الاثنين، ديسمبر 31، 2007

معلمة مناوبة


عناق مواسي
تك .. تك.. تك ..
الساعة العاشرة ليلاً.. البيت نظيف ومرتب! الأولاد نائمون! وأضواء خافتة تحلق في فضاء البيت،وأصوات خفية تذوب في السكينة.
تذهب هذه المسكينة بعد يومٍ حافلٍ بالعملِ إلى سريرها، تغّط في نومٍ عميق... وما أن استسلمت إلى الأحلام الزاهية إذ تك.. تك.. تك.. رناتِ الساعة السادسة صباحاً تنزعها من أحلامها وخيالاتها..
تستيقظ، وتستيقظ مملكتها في استيقاظها، وتبرعم حينما تزرع قوتها وأثيرها في رده المنزل..
تبدأ عجلة الزمان بالدوران بشكل سريع، تلملم بقايا جسدها المتعب عن السرير،تغتسل،تحّضر الملابس، تحّضر وجبة الصباح، توقظ أطفالها،تطفئ الأضواء، تجهز الحقائب، تضع فتات الخبز للعصافير ثم توقظ زوجها...
تدور وتدور وتدور، من المطبخ إلى غرفة النوم، من غرفة النوم إلى الحمام، من الحمام إلى غرف الأولاد، توقظ الأولاد بالترتيب،تذهب إلى سرير بشار ثم إلى سرير مّيار، تتحّين الحليب قبل فورانه، ثم نوار وتنادي على شهريار ثم تحاول جاهدة أن توقظ زوجها مع رنين السابعة صباحاً، وبرنامج يوم جديد ينطلق من حنجرة المذيع الذي تفوح رائحته في أرجاء البيت، و"بكتب اسمك يا حبيبي على الحور العتيق" امتداد فيروزي لأجواء الصباح المتفتحة.
تك.. تك.. تك..
بعد صراع مع عقارب الساعة المتوحشة تلفظ أنفاس التعب وتستعد أخيرًا للخروج من البيت بعد طنينها في خلية هذا الصباح، ليفاجئها زوجها:
- قميصي جاهز؟
- نعم.
- قميص البولو، مكوي؟
- في الخزانة قمصان أخرى.
- أريد البولو!
- أنت تعرف أني اليوم مناوبة وعلّي التواجد مبكراً في عملي.
- لن أخرج من البيت قبل أن تكوي القميص!!
بقايا الكلمات العالقة ترددت قبل أن تخرج من حنجرتها الصامتة لتذهب بسرعة لتلّبي طلب زوجها قبل أن تشتعل نار المشاحنات، تحرقها فتتركها رماد..
ثم يخرجون من البيت..
- يا الهي! ما هذا؟
قلت لكَ ألف مرة لا تشرب في السيارة وبدون إذني!
ثم ترجع إلى البيت لتغير ملابس طفلها الصغير المبللة بالعصير..
وتمضي العقارب في مسارها نحو دائرية الحياة المفعمة بالانجاز دون توقف أو تباطؤ أو تهاون في المضي قدماً ودون أن تتفهم هذه الاشتباكات الصباحية ...
تك.. تك..
يخرجون!
- يا ربي! متى سأصل إلى عملي طالما هذه الشاحنة تعترض طريقي!
وانفجرت عقارب قلبها الموقوتة ألماً.. وتطايرت مشاعر الانتظار وتناثرت مقاييس الصبر والتّحمل...
سبع دقائق أخرى تعيق تقدمها في هذا الصباح..
يمشون في الطريق ليعترض سبيلهم سيلٌ جارف من المارّة والسيارات والأمطار الهاطلة من السماء تزيد من بريق الأضواء المنعكسة على الشوارع، وتألق عقارب الساعة أكثر فأكثر.. والكل في عجلةٍ من أمره.. يتسابقون إلى العمل.
تك.. تك.. تك.. تك.. تك..
الساعة الثامنة إلا خمس دقائق..
الدموع الحارة امتزجت مع حبات المطر الباردة، وسقطن جميعاً نحو الأخاديد..
- المفروض أن تكوني في تمام السابعة والنصف في العمل..
ودخلت غرفة الصف..
كلمات المدير تترك دوياً في آذانها ليطرب قلبها حسرة الدوران في دائرة الصباح المترامية الأطراف...
وما زال اليوم في أوله...

باقة الغربية

عيد ميلادى

عيسى القنصل
مر عام ُ من شبابـــــــــى
قاتم ُ مثل الضبـــــــــــــاب ِ
فالامانى دون قطـــــــــــف ٍ
بذرها ْ تحت التـــــــــــراب ِ
وعيونى ذابــــــــــــــــــلات ٍ
بين نوح ٍ واكتئــــــــــــــاب
كنت اسعى فى الصحـــــارى
خلف اوهام الســــــــــــــــراب
فالليالى دون نجـــــــــــــــــم
ضاع ما بين السحــــــــــــــاب
ونهارى دون ضـــــــــــــــــؤ ٍ
ان سجنى دون بــــــــــــــــاب
مر عام ُ من حياتــــــــــــــــى
لم يدوّن فى كتــــــــــــــــــابـــى
لم يكن فيه جديــــــــــــــــــدا
بل ينابيع المصــــــــــــــــــــاب
وابتعادى زاد بعـــــــــــــــــــدا
خلف اسوار الغيـــــــــــــــــــاب
مر عام ُ اثر عـــــــــــــــــــــام ِ
يا لاوهام اغتـــــــــــــــــــــرابى
فالشظايا فى ضلوعـــــــــــــى
والمنايا قرب بــــــــــــــــــــابى
يا لجرحى زاد عمقـــــــــــــــــا
فى انفجارات العــــــــــــــــــــذاب
لم اعد اشدو ُ بلحنـــــــــــــــــــى
جف صوتى ولعابـــــــــــــــــــــى
وغدت كل الاغانـــــــــــــــــــــى
صوُت ذئب عمق غـــــــــــــــاب
يشتهى نهشا بلحمـــــــــــــــــــــى
بين اظفار ٍ ونــــــــــــــــــــــــــــاب
مر عام ُ وعيونـــــــــــــــــــــــــــى
دمعها يدمى شبابـــــــــــــــــــــــــى
غربتى طالت وجرحـــــــــــــــــــى
مثل امطار السحــــــــــــــــــــــــاب ِ
0=0
يا قطار العمر انــــــــــــــــــــــــــى
اتعرى من ثيابــــــــــــــــــــــــــــــى
كل ساحاتى رمــــــــــــــــــــــــــال
خاليات ٍ كالســـــــــــــــــــــــــــــراب
يا اله الكون قل لـــــــــــــــــــــــــــى
هل دنى يوم الحســـــــــــــــــــــــــاب
اننى من بد عمــــــــــــــــــــــــــــرى
ارتجى حسن الثــــــــــــــــــــــــــــواب ِ
ان ارى شيئا جميــــــــــــــــــــــــــلا
ذات يوم ٍ فى شبابـــــــــــــــــــــــــــى
قد قضيت ُ العمر اسعـــــــــــــــــــــى
فى بلادى واغترابـــــــــــــــــــــــــــى
نحو درب الحب قلبــــــــــــــــــــــــــا
نحو اهلى وصحابـــــــــــــــــــــــــــــى
غير انّى اتلاشــــــــــــــــــــــــــــــــــى
كرماد ٍ فى التــــــــــــــــــــــــــــــــراب
ضاع عمرى فى جنـــــــــــــــــــــــــون ٍ
كانتحارات الشهـــــــــــــــــــــــــــــــاب
يا الهى لا تلمنــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
حين ابكى بانتحـــــــــــــــــــــــــــــــاب
فانا من غير خـــــــــــــــــــــــــــــــــــل
او صديق ٍ او كتــــــــــــــــــــــــــــــــاب
وكؤوسى فارغـــــــــــــــــــــــــــــــات
من نديم ٍ او شـــــــــــــــــــــــــــــــــراب
فاترك الدمع زميلــــــــــــــــــــــــــــــــى
واعطنى عذرا لما بــــــــــــــــــــــــــــى

شاعران على عتبة عام جديد

* يوسف رزوقة من تونس : سنة 2007،الكلّ واقع تحت الضّغط العالي حتّى الطّيور. بي ثقب من الأوزون بحيث لا أذكر كلّ شيء.
*غراسيالا مالاغريدا من الأرجنتين: هذا العالم ضاجّ وأنا مجرّد نملة بسيقان صغيرة تفعل ما تريد.
**
لاجئ شعريّ
يوسف رزوقة / تونس
طيور شتّى تهاجر، قبل هجوم الشّتاء، إلى الشّمال

وأنا أيضا
سامحيني أنا غائب منذ قرن

ومنذ قرن وأنا ساهم تماما

لا تتخيّلي مدى ما يعصف بي

غامض جدّا هو

وهو ضرب من سخريّة لا أدريها

بي ثقب من الأوزون بحيث لا أذكر كلّ شيء.
سنة 2007،

الكلّ واقع تحت الضّغط العالي

حتّى الطّيور

الأضواء منطفئة


ومع ذلك، مازلت أذكر هجرتي من المتوسّط إلى الضّفاف اللاّتينيّة


لأمكث فيها لثوان فقط لكنّني، كما أنا، باق


وسأعود قريبا جدّا


يأسرني هذا العالمعالمك الخاصّ يأسرنيوإلى عالمك البعيد عائد أنا.
اتّكئي عليّ


بفضائحيّة، أحبّك تعالي إلى حدائقي المعلّقة


كي تسمعي عطر الياسمين


وألبارتو مركادو يغنّي:" لو رأيتها يوما


قل لها بأنّي مررت بالدّيار أتسوّل عبر الشّوارع ذكرياتها


بأنّ صورها لمّا تزل في الذّاكرة


بأنّ روحي طاعنة في وحدتها


وبأن حياتي بلا معنى


ما دامت ليست لي"
هذا عام على وشك الرّحيلد


و ري مي فا صو


ليختبئ القطّ هنا،


أسفل المكان


أحتاجك تكفيني ابتسامتك الخفيفة


آه لو كنت أكثر قربا كم يسعدني أن أنهض مع عطر الياسمين بفضائحيّة،


أحبّك ولكن أين أنت؟


تونس في 30 ديسمبر 2007


**
العبق الأخير – الحبّ الأوّل


غراسيالا مالاغريدا / الأرجنتين

توطئة:
( اليوم الأخير من السّنة وأوّل شعاع شمس أهديكه ما سترى هذا العالم ضاجّ وأنا مجرّد نملة بسيقان صغيرة تفعل ما تريد في كنف الصمت التّامّ ولكنّي أحبّك..).
هناك أجناس تترك شيئا منها مشدودا إلى الجذوع


وأخرى تغيّر ما بجلدها


وأكثر من أيّ وقت مضى نضرم، أنا وأنت، هذا الأتّون فماذا تقول لي؟


أحيانا يبدو جيّدا هذا،


تعطيل ساعة الوقواق


لاختبار إن كانت عقاربها ستكفّ عن الدّوران


ولكن من حين إلى حين فقط


مرّة أخرى وأنا أقرؤك، تطالعني النّجوم


كما لو أنّ الوقت ما مرّ بيننا


لكنّ هذه المرّة صوتك كان يرنّ جلجلا من برجك العاجيّ


صرخة حرّيّة


مضمّخة بكلّ الياسمين


ماذا يحدث لك؟
أنا هنا مهاجرة مع حمائمي إلى عشّ آخر


في ظلّ جناح شعريّ


ورفقة أشعارك ذات المنقار


نحيي معا ذكرى النهر
يا أنت..


خلف طريق الصّمت الطويل


تختفي شمس بين الظّلال المسماريّة


ثلاث علامات مرصّعة


وفي مدرّج عملاق


هناك مزيد من الحبّ


الحبّ الذّي تتخيّله.


الأرجنتين 31 ديسمبر 2007


إشارة: هذان النّصّان كتبا في الأصل بالإسبانيّة وقد عرّبهما ي ر.

كلمات بدون مكياج

ناصر الحايك

اضرام النار فى الذكريات

لا يعنى بالضرورة محوها من الذاكرة

**

الخطيئة لا تكمن فقط فى اقتراف الذنوب والمحرمات

بل بعدم الاقرار بالصواب

**

الوطن كلمة نرددها ونتشدق بها

لكننا لا نعى قيمتها الا عندما نحرم من تقبيل ترابه

الذى تغدق عليه الشمس بأشعتها

**

نتظاهر بأننا نستل سيف الأحزان عندما يداهم الموت أحد أحبابنا

لكننا فى الواقع نستشعر كم هو ملك الموت على مقربة منا

**

نقض الهدنة مع الكرامة أشبه بالعاهرة التى تذرف دموع الندم والتوبة

على شاشات الفضائيات المسماة عربية

**

الاجهاش بالبكاء هو الترياق الوهمى لقروحات الألم النفسى

**

اذا كنت صادقا سينفض الناس من حولك

واذا كنت ممثلا بارعا فى مسرح الحياة الهزلى

ستحظى بمباركة المنافقين

**

نعيم العذاب هو حفيف ذلك الأنين الذى لا يسمعه

الا من يعانى سكرات الشغف والوله

**

الحياة لا تعدو كونها كابوسا ،

ينتهى بمجرد أن نغادرها الى حيث لا رجعة

**

لقاء لم يآت لهو أشد ايلاما من السقوط فى تجربة الفراق

**

المحب يظن بأنه يعطى أكثر مما يأخذ ويجود من خزائن تضحياته ،

لكنه فى الحقيقة لايعطى الا بقدر ما يمنحه له محبوبه

**

الرجل يعتقد بأن المرأة خلقت لاشباع لذاته ،

والمرأة تعتقد بأن الرجل خلق لتغويه وتوقعه فى شباكها

**

الحقيقة الوحيدة التى نرفض تصديقها

هى أكذوبة اللحظات التى نقضيها بالتحليق فى فضاء الأحلام الوردية والزمردية

**


فيينا النمسا

الأحد، ديسمبر 30، 2007

الراعي


حسن عبدالرزاق
دروب
يحج الى البراري هو وأغنامه يوميا .
وحيثما يعثر على الكلأ يحط استه على الارض ويجلس القرفصاء ويعطي وقته للصمت والغناء والتثاؤب. لا مراة في خيمته ..
يعني انه لا يعرف شيئا اسمه الزمن .. ولا امراة تحاصصه الفراش ولا ولد.
ذاكرته براري تلبسها المواسم وجوها متناقضة الذها على نفسه لون العشب .. وعدا ذلك لا يوجد أي شيء.
منذ الفجر يجلس على الارض بمستوى كائناته .. يراقب انشغالها بالاكل ويطرب لذلك …….
وهل يطرب الراعي لصوت اخر سوى قضم الحشيش؟
هو واغنامه جسد واحد يعيش على ارض واحدة ولا فرق بين الطرفين عدا ان عصا القرار كانت بيده وقرار الانصياع كان بسيقانها.
الخرفان كانت ممتازة الانصياع .. تستجيب فورا لظل العصا ان رفعت مرة .. اذ ما من خروف يعق راع منحه العلف والبراري الرحيبة..
لذلك تصادم ثغاؤها المستفهم مع بعضه وتناطحت رؤوسها نتيجة التقارب .. حين راته في صباح يوم جديد يوليها استه ويصعد تلة عالية ويحط هناك وينفصل عن ارضها الى الابد.
- لماذا ؟.. لماذا ؟
كان الثغاء يسال فاصحابه يخشون ارتفاع الرعاة لان قمم التلال تحتاج الى صعود متعب ونزول متعب .. والتعب ينجب غضبا والغضب عصا منفعلة لا تميز بين الية واخرى عندما يفور تنورها .
- لماذا ؟.. لماذا ؟
تسال كائنات الراعي وتصمت .. ثم تسال وتصمت .. ولو ان في سيقانها قرار غير قرار الانصياع .. ولولا خشيتها من العصا الطويلة الجديدة .. لصعدت الى قمة التل وترى .. ترى الجرح العميق في جبهة الراعي .. الذي زرعه في غروب الامس احد اسمن الاكباش في لحظة هيجان غبية حينما كان سيده يداعبه بزهو.

ثلاث قصائد للشاعر سعيد الشيخ



* الستائر

كم مرة اسدلنا الستائر
لعل الشمس،
لا تحرق عطر الذكرى
لعل الغبار،
لا ينفذ الى قماش الاسرّة
لعل الظل،
يطغى على المكان
لتبقى الطفولة ولا تغادر
كم مرة...

* شروط

لكي احبك مرة أخرى
اليك بيانات شروطي:
ان لا تنامي اثناء الليل
ان تكوني زهرة مغسولة بالقمر
لروحك رنين
يشبه رنين الامهات العتيقات
ان لا تتلعثمي باسمي
وتبحثين عن الصواب
بعينيّ اللتان لا تخطئانك
وان تزورينني في المساء
كالملائكة
تغافلين حواسي
المخضّرة بطغيانك.


* قامة

بين الضوء والحديقة
هذا أنا اتلاشى في أقصى التكوين
قامة من ضوء وظلال
أغوي الاشجار باتجاه النسق الخلاّب
أجتذب الورد وما يعينني على السحر
أبعث طبيعة روحي
وهي تتشابه بالالم
مع قصيدة
لها هالات
النجوم.

سعيد الشيخ/ شاعر فلسطيني مقيم في السويد

السبت، ديسمبر 29، 2007

مفارقتان لزمنٍ واحد

سامي العامري
*********
- 1 -
كالشيخ
لم يَعُدْ يُعيننُي أَيٌّ
من أطراف جسدي
لا الشمس
ولا القمر
- 2 -
في وقتٍ واحدٍ
قطارٌ منطلقٌ بسرعة الصاروخ
نحو الإتجاهات الأربعة ،
أنا !
**
من جناح الليل الأليل
- 1 -
الليل مرآةٌ
نصفَّفُ فيها أحزانَنا
قبل خلودنا للنوم
- 2 -
الغرابُ دقيقةٌ
من الليلْ .
- 3 -
رصيفُ الليل
حافلةٌ من خطوات .
- 4 -
كُلَّما أرى الى النجوم
أخالُها هي التي تحصيني !
*********
alamiri84@yahoo.de

الجمعة، ديسمبر 28، 2007

قصة قصيرة: غزالة الغابة


بسام الطعان

في المدينة التي تسبح شمسها في الغبار، ومطرها آثر الانتحار. أواه.. من هــذه المدينة ، كلها محن.. وتتبعها محن. أقصد المدينة المحاصرة بالتراب التي أعيش فيها ، ثمة غابة لم أعد أذكر في أية جهة تقع، فقد غادرت المدينة منذ مدة طويلة، على الأرجح أنا فيها منذ مدة طويلة، في هذه الغابة التقيت صدفة بغزالة حبلى باشتعالات المحبة، غزالة مثل قطر الندى، تغفو تحت أهداب الطفولة، تهتز في وجهها المروج الندية، وجنتاها زهـر البرتقال ، خصرها كالحور ، نهودها أسوار عالية جدا، وشفاهها نبع ماء بارد.
ـ هل مازلت تحبني؟
ألقت كلامها وابتعدت بخفــة ورشاقة ، فتابعت خطواتها حتى اختفت، في تلك اللحظة خفــق قلبي بإيقاع حنين لم أعـرف اللحظة حجمه، بينما أحاسيس مصابة بالخدر اللولبي تتلاطم في داخلي.
نهضت من مكاني وأنا أريد اللحاق بها، لكنني اصطدمت بحــافة شجرة فكاد الإنســان بداخلي يحتضر ، خيمــت عليّ وحدة معتقة بتأملات تلتف على انكساراتها، وانفراد ليس ما ألهـو به غير أن استعيد ذاكرتي وأصدقائي ، استعيد أحلاما أبحر فيها مع نسـاء عاريات، مصاغات من الزبدة والعســل، نساء ضفائرهن طويلة لا حدّ له، أين ذهبن يا ترى؟
وقفت الغزالة أمامي وكأنها تسللت من حدود الســماء واستوطنت الأرض في غفلة مني، وبدا صوتها يخترقني من جديد:
ـ هل مازلت تحبني؟
كانت تتقمص الغــار، سـكنتني رعشة وبدأت أشعل في غابات الكلام أشجارا، أما هي فبدأت تبوح بطيور بيضاء وتسد أفق الجسد.
اختفت قبل أن المسها، فتفجر نبع الحسرة كاسحا كل كياني، بدت لي الغابة موحشة، حيث لا أنيس فيها ولا وليف، وبدا نبضي يتوزع في المدى ولا ادري كيف التفــت من حولي ورحت اثبت عيني ّ في الفضاء، فجأة صـعقني منظــر لم أر مثله في حياتي:" يا الهــي إنها طيور كثــيرة وملونة تلتف على الهـواء ، تمارس هـواية الصعود والهبوط, ثم تشكل بأجسادها الرائعة اسم الغزالة في الفضاء ، ثم اسمي, ثم اسمها واسمي معا، كانت تقوم بحــركات رائعة ، من أين أتت كل هذه الطيور الجميلة؟
هل أنا في حلم يا ترى؟ أم نائم على حافة نهـر تمخر فيه سفن على شكل نسوة جميلات.
أصعد إلى قمة الريح ، ثم أهبط.. أهبط إلى أسفل الضجر ، أنظر إلى الأرض التي تهدي أشـواقها للغيوم، وأواصـل ثرثرة المواويل ، أرى سيارات وكائنات تتدفق عن يميني ويساري، انظر إلى وامتص دخان سيجارتي بنهم، أرسل نفسا في المدة واسـتجمع العشق في باقة وأرسلها قبلة حارة للتي أشعلت في أعماقي كل المرايا.
"ماذا حصل لها؟"
حملتها الريح ونثرتها مثل البذور"
"إنها ليست إلا حلما جميلا تتوالى صوره"
بعد حين رأيتها في ربوة تمنــح احدهم هديل جسدها ، وبعد حين آخر رأيتها جالسة تحت شجرة جوز تفرد ضفائرها وتهمـــس أغنية حزينة، اقتربـت منــها، فرأيــت قدميها من عشــب، وثوبها ضـباب مكثف، لحظتئذ افعمتني الدهشــة، تجمد قلبي وهزته ريح البكاء.
أنظر ما يجاوز الغابــة ، حيث ترتفــع من البعيد جبال زرقاء ، اذهب بعيدا بعيدا، لكن توقظني من شرودي امرأة قبيحة تمر من أمامي.
أشرت لصديقي الذي رأيته جالسا إلى جانبي فجــأة ، والذي لم اعرف من أين انبثق:
ـ ما أقبح تلك المرأة.
ـ لكن التـي مـرت قبل قلـيل كانت أقبح.. لم تنتبه إلـيها لأنك كنت شبه نائم وتعزف على وتر حزين.
رجل غامق يمتطي دراجة نارية، شكله أقـرب إلى القرد يقـطع حلمي، تناولت سيجارة من علبة صديقي رغم أن علبة تبغي كانت مليئة.
" أين غزالة الغابة؟"
ذهبت إلى البعيد، ربما تعود، وربما لا تعود.. ستعود.. لن تعود.. هل اختفت؟ أم ضاعت؟ أم ذابت؟"
على حين غــــرة وأنا أوزع بوحشـة ابتهالاتي على مدار الوقت، وابحث عن الغزالة الجمــيلة في دهاليز الكلام , لطـخ رؤيتي رجل ملامحه جامدة:"آه يا ربي هل هذا وقته الآن؟ يبدو أنني أســير في طريق وعرة ولا أعرف أن اكتب الحــدث بواقعيته، في الواقع وقف أمامي رجل يرتدي ألبسة تقليدية وقال:
ـ ليس لي مال ولا بنون.
عندما لم أرد عليه نظر إلي بحقد كما لو كان يشتمني ثم مضى بعد أن قطع أفكاري.
أنظـر يمينا ويسارا ، مرآة كبيرة تنبثق أمامي ويذهب الناس والسيارات فيها عميقا عميقا إلى جهات غير محددة, تأملتها مليا فإذا بها تستبد بالمكان وتسطو عليه.
داخل أقبية اللذة المستطابة، أوقدت شمعة الحلم الوليد بينما الغزالة تركن في المرآة وتناديني باسم جميل لعلني لم اسمع به أبدا ولم أفـهم معناه، ولم أعرف لماذا كانت تناديني أنا بالذات.
اتجهت صوب الســماء وأنا أتيه في لوحة الغزالـة التي ابتدعـــها خيالي المجنح، رايتها جالسة فوق غيمة صغيرة وترســل إلي نظرة عبر عينيها السوداوين اللتين خيل إلي أنهــما تشعان حرارة، أنشدت سبيلا من فرح وأردت الجلوس معــها ، لكن صديقي الجالس إلى جانبي أعادني إلى مكاني:
ـ هات البشارة.
دسست الرســـالة في جيبي وبدأت أغـنــي أغنية جميلة، ثم رحت أحلق في أجواء المجلة التي تضيء فيها قصتي ، ومضى زمن طويل، نكثت بوعدي دون أن أدعو صديقي إلى وليمة دسمة.
بعد زمن آخر، التقيت صديقي وقبل أن أعانقـــه ذكرني بالوليـمة، فوعدته خيرا.
حين اندســسنا في حانوت صغير سـموه (مطعما) كانــت ثمــة طاولات متسخة تركن إلى الحائط مع أوراق صفراء في الأقداح ، وحين مدّ لنا النادل الصغير زجاجة الماء نهضت مذعورا، كانت غزالة الغابة جالسة في الزجاجة وتنظر إلي بنهدين مقطوعين ينزان بأغنية جريحة.

bassamtaan@yahoo.com

وصلَّى خلفكَ العملُ المثالي


عبدالله الأقزم
أأشـربُ مِـنْ مـعـانـيـهِ زلالاً

أأدخـلُ قـصَّـة َ الـعـسـل ِ المُـسـال ِ

أأبني في يديهِ سماءَ عشق ٍ

أأحضنُ في مودتـِهِ المعالي

أأعـبـرُ عـالـمَ الـجـنـَّـاتِ فـيـهِ

أتـبـرأُ كـلُّ أشـكـال ِ اعـتـلالـي

أجـازَ لـيَ الـعـبـورَ هـوى عـليٍّ

عـلى مـا فـي الـعـبـور مـِنَ الـمـُحـال ِ

تـتـالـتْ في محبـَّتـِهِ نجومٌ

كـأرقـى ما يكونُ مِنَ التـتـالـي

أطيرُ إلى السَّماء ِ بحبِّ ليثٍ

بدون ِ هواهُ مقفولٌ مجالي

يـُنـقـِّـلُني هواهُ لألفِ شـوقٍ

فـأغـْرَقُ في لذيذ ِ الانـتـقـال ِ

رأيـتُ المرتضى في كلِّ فكرٍ

أعـادَ الـروحَ لـلـمـاء ِ الـزلال ِ

هـو الـنـورُ الذي يـُؤتـى إلـيهِ

و مَنْ عـاداهُ يـُدعَـى للنكال ِ

عليٌ لم يكنْ إلا انتصاراً

على ما في الزلازل ِ مِنْ وبال ِ

أبـا الـحـسـنـيـْن ِ يـا أنـوارَ قـُطـب ٍ

و يـا مـوتـاً لـغـطـرسـةِ النـِّصـال ِ

خـسـوفـاً فـي شـرايـيـن ِ الـضَّـلال ِ

أمِـنـكَ الـديـنُ يـزدادُ انـتـشـاراً

بـفـتـح ٍ مـنْ فـتـوحـات ِ الـكـمـال ِ

بـمـعـدنِـكَ الـنـفـيـس ِ يـُـقـَـاسُ دُرٌّ

إلـى مـا أنـتَ فـيـهِ مِـنَ الـجَـمَـال ِ

قـرأتـُكَ في جمالِكَ مستحيلاً

كمثلكَ أن يُشَاهدَ في الخيال ِ

و ما مِن خصلـةٍ نوراءَ إلا

و ذكرُكَ عندها أرقـى الخصال ِ

خطاكَ يفوقـُنـا نبلاً و فضلاً

و معرفة َ الحرام ِ مِنَ الحلال ِ

جوارحُكَ العلومُ و كمْ أضاءتْ

بترجمةِ الكلام ِ إلى فعال ِ

و أنتَ العدلُ إن لاقاكَ ظلمٌ

بعدلِكَ قد أُحيلَ إلى الزوال ِ

و كلُّ وجودِك الميـمون ِ ِ درسٌ

يـقصُّ على الورى معنى الـنـضـال ِ

شجاعـتـُكَ السَّماءُ و كلُّ أرضٍ

أمامكَ ما دنتْ نحوَ النزال ِ

عليٌ كلُّ ما فـيهِ جميـلٌ

و فـيـهِ تكوَّنتْ قـمـم ُ الرجال ِ

أبـا الحسنين ِ خذنا جذرَ شوق ٍ

يـُروَّى بينَ أنـهـارِ الـوصـال ِ

بدون ِ هـواكَ لا كـفٌّ سـتـبـقى

لميزان ِ الـحـقـيـقـةِ في اعـتـدال ِ

و مَنْ والاكَ عن حبٍّ و وعي ٍ

مُحالٌ لا يـكونُ مِنَ الجبال ِ

و كـلُّ قـلوبـِنـا صـارتْ إليهِ

هلالاً في مُعانقةِ الهلال ِ

رأيـتـُـكَ لـلـسَّـمـاء ِ إمـامَ عـشـق ٍ

و صـلَّـى خـلـفـكَ العملُ الـمـثـالـي

رأيتُ جمالَ نورِكَ في فؤادي

يُـفـتـِّـحُ كـلَّ أقـفـال ِ الـلـيـالـي

و ما مِن أحرفٍ تهواكَ إلا

تذوبُ على فمي أحلى زلال ِ

و كلُّ خليِّةٍ أضـحـتْ بجسمي

تحبُّ المرتضى و لـهُ توالـي

هواجس ثقافية في وداع العام 2007


نبيل عودة

حيرني الصديق ، الاذاعي المعروف نادر أبو تامر حين طلب مني حديثا لبرنامجه الثقافي حول أهم حدث ثقافي في العام 2007 .
أجبت بتسرع بالموافقة .
حين اختليت الى نفسي مفكرا مستعرضا ما هو أهم حدث ثقافي ، أصبت بالحيرة التي سرعان ما تحولت الى كابوس ثقيل.
لا ادعي اني مطلع على كل ما أنجزته الثقافة العربية في اسرائيل والوطن العربي ، ولكني أعيش الثقافة بمفهومها الأوسع من مجرد اصدار أدبي هنا أو هناك ، أعيش الثقافة بكونها كل ما أنجزه المجتمع البشري من قيم مادية وروحية.
غني عن القول ، ان الثقافة العربية ، بصفتها المعبر عن الضمير الوطني العربي ، وعن الحلم الذي قيد في سجون ودوائر مخابرات ملوك الطوائف ، يعاني من ضمور وتشرذم وتعتريه حالات من الهروب من الواقع ، حتى الهروب من الوطن، بانتظار انتفاضة تعيد للحلم حريته ، وتعيد للانسان العربي كرامته المهدورة في وطنه ، من أنظمته أولا .. ثم من الدخلاء الطامعين على اشكالهم المتعددة.
لا يمكن نفي انجازات الثقافة العربية المتمردة على البغاء الرسمي . انجازات الفكر العربي المعارض للغباء العربي .انجازات الثقافة العربية في ساحة الفكر ، الذي فشل ملوك الطوائف في قمعه ومنع تسربه من الزنازين وعن أعين الرقباء.
أحيانا يبدو لي ان استعمال صيغة " العالم العربي" لوصف ممالك وجمهوريات العرب هو نوع من المهزلة ، أو السخرية على الذات . هل أنظمة مبنية على الطوائف ، بل وعلى مجموعة ضيقة من العائلات ، يجوز ان تحظى بصفة "عالم عربي "، أم نعود الى الصيغة الأكثر دقة وواقعية : " دول الطوائف " ؟
هل من نظام عربي يعتمد استقلالية المؤسسات والرقابة على قباطنة السلطة ؟ جهاز قضائي مستقل . جهاز تشريعي مستقل ، وسلطة تنفيذية تملك حرية القرار ؟
هل من برلمان عربي قادر حقا على التصويت ضد أصغر وزير في أنظمة الطوائف ؟
هل من انتخابات عربية لا يحظى فيها الرئيس بالاجماع من الأحياء والأموات ، من الذين يبحثون عن الطعام في القمامة ، حتى الذين ينزفون في زنازين المخابرات ؟
في ظل هذا الوضع يستشري الفساد .
في ظل هذا الوضع يقمع أصحاب الموقف والضمير.
في ظل هذا الوضع يتعفن المعارضون في سجون وزنازين أنظمة عصر العرب الحجري الجديد.
ومع ذلك استطاع الفكر العربي المتنور ، المتحرر من عقلية العصر الحجري ، ان يجد انطلاقته في المنفى (المهجر) ، وبعضه يواصل التحدي ودفع الثمن بالحرية الشخصية ، حاملا دمه على كفه.
الثقافة العربية لم تقف مكتوفة الأيدي . ولكن بجانب واحد فقط . الجانب الفكري والابداعي الروحي.
الثقافة بمفهومها المادي ، الذي يشمل كل ما يبدعه الانسان في مجتمعه من ثروات مادية ونهضة عمرانية علمية وتعليمية ظل مفقودا وغائبا .
هذه هي الرؤية العامة التي واجهتني واما أتحضر للحديث الاذاعي.
وماذا مع أهم حدث ثقافي للعرب في اسرائيل .. وهو الموضوع الذي يشغلني بالتأكيد ؟
لا شك ان الأمور تختلف . ولا شك ان اسقاطات الواقع الحجري العربي يترك سلبيات واسقاطات مدمرة ليس من السهل القفز فوقها... بل وبدأت تثمر فاكهة مشوهة في حقلنا الأدبي .. وغاب الثمر الجيد تقريبا من حقولنا..الا القليل الذي لا يشكل صوتا أدبيا مؤثرا .
غير ان واقع العربي في اسرائيل مختلف في الكثير من الحسابات .
لذلك أجد نفسي أتخذ معايير مختلفة للحديث عن أبرز انجاز ثقافي في العام 2007.
العصر الحجري العربي ألحق بنا أضرارا فكرية عديدة . أفسد زعماء ظنوا ان مساحة النشاط الفكري والسياسي والثقافي في اسرائيل لا تتسع لمقاسهم . واوهم آخرون ان عصر المنطق السياسي ولى وصارت الأقوال العشوائية تطرح بكل مناسبة وبكل ظرف .
قد يرفع البعض حاجبية ويوسع حدقتا عينية مستهجنا : ما دخل السياسة بالثقافة ؟
يكفيني ان أقول ان أبرز مفكر عربي وعالمي معاصرومؤثر على الفكر والثقافة والسياسة العربية والعالمية ، المرحوم ادوارد سعيد ، ما كان يصل الى مكانته الثقافية الدولية والعربية ، لو فصل الثقافة عن السياسة ، بل وأطلق على أحد أهم كتبه عنوانا سياسيا ثقافيا مثيرا : " الثقافة والأمبريالية " . ويسجل في مقدمة كتابه رؤيته الثاقبة ، يكتب :" ان معظم محترفي العلوم الانسانية ، عاجزون عن أن يعقدوا الصلة بين الفظاظة المديدة الأثيمة لممارسات مثل الرق والاضطهاد الاستعماري والعنصري، والاخضاع الامبريالي ، من جهة ... وبين الشعر والرواية والفلسفة التي ينتجها المجتمع الذي يقوم بمثل هذه الممارسات من جهة أخرى." وبالطبع يثبت اندماج الثقافة مع امبرياليتها ، والمنطق ان الثقافة مثل سائر المنتوج الاجتماعي المادي ، هي جزء من العمران الذي أنجزة المجتمع البشري.
هذا العمران نفتقده تماما في ممالكنا الطائفية. ولكننا نعيشه نسبيا في الواقع الأسرائيلي . ومع ذلك الواقع الثقافي العربي في اسرائيل في وضع بالغ التعقيد ، لأسباب أخرى.
الفصل بين السياسي والثقافي أنجز التدهور الثقافي والتدهور السياسي أيضا ، الذي يجد تعبيرا عنه في الغرق في مستنقع سياسة أوهام آسنة .
.بعض الزعماء الأشاوس يظنون ان تل أبيب ستصبح ( بدل لندن ) مربط لخيول العرب ، ويظنون ان الدمقراطية تعني فلتان اللسان بتصريحات تفتقد لأبسط منطق سياسي وعقلاني.
الفكر السياسي غائب من التطبيق وغائب من رؤوس زعماء آخر زمان . أبرز نموذج لذلك وثيقتي "التصور المستقبلي " و " وثيقة حيفا " التي صاغتها مجموعة من الأكاديميين والمثقفين الحزبيين العرب من اسرائيل وشارك بوثيقة حيفا زملاء من العالم العربي أيضا ( لا الومهم لرؤيتهم السياسية المتأثرة بنهج وهمي قومجي أوصل صاحبه الى " الخروج من الوطن قسرا " !! ).
الوثيقتان الحقتا الضرر السياسي بالنضال العربي داخل اسرائيل ، وكانتا تعبيرا عن الانقطاع الفكري والمعرفي لأصول وضع استراتيجيات وتكتيكات العمل السياسي .
ما انجزناه من فكر سياسي ، ومن ثقافة روحية ( ابداع شعري وقصصي) بهرت الجماهير العربية من الخليج الى المحيط ، تواجه اليوم حالة أعاقة طالت ... ولا أرى ان حالتنا تبشر بالاطمئنان.
هذا ما أدخلني بحيرة ، هل الغي مشاركتي بالبرنامج الاذاعي ، حتى لا أبدو مرة أخرى بأني ناقد سلبي ، أو "حاد وجاد بشكل مبالغ " كما وصفني أديب معروف في رسالة وصلت لصديق لي ؟
هل من قيمة للثقافة اذا خلت من الجدية والاستقامة؟
هل من قيمة لصفة المثقف ، اذا استثنيت الأستقامة الشخصية والثقافية من صفات حاملها ؟
حتى في السياسة ، لا بد للمثقف ، والسياسي أيضا .. ان يلتزم بالاستقامة ، ومن مثلي يعرف صعوبة الاستقامة السياسية في ملاعب السياسة ، وأصعبها ملاعب العرب في اسرائيل ، عندما تصبح السياسة "الطريق لمغادرة الوطن قسرا " ، والطريق للترفه بنعيم الكنيست ، والمضحك عندما يقسم عضو الكنيست العربي يمين الولاء لدولة اسرائيل وقوانينها وحمايتها ، ثم يرفض يهوديتها ، ويرفض المشاركة باحتفالات استقلالها . على الأقل ليتعلموا من محمود عباس أبو مازن عندما قال لوزيرة الخارجية تسيفي ليفني التي طالبته بالاعتراف بيهودية دولة اسرائيل ، قال :" لماذا تريدين اعترافي ؟ سمي دولتك كما تشائين ". حقا هذا ليس مربط خيلنا السياسي ، التسمية تقررها الأكثرية وهذا لن يتغيرفي اسرائيل أيضا، وما يشغلني ليس يهودية الدولة ، انما ضمان دمقراطية ومساواة كاملة ، وحقوقنا كمواطنين وابناء لأقلية قومية لها مميزاتها القومية ولغتها وحقوقها التي يجب اقرارها والحفاظ عليها وتطويرها ، والمساهمة من موقعنا في انجاز الحلم القومي لشعبنا الفلسطيني .
هل الطرح السياسي المريض والمتلعثم ، كان قادرا على خلق انبعاث ثقافي ، أسوة بما انجزناه في سنوات الخمسين والستين والسبعين من القرن الماضي ؟
كل الدلائل والمعطيات سلبية .
الصحافة الحزبية الشيوعية ، التي شكلت منبرا ومدرسة ونافذة على الثقافة والحضارة العالمية ، تهاوت . اختفى أهم منبر أدبي عرفته الثقافة العربية ( مجلة الجديد ) ، ليس في اسرائيل فقط ، انما على مستوى العالم العربي ، والتي شكلت مدرسة نضالية فكرية ثقافية حضارية في وقت اشتد فيه الحصار الثقافي على الجماهير العربية بعد النكبة ، واغلقت كل ابواب التواصل مع ثقافتنا العربية ، فبرزت ( مجلة الجديد) بدورها الثقافي النضالي الشرس لصيانة هويتنا الثقافية ، ولو لم ينجز الحزب الشيوعي بكل تاريخه السياسي الا هذا الانجاز لكفاه فخرا .
اليوم لا أجد الا الضحالة الثقافية ، والضحالة الفكرية ، والضحالة السياسية . اليوم لا أجد فكرا . لا اجد رؤية أكثر اتساعا من قاعدة كرسي البرلمان . لا أجد ثقافة تتجاوز صياغة الشعارات . صحافتنا أضحت بلا محرر أدبي ، من يحتاجه ؟ أجور الصحفيين بالحضيض ، وتكاد لا تسد الرمق . الاعلان هو المحرر وهو المفكر وهو مقرر سياسة الصحيفة . الفكر غائب ، الغيبيات أصبحت صاحبة الميدان. عندما تقرأ في صحيفة وموقع بارز خبرا رئيسيا هو عبارة عن رسالة من شاب حائر لأن أخته تحب شابا. ما يسعك ان تقول لهذه الصحيقة وموقعها..؟
هل هذا اعلام يحترم نفسه ويحترم قراءه؟!
عندما تقرأ لمنظر سياسي ومحرر صحيفة هامة ( أو كانت ) مقالا تحليليا عقائديا يكتشف فيه ، ويكشف لقراء صحيفته الملتزمون ، ومن عنوان المقال أيضا ان : " الأمبريالية لأمريكية عدوة الشعوب ، نقطة . ".
هل توجد عبقرية سياسية أفظع من ذلك ؟!
عندما تسمع شباب متحمسون لزعيمهم الراحل يهتفون بأنه علمهم وقال : " ان أمريكا رأس الحية " .
حقا كنا بحاجة الى قرن كامل لنستوعب هذا الدرس السياسي الخطير؟؟!!
وألأمثلة المضحكة كثيرة ..
أفتقد اليوم في الأحزاب العربية كلها مثقفون من الصف الأول أو الثاني أو الثالث ، لدرجة ان حزبا مركزيا أساسيا يبحث عن محرر لصحيفته من خارج صفوف الحزب .
لا أجد في المعارك التي يندفعون اليها وعيا أوليا لما يريدون الوصول اليه. يقررون موقفا دون الرجوع للنصوص التي يزعمون انهم يعارضونها ويرفضونها . كيف يمكن الثقة بسياسيين "أميين" لا يقرأون الا مدائحهم ؟ ولا يعرفون من السياسة أكثر من المماحكة والشعارات البالية، التي تعلموها يوم كانوا يشيلون الزعيم على أكتافهم .ولا يتخذون موقفا واحدا بناء على دراسة وتقييم ، وأضحت الثقافة نسيا منسيا في برامجهم الانتخابية.
متألم ؟ أجل . ولكني لست من المتشائمين.
كان رأيي ، حتى قبل يوما واحدا من البرنامج الاذاعي ان اشدد على انه لا حدث ثقافي يستحق الاشارة اليه ، واذا كان لا بد من الاشارة الى حدث ، فهو استمرار تدهورنا الثقافي وغياب الاصدارات الأدبية الجيدة نسبيا . وأقول نسبيا لأني لم أرصد الا اصدارا ادبيا واحدا يستحق صفة الأدب وهي مجموعة الأديبة راوية بربارة " شقائق الأسيل".
أقول هذا بلا تردد ، وبمعرفة اني اثير غضب زملاء أعزهم ، ولكنهم محبطون من الواقع الكئيب .
ولكن حدثت مفاجئة غير عادية.
وصلني ديوانان شعريان لشاعر أصيل أحترمة ، وهو مميز بشعره واستقامته واخلاصه لفنة وأدبه وفكره.
وغرقت أقرا شعرا حقيقيا ، ولا اريد أن أضيف وصفا آخر .
شعرا يعبر فيه صاحبه عن احاسيسه ، والأهم انه قادر على نقل احاسيه للقارئ .
هل يريد الشاعر أكثر من ذلك ؟
انه الشاعر الرائع حسين مهنا ، ابن قرية البقيعة – قرية الشعراء الجليلية .
أصدر في الأيام الأخيرة من كانون أول 2007 ديوانين شعريين .
الديوان الأول : " تضيق الخيمة ... يتسع القلب " ويشمل عشر قصائد وخمس منثورات.
يفتتحه بقصيدة يقول مطلعها :
كأني أراكم
كما قد رأتكم دمائي
على باب ( عاي)
تشدون خيلا
وتعدون خلفي
ويوم صرختم بباب ( اريحا ):
- تموت ... تموت
وراحاب تحيا ..!!
حملت الحياةعلى راحتي
وسرت على مهل أنثر الحب والشعر
سرت .. سرت .. سرت ..
انا استزيد الحياة حياة
وانتم تشدون خيلا
وتبغون حتفي ...

الديون الثاني : "الكتابان " - ويبدأ بالثاني وينتهي بالأول .
يقول في قصيدة : " تمرين أو لا تمرين .. "
تمرين أو لا تمرين
قلبي تعود طول انتظارك
انت تعيدين للقلب
ما قد تناثر ،
فوق دروب الحياة
ليصبح شكل الحياة
جميل التفاصيل ،
كي لا تصير الدماء مدادا
وكي لا يظل الحبيب رهين القصيدة.

وفي قصيدة : "سموت بحبك .. " يقول :
سموت بحبك العذري خلقا
وزدت حضارة وصفوت ذوقا
وطهرني غرامك من ذنوب
تحاصر مهجتي وتشد طوقا
واودع بي جمالا بعد ظرف
وشوقا للحياة فصار عشقا
وعلمني بأن الحب عدل
فلا أشقى ولا المحبوب يشقى

بالطبع هذه مقاطع اخترتها عشوائيا ، وانا أؤمن ان القصيدة الجيدة لا تحتاج الى "مفسر أحلام "، بل تتسرب كالماء الى وجدان القارئ وتدمجه بأحاسيس الشاعر.
لذلك وجدت ما يصح ان يكون حديثا عن أبرز حدث ثقافي في ادبنا العربي الفلسطيني في اسرائيل. سأقول بكل بوضوح انه لو لم يصدر الشاعر حسين مهنا ديوانين شعريين جديدين في الأيام الأخيرة من عام 2007 ، ولو لم تصدر راوية بربارة " شقائق الأسيل " لكانت اجابتي انه لا حدث ثقافي يستحق الاشارة اليه ، وان أبرز حدث ثقافي ، هو استمرار تدهورنا الثقافي . ولكن الشاعر حسين مهنا والكاتبة راوية بربارة " تآمرا" لانقاذ الثقافة العربية داخل اسرائيل ، والى حد ما بعد بعد اسرائيل ، باصدارات جديدة قبل افول نجم الليلة الأخيرة من العام 2007 أعادا فيها للسرد وللشعر بعض الأعتبار والقيمة.
وما استطع قوله ان حسين مهنا أنقذ كرامة الشعر العربي ، وربما ليس في اسرائيل فقط . ( للكاتب مراجعة عن " شقائق الأسيل" في مواقع الأنترنت )
حسين مهنا يثبت ان الشاعر المتمكن من فنه ، ولا أقول من مهنته فقط ، قادر على الابداع حسب كل الأساليب الشعرية المعروفة ... من الشعر الموزون والمقفى وشعر التفعيلة حتى الشعر المنثور. من الاسلوب الكلاسيكي حتى أحدث الأساليب الشعرية الجديدية .
حسين مهنا في ابداعه الجديد يشكل مدرسة ومقياسا للشعر الجيد وللشاعر المبدع ، وللمثقف الحقيقي الذي يعيش ويتفاعل مع مجتمعه وعالمه.
ولا بد من العودة بتفاصيل أوسع لهذا الحدث الثقافي الابداعي الهام ..
رغم حالتنا الثقافية المأزومة ، الآ ان الأشراقات الأدبية رغم قلتها ، تشكل أكثر من ضوء في آخر النفق .
وكل عام وانتم بخير

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة

الخميس، ديسمبر 27، 2007

الأنطباع الأول

علي جبر
هل يمكن إن يحدد الأنطباع الأول حدود العلاقة بينك وبين الآخرين؟
وهل يمكن إن تكون صحيحا في حكمك على الآخرين من الأنطباع الأول؟
ماذا اذا تسرعت في الحكم عليهم من خلال انطباعك الأول؟
وهل يمكن إن تندم بالتسرع في الحكم من خلال الانطباع الأول؟
لنرى كل هذه الأجابات وغيرها ..
احيانا نجد أناسا يبتسمون عند أول لقاء لنا معهم ... حتى وإن كان عابراً .... حينها يتكون لدينا شعور بالإرتياح لهم .... إلا إذا كنا نضع الحواجز ... ونتوجس من الآخر ( هذا موضوع آخر ) ....
أيضاً عندما نذهب إلى مكان معين ... سواءً كان دائرة حكومية أو ملتقى عام " حدائق – مجمع تجاري " يؤثر إنطباعنا الأول الذي نكونه على سلوكنا التالي ....
كذلك الأمر ينطبق على زيارتنا لأول مرة لأي دولة .... فنلمس تعامل موظفي الإستقبال ( المطار – الجمارك – الجوازات ) ربما ليس إيجابياً ولكنه يظل إنطباعاً أولياً تُبنى عليه نظرتنا للبلد ...الوافدين اليها
تصفحنا للمواقع على شبكة الإنترنت ... أيضاً نـتأثر بشكل الموقع ... وعندما نبدأ أولى المشاركات يتكون لدينا الإنطباع الأوليّ ... من خلال الردود التي نحظى بها ... فنقرر البقاء أو الرحيل ....وقِس على ذلك الكثير والكثير من المواقف الإجتماعية المتعددة ....
ما أريد الوصول إليه أنه ليس بالضرورة أن نبقى على سجيتنا في كل الأمور ... أو أن نتشبث بطبعنا إن كان حاداً ... وندّعيه صريحاً لندافع عن مواقفنا ... أو أن نعتقد أن تبسمنا أو ترحيبنا أو تشجيعنا هو من باب المجاملة المقيته والتملق المكروه ... فنُضيّق على أنفسنا ليضيق فكرنا ... ونحشر تعاملنا ونزيده حدةً .... فجميل أن نُحسّن سلوكنا ... ليصبح هو طبعنا على مر الزمن وديدننا على الدوام ... فهو أمر نستطيع إكتسابه ... لنترك أثره لدى المتلقي ونبعث فيه اليقين بأن هناك من يهتم بما يقوله ... بل من يهتم به ........

ولكن الإنطباع الأول قد لا يكون إيجابياً بالمطلق ... ربما التجهم هو أبرز ملامح الإنطباع السلبي
ولكن التغيير من التأثير الإيجابي إلى السلبي وارد بالتأكيد وتحكمه عدة أمور آنيه ... فاحياناً عندما نذهب لمحل تجاري نجد الإبتسامه تعلو محيا البائع وما هي إلا لحظات إن لم نقم بالشراء حتى يتبدل الحال ....هنا ما أشير إليه بالإنطباع الأول .... اي معرفة تأثيره سواء اردناه إيجابياً أو سلبياً يمكن أن نتذكر الإنطباع الأول عندما قابلنا من أصبح بعد ذلك صديقنا ... وكيف كان هذا الإنطباع ..!!هل قبلناه من أول مره ... أم اخطأنا الحكم على اللقاء الأول .... !!
ربما هكذا تسير الامور ....فهل تكتفي بالثناء .... أم تبدأ بالعطاء !اعتقد ان البدء بالعطاء هو الأفضل فكيف نأخذ بدون ان نعطىفلنعطى لبعضنا الأخر دون ان نفكر فى المقابل او نطلبه فيجب علينا ان نتعلم فلسفة العطاءو الإيثار و هما من نهج الصالحينو ابسط اوجه العطاء هو الأبتسامه فهى تكسر جدران و تقيم جسور
و كما بينت بالحديث عن الأنطباع الأولو كيفية تأثيرة فى العلاقات فيجب علينا ان نحرث عليهبل يجب علينا ألا نحرص عليه فقط بل على كل الانطبعات فى جميع اللقاءات و المرات
حكمة !!!!!!!
من نظر في عيبه اشتغل عن عيوب الناس.تحياتى

قصة قصيرة : سرقتها الريح


بسام الطعان

حدائق نارنج, تسقسق فيها سـواقي الحب كانت لنا الدنيا يا زينب, ولكن دون سابق إنذار, وفي يوم من أجمل أيام العمر, تغيّرت الدنيا, أخذت منا ولم تعطنا, هزتنا ولم تهدهدنا, ثم حكـت لنا حكاية حزينة, وحولتنا أنت وأنا إلى مظلومين فيها, فأي منطق ؟
وها أنذا الآن يا زينب, أدور مثل يعسوب في الأزقة والحواري, في الليل والنهار, وقد مزقت بذلتي السـوداء , وربطة عنقي التي كانت بالأمس زاهية الألوان, وها أنا حافي القدمين, أدور ولا أذكر ولا أتذكـر غيرك, أمشي بخطوات مجنونة, وأحيانا أركض, أتحدث إليك والى نفســـي وخيالاتي, ولا أرد على الأفواه التي تتأسف عليك وعليَّ يا زينب.
"اتركوه وشأنه, مصيبته كبيرة"
"كان مهووساً بها"
"يا له من مسكين, إلى متى سيظل على هذه الحال؟"
"بل يا له من أبله, من أجل امرأة لا راحت ولا جاءت فعل بنفسـه ما فعل"
آاااااه, آه يا زينب.. حلمت بك منذ سنوات طويلة , وببيت صغير يجمعنا ولا يتسع إلا للضحك وباقات العشق وتبادل الشفتين, كبرت وكبر حلمي في قلبي, وكنت كلما ألتقي بك, أنظر إلى جسدك المليء بالثمار الحلوة, وأرسم تفاصيله بجملة لم أعــرف غيرها:" أحبك يا زينب".
من بعد طول انتظار وتعب وصبر مجلجل, ركبنا السيارة المزينة بالورود والشــــرائط الملونة, لتأخذنا إلى ليلة العمر, وكان العطر يفوح منا ويختلط بالشهوة والشوق نحو غرفة نومنا التي انتقيناها معاً في صباح ربيعي بديع.
كل الأحــبة كانوا من حولنا , وكانت الزغاريد ترتفع في الفضاء كعصافير ملونة , وآن احتوانا المقعد الخلفي , صـنعنا كتائب من بهجة, وتبادلنا الهمسات وباقات القرنفل الأحمر والأبيض, ورغما عنك وعني, تعانقت أصابعنا, لكنها لم تستطع أن تخمد حممنا, وبقيت نظراتنا لا تفارق اللوحات الزاهية المرسومة على وجـهينا, وتنتظــر انتهاء الســـاعات القليلة لتهرول نحو أعطاف بيتنا, ليتم التلاقي بين قلبينا وجسدينا يا زينب.
كم كانــت الدنيا جمـيلة ونحن في طــريقنا إلى النادي المليء بكل أصناف الفرح, كنا نمارس عشقنا, همساتنا, ابتسـاماتنا, وضحكاتنا الخافتة, ولا ندري أننا في طريقنا نحو الهاوية يا زينب.
على الطريق الســريعة, وقبل أن نصل إلى البلدة بعشرة كيلو مترات أو أكثر بقليل, جفت جداول العسل على خديك.
قلت وراحة كفك ترتاح فوق صدرك:
ـ أشعر بوخزات حادة في صدري.
لا أدري ماذا أصابني, غير أنني قلت:
ـ يبدو أنها تشنجات فلا تخافي.
ظل الألم يعشقك كما عشقتك يا زينب, فاصـفـّر وجهي, خاف كل عضو في جسدي, طلبت من السائق أن يسرع, وأسندت رأسك إلى كتفي الأيمن:
ـ لا تخافي يا حبيبتي, ستكونين على ما يرام.
بعد لحظات, صار وجهك ممغنطاً بالشحوب, سقط رأسك على ركبتيَّ , تبعثر جمالك, وتبعثرت معه رقتك الماسية , شعرت بأحلامي كلها تتهاوى, خفق قلبي على نحو لم يسبق حدوثه من قبل, في لحظة مبهمة, لكنها مكثفة, رفعت رأســك, هززته برفق وحنان, ناديتك بحبي الكبير فلم أسمع غير شهقة خافتة كنداء غريق في بحر متلاطم الأمواج.
كان السائق يطير على الطريق ولا يسـتجيب لاشارات الآخرين, وكانت نداءاتي تتوزع في حقول الحنطة, وأنت يا زينب, سافرت كغيمة مليئة بالمـطر وتركت حقول قلبي كلها عطشى , كيف استطعت أن تفعلي ذلك يا زينب؟ كيف..؟ كيف..؟
قطعنا كل المسافات برقم قياسي, ومن خلفنا الموكب بكل سياراته وشخوصه, وأمام المشـفى , ركض الكل باتجاهنا, وبدأت الأفواه تتساءل بدهشة لا توصف:
ـ ماذا حصل؟
لأكثر من ساعة وجسدي يمتهن الهذيان, بينما الآخرون يرسمون صور الفوضى ويتلون الأسـئلة, وحين خرج إلينا الطبيب, نبتت في الصدور أشواك من نار أحرقت القلوب, وحولت المشــفى إلى ناد للنحيب.
كيف تجـرأت الريح أن تسـرقك وأنت ترتدين ثوب الزفاف يا زينب؟ قولي لي أرجوك, هل أحلم وأنا نائم إلى جانبك في سريرنا المذهب؟ أم أسير في صباح ميت مثلي مع كل أبناء البلدة في موكب عرس أردت أن يكون لك وحدك؟
أبدا لم أرفع نظراتي عنك وأنا أذرف الدموع , أكتم صـرخاتي والألم يفتت شــراييني , وفجأة رفعت رأسك من فوق الأكتاف, أرسلت نظراتك إلى الوجــوه الكثيرة, اصطدمت نظراتك بوجه أمك وهي ترفع غطاء رأسـها الأبيض , تلوح به, تولول حيناً , وحيناً ترشك بمواويل حزينة, فقلت وأنت تبتسمين:
"هل رأيت مثل هذا العرس من قبل يا أماه؟"
ثم أرسلت نظراتك اليَّ, ابتسمت مرة أخرى, وأشرت لي أن آتي إليك, فما كان مني إلا أن هتفت بطيبة اسمك وهرولت نحوك , اقتربت منك والكل شاهد على فرحتي, لمست الصندوق الأخضر, وقلت بصوت مبحوح:
ـ توقفوا.. أنزلوها فهي تريدني.
أمسك بيدي أحدهم ولم يعطني مفتاحا أفتح به باب الهدوء, أراد آخر سحقي فوق صخور لا مبالاته, رجوت الجميع أن يستجيبوا لي لكنهم لم يفعلوا, فأعلنت احتجاجي, أطلـــقت دوي انفجاراتي, وحين أبعدوني عنهم وتابعوا سيرهم, جحافل الغضب سيطرت عليَّ, فلكمت كل البرابرة الظالمين الذين نصبوا بيني وبينك جدارا من صدور ورؤوس .
وانفتحت الأفواه من جديد:
"لقد جن المسكين"
"لو كنت مكانه لأصابني ما أصابه وربما أكثر"
"مصيبته كبيرة"
"فعلا المصيبة كبيرة"
"دعوه يفعل ما يريد, تابعوا سيركم"
"مع الأيام سينساها ويتزوج غيرها"
أنساها؟! كيف سأنساك يا زينب؟ تابع الموكب طريقه بهدوء, وتركني الجميع على قارعة الطريق , فلم أر أمامي غير الجن والعفاريت وهي تضحك وتسخر مني , ظل جسدي يرتجف, وكلماتي الغريبة تطير في كل الاتجاهات , ولا أعرف متى وكيف عدت إلى الأزقة والحواري, وكنت كلما أرى شخصاَ أركض إليه واسأله:
ـ هل تعرف إلى أين ذهبت زينب؟
ـ زينب سرقتها الريح . كنت أجيب قبل أن يرد , ثم أركض وأركض وأركض حتى التعب .
bassamtaan@yahoo.com

الثلاثاء، ديسمبر 25، 2007

صباحكم أجمل \ القدس وحديث العندليب


زياد جيوسي

مبنى قصر الحمراء في شارع الاذاعة - رام الله
"بعدستي الخاصة"

عيد ميلاد سعيد، عبارة بدأنا بها نهار الأمس ونحن نتبادل تهنئة عيد الميلاد مع الأصدقاء، وفي العصر قمت بزيارة بعض الأصدقاء للتهنئة واليوم أكمل، ففي رام الله مدينة المحبة والتسامح الأعياد مشتركة، ففي هذا الوطن الجميل المغتصب ولد سيدنا المسيح عليه السلام، وكان مسرى ومعراج رسولنا محمد عليه أطيب الصلاة والسلام، وعلى هذه الأرض كانت العهدة العمرية، فكان الفجر لعلاقة خاصة ومتميزة بين أبناء الأرض من مسيحيين ومسلمين، لا يفرق الاحتلال بين أحد منهم، فالمطلوب أرض فارغة من السكان لتكون أرضاً خالصة لليهود الصهاينة، لكن هذا الوطن الذي قاوم كل أنواع الاحتلال عبر التاريخ سيبقى عصياً على كل الغزاة، فنحن شعب ضارب الجذور كسنديان الأرض وزيتونها، كأقصاها وقيامتها ومهدها.
انه الصباح في رام الله، صباح بارد كالعادة في مثل هذه الأجواء، فقد بدأ موسم "المربعنية"، وهي أول أربعون يوماً من فصل الشتاء، فيشتد البرد ويضيف لبرودة جو رام الله برداً إضافياً، مما يجعل متعتي بالتجوال الصباحي بحاجة لاهتمام في اللباس أكثر، فما عاد هذا الجسد المتعب يحتمل كما السابق، لكنه السير في الشوارع الهادئة في الصباح المبكر ما يجدد الروح وينعش النفس، ويستدعي الذكريات لعل فيها بعض من الدفء.
مساء الأمس كنا ثلة من الأصدقاء المهتمين بالعمل السينمائي، نلتقي مع محافظ محافظة رام الله والبيـرة للتحدث ببعض الهموم، وتشعب الحديث إلى الكثير من أوضاع المدينة، وتشعبت الاقتراحات ووجهات النظر، وعلى مدى ساعتين ونصف تقريباً كان يستمع لنا ويحاورنا بكل هدوء، فكم هو جميل أن يكون المسئول مثقفاً وواعياً ومتواضعاً، فالدكتور سعيد أبو علي القارئ النهم والمثقف المتابع، هو أنموذج طيب في التعامل، وسمعته قد سبقته حين كان محافظ لمحافظة أخرى، ويشهد له حجم اهتمامه بالثقافة والفن، ولدائرة الإعلام والثقافة والعاملين فيها في المحافظة بالمتابعة والرغبة في التطوير، وقد زف لنا أكثر من خبر عن إنجازات ستتم خلال فترة بسيطة، ولعل من أهمها إزالة اليافطات الضخمة التي تحجب شارعين من الشوارع المطلة على المنارة، والتي تعيق أعمدتها الضخمة حركة المشاة أيضاً، والتي سبق أن كتبت عنها أكثر من مرة، وقال لي مبتسما: سنـزيلها كما تم إزالة "خازوق المنارة"، مستخدماً تعبيري في كتاباتي السابقة وفي لقاءات البلدية، عن هذا "الخازوق" المعدني البشع الذي كان يشوه المنارة وقلب المدينة.
كبيـر هو حجم المعاناة التي يعانيها المحافظ ورؤساء البلديات، في محاولات التطوير والارتقاء بالمدينتين التوأم رام الله والبيـرة، وكثيرة هي الملاحظات التي يبديها المهتمون وعشاق البلدة، لذا آمل حقيقة أن يبقى التعاون بين المسئولين والمواطنين قائماً، من أجل مدينة نحبها أكثر.
الهموم كثيرة والمعاناة كبيرة تمتد بحجم الوطن وأكبر، فهل من هم أكبر من هم الاحتلال والنـزاع الداخلي، واستمرار سقوط الشهداء ومصادرة الأراضي واستمرار بناء المستوطنات، رغم كل الأحاديث التي أشبعونا فيها عن تحريك ما أسموه بعملية السلام، تداعيات تجول الذاكرة في هذا الصباح المبكر، وأنا أجول بين شوارع مدينتي الجميلة، أمر من شارع الشرطة إلى شارع بجانب ملاعب مدرسة "الفرندز"، يثير فيّ الفرح أعداد من أشجار الكينا الضخمة على الجانبين، ومن هناك أصعد باتجاه المسجد الكبير، أنظر لجداره لأفاجئ بوجود ثلاث يافطات على جداره كل منها تحمل إسماً مختلفاً، فواحدة تسميه مسجد البيـرة الكبير، والثانية تسميه مسجد جمال عبد الناصر، وثالثة تسميه مسجد الشهداء، فأبتسم وأسائل نفسي: ترى أي من هذه الأسماء أعتمد لهذا المسجد، وأتذكر شارع مسافته محدودة وجدت فيه ثلاث يافطات، كل منها تسمي الشارع بإسم مختلف، وأواصل طريقي إلى شارع القدس وأسير فيه إلى تقاطع الشرفا، ومن هناك التف عائداً إلى صومعتي بعد إحضار صحيفة الصباح.
شارع القدس يثير فيّ تداعيات لاستكمال الحديث الذي بدأته عن وصولي للقدس في المرة الأولى في حياتي، ملتحقاً بأهلي الذين سبقوني بشهور عديدة، كان ذلك في صيف 1962 من القرن الماضي، فغادرنا أريحا بعد وقفة للراحة والتسوق، ركبت في السيارة ووالدي امتطى دراجته النارية بلباسه العسكري الجميل، وسار أمامنا كما بدأ المسير أمامنا من عمان، وبدأت السيارة في الصعود إلى الأعلى، وبدأت حرارة الجو تنخفض حتى أطللنا على جبال القدس، ولمعت القبة الذهبية في الشمس، فشعرت برهبة تسود روحي، وكنت أستعجل الوقت للوصول ولقاء أمي وأخي جهاد وشقيقتي الوحيدة الصغيرة، وإن كنت متلهفاً لرؤية جهاد بشكل خاص، فرغم أنه يصغرني بعامين إلا أننا كنا أصدقاء الطفولة وما زلنا أصدقاء المشيب، ووصلت بنا السيارة إلى باب العامود من أبواب القدس، لأقف لأول مرة بإحساس طفولي أمام عظمة هذه الأسوار، وأمام هذه المدينة التي تربينا على قدسيتها، ومن هناك ركبت خلف والدي على دراجته إلى البيت، فصعدنا إلى منطقة اسمها وادي الجوز، ولا أعرف إن كانت التسمية مرتبطة بأشجار الجوز أو بشيء آخر، حتى وصلنا إلى نهاية الحي وآخر بيوت فيه، ليكون أول من التقيه جهاد، الذي كان ينتظر من وقت مبكر ليكون في استقبالي، وكان لقاء عاطفي طفولي لا أنساه، وهو يقدم لي بعض قطع الأخشاب ويقول لي: "خبيتهم إلك عشان نلعب سوا"، ثم رأيت أختي التي لم تعرفني حين ناديت عليها، فركضت لتختبئ عند الوالدة التي خرجت تركض لتحضنني، وما هو إلا قليل من الوقت حتى كان جهاد قد سحبني من يدي ليعرفني على أبناء الحارة، قائلاً بفرح يلمع في عينيه الخضراوين: "أخوي زياد أجا من عمان".
القدس إذن ودفء الأهل والأسرة، مجتمع آخر وأناس آخرين ومدينة جديدة، سيكون لها رغم قصر الإقامة أثر كبير في حياتي لاحقاً، وبدأت باستكشاف ما حولي كما هي عادتي الطفولية، وكم سررت أن البيت يقع على حافة بستان مليء بالأشجار المثمرة، فبدأت أقضي أوقاتاً طيبة تحت الشجر وبين الورود، وكان يلفت نظري مبنى ضخم كبير يقع على مسافة ليست بعيدة من البيت، شكله أشبه بمستشفى كبير وضخم، يقع بعد مساحة متروكة من الأرض بدون زراعة أو بناء، محاطاً بالأسلاك الشائكة، فسألت والدتي عنه، فكانت الصدمة الأولى حين قالت لي: إحذر أن تقترب من هناك، فهذا مبنى هداسا وفيه جيش اليهود، فلم أكن أتخيل في الطفولة أني سأكون على مرمى حجر من الجيش الإسرائيلي الذي اغتصب الوطن، وطرد جدي لأمي وأسرته من بيتهم، وطرد أصدقاء تركتهم في المخيم من بيوتهم، فسكت عن الكلام مصاباً بغصة شديدة، وأنا أستذكر أحاديث جدي وجدتي ووالدتي عن معاناة الطرد من يافا، وعن الآم اللجوء والجوع والمعاناة.
صباح آخر من صباحات الوطن، أعود لصومعتي متأملاً طيور الحمام وهي تحط وتطير من على نافذتي، أشرب فنجان قهوتي وحيداً وشدو فيروز ككل صباح:
"سنرجع يوما إلى حينا ونغرق في دافئات المنى، سنرجع مهما يمر الزمان، وتنأى المسافات ما بيننا، فيا قلب مهلا ولا ترتمي على درب عودتنا موهن، يعز علينا غداً أن تعود رفوف الطيور ونحن هنا".
صباحكم أجمل.
رام الله المحتلة
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com

شعراء شمال إفريقيا في أنطولوجيا روسيّة

حسّان الباهي / الجزائر

48 شاعرا في ضيافة بوشكين

* استهلّها نشيد الجزائر لمفدي زكريا أكبر الشعراء سنّا وانتهت بغرنيكا بيروتية للتّونسيّ يوسف رزوقة أصغرهم سنّا.

عن منشورات "مولودايا غفارديا" بموسكو، صدرت بالرّوسيّة أنطولوجيا "شعراء شمال إفريقيا"، في مقدّمة للمستشرق الرّوسيّ إيغور يرماكوف الّذي أطّر هذا العمل باعتباره نواة أنطولوجيّة تهدف إلى مدّ الجسور بين روسيا والعالم العربيّ بمختلف أجنحته وشمال إفريقيا، محور هذه الترجمات، أحدها.48 شاعرا من سبع بلدان عدّت شمال إفريقيّة وهي كما وردت في ترتيبها الأبجديّ : الجزائر، مصر، ليبيا، موريتانيا، المغرب، السّودان وتونس.

استهلّت الأنطولوجيا بنشيد الثورة الجزائريّة "قسما" لمؤلّفه مفدي زكريا، أكبر الشّعراء سنّا( من مواليد 1913) لتنتهي بقصيدة "غرنيكا بيروتيّة" لصاحبها التونسيّ يوسف رزوقة، أصغرهم سنّا( من مواليد 1957) وبينهما توزّعت مادّة الكتاب على امتداد 192 صفحة، بمعدّل ثلاث قصائد لكلّ شاعر، مع نبذة تعريفيّة في آخر الكتاب عن كلّ واحد منهم.الشّعراء الّذين ترجموا إلى الرّوسيّة، انطلاقا من اللّغة الّتي بها يكتبون ( سواء أكانت العربيّة أو الفرنسيّة) هم كالتّالي:

من الجزائر، مفدي زكريا، محمّد ديب، البشير الحاج علي، مالك حدّاد، كاتب ياسين، أبو القاسم سعد اللّه، محمّد الأخضر السّائحي، آسيا جبّار، رشيد بوجدرة، حمري بحري، أحمد حمدي، أزراج عمر ومحمّد الزتيلي.من مصر، عبد الرّحمان الخميسي، محمّد عفيفي مطر، صلاح عبد الصّبور، أحمد عبد المعطي حجازي، محمّد إبراهيم أبو سنّة وأمل دنقل.

من ليبيا، علي صدقي عبد القادر، علي محمّد الرّقيعي، علي الفزّاني وفرج العربي.

من موريتانيا، يوسف غيو، محمّد الحافظ بن أحمد وأحمد بن عبد القادر.

من المغرب، محمّد عزيز الحبّابي، عبد الكريم الطّبّال، محمّد خير الدّين، الطّاهر بن جلّون، إدريس الملياني، أحمد حنفي ، محمّد بنّيس، عبد اللّه راجع ومحمّد الأشعري.

من السّودان، حسن عبّاس صبحي، محمّد الفيتوري، تاج السّرّ الحسن، جيلي عبد الرّحمان، محمّد مكّي الإبراهيمي وعبد الرّحيم أبو ذكرى.

من تونس، محمّد العروسي المطوي، الميداني بن صالح، مصطفى الفارسي، نور الدّين صمّود، زبيدة بشير، جعفر ماجد ويوسف رزوقة.

من مناخات هذه الأنطولوجيا، نورد مقاطع من قصيدة الاستهلال أي نشيد الثورة الجزائرية لمفدي زكريا، وفيه يقول: قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيــــــــات الدافقات / والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات / نحن ثرنا فحياة أو ممــــــــات / وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر / فاشهدوا / نحن جند في سبيل الحق ثرنا وإلى استقلالنا بالحرب قمنا / لم يكن يصغي لنا لما نطقنا فاتخذنا رنة البارود وزنا / وعزفنا نغمة الرشــــاش لحنا / وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر / فاشهدوا.

كما نورد مقاطع من شعر أمل دنقل من قصيدته "فقرات من كتاب الموت"، يقول فيها: كلَّ صَباح../ أفتحُ الصنبورَ في إرهاقْ / مُغتسِلاً في مائِه الرقْراقْ / فيسقُطُ الماءُ على يدي.. دَمَا!/ وعِندما../ أجلسُ للطّعام.. مُرغما:/ أبصرُ في دوائِر الأطباقْ / جماجِماً../ جماجِماً../ مفغورةَ الأفواهِ والأَحداقْ!!

أمّا يوسف رزوقة الّذي أريد له أن يختتم هذه الأنطولوجيا فيقول في "غرنيكا بيروتية" التي كتبت منذ ربع قرن أي بتاريخ 15 أكتوبر 1983: تنمو ما بين الريشة والحلم المقهور عساليج الدفلى / يخترع العصفور ربيعا وهميا ويطير / تطالعه جثث الأشجار هنا وهناك / تحاصره أسلاك شائكة وهلاك / يحطّ على قمم تتفجّر أسفلها حمم / الدنيا عدم / ودم الأزهار يسيح سواقي يغمر إبداع الله / تنمو ما بين الريشة والحلم المقهور عساليج الدفلى / ما عاد اللون يميّز بين يد عليا ويد سفلى / كل الأعضاء رماد مندثر / كل التاريخ ظلام / غمّس ريشتك المجنونة في الدم / وارسم خارطة مثلى / يستوطنها رجل فنان وامرأة حبلى وحمام.

ويذكر أنّ هذه الأنطولوجيا ساهم في إنجازها، بتنسيق من المستشرقين أولغا فلاسوفا وإيغور يرماكوف، فريق من المترجمين هم فاليري خاتيوتشي، موثا بالوفا، أولغ ألكسي، سفتلانا كوسنتسوفا، يوري ستيفانوف، موريس باكسماخر، تاتيانا غلوتشكوفا، غالينا بوغتشيفا، ألكسندر زورين، لاريسا روماتشوك، مارات لأكتشوري، سرغاي غولوباف، ناجدا مالتسفا، فيكتور بولتشوك، مارينا تاراكوفا، يفريني بينوغوروف، أولغا تشوغاي وليوبوف بورونايفا.

مع الإشارة إلى استئناسنا هنا ، لغاية إعداد هذا المقال، بترجمة الأستاذ فتحي كشتبان في حين استقينا الشّواهد الشّعريّة من دواوين أصحابها المترجم لهم. ( يورز برس )

الأحد، ديسمبر 23، 2007

يوطاليا أو مدينة الشّعراء ليوسف رزوقة وهيرا فوكس


بقلم : شانتال موركرات * ، ترجمة ناجية بوبكر


شاعران يلعبان بجدّيّة صارمة
- يوطاليا هي مدينة الشعراء يلتقي فيها الغرب والشّرق.
هذا الكتاب (صادر مؤخرا عن سوتيبا)،هو ثمرة رؤية ثنائيّة، تجاوزيّة لشاعرين، أحدهما تونسيّ، من الشّرق والطّرف الآخر فرنسيّة من الغرب. معا تبادلا من الأفكار حول الشّعر والحياة والجنون الإبداعيّ ما جعلهما يشتبكان باتجاه إيقاع مختلف.
إيقاع تبدو فيه هيرا فوكس، على سبيل المجاز، الصّوت الأنثويّ، المجهول. لم التّخفّي؟ لأنّ هيرا فوكس هنا امرأة أيقونة فهي أمّ وزوجة، تعير هنا صوتها لمسرح الأضواء والظّلال حيث لا معنى إلاّ للكلمات بشتّى حواسّها، للرّموز، للّعب الشّعريّ وللميم، ميم المرأة الّتي لا توصف.
إنّه معجم ذو مفارقة ، يتجاوز الفضاء، وفيه يمتزج الإنسانيّ والحميميّ، كي تنصرف اللّغة، النبع الحيّ ليوسف رزوقة، إلى مطلق حرّيّتها، لغة منثالة من كلّ مكان،عبر الجسد والأفكار، تخترق ما هو ثنائيّ، الصورة الشّعرية وفوضاها لتستقرّ في النّهاية حيث النّبع.
"الأنا" هنا تأخذ شكل مكعّب بشتّى زواياه وأوجهه، شكل شاشة أو كشّاف نور ذي سعة انتشاريّة، فائقة: هي لعبة للبناء تركيبا وتفكيكا في زحمة الانزياحات المختلفة.
هما صوتان، ثقافتان، أسلوبان، ذاتان تقولان الحياة، في بعدها الافتراضيّ ، بطريقة مختلفة وتسمّيان من جديد مدوّنة الأشياء.
ونحن نمعن في المقول الشّعريّ للوقوف على جوهر المعنى، تطالعنا لوحة متعدّدة المصاريع، على سطحها شاعران يلعبان، ينسابان، يتساءلان، يستفزّان، يصدمان، يتراضيان، يغريان أو، بكلّ بساطة، يحكيان.
ماذا لو استحالت الكلمة شيئا؟ لو استوت الفكرة مدينة؟ لو انتهى الحلم جسدا، عيونا مفتوحة؟
يوطاليا هي مدينة، هي طريق حيث الغرب والشّرق يلتقيان. هما يلتقيان في نقطة "الوثوب الحيويّ" حيث الجوع والظّمأ يعبّر عنهما بكلمات كلّ يوم.
باللّعب في الآن نفسه على تيمات التّثاقف، المراجع الثّقافيّة، الطّبيعة، الجسد والقلب، اليوميّ، انتهت يوطاليا فضاء للأقلمة تنحلّ فيه أنغام الإيقاع البشريّ. إيقاع منحه الشاعران صوتهما في محاولة منهما للاستحواذ على عالم الرّموز ولقول ما يهمّهما كي يكونا معا في هذه "القرية الكونيّة" حيث يستوي الإنسانيّ مع الكونيّ من أجل الاستئثار بالمعنى المجازيّ للأمّ ، كي يصار، في حفل من الكلمات النّائسة، إلى تفكيك شفرة عالم ينأى عن الجوهر: أصل الحياة والينابيع الدّغليّة الأولى.
لا يعني أبدا هذا أنّنا إزاء قصيدة مرآويّة أو قصيدة هجائيّة، بل نحن إزاء بهجة ما، حيث ينهض الصّوتان معا كي يكونا، من ثمّ، ناطقين باسم أيّ ثنائيّ، في الواقع.
تصاعديّا وطبيعيّا، يذهب الحوار بين شرق وغرب، بين شمال وجنوب، بمنأى عن كلّ اعتبار نزاعيّ يقول بصدام الحضارات.
اثنان من "يتامى الخارطة" يذهبان إلى أقصى العالم، يحاولان معا محو الأبجديّة، الفضاء والزّمان، يلاحظان ثمّ يعودان إلى نقطة الانطلاق كي يسمّيا الأشياء من جديد: الرّيح، المطر، الضّجيج، الجسد، المعلّم والإنسان الآليّ، الحبّ، الثّورة، الجنون والعصفور، العجلة... وماذا لو أنّ اللّغة لم تتمكّن من التّوقف، وهي تذهب من المألوف إلى حيث المجهول؟
إنّه إيقاع: نشيد للطّبيعة وللفرح.
كلمة السّر في هذه القصائد هي عودة الخطاف.
إنّه إيقاع: نشيد للإخاء وللحلم القائم بين شرق وغرب
كلمة السّرّ في هذه القصائد هي تهريب ألف ذاكرة وذاكرة
هي لغة الإنسان على مستوى جزء ما، من الكوكب : هذان الصّوتان، لمن يغنّيان؟ وأيّ الذّاكرات يهرّبان؟
ماذا لو أمكن للغة يوما أن تعطي دفعا للنبع من جديد؟
* شاعرة فرنسية.

السبت، ديسمبر 22، 2007

خطّ الهزلاج ليوسف أبو لوز.. الذئب قناعا


حسان الباهي
الجزائر
في الوقت الذي صدرت فيه مجموعته الشعرية "ضجر الذئب" الحائزة على جائزة عرار الأدبية سنة 1995 في طبعة ثانية عن بيت الشعر الفلسطيني والتي اختير منها نصّ شعريّ ليبرمج في مقرر اللغة العربية ضمن المناهج المدرسية الأردنية في المرحلة الثانوية كنموذج تطبيقي على تدريس مادة العروض، صدرت هذه الأيام عن أمانة عمّان الكبرى مجموعة شعريّة جديدة للشاعر يوسف أبو لوز بعنوان"خطّ الهزلاج"، جاءت في 192 صفحة ومنطوية على القصائد التالية: معتقدات، قافية مكررة مهداة إلى أحمد فرحات، هجرات وتنطوي على صدرك سرك، رائية، جدل، فعل أمر، أعشور قصائد، الأرجوحة، ابنة فرعون، ضرب الريح، تليها قصائد الندم (53 قصيدة)، رموز وهي عبارة عن يوميات شعرية، نثرية قمح على ضريح محمد القيسي.
حوله، يرى الشاعر ذياب شاهين " أن نشأة الشاعر في بيئة ريفية في إحدى قرى مادبا الجبلية في الأردن قد أثرت بصورة كبيرة في حياته على المستوى الإبداعي والروحي، فصور الريف ما انفكت تطرز شعره ومخيلته، ولا يستطيع منها فكاكا. فالشاعر يوسف أبو لوز، كما يصفه، شاعر خارج الالتزام والأدلجة، وهو نموذج الأديب اللا منتمي، فلا يعمل بوحي من سلطة أو رقيب أو إيديولوجيا. الكتابة لديه تعني الحرية بكل بهائها، ولا يمكن له أن يكون بوقاً لأي كان، وهو يعمل في منطقة لا تنتمي للسرب، يغرد خارجه فروحه عصية على التدجين، ولا تطيع إلا ما ينبثق من داخلها إبداعياً" ويضيف "أن يوسف أبو لوز وهو يبلغ الخمسين من عمره يجد في نفسه ذلك البطل الذي لن يترجل عن صهوة حصانه أو يغمد سيفه، بل إنه مطمئن على أن الذي سيأتي هو الأجمل والأبهى، كما أن غزارته في الكتابة التي أفنى حياته بها ونذر نفسه لها لن تتوقف، فالشاعر ما انفك مولعا بالحياة وما تنطوي عليه من شعر ونثر وحب وسفر وجنون".
في مجموعته الشّعريّة الجديدة "خطّ الهزلاج"، يواصل يوسف أبو لوز بوحه وعذابه وهو يتمثل قناع الذئب وما لفظة " الهزلاج" التي وظفها هنا إلاّ إحالة على معنى " الذئب الخفيف في رؤيا الشاعر"، فالشاعر يرى في هذا السياق أن الله ابتلى الذئب بداء مزمن هو الجوع، وما الجوع إلاّ تطلّع رمزيّ، نهم إلى الحرية في شتى تمظهراتها، إلى العدالة في أسمى تجلياتها، إلى الوطن في بعده المتعدد، إلى كتابة مختلفة، إلى صباح جديد كما ألمح إلى ذلك في أكثر من مناسبة.
يذهب أبو لوز في فلسفة سياسته الذئبية فيقول:
" لستُ ذئباً ولا من طباعي العواء على الليل ظناً من الحيوانِ
بأن الليالي قطيع
وما جعتُ يوماً
ولا نبتُ صيداً
فمثلي من دون ناب
لستُ ذئباً
ولكن، تقنعتُ وجهاً لذئبٍ
لكي لا تعض حياتي الكلاب"(ص 71)
يقول عنه توفيق طه: يوسف أبو لوز شاعر بريّ بالمعنى العميق للكلمة في دواوينه يستسلم أبو لوز للا وعي الصورة والاستعارة يرتحل بهما ومعهما في الداخل المعتم محولا قصيدته إلى ذئب يعوي في فلاة مكتئبا وشرسا في بحثه اليائس عن فريسة لا تأتي أبدا، هو صاحب ضجر الذئب ونصوص الدم وفاطمة تذهب مبكرة إلى الحقول.
أمّا الشاعر مراد السّوداني فيرى في نفس السياق المكرّس لتيمة الذئب لدى يوسف أبو لوز، انطلاقا من باكوراته الشعرية "ضجر الذئب"، يرى في هذا "الضجر الذئبيّ" وجعاً مرّاً واغتراباً فظاً .. ''الأنا'' لا تبدو في تماسكها الرخاميّ، ثمّة تشظيات وغربة لائبة وحكاية الجيل، جيل مطلع الضياع والتشتت والبحث عن الذات في سياق الحنين إلى الجذور الأولى.
مقاطع من يومياته الشعرية "رموز" (ص 146):
ظهيرة الأحد
11/1/2004
الشمس امرأة مشرقة أو غاربة تلهو بين الأفلاك وترسل للأرض ضفائرها البيضاء
الشمس امرأة في العشرين مدورة الوجه وسمراء
والشمس بكاء الضوء ودفء الكائن والشيء وبرد العاشق حين يغادره المعشوق
والشمس تحبل من رجل مجهول الأصل له ابن منها سماه القرويون "هلال".
و"هلال" قوس ذهبي في أعلى الشهر
في يده النهي وفي يده الأمر
مساء 28/3/2004
يا حبيبي أين أنت?
يا حبيبي خلت صوتاً شبه صوت
يا حبيبي قد أراك وأنا أعمى... أراك
ليل 28/3/2004
تشبه أمي ولذلك اعبدها إذ أتصبب ماءً من جسدي المملوء بها.
تشبه تلك الغيمة في أيلول
فأعبدها ثانية وأرد المعروف لها.
تشبه أختي من امرأة ثانية ولذلك اعبدها
تشبه خيط السرو فأعبدها
تشبه تمثال الله لكي اعبدها
تشبه خيط العود.. فأعزفها
تشبه سيدة ثانية وهنا أقتلها
تشبه طفلتها في العام الأول.. والمرأة والطفلة
أنثى أحملها
تشبه خاتمها أو تشبه زينتها
أو تشبه مرآة.. وتحاورها
تشبه بيت النمل فلا ادري من يشبهها
تشبه طيراً في خفتها
طيراً لا أعرفه فأنا لا أعرفها.
يا مثواي الحب لو تشبهني...
لو أشبهها
ويذكر أن الشاعر يوسف أبو لوز من مواليد 1956 من قرية الكفير بالأردن، وهو منحدر أصلا من ''بئر السبع'' في النقب الفلسطيني. صدر له: ''صباح الكاتيوشا أيها المخيم1983، فاطمة تذهب مبكرة إلى الحقول1983، نصوص الدم 1986، ضجر الذئب 1993 و2007، خطّ الهزلاج 2007 إلى جانب كتاب عن رموز الحياة الثقافية في الإمارات بعنوان "شجرة الكلام" صدر عن جريدة الخليج .

لدواعي أمنيّة

الهام ناصر

......الفكرة تتمدّد كالداءِ في الجسد
الى أن يصاب بالشلل “الغني " "
فيسيل لعابَ الشيطان........
لدواعي أنثوية
وضعتُ على رأسي مشابك ملوّنة
سفيرة العصا السحرية
امتلأ بها شعري
دلالا
أبكى ذكورته....
تعرّي
أحملُهُ على ظهري
وحول عنقي
الى ما فوق الرّكبتينِ
ليُحيي سُنّة الرّقص....
استعرْت من تلك المرأة سمومها
لأقتل بهِا رجلاً يُصبحُ بعدها .... عظيما
وأعوم في أكذوبةِ
صُنعِ الآخر من ضِلعي....
حبيباتِ الثلج
أعلّقها على حبال الصوتِ
تعرج بنبرة واحدة
ذات نغمة متقطّعة
افرشها على عرشِ الدفءِعقابا /
لدواعي ... أمنيّة..
_ ألو
_ شممت رائحتكِ عبرَ ال " ألو "
_ نبت الشوق على شفتيّ .
_ وارتفع شوقي حتى أعلى ركبتيّ.
_ وكيف أحتمي منه؟
_ ضميني الى صدرك . واحتمي .
_ ضممتُك من الكاحلين حتى الهضبتين
_وتعرّق الهواء
_ صنعتُ منكَ حديثا لا ينام
._ بنيتُكَ حرفا , حرفا
_ من يمينك الى شمالك ,
من أسفلكَ حتى أعلاك
_ اختمرت القصيدة , بانتظارِ العنوان. أينك ؟ هل تسمعني؟
_ نعم , ألملمُ ما تبقّى من رباطة الجأشِ ,
الاحق الأنفاس كي تهدأ ,
أخشى أن يطُلّ طفليَ العاشق من عينيّ
ويُُفتضح أمرُه.
_ لدواعي أمنية ؟
_ ذاك قدرُكِ
_ يا لأنانيّتك.
_ لازال فيّ بعضٌ من رجل الحب.
_ ولازلتُ في انتظارِ بلوغهِ سنّ الرّشد.
_ أحبّي عنّي وعنكِ .
أحبّيني بلا شروط ,
بلا وعود , بلا وصول.
_...أذا ؟
_ أبغضُ رجال السياسة.

elhamnaser@hotmail.com

الجمعة، ديسمبر 21، 2007

وسادة السماء


سعيد الشيخ
**
قبل السرير
الاعشاب تعلن عطشنا
لنعرف...
اننا مخلوقات من نقطة
وبعد السرير
الحجر يحمل جوعنا
لنفهم...
كيف الكرة الارضية
تدور.
كنا نضئ،
كلما اصابعنا تلامست بالمعاني
تأتي الاقمار
تختصر
انوارها على وجوهنا
فنتوهج
تحت غلالة الارتعاش.
ليل من حرير
كلما رنت ضحكاتك
على الرخام
واجتمع في بوحنا
هديل الحمام
وسوى البوح،
انا الاعمى في اللعبة
يخطفني بريقك من عماي/
اتلمس الطراوة في مكامنها
واطلق سهاما في الفلسفة
كي الجسد/
عينا الى البعيد
حيث الافق المتفكك
يتلملم/
على وسادة المساء.

الأربعاء، ديسمبر 19، 2007

ريبورتاج شعريّ: هنا البتراء



يوسف رزوقة

كنّا هناك ، في المدينة الورديّة، أغسطس 2007، جنوب البلاد ، بين عمّان و العقبة ، مدينة الأنباط الوردية، حيث قلعة الأسرار، وغير بعيد عنها جبل هارون وينابيع موسى السبعة . البتراء، إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.
رحلة أولى
مع لويس أرياس مانسو، محمد علي شمس الدين، إلياس لحّود، ميسون أبي بكر، حكمت النوايسة
سليمى وآخرين.
حدّثنا لويس أرياس مانسو، قال:
في مسلك العودة من البتراء

شعر لويس أرياس مانسوعرّبها عن الإسبانية يوسف رزوقة
في قحولة الصّحراء

تنهض فجأة واحات الوجود الخضراء
هنا ينهض العالمبين أودية وأودية
ويعود الماضي.

شيئا فشيئا، نرتاد المكان
أيّ معنى؟أيّ معنى للموت؟
رجل يمشي وحيدا

وطفلان ما انفكّا يحدّقان فينا
ونحن نمرّ حذوهماللوحدة عينان
وللصّمت شدو

يسوس الحادي قطيعه
أنا أيضاأمعن في التّحديق
والرّيح
وهي تقتفي خطانا

لا تني تكيّف هبوبها

شيئا فشيئا، نرتاد المكان
أيّ معنى؟
أيّ معنى للحياة؟ بعيدا
يرسم الضّوء أطيافا
هو التّاريخ إذ يتحرّك ويشرع في الدّورانيدي راجفة
يتسارع النّبض منّي
وعن أكل علفها، تنقطع الجمال
بعيدا جدّا، هناك أرى معركة مقاتلي الأمس البعيد في الصّحراء والشّاعر يرمقهم وهم يعبرون

يتوامض السّراب الرّمليّ
إلى حين انكشاف الصّخر المنحوت
نقوشا على الحيطان
تهبّ الآن لواقح قلبي
لكأنّني هنا كنت !
نعم وهو كذلك
حفرّيات تذيّل مسالك الزّمن

مقصّات لا تني تمطرق الذّكريات وللحبّ عبير ما..

يتسمّر الذّهن حياله.

نعم، أدري ذلك.
حين لامست حجارة المكان
دميت يدايومن ذعر فرّت
عصافير كانت في جيبي

لأظلّ وحيدا مع الذّكريات أهي دورات الحياة

أم هي دوائر الزّمن؟
حين نظرت من زاوية طفل هناك

عدت أنا أيضا إلى طفولتي الصّخريّة سماء عينيه السّوداوين تخطف خيالاتي الورديّة فيستوي الغبار نورا وعميق الصّمت سطحا
كلّ شيء يضجّ تحت حذائي

كلّ شيء ينشد توازنه كلّ شيء إلى توقّف

يتماسك كلّ شيء
كم مرّة كنت هنا؟

نعم، أدري ذلك.
بالكونات تتدلّى من الصّخور
وفي صمت، تطيل الأعمدة انتظارها
لتعد الحياة
وآن للشّاعر أن يعود كي يغنّي

وماذا بعد؟ تخرس الصّحراء
والبحر يموت

كانت تلك أزمنة صعبة
والشّاعر لا يزال ينتظر
لقد عاد فعلا
نعم، وهو كذلك.

**
رحلة ثانية
مع عادل القرشوليّ، زلهاد كلوتشنين، سميرة عوض، هيام الفرشيشي وآخرين.
ياسائق الباص، تمهّل !
يفي عادل القرشوليّ بالوعد:
يمضي إليها بكلّ هواه الدّمشقيّ،
في العمق منه عناقيد ظمأى
وشمس
وأشياء أخرى
وزلهاد ما بين نومين، يفتح عينا
ويغمض أخرى
يا سائق الباص تمهّل!
نتورّط في السّيق،
هذا المضيق الذي يتثعبن بين الصّخور الكتيمة،
ننشد ظلاّ
فتدهمنا الشّمس حيث اتّجهنا
ونوغل في الزّمن النّبطيّ
نقرأ الخربشات، الرّسوم، الظّلال القديمة والأثر النبطيّ
من صخور المكان المدينة قدّت
وبين ابتسامة ميسون أبي بكر
ينهض نبع
وتشرق شمس
يرنو عادل القرشولي إلى الفتى النبطيّ عند الصخرة العالية
فيوافيه هذا الأخير بنايه
يعزف عادل إحدى قرشوليّاته الشّجيّة
ثمّ يقرأ "حوارا مع موت معلن":
"يتقدم مني الموت ـ مازال لدي أمور لم أنجزها ـ فيقول سينجزها غيرك يوما ـ لست وحيدا فوق الأرض ـ أقول لدي نصوص لم أكتبها ـ فيقول سيكتبها غيرك بعد رحيلك في الفجر ـ أقول أنا لا يعزفني أحد غيري".
بأعلى صوتي،
أقتفي أثر البوسنيّ الذي نأى عنّا،
في متاهة البتراء:
زلهااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااد !
فيعود إلى الوراء
ويقرأ " للعذاب أربعة حيطان وبابٌ يؤدي إلى اتجاهٍ واحد"
يهاتف عادل القرشولي فيصل درّاج:
- لن نتأخّر !
ما أذكره أيضا

أنّنا حين عدنا
تراءى لنا في شفق الأشياء

ذئب يصعّد عواءه في اتّجاه ما.

ّكم كان قريبا وهو ينأى عنّا - يا سائق الباص، تمهّل !

المرفقات للتحلية:
* ديابوراما "البتراء، إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة" ( نسخة إسبانية) مع أغنية " كلمه حلوه وكلمتين، حلوه يا بلدى".
* صورة تذكارية، من اليمين إلى الشمال: اللبناني محمد علي شمس الدين، الشيلي لويس أرياس مانسو، التونسي يوسف رزوقة واللبنانية سليمى.

الثلاثاء، ديسمبر 18، 2007

صباحكم أجمل \ "دار قنديل" وعيد وبيسان


زياد جيوسي

غرب رام الله منظر باتجاه الساحل السليب"
بعدستي الشخصية

العيد.. كل عام وأنتم بخير، أمنيات وأحلام ورسائل قصيرة يكتظ بها هاتفي المحمول وعلبة بريدي الالكترونية، أبتسم لهذه التقاليد الرقمية الحديثة بالتهنئة، بعد أن غزتنا التكنولوجيا والثورة الرقمية، أتجه لمصلى صلاة العيد وأتذكر عبارة لطيفة متداولة عن رام الله تقول: "في رام الله في أعياد الفطر والأضحى يكون أول من يعّيد عليك صاحبك المسيحي، وفي عيد الميلاد يكون أول من يعيّد عليك صاحبك المسلم"، أتذكر هذه العبارة الجميلة وأنا أمر من دوار الساعة، فيكون الصيدلي إبراهيم إيليا أول من يلتقيني ويعيّد عليّ، أقرر أن أجول بعد الصلاة رغم رذاذ الأمطار وبرودة الجو في رام الله قليلاً، الشوارع فارغة إلا من بعض باعة الصحف في بعض الزوايا، بعض محلات الجزارة لتوفير خدمة ذبح الأضاحي، والذين يبدأون جولة الأعياد على أرحامهم مبكرين، فمنذ اشتداد الحصار وحواجز التفتيش على مداخل المدن وبينها، أصبحت المسافات أكثر تباعداً وتأخذ أكثر وقتاً، فلم تعد هناك طرقاً مباشرة بين المدن، وأصبح التحرك بين المدن مغامرة، إضافة للوقت الطويل والزمن الذي يدمر الأعصاب، فوجود ما يزيد عن مائة وثلاثين مستوطنة وما ينوف عن خمسمائة حاجز احتلالي، كفيلة بزيادة التمزيق للأرض والتواصل.
عيد يعود وغزة تحترق بين حصار وقتل وتدمير، فأطفال غزة لن يجدوا فرحة لعيد ولا وقت لفرحة، فلا تكاد تجد أسرة إلا ودفعت ثمناً باهظاً من الدم والدمار، فمن شهداء الغدر الصهيوني الذين يستشهدون كل يوم، هذا الغدر الذي لا يفرق بين راية وراية، حتى وصل العدد إلى اثنا عشر شهيداً خلال يومين، مروراً بضحايا القتل والتعذيب والتشويه في صراع الفصائل، إلى الجوع الذي ينخر العظام والبطون في ظل حصار يكاد أن يمنع الهواء، وصولاً إلى قمع واضطهاد للحريات والبشر، في ظل سيطرة البندقية على الحكم المنخور وأنفاس البشر.
هو العيد الذي تلتئم فيه شمل العائلات والأُسر في العالم إلا في وطني، فكيف يمكن أن تتجمع ألاف العائلات، وأفرادها بين أسير وشهيد ومفقود ومنفي، وأنا كالعادة ومنذ سنوات أجول وحيداً، فلا أُسرة هنا ولا أبناء، وحتى الأصدقاء كل يغادر إلى أهله وبلدته، وأبقى وحيداً أنا ورام الله والياسمين، وإن سيختلف الوضع قليلاً بوجود بيت أخي هذا العيد، فألتقيهم على الغداء ونقضي بعض من الوقت، ثم أعود وأعتكف بصومعتي حتى تنتهي العطلة مستغلاً الوقت بما هو مفيد بين قلم وقرطاس وحاسوب، أسير في دروب رام الله وأشعر بالبرد يخترق مني العظام والمفاصل، أستعيد بعض من أيام مضت على رام الله وجمالها، فقد أضيئت أشجار الزينة في المنارة احتفاءً بالعيدين الأضحى والميلاد، وأقيم أكثر من احتفال فني في القصبة وقصر الثقافة، وكم كنت متشوقاً لحضور حفل فرقة "شيبات"، هذه الفرقة القادمة من القدس وتضم في صفوفها قدامى العازفين والمغنين، فأسموا فرقتهم "شيبات" اشتقاقاً من الشيب الذي غزا ما تبقى من شعر على رؤوسهم، ولكن ظروف ما عزلتني عن المشاركة بالعديد من المناسبات، فلم أتمكن من حضور ثلاث احتفالات بين قصر الثقافة والقصبة، كما لم أتمكن من حضور إنارة شجرة الأعياد على دوار المنارة، ولم يتح لي إلا حضور الحفل الختامي لتوزيع جوائز الكاتب الشاب لبرنامج الثقافة والفنون للعام الحالي، الذي أقامته مؤسسة عبد المحسن القطان ككل عام، وفي هذا العام وكما العام الماضي كان الحفل على خشبة مسرح وسينماتك القصبة، وقد تميز الحفل بفقراته الفنية الجميلة وأسلوب إخراجه بحلة بهية، وزاد في ذلك حضور السيد عبد المحسن القطان لأرض الوطن وحضور الاحتفال، وتميز الحفل بتقديم فرقة جديدة شابة اسمها فرقة "دار قنديل"، وهي فرقة قادمة من طولكرم، رغم كل الظروف الصعبة التي تحيط بتلك المحافظة، ورغم العمر القصير لهذه الفرقة التي لم تتجاوز العامين، إلا أنها تحاول تطوير صوتها وأسلوبها المميز من خلال تقديم أغانٍ من إنتاجها الخاص، وللحقيقة لا بد أن أشير لقوة الصوت والأداء المميز لعضو الفرقة أحمد طنبوز، وصاحبة الصوت الجميل نجاح مخلوف، التي فقدت البصر ولم تفقد الحس والبصيرة، مما دفعني فور انتهاء الفرقة من أمسيتها القصيرة التي لم تتجاوز أربع أغنيات، للبحث عن مدير الفرقة الشاب علاء أبو صاع وتهنئته وأعضاء الفرقة، على أدائهم المميز، وتقديم شكري للسيد عبد المحسن القطان لإعلان تبرعه بمبلغ مالي لدعم الفرقة، فهؤلاء الشباب المتميزين بحاجة لوقفة من يستطيع أن يقف إلى جانبهم.
أزمة المواطنين في شوارع رام الله وفرق الكشافة التي تجولها، هي من مميزات الأيام التي تسبق الأعياد، ورغم البرد الشديد في الأمسيات إلا أن الناس تتأخر إلى وقت متأخر من الليل، متجاوزة البرد مستدفئة بالذكرى والأحاديث في الشوارع وعبث الأطفال ومناداتهم.
هو العيد يصر أن يبحث في دهاليز الذاكرة والطفولة فيعيدني لاستكمال مسيرة بدأت الحديث عنها، رحلة الطفولة والشتات واللجوء، فقد غادرني الأهل إلى القدس وبقيت لاجئاً بين لاجئين، حتى أكملت السنة الدراسية في الصف الثاني الابتدائي واستلمت نتيجة المدرسة لأنتظر قدوم والدي، الذي وصل على دراجته النارية بقامته الفارعة ولباسه العسكري، فسارعت لتقبيل يده وتقديم شهادتي المدرسية إليه، فابتسم وقال لجدتي: سأغيب ساعة أو أكثر وآتي لأخذه، وغادرني وسارعت الجدة بالمناداة على أحد خالاتي الكثيرات، قائلة لها: "حمميه" ليكون جاهزاً للسفر لوالدته، وبعد الحمام ألبستني بنطالاً جميلاً أزرق اللون بصدر وأزرار ملونة لامعة، كان من نصيبي من "بقجة" ملابس كانت توزع على اللاجئين، واحتفظت به جدتي لي لهذه اللحظة، فقبلت يدها مودعاً وشاكراً وحين حضر والدي وضعني بسيارة سفريات متجهة للقدس، سار أمامنا على دراجته النارية وأنا أشعر بالزهو به وهو يسير أمامنا طوال الوقت وكأننا في موكب رسمي، وسارت السيارة بطريق متعرج باتجاه الأغوار، وتوقفنا بالعدسية قليلاً للتزود بالماء من هذا النبع التاريخي الذي لم يتوقف يوماً عن العطاء، وكنت أنظر من نافذة السيارة لهذه الطريق التي لم أراها إلا مرة واحدة قبل هذه المرة، حين ذهبت بالرحلة المدرسية للبحر الميت، وكنت معجباً بمنظر الأشجار حيناً والجبال الجرداء حيناً آخر، ورغم ارتفاع درجة الحرارة في الأغوار، إلا أني كنت أتأمل الطريق وأتخيل لقاءي مع أمي وأخي جهاد وأختي الصغيرة، حتى وصلنا الجسر الفاصل بين الضفتين، ووقفنا لتدقيق الهويات قليلاً وأنا أتأمل نهر الأردن، أنظر للماء وهو ينساب فيه ماراً من تحت الجسر، فأتذكر كل ما سمعته عن النهر وقدسيته وتعميد السيد المسيح فيه، فأشعر بالنشوة والفرح، حتى اجتزنا النهر وبدأنا الإطلالة على أريحا.. فلسطين الآن.. الوطن الذي لم ألتقيه سابقاً، كانت فلسطين في الذهن فكرة جميلة ورائعة ولكنها حزينة، وصلنا أريحا واسترحنا قليلاً، وفي هذه الوقفات القصيرة كنت أسارع لأكون بجوار والدي حتى يحين وقت المسير، وسألته إن كان المشوار ما زال طويلاً، فأجاب بالنفي وعدت للسيارة لنغادر أريحا إلى القدس، القدس التي ترتبط بأذهاننا بالقدسية والحرم القدسي وقبة الصخرة الذهبية، وأحاديث سمعتها عن مجاهد كبير استشهد وهو يقاتل، فارتبط بأذهاننا بالبطولة والرجولة والشجاعة، فليرحم الله القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، وليرحم شهدائنا جميعاً.
هو الصباح إذاً والعيد يرافقه، أكمل جولتي وأنظر من البعيد للبحر السليب، لكن الغيوم تحجبه، والضباب يحجب زرقته التي تعيد لروحي بعض مما أفتقده من عبق جميل، فأذكر يافا وحيفا وبيسان والناصرة، أعود لصومعتي أحمل صحيفتي لأكتب وأحتسي قهوتي، أستذكر أحبة بعيدون وأهل فارقتهم، طيف قريب بعيد أشتاقه بقوة، آه يا طيفي الشقي الحلو أنت كم أفتقدك، أتفقد الطعام الذي أضعه للحمام والعصافير في حوض النباتات المتسلقة، أجدها قد أنهته بالكامل، أضيف بعض الحبوب والخبز للحوض، فلعل بعض الحمامات لم تأكل بسبب سيطرة كبيرات الحجم على البدايات، وقد اعتدت أن اترك لهذه الطيور البرية الطعام على النافذة، فلم تعد تخشى رؤيتي وهي تأكل مما قسم الله لها، أعد قهوتي المرة وابدأ بسماع شدو فيروز:
"كانت لنا من زمان بيارة جميلة ضيعة ظليلة ينام في أفيائها نيسان، ضيعتنا كان اسمها بيسان، خذوني إلى بيسان، إلى ضيعة الشتاء، هناك يعيش الحنان على الحفاف الرمادي، خذوني إلى الزهيرات إلى غفوة عند بابي، نعانق صمت التراب، أذكر يا بيسان يا ملعب الطفولة أفياءك الخجولة، وكل شيء كان، باب وشباكان، بيتنا في بيسان، خذوني مع الحساسين إلى الظلال التي تبكي، رفوف من العائدين على حنين لها تحكي".
صباحكم أجمل.


رام الله المحتلة