يوسف فضل
إذا وصل معي القاريء إلى حافة الصدمة والارتعاش والدهشة فهذا تأكيد باننا لا زلنا نحظى بالمشاعر الانسانية الطبيعية والروحانية السامية وهذه مجاملة سخية للذات . وإذا قلت انني احب اولادي فهذا امر اعتيادي لا غرابة فيه لان كافة الاباء مشتركين معي بهذه الاريحية والروحانية ولا نخرج عن قواعد الروتين المقبولة . والأمر الاعتيادي لدي أيضا هو حواري مع طفلتي التي هي في طراوة حبة الفراولة والتي لا زالت تمتعني بطعم حياة المستقبل الذي اهرم فيه يوما بعد يوم .
بعد اول يوم من انتهاء اجازة عيد الاضحى وبينما انا جالس في بيتي في غرفة الجلوس(المعيشة ) اشاهد ما تيسر من غث وسمين الفضائيات عادت طفلتي التي هي في مرحلة التمهيدي من مدرستها ، وكعادتها اندفعت نحوي في فرح وجذالة طفولة اللقاء قائلة :" بابا انا بحبك . هات بوسه " وبما أنني مثل الجندي العربي على اهبة الاستعداد الدائم فانني مهيئ نفسي لاستقبال القصف الدائم من مشاعر وقبلات الطفولة لذا احرص على حلق الذقن تحسبا لحالات طارئة قادمة من اصغر عنصر في البيت (وبصراحة ) لأكبر عنصر . لم تمهلني طفلتي لاتخاذ اي خطوة بل تعلقت برقبتي وطبعت ما تبرعت به من التعبير عن حبها لي بقبلة ممطوطة العزف لأنني الرجل الوحيد في حياتها بعد العابها ورسوماتها المتحركة وتناول كعكتها المحلاة بالشوكولاته (دوناتها) مع الشاي .
* : شكرا . بابا سنذهب إلى البحر الميت .
الطفلة : عشان اسبح وأشوف السمك .
* : البحر الميت ما بعيش فيه سمك لأنه مالح كثير .
الطفلة : طيب خذني على البحر العايش .
ولبث الثقة في نفسها فقد عودتها إما برضاي أو أنها تجبرني على أن تكسب بمنطقها البسيط كل نقاش تدخلني فيه وبأنها الأقوى وفي كثير من المرات اعلن عن هزيمتي السعيدة امام ضرباتها الحوارية الطفولية القاضية .
* : انت لابسه (مرتدية ) ملابس العيد ؟
الطفلة : انا قلت لصاحبتي اني لابسه ملابس العيد وما صدقتني !
* : وليش ما صدقتك ؟
الطفلة : حلفتلها بالله اني لابسه ملابس العيد لكنها ردت علي :" ما تكذبي . بتروحي على النار ".
* : وشو قلت لها ؟
الطفلة : قلت لها :" انا والله ما بكذب لاني مصاحبة الله فوق (اشارت بالسبابة اليمنى الى اعلى) ومش مصاحبة الشيطان لانه تحت (اشارت بالسبابة اليمنى الى اسفل ).
* : وبتعرفي الله والشيطان ؟
الطفلة : انا بعرف الله لانه بحبني وانا بحبك.
* : وانا بحبك . مين قال لك ان الله فوق ؟
الطفلة : المعلمة . مرة صاحبت الشيطان قالت لي المعلمة :" الله بزعل مني " بطلت اصاحب الشيطان .
* : بطلت تصاحبي الشيطان ؟
الطفلة : بطلت لاني بروح على النار .؟
* : وين بدك تروحي ؟
طفلة : بدي اروح على الجنة .
* : ليش بدك تروحي على الجنة ؟
الطفلة : لاني ما بكذب والجنة فيها العاب وشوكولاته .
الطفلة (مستدركه باستفسار شيطاني ) : بابا كيف شكله الشيطان ؟
* : ما بعرف .
الطفلة (بتحد ): فكر ....... ريح اعصابك وفكر ؟!
* : بابا كل شيء سييء هو شيطان .
الطفلة : كيف ؟
* : كل كلام مش كويس هو شيطان وكل عمل مش كويس هو شيطان .
الطفلة (مستفسره ) : بفكر الشيطان لونه احمر لانه مشوي في النار .
* : وممكن يكون لونه ابيض !
الطفلة : بكون شيطان غير مستوي (ناضج في النار ) . والشيطان له قرون مثل الخروف وحامل عصا على راسها شوكة .
* : يا بابا انا بعرف أسماء شياطين كثر في حياتي مثل شيطان اسمه أمريكا وحامل عصا وعلى راسها شوكة وشيطان اسمه إسرائيل .
الطفلة : ولهم قرون مثل الخروف ؟
* : قرونهم مثل السكاكين .
الطفلة : شو بحكوا ؟ بحكوا متلنها (مثلنها )؟
*: شكلهم مثلنا بس بحكوا غير لغتنا .
الطفلة : يعني ما بعرف اتفاهم معاهم لانهم ما بحكوا عربي ؟
* : في شياطين عرب كثير بحكوا عربي .
الطفلة : كم شيطان عربي ؟ كتار (كثر)!
* : أكثر من واحد .
الطفلة : كتار . تف عليهم
الطفلة (على ملامحها امارات الصدمة ) : يعني الشيطان بحكي عربي ؟
* : الشيطان بحكي كل اللغات .
الطفلة : كيف عربي ويكون شيطان ؟
*: لان كل عربي بضرب أخيه العربي شيطان .ولأنه بقتل الأطفال مثل الشيطان الأمريكي والشيطان الإسرائيلي .
الطفلة : يعني إذا بضرب أخي بكون شيطانه .
*: أنت مش شيطانه لأنك شاطرة وما بتضربي أخيك .
الطفلة : وانت الشيطان الأمريكي ما بضربك ؟
* : بضربني وبقتلني إذا أراد . وبقتل آباء الأطفال أو بسجنهم .
الطفلة : يعني الآباء بروحوا على الشرطة وبضربوهم بالعصا الى بحملها الشيطان ؟
* : تماما .
الطفلة : أنت رايح واللا بدو يجينا ناس واللا باقي في البيت ؟
* :باقي في البيت .
الطفلة : طيب البس بيجامة .
* :لازم !
الطفلة : عشان ما تطلع من البيت !
* : وانت روحي بدلي ملابس العيد .
الطفلة : هسه بلبس ملابس البيت . (بتلقائية وبنظره وابتسامة المنتصر ) بس ما جاوبتني كيف شكله الشيطان ؟؟؟؟
*: أنت وأنا جاهلين يا صغيرتي . سأقول لك سر صغير على قدك عندما نتعلم سنفهم الحياة ونعرف شكل واسم الشيطان من تصرفه وساعتها نتمنى أن نحصل على الخير ..
الخير مستمر تواجده في دواخلنا طالما أطفالنا بعفويتهم محفزين لنا لرفض فكرة واسم الشيطان وشكله .
editor@grenc.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق