداً، بحضور فريقي عمالقة الشمال لتصفية بطولة الكرة الطائرة، فريقي عزون وجيوس يتنافسان كما اعتادا على البطولة في قاعة ماجد أسعد في البيرة توأم رام الله السيامي، وكنت في غاية السعادة للقاء أبناء بلدتي الذين لا التقيهم إلا في مثل هكذا مناسبات، فما زالت الطرق مغلقة في وجهي، وما زلت أسير رام الله لا أتمكن من مغادرتها، وكان لقاء جميل زاده جمالاً اللعب الجميل والروح الرياضية بين فريقي البلدتين المتجاورتين، والذي انتهى بفوز جيوس المعتاد، وبين الجارتين جيوس وعزون سجال طويل في هذه اللعبة، وفي حالة الفوز هو فوز للبلدتين، والخسارة خسارة للبلدتين، فتحية محبة لأهلي وأحبتي في البلدتين، وتحية إجلال لهذا اللعب الجميل والعطاء الرائع لعمالقة الشمال، وأطرف ما في المباراة لقاءي وصديقي الشاعر عبد السلام العطاري هناك، ولأول مرة بعيداً عن صفة الكاتب والشاعر، بل بصفات رسمية لها علاقة بالشباب والرياضة، مما أثار بيننا الضحك وهو لا يكف عن التعليقات أثناء المباراة.
تحتفي رام الله بالمطر والغيث منذ يومين، وأمس وأول أمس كنا في إجازة، عيد الميلاد وعيد رأس السنة الهجرية، مما أتاح لي فرصة إنجاز بعض الأعمال المتراكمة، السير تحت قطرات المطر إلى درجة التطهر، تأمل رام الله والتقاط بعض الصور.
وها أنا اقف بعد جولة قصيرة في هذا الصباح إلى نافذتي، فتصر ذاكرتي على العودة للذكريات واستكمال مسيرة الطفولة في القدس، فتعود لتلك المدرسة التي أصبحت فيها، مدرسة خليل السكاكيني، وتحدثت في الحلقة السابقة عن أثر الثورة الجزائرية على روحي، وهناك مسألة أخرى تركت أثراً كبيراً، ففي كل أسبوع كان هناك يوم في الأسبوع على ما أذكر، تمر فيه قافلة قادمة من هداسا إلى القدس الغربية، شاحنات إسرائيلية تحت حراسة الجيش العربي ومرافقة الصليب الأحمر، لتعمل على إحضار التموين للإسرائيليين، والتي تبين في حرب حزيران أنها كانت تكدس السلاح والجنود هناك، وكانت هذه الشاحنات مغلقة من كل الجهات إلا من فتحة صغيرة في الزجاج الأمامي ليتمكن السائق من معرفة الطريق، وحين كان يصل لتلك المخاريط الإسمنتية كان يوجه بالإشارات يمنة ويسرى، حتى يتمكن من المرور، وفي لحظة مرورها كان رجال الشرطة العسكرية يمنعوننا كطلبة من التواجد في الساحة المجاورة للشارع، لكن لم نكن نعدم الوسيلة للتسلل وقذف الشاحنات الإسرائيلية بالحجارة، تعبيراً عن الغضب ورفض الاحتلال، فكانت أولى دروس المقاومة في حياتي تلقيتها على أيدي زملاء الصف ونحن في الثانية الابتدائية، وهذا ما يؤكد أن ثورة الحجارة هي ثورة مغروسة في الوجدان الفلسطيني، فالفلسطيني يلجأ للحجر طالما لا يمتلك وسيلة أخرى.
لم تطل الإقامة في القدس، وقبل امتحانات الفصل الأول وجدنا أنفسنا نعود لعمان مؤقتاً، ولا أعرف أين انتقل والدي بفترتها، وكل ما أذكره أننا عدنا بدون الوالد إلى عمان، وسكنا في بيت جدي في غرفة جانبية في مخيم الوحدات، وعدت أنا لمدرستي الأولى.. مدرسة عبد الرحمن بن عوف، وعدت لأصدقاء المخيم والحارة، أتباهى بالحديث أمامهم عن القدس والحرم وقبة الصخرة، مع بعض المبالغات الطفولية التي يضيفها الخيال الواسع، لطفل لم يكمل عامه السابع بفترتها.
صباح آخر والحمام يصر أن يزور نافذتي ويسمعني عزفه الجميل، وطيف يصر أن يكون معي ليدفئ الروح من البرد، آه يا طيفي البعيد القريب الحلو كم أفتقدك، فنجان قهوة وقطرات مطر وشدو فيروز:
"ردني إلى بلادي، مع نسائم غوادي، مع شعاعة تغاوت عند شاطئ ووادي، مرة وعدت تاخذني قد ذبلت من بعادي، وارمي بي على ضفاف من طفولتي غداتي، نهرها ككف من أحببت خير وصابي، لم تزل على وفاء ما في الوفاء غادي، حبي هناك حب الحب، شلح زنبق أنا، اكسرني على ثرى بلادي".
صباحكم أجمل.
رام الله المحتلة
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/