الأحد، يناير 06، 2008

هل؟.. حضارة إنسانية مختزلة



حسين الجفال
Abcd02000@hotmail.com

لم تحاصر " هل " دهاليز الشاعر ناصر البدري كي تتصدر أسم ديوانه الشعري الذي صدر له عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان في إصداره الثاني لعام 2007م فحسب .. بل حاصرتنا بأسئلتها الاستفهامية ساحقة لكل إجاباتنا المتناقضة!!
جملة هذه الأسئلة الاستفهامية تدور في فلك الانكسارات على كل الأصعدة الحضارية والإنسانية والثقافية وكل ما تثيره من تداعيات فكرية وثقافية ذات طابع سلبي.
وفي هذه العجالة ، سوف أبحر في حروف قصيدته الشعرية التي تتقدم ركب شعره في هذا الديوان والموسومة بـ "هل؟".
قد تصدمك هذه القصيدة وأنت تبحر بين حروفها. تحاصرك جملها باستفهامات لها بعد دلالي يغوص في أعماق المتلقي هاك حروف الشاعر وهي تنساب قائلة :
هَلْ نَخْلَةٌ تَكْفِي
لِكَي أبْني عَرِيْشًا للصََّلاةِ
ولا أُغنِّي الحُبَّ
إلا مِنْ خِلالِ الرَّبِّ
هَلْ زَهْرٌ على نَهْدَيْكِ
يُغْنِيْنَا عَنِ الحَقْلِ المُجَاوِرِ لِلْحُقُولِ الخَائِفَةْ؟!
إنها أسئلة محفوفة بالتعجب كوسيلة للإنكار ..(؟!) وكأنه يقول لا تكفي. أسئلة يحاصر بها ذاكرة الناس والمجتمع حينما نحصر غنائنا من خلال الرب وأي رب هذا الذي يحدد لنا مفاهيمنا للغناء والفرح والسعادة ويرسمها لنا من خلال القوة الفولاذية المتعصبة!!!
حينما نستغني عن الحقل بالزهرة التي نهديها أو تلك التي تسلب ألبابنا معلقة فوق نهدين فهل يكفي هذا علن الحقل المجاور للحقول الخائفة؟!
الزهرة جميلة وموضعها جميل، ولكن الحقل أجمل والطبيعة أجمل حينما يكون حاضرا في ذاكرتنا حتى في الحب وفي أعيادنا وفي التماسنا للجمال في ما نلبسه ونتزين فيه. صورة في غاية الجمال فالجمال لا ينفي الجمال في الحقول وفي الطبيعة بل يتماهى معه أو يصبح صورة مزيفة وخاوية لا معنى للجمال الحقيقي حينما تهبك الطبيعة عمق التأمل يطفو الجمال بكل عفوية في كل محتويات الكائن البشري سلوكا ومعاملة. أما حينما يتوج الجمال كردة فعل لعقد تحارب الجمال في الطبيعة والكون فذلك كارثة كبيرة تهدد بفناء الجمال نفسه.
وهكذا تبدو الحقول بل وكل ما له علاقة بالجمال على وجه الكوكب البشري خائفة ، تنتظر عبث الإنسان فيها أو قدرها الحتمي بالفناء على هذه اليد التي وضعت الزهرة وثبتتها فوق امرأة ناهدة الصدر.
وهكذا يغوص الشاعر في تاريخ ربما أراد أن يكون في معطياته التاريخية هائما ، ولكنها فواصل زمنية سبعة لها مدلولاتها في التاريخ الذي يحتضن هذه الأرض من الكوكب الإنساني!! إنه غزل لمعطيات فكرية قاسيه (عجاف) وربما كان لها معطى دلالي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ولكنها في كل الأحوال لها معطى زمني ينذر بالخطر (سبع عجاف) .. وهي ما زلت تتناسل حتى يومنا هذا ولم تضع أوزارها بعد ما زالت تراود سبعا (سمان) في ظل غياب النور وللشمس معطى دلالي كبير كونه أكسير الحياة لهذا الكوب ولكل أرض تشرق عليها. فلا شك أن موتها ينذر بالفناء الذي يطال كل شيء في الحياة فكيف تراود هذه السبع العجاف في ظل احتضار الشمس ؟!
ويغوص قليلا في هذا المعطى التاريخي متحدثا عن أمجاد أرض ماجان الواعدة بالنحاس الأصفر والمعبر عن سطوة الكائن البشري في هذه المنطقة منذ ما يقرب من 4000 قبل الميلاد ... في أسئلة لا تحتاج إلى أجوبة لأنه يحيلك إلى المعطى الزمني حاضر حيث يضج قائلا:
هَلْ خَمْرُنَا التَّمْرِيُّ
يَسْطِيْعُ التَّعَايُشَ
مَعْ خُمُورِ الآخرينْ؟
هَلْ أَرْضُ مَاجَانَ
اسْتَعَادَتْ سَطَوَةَ الإسْمِ القديمِ
وَهَلْ نَوَارِسُ بَحْرِنَا
ستعودُ تُبْحِرُ كَالنَّوَارِسْ؟!
عودة إلى التاريخ القديم ، فكرة كانت تعشعش في الكثير من أذهان أولئك الذين عاشوا السنين العجاف في تاريخهم فلا خمرهم التمري استطاع التعايش مع خمور الآخرين ولا أرضهم تلك التي برعت في استخراج النحاس أيام السومريين قبل 4400 ق.م استطاعت أن تصمد أو تستعيد تلك السطوة القديمة.
ويمضي الشاعر وهو يحاصرنا بجمل استفهامية لا شك أن عقلنا يقصر عن الإجابة بالضد فالواقع ما زال يشي بالكثير من الإنكسارات رغم ما تشي به القصيدة من إنطباعات جميلة من خلال العلاقة الوطيدة ما بين المكان واللون ، من حيث رمزيتهما وبين المفردات اللغوية وما تعنيه من شواهد مادية وروحية مثل:
وَقَفَتْ
عَلى الشُبَّاَكِ
طَيَّرَهَا هَوَاءٌ مَالِحٌ
هَزَّتْ بريشٍ قُرْمُزِيْ
كانَ الصَّبِيُّ يَخَافُ أنْ تخلو خِزَانَتُهُ
مِنَ الرِّيْشِ الجميلِ

إنها إرادة تبعث القوة والتحدي على الطيران بين الحقول ولكن هل عاد الصبي الذي كان يخاف أن تخلو خزانته من الريش الجميل؟
الإجابة لم تصدمنا بالقدر الذي أكدت فيه حالة الانكسار فينا .. لقد جاءت حروفها الخمسة مؤكدة لكل تداعيات الصدمة فينا.
لم يعد!



هَــلْ؟

هَلْ نَخْلَةٌ تَكْفِي
لِكَي أبْني عَرِيْشًا للصََّلاةِ
ولا أُغنِّي الحُبَّ
إلا مِنْ خِلالِ الرَّبِّ
هَلْ زَهْرٌ على نَهْدَيْكِ
يُغْنِيْنَا عَنِ الحَقْلِ المُجَاوِرِ لِلْحُقُولِ الخَائِفَةْ؟!
سَبْعٌ عِجَافٌ
رَاوَدَتْ سَبْعًا سِمَانْ
عَنْ نَفْسِهَا
وَالشَّمْسُ مَاتَتْ
سَبْعٌ عِجَافٌ
لَمْ تَضَعْ أَوْزَارَهَا..
وَتَنَاسَلَتْ !!
* * *
هَلْ خَمْرُنَا التَّمْرِيُّ
يَسْطِيْعُ التَّعَايُشَ
مَعْ خُمُورِ الآخرينْ؟
هَلْ أَرْضُ مَاجَانَ
اسْتَعَادَتْ سَطَوَةَ الإسْمِ القديمِ
وَهَلْ نَوَارِسُ بَحْرِنَا
ستعودُ تُبْحِرُ كَالنَّوَارِسْ؟!
اللَّيْلُ يَمضي
بينَ عَينيهِ اتِّفَاقُ المَوْجِ ضِدَّهْ
كانَ وَحْدَهْ
دَخَّنَ الغليونَ في شَرَهٍ
وَأَبْحَرَ..
قيلَ إنَّ المَرْكَبَ الخَشَبِيَّ
أَنْجَبَ مَرْكِبَينِ
وقيلَ إنَّ المَوْجَ أَلْهَبَهُ عِنَاقَا!!..
* * *

هَلْ وَجْهُكِ الخَمْرِيُّ،
يا امْرَأةً وُجِدْتُ لها،
سَيَسْقُطُ في فِخَاخِ الحُبِّ..؟!
هَلْ سَرْوٌ
سَيَكْسِرُ حَاجِزَ الصَّمْتِ المُعَدِّ مِنَ القلوبِ الرَّاعِشَةْ؟!
وَقَفَتْ
عَلى الشُبَّاَكِ
طَيَّرَهَا هَوَاءٌ مَالِحٌ
هَزَّتْ بريشٍ قُرْمُزِيْ
كانَ الصَّبِيُّ يَخَافُ أنْ تخلو خِزَانَتُهُ
مِنَ الرِّيْشِ الجميلِ
ومن حكايَتِهِ..
فَهَرْوَلَ في اتجاهِ الحَقلِ
عَادَتْ
لمْ يَعـُد !

ليست هناك تعليقات: