الأفتتاح ، الشعر والتشكيل..
بعد فترة انقطاع عن تنظيم فعالياته المحلية ، انطلق ملتقى ( الوعد الثقافي ) قبل أسبوعين وتحديدا في 15 ديسمبر في مسقط بمهرجان إبداعي استضافته جمعية اتحاد الكتاب العمانية واستمر حتى 18 من الشهر ، وقد شارك في الفعاليات نخبة من مثقفي المملكة وأدباءها ، في صنوف عدة كالقص والسرد والشعر والتشكيل والمسرح .
وعلى أوتار العود ، ومع انسيابية الشعر وروعة الفن التشكيلي بدأت فعاليات مهرجان ( جسور .. فضاءات النص السعودي ) وقد دشنه رئيس الرقابة المالية في عمان معالي السيد عبدالله حمد البوسعيدي ، في حضور الملحق الثقافي السعودي لدى عمان الأستاذ أحمد الفريح.
بدأت الأمسية بكلمة ترحيبية للجهة المنظمة ألقتها عائشة الدر مكية ، وقالت فيها : ( منذ اللحظة الأولى لإشهار الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في تشرين الأول ( أكتوبر ) الماضي ، ومجلس إدارة الجمعية يسعى بحرص شديد إلى ترسيخ كيانها الوجودي ، وها نحن هذا المساء نشهد تظاهرة ثقافية هي الأولى من نوعها بالنسبة للجمعية ، وتأتي في إطار رسم سياسة التواصل مع المثقفين الأشقاء ) وأشارت إلى أن ( الاختيار جاء على السعودية ، كأول دولة تمتد إليها جسور هذه الفعالية نظرا للحراك المميز الذي تشهده ).
بعدها قرأت الإعلامية السعودية شادن الحايك كلمة ملتقى الوعد الثقافي وقالت :
جئنا محملين بنص مختلف التحولات ورؤى ذات أبعاد و فضاءات لا حد لها ، وكما يعرف الجميع أن النص السعودي منذ الثمانينيات دخل الحداثة بمفهومها الغامض فهناك من طرق الحداثة متكئا على الخزين من الموروث وطوره ، وآخر دخل على النص مستسقيا قراءة ما وصل إلينا من الشام ومصر و العراق ، فجاء النص باهت الملامح وغريبا على محيطه ، في (جسور) .. فضاء النص السعودي هذا الأسبوع ، سنطرق الأبواب الجديدة في النص الجديد ، شعرا وسردا وتشكيلا ومسرحا ، وعليكم أيتها الأخوات والأخوة قراءة منجزنا برؤى منفتحة وأريحية سمحة .. وأردفت : ( إن قبول المبدع دعوة غير رسمية من ملتقىً إبداعي أهلي لزيارة بلد ما هو حالة حضارية لتفعيل حوار إنساني يحتاجه الكائن دائما ، وأن الحوار الثقافي الآن يعد أكثر السياقات التي تسعى إليها الأمم للتواصل وتعميق العلاقة مع العمق الأهلي والشعبي متمثلا في مكوناته فنيا وثقافيا ، لذلك سندعم كل حالة تواصل بين المبدعين لتنشيط الحوار فيما بيننا ومواصلة تعارفنا على الآخر خصوصا والعالم في تسارع مع الزمن ليصبح مع وسائط الاتصالات قرية صغيرة.. ثم شكرت الحضور والمنظمين وتمنت دوام التواصل.
وشارك في الأمسية الشعرية كل من : الدكتورة أشجان هندي وحسن السبع وزكي الصدير ومحمد الفوز ، إذ بدأت هندي الأمسية بقصيدة ( للساحرات تعاويذهن ) وأيضا ( مطر برائحة الليمون ) ، فيما اختار السبع قصائد من مجموعاته ( زيتها والقناديل ) و ( حديقة الزمن الآتي ) ، و ( ركلات ترجيح ) ، و ( بوصلة للحب والدهشة ) ، وقرأ الفوز من ( ملحمة ليل القرامطة ) ديوان تحت الطبع ) و ( بكاء النبيذ ) و ( آلام العناق ) ، أما زكي الصدير فكانت له ( ياسند ) الذي أدهش بها الحضور كثيرا ، وما أضاف جمالا على إبداع الشعراء هو مرافقة الفنان الجميل محمد الحلال على العود والذي تماها مع النصوص بشكل لافت وخلاق ، وقبل انطلاق هذه الأمسية كان الجميع على موعدا مع إبداع آخر وهو افتتاح المعرض الشخصي للفنان التشكيلي زمان جاسم والذي أقيم في قاعة التشكيل في النادي الثقافي وتضمن 20 لوحة تجريدية وحضره جمهور غفير من الفنانين والمهتمين ، بعدها دار حوار في مقهى الفندق حول بنية النص النثري وتداعيات القالب العروضي الخليلي ومدى تفاعله مع الإبداع الحديث.
الأمسية الشعرية
توالى الإبداع السعودي في إحياء أمسيات ثقافية متنوعة ففي اليوم الثاني ، حيث شهد مسرح الكلية التقنية العليا مسرحية تجريبية بعنوان (حين ينسكب الماء) من تأليف عبدالله الجفّال وإخراج محمد الحلال واعتمدت في التمثيل على شخصيتين مسرحيتين هما المسرحيان محمد الحلال وزكي الدبيس بالإضافة إلى مشاركة صوتية للفنانة شعاع ، واعتمدت على عنصري الإضاءة والإظلام بشكل رئيسي.تدور أحداث المسرحية حول معاناة الإنسان العربي وعرض قضاياه الخاصة ومطاحناته اليومية في صراعات لا منتهية متجاوزة للقضايا العامة والإشكالات الحياتية وما تفرضه من ضغوطات عليه ، وقد حدثنا الكاتب والمسرحي عبدالله الجفّال مؤلف المسرحية عن أن هذا العمل يعرض لأول مرة في سلطنة عمان وذكر بأن المعنى الرمزي لعنوان نص المسرحية يوحي إلى البعد الذي تشّكله أهمية الماء في إحياء الكائنات قبل أن يحلّ بها الموت وتضمحل، معبرا بذلك ما يعانيه جسد الأمة العربية من غياب الروح ، كما تحدث عن التجربة المسرحية في المملكة العربية السعودية، وما تعانيه من معوقات بسبب غياب البنية الأساسية بشكل كبير، وعدم وجود جمعية للفنانين ، وبرغم الخطوات الكبيرة والحضور الملموس على المستوى العربي ، إلا أنه يعاني من صعوبات وعقبات كمسرح اجتماعي داخل المملكة ويعزو ذلك إلى غياب المرأة في التمثيل وصعودها على خشبة المسرح.
وضمن الفعاليات أيضا أحيت الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم والمشاركة مع الوفد السعودي كضيفة شرف أمسية شعرية ألقت فيها العديد من القصائد وصاحبها على العود الفنان محمد الحلال وكان القاءها ساحرا ومدهشا منها:
قلت وكانت في دم المعركةتتبذل الأحصنة تنتابها ضراوة مسبية لحوذييلعب بسروجها كلما أضاع وجهته تنسج من هلامات صهيلها رداءللآلهة وتحبل برهان الظفر بجحيمهتغازل جرحهوتنهرها قداسة الأحجيةتفض عصمتهاوترسي الأجنحة على النبضأحصنة في المدىتتبادل الرقص على جثتهوتحرث الجسد بأطراف مسكونةبقواقع وأصدافيفجعه الملح ويرثي وطنه المثخنبالجنونترسمه مهرا جموحاقبلة خرساءشعرا جاهلياسبحانهاسبحان دمعتها الوحيدةالتي تخضر كي تورق قمرا يضاجعصوتهويلد صدى لا يشبهه
في ختام المهرجان الثقافي في مسقط
حضور نخبوي غير مسبوق وشهادتان متألقتان في الرواية
أسدل بالنادي الثقافي مساء الأثنين الستار حول فعاليات المهرجان الثقافي والذي استمر ثلاث ليال ، توج خلالها النص السعودي منصات الساحة الثقافية العمانية وما تخللها من لقاءات بين المبدعين بكافة أجناسهم المختلفة من شعر وقصة ومسرح ورواية مشكلة تظاهرة أدبية فريدة وناجحة.
حيث القي مساء الاثنين عدد من النصوص لكل من القاص جبير المليحان وعبد السلام الحميد وفاضل عمران وآلاء أبوتاكي.
من الأمسية القصصية
أما في الجزء الثاني من الأمسية فكان حول تقديم شهادتان حول الترجمة والرواية في السعودية لكل من الروائي يوسف المحيميد والروائية د.بدرية البشر ، حيث جاءت شهادة المحيميد معنونة ب"ترجمة الرواية السعودية بين ذهنيتي التشكيك والجهل" ، تناول فيها الخارج العربي تجاه ترجمة الرواية السعودية إلى لغات أخرى عبر دور نشر عالمية كبيرة (فخري صالح أنموذجا) ونظرة المثقف السعودي إلى آلية الترجمة وكيفية عمل دور النشر الأجنبية وجهله بها .
كما قدم في شهادته النظرة عند المثقف العربي عند قيام الغرب بنقل الرواية العربية وترجمتها إلى اللغات الحية وإدراج ذلك في نظرية المؤامرة ، وقد عبر المحيميد عن رفضه لنظرية المؤامرة وذلك لسبب الحذر الذي يداخل الرواية حول المسكوت عنه ، وتلك هي نظرة المؤسسات الرسمية والأنظمة إلى الكتاب ، حيث أثار المحيميد عدم قبوله تجنب الكتابة حول التابو فقط لأجل إرضاء المثقف العربي المسكون بوهم المؤامرة ، لأن هذه النظرة تلغي قيمة الأدب والإبداع الحقيقية.
كما انه لا يتفق مع جهل المثقف السعودي تجاه الترجمة واتقاده أنها تشبه عملية النشر في العالم العربي ، والمساومات المالية التي تدور بين رحاها للناشر العربي ، في حين أن العكس هو ما يفترض يكون سواء للكاتب أم للمترجم وذلك بتوقيع عقود واستلام مقدم نشر كما هو عند دور النشر الأجنبية.
كذلك تطرق المحيميد حول الحساسية تجاه اللغة عند ترجمتها إلى لغات أخرى وحدود السماح إلى التحرير في النص مما يؤدي أحيانا ً إلى تغيير مسمى العنوان وذلك بحسب ما يراه محرر العمل بعد الترجمة ، وينبغي على الكاتب العربي أن لا يتوجس في حالة تغيير عنوان العمل طالما يراه المترجم ومحرر العمل مناسباً وكيفية القبول عند المتلقي .
أما بالنسبة للشهادة التي قدمتها الدكتورة بدرية البشر فقد جاءت بعنوان (عالم مختلف .. حيوات عديدة!)وهي على هيئة نص تداعي حول تجربة الروائية مع الكتاب والكتابة مستفتحة بجملة قالها الروائي التركي أورهان باموق (قرأت مرة كتاباً فتغيرت حياتي كلها) ، وهي أيضاً قرأت كتاباً فتغيرت حياتها كلها ، كما روت لنا الكاتبة تجربتها وشغفها بالحكايا منذ طفولتها ، تلك الحكايات وكما تقول البشر بأنها كانت ترسم صورنا الصغيرة على هيئة خراف ضعيفة تنتفض خوفاً من شفرة الضياع وأنياب الذئاب.
منهية تجربتها بالتحرر الذي قدمته الكتابة للكاتبة وخروجنا من الواقع الضيق وهي صغيرة والظالم وهي شابة كما تعلمت قيم العدالة ومحاربة الظلم ورفع الحدود إلى مسيرة البشر الطامحين إلى عالم أفضل وهي واحدة من هموم الكتابة.
في نهاية الأمسية تحدث رئيس الوفد السعودي الأستاذ حسين الجفال وقال في كلمة مرتجلة وحميمة ، جئنا لنتحاور مع بعضنا البعض ونستكشف رؤى الآخرين ، وأثنى على المقهى الثقافي اليومي الذي عرف المثقف السعودي بالمثقف العماني عن قرب وقال إن ذلك احد أهم أهداف المهرجان وشكر الأصدقاء وجمعية الكتاب العمانية على الاستضافة والاحتفاء الكبير، وتحدث بعدها الأستاذ طالب المعمري رئيس جمعية الكتاب العمانية وقال ، نشعر بالفخر بتواجد نخبة من المثقفين السعوديين بيننا ، وحث على دوام التواصل ومزيد من التعاون بين الجمعية وبين ملتقى الوعد الثقافي ، بعدها تم تبادل الإصدارات بين الكتاب العمانيين وإخوانهم السعوديين ، كما تم تبادل الهدايا والدروع التذكارية بين الطرفين متمنين دوام مثل هذه الملتقيات الثقافية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق